فؤاد طرابلسي
02-10-2009, 09:54 AM
الشيخ نصوح البارودي
عن جريدة البيان
69 : العدد
2008-06-11
قيض الله لهذه المدينة طرابلس كوكبة من العلماء النجباء، ورجال الدين الاتقياء، وحفظة كتاب الله، أثروا الحياة الدينية، واغنوا جيلهم بالعلم والمعرفة والنهج القويم.
ومن هؤلاء، الشيخ نصوح البارودي، الصادق، الكثير الوعظ والارشاد، المخلص لله، الصوفي التقي، المعلم الرزين والمدرس الحصيف. ولد في طرابلس سنة 1895 من اب فقيه هو الشيخ مصطفى وهيب الذي ينتمي الى أسرة كريمة قدمت من قرية بنها البارود في أرض الكنانة، بعد ان فتح السلطان قلاوون طرابلس سنة 1289، لاقامة الشعائر الدينية من أذان وإمامة وخطابة في الجامع المنصوري الكبير، وحتى وقت قريب كان يُعرف الاذان في الجامع باسم اذان البارود.
قرا الشيخ نصوح العلوم الفقهية على يدي والده، وتلقى حفظ القرآن الكريم على أصوله المعروفة بواسطة استاذ ضرير وحافظ ماهر هو الشيخ سعيد الغزاوي والشيخ محمد ابي السعود الحكيم (جد نائب بيروت السابق عدنان الحكيم).
مارس شيخنا الفاضل التعليم والتدريس زهاء اربعين سنة في المدارس الرسمية والقسم الشرعي التابع لكلية التربية والتعليم، وكان من طلابه المشايخ الافاضل: عبد اللطيف زيادة، صبحي الصالح، طه الصابونجي، نور الدين البكري والدكتور علي شلق، كما خلف والده في وظيفتين: الامامة والتدريس في مسجد "القرطائي بك" الملاصق للجامع المنصوري، والخطابة يوم الجمعة في الجامع الاثري المعروف بمسجد سيدي عبد الواحد، وكان العلامة محمد ابراهيم الحسيني ينيبه للتدريس في مدرسة الدبها.
في الخمسينات من القرن الماضي كنت اصحب والدي يرحمه الله الى مسجد "القرطاوية" كما يسميه اهل البلد للصلاة وراء الشيخ نصوح في شهر رمضان المبارك عند صلاة الفجر والعشاء ثم التراويح، وكان يقرأ في كل يوم جزءاً من القرآن الكريم، حتى إذا ما وصلنا الى السابع والعشرين من الشهر الكريم، يكون قد ختم المصحف الشريف بكامله ، وكان رحمه الله من المواظبين على الاعتكاف في العشر الاواخر من شهر الصيام اقتداءً بالسنّة المباركة حيث كان يلازم المسجد ويقضي وقته في تلاوة الاذكار والاوراد والقيام بالشعائر الدينية ، ولا يخرج إلا صبيحة عيد الفطر، وكنا بعد صلاة العصر نذهب الى غرفة الاثر الشريف للاستماع الى مجموعة من حفظة القرآن الكريم في طرابلس، فكان الى جانب الشيخ نصوح الشيخ محمد صلاح الدين كبارة، والشيخ محمود الصايغ، والشيخ علي شيخ العرب.
ومن الجدير ذكره في سيرة شيخنا الفاضل، انه كان يتردد في فترة من الفترات الى بلدة القلمون ساعياً على قدميه ذهاباً وإياباً، وذلك لالقاء الدروس الدينية، وكان ابناء البلدة واهل الجوار يهرعون الى درسه ليتزودوا من علمه ويتدبروا أمور دينهم واحكام شريعتهم.
لقد كان الشيخ نصوح يقضي معظم وقته في ذكر وفكر، مواظباً على القيام بواجباته الدينية رغم تقدمه بالسن، على نحو يبعث التقدير والاحترام لروح الشباب الايمانية التي كان يتمتع بها، وكان يعظم حرمات الدين ويبغض الجدل والكلام على غير طائل، كأنبل وانقى رجالات طرابلس، في سنة 1981 انتقل شيخنا الى جوار ربه، وقد رثاه عدد من العلماء والشعراء، من بينهم المهندس النقيب اشرف كباره رحمه الله، وأرّخ وفاته بحساب الجُمل والأرقام الشعرية، ونقشت هذه الابيات المعبرة فوق ضريحه في مدفن العائلة بمقبرة باب الرمل:
نصُوحُ مِنحةُ اللهِ الكريمِ قضى نحباً لِيظفَرَ بالكريمِ
لقد حفِظَ الكتاب بِظهرِ قلبٍ يُرتلُهُ بتجويد رخيمِ
فقام بمسجدِ التقوى إماماً يُقيمُ شعائر الدينِ القويمِ
ويشفعها بوعظ مستفاضٍ يُماثِلُ وعظ لقمانِ الحكيمِ
مضى قُطبُ التُّقى يا صاحِ أرّخ نصوحُ دَرْجُ غُفران الرحيمِ
نسأل الله تعالى ان يكرم شيخنا ويرحمه ويجزل ثوابه.
عن جريدة البيان
69 : العدد
2008-06-11
قيض الله لهذه المدينة طرابلس كوكبة من العلماء النجباء، ورجال الدين الاتقياء، وحفظة كتاب الله، أثروا الحياة الدينية، واغنوا جيلهم بالعلم والمعرفة والنهج القويم.
ومن هؤلاء، الشيخ نصوح البارودي، الصادق، الكثير الوعظ والارشاد، المخلص لله، الصوفي التقي، المعلم الرزين والمدرس الحصيف. ولد في طرابلس سنة 1895 من اب فقيه هو الشيخ مصطفى وهيب الذي ينتمي الى أسرة كريمة قدمت من قرية بنها البارود في أرض الكنانة، بعد ان فتح السلطان قلاوون طرابلس سنة 1289، لاقامة الشعائر الدينية من أذان وإمامة وخطابة في الجامع المنصوري الكبير، وحتى وقت قريب كان يُعرف الاذان في الجامع باسم اذان البارود.
قرا الشيخ نصوح العلوم الفقهية على يدي والده، وتلقى حفظ القرآن الكريم على أصوله المعروفة بواسطة استاذ ضرير وحافظ ماهر هو الشيخ سعيد الغزاوي والشيخ محمد ابي السعود الحكيم (جد نائب بيروت السابق عدنان الحكيم).
مارس شيخنا الفاضل التعليم والتدريس زهاء اربعين سنة في المدارس الرسمية والقسم الشرعي التابع لكلية التربية والتعليم، وكان من طلابه المشايخ الافاضل: عبد اللطيف زيادة، صبحي الصالح، طه الصابونجي، نور الدين البكري والدكتور علي شلق، كما خلف والده في وظيفتين: الامامة والتدريس في مسجد "القرطائي بك" الملاصق للجامع المنصوري، والخطابة يوم الجمعة في الجامع الاثري المعروف بمسجد سيدي عبد الواحد، وكان العلامة محمد ابراهيم الحسيني ينيبه للتدريس في مدرسة الدبها.
في الخمسينات من القرن الماضي كنت اصحب والدي يرحمه الله الى مسجد "القرطاوية" كما يسميه اهل البلد للصلاة وراء الشيخ نصوح في شهر رمضان المبارك عند صلاة الفجر والعشاء ثم التراويح، وكان يقرأ في كل يوم جزءاً من القرآن الكريم، حتى إذا ما وصلنا الى السابع والعشرين من الشهر الكريم، يكون قد ختم المصحف الشريف بكامله ، وكان رحمه الله من المواظبين على الاعتكاف في العشر الاواخر من شهر الصيام اقتداءً بالسنّة المباركة حيث كان يلازم المسجد ويقضي وقته في تلاوة الاذكار والاوراد والقيام بالشعائر الدينية ، ولا يخرج إلا صبيحة عيد الفطر، وكنا بعد صلاة العصر نذهب الى غرفة الاثر الشريف للاستماع الى مجموعة من حفظة القرآن الكريم في طرابلس، فكان الى جانب الشيخ نصوح الشيخ محمد صلاح الدين كبارة، والشيخ محمود الصايغ، والشيخ علي شيخ العرب.
ومن الجدير ذكره في سيرة شيخنا الفاضل، انه كان يتردد في فترة من الفترات الى بلدة القلمون ساعياً على قدميه ذهاباً وإياباً، وذلك لالقاء الدروس الدينية، وكان ابناء البلدة واهل الجوار يهرعون الى درسه ليتزودوا من علمه ويتدبروا أمور دينهم واحكام شريعتهم.
لقد كان الشيخ نصوح يقضي معظم وقته في ذكر وفكر، مواظباً على القيام بواجباته الدينية رغم تقدمه بالسن، على نحو يبعث التقدير والاحترام لروح الشباب الايمانية التي كان يتمتع بها، وكان يعظم حرمات الدين ويبغض الجدل والكلام على غير طائل، كأنبل وانقى رجالات طرابلس، في سنة 1981 انتقل شيخنا الى جوار ربه، وقد رثاه عدد من العلماء والشعراء، من بينهم المهندس النقيب اشرف كباره رحمه الله، وأرّخ وفاته بحساب الجُمل والأرقام الشعرية، ونقشت هذه الابيات المعبرة فوق ضريحه في مدفن العائلة بمقبرة باب الرمل:
نصُوحُ مِنحةُ اللهِ الكريمِ قضى نحباً لِيظفَرَ بالكريمِ
لقد حفِظَ الكتاب بِظهرِ قلبٍ يُرتلُهُ بتجويد رخيمِ
فقام بمسجدِ التقوى إماماً يُقيمُ شعائر الدينِ القويمِ
ويشفعها بوعظ مستفاضٍ يُماثِلُ وعظ لقمانِ الحكيمِ
مضى قُطبُ التُّقى يا صاحِ أرّخ نصوحُ دَرْجُ غُفران الرحيمِ
نسأل الله تعالى ان يكرم شيخنا ويرحمه ويجزل ثوابه.