المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشاعر جواني كاتسفليس



فؤاد طرابلسي
02-10-2009, 10:15 AM
الشاعر جواني كاتسفليس
عن جريدة البيان

101 : العدد


2009-02-18



خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ضمت طرابلس عدداً من الأسر اليونانية الأصل، جاؤوها واستطابوا العيش في ربوعها، لجمال طبيعتها، وحسن عشرة أهلها، ودواعي الوظيفة والإرتزاق، وقد أسهموا في تعزيز الحركة الأدبية والإقتصادية، وتجاوز بعضهم حدود لبنان الى مصر والأميركيتين، وكان في طليعة هذه الأسر آل كاتسفليس وصراف وخلاط وينّي وغيرهم، والحق يقال ان رجالاً كثيرين منهم أدوا أدواراً لافتة، ومن هؤلاء الشاعر جواني بن كريستوف كاتسفليس.
وإسم كاتسفليس من أسماء الذكور عند المسيحيين، يوناني معناه السلام، جاء جدهم الأعلى جيوفاني من جزيرة كورفو سنة 1769 مستشاراً للقنصل الإنكليزي.
ولد مترجمنا في طرابلس سنة 1841 ودرس فيها وتعلّم اللغات العربية والفرنسية والإيطالية، وبرع في العربية، واشتهر بالمراسلات والمنظومات والروايات اللطيفة والطريفة الساخرة، والتنكيت على بعض المتفرنجين على حد قول المؤرخ عبد الله نوفل، وقد طبعت بعض كتبه في مطبعة الحضارة بطرابلس.
إشتغل جواني في مطلع شبابه بالتجارة، فأنشأ محلاً تجارياً، ونال ثقة الناس لحسن معاملته وصدقه، وعين قنصلاً لدولتي السويد والنروج، ولبث في منصبه طيلة حياته، وحصل على أوسمة رفيعة من الدولة العثمانية لا سيما الوسام العثماني والمجيدي، وكانت له صلات متينة مع الأدباء والأعيان وولاة الأمر، كما كان أحد أجداده على علاقة جيدة مع حاكم طرابلس مصطفى آغا بربر، لدرجة أنه عندما أُخبر بربر بولادة التوأمين جورج وكريستوف كاتسفليس، أمر بإطلاق المدافع من القلعة فرحاً بهما وإظهاراً لسروره، نظراً لمكانة والدهما جيوفاني.
ومن شعر جواني ما نظمه مهنئاً المحسنة السيدة اميلي سرسق إبنة الوجيه خليل سرسقٍٍ عند نيلها وسام الشفقة من الدرجة الاولى، والتي لها أياد بيضاء في تأسيس مدرسة زهرة الإحسان في بيروت، قال:
ووسامِ مجدٍ زان صدر كريمة من فيض إحسان يعز منالا
قد أحرزته أرّخوا اميليا فغدا لنا عن صدرها تمثالا
وعندما نُقل صديقه متصرف طرابلس إسماعيل حقي باشا الى ولاية سلانيك هنأه بهذه الأبيات:
سلانيك تاهت بالمفاخر والسنا وتمايلت طرباً بحقي باشا
فكبيرها في عدله متمتعٌ وفقيرها من جوده قد عاشا
وحين إقترن المؤرخ جورج يني بالسيدة كريمة نسيم خلاط بعث له بهذه الابيات:
لله بكر تسامت بالبها فغدا لجورج يني بباهي حسنها ولع
فكان ربي لها أرّختُ مرشده ان الطيور على أشكالها تقع
في سنة 1918 أصيب الشاعر جواني بالنزلة الوافدة، فلم تمهله إلا بضعة أيام، فتوفي واقيم له مأتم حاشد، وقد رثاه الأديب عبد الله حبيب نوفل بهذه الأبيات:
طرابلس في رزئها فيك أصبحت كوالدة ثكلى تئن وتندب
رزيئتها في ملء دمعات عينها فتاها المرجّى الألمعي المهذب
فيا بارعاً إن قام فينا محدثاً ويا شاعراً ينشي القريض فيطرب
ويا محسناً لا يعرف القبض كفه ومن هو من كل القلوب مقرب
تفرّدت حياً في خلالٍ كريمة ومتَّ فكلٌّ من نواكَ معذب