فؤاد طرابلسي
02-10-2009, 10:13 AM
العلاّمة الدكتور مصطفى الرافعي
عن جريدة البيان
78 : العدد
2008-08-13
قالوا ثماني سنوات مرت ورحل،
قالوا ثماني سنوات قضى وغاب
ومثله لا يرحل ولا يغيب، وإنما يتحول
وكيف للفكر والثقافة والاصالة ان تتناول من لم يأتها مثال، ومن البساطة ان يحسب الحاسبون، ان مثل الدكتور مصطفى الرافعي يجتمع في خطاب أو حتى يحاط في كتاب.
لقد جرى تفتح فكره لمدارك عمقه، فعني به واكترث له، وتحركت عوامل الإبداع فقدم أروع ما يمكن ان يقدم.
في سيرته معالم دينية وثقافية وعلمية، مضيئة بتحليلات معاصرة وبالتحديد تعمقه في وصف الاجتهاد في الاسلام.
الشيخ مصطفى الرافعي لا يطوق، لانه رحب البعد العقلي، والإنفتاح الحضاري ورحابة الصدر، كان ذلك المفكر الديني الاصيل والمثقف المنفتح، متعدد الهموم والشواغل، منجزاً في حقول الفقه، لتكتمل صورته كعلاّمة على طريق الرواد الاوائل، بعيداً عن التزمت والإنغلاق، فأعلن آراءه وأفكاره بكل جرأة ووضوح، كمنطق للنظر في الاجتهاد، وأضفى طابعه بعداً جوهرياً على مواقفه.
كان الخال فضل المقدم رحمه الله يكثر في مدحه والثناء عليه، ووصفه بعد عودته من القاهرة في إحدى رحلاته، إن داخل ذلك العقل: علماً غزيراً وفكراً فذاً.
أهتم شيخنا بالاسرة أساس المجتمع، فكتب نظام الاسرة في الاسلام فقها وقضاء، واعتبر الاسلام دين المدنية القادمة، ودور الاسلام في تحقيق العلاج للمشكلات والازمات التي تعترض العالم المعاصر، وقد يكون كلامه هذا ينطوي على رد غير مباشر على ما جاء في كتاب آيات شيطانية لسلمان رشدي، واعتبر ان الاسلام نظام انساني فكتب كتاباً يقع في مئتين واثنتين وثلاثين صفحة، طبع في القاهرة وبيروت عدة مرات، ودرّس في الجامعة اللبنانية بكلية الآداب "أكّد فيه عالمية الدعوة الاسلامية وانسانيتها وكمال المنهج الإلهي ديناً ودنيا".
وجدد اسلوب الخطابة فأعطى من فوق المنبر، وهذه مجموعة الخطب المنبرية التي ألفها بطلب من وزير الاوقاف المصرية لتعمم على المساجد والأئمة، وكتب في فنون صناعة الكتابة والفن الكتابي وتراكيب اللغة ووظيفتها، وعلوم اللغة وفن البلاغة وعلم الجمال، وعلوم البيان والمعاني والبديع. ومن اهتماماته البالغة محاولة التوفيق بين السنة والشيعة، ثم بين المذاهب الاربعة : الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية، ودعا الى التمسك بقيم العرب الصحيحة وبتراثهم العريق، فكتب بإفاضة وبلاغة خروج العرب من التاريخ أوعودتهم لقيامة العالم من جديد.
ولد مصطفى محمود عبد الغني الرافعي في طرابلس عام 1924 في بيت كريم وينتسب الى اسرة عريقة في العالم الاسلامي، يرجع تاريخها الى صدر الاسلام، والرافعي منسوب الرافع هم من اسماء الله الحسنى.
تلقى علومه الابتدائية والثانوية في كلية التربية والتعليم، ثم سافر الى القاهرة للالتحاق بالازهر الشريف ونال شهادته العالية في القضاء الشرعي، كما انتسب الى كلية الآداب في جامعة القاهرة وحصل على الإجازة في الدراسات العليا. ونظراً لشغفه في العلوم وزيادة تحصيله العلمي توجّه الى السوربون في باريس وحصل على دكتوراه في الحقوق سنة 1950، وكان موضوع اطروحته الطلاق في الاسلام، وجرت المناقشة باللغة الفرنسية.
بعد عودته الى لبنان اشتغل بالمحاماة، وتولى القضاء الشرعي في كل من البقاع وطرابلس وبيروت حتى العام 1960 وخلال هذه الفترة دخل معهد المعلمين العالي بالجامعة اللبنانية، وفي العام 1962 عين مستشاراً ثقافياً في كل من مصر و السودان والحبشة ، وأقام في مدينة القاهرة، وكان منزله سفارة لمن حطّ رحاله في أرض الكنانة، وكان الاب الحاني لكل الطلبة يسعى لمساعدتهم وتقديم النصح والارشاد لهم.
بعد عودته من القاهرة الى لبنان، مارس القضاء الشرعي والتدريس في الجامعة اللبنانية والمحاماة، وعندما بلغ السن القانونية صدر مرسوم بترقيته واعتباره قاضي شرف.
الدكتور مصطفى الرافعي كان عضواً بارزاً في كثير من الجمعيات والهيئات والندوات العلمية والثقافية، وكان آخر نشاط فكري له مشاركته بمحاضرة بعنوان : "بيروت ملتقى الاديان والمذاهب والثقافات" بمناسبة الاحتفال ببيروت عاصمة ثقافية للعالم العربي كما جاء في كتاب أدباء طرابلس للدكتور نزيه كبارة.
سيرة الرافعي لا تنحصر في سطور وكلمات .. لكن في المحاولة بعض أشعاع هذا الشيخ الجليل، الذي شكل صورة للاصالة والتراث والإتزان المعرفي وسيبقى ذلك المثال الذي يجب إحتذاؤه في انفتاحه وحداثته واصالته. رحمه الله.
عن جريدة البيان
78 : العدد
2008-08-13
قالوا ثماني سنوات مرت ورحل،
قالوا ثماني سنوات قضى وغاب
ومثله لا يرحل ولا يغيب، وإنما يتحول
وكيف للفكر والثقافة والاصالة ان تتناول من لم يأتها مثال، ومن البساطة ان يحسب الحاسبون، ان مثل الدكتور مصطفى الرافعي يجتمع في خطاب أو حتى يحاط في كتاب.
لقد جرى تفتح فكره لمدارك عمقه، فعني به واكترث له، وتحركت عوامل الإبداع فقدم أروع ما يمكن ان يقدم.
في سيرته معالم دينية وثقافية وعلمية، مضيئة بتحليلات معاصرة وبالتحديد تعمقه في وصف الاجتهاد في الاسلام.
الشيخ مصطفى الرافعي لا يطوق، لانه رحب البعد العقلي، والإنفتاح الحضاري ورحابة الصدر، كان ذلك المفكر الديني الاصيل والمثقف المنفتح، متعدد الهموم والشواغل، منجزاً في حقول الفقه، لتكتمل صورته كعلاّمة على طريق الرواد الاوائل، بعيداً عن التزمت والإنغلاق، فأعلن آراءه وأفكاره بكل جرأة ووضوح، كمنطق للنظر في الاجتهاد، وأضفى طابعه بعداً جوهرياً على مواقفه.
كان الخال فضل المقدم رحمه الله يكثر في مدحه والثناء عليه، ووصفه بعد عودته من القاهرة في إحدى رحلاته، إن داخل ذلك العقل: علماً غزيراً وفكراً فذاً.
أهتم شيخنا بالاسرة أساس المجتمع، فكتب نظام الاسرة في الاسلام فقها وقضاء، واعتبر الاسلام دين المدنية القادمة، ودور الاسلام في تحقيق العلاج للمشكلات والازمات التي تعترض العالم المعاصر، وقد يكون كلامه هذا ينطوي على رد غير مباشر على ما جاء في كتاب آيات شيطانية لسلمان رشدي، واعتبر ان الاسلام نظام انساني فكتب كتاباً يقع في مئتين واثنتين وثلاثين صفحة، طبع في القاهرة وبيروت عدة مرات، ودرّس في الجامعة اللبنانية بكلية الآداب "أكّد فيه عالمية الدعوة الاسلامية وانسانيتها وكمال المنهج الإلهي ديناً ودنيا".
وجدد اسلوب الخطابة فأعطى من فوق المنبر، وهذه مجموعة الخطب المنبرية التي ألفها بطلب من وزير الاوقاف المصرية لتعمم على المساجد والأئمة، وكتب في فنون صناعة الكتابة والفن الكتابي وتراكيب اللغة ووظيفتها، وعلوم اللغة وفن البلاغة وعلم الجمال، وعلوم البيان والمعاني والبديع. ومن اهتماماته البالغة محاولة التوفيق بين السنة والشيعة، ثم بين المذاهب الاربعة : الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية، ودعا الى التمسك بقيم العرب الصحيحة وبتراثهم العريق، فكتب بإفاضة وبلاغة خروج العرب من التاريخ أوعودتهم لقيامة العالم من جديد.
ولد مصطفى محمود عبد الغني الرافعي في طرابلس عام 1924 في بيت كريم وينتسب الى اسرة عريقة في العالم الاسلامي، يرجع تاريخها الى صدر الاسلام، والرافعي منسوب الرافع هم من اسماء الله الحسنى.
تلقى علومه الابتدائية والثانوية في كلية التربية والتعليم، ثم سافر الى القاهرة للالتحاق بالازهر الشريف ونال شهادته العالية في القضاء الشرعي، كما انتسب الى كلية الآداب في جامعة القاهرة وحصل على الإجازة في الدراسات العليا. ونظراً لشغفه في العلوم وزيادة تحصيله العلمي توجّه الى السوربون في باريس وحصل على دكتوراه في الحقوق سنة 1950، وكان موضوع اطروحته الطلاق في الاسلام، وجرت المناقشة باللغة الفرنسية.
بعد عودته الى لبنان اشتغل بالمحاماة، وتولى القضاء الشرعي في كل من البقاع وطرابلس وبيروت حتى العام 1960 وخلال هذه الفترة دخل معهد المعلمين العالي بالجامعة اللبنانية، وفي العام 1962 عين مستشاراً ثقافياً في كل من مصر و السودان والحبشة ، وأقام في مدينة القاهرة، وكان منزله سفارة لمن حطّ رحاله في أرض الكنانة، وكان الاب الحاني لكل الطلبة يسعى لمساعدتهم وتقديم النصح والارشاد لهم.
بعد عودته من القاهرة الى لبنان، مارس القضاء الشرعي والتدريس في الجامعة اللبنانية والمحاماة، وعندما بلغ السن القانونية صدر مرسوم بترقيته واعتباره قاضي شرف.
الدكتور مصطفى الرافعي كان عضواً بارزاً في كثير من الجمعيات والهيئات والندوات العلمية والثقافية، وكان آخر نشاط فكري له مشاركته بمحاضرة بعنوان : "بيروت ملتقى الاديان والمذاهب والثقافات" بمناسبة الاحتفال ببيروت عاصمة ثقافية للعالم العربي كما جاء في كتاب أدباء طرابلس للدكتور نزيه كبارة.
سيرة الرافعي لا تنحصر في سطور وكلمات .. لكن في المحاولة بعض أشعاع هذا الشيخ الجليل، الذي شكل صورة للاصالة والتراث والإتزان المعرفي وسيبقى ذلك المثال الذي يجب إحتذاؤه في انفتاحه وحداثته واصالته. رحمه الله.