المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ صبحي الصالح



فؤاد طرابلسي
02-10-2009, 10:02 AM
الشيخ صبحي الصالح
عن جريدة البيان


67 : العدد


2008-05-28


لا أحسبني أسوت في حياتي على غياب عالم فقيه أساي يوم علمت باستشهاد الشيخ صبحي الصالح، فهذا الموسوعي القدير كان ابداً يتألق ايماناًعميقاً، وفكراً سليماً، حتى كاد منطق التكامل يستوي بين علمه وإيمانه. صبحي الصالح نابغة طرابلس وخطيبها المفوّه الذي هزّ المنابر بالكلمة الراقية، وصفه سماحة الشيخ طه الصابونجي بعشيق قيمتين إسلاميتين كبيرتين، الحرية والعدالة، ثم قال كان إماماً من أئمة اللغة العربية، ورائداً من رواد التجديد، تجديد الفهم، والاستنباط والخطاب ضمن القواعد الشرعية والدلالات اليقينية.
ولد صبحي الصالح في طرابلس سنة 1926من أسرة متدينة ظهر فيها عدد من العلماء الاتقياء الصالحين، فلقبت العائلة بالصالح، والصالح في اللغة المؤدي لحقوقه وواجباته تجاه قومه، والخليق الجدير المؤهل، وصبحي المنسوب الى الصبح والصباح، قالت العرب: اغنى الصباح عن المصباح.
لست هنا بصدد ابراز صفات الشيخ العملاق، وتعداد محاسنه فحسب، بل جلّ ما ابغيه هو إضاءة على بعض جوانب شخصيته وانجازاته.فمنذ دراسته الشرعية، وعبر مسيرته الادبية، لم يدع الشيخ صبحي يوماً يمر إلا وتزود لنفسه فيه الزاد النافع، فنال الاجازات الجامعية في اصول الدين والآداب واللغة الانكليزية من الازهر الشريف، ثم الدكتوراه من السوربون بامتياز على اطروحته:
الدار الآخرة في القرآن الكريم، والاسلام وتحديات العصر، وبلغ في اللغة الفرنسية مستوى كبار ادبائها.
كان رحمه الله حريصاً على متابعته العلمية وتطويرآفاق ثقافاته، فنمّاها وفعّلها واعملها اعمالاً مدروسة، فقد أصدر أكثر من عشرين مؤلفاً، ترجم بعضها الى عدة لغات اجنبية، واعتمدت بعض الجامعات العربية كثيراً منها كمراجع اساسية، أهمها:
مباحث في علوم القرآن، الاسلام والمجتمع العصري، فلسفة الفكر الديني في المسيحية والاسلام، ومنهل الواردين، كما اشرف على ترجمة معاني القرآن الكريم الى الفرنسية، وفي عام 1986 منحته المنظمةالعربية للتربية والثقافة والعلوم جائزة القرن العشرين للتفكير والاجتهاد في الاسلام.
قال عليه الصلاة والسلام: من يُرِد اللهُ به خيراً، يفقهُهُ في الدين، وقال ايضاً: العلماء ورثة الانبياء، ان العلماء لم يرثوا ديناراً ولا درهماً أنما ورثوا العلم، فمن اخذ به أخذ بحظ وافر.
والشيخ صبحي هو من هؤلاء العلماء ان شاء الله الذين طافوا الامصار ليتفقهوا في علوم الدين والدنيا، وقد يتشابه العلماء عندنا في تنوع مذاهبهم واحاطتهم بالوان الثقافات وبراعتهم في عمق الفكر، إلا ان مترجمنا هوالكوكب الوقاد الذي يدل على نفسه بنفسه دونما حاجة الى اكليل غار يضعه الناس على رأسه، لأن في هذا الرأس من العلوم والثقافة ما لا تضاهيه اكاليل الغار ولا تحاكيه اهاليل العمار، والعمار فيما ذكر بالمصادر هو نبات طيب الريح حلو العبير، كان الاغريقيون يلاقون به قادة الانتصار.
أحبَّ صبحي الصالح بلده، عاصمة الاتحاد الفينيقي ثم عاصمة المملكة الطرابلسية المحروسة ايام حكم بني عمار ومكتبتها العظيمة، واستمد من هذا التراث الموروث القوة والرفعة، واخذ مركزه المرموق في العالم الاسلامي بين العلماء النهضويين الاصلاحيين امثال الافغاني وعبده ورضا، وما كتاباته وأبحاثه وأحاديثه العديده إلا توكيد على ذلك.
لقد خسرت طرابلس وخسر العالم الاسلامي عالماً عليماً وركناً ركيناً لا يعوض في ردح من الزمن، ولانه كان صوتاً جارحاً في وجه الظلم والحرمان، يدعو الى نصرة شعوب الارض المستضعفة والمستعمرة، اغتاله المجرمون ليسكتوا صوته، لكن ستظل سيرة حياته بعد الاستشهاد فكراً باقياً ومدرسة للاجيال تغرف من معينها وتهتدي بهديها، وكان استشهاده سنة 1986رحمه الله.