فؤاد طرابلسي
01-10-2009, 03:43 PM
الشيخ كاظم الميقاتي
عن جريدة البيان
كان ذلك المفتي القوي الحازم ورجل الدين الناصح المُبصر، الذي سبَر حال الناس فعرف ما يصلحها، وادرك سرّ الدين الذي اوحى الله به الى رسوله لاصلاح الامة، فجال في ميدانه جولة الشيخ العالم بثنيّات الطريق، واحاط علماً بالمسائل التي يُفتي فيها، فبينما نراه واعظاً لا يخاف في الله لومة لائم، يصوغ من كلمات النصح اشدها وقعاً وأقواها تأثيراً، اذا هو يدخل أبواب المجتمع ليرفع الضرر والأذى عن مدينته طرابلس ويسوس الناس بالعدل والرحمة.
لقد حبا الله شيخنا الجليل قلباً رقيقاً وعقلاً رشيداً، وعاطفة لإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم، كان رحمه الله دائم الابتسام طلق المحيا وكأن تباشير الصباح آتية بالخير لا محال، وهذا يدل على ايمانه العميق وثباته بالدين، كانت الدمعة لا تفارق عينه، وكم شوهد يذرف الدموع خشوغاً لله أثناء الصلاة أو امام موقف جلل.
ولد الشيخ كاظم بن خير الدين بن رشيد الميقاتي في طرابلس سنة 1884 م وهو ينتمي الى اسرة عُرفت بعلم الميقات والتقويم وهي وظيفة هامة في المؤسسات الدينية كان يتولاها مؤذن عارف بالمواقيت والفلك وعلم الهيئة يسمونه الميقاتي وكان اعتماده في تحديد الزمن قديماً على الساعة الرملية وغيرها من الآلات، قدم الجد الاعلى لآل الميقاتي الشيخ محمد، دفين مقبرة الجامع المنصوري عقب الإنتهاء من إنشاء الجامع المذكور سنة 1293 م بناء لطلب السلطان قلاوون.
دخل مترجمنا المدرسة الرشدية في طرابلس وانهى المرحلتين الابتدائية والثانوية حسبما ترجم له المؤرخ الدكتور عمر تدمري، ثم انتسب الى معهد الطب في دمشق لسنة واحدة، ثم رجع الى طرابلس حيث درس الفقه والعلوم الشرعية وتعمق في اللغة العربية على الشيخ حسين الجسر، والحديث على والده الشيخ خيرالدين والشيخ محمود نشابه وكان يجيد اللغتين العربية والتركية ويُلم بالفرنسية.
عمل مدرساً في المدرسة السلطانية، ثم أصبح مديراً لها كما أسندت اليه مفتشية المعارف العامة من طرطوس وصافيتا شمالاً حتى البترون جنوباً وكان ذلك قبل اعلان دولة لبنان الكبير، كما تولى التدريس والامامه والخطابة في جامع ارغون شاه. وفي سنة 1955 تسلم سدة الافتاء بعد انتخابه بما يشبه الاجماع، فانصرف في اثناء ذلك للاهتمام بشؤون الاوقاف الاسلامية ورعاية مصالح المسلمين، ووجد اهل طرابلس في المفتي الجديد مرجعاً كبيراً يقصدونه لقضاء حوائجهم، ويلتمسون منه الرأي والمشورة، فحالفه في ذلك الكثير من التوفيق، خصوصاً موقفه في حماية ملكية اراضي المسلمين في (رأس نحاش) حين سعى البعض لتسجيل ملكيتها لغير أصحابها الحقيقيين، وعندما هاج وفاض النهر الغضبان وأحدث الخراب والدمار في طرابلس، اسرع الحاقدون الى تجهيز الخرائط وعمل المخططات لتقويم مجرى النهر وكأن هذا التقويم لا يصلح إلا أن يتم على هدم المعالم التاريخية ومنها جامع البرطاسي الذي يضم اجمل محراب في طرابلس المملوكية، فكان الموقف الجريء الذي وقفه سماحته صبيحة يوم التنفيذ ورفع عصاه مهدداً متوعداً العمال والمهندسين وقبلهم وزير الاشغال العامة اميل البستاني ووجه نداءً الى رئيس الجمهورية، واضطرت الدولة الى النزول عند موقفه ولبت طلبه بالمحافظة على الأثر الإسلامي.
ترأس المفتي الميقاتي الوفد اللبناني في حفل افتتاح اعمال توسيع الحرم النبوي الشريف في المدينة المنوره سنة 1956 والذي ضم الشيخ شفيق يموت والحاج رشاد الميقاتي اطال الله عمره.
وترأس لجنة جمع التبرعات لبناء مسجد الصديق وزار من أجل ذلك الكويت وقطر والبحرين ثم قام بوضع الحجر الاساسي للمسجد نفسه. لقد كان الشيخ كاظم اهوى للحق واسلم للناس، فلقد التزم منهج أهل العلم والتقوى وكان من رجال الدين الذين ييسرون ولا يعسرون، وهذا موضع التمايز بينه وبين اترابه العلماء.
أفتظن ايها القارئ العزيز أن الناس من أهل طرابلس اتخذوا من المفتي كاظم الميقاتي مثالاً فيكلفون به هذا الكلف اذا لم يكن لسانهم الصادق ومرآتهم الصافية، كلا ليس من شك في أن صلة حقيقية قوية كانت تصل شيخنا وابناء بلده وتجعله ترجماناً صادقاً لما يخطر لطبقات الناس من خواطر وتمنياتت وآمال وما يختلج في نفوسهم من عواطف.
توجه شيخنا الى الأراضي المقدسة لاداء فريضة الحج، وبعد عودته بوقت قصير انتقل الى جوار ربه سنة 1378 هـ 1958 م.
لقد أحب أهل الفيحاء مفتيهم وبكوا حزناً يوم وفاته، وشيعته جماهير طرابلس بموكب رسمي وشعبي مهيب.
رحمه الله واسكنه جنات النعيم
عن جريدة البيان
كان ذلك المفتي القوي الحازم ورجل الدين الناصح المُبصر، الذي سبَر حال الناس فعرف ما يصلحها، وادرك سرّ الدين الذي اوحى الله به الى رسوله لاصلاح الامة، فجال في ميدانه جولة الشيخ العالم بثنيّات الطريق، واحاط علماً بالمسائل التي يُفتي فيها، فبينما نراه واعظاً لا يخاف في الله لومة لائم، يصوغ من كلمات النصح اشدها وقعاً وأقواها تأثيراً، اذا هو يدخل أبواب المجتمع ليرفع الضرر والأذى عن مدينته طرابلس ويسوس الناس بالعدل والرحمة.
لقد حبا الله شيخنا الجليل قلباً رقيقاً وعقلاً رشيداً، وعاطفة لإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم، كان رحمه الله دائم الابتسام طلق المحيا وكأن تباشير الصباح آتية بالخير لا محال، وهذا يدل على ايمانه العميق وثباته بالدين، كانت الدمعة لا تفارق عينه، وكم شوهد يذرف الدموع خشوغاً لله أثناء الصلاة أو امام موقف جلل.
ولد الشيخ كاظم بن خير الدين بن رشيد الميقاتي في طرابلس سنة 1884 م وهو ينتمي الى اسرة عُرفت بعلم الميقات والتقويم وهي وظيفة هامة في المؤسسات الدينية كان يتولاها مؤذن عارف بالمواقيت والفلك وعلم الهيئة يسمونه الميقاتي وكان اعتماده في تحديد الزمن قديماً على الساعة الرملية وغيرها من الآلات، قدم الجد الاعلى لآل الميقاتي الشيخ محمد، دفين مقبرة الجامع المنصوري عقب الإنتهاء من إنشاء الجامع المذكور سنة 1293 م بناء لطلب السلطان قلاوون.
دخل مترجمنا المدرسة الرشدية في طرابلس وانهى المرحلتين الابتدائية والثانوية حسبما ترجم له المؤرخ الدكتور عمر تدمري، ثم انتسب الى معهد الطب في دمشق لسنة واحدة، ثم رجع الى طرابلس حيث درس الفقه والعلوم الشرعية وتعمق في اللغة العربية على الشيخ حسين الجسر، والحديث على والده الشيخ خيرالدين والشيخ محمود نشابه وكان يجيد اللغتين العربية والتركية ويُلم بالفرنسية.
عمل مدرساً في المدرسة السلطانية، ثم أصبح مديراً لها كما أسندت اليه مفتشية المعارف العامة من طرطوس وصافيتا شمالاً حتى البترون جنوباً وكان ذلك قبل اعلان دولة لبنان الكبير، كما تولى التدريس والامامه والخطابة في جامع ارغون شاه. وفي سنة 1955 تسلم سدة الافتاء بعد انتخابه بما يشبه الاجماع، فانصرف في اثناء ذلك للاهتمام بشؤون الاوقاف الاسلامية ورعاية مصالح المسلمين، ووجد اهل طرابلس في المفتي الجديد مرجعاً كبيراً يقصدونه لقضاء حوائجهم، ويلتمسون منه الرأي والمشورة، فحالفه في ذلك الكثير من التوفيق، خصوصاً موقفه في حماية ملكية اراضي المسلمين في (رأس نحاش) حين سعى البعض لتسجيل ملكيتها لغير أصحابها الحقيقيين، وعندما هاج وفاض النهر الغضبان وأحدث الخراب والدمار في طرابلس، اسرع الحاقدون الى تجهيز الخرائط وعمل المخططات لتقويم مجرى النهر وكأن هذا التقويم لا يصلح إلا أن يتم على هدم المعالم التاريخية ومنها جامع البرطاسي الذي يضم اجمل محراب في طرابلس المملوكية، فكان الموقف الجريء الذي وقفه سماحته صبيحة يوم التنفيذ ورفع عصاه مهدداً متوعداً العمال والمهندسين وقبلهم وزير الاشغال العامة اميل البستاني ووجه نداءً الى رئيس الجمهورية، واضطرت الدولة الى النزول عند موقفه ولبت طلبه بالمحافظة على الأثر الإسلامي.
ترأس المفتي الميقاتي الوفد اللبناني في حفل افتتاح اعمال توسيع الحرم النبوي الشريف في المدينة المنوره سنة 1956 والذي ضم الشيخ شفيق يموت والحاج رشاد الميقاتي اطال الله عمره.
وترأس لجنة جمع التبرعات لبناء مسجد الصديق وزار من أجل ذلك الكويت وقطر والبحرين ثم قام بوضع الحجر الاساسي للمسجد نفسه. لقد كان الشيخ كاظم اهوى للحق واسلم للناس، فلقد التزم منهج أهل العلم والتقوى وكان من رجال الدين الذين ييسرون ولا يعسرون، وهذا موضع التمايز بينه وبين اترابه العلماء.
أفتظن ايها القارئ العزيز أن الناس من أهل طرابلس اتخذوا من المفتي كاظم الميقاتي مثالاً فيكلفون به هذا الكلف اذا لم يكن لسانهم الصادق ومرآتهم الصافية، كلا ليس من شك في أن صلة حقيقية قوية كانت تصل شيخنا وابناء بلده وتجعله ترجماناً صادقاً لما يخطر لطبقات الناس من خواطر وتمنياتت وآمال وما يختلج في نفوسهم من عواطف.
توجه شيخنا الى الأراضي المقدسة لاداء فريضة الحج، وبعد عودته بوقت قصير انتقل الى جوار ربه سنة 1378 هـ 1958 م.
لقد أحب أهل الفيحاء مفتيهم وبكوا حزناً يوم وفاته، وشيعته جماهير طرابلس بموكب رسمي وشعبي مهيب.
رحمه الله واسكنه جنات النعيم