تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المربي أنور المقدم



فؤاد طرابلسي
02-10-2009, 10:09 AM
المربي أنور المقدم
عن جريدة البيان

76 : العدد


2008-07-30



يحدثونك عن التربية والتعليم والعروبة والوطنية، عن ذاك الزمان المضيء الذي مضى ولن يعود. يحدثونك عن رجال التربية والتعليم الأبرار، الذين أعطوا النشء الجديد بقلوبهم وعقولهم كل ما يملكون، فأحسنوا العطاء.
هؤلاء التربويون ظهورهم كالنيازك: شهاب يسطع على مسافة السنين ليملأ سماء طرابلس إشراقاً ونوراً، ويغيبون ويبقى سطوعهم في غيابهم.
المربي الأستاذ أنور المقدم من هؤلاء النخبة، وقد روى تربة فكرنا بالمعرفة وبزاد الثقافة، والذي أكد على الهوية العربية المنبعثة من الأصول والجذور، والمنفتحة المتصلة بسائر الثقافات الانسانية، رجل تربية وتعليم التزم قضية أمته الأولى، قضية فلسطين، فذهب في الأربعينات من القرن الماضي مع بعض رفاقه للذود عن حياض الوطن في فلسطين، فلسطين القيامة والأقصى، وقاتل المعتدين الصهاينة، فأعطى النشء الجديد درساً في المقاومة والنضال، وأبرز خطورة المخطط الصهيوني، وتأثيراته السلبيةعلى لبنان والعالم العربي، لقد كان المربي أنور المقدم يعمل عقله وفكره وحسّه في بنيان النشء، فإذا به صاحب مدرسة في التربية والتعليم والوطنية وليس مدير مدرسة فحسب، وأصبح مرجعاً هاماً في شؤونها وشجونها، ينهل الجيل من هذا المعين الذي لم يبخل في عطاء، ولم يحتكر علمه ومعرفته، بل لا بد أن يفيض على الآخرين، فعرفناه عن كثب في مطلع شبابه بعد أن اتخذ لنفسه موقعاً ثورياً، رافضاً كل ما يشوب الوطن والأمة من ظلام وتخلف، وأنسنا فيه الصدق والاستقامة والحيوية المستمرة، وكان صريحاً واضحاً لا يؤمن بأنصاف الحلول.
لقد أسهم أنور أفندي في مضمار التربية والتعليم والوطنية، إسهام المفكر الباحث لمختلف المواقف التنويرية،وعني بصياغة التربية العربية حتى يكون الشاب الطرابلسي عربياً بحق،يسعى لرسم معالم الطريق لغد أفضل، فجيل الرواد في حركة العروبيين كانت تعيش مرحلة التحولات الجذرية، للتخلص من كل أشكال الوصاية والحماية والسيطرة والاحتلال وغيرها. في مسيرته معالم مضيئة امتازت بإضافات، فهو رحب البعد العقلي والانفتاح الحضاري.
ولد أنور عاصم المقدم في طرابلس سنة 1917 أمه السيدة ناجية بنت المحامي اللامع أحمد سلطان، تزوج من السيدة خديجة بنت السيد ابراهيم المقدم ورزق بسبعة أولاد.
تلقى علومه الأولى في مدرسة الفرير حتى صف البكالوريا، ثم انتقل إلى كلية التربية والتعليم، وأنهى فيها المرحلة الثانوية، بعدها توجه إلى بيروت للالتحاق بدار المعلمين وحصل على الشهادة التعليمية العالية، عيّن مدرساً في كلية التربية والتعليم بطرابلس لمدة سنة، ثم دخل سلك التعليم في وزارة التربية فدرّس في النبطية وعكار، فطرابلس إلى أن أصبح مديراً لمدرسة النموذج للصبيان. انتسب إلى جمعية مكارم الأخلاق الاسلامية، وإلى جمعية الخدمات الاجتماعية ثم الرابطة الثقافية.
ينتمي الأستاذ أنور إلى أسرة عريقة يتصل نسبها بالأمير شمس الدين ابن المقدم الوصي على حكم دمشق بعد وفاة السلطان نور الدين الزنكي، وأحد القادة العسكريين للسلطان صلاح الدين في حروبه مع الفرنجة، وهو من فرع آل المقدم حكام المنطقة الأولى من المرقب، وأول ذكر لهم في لبنان سنة 1615 حيث عرفوا بآل الشاعر حكام بلاد البترون واتخذوا من تولا مقراً لهم، وعلى أثر نزاعات سياسية تركوا تولا وانتقل قسم إلى إيعال وأصبحوا حكام الزاوية والكورة والجبة، وقسم آخر ذهب إلى قلعة الخوابي والمرقب قرب طرطوس، وفي سنة 1813 توجه أحد مقدمي المرقب أحمد أفندي لاداء فريضة الحج، وتعرف بالطريق على عائلة الاشرفي الطرابلسية، وعند العودة تزوج منهم وسكن طرابلس، ومن أبنائه محمد أفندي والد اسماعيل وأمين وعلي المقدم، أما فرع إيعال فنزل منها الى طرابلس المقدمان محمد وابراهيم سنة 1920 إبنا المقدم أحمد وسكناها. ومصدر هذه المعلومات تاريخ آل المقدم، منشورات رابطة آل المقدم سنة 1990.
رحل المربي الاستاذ أنور المقدم سنة 1972، وبرحيله خسرت التربية والتعليم والعروبة احد أكبر مناصريها، وفقدت طرابلس منارة من مناراتها، فهو مرب في مصاف الكبار، ومعلم جيل رفيع المستوى.