تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الرئيس ناظم العكاري



فؤاد طرابلسي
01-10-2009, 03:07 PM
الرئيس ناظم العكاري
عن جريدة البيان

عاش بهدوء، ورحل بمهابة، صاحب عقل مدبر، وحلم مبصر، وصبر وقوة، وشجاعة وطنية، وحرص على الدستور والقانون، فغدا هذا سمة حضوره المميز.
يقول الإمام علي عليه السلام: الحِلم غطاء ساتر، والعقل حسام قاطع، فاستتر خلَلَ خلُقِك بحلمِكَ، وقاتل هواك بعقلك. هكذا كان ناظم العكاري، الإداري الكبير والسياسي الحكيم، فقد كان قمة في الاباء والذود عن حياض الدستور والقانون، وعندما حاول البعض ان يغمطوا ذلك الدستور وهذا القانون جهلاً أو تجاهلاً، تصدى لهم بابتسامته المعهودة ونقده الرصين، ولم يسكت حتى أفحمهم وانتزع منهم الإعجاب.
كان ينصت الى محدثه باهتمام، حتى ظنه البعض قد ضاع في المتاهات، فإذا به الحاضر الناضر اللّماح الذاكر لما قيل وما بين السطور من غمز ولمز.
نذر حياته لخدمة بلاده، وكأن حدود الدنيا حدودها، والشمس تشرق من وراء جبالها وتغيب من أفق شطآنها، ليس هو بالقاسي فيُكسر، ولا بالليِّن فيُعصر، غير انه اميل الى اللين بدون شطط.
ناظم مصطفى العكاري من مواليد طرابلس سنة 1902 سليل عائلة كريمة عُدّت من أعمدة طرابلس السبعة أو أفندية البلد، وهم كما ذكرهم المؤرخ الشيخ كامل البابا: كرامي، المقدم، السندروسي الحسيني، الزيني، البركه، العكاري، علم الدين وفي رواية أحد المعمرين المغربي.
تلقى علومه الاولى في المدرسة السلطانية في طرابلس، وانهى تعليمه الثانوي في المقاصد الاسلامية في بيروت، ثم سافر الى أوروبا لإكمال تحصيله العلمي ونال الشهادات العليا في الإدارة من جامعة فيينا.
حين عاد الى وطنه التحق بالسلك الاداري وعين رئيساً لديوان محافظة زحلة، ثم انتقل الى طرابلس، ثم عين قائم مقام في بيت الدين فمحافظاً في زحلة فمدير عام رئاسة مجلس الوزراء. عيّنه الرئيس بشارة الخورى رئيساً لمجلس الوزراء ووزيراً للداخلية والانباء والزراعة والدفاع، ثم نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً في حكومة الجنرال فؤاد شهاب الانتقالية، وهو يحمل اكثر من ثلاثين وشاحاً ووساماً من لبنان ومن مختلف دول العالم.
في مساء يوم السبت في 17 كانون الاول سنة 1955، وبعد يوم مكفهر عاصف، أعقبه هطول أمطار غزيرة، رأى فيه اهل طرابلس أن السماء فتحت أبوابها فسقط منها في ساعة ما كان ينزل طوال أشهر، مما أدّى الى ارتفاع منسوب مياه النهر وفيضانه على الاحياء، واعتبرت هذه أدهى كارثة فيضان مرت في تاريخ طرابلس، ولم ترَ الدولة افضل من ناظم العكاري ليتولى الإشراف على مساعدة الاهالي المتضررين، وأقام مترجمنا فترة في طرابلس واجتمع مع محافظ الشمال نعيم عياش ومع رؤساء الدوائر والجمعيات والاحزاب لمعاينة الاضرار وإغاثة الملهوفين الذين أصبحوا بدون مأوى، وقد وصف اهل الرأي والمشورة الذين اجتمعوا بالرئيس ناظم أوصافاً متعددة، وقدروا حسن إدارته للاجتماعات وحكمته ورويته وسرعته في اتخاذ القرارات المناسبة.
وفي أوائل السبعينات من القرن الماضي طلبه الملك فيصل بن عبد العزيز من الدولة اللبنانية لإجراء إصلاحات تنظيمية في الادارة، فاعتمد إنشاء أول مجلس للخدمة المدنية، وأول ديوان للمحاسبة وغيرها في المملكة العربية السعودية، واستحق الثناء والتقدير من الملك فيصل رحمه الله.
في ذكرى وفاته أقف متهيباً لا لأعدد مآثره وأشيد بإنجازاته وافعاله فحسب، ولكن لاقول هنا كلمة منصفة ان هذا الرجل المتألق الهادئ بذل ذوب قلبه في خدمة بلده، فمن الحق ان نكافئه بالتقدير والتكريم، وتكريم المخلصين الشرفاء إنما يبلغ مداه المستمر في حفظ ذكراهم وترجمة افعالهم حتى لا تنساهم الاجيال القادمة.
ايها الرئيس الراحل، كم نحتاج في زماننا العاثر هذا الى عقلانيتك واستنارتك ونظافة كفك ودفاعك الدائم عن حقوق الدولة والناس في الدستور والقانون.
بعد تقاعده اكرمته الدولة وأحدثت له منصباً فخرياً هو عميد الاوسمة، وانتقل الى جوار ربه سنة 1985.
رحم الله ناظم العكاري وأسكنه فسيح جناته.

فؤاد طرابلسي
02-10-2009, 09:51 AM
70 : العدد

2008-06-18