فؤاد طرابلسي
02-10-2009, 10:26 PM
نفح العنبر بتاريخ بربر
الدكتور عمر تدمري
"مصطفى بربر" حاكم طرابلس وملحقاتها، له تاريخ حافل وهام في ولايته بشكل خاص، وفي لبنان بشكل عام، وله مشاركة مؤثرة في احداث الثلاثينيات الأولى من القرن التاسع عشر، خاصة اثناء الحملة المصرية الى بلاد الشام، والصراع العنيف الذي كانت تشهده المنطقة بين السيطرة العثمانية والولاة والباشات الذين كانوا يحاولون بسط نفوذهم خارج إرادة الدولة وعن طريقها. فهو معاصر لمحمد علي الكبير حاكم مصر، وابنه ابراهيم باشا، وأحمد باشا الجزار، والامير بشير الشهابي وغيرهم. وسيرة هذا الحاكم القريبة من الاسطورة لما تميزت به شخصيته الفذّة والفريدة مبثوثة في كتب التاريخ التي تتناول بلاد الشام في تاريخه الحديث بشكل عام، ولبنان بشكل خاص، الى جانب بعض المؤلفات الخاصة التي وضعت عن سيرته الذاتية، وآخرها كتاب "بربر آغا مجد طرابلس أعطي له" للباحث الصديق عبد اللطيف كريّم.
وحين وضع الاب اغناطيوس الخوري، كتابه بعنوان "مصطفى بربر، حاكم إيالة طرابلس وجبلة ولاذقية العرب (1767-1834)" اعتمد فيما اعتمد عليه من مصادر ومراجع على مصنفٍ وضعه "نوفل نوفل الطرابلسي". ينقل فيه عن مخطوطة صغيرة لإلياس صَدَقة الطرابلسي (1810 - 1883) أسماها: "تاريخ مصطفى بربر" فهو -أعني أغناطيوس- لم يطّلع على كراسة الياس صدقة بنفسه، وإنما أخذ عنها بواسطة معاصره نوفل وذكر ذلك صراحة في التعريف بمصادر كتابه فقال: الياس صدقة: وضع كراساً عن بربر أسماه (تاريخ مصطفى بربر). وقد بحثنا عنه كثيراً لنتدبره، ونستند اليه في تأليفنا هذا، نظراً لمكانته من القيمة والثقة، ولكون مؤلفه هو من عصر بربر، أو شاهد عياني لما كتب وروى، وقد قيل لنا أنه في حوزة العلاّمة عيسى المعلوف، صديقنا الكريم، فطلبنا منه فأنكره، وأكّد لنا أنه عند زميله الاستاذ جرجي يني، صديقنا البحاثة أيضاً وصاحب مجلة المباحث في طرابلس، رحمه الله، وهذا أيضاً أنكر الكراس، وحاول إقناعنا أن الأستاذ معلوف قد احتازه بعده، ولم يعد يسمع عنه خبراً، مما أنكره المعلوف ثانية.. فتمّ في موقفنا بين الصديقين العالمين المثل السائر (بين حانا ومانا ضاعت لحانا)، أي بين يني ومعلوف ضاع تاريخ بربر الذي من قلم المرحوم الياس صدقة (مصطفى آغا بربر لأغناطيوس الخوري -بيروت 1957).
وقبل نحو أربعين عاماً، أتاني الأخ الصديق ظهير عطفت بازرباشي بكراسة نسخها بخطّه عن نسخة مخطوطة كانت محفوظة في مكتبة شيخنا وأستاذنا عبد الحميد الحامدي رحمه الله، وهي مكتبة عامرة داخل جامع العطار، كانت غنية بنوادر الكتب، وفيها عشرات المخطوطات النادرة، والنسخة المخطوطة مؤرخة من سنة 1840 وتحمل عنوان (نفح العنبر بتاريخ بربر)، وهي قسم من الكراس الذي وضعه الياس صدقة -على الأرجح- يتضمن سيرة بربر خلال الفترة الواقعة بين سنتي 1767 -1808، أي منذ نشأته وحتى نهاية فترة حكمه الأولى لطرابلس.
والمعروف أن بربر حكم طرابلس على أربع دفعات (1800-1808) و(1810 -1820) و(1821) و(1831 -1833) وكانت وفاته في قرية إيعال القريبة من طرابلس يوم الاثنين 18 شوال 1250هـ /28 نيسان 1835م.
وكرّاسة (نفح العنبر) لصدقة تعتبر أهم مصدر مكتوب في تاريخ بربر، إذ ان كاتبها كان معاصراً للأحداث "صديقاً شخصياً لبربر، فذكر ما شاهده بنفسه، وما سمعه منه شفاهاً، وما أخذه من رجال عسكره".
ونظراً لهذه الأهمية، رأينا نشر هذا القسم كما كتبه صاحبه بالعاميّة الممزوجة بالفصحى، وقد نقله السيد بازرباشي بأمانة، وهو ثقة لدينا، وسنعمل على تصويب بعض ألفاظه وعباراته وأخطائه النحوية واللغوية دون تشويه في صياغته التي تعطينا مثالاً عن نماذج كتابات المؤرخين اللبنانيين، بل الطرابلسيين، في القرن التاسع عشر.
نفح العنبر بتاريخ بربر
بسم الله...
"أما بعد، فهذه مسودّة رسالة "نفح العنبر بتاريخ بربر" رسمت عباراتها بلغةٍ سهلة الفهم، مترّخة بالتاريخ المسيحي، وسوف أضع معه التاريخ الهجري، حسبما طلبه مني... عندما اجتمعنا معه ببيته، وقد جمعت هذه الأخبار حسبما شاهدته وسمعته منه ومن عسكر جيشه، وبالله الاستعانة والتوفيق.
غبّ هذه المقدمة نرسم على ورقة الكدش ما يأتي:
هو مصطفى أغا ابن حسن القرق، من أهالي المحمية المحروسة، ولد سنة 1180 هجرية التي يقابلها 1767 مسيحية، ينتمي إلى عيلة القرق من طرابلس. أما كلمة "بربر" فهي بلغة دولتنا العليّة، وتعني الحلاّق، وقد يكون -والله أعلم- أحد أجداده اشتغل حلاقاً فأطلق عليه اسم بربر، كما تُكنّى أكثر عيلات المحمية، فإنهم ينسبون إلى أحد أجدادهم، والمثل بيقول: "لولا اللبايق ما نعرفت الخلايق".
الدكتور عمر تدمري
"مصطفى بربر" حاكم طرابلس وملحقاتها، له تاريخ حافل وهام في ولايته بشكل خاص، وفي لبنان بشكل عام، وله مشاركة مؤثرة في احداث الثلاثينيات الأولى من القرن التاسع عشر، خاصة اثناء الحملة المصرية الى بلاد الشام، والصراع العنيف الذي كانت تشهده المنطقة بين السيطرة العثمانية والولاة والباشات الذين كانوا يحاولون بسط نفوذهم خارج إرادة الدولة وعن طريقها. فهو معاصر لمحمد علي الكبير حاكم مصر، وابنه ابراهيم باشا، وأحمد باشا الجزار، والامير بشير الشهابي وغيرهم. وسيرة هذا الحاكم القريبة من الاسطورة لما تميزت به شخصيته الفذّة والفريدة مبثوثة في كتب التاريخ التي تتناول بلاد الشام في تاريخه الحديث بشكل عام، ولبنان بشكل خاص، الى جانب بعض المؤلفات الخاصة التي وضعت عن سيرته الذاتية، وآخرها كتاب "بربر آغا مجد طرابلس أعطي له" للباحث الصديق عبد اللطيف كريّم.
وحين وضع الاب اغناطيوس الخوري، كتابه بعنوان "مصطفى بربر، حاكم إيالة طرابلس وجبلة ولاذقية العرب (1767-1834)" اعتمد فيما اعتمد عليه من مصادر ومراجع على مصنفٍ وضعه "نوفل نوفل الطرابلسي". ينقل فيه عن مخطوطة صغيرة لإلياس صَدَقة الطرابلسي (1810 - 1883) أسماها: "تاريخ مصطفى بربر" فهو -أعني أغناطيوس- لم يطّلع على كراسة الياس صدقة بنفسه، وإنما أخذ عنها بواسطة معاصره نوفل وذكر ذلك صراحة في التعريف بمصادر كتابه فقال: الياس صدقة: وضع كراساً عن بربر أسماه (تاريخ مصطفى بربر). وقد بحثنا عنه كثيراً لنتدبره، ونستند اليه في تأليفنا هذا، نظراً لمكانته من القيمة والثقة، ولكون مؤلفه هو من عصر بربر، أو شاهد عياني لما كتب وروى، وقد قيل لنا أنه في حوزة العلاّمة عيسى المعلوف، صديقنا الكريم، فطلبنا منه فأنكره، وأكّد لنا أنه عند زميله الاستاذ جرجي يني، صديقنا البحاثة أيضاً وصاحب مجلة المباحث في طرابلس، رحمه الله، وهذا أيضاً أنكر الكراس، وحاول إقناعنا أن الأستاذ معلوف قد احتازه بعده، ولم يعد يسمع عنه خبراً، مما أنكره المعلوف ثانية.. فتمّ في موقفنا بين الصديقين العالمين المثل السائر (بين حانا ومانا ضاعت لحانا)، أي بين يني ومعلوف ضاع تاريخ بربر الذي من قلم المرحوم الياس صدقة (مصطفى آغا بربر لأغناطيوس الخوري -بيروت 1957).
وقبل نحو أربعين عاماً، أتاني الأخ الصديق ظهير عطفت بازرباشي بكراسة نسخها بخطّه عن نسخة مخطوطة كانت محفوظة في مكتبة شيخنا وأستاذنا عبد الحميد الحامدي رحمه الله، وهي مكتبة عامرة داخل جامع العطار، كانت غنية بنوادر الكتب، وفيها عشرات المخطوطات النادرة، والنسخة المخطوطة مؤرخة من سنة 1840 وتحمل عنوان (نفح العنبر بتاريخ بربر)، وهي قسم من الكراس الذي وضعه الياس صدقة -على الأرجح- يتضمن سيرة بربر خلال الفترة الواقعة بين سنتي 1767 -1808، أي منذ نشأته وحتى نهاية فترة حكمه الأولى لطرابلس.
والمعروف أن بربر حكم طرابلس على أربع دفعات (1800-1808) و(1810 -1820) و(1821) و(1831 -1833) وكانت وفاته في قرية إيعال القريبة من طرابلس يوم الاثنين 18 شوال 1250هـ /28 نيسان 1835م.
وكرّاسة (نفح العنبر) لصدقة تعتبر أهم مصدر مكتوب في تاريخ بربر، إذ ان كاتبها كان معاصراً للأحداث "صديقاً شخصياً لبربر، فذكر ما شاهده بنفسه، وما سمعه منه شفاهاً، وما أخذه من رجال عسكره".
ونظراً لهذه الأهمية، رأينا نشر هذا القسم كما كتبه صاحبه بالعاميّة الممزوجة بالفصحى، وقد نقله السيد بازرباشي بأمانة، وهو ثقة لدينا، وسنعمل على تصويب بعض ألفاظه وعباراته وأخطائه النحوية واللغوية دون تشويه في صياغته التي تعطينا مثالاً عن نماذج كتابات المؤرخين اللبنانيين، بل الطرابلسيين، في القرن التاسع عشر.
نفح العنبر بتاريخ بربر
بسم الله...
"أما بعد، فهذه مسودّة رسالة "نفح العنبر بتاريخ بربر" رسمت عباراتها بلغةٍ سهلة الفهم، مترّخة بالتاريخ المسيحي، وسوف أضع معه التاريخ الهجري، حسبما طلبه مني... عندما اجتمعنا معه ببيته، وقد جمعت هذه الأخبار حسبما شاهدته وسمعته منه ومن عسكر جيشه، وبالله الاستعانة والتوفيق.
غبّ هذه المقدمة نرسم على ورقة الكدش ما يأتي:
هو مصطفى أغا ابن حسن القرق، من أهالي المحمية المحروسة، ولد سنة 1180 هجرية التي يقابلها 1767 مسيحية، ينتمي إلى عيلة القرق من طرابلس. أما كلمة "بربر" فهي بلغة دولتنا العليّة، وتعني الحلاّق، وقد يكون -والله أعلم- أحد أجداده اشتغل حلاقاً فأطلق عليه اسم بربر، كما تُكنّى أكثر عيلات المحمية، فإنهم ينسبون إلى أحد أجدادهم، والمثل بيقول: "لولا اللبايق ما نعرفت الخلايق".