حامل المسك
16-10-2009, 06:20 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يستدل على وجوب وجوده ببدائع له من الأفعال , المنزه في ذاته و صفاته عن النظائر و الأمثال , أنشأ الموجودات فلا يعزب عن علمه مثقال , أحمده سبحانه و أشكره إذ هدانا لدين الإسلام و أزاح عنا شبه الزيغو الضلال , و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة موحد له بالغدو و الآصال , و أشهد أن سيدنا محمداً عبده و رسوله نبي جاء بدين قويم فارتوينا مما جاء به من عذب زلال , اللهم صل على محمد و على آل محمد و أصحابه الين هم خير صحب وآل .
أما بعد :
اعلم أيها الطالب للسلامة الساعي في أسباب تحصيل الفوز و الكرامة أن العبد من حين استقرت قدمه في هذه الدار فهو مسافر إلى ربه و مدة سفره هي عمره الذي كتب له . فالعمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربه تعالى ثم قد جعلت الأيام و الليالي مراحل لسفره , فكل يوم و ليلة مرحلة من المراحل فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي السفر .
فالكيّس الفطن هو الذي يجعل كل مرحلة نصب عينيه فيهتمّ بقطعها سالماً غانماً , فإذا قطعها جعل الأخرى نصب عينيه و لا يطول عليه الأمد فيقسو قلبه و يمتدّ أمله و يحضره بالتسويف و الوعد و التأخير و المطل . بل يعدّ عمره تلك المرحلة الواحدة فيجتهد في قطعها بخير ما بحضرته فإنه إذا تيقن قصرها و سرعة انقضائها هان عليه العمل و طوّعت له نفسه الإنقياد إلى التزوّد , فإذا استقبل المرحلة الأخرى من عمره استقبلها كذلك فلا يزال هذا دأبه حتى يطوي مراحل عمره كلها فيحمد سعيه و يبتهج بما أعدّه ليوم فاقته و حاجته , فإذا طلع صبح الآخرة و انقشع ظلام الدنيا فحينئذٍ يحمد سراه و ينجل عنه كراه فما أحسن ما يستقبل يومه و قد لاح صباحه و استبان فلاحه .
ثم الناس في قطع هذه المراحل قسمان : قسم قطعوها مسافرين فيها إلى دار الشقاء فكلما قطعوا مرحلة منها قربوا من تلك الدار و بعدوا عن ربهم و عن دار كرامته , فقطعوا تلك المراحل بمساخط الرب و معاداته و معاداة رسله و أوليائه و دينه و السعي في إطفاء نوره و إبطال دعوته دعوة الحق و إقامة دعوة غيرها . فهؤلاء جعلت أيامهم يسافرون فيها إلى الدار التي خلقوا لها و استعملوا بها فهم مصحوبون فيها بالشياطين الموكلة بهم يسوقونهم إلى منازلهم سوقاً كما قال تعالى " ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا " أي تزعجهم إلى المعاصي و الكفر إزعاجاً و تسوقهم سوقاً .
أما القسم الثاني : قطعوا تلك المراحل سائرين فيها إلى الله و إلى دار السلام و هم ثلاثة أقسام : ظالم لنفسه و مقتصد و سابق بالخيرات بإذن الله . و هؤلاء كلهم مستعدون للسير موقنون بالرجعى إلى الله و لكن متفاوتون في التزود و تعبئة الزاد و اختياره و في نفس السير و سرعته و بطئه . فالظالم لنفسه مقصر في الزاد غير آخذ منه ما يبلغه المنزل لا في قدره و لا في صفته , بل مفرط في زاده الذي ينبغي له أن يتزوده , و مع ذلك فهو متزود ما يتأذى به في طريقه , و يجد غِبّ أذاه إذا وصل المنزل بحسب ما تزود من ذلك المؤذي الضار .
و المقتصد اقتصر من الزاد على ما يبلغه و لم يشدّ مع ذلك أحمال التجارة الرابحة و لم يتزود ما يضره فهو سالم غانم لكن فاتته المتاجر الرابحة و أنواع المكاسب الفاخرة .
و السابق بالخيرات همه في تحصيل الأرباح و شد أحمال التجارات لعلمه بمقدار الربح الحاصل فيرى خسراناً أن يدخر شيئاً مما بيده و لا يتّجر به فيجد ربحه يوم يغتبط التجار بأرباح تجاراتهم فهو كرجل قد علم أن أمامه بلدة يكسب الدرهم فيها عشرة إلى سبعمائة و أكثر و عنده حاصل و له خبرة بطريق ذلك البلد و خبرة بالتجارة فهو لو أمكنه بيع ثيابه و كل ما يملك حتى يهيء به تجارة إلى ذلك البلد لفعل . فهكذا حال السابق بالخيرات بإذن ربه : يرى خسراناً بيناً أن يمرّ عليه وقت في غير متجر .
فلينظر كل منا من أي المسافرين هو و بأي زاد سيرتحل إلى الله فكلٌ يغدو فبائع نفسه فموبقها أو معتقها .
و السلام
الحمد لله الذي يستدل على وجوب وجوده ببدائع له من الأفعال , المنزه في ذاته و صفاته عن النظائر و الأمثال , أنشأ الموجودات فلا يعزب عن علمه مثقال , أحمده سبحانه و أشكره إذ هدانا لدين الإسلام و أزاح عنا شبه الزيغو الضلال , و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة موحد له بالغدو و الآصال , و أشهد أن سيدنا محمداً عبده و رسوله نبي جاء بدين قويم فارتوينا مما جاء به من عذب زلال , اللهم صل على محمد و على آل محمد و أصحابه الين هم خير صحب وآل .
أما بعد :
اعلم أيها الطالب للسلامة الساعي في أسباب تحصيل الفوز و الكرامة أن العبد من حين استقرت قدمه في هذه الدار فهو مسافر إلى ربه و مدة سفره هي عمره الذي كتب له . فالعمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربه تعالى ثم قد جعلت الأيام و الليالي مراحل لسفره , فكل يوم و ليلة مرحلة من المراحل فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي السفر .
فالكيّس الفطن هو الذي يجعل كل مرحلة نصب عينيه فيهتمّ بقطعها سالماً غانماً , فإذا قطعها جعل الأخرى نصب عينيه و لا يطول عليه الأمد فيقسو قلبه و يمتدّ أمله و يحضره بالتسويف و الوعد و التأخير و المطل . بل يعدّ عمره تلك المرحلة الواحدة فيجتهد في قطعها بخير ما بحضرته فإنه إذا تيقن قصرها و سرعة انقضائها هان عليه العمل و طوّعت له نفسه الإنقياد إلى التزوّد , فإذا استقبل المرحلة الأخرى من عمره استقبلها كذلك فلا يزال هذا دأبه حتى يطوي مراحل عمره كلها فيحمد سعيه و يبتهج بما أعدّه ليوم فاقته و حاجته , فإذا طلع صبح الآخرة و انقشع ظلام الدنيا فحينئذٍ يحمد سراه و ينجل عنه كراه فما أحسن ما يستقبل يومه و قد لاح صباحه و استبان فلاحه .
ثم الناس في قطع هذه المراحل قسمان : قسم قطعوها مسافرين فيها إلى دار الشقاء فكلما قطعوا مرحلة منها قربوا من تلك الدار و بعدوا عن ربهم و عن دار كرامته , فقطعوا تلك المراحل بمساخط الرب و معاداته و معاداة رسله و أوليائه و دينه و السعي في إطفاء نوره و إبطال دعوته دعوة الحق و إقامة دعوة غيرها . فهؤلاء جعلت أيامهم يسافرون فيها إلى الدار التي خلقوا لها و استعملوا بها فهم مصحوبون فيها بالشياطين الموكلة بهم يسوقونهم إلى منازلهم سوقاً كما قال تعالى " ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا " أي تزعجهم إلى المعاصي و الكفر إزعاجاً و تسوقهم سوقاً .
أما القسم الثاني : قطعوا تلك المراحل سائرين فيها إلى الله و إلى دار السلام و هم ثلاثة أقسام : ظالم لنفسه و مقتصد و سابق بالخيرات بإذن الله . و هؤلاء كلهم مستعدون للسير موقنون بالرجعى إلى الله و لكن متفاوتون في التزود و تعبئة الزاد و اختياره و في نفس السير و سرعته و بطئه . فالظالم لنفسه مقصر في الزاد غير آخذ منه ما يبلغه المنزل لا في قدره و لا في صفته , بل مفرط في زاده الذي ينبغي له أن يتزوده , و مع ذلك فهو متزود ما يتأذى به في طريقه , و يجد غِبّ أذاه إذا وصل المنزل بحسب ما تزود من ذلك المؤذي الضار .
و المقتصد اقتصر من الزاد على ما يبلغه و لم يشدّ مع ذلك أحمال التجارة الرابحة و لم يتزود ما يضره فهو سالم غانم لكن فاتته المتاجر الرابحة و أنواع المكاسب الفاخرة .
و السابق بالخيرات همه في تحصيل الأرباح و شد أحمال التجارات لعلمه بمقدار الربح الحاصل فيرى خسراناً أن يدخر شيئاً مما بيده و لا يتّجر به فيجد ربحه يوم يغتبط التجار بأرباح تجاراتهم فهو كرجل قد علم أن أمامه بلدة يكسب الدرهم فيها عشرة إلى سبعمائة و أكثر و عنده حاصل و له خبرة بطريق ذلك البلد و خبرة بالتجارة فهو لو أمكنه بيع ثيابه و كل ما يملك حتى يهيء به تجارة إلى ذلك البلد لفعل . فهكذا حال السابق بالخيرات بإذن ربه : يرى خسراناً بيناً أن يمرّ عليه وقت في غير متجر .
فلينظر كل منا من أي المسافرين هو و بأي زاد سيرتحل إلى الله فكلٌ يغدو فبائع نفسه فموبقها أو معتقها .
و السلام