المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النائب سالم كباره



فؤاد طرابلسي
01-10-2009, 03:28 PM
النائب سالم كباره
عن جريدة البيان

من مقلع الطيب، الى جوار الأنجم، وبينهما نجاح في المحاماة، وريادة في المدرسة، ونضال في العمل الوطني والمجلس النيابي، وفي كل الحالات يعرف كيف يختار ويتميز.
رحل سالم كباره منذ حوالي خمس عشرة سنة، وتحول جسده الطاهر الى حفنة تراب، هي في النتيجة، بعض الاخلاق الرفيعة، والعروبة الصافية، وبعضه الانقى والاطيب والأعمق كبرياء. مسيرته لا تختصر في مقال لان فيها صفحات كثيرة، وهّاجة منبتها صدق وأمانة من تاريخ طرابلس.
قال القاضي الاستاذ طارق زيادة في مقدمة مذكرات مترجمنا: "يبدو سالم كبارة على حقيقته الغنية كمحرك ثوري وناشط سياسي وعنصر ثقافي". ولد سالم احمد محمود كبارة في طرابلس سنة 1905، وتعلّم القراءة والكتابة في أحد الكتاتيب المنتشرة في تلك الفترة داخل أحياء المدينة المملوكية القديمة، وحفظ بعض سور القرآن الكريم، ثم إنتقل الى المدرسة الوطنية التي كان يديرها الشيخ جميل عدره، ودخل بعدها المدرسة الرشدية في حي التل بقي فيها حتى العام 1921. لازم فيلسوف الشرق الشيخ محمد الحسيني الذي ترك أثراً بالغاً في تكوين شخصيته وسلوكه وتفكيره وتمكينه من اللغة العربية والوقوف على جوهر الدين وفلسفة الاسلام. سافر مترجمنا الى دمشق للالتحاق بمعهد الحقوق في الجامعة السورية، وكان من المجلين وموضع ثقة الاساتذة وتقديرهم، ومن بين اساتذته رجالات كبار أمثال فارس الخوري ولطفي الحفار وابو اليسر عابدين وعبد القادر المغربي وعثمان سلطان وغيرهم، ومن زملائه في المعهد نصري المعلوف وقبولي الذوق.
أجيز للعمل كمحام سنة 1932 ومارس مهنة المحاماة متدرجاً في مكتب شقيقه المحامي اللامع حسن كباره لمدة سنتين ما لبث بعدهما ان صار محامياً بالإستئناف.
كان رحمه الله يواجه بشمخة رأس، وبأنف عال، مخربي الوطن ومؤجريه وبائعيه، لا يفرّق بين هوية وطائفة، كان مندفعاً للعمل الوطني ضد الانتداب الفرنسي، وكان من المجموعة التي دعت الى الإضراب العام سنة 1936، وفي نفس السنة قام مع نفر من رجالات طرابلس بتأسيس حزب الاتحاد العربي، ووضع له اهدافاً جاءت بمعظمها رداً على مواقف الحزب القومي السوري الذي يرفض الوحدة العربية، ومعه من المؤسسين الدكتور هاشم الحسيني والدكتور رفيق المرعبي والحاج أكرم عويضة والحاج عزمي ميقاتي وشوكت وراغب حولا وكان الاكثر تشجيعاً كما يقول في مذكراته الكاتب العدل الاديب سمير الرافعي.
في مطلع العام 1929 شكّلت حكومة برئاسة اميل ادّه، سميت حكومة الإنقاذ، قامت بإلغاء المدارس الرسمية وشجعت على ارتياد المدارس الخاصة، فثارت ثائرة طرابلس وقامت تستنكر هذا الإجراء، وارسل اربع عشرة شخصية طرابلسية برقية الى رئيس الوزراء هذا نصّها:
"لم يسجل التاريخ في اشد العصور ظلاماً، من عمد الى قتل المعرفة والعلم ونشر الامية والجهل كما سجل عهدكم، طرابلس المضربة إحتجاجاً ستسير في الاسبوع المقبل جموع شبابها وطالباتها وطلابها، ليواروا نعش العلم في مقبرة الظلمة والجهل".
بعد هذه البرقية أحيل موقعوها على المحكمة بجرم تحقير مقام رئاسة الوزارة، وحكم عليهم غيابياً بالسجن لمدة شهرين، لكن هذا الحكم لم ينفذ.
على اثر هذا قام الاستاذ سالم كباره بإنشاء المدرسة الاهلية الوطنية في العام 1936 كأول مدرسة مجانية في طرابلس، وقد تخرج منها شخصيات كثيرة لمعت في الحياة العامة وأخذت مناصب مرموقة.
في العام 1941 اسس فرعاً لحزب النجادة في مقاومة حزب الكتائب. وفي العام 1950 اسس حزب العمل اللبناني. وفي العام 1955 عمل على تشكيل الكتلة المتحدة التي ضمت عدداً من العاملين في الحقل السياسي بينهم قبولي الذوق ومحمد حسن حمزة اللذان أصبحا فيما بعد نائبين ومصطفى المقدم (أبو حمدي) وممدوح النملي وسليمان فرنجية الذي انتخب رئيساً للجمهورية.
في سنة 1964 فاز بالانتخابات النيابية على قائمة الرئيس الشهيد رشيد كرامي كما فاز مرة ثانية في دورة 1968.
في حياتنا بعض الاسماء، تضيء من وهج عطائها، تناضل بعمق وبوعي دون ان تطلب شيئاً، هكذا كان سالم كبارة في مسيرته، رجل عربي مسلم حر، سلاحه الكلمة الحرة، كان صوت ضمير طرابلس ما ترجل ما خاف كلمة الحق يجاهر بها أمام كل كبير.
وافته المنية في 13 ايلول سنة 1994، رحمه الله.

فؤاد طرابلسي
02-10-2009, 09:30 AM
112 : العدد

2009-05-06