المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدكتور عبد اللطيف البيسار



فؤاد طرابلسي
01-10-2009, 03:41 PM
الدكتور عبد اللطيف البيسار
عن جريدة البيان

في تاريخ طرابلس خلال القرن العشرين شذرات من مواقف الدكتور عبد اللطيف البيسار، الطبيب الجرّاح الوحيد خلال نصف قرن.
عبد اللطيف البيسار، حكاية عمر رسخت في عقول معاصريه من أهل طرابلس، اجترح الحلول المناسبة للعقد الكثيرة بأحلى صورة.
كان صاحب اللفتة والحضور، والقلب الكبير الذي يُخلص الحب لكل الناس، فكان جامعاً للشمائل والفضائل في ذاته، والمودة والالفة بين أبناء بلده، ولمّ شمل المختلفين والمتباعدين.
هو ألمعيّ، معتز بنفسه، نطاسي مميز، سياسي مجرب، وطني صادق، كان نبراساً للكثيرين من مواطنيه الذين عاصروه وعرفوه، قاوم الإنتداب فنفي. رحل عن هذه الدنيا مختصراً في حياته مسيرة الفيحاء في نصف قرن.
مدحه القاضي والوزير يوسف الحكيم في كتابه "سورية والعهد العثماني"، وأشاد بسمو المبادئ التي تحلى بها هو ومجموعة من شخصيات طرابلس.
ولد عبد اللطيف بن عبد الله البيسار في طرابلس ما بين سنة 1875 وسنة 1876، وأخذ دروسه فيها، ثم توجه الى عاصمة الخلافة في الاستانة ودخل مدرسة الطب وتخرّج منها حاملاً الشهادة النهائية ليس بتفوق فحسب بل كان داتماً الاول بين زملائه، وعاد الى طرابلس وأخذ يتعاطى مهنة الطب، إلا انه أحب ان يستزيد في علوم الطب فسافر الى المانيا حيث التحق بجامعتها، ورجع الى طرابلس وباشر بمعاينة المرضى وتطبيبهم، فبرع بالجراحة وكان يواسي الفقير ولا يكتفي بوصف الدواء له، بل كثيراً ما كان يعطيه ثمن الدواء ويجري العمليات الجراحية مجاناً وبدون مقابل.
في الثلاثينات من القرن الماضي كانت طرابلس تشرب من مياه نهر (أبو علي) بطريقة بدائية جداً، وكانت المياه تسري الى البيوت بواسطة قساطل فخارية وتصل غير نظيفة، مما كان يؤدي الى إصابة الكثيرين بأمراض معدية وموت العديد من الاطفال في سن مبكرة، فتنادى أولو الامر من أهل طرابلس بتشجيع من رئيس مجلس النواب الشيخ محمد الجسر لتأسيس شركة تقوم بتأمين وصول المياه النظيفة لسكان البلد، فوقع الإختيار على مياه نبع رشعين، وحاولت سلطات الإنتداب السيطرة على الشركة، إلا ان الاهالي رفضوا ذلك وألّفوا لجاناً تطوف الاحياء لتجمع الإكتتبات، وتمكنت من تأمين مبلغ وقدره الف ومئتا متر وبقي عليها قيمة ثمانمائة متر، وأمهل الحاكم الطرابلسيين يومين لتأمين المبلغ، وعندما عرض الامر على الدكتور البيسار أسرع، ودفع المبلغ المطلوب وقيمته بما يوازي خمسة آلاف ليرة ذهبية، وهكذا أنقذ الدكتور عبد اللطيف المشروع وأحبط محاولة الحاكم العسكري السيطرة على مياه الشفة، وتمّ شراء وجر مياه رشعين بأموال طرابلسية وبتصميم إبن طرابلس المهندس رشدي سلهب.
وكما إهتم مترجمنا بالقضايا الحياتية، نالت القضايا السياسية قسطاً وافراً من نشاطه فقاوم الإنتداب مع أهل طرابلس، وفي العام 1936 قامت الإضرابات إحتجاجاً على فصل الاقضية الأربعة بما فيها طرابلس عن سوريا، واستمر الإضراب أربعين يوماً، وحاولت سلطات الإنتداب بجميع الوسائل حل الإضراب فلم ينجحوا، فلجأوا الى إعتقال أعيان المدينة وعلى رأسهم الزعيم عبد الحميد كرامي والدكتور عبد اللطيف البيسار وغيرهم، حيث أبعدوا الى جزيرة أرواد. في هذه الاثناء عاد الوفد السوري من باريس بعد ان أجرى مفاوضات قضت بضم الاقضية الاربعة الى لبنان، ولم يحل الاضراب إلا بعد ان حضر الى طرابلس وفد كبير ضم سعد الله الجابري وجميل مردم بك وفخري البارودي ورياض الصلح، واجتمعوا الى الطرابلسيين في الجامع المنصوري الذي كان يكتظ بالجماهير مسلمين ومسيحيين، واقنعوهم بضرورة حل الإضراب لأنه لا جدوى منه، فما تقرر في مؤتمر باريس أصبح نافذاً.
ويذكر المؤرخ الشيخ كامل البابا ان المدينة بقيت أثناء الإضراب في هيجان عظيم وشغب، وتضايق الفقراء والعمال، فسد الطبيب عبد اللطيف البيسار رحمه الله، حاجة الكثيرين وخفف من ويلاتهم بما استطاعه من مال ومداواة.
الدكتور عبد اللطيف البيسار ينتمي الى أسرة بنسبها بآل الرافعي الذين يرجعون بأصولهم الى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على الارجح، ولآل البيسار طريقة صوفية متفرعة من الطريقة الخلوتية تسمى البيسارية نسبة الى الشيخ عمر بن ابي بكر البيسار المتوفي في القرن الثاني عشر هجري.
توفي مترجمنا سنة 1941، فبكته طرابلس وحزنت على هذه الشخصية الشفوقة، وأغلقت المدينة يوم وفاته، وتدفقت الحشود من طرابلس والجوار ومن كل الفئات والملل للإشتراك في مأتمه، وكان مشهداً قل مثيله، ولكأن هذه التعزية عبارة عن رد الوفاء بالوفاء والواجب بفضل. رحمه الله وأسكنه جنات النعيم.

فؤاد طرابلسي
02-10-2009, 09:35 AM
97 : العدد

2009-01-22