المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السيد رشيد رضا يتكلم عن طلعت بك حرب



فؤاد طرابلسي
03-10-2009, 09:42 PM
الكاتب محمد رشيد رضا

( فصل الخطاب في المرأة والحجاب )
مصنف جديد ظهر في هذه الأيام لحضرة الفاضل محمد طلعت بك حرب ،
وضعه للرد على كتاب ( المرأة الجديدة ) كما ألَّف كتاب ( تربية المرأة والحجاب )
للرد على كتاب ( تحرير المرأة ) ، وقد سلك في هذا المصنف مسلك الإلزام ،
فعرَّب بعض ما كان كتبه الفاضل قاسم بك أمين في المدافعة عن الحجاب ردًّا على
الدوق داركور الفرنسوي ، واحتج من جهة الدين برسالة الاحتجاب التي ألفها قاضي
مصر السابق ، ثم بجملة من شرح نهج البلاغة لصاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ
محمد عبده مفتي الديار المصرية ، ثم بنبذ من ثلاثة أجزاء من المنار .
وبعد أن ذكر حكم المنار بغلو قاسم بك أمين في مسألة الحجاب واعتذاره عنه
بأنه إفراط في مقابلة التفريط في التشدد بالحجاب ، حتى جعل مانعًا من العلم ، وأن
غرضه الرجوع إلى الاعتدال وقوله - أي المنار - : فإذا انتهت هذه المناقشات
بانصراف همة الأمة إلى تربية وتعليم مع بقاء الحجاب نتقدم إلى الأمام ، قال :
( هذا ما قاله حضرة صاحب المنار ، وهو أحسن اعتذار يقدم من صديق لصديقه بما
ربما لم يكن في الحسبان ، أو يخطر له على بال ، فما داعية التحير والاختباط إذن
والمسألة بسيطة قد حلها أئمة الدين ، والمغترفون من بحرهم - حتى الذين يقدِّس
رأيهم محرر المرأة - أعظم حل وأسهله ) .
ثم أورد من مؤلف قاسم بك في الرد على الدوق داركور نبذًا في فضائل
الحجاب ومحاسنه وضرر التبرج والتهتك لم يأت بمثلها أحد ممن رد على كتابيه ،
وفيها من التأثير في التنفير عما عليه نساء الإفرنج ، والترغيب في الصيانة والعفاف
المقرونين بالحجاب ، ما لم يوجد ما يقاربه في كلام مناقشيه ، فدلنا هذا على أن
قاسمًا من أعلم الناس بمنافع الحجاب الشرعي ، وبمضار الغلو فيه ، وأنه يخاطب
كل قوم غلوا في طرف بالمبالغة في الطرف الآخر ، فلما رأى الإفرنج يذمون
الإسلام والمسلمين لأجل الحجاب ألف كتابًا في منافعه بلغتهم ألقمهم فيه الحجر ، ولم
يشرح فيه ما يعتقده من مبالغة المسلمين فيه ، وجعلهم الجهل ضربة لازب على
النساء لأجله ؛ ولكنه بيَّن هذا وبالغ فيه ، بل تغالى للمسلمين ولم يذكر لهم شيئًا من
منافع الحجاب التي يعلمها ليرجعهم إلى الحد الوسط وهو الحجاب الشرعي الذي
يقطع السبيل على الفساق الذين يجنون على العفة في الخلوات ، ويهتكون حرمة
الصيانة من وراء الأستار ، ولا يقطع على النساء طريق التربية والتعليم اللذين
يصلن بهما إلى الكمال الممكن لهن ، والاستقلال في شؤون الحياة ، وبهذا تبين أن
اعتذارنا ، بل بياننا قد أصاب كبد الحقيقة .
والقول الفصل : إنه يجب العناية بتربية النساء وتعليمهن ، وإننا في التربية
النفسية أحوج ، وإن أفضل سجايا النفس - لا سيما في النساء - العفة والصيانة ،
وإنه لا يتم ذلك إلا بالتربية الدينية ، وإن التربية قوامها وملاكها القدوة بالمعاشرة ،
فإذا كان من يُراد تربيته يعاشر فاسدي الآداب والأخلاق يتربى على مثل ما هم عليه ،
وإن أكثر بلادنا مبتلون بهذا الفساد نساءً ورجالاً ، والنتيجة الصحيحة أنه يجب
حجب البنات اللائي يُراد تربيتهن عن النساء بقدر الإمكان ، فما بالك بالرجال ،
ومتى عمت التربية الصحيحة ، أو غُلِّبت يكون لها حكم آخر ، فليعمل لكل وقت ما
يصلح له العاملون { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ } ( الصف : 3 ) .