فؤاد طرابلسي
02-10-2009, 10:07 AM
القاضي سعيد عدره
عن جريدة البيان
75 : العدد
2008-07-23
لقد مضى وترك وراءه ذكرى عطرة، اختلط فيها العلم النافع والقضاء النزيه والتواضع الجم، بنفحة من الصدق والعدالة والمروءة، تأتيه فتراه باشاً باسماً سائلاً عن كل من تحب. كان واسع الثقافة العامة والحقوقية خاصة، فقد درس على فحول اساتذة القانون واللغة ما جعله ملماً قوياً فيما يدور من افانين البحث العلمي في محيط الحقوق والادب.
كان سعيد عدره ساكن الجأش، طيب النفس، حصيف الرأي، ذا عقل وأدب، وذا تجربة بالاحكام، حيث وصل الى مرتبة لم يكن سهلاً الوصول اليها لو لم يكن من العلم والنزاهة والدراية والحكمة.
ولا شك ان سعيداً تهيأت له أسباب البحث والنظر في مشاكل البشر، والقضاء الذي اصبح رئيساً فيه، بما لم يتهيأ لغيره الوصول اليه، خصوصاً وهمة القاضي منصرفة الى تحقيق الانصاف، ولا يهنأ له بال حتى تمسي العدالة تامة في كل وجه . لقد اتسع الافق امام عقل هذا القاضي الكبير، ولم تقف به الهمة عند الاخذ من كتب الحقوقيين اللبنانيين، بل تعدتها الى الاخذ من كل ما طاب له من ضروب المعارف، واتسع في الاحكام وبلغ الذروة العليا في القضاء، فأخذ قوة العدل وجدّة الحق، لأن روح العدالة لديه اقوى من روح النص. لقد كان قاضياً ملء اهابه، فاشترك بمسائل قانونية كثيرة، وجادل وجُودل، وسمع و استمع اليه، وكان من القضاة الذين يُيسرون كل عسير من أمور الناس، وهو اهوى إلى الحق وأسلم للبشر، وقال فيه قائل: سعيدٌ أمَنُّ أهل المظلومين على اهل الظالمين، وادرى الناس بامر العدل والانصاف، فهو من معدن الذهب الخالص لم يدركه الخبث فيحتاج الى النقاء، وقد لا تجد انساناً يعرفه، إلا ويقر بمناقبيته، لاسيما وانه الملجأ للمختلفين والفيصل بين المتنافسين، انه من الجيل الذي اختزن حكمة الاباء وعرف طموح الابناء.
ولد محمد سعيد اكرم عدره في طرابلس في 15 كانون الأول سنة 1936، وتلقى علومه الابتدائية في مدرسة الزاهرية مع زميله في القضاء الرئيس طارق زيادة، والثانوية في كلية التربية والتعليم الاسلامية، وحظي بوجود الاستاذ الشاعر درويش التدمري ودروس اللغة العربية ونوادر وطرائف الاعراب، ونال شهادة الحقوق من الجامعة اللبنانية سنة 1965، ودخل المعهد القضائي وتخرج منه سنة 1968، وتدرج في القضاء حتى وصل الى ترؤسه الغرفة المدنية في محكمة التمييز، وكان استاذاً محاضراً في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية في مادة القانون المدني والتجاري، كما لديه ابحاث قانونية ومحاضرات في شؤون القضاء.
القاضي سعيد عدره ينتمي الى اسرة عريقة في طرابلس وباقي البلاد، وعدره (وقد يكتب عذرا وهذا لفظة في الساميات) عربي، ومن معانيه الجرأة والاقدام، ونجم من منازل القمر، وقال بعضهم: بل هو من الجوزاء، وفي التاريخ هو اسم قبيلة في اليمن توصف بشدة العشق والهوى والعفة، ويقول العينطوريني، انهم قدموا من المرقب وتربطهم صلة بآل المقدم في طرابلس، بل يقول نوفل في التراجيم ان بني المقدم وآل عدره في طرابلس هم من فروع آل الشاعر. لقد كان القاضي سعيد عدره يبرّ ويسرّ، خلوقاً ودوداً قريباً من الناس يصحّ فيه قول الشاعر:
كأنك من كلّ القلوب مكوّن فانت الى كل الانام حبيب
تلكم كانت ملامح من حياة قاض نزيه، اما وقد بارحتنا منه صورة اللحم والدم، فقد تحول الى وعي في ضمير القضاء.
رحمك الله واسكنك جنات النعيم
عن جريدة البيان
75 : العدد
2008-07-23
لقد مضى وترك وراءه ذكرى عطرة، اختلط فيها العلم النافع والقضاء النزيه والتواضع الجم، بنفحة من الصدق والعدالة والمروءة، تأتيه فتراه باشاً باسماً سائلاً عن كل من تحب. كان واسع الثقافة العامة والحقوقية خاصة، فقد درس على فحول اساتذة القانون واللغة ما جعله ملماً قوياً فيما يدور من افانين البحث العلمي في محيط الحقوق والادب.
كان سعيد عدره ساكن الجأش، طيب النفس، حصيف الرأي، ذا عقل وأدب، وذا تجربة بالاحكام، حيث وصل الى مرتبة لم يكن سهلاً الوصول اليها لو لم يكن من العلم والنزاهة والدراية والحكمة.
ولا شك ان سعيداً تهيأت له أسباب البحث والنظر في مشاكل البشر، والقضاء الذي اصبح رئيساً فيه، بما لم يتهيأ لغيره الوصول اليه، خصوصاً وهمة القاضي منصرفة الى تحقيق الانصاف، ولا يهنأ له بال حتى تمسي العدالة تامة في كل وجه . لقد اتسع الافق امام عقل هذا القاضي الكبير، ولم تقف به الهمة عند الاخذ من كتب الحقوقيين اللبنانيين، بل تعدتها الى الاخذ من كل ما طاب له من ضروب المعارف، واتسع في الاحكام وبلغ الذروة العليا في القضاء، فأخذ قوة العدل وجدّة الحق، لأن روح العدالة لديه اقوى من روح النص. لقد كان قاضياً ملء اهابه، فاشترك بمسائل قانونية كثيرة، وجادل وجُودل، وسمع و استمع اليه، وكان من القضاة الذين يُيسرون كل عسير من أمور الناس، وهو اهوى إلى الحق وأسلم للبشر، وقال فيه قائل: سعيدٌ أمَنُّ أهل المظلومين على اهل الظالمين، وادرى الناس بامر العدل والانصاف، فهو من معدن الذهب الخالص لم يدركه الخبث فيحتاج الى النقاء، وقد لا تجد انساناً يعرفه، إلا ويقر بمناقبيته، لاسيما وانه الملجأ للمختلفين والفيصل بين المتنافسين، انه من الجيل الذي اختزن حكمة الاباء وعرف طموح الابناء.
ولد محمد سعيد اكرم عدره في طرابلس في 15 كانون الأول سنة 1936، وتلقى علومه الابتدائية في مدرسة الزاهرية مع زميله في القضاء الرئيس طارق زيادة، والثانوية في كلية التربية والتعليم الاسلامية، وحظي بوجود الاستاذ الشاعر درويش التدمري ودروس اللغة العربية ونوادر وطرائف الاعراب، ونال شهادة الحقوق من الجامعة اللبنانية سنة 1965، ودخل المعهد القضائي وتخرج منه سنة 1968، وتدرج في القضاء حتى وصل الى ترؤسه الغرفة المدنية في محكمة التمييز، وكان استاذاً محاضراً في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية في مادة القانون المدني والتجاري، كما لديه ابحاث قانونية ومحاضرات في شؤون القضاء.
القاضي سعيد عدره ينتمي الى اسرة عريقة في طرابلس وباقي البلاد، وعدره (وقد يكتب عذرا وهذا لفظة في الساميات) عربي، ومن معانيه الجرأة والاقدام، ونجم من منازل القمر، وقال بعضهم: بل هو من الجوزاء، وفي التاريخ هو اسم قبيلة في اليمن توصف بشدة العشق والهوى والعفة، ويقول العينطوريني، انهم قدموا من المرقب وتربطهم صلة بآل المقدم في طرابلس، بل يقول نوفل في التراجيم ان بني المقدم وآل عدره في طرابلس هم من فروع آل الشاعر. لقد كان القاضي سعيد عدره يبرّ ويسرّ، خلوقاً ودوداً قريباً من الناس يصحّ فيه قول الشاعر:
كأنك من كلّ القلوب مكوّن فانت الى كل الانام حبيب
تلكم كانت ملامح من حياة قاض نزيه، اما وقد بارحتنا منه صورة اللحم والدم، فقد تحول الى وعي في ضمير القضاء.
رحمك الله واسكنك جنات النعيم