تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الشاعر نقولا نوفل



فؤاد طرابلسي
02-10-2009, 09:42 AM
الشاعر نقولا نوفل
عن جريدة البيان


114 : العدد


2009-05-20


لقد حفلت طرابلس خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بمجموعة من العلماء والادباء والمربين والاداريين، دفعوا عجلة الحياة الفكرية والثقافية والادارية الى الامام، فكانت الدروس التي تلقى في المساجد ومجالس العلماء وندوات الأدباء ، تجذب اليها طلاب العلم من كل الأنحاء، حتى غدت طرابلس قبلة انظار طلبة العلم والمعرفة، ولهذا اطلق عليها الدكتور كُرنيليوس فانديك مدينة العلم والعلماء، والدكتور كُرنيليوس، مستشرق وطبيب اميركي هولندي الأصل، مؤسسة كلية الطب في جامعة بيروت الأميركية، وله مصنفات لغوية وطبية، واشترك بترجمة الكتاب المقدس الى العربية مع بطرس البستاني.
ومن هؤلاء المجموعة في طرابلس نقولا لطف الله جرجس نوفل.
ولد مترجمنا في طرابلس سنة 1817 وتعلم في كتاتيبها، والكتّاب يومئذ الوسيلة المتوفرة للدروس الأولية، فكان الطلبة يقرأون على شيخهم حروف الهجاء، ويتدرجون في القراءة حتى الخط، وهذا كان منتهى ما يبلغ اليه سواد المتعلمين، ثم ينتقلون الى الدروس التي تقام في مساجد المدينة وحلقات أهل العلم والأدب ، وكانوا كثراً.
ونقولا نوفل كان من الأذكياء كما يقول عنه المؤرخ الأديب عبد الله نوفل، الذين ينصرفون لقراءة ما تصل اليهم ايديهم من الكتب، واسعفه ذكاؤه واتقاد ذهنه فاصاب من آداب العربية حظاً، واخذ من التركية بنصيب حسن ولما اكتمل مال الى دراسة اللغة الفرنسية.
تولى ايام الحكم العثماني وهو ما زال صبياً مناصب عديدة منها مدير تحريرات حماه وطرابلس، ولما تعينت اللجنة الدولية سنة 1860 برئاسة الوزير فؤاد باشا للنظر في شؤون سوريا ولبنان، عيّن مترجماً لمندوب روسيا، ثم قائمقاماً لقضاء الكورة فعضواً في مجلس ادارة لبنان ورئيساً لمحكمة تجارة طرابلس، ثم انتخب في مجلس المبعوثان ليمثل طرابلس سنة 1877. كان نقولا نوفل خطيباً مفوهاً، حسن النطق، محاضراً واسع الاطلاع، جريئاً في قول الحق، شاعراً رقيق الاحاسيس، اشترك مع الاديب جبرائيل صدقه وابي نسيم عبد الله نوفل في نظم القصيدة الضائعة وشرحها في كتاب ضخم حوى زهاء ثلاثمائة صفحة، اما القصيدة فمطلعها:
وغادة حسنٍ اشهرت من لحاظها
حساماً قلوب العاشقين له غمد
وعندما تولى الوزير العثماني الذائع الصيت والملقب بابي الاحرار مدحت باشا شؤون سوريا ولبنان وانشأ التراموي بين طرابلس والأسكلة، أقام نقولا نوفل وليمة كبيرة له ونظم قصيدة طويلة قال فيها:
قد حلل الله بنت الكرم من قدم لحكمة وردت في الأربع الكتب
في سالف العهد قربانا وتقدمة
وفي النعيم بأكواب من الذهب
وهذه كأس عهد الوفق نشربها
بسر مدحت رب السيف والادب
وعندما زار قسطنطين ابن الامبراطور نقولا وشقيق الاسكندر الثاني مدينة القدس الشريف سنة 1859 هنأه بسلامة الوصول بقصيدة ، منها:
اباؤنا برحت ولم يبرح لهم
بالحلم في هذا الزمان حنين
بالبعد قد نظرت اليه وسلمت
ولها لرؤيته جوى وانين
دم عهدة التوفيق ان شقيقك الـ
اسكندر الملك العظيم ضمين
الى ان قال:
اشراف امته العظام اكابر الـ
فضلا وفي وجه الزمان جبين
ورجال دولته الكرام معاشر
ترتج دون ثباتهن حصون
والنصر في المدد الالهي اينما
حلت ركابك صاحب وقرين
ان كان مدح الفضل ديناً واجباً
ان الثناء عليك عندي دين
ومن شعره:
تعدى زندها الفضي عمداً لسرقته القلوب على جهار
لذا جعلت له الاكمام سجنا تقيده بسلسلة السوار
توفي نقولا لطف الله نوفل سنة 1895، وأقيم له ماتم حافل رثاه فيه كثير من الشعراء والادباء من المسلمين و المسيحيين لعلاقاته الوطيدة معهم، وما كان يتمتع به من خصال حميدة . رحمه الله.