المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تاريخ الأمير ظاهر العمر



فؤاد طرابلسي
07-10-2009, 12:08 PM
تاريخ الأمير ظاهر العمر الذي يرتبط اسمه بقرية عرابة


د. مصلح كناعنة


أهم مصادرنا عن تاريخ ظاهر العمر وأسرته هي:
1.ميخائيل الصَبّاغ: تاريخ ظاهر العمر الزيداني. لبنان، 1935.
2.عيسى إسكندر المعلوف: تاريخ الشيخ ظاهر العمر الزيداني. مجلة المشرق، 1926
3.أسعد مندور: ظاهر العمر. الموسوعة البريطانية، الجزء الثالث عشر.
4.طنوس الشدياق: أخبار الأعيان في جبل لبنان. بيروت، 1959.
5.محمد كرد علي: خطط الشام. دمشق، 1925.
6.عبود الصبّاغ: الروض الزاهر في أخبار ظاهر (مخطوطة محفوظة في المكتبة الوطنية في باريس، رقم 1853).
7.حيدر شهاب: نزهة الزمان في حوادث عربستان (محفوظ في مكتبة جامعة كامبريدج، رقم 369).
8.جرجي يني: ظاهر العمر. مجلة المقتطف، نيسان 1923.

يختلف هؤلاء المؤرخون فيما بينهم حول النقاط التالية:
تاريخ هجرة قبيلة الزّيادنة من الحجاز إلى بلاد الشام، والأغلب يرجّح حدوث ذلك في النصف الأول من القرن السابع عشر.
اسم جد ظاهر العمر، أهو زيدان أم زيد أم زياد أم عز الدين.
تاريخ قدوم أسرة ظاهر العمر إلى عرابه واستقرارها فيها، والأرجح أن ذلك حدث في عهد جد ظاهر العمر في النصف الثاني من القرن السابع عشر.
بداية نفوذ ظاهر العمر
في عام 1698 ورث الشيخ عمر الزيداني عن والده التزام سهل البطوف والقرى المحيطة به.
وفي عام 1703 توفي الشيخ عمر وخلّف وراءه أربعة أبناء، وكان ظاهر أصغرهم سناً (14 عاماً). ورفض الأخوة الثلاثة الكبار أن يتحملوا مسؤولية الإلتزام نظراً لكثرة الديون التي كانت قد تراكمت على والدهم، فسجلوا الإلتزام باسم أخيهم الأصغر ظاهر. وهكذا أصبح ظاهر العمر الملتزم الرسمي لمنطقة البطوف من قِبَل والي صيدا العثماني. ونتيجة لسياسة ظاهر الحكيمة تجاه العائلات الرئيسية في عرابه وعلاقاته الحسنة مع قبائل البدو المحيطة، استطاع ظاهر أن يحمي أهل القرية من استغلال الوالي التركي في صيدا، ونجح في تحويل عبء الإلتزام إلى مصدر رزق خصب، وإلى نواة لحكمه المستقل في شمال فلسطين فيما بعد
معركة البعنه
في سنة 1721 اصطدم ظاهر العمر بالحكم العثماني لأول مرة. فقد طلب ملتزم منطقة الشاغور (المجاورة لمنطقة البطوف) من أهل قرية البعنه أن يدفعوا الضرائب المستحقة عليهم منذ سنوات، ولما رفضوا بعث ملتزم الشاغور يخبر والي صيدا بالأمر، فحضر الوالي على رأس جيش لإخضاع أهل القرية. وفي هذه الأثناء طلب أهل البعنه مساعدة ظاهر العمر، فجمع ظاهر فرسانه البدو من وادي سلاّمة وذهب إلى البعنه وعسكر فيها. ثم ضرب والي صيدا الحصار على القرية أربعين يوماً، فقرر أهلها الاستسلام للوالي. إلا أن ظاهر رفض أن يستسلم، لعلمه بأن الوالي سوف يرحل بعد أيام لحماية قافلة الحج السنوية. ولم يتمكن ظاهر العمر من إقناع أهل البعنه بالصمود فاستسلموا،وهرب هو إلى عرابة. وأراد الوالي اللحاق به، إلا أن السلطان أمره بالرحيل لحماية قافلة الحج التي كانت في ذلك الوقت سلامتها جزءاً من سلامة السلطان ذاته (أوفر الأوصاف تفصيلاً لهذه المعركة وصف عبود الصباغ في مخطوطته "الروض الزاهر").
في العام التالي (أي 1722) خرج ظاهر العمر مع الشيخ محمد بن نافع شيخ صفد، على رأس قبائل بني صقر لمحاربة وإخضاع قبائل بني صخر في منطقة مرج بن عامر، فانتصر عليهم وأخضعهم لحكمه، ثم استمر في مهاجمة القبائل الأخرى إلى أن خضعت له كل القرى والقبائل البدوية في الجليل وامتد حكمه على كل شمال فلسطين. وفي سنوات الازدهار هذه ما بين 1922 و 1925، كانت قرية عرابة أشبه ما تكون بعاصمة الجليل ومركز الحكم فيه، فبنى فيها ظاهر العمر بيتاً للحُكم لا يزال قائما حتى الآن (وهو الأثر الوحيد الذي تبقى من تلك الفترة، ويُعرف بدار مصباح)، وبيتاً ضخماً ورثته عنه زوجته من عائلة شَلش من عرابة بعد مقتله هو وأولاده الخمسة على يد أحمد باشا الجزار، ثم ورثه أقارب الزوجة بعد وفاتها وبقي في حوزة عائلة شلش إلى أن هدمه أهله في أوائل الثمانينات ليبنوا مكانه بيوتاً حديثة للعائلة.

الانتقال إلى طبريا
في سنة 1725 جرى صراع على السلطة في مدينة طبريا بين الحاكم التركي للمدينة وبين الزعيم المحلي الشيخ محمد النصار. ولما طلب هذا الأخير مساعدة ظاهر، رحل ظاهر إلى طبريا على رأس جيشه البدوي، ولدى وصوله حطم السجون وأطلق سراح من فيها، ثم أرسل إلى وادي صيدا يطلب العفو منه ويعلمه أنه فعل ذلك لعقاب الحاكم التركي على أعماله الجائرة. فرضي عنه الوالي وعينه حاكماً على المدينة، فنقل ظاهر عائلته من عرابه إلى طبريا واستقر هناك وأخذ يبسط نفوذه على ما تبقى من المناطق المجاورة.
في نهاية عام 1737 أخذ ظاهر العمر بالاعتداء على آل ماضي وآل جرار في منطقة نابلس، فجرّد والي دمشق سليمان باشا (وكانت نابلس في ولايته) حملة عليه، فهاجم طبريا وأسر أخاً لظاهر ثم أعدمه في دمشق. وارتاح ظاهر العمر قليلاً حين عُزِل سليمان باشا عن ولاية الشام عام 1738. ولكن في أيلول عام 1742 عُيِّن سليمان باشا ثانية على الشام، فخرج في حملة كبيرة ضد ظاهر اشترك فيها الأمير ملحم الشهابي من جبل لبنان وبدو بني صخر وبني صقر الذين كانوا على خلاف مع ظاهر. حاصر سليمان باشا قلعة طبريا ثلاثة أشهر، ثم اضطر للانسحاب بسبب اقتراب موعد خروج قافلة الحج من بلاد الشام.
بعد عودة قافلة الحج خرج سليمان باشا مرة أخرى ضد ظاهر بناءً على أوامر السلطان، فبدأ بمهاجمة قلعة دير حنا حيث تحصّن أخو ظاهر، ولكنه توفي في قرية لوبية قرب طبريا في آب سنة 1743، وخَلفه أسعد باشا الذي انتهج سياسة سلمية تجاه ظاهر. وكان هذا الأخير حريصاً على تحسين علاقته مع السلطان، فدفع أموال الميري بانتظام وحافظ على النظام والقانون في مناطق نفوذه. وفي سنة 1753 وقّع الفرنسيون على اتفاق تجاري مع ظاهر العمر لتنظيم التجارة بين البلدين، وفي نفس الوقت حصل ظاهر على التزام حيفا وقرى نابلس.

تَمرّد أبناء ظاهر العمر
في هذه الفترة أخذت تظهر بوادر الانشقاق بين أبناء ظاهر ووالدهم. في عام 1761 جرّد والي الشام عثمان باشا حملة على ظاهر، فاستولى على قلعة طرطورة (جنوب شرق حيفا) لكن ظاهر استعادها بعد قليل، وفي نفس العام استولى عثمان باشا على حيفا، ثم استعادها ظاهر في العام التالي. وكان ظاهر قد بدأ بعد نقل مركزه إلى عكا عام 1746 بتعيين أبنائه حكاماً من قِبَله، فأعطى طبريا لابنه الأكبر صليبي، وأعطى صفد لعلي، وشفاعمرو لعثمان، وصفوريه لسعيد، وجبل عجلون لأحمد. وطمعاً بزيادة نفوذهم ثار أبناء ظاهر على والدهم عام 1751 ولكن ثورتهم انتهت بالمصالحة، ثم ثاروا ثانية عام 1761 وانتهت هذه الثورة بالمصالحة أيضاً، ثم ثار علي لوحده على أبيه عام 1762 فأرضاه أبوه بمد نفوذه على قرى بين صفد وطبريا، ثم ثار عثمان عام 1765 فقبض عليه والده وسجنه ستة أشهر، ثم هرب عثمان إلى المَتاولة وحرضهم على والده وهاجم بهم قوات ظاهر لمدة عام كامل، وفي عام 1767 تمرد علي وسعيد على والدهما ولكنهما اضطرا إلى التصالح معه خوفا من ضياع نفوذهم بأكمله أمام الهجمات المتصاعدة للأتراك والمماليك من الجنوب.

نهاية حكم ظاهر العمر
في عام 1770 بدأت حملة علي بيك الكبير من مصر على فلسطين، فاحتل علي بيك غزة والرملة، وحين اقترب من حيفا قرر أن يدخل في تحالف مع ظاهر العمر، فبعث إليه بجيش بقيادة المملوك محمد أبو الذهب، فاحتلا معاً دمشق في حزيران عام 1771، إلا أن أبا الذهب انسحب فجأة بعد عشرة أيام وعاد إلى مصر لأسباب غامضة.
في نهاية عام 1771 سقطت صيدا في يد ظاهر العمر. وفي نيسان عام 1772 أعلن أبو الذهب تمرده على سيده علي بيك في مصر، فلجأ علي بيك إلى ظاهر العمر، فزوده ظاهر ببعض قواته لتعينه في العودة إلى مصر. وفي آذار عام 1773 وصل علي بيك إلى مصر فنشبت معركة بينه وبين أبي الذهب جُرِح فيها علي بيك ثم توفي بعد أيام. وفي هذه الأثناء تدخل الأسطول الروسي إلى جانب ظاهر العمر فهاجم بيروت وطرد أحمد باشا الجزار وأتباعه منها وأدخل بيروت في نفوذ ظاهر العمر بالإضافة إلى صيدا.
في آذار عام 1775 عاد أبو الذهب إلى غزو فلسطين، وهاجم قوات ظاهر العمر فانتصر عليها وهرب ظاهر من عكا. لكن أبا الذهب توفي فجأة في عكا في حزيران، وعاد جيشه إلى مصر. ولم يعد أمام الدولة العثمانية سوى أن تبعث بأسطولها لدحر ظاهر العمر، فاحتل الأسطول التركي حيفا ثم عكا في آب 1775، وحاول ظاهر الفرار فقتله جنوده المرتزقة في أواخر آب من تلك السنة. وهكذا انهار حكم ظاهر العمر، ثم قُتل أبناؤه جميعاً على يدي أحمد باشا الجزار في السنوات القليلة التالية.
* (كتب هذا المقال في أيلول عام 1979، وأجريت عليه تعديلات وإضافات عام 1989.)

فؤاد طرابلسي
07-10-2009, 12:12 PM
http://www.mona.ws/c/images/stories/easygallery/resized/42/1220049310_n545440119_1657959_2800.jpg (javascript:void(0);)


شجرة نسب الزيادنة عشيرة ظاهر العمر التي يقال انها تعود

بجذورها الى ال البيت

فؤاد طرابلسي
07-10-2009, 12:15 PM
شيخ المجاهدين ظاهر العمر

منقول عن حذيفة زيدان


الحديث عن شيخ المجاهدين ظاهر العمر هو الحديث عن الوعي القومي الاسلامي المبكر في بلاد الشام، ويُعدّ هو الزعيم العربي الاول الذي رفع شعار «بلاد العرب للعرب» في القرن الثامن عشر، وصاحب البيان التحريضي والرافض للحكم الاستبدادي آنذاك، ومن يزعم أن هناك دعوات سياسية لتجسيد الدولة العربية قبل دعوة الشيخ ظاهر العمر، فعليه ان يعود من جديد لقراءة التاريخ العربي ومنذ بداية القرن السابع عشر حتى منتصف القرن التاسع عشر.
فلقد كان حقاً وواقعاً، الرائد العربي الذي أدرك ان الطريق إلى التحرر والاستقلال يبدأ في السعي الى إيقاظ العرب كأمة، أمة تعيد جمع شتاتها وتنظيم بيتها لتنطلق من جديد برسالة الإخاء والمحبة الى الشعوب والأمم الأخرى.
إن قصة حياته ومسيرته الجهادية صفحة رائعة من صفحات تاريخ العرب الحديث وبخاصة تاريخ بلاد الشام، ويُعد نموذجاً صادقاً نقياً صلباً لذلك الجيل العربي الذي حمل عبء التنوير ورسالة الجهاد، والهمّ القومي، ويشهد له التاريخ، والذين كتبوا التاريخ من الشرفاء العرب، ومن المستشرقين، انه كان ملتزماً بالخيار التاريخي لإثارة الوعي الجهادي، حتى تنهض الأمة لاسترداد مكانتها تحت الشمس، وقد وصفه المؤرخ المشهور محمد كرد علي بالرجل المعجزة، وصانع المعجزات، وصاحب «عملية النمو السياسي التلقائي الذي لعب دوراً متميزاً في التطورات السياسية».
ظاهر العمر ... ظاهرة بطولة ... نتمنى ان تتكرر... ولعل من البديهي القول أن البطل يظهر في مرحلة يتوافر خلالها الاستعداد الطبيعي لظهوره وبروزه، وقد اختلف الباحثون كثيراً فيما إذا كان البطل أو الزعيم هو الذي يدفع بقومه الى الأمام أم أن القوم هم الذين يدفعون بالزعيم إلى الإمام، ولكن البطولة المرتبطة بالزعامة تحتاج الى تربة خصبة تنمو فيها، بحيث يكون البطل وأمته صنوين متصلين لا يمكن تفريقهما، وهكذا كان الشيخ ظاهر العمر الزيداني.


نسبه وعائلته:
ينسب الشيخ ظاهر العمر الى قبيلة (الزيادنة)، وقيل الى (بني زيدان) نسبةً الى (زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب)، وأكدت المصادر التاريخية حقيقة هذا النسب (آل البيت).
أول ما عرف عن الزيادنة أنهم وفدوا من الحجاز في تاريخ سابق، وهم من أشراف الحجاز والجزيرة العربية، واستقروا بداية مع قبيلة (بني أسد) قريباً من (معرة النعمان) في محافظة (أدلب) السورية، وقد تزوج كبيرهم (عمر بن أبي زيدان) أمرأة من قبيلة (السردية) احدى قبائل شرقي الأردن، فولدت له ثلاثة أولاد هم: علي، وسند، وظاهر، ثم حدث خلاف بين بني أسد والزيادنة فنزح هؤلاء الأخوة الى طبريا مع أبيهم، وأقاموا فيها يعملون في الزراعة وتربية الماشية، فحسنت أحوالهم واصبحوا على شيء من الثراء، وبرزت هذه الأسرة (الزيادنة) في شمال فلسطين في القرن الثامن عشر الميلادي، وقد ألّف مخائيل نقولا الصباغ العكاوي كتاباً في تاريخ الشيخ ظاهر العمر وسيرة أسرته. وفي الجزء الثاني من تاريخ (الشهابي) الشيء الكثير من أخبار الزيادنة، والشيخ ظاهر وأبيه وأبنائه وأخوته، وفي كتاب (جبل عامل) للمؤرخ محمد تقي الدين العاملي الكثير عن الزيادنة بسبب ما كان بينهم وبين العامليين وزعمائهم من صلات وأحداث، وقد وصفهم بالإشراف، أهل نخوة عربية، وأصحاب كرم وشهامة، وفرسان حرب وأبطال ملاقاة... وفي كتاب (تاريخ الناصرة) للقس أسعد منصور، نبذة عن تاريخ الزيادنة أو عن بروزها على المسرح السياسي في فلسطين والاردن، يقول المؤرخ العكاوي ميخائيل الصباغ، نقلاً عن أسعد منصور: «الزيادنة عشيرة كانت نازلة في (بني أسد) النازلين في معرة النعمان، وإنها تدعي النسبة الى زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكانت في القرن، السابع عشر الميلادي نحو خمسين رجلاً بين أخوة وأولاد عم وأولاد أخوة، وكان اسم كبيرهم الذي يرجعون اليه (علياً)، فلما مات علي خلفه في زعامة الأسرة أبنه (عمر) وهو والد الشيخ ظاهر مع أخوين له وهما (سعد) و(علي) ان عمر كان يتجر (يتاجر) فربح، فحسده بعض بني أسد، فشد رحاله الى فلسطين ونزلوا في قرية طبريا..».
ويقول الناشر (قسطنطين الباشا المخلصي) الذي نشر كتاب الصايغ «ان أسرة الزيادنة هي من فلاحي طبريا، وان جدها (زيدان) الذي تنتسب اليه، كان «نابهاً متقدماً على غيره» وقيل: ان زيدان جاء من الحجاز الى (عرابة البطّوف) عام 1690م، وان زيدان من قبائل عرب الطائف في الحجاز، أمحلت بلاده سنة 1690م، وجاء الى عرابة مع أخويه (صالح) و(طلحة)، وكانت أسرة درزية مستولية على القرية فوالت زيدان ثم انتفضت عليه فقتله بها وتولى مكانها عام 1698م وثبت ولايته عليها والي صيدا (قبلان باشا) ثم وسع نطاق بلاده بحروب كثيرة».
وهنا يقف المؤرخون من سيرة هذه الأسرة العربية العريقة، التي كان الشيخ ظاهر العمر نجمها الساطع، بل من أسطح نجوم العرب في بلاد الشام في حقبة طويلة من القرن الثامن عشر، تبلغ أكثر من ستين عاماً، وشمل حكمه معظم البلاد الفلسطينية، وجبل عامل، وأمتد الى صيدا شمالاً، والسلط وأربد وعجلون والحصن شرقاً، واندمج في حركة خطيرة لو قدر لها النجاح لكان من مؤسسي دولة عربية جديدة تشمل بلاد الشام ومصر والجزيرة العربية، وما يزال في البلاد العربية أعقاب عشيرة الزيادنة في الناصرة، وعشيرة آل التل في الاردن، وعشيرة البارودي في سورية.
قراءة في شخصيته
ولد ظاهر العمر في مدينة (صفد) عام 1106هـ/ 1695م، وظهرت علائم الذكاء والطموح عليه منذ الصغر، فتلقى شيئاً من العلم على أحد الشيوخ، ثم أخذ يعاشر فرسان العرب فبدت علائم فروسيته ورجولته وهو لا يزال بعد في الثامنة عشرة من العمر، اذ التقى يوماً برجل يحاول اغتصاب فتاة في مكان خال فما كان منه الاّ ان قتله بسيفه، وذاع صيته كرجل يملك كل مقومات الشرف والكرامة والقيم والأخلاق العربية، وأصبح يضرب به المثل في كل منطقة الشمال الفلسطيني، وهذه السلوكية الأخلاقية آتية من نزوع لنفس ناضجة تربت على عوامل البذل والنخوة حيناً من الزمان طويلاً، وعاشت ممارساته في بيئة اجتماعية ورثها عن طريق الاكتساب من الآباء عن الاجداد، تفتحت فيها بذور النجدة والمروءة والاقدام والشجاعة، والحفاظ على العرض والشرف، وانتشار فضائل البذل ومسالك العطاء والسخاء. وفي هذا الوسط كان الفتى ظاهر العمر يري الاحجام عن المروءة عاراً، والامتناع عن مساعدة الضعيف رذيلة والشح والبخل ملامة، وانتهاك الشرف مهانة وجريمة .. وطبق ظاهر العمر على نفسه مقولة العرب: «إذا فقدت الفروسية فقد الكرم، واذا فقدت الشهامة تجد رداءة النفس، وأسلحة العرب ثلاثة: الكرم والشهامة وطيب النفس». وصفه حيدر الشهابي في كتابه «الغرر الحسان في اخبار أبناء الزمان» بالرجل الذكي «الذي يملك القدرة على تكييف ذاته وفقاً للأوضاع الجديدة، حيث يقتضي التكيف مرونة عقلية وسرعة في البديهة..».
وكان الشيخ ظاهر - كما يقول الشهابي -: «يتمتع بالحس السليم العملي ويملك المبادرة والقدرة على تكييف الذات مع الظروف» وكان وهو في عزّ شبابه يبحث عن «المثيرات المناسبة لتلبية الدافع الذي كان يتحسسه، وكان يشعر بدوافعه في المراحل المبكرة من حياته ولذلك كان مستوى تفكيره، ومستوى القدرات العقلية الذكائية أكبر من عمره».
وذكره ميخائيل مشاقة بكتابه «مشهد العيان» بأنه كان من أشهر رجال الدولة العثمانية في بلاد الشام، حيث كان «رجلاً منافساً للولاة والقادة الكبار، لذلك كثرت المؤامرات عليه حقداً وحسداً، حتى من أقرب الناس إليه (شقيقه سعد)، ولكن جعل من الظروف الصعبة حافزاً له في النجاح.. وفي حياته الكثير من عواصف، الاقدار، وألمت به المشاكل من كل صوب.. ولكن عصاميته الفذة كانت تدفعه للتحدي فانتصر على خصومه وحقق المعجزات».
والحديث عن شجاعة الشيخ ظاهر العمر، كميزة من سمات شخصيته، يطول ويطول كثيراً، وسنرى مواقعها في صراعه مع والي الشام عثمان باشا الصادق الكرجي، ومع علي بك الكبير، ومع محمد بك أبي الذهب، ومع أحمد الجزار، عند انتصاراته في هذه المواقع، في الحلقات القادمة، وكانت شجاعته موضع اهتمام عن المؤرخين من أمثال: محمد خليل المرادي، وحيدر الشهابي، وأحمد البديري -الحلاق-، ومحمد كرد علي، وحبيب السيوفي، وعبد الرحمن الجبرتي، وسليمان الموسى، وغيرهم من الذين تغنوا بشجاعته، وقد اجمعوا على ان الشجاعة عند ظاهر العمر موهبة، ووراثية، ومكتسبة، وعقيدة». وكان «شجاعاً مقداماً ذا إرادة قوية ثابتة، ويتحمل المسؤولية بلا تردد، وذا خيال خصب، ورؤية واضحة مقرونة بمزاج لا تأخذه نشوة النصر، ولا تثبط عزيمته مرارة الانتكاسة» وكان «قائداً سابراً لاغوار النفس البشرية، وذا لياقة بدنية عالية مكنته من مشاركة رجاله في تحمل مشاق القتال وأعبائه».
وحدة الخطاب القومي الديني عند ظاهر العمر الزيداني
كانت عقيدة الجهاد عند ظاهر العمر، وراثية، لانها متأصلة في عائلته وجده وإخوانه، وهي من روح الاسلام، ومثله في ثورة الاسلام حيث انبلجت عقيدة الجهاد في سبيل الله والوطن والأمة، فصدق الله سبحانه وتعالى الذي قال:«يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلك خير لكم إن كنتم تعملون، يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم، وأخرى تحبونها، نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنة، ومن ترك الجهاد في سبيل الله ألبسه الله الذل، وشمله البلاء».
وذكر المؤرخ الكبير محمد كرد علي في كتابه (خطط الشام)، ان المساجد التي كان يأمر الشيخ ظاهر العمر الزيداني بتعميرها، كانت تزين جدرانها بالآيات القرآنية الداعية الى الجهاد، والدفاع عن أرض الإسلام، وقد تزّين محراب مسجد عكا الكبير بالآية القرآنية التي تقول:«إذ يوحي ربك إلى الملائكة إني معكم فثبتوا الذين آمنوا..».
كان ظاهر العمر يعلم أولاده وأتباعه، مفاهيم الاعتزاز بشرف الانتماء للأمة، وفي خطابه كان لا يفرق بين المسلم والمسيحي. فالقومية العربية هي أداة التوحيد بينهما، فالدين لله والوطن للجميع، ويشهد على ذلك المؤرخ توفيق معمر المحامي، في دراسته عن ظاهر العمر، صفحة/39/ بقوله: «ومن حسن الحظ ان سجلات كنيسة اللاتين في مدينة الناصرة كانت على ما يظهر سجلاً دقيقاً لتأريخ حياة أفراد الرعية اللاتينية الصغيرة في هذه البلدة منذ بدء الاستقرار الذي بدأه وشجعه الزعيم العربي البارز الشيخ ظاهر العمر في بداية حكمه لمنطقة الجليل وشمال فلسطين بعد وفاة والده عمر الزيداني عام 1703م، عندما أصبح ظاهر حاكماً لمدينة صفد وما يليها، وبعد ذلك ضم إليها طبريا والجليل حيث مدّ رواق الأمن ووسع نطاق التجارة وحالف قبائل البادية. وقرب إليه مشايخ البلاد، واطلق الحرية الدينية بقدر ما تسمح له الظروف، حينئذ، فأخذ المسيحيون يفدون الى بلاده من شرقي الأردن ومن جزائر البحر».
نعم.. كان يركّز على مسألة الانتماء الحقيقي للوطن، فيرى في الانسان المنتمي لأمته ووطنه، كل مقومات الأخلاق والشرف والكرامة والمروءة والاعتزاز بالأمة وقيمها وأخلاقها. والقضية القومية الأساسية عند الزيداني هي وحدة الأمة، وكانت جلّ أهدافه هو «إيقاظ قوى الأمة وتنظيم عناصرها، وان الوصول الى الهدف الأسمى لا يتم الا بالتضحية والإرادة القومية». وكان يرى«ان التاريخ العربي الاسلامي لا يتجزأ أبداً، والرواد الأوائل هم الإرث التاريخي والحضاري للأمة العربية» وكان يدعو الى «المفاخرة بالتاريخ العربي، والحضارة العربية الاسلامية، وبالرسالة الإنسانية التي شرّف الله العرب والمسلمين نقلها الى البشرية». ويشهد القس أسعد منصور في كتابه «تاريخ الناصرة» صفحة /50/، على ان الشيخ ظاهر العمر كان ينبذ الطائفية، وهي «مفاهيم لقوى هدامة، يجب القضاء عليها، أو إذابتها بالإنتماء للوطن الواحد، حيث، المسؤولية المشتركة للدفاع عن الوطن المشترك».
وعلى الرغم من عبقرية هذا الزعيم العربي، الاّ أنّ أحلامه وأهدافه في مجال تأسيس الكيان العربي المستقل المبكر لم تتحقق، وذلك لانعدام الوعي القومي عند غالبية أفراد المجتمع آنذاك.. يقول المرحوم سليمان الموسى في كتابه (صور من البطولة) صفحة /197/ ما يلي:-
«مما كان السيف هو أداة الحكم الاولى طوال تلك القرون، فقد كانت تمرُّ على العرب فترات يقل فيها مضاء السيف، فيحاولون الثورة على الاجنبي ووضع زمام أمورهم بأيديهم، ومن جملة هذه المحاولات ما قام به الشيخ ظاهر العمر الزيداني في منتصف القرن الثامن عشر، وكاد يؤسس دولة عربية ذات كيان عربي مستقل، لولا جهل زعماء البلاد وانعدام الوعي القومي في نفوس السكان» والحديث عن تلك المحاولات في الحلقات القادمة

الحديث عن شيخ المجاهدين ظاهر العمر هو الحديث عن الوعي القومي الاسلامي المبكر في بلاد الشام، ويُعدّ هو الزعيم العربي الاول الذي رفع شعار «بلاد العرب للعرب» في القرن الثامن عشر، وصاحب البيان التحريضي والرافض للحكم الاستبدادي آنذاك، ومن يزعم أن هناك دعوات سياسية لتجسيد الدولة العربية قبل دعوة الشيخ ظاهر العمر، فعليه ان يعود من جديد لقراءة التاريخ العربي ومنذ بداية القرن السابع عشر حتى منتصف القرن التاسع عشر.
فلقد كان حقاً وواقعاً، الرائد العربي الذي أدرك ان الطريق إلى التحرر والاستقلال يبدأ في السعي الى إيقاظ العرب كأمة، أمة تعيد جمع شتاتها وتنظيم بيتها لتنطلق من جديد برسالة الإخاء والمحبة الى الشعوب والأمم الأخرى.
إن قصة حياته ومسيرته الجهادية صفحة رائعة من صفحات تاريخ العرب الحديث وبخاصة تاريخ بلاد الشام، ويُعد نموذجاً صادقاً نقياً صلباً لذلك الجيل العربي الذي حمل عبء التنوير ورسالة الجهاد، والهمّ القومي، ويشهد له التاريخ، والذين كتبوا التاريخ من الشرفاء العرب، ومن المستشرقين، انه كان ملتزماً بالخيار التاريخي لإثارة الوعي الجهادي، حتى تنهض الأمة لاسترداد مكانتها تحت الشمس، وقد وصفه المؤرخ المشهور محمد كرد علي بالرجل المعجزة، وصانع المعجزات، وصاحب «عملية النمو السياسي التلقائي الذي لعب دوراً متميزاً في التطورات السياسية».
ظاهر العمر ... ظاهرة بطولة ... نتمنى ان تتكرر... ولعل من البديهي القول أن البطل يظهر في مرحلة يتوافر خلالها الاستعداد الطبيعي لظهوره وبروزه، وقد اختلف الباحثون كثيراً فيما إذا كان البطل أو الزعيم هو الذي يدفع بقومه الى الأمام أم أن القوم هم الذين يدفعون بالزعيم إلى الإمام، ولكن البطولة المرتبطة بالزعامة تحتاج الى تربة خصبة تنمو فيها، بحيث يكون البطل وأمته صنوين متصلين لا يمكن تفريقهما، وهكذا كان الشيخ ظاهر العمر الزيداني.

نوايا الشيخ ظاهر تجاه الأردن:
بالتأكيد دائماً كانت نوايا الشيخ ظاهر توظف لمصلحة الوطن والمواطن والأمة بشكل عام، وهي ظاهرة لم تتجدد، وبخاصة ان ظهورها كان في ظل دولة هيمنة لا تعرف إلاّ البطش، تقدم عليه عند شعورها بضعف الطرف الآخر، ولما كان ظاهر العمر الطرف الآخر القوي كانت الدولة تؤجل تصفيته والقضاء على زعامته، ولكي يحافظ على زعامته اتخذ حالة التوسع سبيلاً لذلك، بعد ان دانت بلاد الشمال الفلسطيني لزعامته توجه إلى وسط وشمال الأردن ومن إربد كانت البداية... والسؤال أين كانت الدولة ومؤسساتها؟؟ وهل كانت شرقي الأردن مغيّبة إدارياً وعسكرياً وسياسياً حتى جاء ظاهر العمر وولده الشيخ أحمد ليسد الفراغ الحكومي؟؟.
وهل جاء الزيادنة إلى الأردن غزواً واحتلالاً أم جاءوا برغبة وترحيب الأهلين، بكافة مذاهبهم وأجناسهم؟؟ قبل الإجابة على هذه الاسئلة نشير ان الدولة العثمانية ومنذ دخول بلاد الشام على أثر انتصارها في معركة 0مرج دابغ) سنة 1516م، على المماليك، لم تعمل على إصلاح أحوال البلاد وتوطيد الأمن وتأمين دعائم الاستقرار في ربوعها، وقد أنعم الله على جزء كبير من فلسطين بقيادة عربية أصيلة جذورها النسبية من آل البيت هي من (بني زيدان) فعززت الأمن والأمان في الربوع الفلسطينية الشمالية.
يقول الأمير حيدر الشهابي في كتابه (الغرر الحسان في أخبار أبناء الزمان): «وتوضح المصادر التاريخية بشكل جلي الطريق الذي تفاعلت فيه القيم القبلية، بالتركيبات الاقطاعية القائمة في بلاد الشام آنذاك، فامتزجت خلالها الأبوة القبلية بالتقاليد والفروض الاقطاعية، فولي الشيخ عمر علي تلك البلدان إلى ان آن الأوان، ومات الأمير بشير، بقي الشيخ عمر حاكماً، وتزوج جملة نساء، وأتاه منهن أولاد ذكور، وطلع منهم ذكر مشهور بالشجاعة والقوة والبراعة، فحكم بالعدل والمساواة كل الشمال الفلسطيني، فتوجه شرق النهر، وبسط حكمه بالعدل، وأناب عنه أبنه أحمد، فكان أحمد المؤتمن على سيرة والده بكل الشجاعة المكتسبة من والده»، ويتجدد السؤال: أين الدولة؟؟ لم تكن أهمية الاردن بالذات بالنسبة للأتراك سوى انها طريق الحاج الشامي، تمر القوافل بها سنوياً ذهاباً وإياباً بين دمشق والمدينة المنورة.
لذلك، فان الدولة العثمانية من جانبها لم تحاول تأسيس جهاز حكومي فعال فيها.. وكان هم الدولة جباية الضرائب، يقول في ذلك المؤرخ والسياسي محمد عزت دروزة في كتابه (منشأة الحركة العربية) صفحة /254/: «أما بالنسبة للحكم الفعلي فقد كان في شرقي الاردن، حكماً اقطاعياً متسلسلاً في أسر عربية قديمة صفته الرسمية التزام الضرائب وجبايتها وتوريد المبالغ المنزعة من السكان إلى خزانة الدولة.. ولم تحاول الحكومة التركية إقامة سلطة رسمية إلاّ في الكرك والشوبك، فقرر ظاهر العمر سدّ الفراغ، بالإضافة الى حماية الجزء القريب من فلسطين من جباة الضرائب».
لقد غلبت على المجتمع في الاردن صفة المجتمع (الخلدوني العصبوي) فواقع السلطة الفعلي كان يستند الى التوازن بين عصبيات عائلية، وهذا التوازن يؤدي الى اختيار أحد أركان العائلات القديمة أميراً قادراً على محورة العصبيات الأخرى وضبطها وقمعها لمصحلة تحصيل الضرائب السلطاني وتحقيق الأمن وفقاً للأعراف السائدة.
وكان الفرمان السلطاني يضفي على هذا النموذج مسحة دينية لم تحل دون استشراء الغزوات والصداقات المحلية التي كانت تحركها أطماع الشيوخ والأمراء الملتزمين بالتوسع ومدّ حدود النفوذ .. فالشيخ ظاهر العمر عندما قرر التوجه إلى الأردن لم يقرره السلطان بفرمان ولكن استجاب السلطان للأمر الواقع بعد ان تأكد من سلامة قوافل الحج الشامي على يدّ قوات أحمد ظاهر العمر، فبدلاً من مساءلته بارك خطواته وأمر أن يتولى ولاية صيدا، وكان ذلك عام 1757م، بعد أن نزعها من والي دمشق.
والإجابة على سؤال، هل دخل ظاهر العمر الاردن غازياً، فالجواب (لا) لأن كل التوسعات المناطقية، وتوسع دائرة النفوذ كانت بالتفاهم مع الأهلين، ولمصلحة مشايخ البلاد ولتخفيف الضرائب عنهم، وتنشيط الزراعة والتجارة، وبناء المساجد في مناطقهم، والتاريخ يشهد على ان الكورة، وعجلون، وبني كنانة لم تعرف المساجد والجوامع الاّ في عهد الشيخ ظاهر العمر وولده الشيخ أحمد، ومسجد (تبنة) في الكورة هو الشاهد على ذلك، وليس صحيحاً ما قاله بعض المؤرخين، ومنهم سليمان الموسى الذي قال في كتابه (صور من البطولة) صفحة /199/: «ووسع ظاهر العمر الزيداني في تلك الأثناء (بعد مؤامرة شقيقه سعد) رقعة إمارته إذ أرسل أبنه أحمد غازياً إلى جهات إربد وعجلون في شرقي الاردن». ولكن الحقيقة ان حالة الفراغ السياسي والإداري والأمني هي التي جعلت مشايخ إربد وعلجون يطلبون من ظاهر العمر التوجه الى مناطقهم وبواسطة من عرب (الصبيح).
الوضع العام في شرقي الأردن قبل الزيادنة
كانت عكا العاصمة الأولى للشيخ ظاهر ومدينة طبريا العاصمة الثانية، وكان يفضل الإقامة فيها في فصلي الشتاء والخريف للطافة مناخها في هذين الفصلين، وحسب التقسيم الإداري العثماني آنذاك.. كان الغور بكامله حتى شونة جسر المجامع (الشونة الشمالية) تابعاً لقائمقامية طبريا ولذلك عندما دخل ظاهر العمر إلى إربد والشمال الأردني فقد دخلها كمناطق تابعة لإمارته، وغيابه عنها كان بحكم المؤجل كما يقول الورخ محمد كرد علي في كتابه (خطط الشام). وبالنسبة لمنطقة البلقاء التي كانت تمتد من الزرقاء الى الموجب والتي كانت السلط عاصمتها الاقليمية فقد أتبعها الاتراك إلى نابلس، وبعد سيطرة الزيادنة على السلط أصبحت في دائرة نفوذ ظاهر العمر.
قبل عهد الزيادنة، كان الفلاحون بالاضافة الى ضرائب الدولة وأتاوات الاقطاع يدفعون ما كان يسمى (الخاوة) وهي ضريبة يدفعونها للبدو في ظل انفلات الأمن، وعندما اصبحت البلاد في دائرة نفوذ الزيادنة، لم يشأ الشيخ ظاهر ان يجاهر الدولة العثمانية بالعداء، فكان يؤدي الضرائب المقررة دون ان يسمح للولاة بالاثراء غير المشروع على حساب الأهلين، وبعد فترة بسيطة - أقل من سنتين - يقول حبيب السيوفي في كتابه (سورية ولبنان في القرن الثامن عشر): « امتنع الشيخ ظاهر العمر وأبنه أحمد حاكم جبل عجلون عن تأدية الضرائب الى الولاة العثمانيين، وحوّل أموال (الميري) الى بناء القلاع والمساجد».
إن طبيعة شرق الأردن الجغرافية جعلت سكانه أقرب ما يكونون الى البداوة إذ أن بعض العشائر البدوية أخذت تقيم مساكن غير ثابتة لكنها تعتمد على الزراعة شيئاً فشيئاً إلى جانب تربية الماشية، وبالاضافة الى موجات الغزو المتبادلة، وقد أدى هذا التحول تدريجياً الى إضعاف مركز القبيلة في الشريط الجبلي الغربي المحاذي لوادي الغور من الشرق لكن غارات البدو المستمرة كانت تعزز باستمرار الروابط العصبية وتحول دون انحدارها.
وقد أفرزت هذه الوضعية الاجتماعية ثلاث فئات اجتماعية: -
- طبقة شبه الاقطاعيين.
- طبقة الفلاحين وأشباه الفلاحين.
- فئة البدو الرحل.
فقد استمرت طبيعة الملكية في الاردن على أساس: ان كل الاراضي للدولة لكن هذه الملكية كانت شكلية فقط حيث اكتسبت الملكية على أساس الاعراف السائدة في العشيرة، وكان لنظام العمل السائد في الزراعة هو نظام (المرابعة) حيث صاحب الأرض (واضع اليد عليها) يملك والفلاح الفقير يبيع قوت عمله السنوية لقاء قوته لإنتاج سلعة زراعية غالباً ما تكون القمح ونادراً ما تكون العنب والزيتون في سلسلة الجبال القريبة، وقد كانت الغابات الحرجية تبتلع غالبية الأراضي في شمالي الأردن، وكانت هذه الغابات تندرج تحت نمط الاراضي المشاع التي هي إسمياً للدولة وعملياً في إطار اقتسام النفوذ العائلي والعشائري.
ويكشف المؤرخ محمد عزت دروزة أهمية الاصلاحات الزراعية والتجارية والحرفية التي أقدم عليها الزيادنة بإشراف الشيخ أحمد ظاهر العمر وبتوجيه من والده الشيخ ظاهر في مناطق البلقاء، وعجلون، والكورة، والسلط، وإربد، حيث كانت هذه المناطق قبل قدومهم إليها تعيش حالات:-
- انتفاضات فلاحية.
- حالة جفاف متتالية.
- غارات البدو التي أدت الى خراب الزراعة وتدهور حالة الفلاحين.
- استنفذ نظام النهب العثماني الاقتصاد الفلاحي بصورة فظيعة «فاخليت بعض القرى من سكانها وأُهملت الأراضي المزروعة واصبحت الاراضي في عداد الأموات وصارت المجاعة يتكرر وقوعها مع مرّ الزمن».
وتقول الدكتورة ليلى الصباغ في كتابها «عن مجتمع بلاد الشام في القرن الثامن عشر» عن تدهور حالة الفلاحين: «ان الرسوم المفروضة عليهم من قبل الدولة كانت تجبى نقداً، ولذا كانوا يضطرون للجوء الى أقرب سوق لبيع إنتاجهم بأرخص الاثمان، وكان الفلاحون يلجأون للأسواق المركزية المجاورة لان التقسيم الاجتماعي للعمل محلياً، بين الفلاحين والبدو الرحل، قد اتسم بتبادل المحاصيل الفلاحية كالقمح والشعير بالمحاصيل البدوية كالاغنام والجمال وألبانها وصوفها ووبرها وشعرها.
وهكذا وجد (الزيادنة) الاقتصاد في المناطق التي اصبحت في دائرة نفوذهم، يصطبغ بالنمط البدوي الفلاحي القائم على شبه الاكتفاء الذاتي وتبادل السلع في إطار تقسم بدائي حرفي للعمل، ومنذ البداية أخذوا بتطبيق ما أقدموا عليه في مدن الشمال الفلسطيني على مناطق الشمال الاردني والبلقاء.
لقد كانت الصناعات الحرفية المبنية على العمل اليدوي هي السائدة في فلسطين وسورية، وكان الحرفيون منظمين في طوائف وكان في داخل كل طائفة تدرج الحرفي، ويرأس كل طائفة رئيس هو الشيخ ويليه في المنصب المعلم ثم الصانع ثم التلميذ، ولكل طائفة تقاليدها وعاداتها الخاصة بها، ولم يوجد حد فاصل ما بين الاعمال الحرفية والزراعية، أما بالنسبة لشرقي الأردن فقد كانت الحال سيئة جداً في مجالات الصناعات، فحتى الصناعة المنزلية كانت قليلة جداً ومحدودة بإنتاج الزيت والدقيق والنسيج، ويعزى هذا التخلف إلى الاسباب التالية:-
1- انخفاض المستوى المهني والزراعي وعدم عناية الدولة واهتمامها بالتنمية البشرية، زراعياً وتجارياً ومهنياً، وقيل:«ان كروم العنب التي كانت منتشرة في قرية (تبنة) عاصمة الزيادنة في الشمال الاردن، تعود إلى عهد الزيادنة».
2- سوق محلية محدودة نظراً لضعف القوة الشرائية للسكان من البدو الرحل والفلاحين الفقراء.
3- افتقاد طبقة هامة معنية بالتنظيم الاقتصادي تقوم بدور المستثمر الصناعي.
4- عدم توفر الطاقة .. وافتقار المنطقة الى الآلة المتطورة التي تقفز بالصناعة من نمط الحرفة إلى النمط المجتمعي.
لقد تطورت المناطق التي اصبحت في دائرة حكم الزيادنة من جميع نواحي الحياة الاجتماعية