فؤاد طرابلسي
19-10-2009, 10:01 AM
ما أخذه العرب من اللغات الأخرى ـــ د.مسعود بوبو
مدخل:
مـن المتّفق عليه في علم الإنسان، أو علم الأجناس (الانثروبولوجية Anthropology) أنه ما من عرق بشري نقي الدم تماماً، إلا في استثناءات نادرة تنطبق على سلالة مغلقة اجتماعياً أو جغرافياً إغلاقاً حجز بينها وبين الآخرين. ومثل هذا الحكم يمكن أن يطلق على اللغات. فثمة مجموعات بشرية صغيرة اتخذت لنفسها رموزاً إشارية أو صوتية للتفاهم والتواصل واصطلح على تسميتها لغة. فإذا قُيِّض لمثل هذه المجموعات أن تبقى معزولة عن الآخرين، منقطعة الصلة بما حولها أمكن أن تَسْلَم لغتها من الدخيل. وهذا، وإن كان مستبعداً، يوحي بأن أصحابه خاملون أو يخشون الآخرين، أو إنهم شديدو التعصب والعزلة والرفض للآخر. ولا شيء من هذا يمكن أن يُنسب إلى العرب. فللعرب لغة قديمة عريقة امتدت على مدى تاريخي طويل، وعلى مساحة جغرافية فسيحة. ولم يكن العرب خاملين ولا منعزلين عن غيرهم أو متعصبين تعصباً يملي عليهم الحذرَ من الآخرين أو رفضَهم. لقد كانوا على صلة بالحضارات المجاورة، وعلى حوار إنساني مع الأمم والشعوب الذين احتكوا بهم في التجاور والتجارات والمصاهرة والسفارة والمحالفات والولاء والوكالات والهجرة والحروب.
لقد كان للعرب صلات وثيقة بالفرس عن طريق المناذرة في الحيرة ودومة الجندل وجنوبي العراق، كما كان لهم صلات وثيقة بالروم عن طريق الغساسنة في منطقة دمشق وما جاورها، وفي الجنوب اتصل العرب بالأحباش عن طريق الهجرة والحروب وعلاقات الجوار المتنوعة. وعن طريق المعاملات التجارية أقام العرب أنواعاً من الصلات بهذه الأطراف كلها، فضلاً عن صلتهم بالهند والصين منذ القديم(1). ولا يعقل أن تبقى العربية بعد هذا خالية من مؤثرات أصحاب هذه اللغات، بل ستأخذ منها من الألفاظ والمصطلحات والمسميات بالقدر الذي تستدعيه طبيعة العلاقة والتعامل. ولا ننس أن مكة المكرمة كانت مركزاً دينياً وجغرافياً وتجارياً في قلب جزيرة العرب، وهذا جعل منها ملتقى للتجار ومحطة للقوافل التجارية العابرة من الشرق إلى بلاد الشام وأوربة، ومن المنتظر أن يفتح هذا باباً للتبادل اللغوي، وللأخذ والعطاء والمحادثة والمحاورة وغير ذلك مما سيخلّف آثاراً لغوية لا سبيل إلى تجنبها.
وقبل أن نبسط القول في تفصيلات ما اقتبسه العرب من غيرهم يحسن أن نوضح بعض ما يحيط بهذا الموضوع من ملابسات، وأن نقف عند اختلاف العلماء في النظر إلى ظاهرة الدخيل اللغوي في هذه المنطقة من العالم. ولا معدى لنا في الخطوة الأولى عن الوقوف عند مفهوم الدخيل، ثم مفهوم المعرّب حتى نسمي الأشياء بأسمائها في منأى عن قلق التفسير والاجتهاد.
ولعلّ الأصل اللغوي العربي "دخل" يسعفنا بدلالته القديمة على تعريف مصطلح الدخيل اللغوي بدلالته المتأخرة، فالدخيل أصلاً: الذي يُداخلك في أمورك(2) و"فلان دخيل في بني فلان إذا كان من غيرهم فتدخل فيهم"(3). و"الدخيل: المُداخل المُباطن.. وداء دخيل: داخلٌ، وكذلك حبّ دخيل(2).
أما مصطلح الدخيل اللغوي عند صاحب اللسان فلا يعدو أن يكون إشارة مجتزأة إلى جوهر المصطلح بمفهومه الأعم، بيد أنها تنطوي على تنبّه مبكر، وفهم متطور لظاهرة الدخيل في اللغة العربية، يقول: "وكلمة دخيلٌ: أدخلت في كلام العرب وليست منه، استعملها ابن دريد كثيراً في الجمهرة"(4).
ولم يستوِ الدخيل مصطلحاً خالصاً في الدراسات اللغوية عند العرب، أو لم يشعْ مصطلحاً متّفَقاً عليه بالدقة والتحديد، وإن حظي باهتمام السلف في مرحلة التصنيف في غريب القرآن، ومرحلة "تنقية" اللغة بعد ذاك(5) إلى أن جاء الجواليقي فأضفى عليه مزيداً من الإيضاح عندما نظر إليه بالقياس إلى العربي الأصيل أو الصريح حيث قال في مقدمة كتابه "المعرب":
"هذا كتاب نذكر فيه ما تكلمت به العرب من الكلام الأعجمي، ونطق به القرآن المجيد، وورد في أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، رضوان الله عليهم أجمعين، وذكرته العرب في أشعارها وأخبارها. ليُعْرَفَ الدخيل من الصريح، ففي معرفة ذلك فائدة جليلة، وهي أن يحترس المشتقّ فلا يجعل شيئاً من لغة العرب لشيء من لغة العجم"(6).
فالدخيل والكلام الأعجمي هنا وضعا في مقابل العربي الصريح، ولغة العجم في مقابل لغة العرب، وتلك صورة تزيد مفهوم الدخيل وضوحاً وتعزّز استقراره مصطلحاً. وقد اتسع مفهوم هذا المصطلح في مراحل لاحقة على النحو الذي يصفه ابن خلدون في إطار الظاهرة اللغوية الأشمل، قال:
"فلما هجر الدينُ اللغاتِ الأعجمية، وكان لسان العرب القائمين بالدولة الإسلامية عربياً هُجرت كلها في جميع ممالكها لأن الناس تَبَعٌ للسلطان وعلى دينه، فصار استعمال اللسان العربي من شعائر الإسلام وطاعة العرب، وهَجَر الأممُ لغاتهم في جميع الأمصار والممالك، وصار اللسان العربي لسانَهم حتى تُرَسَّخَ ذلك لغةً في جميع أمصارهم ومدنهم، وصارت الألسنة العجمية دخيلة فيه وغريبة"(7).
وعلى هذا النحو من الاستعمال التلقائي للفظة "الدخيل" في الموضع الموافق للمصطلح بمفهومه العلمي بدأت فكرته تترسخ وتشيع في الكتابة والبحوث اللغوية، حتى جرى بها العرف ولقيت من العلماء قبولاً، بل إقبالاً يشبه أن يكون اتفاقاً ضمنياً اصطلحوا عليه من غير نصّ صريح، وبالمقابل من غير دفع أو معارضة أو استنكار(8) وتعمم هذا المصطلح بعد ذاك في تعابير حديثة من مثل "المصطلحات الدخيلة" و"العلوم الدخيلة" وما يشبه ذلك مما استعير من اللغات الأخرى.
ويلحظ في هذا الإطار أن القدماء قد ساووا بين "الدخيل" والأعجمي من غير تعريف مقيّد نصوا عليه فيهما، ولا تفريق مذكور بينهما، وإنما انطلقوا من النظر إلى مفهوم العجمة المناقض للإفصاح والبيان في الدلالة اللغوية. وشيئاً فشيئاً تراجعت تسمية الأعجمي ليستخدموا بدلاً منها تسمية "المعرَّب" الذي ما لبث أن استوى مصطلحاً، ولكنها لم يكن موضع اتفاق، أو إجماع، بل كان موضع خلاف بين العلماء قديماً وحديثاً، وعلى أوجه منها:
أ-النظر إليه من جهة الدلالة، فإذا كان الأصل اللغوي يتجه إلى الإبانة والإفصاح اتجه المصطلح إلى نقل اللفظ من العجمة إلى العربية على نحو مستساغ نطقاً وصوتية. والمشهور فيه "التعريب" وقد عبّر عن هذه الفكرة سيبويه في وقت مبكّر حين سماه "إعراباً" استئناساً بأصل المعنى، وعليه يقال: معرّب ومُعْرَب(9).
ب-النظر إليه من جهة الإجراء عند النقل إلى العربية، وقد لخص هذه الفكرة غير واحد من علمائنا، من ذلك قول الجوهري في "الصحاح": "تعريب الاسم الأعجمي أن تتفوه به العرب على منهاجها، تقول: عرّبته العرب وأعربته أيضاً"(10).
فعبارة "تتفوّه به على منهاجها" تقتضي مجموعة من الإجراءات هي التي فصّل فيها الخالفون ممن عرضوا الظاهرة الدخيل والمعرب.
ج-النظر إليه من جهة الزمن، فقد ذهب بعضهم إلى أن ما دخل العربية بعد عصر الاحتجاج يعدّ مولَّداً أو دخيلاً، وما قبل ذلك يعد معرّباً. ويحدد عصر الاحتجاج غالباً بنهاية منتصف القرن الثاني الهجري (150هـ). وفي هذا اعتداد لا يخفى بالعرب الخلّص الذين يحتجّ بلغتهم في السلامة والصحة، وفي التعريب.
د- النظر إليه من جهة الوزن، أي "إذا جاءت لفظة أجنبية، وهذبت من حيث لفظها بحيث أشبهت الأبنية العربية القحة في ميزانها الصرفي، اعتبرت من المعرب. أما إذا بقيت على وزن غريب على اللغة العربية فهي من الدخيل"(11).
وهذا الاشتراط في تعريف المعرّب لم يقل به القدماء صراحة، وإنما أشاروا إليه بصفته واحداً من الإجراءات العامة في التعريب. وبهذه الرؤية المتنوعة الموزعة بدا مصطلح المعرّب موضع خلاف. أما القول الأقرب إلى الصواب فيه فهو إن المعرب دخيل في الأصل وقبل كل شيء. وتعريب هذا الدخيل كان بأن يجري العرب عليه تعديلات تتفق وطبيعة العربية وتجعله ينقاد لخصائصها بالقدر الممكن: في أوزانه ومعانيه وأصواته، فتُغَيِّرُه بالحذف والإضافة والإبدال والتصريف (التنوين) وإدخال (لام) التعريف عليه (للتمكين) وحتى يصير (محمولاً) على كلام العرب(12).
وثمة مظاهر أخرى للتعريب لم ينصّ عليها اللغويون بالتسمية والحد، ولكنها جاءت عرضاً في بعض كتب التراث، كقول أبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي: "الزبرجد: إعراب زُمُرّد"(13). وقول الأصمعي:
"سكّر طبرزد، وطبرزل، وطبرزن ثلاث لغات مُعْرَبات"(14).
وتتضمن إشارة الفارابي إلى تعريب "الزبرجد" مفهومات: الصرف، والإبدال الصوتي، والتغيير في الحركات، والحذف. كما تشير فكرة الأصمعي بثلاث اللغات المعربات إلى التعريب عن طريق القلب الموضعي، والتغيير الصوتي- الفونيمي Phoneme ، والصرف بوضع الحركات العربية (الإعرابية) على أواخر الكلم.
وكان من معاني الإعراب عندهم ما يقابل مفهوم الترجمة عندنا اليوم كقول الأصمعي: "الحَنْدَقُوق نبطي، ولا أدري كيف أعربه إلا أني أقول: (الذُّرَق). قال: ولا يقال: (حِنْدقوق) ولا(حِنْدقوقة)(15).
وهذا يعني وضع الأصيل العربي في مقابل الدخيل الأجنبي أو بدلاً منه (من وجهة نظر الأصمعي)، كما يعني عدم قبول الأصمعي، أو عدم استساغته لفظة حِندقوق (بكسر الحاء) لأنه وزن غير مألوف في الأبنية العربية، وكذلك لا يجوز (عند الأصمعي) أخذ مفردة منه بلفظ (حندقوقة) وقد يكون المراد أيضاً عدم قبوله أن يقال (حندقوقا) بألف التعريف الآرامية التي تلحق بأواخر الأسماء بدلاً من بدايتها في العربية.
ذلكم هو التعريب بمظاهره التي عرفها وعرض لها القدماء.
أما الدخيل فامرأة أقل إشكالاً وغموضاً، ويتلخص حدُّ مصطلحه في أنه "أعم من المعرّب، إذ يشمل ما نقل إلى لغة العرب، سواء جرت عليه أحكام التعريب أو لم تجر عليه، وسواء أكان في عصر الاستشهاد (الاحتجاج) أم بعده"(16).
v v v
وبعد، فما هي اللغات التي نعدّ ما تسرّب منها إلى العربية دخيلاً؟!
قبل الإجابة عن هذا التساؤل يحسن أن نشير في إيجاز إلى أن لغويينا القدماء لم يفرّقوا بين مصطلحي "اللغة" و"اللهجة" كما يعرفهما علم اللغة حديثاً، إذ عبروا عن الاختلافات اللهجية بين القبائل بما درجوا على تسميته "اللغات"، وأخذاً بهذا التصور جاء عنوان كتاب "اللغات في القرآن" الآنف الذكر،(17) المنسوب إلى عبد الله بن عباس. وفي هذا الكتاب صُنِّفت الظواهر اللهجية (وهي صوتية في الغالب) منسوبة إلى "لغات" كالحميرية والحبشية والحورانية والنبطية ولغة طَيِّءوأهل اليمامة ولغة قريش ومذحج وجرهم وكنانة ولغة عُمان.. إلخ.
ومن المتّفق عليه بين الباحثين المحدَثين أن تلك "اللغات" التي ذكرنا تنحدر من أصل لغوي واحد هو الذي أطلق عليه عالم اللاهوت النمسوي الألماني شلويتسر A.l. SHLOESTER مصطلح "اللغات السامية"، وذلك عام 1781م، وتبعه في الأخذ بهذه التسمية ألماني آخر هو ايخهورن Eichhorn منذ عام 1807م. ثم شاعت هذه التسمية غير الدقيقة (كما أقرّ مجموعة من الباحثين)(18).
وإذا كان من أخذوا بهذه التسمية قد ميزّوا ما أسموه "اللغات السامية" من اللغات المجاورة، فإن لغويينا القدماء لم يلتفتوا إلى ذلك، بل سموا اللهجات العربية والمحلية واللغات المجاورة جميعاً لغاتٍ. وهذا أيضاً غير دقيق، لا بالمعايير العلمية، ولا من وجهة نظر علم اللغة المقارن Comparativ linguistic والذي نأخذ به وندعو إليه هو اعتماد التسمية الأقرب إلى الحقيقة وروح العلم، وهي "العربية القدمى"(19)، بدلاً من اللغات السامية أو اللغة السامية. وتكون اللغات "الأعجمية" أو اللغات "الأجنبية" تلك التي من أسرة أو أسر لغوية أخرى، كالفارسية والهندية والرومية والتركية واللغات الأوربية الحديثة وغيرها مما ندرسه بالقياس إلى العربية تحت مصطلح "علم اللغة التقابلي Contrastive linguistic . وما توقُفُنا القصير هذا إلاّ لإيضاح ما قد يعتور التسميات أو المصطلحات من غموض والتباس، وللإجابة عن تساؤل قد يدور في بال القارئ هو: هل نعد اللهجات العروبية المتفرعة من العربية القدمى أجنبية لنعدّ من ثم ما رشح إلى العربية منها دخيلاً أو في جملة الدخيل؟ والإجابة بداهة بالنفي للأسباب الآتية:
أ-لأن الكلمات التي تنسب عند التأصيل إلى الكنعانية والأوغاريتية والبابلية والآشورية والآرامية والحبشية وأشباهها وفروعها- تنحدر كلها من سلالة لغوية واحدة، أو من أسرة واحدة هي اللغة العربية القدمى. وأفراد الأسرة الواحدة أو الأصل الواحد ليسوا غرباء ولا دخلاء.
ب-لأن الدراسات اللغوية التحليلية والتاريخية والتأصيلية ليست بقادرة على إثبات انتماء الألفاظ التي هي موضع أخذ ورد إلى هذه اللهجة أو تلك من لهجات العربية القدمى، لأن التداخل اللهجي قديم لا تعرف طبيعته ولا أزمنته ولا قنواته، ولأن متكلمي تلك اللهجات كانوا في حالة انتقال وارتحال واختلاط على نحو غير منقطع وغير مرصود بضوابط موثوقة، لذلك يعدّ البحث في الفرز اللغوي هنا جهداً غير علمي خالص، بل سيكون عملاً مبنياً على التخمين والافتراض والاجتهاد.
ج-لأن جلّ الدخيل اللغوي في العربية- كما سيجيء- يعزى في منشئه وطبيعته إلى مسميات غير موجودة في الأرض العربية، وليست من مفرزات البيئة العربية ولا من طبع العرب ومجتمعاتهم، وعلى هذا سيكون ما دخل من لهجات العربية القدمى -لو تمت معرفته بحق- شيئاً مألوفاً تداوله الناس والألسنة ببعض اختلاف في النطق أو تنوع في المدلول، وهو أمر لم تخل منه العربية الفصيحة الباقية نفسها، أي أنه لا يسلك في معايير التأثير والتأثر بين اللغات والحضارات على النحو الذي نتطلع إلى رصد جانب منه. ففيم إذن بذل الجهد والإمعان في التكلف والافتراض؟! ونخلص من هذا إلى القول: إن الدخيل اللغوي الحقيقي إلى العربية هو الذي أخذه العرب من لغات الأمم المجاورة لأطراف جزيرتهم كالفارسية واللاتينية واليونانية والهندية والتركية وأشباهها.
v v v
ومما يجدر ذكره هنا أننا لسنا بصدد عمل إحصائي أو استقرائي تام لما أخذه العرب من اللغات المذكورة قبل قليل، فذلك أمر له ميدان آخر. أما الأمر الثاني فهو أن مسألة القطع بأمر الدخيل لا تخلو من جدل بين الباحثين اللغويين، إذ قد يرى بعضهم أن الألفاظ كذا وكذا عربية صريحة، ويراها آخرون دخيلة صريحة. فضلاً عن أن بعض باحثينا يبالغ فيصل إلى حدّ الزعم أن ألفاظ اللغات كلها عربية الأصل، وهو أمر دفعه وأنكره العلماء منذ القرن الثامن عشر، أو سلكوه في جملة اللهو والتوهم. وتفادياً لمثل تلك الاجتهادات والأحكام العاطفية القلقة نعتمد مبدأ الترجيح المعزز بما بين أيدينا من أقوال وأدلة ارتضاها الثقات من علمائنا الذين يُشْهَد لهم بمعرفة العربي الأصيل، وارتضاها الثقات ممن يُشهد لهم بمعرفة اللغات الأخرى من الباحثين المحدثين.
- ما أخذه العرب من الفرس:
وسنبدأ من القديم، ممّا وقفنا عليه من دخيل توزّعته مصادرنا اللغوية من شعر ونثر ومعجمات وأقوال. وفي القديم ، في العصر الجاهلي لم يكن العرب يتحفظون أو يتخوفون من أخذ ألفاظ أجنبية، أو يفكرّون بعقابيلها، ومع ذلك كان أخذهم قليلاً، لأن صلتهم بغيرهم كانت محدودة. ولعل الصلة الطويلة والقديمة بالفرس هي الأبرز والأدعى إلى اقتباس الألفاظ الفارسية قبل غيرها وأكثر من غيرها، فقد استمرت تلك الصلة ما يزيد على عشرة قرون، بل إن علاقات الجوار والحدود لم تنقطع أو تغلق، بصرف النظر عن طبيعتها السلمية أو الحربية أو التجارية.
ونقف قليلاً عند مثال واحد يفتح الباب لتسرب بعض الدخيل اللغوي الفارسي إلى العربية هو الشاعر الجاهلي الأعشى (ميمون بن قيس) الذي ولد في إقليم اليمامة حيث كانت قبائل بكر التي نشأ في أحضان أحد بطونها "بنو قيس بن ثعلبة". فالأعشى كان يتردد بين اليمامة والعراق، ونجدُ في شعره ذِكراً لبلدتي "عانة" و"بابل" من العراق. كما نجد ذِكراً للحيرة، عاصمة المناذرة القريبة من الكوفة. ونقرأ بيته في الخمر:
ولقد شربت الخمر تركضُ حولنا تُرْْكٌ وكابُلْ
ولعلّه يقصد بالترك والكابل جواري أو راقصات ممن استُجلبن من بلاد الترك وأفغانستان التي عاصمتها الحالية "كابل" أو كابول"(20) ويذكر في شعره الأديرة التي شرب قربها أو فيها، كما يذكر الرياحين والطيوب مما كان يستحضر في تلك المجالس، كما في قوله:
لنا جُلَّسانٌ عندها وبنفسجٌ
وسِيْسَنْبَرٌ والمَرْزَجُوشُ مُنَمْنما
وآسٌ وخِيْريٌّ ومروٌ وسوسنٌ
إذا كان هِنْزَمْنٌ ورحتُ مُخشَّما
وشاهَسْفَرِِمْ والياسمين ونرجسٌ
يُصَبِّحنا في كلّ دَجْنٍ تَغَيّما
فكم من الألفاظ الفارسية في هذه الأبيات الثلاثة وحدها؟
إن احتكاك الأعشى برهبان الأديرة، وبالجواري التركيات، ووقوفه على مسميات غريبة يعجّ بها مجلس خمر في بيئة فارسية مترفة(21)، ومشاهدته لألوان من الرياحين وأنواع من آلات الطرب التي لم يعرفها العرب.. كل ذلك يجعل من المحتّم عليه أن يقتبس المسميات ويضمّنها شعره، ولو من باب الهزل والاستطراف. وعلى هذه الصورة وشبيهاتها بدأ العرب يأخذون الدخيل الفارسي.
ونطيل هذه الوقفة عند الأعشى قليلاً فنقول: إن ما أدخله في شعره من الفارسية يمكن رصد معظمه في المسميات الآتية:
آس، إبريق، أرجوان، أرندج، إوان، باطية (وعاء للخمر)، بربط (آلة طرب)، بستان، بقّم، بنفسج، تامورة، جُلّسان، جون، خندق، خسرواني، خيم (الطبيعة والسجيّة)، دخارص (جميع دِخْرِص: قطعة تزاد في الثوب)، دوسر (إحدى كتيبتي النعمان بن امرئ القيس، اسم نبات، الجمل الضخم، اسم قلعة جعبر المعروفة قرب الرقة بشمال سورية، اسم شاعر هو دوسر بن ذهيل القريعي، ومعناها: ذو الرأسين)، دهقان، ديابوذ (ثوب ينسج على نيرين أو ذو لحمتين)، ديسق (خوان من فضة)، راووق، زبرجد، زمهرير، زنبق، زير (وتر دقيق حاد الصوت)، سلجم (لفت)، سُنبك، سوسن، صنج وصناجة، طنبور، طرجهار، (شبه كأس يشرب به)، طرجهارة (آلة مائية، فنجان. ويقال: طرجهالة)، مستقة (آلة طرب)، شيدارة (بساط منقش وثمين، بُرد يُشق ثم تلقيه المرأة على عنقها من غير كمين ولا جيب. قال:
إذا لبستْ شيدارةً ثمّ أرّقتْ
بمعصمها والشمسُ لمّا ترجَّل
مكوك (آلة تخص النساج والخياط، أو مكيال، مُلاب، مهارق، نمارق، ياسمين.. إضافة إلى ما جاء في الأبيات السابقة، وما صرفنا النظر عنه لغرابته)(22).
ويُلحظ أن معظم هذه الألفاظ يتعلق بآلة العيش، وبمجالس الطرب والخمرة ولوازمهما من (الكماليات) المتممة للترفيه، إلى جانب ألفاظ تتعلق بالعمران، أو بما يُلْبس، وكل ذلك مما لم تعرفه العرب على تلك الصورة، وكله من المسميات المادية الخالصة التي لا تخترق دائرتها كلمة واحدة تخلص للفكر أو للذهنية والتجريد.
ومما يشبه تلك المسميات أخذ العرب ألفاظاً فارسية تتصل بالثياب وألالوان من مثل أرمغان: (نسيج حرير فاخر)، استبرق، جورب، جُمان، دخدار (ثوب)، ديباج، زركشة، سروال وسربال، صندل، جوخ، طيلسان، يلمق، أَبْرَيْسَم، بَرَّكان وبرنكان (ثوب أسود) تَبّان، قرطف (لباس شبيه بالقباء، ذو طاق واحد)، خزّ، زرياب (ماء الذهب)، نرمق (من الثياب)، آذريون (زهر أصفر في وسطه خمل أسود، معناه: شبه النار...)...
كما أخذوا ألفاظاً تدور في فلك المعادن والأحجار الكريمة مثل: فولاذ، زئبق، سمبادج، دانق، خردق، بهرمان، أيريز، جوهر، اسبيداج، خنجر، أسربّ، جنزار، آنك، ستّوق (درهم مزيف)، تنك، بوتقة، فيروز، توبال (ما يتساقط من الحديد أو النحاس عند طرقهما)، لازورد، توتياء..
ومن النباتات والرياحين والأشجار المثمرة وغير المثمرة أخذ العرب مسّميات لم تكن معروفة في لغتهم مثل: نيلوفر، سنديان، صنوبر، تفاح، أبلوج (نبات السكر، ويعني: السكرّ الأبيض) ترمس (للحَبّ، أما الترمس للوعاء المعروف حديثاً فمن اليونانية Ther mos)، مردقوش (الزعفران، أو نبات عطري، وعرّب أيضاً: مرزجوش ومرزنجوش)، ازدرخت، أي: الشجر الحرّ، من (أزاد: حرّ) و(درخت: شجر) ويَرِد في بعض الكتب بلفظ (زنزلخت)، نسرين، خربز (بِطّيخ) ياسمين، باذنجان، خرّم، جرجير، خلنج (شجر)، تنَّوم، جزر، خيار، سرو، لوز، دَسْتنْبويْه (نوع من البطيخ الشمّام)، زعرور، عرموط، جِلَّوز (بندق)، أيهقان (عشب يطول، وهو اسم الخردل البري)، جلّنار، راوند، جوز، زنبق، كُركُم، هليون، طرخون، أفيون... وأخذوا من أسماء الحيوانات: سمنْد أو سمندر، بَبْر (الأسد الهندي)، سنجاب، فُرانق (جنس من السباع، وعرّب بلفظ برانق)، سنّور (الهرّ) جاموس، دلق (حيوان شبيه بالسنجاب).. ومن الطيور: كروان، سوذنيق وسوذانق (الصقر، أو شبيهه)، ببغاء، كُرَّذ (الباشق، والباشق أيضاً بالفارسية: باشِه)، باز، شاهين، طيهوج، قُبَّح (الحجل)...
وأخذوا من الأشربة والأطعمة: لوزينح، بختح (عصير مطبوخ مسكِر)، باذق (أيضاً عصير مطبوخ)، جردق (الغليظ من الخبز)، جلاّب، شوربا، جلنجبين (معجون يعمل من الورد والعسل)، زلابية، رشته (طعام يصنع من العجين الملفوف المقطع...) شبارق، دوشاب (نبيذ التمر أوالدبس)، زماورد، بوظة، سكباج، بقلاوة، سنبوسك، بقسماط (وقيل إنها يونانية الأصل)، طباهجة (الكباب)، برغل، فالوذج، فانيد (نوع من الحلوى)، خُشْكنان، كعك، وفيهما يقول الراجز:
يا حبذا الكعكُ بلحم مثرود
وخشكنانُ وسَوِيقٌ مقنود
وسويق ومقنود بالفارسية، أما الخشكنان فدقيق الحنطة إذا عجن بشيرج (دهن السمسم) وبُسط وملئ بالسكر واللوز أو الفستق وماء الورد وجمع وخبز..
أما ما يمكن سلكه في جملة الألفاظ العامة والإدارية والتنظيمية فقد أخذ العرب ألفاظاً ومسميات تتباعد وتتوزع في مجالات كثيرة، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
جَنْدار (حافظ الأمير أو الملك)، د سكرة، إسوار (الفارس الذي يحسن ركوب الخيل والرماية للسهام، واحد الأساورة)، ديوان، بارة، بلاس، زنديق، خوان، باركان، نموذج، رستاق، بندار، وبندر، ديدبان، خندق، دربان، شادروان (حافظ الخيمة)، دهقان، بريد، بيمارستان، برنامج، خزندار (مركبة من الفارسية والعربية)، دستور (من الفهلوية Dast war بمعنى القاضي والحاكم وكبير الزراد شتيين. وتستعمل في الفارسية والتركية بمعنى القواعد الأساسية لعلم من العلوم أو صناعة من الصناعات. ومن معانيها: الإذن، عند الترك والعرب إذا دخل الرجال على النساء، أو همّوا بالدخول في مكان مظلم استئذاناً من الجن. وهي الدخيل المتأخر في العربية)(23)، دَرْبَند (غلق الدكّان والباب، من (در: باب) ومن (بند: رباط) ومنه البند بمعنى الراية والشارة)، جُلاهق (جسم صغير كروي من طين أو رصاص يرمى به الطير)، بَرَوانة (مروحة السفينة، وحاجب الملك، سرادق، صهريج، طسّوج (الناحية والمحافظة، جمع طساسيج.)، سرداب، دهليز، سردار، عسكر، سندان، صولجان، فرند، سباهي (رتبة عسكرية، تحوّل معناها إلى مالك القرية)، قيروان، سرسام، زرنيخ، ساباط، فهرس، كشك، ربان، دورق، ماخور، مرزبان (حارس الحدود)، جوسق، درفس، بهلوان، تاج، مهرجان، مومياء، بُنْدُقدار (من يحمل جراوة البندق خلف السلطان، صاحب البندقة)، أريكة وزرابي وطنافس... وأخذوا بعض مسميات الآلات الموسيقية والطرب ومصطلحاتهما، وبعض أسماء الخمرة وألقاب الشعراء كالفرزدق، والطغرائي، ودوسر..
- ما أخذه العرب عن الهنود:
إن ما عرفه العرب عن طريق الهنود من النبات والحيوان والسيوف والعقاقير والطيوب والأحجار الكريمة والمنسوجات القطنية أخذوا مسمياته منهم مباشرة بطريق المعاملات التجارية وتبادل السلع، أو أخذوه عن طريق الفرس الذين كانوا أحياناً شبه وسطاء بين العرب والهنود، كما كان العرب أحياناً وسطاء بين أوربة والشرق في جلب البضائع الهندية والصينية وإيصالها إلى الأوروبيين قبل أن يتاح لهؤلاء الاتصال المباشر بالشرق الأقصى في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي(24)، ومن هنا يقع بعض الباحثين اللغويين في الوهم حين ينسبون بعض الألفاظ الهندية والفارسية إلى العربية، لأنهم عرفوها عن طريق العرب. وتنقل عن المسعودي فكرة حرص العرب على استعمال الألفاظ المحلية في مختلف المناطق التي ترددوا إليها، من ذلك قوله: "إنما نعبر بلغة أهل كل بحر وما يستعملونه في خطابهم فيما يتعارفونه بينهم".
ويقول: "إنما نخبر عن عبارة كل بحر وما يستعملونه في خطابهم(25)" ومما يجدر ذكره هنا تعليق الدكتور محمد يوسف (من جامعة كراتشي) على كلام المسعودي بقوله:
"ويلاحظ في هذا الصدد أن العرب لم يأخذوا الكلمات الهندية من اللغة السنسكريتية الفصيحة، ولا هم اعتنوا بأشكالها الصحيحة في الكتابة، بل إنما [كذا] أخذوها من أفواه التجار وسكان المناطق الساحلية التي كانوا يترددون عليها، ولا يخفى أن تلك المناطق كانت ولا تزال تسودها لهجات متعددة بل لغات مستقلة"(26).
ومن الألفاظ الهندية التي أخذها العرب:
الأترُجّ (ويرد في الكتب العربية أيضاً بلفظ: أُتْرُنج وتُرُنْج)، أرزّ (وبلفظ: آرز بالمدّ، رنز، رزّ)، أوج (الأصل: ارتفاع الشمس أو تشا)، أرجوان (بالسنسكريتية Ergewan Argawan، اشتيام (رئيس الركاب) اطريفل (معناها بالهندية: ثلاثة أخلاط هي: إهليلج، وبليلج، وأحلج)(27) ألنج (يلنج، ألنجوج، يلنجوج، وهو عود يتبخر به، بالسنسكريتية laghu)، أنبج (بالهندية Anbo والأنبجات هي المربيات أو المربّبات من الرُّب)، بقّم، بهار، تنبول، توتياء، جلفاط (قلفاط)، بنج، جونة العطارين (Goni)، خرص (للرمح)، خيزران، رانج (الجوز الهندي، بلغة بورما ong)، زنجبيل، ساسم (نوع من شجر الجبال)، سكر، سمهري، شطرنج، شنكل (معقاف، وقيل هو بالفارسية)، شيت (نوع من النسيج chites)، صندل، طاووس، طباشير (من: تبا بمعنى مثل، وشير بمعنى اللبن، أما تباشير الصباح فبالعربية)، طنّ، عاج، فانيد (نوع من الحلواء، وقيل إنه بالفارسية)، فلفل، فنجان، فوطة، فيل، قرفة، قرنفل (ويزعم بعضهم أنها يونانية بلفظ: خاريوفِلَّون، لكنّ أصل منبته بالهند، والأرجح أن اليونانية أخذته عن الهندية بطريق ما)، قماري (عود يتبخر به)، قنا (للرماح)، قند (لقصب السكر)، كافور (أصله بالسنسكريتية Karpura وبالهندية والفارسية Capoor، وبالفرنسية Camphora واشتق منه فيها الفعل Camphorer بمعنى دهن بالكافور وذلك حوالي عام 1751م (دائرة المعارف الفرنسية) وفي العصر الحديث أطلق على زيت الكافور اسم Campol(27)، كركدن، كرنده (الرُّنْد)، ليمون، مسك، المندلي (عود طيب الرائحة Mandal)، النردين (السنبل الهندي)، نارنج (ويقال في دمشق: لارنج)، النمط (بالهندية Namata)، النارجيلة، النيلج، هيل أوهال، ورس، وشيح (نوع من الشجر، والوشيج ينبتُ الخطيّ- ومنه الرماح الخطية.
وجاء في لسان العرب: وقيل: "الخطّ مرفأ السفن بالبحرين تنسب إليه الرماح.. وليست الخطّ بمنبت للرماح، ولكنها مرفأ السفن التي تحمل القنا من الهند" وقال: "وليس الخطيّ الذي هو الرماح من نبات أرض العرب، وقد كثر مجيئه في أشعارها، قال الشاعر في نباته:
وهل يُنبتُ الخَطيَّ إلا وشيجُهُ
وتُغْرَسُ إلا في منابتها النخلُ؟"
واعتماداً على هذا القول رأى الدكتور محمد يوسف أن الوشيج في الأصل كلمة هندية من Vansho فتأمّل(28).
ووضع العرب ألفاظاً أملتها صلتهم بالهند كقولهم: هندة، هنيدة، هندواني..
ما أخذه العرب عن اليونان:
تعود صلة العرب باليونان، أو بالروم البيزنطيين إلى ما قبل الميلاد بنحو نصف قرن حين احتل الروم مصر وسورية وفلسطين وقسماً من العراق. ذلك الاحتلال الذي استمر حتى الفتح العربي الإسلامي وقد انتشرت اليونانية إبان هذا التاريخ في حواضر مثل الاسكندرية واللاذقية وانطاكية وآفاميا (قرب حماه) وصور ودمشق والقدس. وكان انتشارها واضحاً في المجالين الديني والفلسفي، وفي مرحلة لاحقة تقوّى وجود اليونانية في بلاد الشام بوجه خاص بعد دخول أمراء الغساسنة من آل جفنة في المسيحية. وعلى أساس من هذا التصور سيعتقد المرء أن ألفاظاً يونانية كثيرة قد دخلت العربية في ظل هذه المعطيات، لكن الحقيقة لم تكن كذلك، فالمأخوذ عن اليونانية لا يكاد يذكر بالقياس إلى ما أخذ عن الفارسية مثلاً.
وقد كان لتسرب الدخيل اليوناني إلى العربية مسلكان، أو قناتان هما: إمّا اليونانية مباشرة. أو عن طريق السريان الذين كانوا أكثر صلة روحية وسياسية باليونان، وأقدم وأوسع من علاقات العرب قبل الفتح العربي(29). وقد يكون ذلك الدخيل اليوناني موروثاً لغوياً تناقله السكان بعد هجرهم الحديث باليونانية في مصر وبلاد الشام إثْرَ شيوع العربية.(30).
ومعظم ما أخذ عن اليونانية يدور حول الأمور المادية والإدارية والدينية، وبعضه يعبّر عن الحياة البحرية والعلوم الطبيعية والعقلية. ومن أشهره.
إبليس، ابنوس، إنجيل (وينسب بعضهم الأبنوس إلى الهندية الصينية)(31) أخطبوط Oktopodion أي: ذو ثماني أرجل؟!) أبو قلمون (طائر)، أثير (مادة منتشرة في الفضاء، هواء على طبقات الجو Ethir)، إزميل، إسطار (نقد من ذهب)، اسطول، اسطقس (العنصر)، أسطورة (ومنها في الانكليزية History وبالفرنسية Histoire بمعنى التاريخ)، اسطنبول (واستانبول، ومعناها في الأصل: إلى المدينة)، إفريز، إقليد، إقليم، اسفنج، إكسير، أنجر السفينة (المرساة)، برنس، بقدونس (ومقدونس، نسبة إلى مقدونية)، برقوق، بلغم (وأصلها: ملغم)، بوق (المزمار النحاسي المعروف، أصل بوكينا Buccina وهو عند الرومان البوق العسكري، من بوكا Bucca ومعناها الفم الذي ينفخ البوق، ومن هذه الكلمة الأخيرة جاء في العامية المصرية: بق، بالضم، أي الفم)(32)، بطاقة، بيطار، ترياق، كوبري، درهم (دراخمة اليوم)، دكان، ديماس، دمقس، رفاس (Rpas حبل للربط)، زبرجد، زنار، سندس، طاجن، سيمياء، طرّيخ (سمك صغار تعالج بالملح) طسق (محرفة عن طقس)، طلّسم، فانوس، فنار، فندق، قارب، قانون، قربوس (قسم من السرج)، قرطاس، قنّبيط، قصدير، قفة، قلم، قمقم، قنّب، قنينة، كتّان، كركي، كوب، كورة (Khqara ومنها جاء اسم الخوري)، كيمياء، لغم، لقالق، مرهم، ملوخية، ناموس، نقرس، نوتي، هيولى، يانسون (وصحيحها أنيسون Aneeson)، أبرشية، ارثذكس، أرخبيل، ارستقراطية، آزوت، اسطرلاب، اسفنط (أجود الخمر)، اسقف، أطلس، اقريدس (سمك صغير)، ألماس Adhamas)، أقيانوس، بلاّن (حمام)، جاثليق، تيفوس وتيفُئيد، جريال (لون توصف به الخمرة، جغرافية، خريطة، دلفين، زخرف، سفسطة، سلمون (سمك)، طغمة، فردوس، فسيفساء، فلسفة، فلين، قراصيا، قنداق (مديح وجيز لقديس..)، قندلفت، قونس، قيراط، كوليرا، كيلوس، لوبياء، هندباء، مسطار (خمر)، مصطكى (علك)، موسيقى، ناووس، هرطقة، ياقوت، فار قليط أوبار قليط (الروح القدس)، بطرك وبطريرك (رئيس ديني مسيحي)، بطريق (الرئيس والعظيم من الروم)، دينار، زيزفون، قولنج، كيموس، منخوليا، أنبيق، أيقونة، خندريس..
-ما أخذه العرب عن اللاتينية:
لم يكن العرب القدماء يفرقون بين اليونانية واللاتينية لغوياً، بل كان ما ينسب إلى هاتين اللغتين يدرج تحت اسم الرومية. ولن نعرض بالتفصيل لمسالك دخول الألفاظ اللاتينية إلى العربية أو أزمنتها، ولكن نشير في اختصار إلى أن الاحتكاك بين اللغتين بدأ قديماً في بلاد الشام خاصة، واستمر عن طريق المتاجرة، والنشاط الديني المسيحي، ثم أيام الحروب الصليبية، وبلغ ذروته في الصلات السياسية والثقافية عن طريق الأندلس وصقلية وبالرمو وغيرها من المرافئ والثغور. وبعض الدخيل اللاتيني وصلنا متأخراً عن طريق اللغات الأوربية وَرَثةِ اللاتينية.
وأشهر ما أخذته العربية عن اللاتينية في مختلف المراحل:
الاصطبل (مربط الدوابّ، بلفظ Stabulum)، إلياء أو إيلياء (بيت المقدس، وقد أطلق عليها هذه التسمية القيصر هدريان عام 135م بلفظ aelia capitolia)، بندق (نسبة إلى مملكة البونت Pont ولفظه Nux pontiea، وفي بعض المصادر Bonduc)(33)، امبراطور، بابا، أطربون (ضابط أعلى درجة من القومس عند الرومان Tribunus ، والقومس يوازي رتبة الأمير)، بُرْجُد (ثوب غليظ مخطط Paragauda)، بركان Vulcanus، ابن جوبيتر، سيد آلهة الرومان القدماء. كان فلكانس يهيء لأبيه الصواعق)(34)، بلاط (بمعنى القصر من Palatium، قصر القياصرة الرومان المبني على تل بلاتيوم من تلال رومية)(35)، رساطون (شراب من خمر وعسل Rosatum، أو شراب مطيب بالورد)، سجلّ (بمعنى الختم Sigillum)، سجلاّط وسجلاّطس (ثياب كتان موشية)، سجنجل (صفيحة فضة مصقولة كانت تستعمل كالمرآة، أو المرآة ذات الزوايا الست Sex Angulus)(36)، سراط وصراط من Strata فرن، قبّاوقفّان (قال الأصمعي وغيره: العرب يقولون: قفّان لأنهم ليست في كلامهم با(يعني p) عجمية فأعربوه، وهو مستقصى معرفة الشيء يعمل به الإنسان. ومنه حديث عمر حين قال له حذيفة: إنك تستعين بالرجل الذي فيه. فقال عمر: أستعمله لأستعين بقوّته ثم أكون على قفّانه. وقال ابن الأعرابي: القفان: الأمين، وهو معرب أصله قبّان. وقال أبو عبيدة: هو الرئيس الذي يتبع أمر الرجل ويحاسبه، ولهذا سمي الميزان قباناً، (37) والقبان عند اللاتين: ميزان لأشياء ثقيلة، بلفظ Campana)، قرصان، قميص، قنديل، قنطار، قيصر، منديل، ميل (مقياس لطول مسافة، مقتضبة من Mill passum)، قنصل..
-ما أخذه العرب بعد العصر العباسي:
ونعني بهذه المرحلة وما تلاها أن نتبع بشيء من العرض السريع تسرّب الدخيل اللغوي إلى العربية مع سقوط بغداد سنة 656هـ، ودخول السلاطين المماليك مقرّ الخلافة والمنطقة العربية.
فمنذ زمن المماليك (648-123هـ) بدأ العرب يأخذون ألفاظاً وتعابير جديدة يضيفونها إلى ما كان أخذه أسلافهم من اللغات الأخرى. وهذا الجديد من الدخيل راح يحتل مكانه تدريجياً في المعاجم والمصنفات العلمية والكتب الموسوعية التي شاعت بوضوح في هذه المرحلة من تاريخ الحضارة العربية الإسلامية.
وتجدر الإشارة إلى أن اللغة الرسمية للمماليك كانت العربية، أما الدخيل اللغوي على ألسنتهم فكان مزيجاً من التركي والفارسي، مع بعض الألفاظ القفقاسية التي انتقلت إليهم عن طريق الشركس. ولمزيد من الإيضاح نشير إلى بعض المؤلفات التي يمكن أن نقف فيها على أمثلة وشواهد لما أخذه العرب من دخيل في هذا الإطار، فمن ذلك: كتاب "عيون التواريخ" لابن شاكر الكتبي(ت 764)، و" المختصر في أخبار البشرلأبي الفداء ملك حماه (ت722هـ)، "ونهاية الأرب في فنون الأدب" لشهاب الدين النويري (ت722هـ)، "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" لابن فضل الله العمري (ت 742هـ)، وكتاب "العبر في خبر من عَبَر" لشمس الدين الذهبي (تـ 748هـ)، وكتب سراج الدين بن الوردي (تـ 749هـ) و"البداية والنهاية" لابن كثير الدمشقي (774هـ) و"تحفة النظّار في غرائب الأمصار" لابن بطوطة (تـ 779هـ) وكتاب "العبر وديوان المبتدأ والخبر" لابن خلدون (تـ808هـ)، و"صبح الأعشى في صناعة الإنشا" للقلقشندي (تـ 831هـ)، و"السلوك لمعرفة دول الملوك" للمقريزي (ت845هـ)، و"النجوم الزاهرة" لابن تغري بردي (تـ 874هـ)، ومؤلفات ابن قيّم الجوزية، والسخاوي، والسيوطي، وابن طولون الدمشقي، والجبرتي.. وغيرهم كثير.
ومن الصعب تقييد زمن دخول هذه الألفاظ وتداولها، أو التثبت القطعي من أنها وليدة هذه المرحلة إلا باستقراء النصوص السابقة.. في أناة وتفحص، وأنّى لنا ذاك في مثل هذه العجالة، لذلك فنحن نعتمد هنا على مبدأ التغليب والترجيح معياراً عاماً لرسم ملامح التطور، وللوقوف على خطوطه العريضة على مدى تاريخ العربية الطويل.
ومن أشهر تلك الألفاظ التي أخذتها العربية:
الأتابك، أو الأطابك (الوالد أو الأمير باللغة التركية) (38) مركبة من (أتا): أي الأب أو الشيخ المحترم لكبر سنه، ومن (بك): الأمير. ويطلق على أمير أمراء الجيش لقب: أتابك العسكر، وقد تأتي بمعنى الجيش، أرسلان (الأسد باللغة التركية)، أرناؤوط (الألباني الجنسية، ولم يستعمل قديماً لفظ الألبان، بل الأرناؤوط، الأُستدار (لقب مملوكي يطلق على القائم على الشؤون الخاصة للسلطان، والاستدارية وظيفة موضوعها التحدث في أمر بيوت السلطان كلها من المطابخ، والشراب خانه، والحاشية والغلمان)، والإستدار (بكسر الهمزة: لقب يطلق على من يتولى قبض المال وصرفه، وتمثيل أوامر السلطان فيه، وهو مركب من لفظتين فارسيتين: إسْتَذْ، ومعناه الأخذ، ودار: ومعناه الممسك، و(دار) لاحقة تعني المختص بالشيء أو صاحبه أو من يتولى أمره)، الأسفهلار (وظيفة من وظائف أرباب السيوف وعامة الجند، وإلى صاحبها يرجع أمر الأجناد، واللفظة أعجمية تعريبها: قائد جيوش)(39)، الأسكلة (ولها معنيان: 1-الأخشاب التي يقف عليها البناؤون (سقالة) 2-رصيف الميناء البحري، ثم أطلقت على الميناء، وأصلها من اللغة الإيطالية بلفظ Scala دخلت التركية أسكلة)، أصبهند (كلمة تطلق على النائب، والأصبهانية: فرقة من الجنود المأجورين في الجيش العثماني، تقابل المرتزقة في عصرنا)، الآغا (كلمة تركية تعني الأخ الكبير، وتطلق على صغار الضباط، وأحياناً على كبارهم، وتأتي بمعنى السيد، والآمر، ورئيس الخدم، والمَلاّك الكبير)، الألاجة (لفظ تركي يعني الشيء الملوّن بألوان كثيرة، كغطاء الطاولة والسرير)، الألداش أو الألضاش (لفظ تركي أصله: يولداش، يتألف من (يول) بمعنى طريق، و(داش) وهي أداة المشاركة، واليولداش هو الرفيق في الطريق، كما تطلق على الرفاق في الحزب الواحد)، آخور (اصطبل الخيول)، جاندار (الأمير الممسك للروح بالفارسية، أي الحافظ للسلطان فلا يأذن بالدخول عليه إلا لمن يثق به، من "جان" بمعنى الروح بالفارسية، و"دار" لاحقة للاختصاص بالشيء)، الأوشاقي (الذي يتولى أمور الخيل للسلطان)، الانكشارية (كلمة تركية تعني: العسكر الجديد، وهو جيش من المشاة أنشئ في عهد السلطان أورخان العثماني)، الأورطة (لفظ تركي أصله أورته بمعنى الطابور، أي فئة من الجند)، أوطاق (تركية بمعنى خيمة فخمة)، أولاق (اصطلاح عثماني بمعنى الرسول)، أيبك (لفظ تركي مركب من "أي" بمعنى القمر و"بك" بمعنى الأمير، وهو اسم لشخص تولى مرتبة أتابك العسكر، أي أمير الجند زمن شجرة الدرّ أو "شَجْر الدرّ"، وهو الملك المعزّ عزّ الدين أيبك الجا شنكير)، البازدار (حامل الباز أو أي من الطيور الجارحة المعدة للصيد على يده)، باشا، البايزة (لفظ موغولي معناه: لوح صغير من ذهب مرسوم على أحد وجهيه رأس سبع، كالوسام في عصرنا، وكان يمنح لكبار رجال الدولة الموغولية)، البركيل (مرتاد البحار من التبحار والمغامرين، والبراكلية ضرب من السفن)، البزرجانية أو البزركَانية، من البازركَان: التاجر بالفارسية، انتقلت إلى التركية، ثم صارت لقباً لليهود بدلاً من لقبي آغا وأفندي)، بصم، من التركية (باصماق) أن يطأ الرجل بقدمه، وكذلك أن يضغط أو يطبع الأوراق المبصومة، أي الأوراق المطبوعة بالختم، ومنها عبارة "أخذ البصمات") البغاز أو البوغاز (من التركي، مصدره بوغمق، أي يخنق، ويطلق على الحلقوم، وهو بمعنى المضيق، مثل بوغاز جبل طارق وبوغاز البوسفور)، البقشيش (من الفارسية "بخشيش" أي العطية أو الهدية للعامل أو الخادم أو النادل، فوق أجره)، البنديرة (في الطليانية والإسبانية والتركية ومعناها: الراية الأجنبية)، البودقة (المذيب، وعاء لإذابة المعادن توقد تحته نار حامية، وجوزة الغليون التي يوضع فيها التبغ)، البيرق (تركية: بايراق، بيراق، بمعنى العلم أو الراية، والبيرقدار: حامل البيرق)، البكباشي (تركية من: بيك وباشا، رئيس الألف، وهي رتبة عسكرية عثمانية استعملت في الجيوش العربية، كما استعملت اليوزباشي) التخت والتختروان، الترسخانة (دار الصناعة، لفظ تركي ذهب إلى بعض اللغات الأجنبية، ثم عاد إلى التركية والعربية بلفظ الترسانة)، التفتا (نوع من القماش المعروف، وأجوده الهندي، تصنع منه بعض الثياب كالشال والقلنسوة)، من التومان أو الطومان (الفرقة من الجند التي يبلغ عددها عشرة آلاف مقاتل، الجاشنكير (الذي يتصدى لتذوّق المأكول والمشروب قبل السلطات أو الأمير خوفاً من أن يدس عليه فيه سمّ، واللفظ من كلمتين فارسيتين: جاشا، ومعناها الذوق، وكير: المتعاطي)، الجامكية، الجبخانة، الجاندارية، جاوش، جلاهق، الجلبي أو شلبي (لقب كان شائعاً بين الأتراك العثمانيين ذوي النبل والفضل، واستعمل أيضاً بمعنى سيّد، وبمعنى خواجة عند الأتراك)، الجمقدار، الجمدار، الجنبازية (جمباز)، الجوامك (جمع جامكية، مرتب خدم الدولة في العساكر والموظفين)، الجوخدار، الخازوق، الخاصكية، الخانقاه (كلمة فارسية تعني محلاً للتعبّد والتزهد والبعد عن الناس، وبمعنى بيت كذلك، دخلت هذه الكلمة اللغة العربية منذ انتشر التصوف فهي كالدير في النصرانية)، الخزندار، الخشداش (الزميل في الخدمة) الخواجا، الخيش (نوع من الكتان) الدبوس (بالفارسية Topouz)، دفتر دار، الدمغة (من التركية تمغا وطامغة)، الدويدار أو الداوادار (صاحب الدواة، وكان يسمى قديماً: الحاجب.. وكانت الدوادارية في دولة المماليك وظيفة صغيرة، يقول ابن تغري بردي "وأما الدوادارية فكانت وظيفة سافلة.. ولكن هذه الوظيفة عظمت في منتصف القرن الرابع عشر.. وقد عرف هذا المنصب في الدولة العثمانية...)(40) الرنك (الشعار)، سالار (الآمر الأعلى أو الرئيس، وهو اسم أمير من المماليك قتله المنصور محمد بن قلاوون)، السُّفتجة (بضم السين وفتحها، فارسي معرب، كتاب من صاحب المال لوكيله أن يدفع مالاً قرضاً ليأمن به من خطر الطريق)، السنجق (بمعنى العلم والراية، والرمح، واللواء)، السنجقدار، الشوشرة (أصلها: شاشرمالك، بمعنى تحيّر واضطراب، أي الفوضى في البلاد أو في المجلس)، صاية (زيّ من الجوخ)، الطابور، الطارمة (بيت من خشب يبنى سقفه على هيئة قبة لجلوس السلطان، لفظة فارسية الأصل)، الطُّبخانة (طوب خانة: دار لصناعة المدافع)، الطبنجة، الطرخان (المحال على المعاش)، الططري= التترّي (ساعي البريد في الدولة العثمانية، لأن التتر كانوا يؤدون هذا العمل)، الطغراء (ختم السلطان، والطغرائي: حامل أختام السلطان)، القاووق والقاوقجية (صناع القلانس)، القرمة (نوع من الخط، ومنه القارمة بمعنى اللافتة في لغة العامة ببلاد الشام، قشلة (معسكر)، القلبق، القلندرية (المحلّفون)، القناق (المنزل)، القندقجي، القيسارية، الكتخدا (صاحب البيت أو السيد الموقر)، الكرستة، المطرجي أو المطهرجي (من الكلمة العربية مطهرة، أي إبريق أو ما يشبه ليحفظ به الماء للوضوء، دخلت التركية في صيغة مطرة، أي وعاء للماء من جلد أو صفيح، و"جي" لمصدر النسبة، والمطرجي هو سقّاء القافلة)، النِشان أو النيشان (فارسية، دخلت التركية، وهي العلامة التي تنصب للتدريب على الرماية، وتطلق على الشارة والشعار الذي يوضع على صدور المحاربين والمتفوقين، أو على الأماكن التي تتبعهم)، الوجاق (تركية من أوجاق، وللكلمة عدة معانٍ(41):. كل ما تنفخ وتشعل فيه النار من طين أو قرميد، ثم أطلق على الجماعة التي يلتقي أفرادها في مكان واحد، وعلى أصحاب الحرف وعلى الصنف من الجند كالسباهية)، يازجي (بالتركية كاتب)، اليسق (تعني القانون في المغولية، والمنع في التركية، ومنها اليسقي واليسقجي وهو القوّاس الذي يحرس القناصل والسفراء ويحميهم، واليسق أيضاً الحرس والسجن الحربي للأسرى والمساجين)، اليَلَك (جمع يلكات، وهو لباس بلا أكمام يلبس على الصدر ليدفع عنه الهواء، ويقابل الصدرية أو الصِدار)، الأسطى، الأفندي، الإكديش (الفرس الهجين، في الفارسية أكدش "بفتح الهمزة وكسرها" دخلت التركية بلفظ: إيكيديش)، الأوية (غطاء للرأس والزينة)، البابوج، البرمة، البقجة، البازار، الجاليش أو الشاليش، الجدك، الخردة، الداقم (الطاقم)، درابزين، الرهوان، الروشن (فارسية الأصل: الفتحة أو النافذة، بالعامية: الروزنة)، القايق (تركية: القارب الصغير)، القزمة، سجقدار، بشمقدار، ألاي (فرقة عسكرية) القلّق (دار الحراسة، أو مكان إقامة الحرس أو الشرطة)، القيطون، اوردو (جيش)، سراي، خرطوش، سنجق..
-أما ما دخل العربية بعد هذه المرحلة وصولاً إلى العصر الحديث فقد ازداد تبعاً لازدياد الصلة بمتكلمي اللغات غير العربية، وتنوّع تبعاً لتنوع طبائع المجتمعات والاهتمامات والمعارف والممتلكات. ومن العسير في تلك الأحوال المضطربة ضبط مسارب الدخيل، أو تحديد زمن دخوله، أو حصره وتصنيفه وفق اللغات التي جاء منها. لأن مثل هذه الدراسات المتأنية والمعرفية كانت نادرة، إن لم نقل غائبة.
إن اتساع النشاط التجاري، والتبشير الديني، والأطماع الاستعمارية كانت مظاهر حيوية في زيادة التفاعل البشري واللغوي، وكانت سبيلاً للاحتكاك باللغات الأوربية إلى جانب اللغات الشرقية، مما فتح الباب واسعاً للدخيل الإيطالي والإسباني والفرنسي والانكليزي، إلى جانب الدخيل السابق الذي عرضنا له.
وعلى سبيل التمثيل لا التصنيف أو الإحصاء نسوق هنا نماذج منه بكثير من الاختصار، فمن ذلك:
فرحان، شاكوش، اسبانخ، أطلس، امبريالية، أنبوب، صابون، مدام، مغناطيس، برنُس، بكلة (مشبك بالتركية) بندقية، جفت، بكرة (تركية، آلة لرفع الثقل)، بروتوكول، سيناريو، اوبرا، موسيقى، دبلوماسية، التلفزة، ميكروب، شيك (صك)، جيولوجية، فلور، بنسلين، هستيريا، غنوصية، براغماتية، راديكالية، كلاسيكية، واط، فولط، بوليصة، فاشية، نازية، إلكترون، دينمو، تتُن، تمباك، ميكانيك، ترمومتر، فوسفور، برنيطة، بندورة، روزنامه، طلمبة (إيطالية Tromba، مضخة مياه) غليون، فرتونة (عاصفة، بحرية غالباً)، ألمنيوم، كرباج، كالسيوم، كشكبان (القشقوال= جبن) هنكار، وطاق، سكرتير، بوليس، بوسطة، كمبيالة فاتورة، بورصة، أيقونة، جبخانة، بترول، بامياء، برميل، بطاطا، سيجارة، تراخوما، بهلوان، جنرال، تدشين، درّاقن، دلفين، ديناميت، رواق، ريال، زئبق، زرنيخ، ساذج، سردين، برتقال، سرطان، سفسطة، سيكولوجية، سينما، سمفونية، شاي، شدياق، صهريج، طازج، طربوش، طرخون، طرطور، طنجرة، عندليب، غاز (هولندية)، غرام (في الوزن)، فانوس، فنار، فستان (ألبانية؟)، فقمة، فلسفة، فلّين، فندق، قاموس، قرصان، قصدير، بابوج، قنبلة، قنطرة، كربون، كردينال، قلقاس، كمنجة، كوليرة، كيلو، لجنة، مازوت، مركيز، مرهم، مطران، مليار، نبريج (نربيج) نرد، نشادر، هاون، هندام، هندباء، يود...
- ما أخذه العرب من أسماء الأعلام الأجنبية:
وعلى مدى العصور وطول الصلات بالأمم استملح العرب بعض أسماء الأعلام لأبنائهم وبناتهم ومواليهم وجواريهم، فلهجوا بتلك الأسماء وتسموا، تيمناً وتديناً، أو إعجاباً بصوتيتها أو بصيغها ووقعها، أو إظهاراً للتحضر والتظرّف وسعة الثقافة(42) ومع الزمن صارت جزءاً من تراثهم المكتوب والمحفوظ. وغني عن القول إن العرب لم يكونوا في حاجة إلى مثل هذا الأخذ لغنى لغتهم وتنوّع صيغها ومشتقاتها، ولكن، ليس للعدوى ضوابط، ولا للذوق والتأثر معايير أو قوانين لغوية، يأخذ القوم أنفسهم بها، أو تراعى.. وهكذا دخل العربية أسماء أعلام أخذت طريقها إلى كتب التراث والمعاجم ورموز الإبداع الأدبي، وصارت مألوفة في الذاكرة العربية، من مثل ذلك:
نسرين، بيبرس، خوند، فيروز، ياسمين، طوغان، كروان، آسيا، أباظة، نوزاد، ميرزا، إدوار، أدمون، بخيتان، أسمهان، بندقجي، يزبك، يكن، ياقوت، أرسلان، يارا، وِلْيم، أرناؤوط، هيلين، هنري، اسكندر، ألفْرِد، ألِيْس، هرمزه، نيسان، نيروز، أنطون، أيدا، إيفا، نيازي، نورس، نهاوند، إيليا، برويز، برلنت، ميليا، دانا، نقولا، ناريمان، نرمين، بستنجي، نرجس، نازك، بطرس، بندر، ليليان، بهزاد، بهلوان، مكسيم، مهران، لويس، تيمور، جادو، جاك، لانا، بيطار، تادرس، تيريزا، كلش، تومان، كنج، لورنس، لونا، جاويد، جان، فريال، كاميليا، فلفل، جلنار، جوخدار، فينوس، جمدار، جمشيد، فيولا، قبطان، قره (الأسمر في التركية، ومنه قره علي، وقره حسن.. وكرامانلّس، رئيس وزراء اليونان مرة)، جنكيز، قزق، قسطنطين، جهان، قيصر، كاترين، طرخان، طوني، غاندي، فانوس، شلبي، جوانا، جورج، فردوس، جوليا، خزندار، خاشقجي (صانع الملاعق أو بائعها. تركية)، طوسون، شوربجي، صوفيا، خان، داغستان، شيرين، خديوي، شويكار، خربوطلي، دارا، دادا، خواجه، شيراز، خورشيد، صابوني، شهناز، شنودة، درباس، دركزلّي، شهرزاد، درهم، درويش، سركيس، سيرين، سمكري، داليدا، سيمون، دمرداش، دروزة، سنجر، شهبندر، سُهراب، ديمتري، سهردار، سوزان، دينار، سوسن، سونة، زنكي، سباهي، سابا، رستم، سالار، روز، زاده، زرلي، سامان، سهردار، بكداش، بكيزة، طوقان، رامان، سنقر، صونيا، شبلاق، شاهيناز، فيليب، مرقُص، ليزا، لوريس، نظلة، نيفين، هيلانة، هويدا، ميرفت (من العربية أصلاً: مروة)، هزار، رونق..
- ما أخذه العرب من التعابير والمصطلحات الحديثة:
لم تقتصر ظاهرة التأثر اللغوي على أخذ الألفاظ والمسميات المفردة وحدها، بل اتسع التأثر فطال الأساليب والمصطلحات، وتجلّى ذلك على وجهين: في أساليب الترجمة المتأثرة بصياغات اللغات الأخرى. وفي أساليب الأخذ المباشر نقلاً حرفياً، أو تعريباً يتم بطرائق من التعديل الصوتي أو الصرفي كما أشرنا في المقدمة. ونكرر ما سبق قوله من أننا نسوق أمثلة على سبيل التمثيل لا الحصر أو الإحصاء. فمن ذلك بعض التعابير التي نصادفها في الحوارات والمقابلات الإعلامية، وفي الدوريات والصحف اليومية العربية، كقول القائل: أهلاً بكم إلى هذه الحلقة أو إلى هذا اللقاء.. فهذا التعبير ترجمة متأثرة بالمقابل الانكليزي Well come to ، والعرب تقول: أهلاً بكم، أو نرحب بكم في.. ومثل هذا سؤال السائل لمخاطبه: ماذا عن نشاطكم الفني أو الثقافي؟ وهذا أيضاً من أثر الترجمة عن الانكليزية للتعبير؟ What about . ومن مثل ذلك صوغ الفعل المجهول من المصدر وفعل الصيرورة على نحو ما في اللغات الأجنبية كقولهم: "صارت كتابته" و"جرى بحثه" و"تمت مناقشته" بدلاً من: كُتب، بُحث، نوقش.. أو كقولهم: "تمت كتابته بمعرفة فلان"، أو "تمت كتابته من قبل فلان"، بدلاً من قولنا: فلان كتب الكتاب، أو بدلاً من الأخذ بنظام الجملة العربية التقليدي: كتب فلان الكتاب(43) ومن أمثلة هذه الاستعمالات الوافدة إلى العربية بترجمة حَرْفية واضحة قولهم: يلعب دوراً في كذا.. وهذا ترجمة لاستعمال لغوي أوربي هو في الفرنسية Il joue son role، وفي الإنكليزية:He plys his part وقولهم ذر الرماد في العيون هو في الفرنسية، Il jette de la poudre aux yeux، وفي الانكليزية To throw dust in the eye. وقولهم لمن يشرع في المخاطرة: هو يلعب بالنار، ترجمة للعبارة الفرنسية IL joue avec le feu، وللعبارة الانكليزية To ply with fire. ويقولون في التوكيد أو المدح: بكل معنى الكلمة، وهذا في الفرنسية: Dans tous le sens du mot، وفي الانكليزية In the full sens ومن مثل ذلك قولهم: أكد على كذا، مقابل العبارة الفرنسية Il A insisté sur ولا تعرف العربية تعدية الفعل "أكدّ" بعلى، إنما يتعدى بنفسه، فتقول: أكدّ الشيء ووكدّه، و(على) هنا جاءت ترجمة حرفية لـ (Sur) التي تعني: على، فوق.. وقل مثل ذلك في عبارات أخرى نحو: ابتسامة صفراء، الأكثرية الساحقة، وضع النقاط على الحروف، ضرب الرقم القياسي، ألقى نظرة سريعة، يعلق أهمية خاصة على كذا، عاصفة من التصفيق، يتبنى المشروع، لا جديد تحت الشمس، ألوان صارخة(44) ومن مظاهر التأثر بالأساليب الأجنبية الحديثة عبارات أو مصطلحات صارت ثوابت ولوازم في مجالات التخصص، أو صارت عبارات مؤطرة جاهزة كأنها متكآت لفظية لا معدى عنها، نحو قولهم:
فتح اعتماد، مسك الدفاتر، تسديد الحساب، التضخم المالي، رصيد قابل للسحب، دفتر شيكات، اللامعقول، اللاشعور، اللانهائي، المالا يعرف، أوضحت الوكالة، طوق العزلة، تغطية المؤتمر، عسكرة الفضاء، سباق التسلح، جمال صارخ، دعاية سوداء... ويشبه هذا أن يكون تتميماً لما شاع وكثر في المرحلة المملوكية والعثمانية من تعابير ومسميات أملتها الحاجة وطبيعة المجتمع والأنظمة، من مثل: أمير جاندار (الذي يستأذن على الأمير وغيره في أيام المواكب)، والأميرالاي، والمابين، والباشكاتب، والسلاملك، والرصدخانه، والقائمقام...(45)
خاتمة:
بعد هذا العرض السريع الموجز لما أخذته العربية من اللغات الأخرى في تاريخها الطويل، يمكن المتأمل أن يخرج بانطباع عام، أو بتصور يرسم الخطوط العريضة لطبيعة التأثر اللغوي الذي اعترى العربية، أو يرصد مدى ما كانت في حاجة إليه من المادة اللغوية، وما أخذته ترفاً وتزيّداً. وسنحاول أن نلخص ذلك كله في النقاط التالية:
أولاً: أخذت العربية من اللغات الأخرى المسميات التي كانت مادية في معظمها، ولم تكن قد عُرفت في المجتمعات العربية. ويمكن أن يرصد هذا في مفردات الدخيل القديم. وفي مرحلة لاحقة، عندما اشتغل العرب بالترجمة وعلم الكلام واطلعوا على الفلسفات والأديان لدى الأمم المجاورة تسرّب قدر قليل من الألفاظ الذهنية المجردة أو ذات الطابع الفكري من تلك الأمم، ولكن في اعتدال واقتصاد.
ثانياً: لم تأخذ العربية ما يمكن أن يخلّ بأسس قواعدها وأحكامها، إذ لم تأخذ من اللغات الأخرى لا الصفات ولا التراكيب، لأن ثروتها اللفظية الوفيرة، وتماسك قواعدها المطردة يغنيانها عن ذلك، ولا يناقض هذا الحكم ما تأثرت به من مظاهر الأساليب في العصر الحديث. ولهذا لم يكن خطر الدخيل اللغوي ذا أثر كبير في تاريخ العربية، إنما استطاعت أن تهضمه وتتمثله بغير عسر أو مضاعفات أو عقابيل تخلخل بنيانها المتين...
ثالثاً: دلّل هذا الأخذ من اللغات الأخرى على عراقة التجربة الإنسانية للعرب، وعلى صلتهم الواسعة بالأمم المجاورة، في مجالات العلم الخالص، وفي المتاجرة والحروب وعلاقات الجوار وتطور المجتمعات نحو التحضر بغير تعصب أو انكفاء على الذات، أو تخوّف من المؤثرات الخارجية. كما دلّل على مقدرة العربية ونجاحها في استيعاب مظاهر الحضارات الأخرى ومسمياتها ومصطلحاتها.
رابعاً: ما من شكّ في أن الدخيل الذي أخذته العربية قد أمدّها بثروة لغوية وافرة وجدت طريقها، على مرّ العصور، إلى المعاجم وكتب التراث العربي، مما أغنى تجربتها الفكرية والحضارية. وهذه المادة اللغوية، على تنوعها، في حاجة إلى المزيد من الدراسة والتصنيف والتتبع لتكون دليلاً وثائقياً في جملة الأدلة التي يحسن اعتمادها لدراسة تاريخ العربية دراسة لا يعوزها النقص، ولا تُرمى بإغفال هذا الجانب المهم من النشاط الإنساني.
خامساً: إذا كان للمتأمل أن يتساءل عن أمر هذا الدخيل الذي أخذته العربية، أو يستغرب كثرته وتنوّعه فليتساءل قبل ذلك عن أثر العربية في اللغات الأخرى، وعن مدى انتشار العربية والكتابة بها في أقطار هذه المعمورة ليتفهم في هدوء وإنصاف طبيعة التجربة الإنسانية للعربية وأصحابها، ويتقبل، بغير قلق، مثل هذا التفاعل اللغوي الذي يزداد ويتنامى في هذا العالم الصائر إلى ما يشبه القرية الكبيرة.
الحواشي والإحالات
1- انظر في هذه الصلات: بحث د. جميل أحمد من القسم العربي بجامعة كراتشي (الباكستان) المنشور في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق عام 1975-المجلد الخمسون- الجزء الرابع، الصفحات ص777-789، والبحث بعنوان: "الصلات اللسانية بين الهند والعرب". وانظر "فتوح البلدان" للبلاذري، ط(النهضة) ص461-463 من القسم الثاني. وانظر "معجم الألفاظ الهندية المعربة" للدكتور محمد يوسف (من جامعة كراتشي) المنشور في مجلة اللسان العربي، الصفحات ص: 28-42 من المجلد التاسع، الجزء الأول، والصفحات من 122-138 من المجلد العاشر، الجزء الأول. وانظر بعض التفصيلات في كتاب الهند للبيروني (ط. زخاو)، وتاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي 2/309.
2-انظر معجم "مقاييس اللغة" لابن فارس الرازي (تـ 395هـ)، ولسان العرب لابن منظور (تـ 711هـ): دخل.
3-اللسان: دخل.
4-نفسه، والجمهرة هي معجم "جمهرة اللغة لابن دريد الأزدي (321هـ) وانظر تفصيلاً أكثر عن الدخيل في كتابنا "أثر الدخيل على العربية الفصحى في عصر الاحتجاج" ص19-24. منشورات مؤسسة النوري الطبعة الثانية -دمشق 1993.
5-تنسب بداية التصنيف في "غريب القرآن" إلى عبد الله بن عباس _ت 68هـ) وهي، على الأرجح، أقوال دونت عنه بروايته، وانظر في ذلك "المعجم العربي" للدكتور حسين نصار، ج1/ 39، دار مصر للطباعة، ط2-1968. وانظر "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي (ت911هـ)، وقد سرد في الجزء الأول ص149 أسماء المتقدمين ممن ألّفوا في غريب القرآن، وبأسفل الصحائف "إعجاز القرآن" للقاضي أبي بكر الباقلاني. ط دار المعرفة- بيروت.
ومع الغريب كثر الحديث عن "الأعجمي" في القرآن، وعمّا كان "بغير لغة العرب" فيه (الإتقان: 1/178). وينظر ثمة خلاف العلماء حول هذا الأعجمي الدخيل. ومع الغريب تطرّق القوم إلى الحديث عن "اللغات في القرآن" وبهذا العنوان "اللغات في القرآن" وضع ابن عباس كتاباً (نشر برواية ابن حسنون المقرئ، وتحقيق صلاح الدين المنجد، بيروت 1972. وهذا ما أفضى إلى الحديث عن فساد الألسنة و"تنقية اللغة" كما ألمح مصنفو كتب لحن العامة في مقدمات مصنفاتهم.
6-المعرّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم ص15 بتحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، ط. دار الكتب بمصر 1969، وص 91 بتحقيق الدكتور: ف. عبد الرحيم، دار القلم- دمشق 1990. والجواليقي هو أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضِر المتوفى سنة 540هـ.
7-مقدمة عبد الرحمن بن خلدون: 1/379، نشر مكتبة مصطفى محمد بالقاهرة، بعناية مجموعة من العلماء.
8-انظر: أثر الدخيل: 24 (م.س).
9-انظر مقدمة "المعرب" للجواليقي، ومادة (عرب) في اللسان، والجمهرة، والصحاح.
10-الصحاح: عرب. بتحقيق عبد الغفور عطار. دار العلم للملايين. ط-1956م. وقال الزمخشري في "الكشاف": "إن معنى التعريب أن يجعل (الاسم) عربياً بالتصرف فيه، وتغييره عن منهاجه، وإجرائه على أوجه الإعراب".انظر: "رسالة في تحقيق تعريب الكلمة الأعجمية" لابن كمال باشا الوزير (تـ 940هـ) ص53. ضبط وتحقيق محمد سواعي. المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية بدمشق 1991.
11-د. حسن ظاظا: "كلام العرب من قضايا اللغة العربية" ص71. دار المعارف بمصر 1971م. وقال ابن كمال باشا الوزير: "من مذهبهم (يعني العرب) أنه إذا عرّب الاسم الأعجمي رُدَّ إلى ما يستعمل من نظائره في لغتهم وزناً وصيغة". انظر: تعريب الكلمة الأعجمية ص55 (م.س).
12-انظر "الخصائص" لابن جني (ت392هـ): 1/357-359، تحقيق محمد علي النجار، ط دار الكتب المصرية.
13-ديوان الأدب للفارابي (تـ 350هـ) 2/84 تحقيق د. أحمد مختار عمر، مراجعة د. إبراهيم أنيس. الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية 1395هـ -1975م.
14-انظر: المعرب للجواليقي: 448. قال محققه الدكتور/ ف عبد الرحيم: هو بالفارسية طبرزد، ومعناه: السكر الأبيض الصلب، وسمي بذلك لأنه يفتت بالفأس بسبب صلابته، فتبر: الفأس، و"زَدْ" من "زَدَنْ" بمعنى دقّ وضرب.
15-انظر: المعرب: 266. قال المحقق نفسه: الذَّرَق: البقلة التي تسمى الحندقوق، وفي التهذيب (5/303): قال الليث: الحندقوق حشيشة كالقت الرطب... وفي الصحاح: الحندقوق: نبت وهو الذرق، نبطي معرّب. ولا تقل الحندقوقا. وأصله (هندقوقا) بالآرامية، عن سيغموند فرنكل: 141.
16-انظر: أثر الدخيل: 44 (م.س).
17-انظر الحاشية رقم (5).
18-تنظر آراء بعض هؤلاء الباحثين في المراجع الآتية:
تيودور نولدكه: اللغات السامية ص8 ترجمة د. رمضان عبد التواب. القاهرة 1963. سبتينوموسكاتي: الحضارات السامية القديمة ص50. ترجمة د. يعقوب بكر. بيروت 1986. بييرروسي: مدينة إيزيس أو تاريخ العرب الحقيقي ص4، ص18. تعريب فريد جحا. دمشق 1980. ولمزيد من التفصيل ينظر بحثنا المنشور في مجلة "دراسات تاريخية" التي تصدرها جامعة دمشق، بإشراف لجنة إعادة كتابة التاريخ العربي. العددان 33/34 لسنة 1989 ص161 وما بعدها، من سلسلة أبحاث بعنوان "من تاريخ اللغة العربية". وقد اخترنا مصطلح "اللغة العربية القدمى" بدلاً من "الساميات" أو "السامية". وانظر "العرب في العصور القديمة" ص44 وص49 للدكتور لطفي عبد الوهاب يحيى. وقد أفرد الدكتور توفيق سليمان لدراسة هذا الموضوع كتاباً يرأسه بعنوان "أسطورة النظرية السامية" ط. دار دمشق 1982. وكذا فعل أنور الجندي، وكتابه "نظرية الجنس السامي". سلسلة "في دائرة الضوء" رقم (11) مصر.
19-اختار الدكتور علي فهمي خُشيم تسمية اللغات "العروبية" أو اللهجات العروبية، بدلاً من الساميات أو السامية، وما اقترحناه لا يختلف عن هذه التسمية في جوهره أو من حيث الدلالة على المصطلح. انظر كتابي الدكتور خشيم: "آلهة مصر العربية" الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة الأولى 1990، و"سفر العرب الأمازيغ". مطابع الفاتح، الطبعة الأولى 1424-1995- ليبيا.
20-انظر ديوانه ص12 شرح وتعليق محمد حسين. المكتب الشرقي للنشر والتوزيع. بيروت -لبنان. المقدمة بتاريخ 1968م.
21-انظر هذه القصيدة في الديوان ص329، ومما جاء في مناسبتها أنها قيلت في مدح إياس بن قبيصة الطائي الذي كان والياً للفرس على العراق. والجلّسان والبنفسج والسيسنبر والمرزجوش والشاهسفرم والياسمين والنرجس والمرو والسوسن... كلها أسماء بالفارسية لأنواع من الرياحين والورد. والهنزمن: عيد من أعياد النصارى (معرّب) والمخشّم: الشديد السّكر.
22-للتدقيق في نسبة هذه الألفاظ إلى الفارسية يمكن الرجوع إلى الديوان نفسه، وإلى الكتب اللغوية الآتية:
المعرّب من الكلام الأعجمي للجواليقي (طبعة دمشق 1990) الألفاظ الفارسية المعرّبة لإدّي شير الكلداني، (ط. المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين في بيروت -1908) معجم المعرّبات الفارسية في اللغة العربية للدكتور محمد ألتونجي. دار الأدهم للترجمة والنشر. دمشق 1988 غرائب اللغة العربية للأب رفائيل نخلة اليسوعي (المطبعة الكاثوليكية. بيروت -لبنان 1960). كتاب تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية للقس طوبيا العنيسي الحلبي (عني بنشره يوسف البستاني بمصر -1932م، ط2. كلام العرب للدكتور حسن ظاظا (م.س).
23-انظر: "تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل" ص96-97 للدكتور أحمد السعيد سليمان، دار المعارف بمصر 1979.
24-انظر: مجلة اللسان العربي (تصدر في الرباط)، المجلد العاشر: ج1/122.
25-مروج الذهب: 1/332-334، عن الموضع السابق.
26-الموضع السابق نفسه.
27-Albert Dauzat: Dictionnaire de la langue Francaise . LarOUsse. Paris 1938.
28-لسان العرب/ خطط، والحاشية 24، ص128 من المجلة المذكورة.
29-انظر: بندلي جوزي: بعض اصطلاحات يونانية في اللغة العربية. ص334 من مجلة مجمع اللغة العربية الملكي، الجزء الثالث - القاهرة عام 1936م.
30-مما لا شك فيه أن تسرّب الدخيل اليوناني إلى العربية استمرّ بقدر قليل عن طريق السريان الذين شهدت الحركة الثقافية العلمية نشاطهم في الترجمة والتعريب في بعض مراحل الخلافة العباسية.
31-انظر: معجم الألفاظ الهندية المعرّبة، ص130 من مجلة اللسان العربي، المجلد العاشر، الجزء الأول.
32-انظر: "الساميون ولغاتهم" ص161 للدكتور حسن ظاظا. دار المعارف بمصر 1971.
33-انظر: أثر العرب في الحضارة الأوروبية ص406، لجلال مظهر، دار الرائد، بيروت- لبنان 1967.
34-انظر: غرائب اللغة العربية ص277 (م.س).
35-نفسه ص278.
36-السابق نفسه. وانظر أيضاً: كلام العرب للدكتور ظاظا ص72.
37-الفاخر، للمفضل بن سلمة ص118-119، تحقيق عبد العليم الطحاوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1974. ولعلّ في قول حذيفة سقطاً تمامه: ..."بالرجل الذي فيه [قوة]؟.
38-ينظر: معجم الألفاظ التاريخية في العصر المملوكي. تأليف محمد أحمد دهمان، دار الفكر بدمشق 1990 (مرتب وفق تسلسل حروف الهجاء).
39-هذه الألفاظ مقتبسة من "معجم الألفاظ التاريخية" السابق ذكره.
40-لمزيد من التفصيل حول هذا المصطلح أو هذه التسمية ينظر "تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل" ص109-112 (م.س)
41-معجم الألفاظ التاريخية ص154.
42-وانظر: "الاشتقاق والتعريب" لعبد القادر المغربي ص24، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1947.
43-يطلق بعض المحدثين على مثل هذا التطور تسمية "التعابير المولّدة" وانظر أمثلة أخرى في كتاب "اللغة العربية كائن حي" لجرجي زيدان ص15 (ط. دار الهلال) وتاريخ اللغة العربية له نفسه ص80-102-103، دار الحداثة -بيروت 1980، ط1. وانظر خاصة "فقه اللغة المقارن" للدكتور إبراهيم السامرائي، الصفحات من 286-304، دار العلم للملايين- بيروت، ط2- 1978.
44-وانظر كتابنا "في فقه اللغة العربية" الصفحات: 202-203-215، منشورات جامعة دمشق 1995.
45-انظر: اللغة العربية كائن حي ص102-103.
مدخل:
مـن المتّفق عليه في علم الإنسان، أو علم الأجناس (الانثروبولوجية Anthropology) أنه ما من عرق بشري نقي الدم تماماً، إلا في استثناءات نادرة تنطبق على سلالة مغلقة اجتماعياً أو جغرافياً إغلاقاً حجز بينها وبين الآخرين. ومثل هذا الحكم يمكن أن يطلق على اللغات. فثمة مجموعات بشرية صغيرة اتخذت لنفسها رموزاً إشارية أو صوتية للتفاهم والتواصل واصطلح على تسميتها لغة. فإذا قُيِّض لمثل هذه المجموعات أن تبقى معزولة عن الآخرين، منقطعة الصلة بما حولها أمكن أن تَسْلَم لغتها من الدخيل. وهذا، وإن كان مستبعداً، يوحي بأن أصحابه خاملون أو يخشون الآخرين، أو إنهم شديدو التعصب والعزلة والرفض للآخر. ولا شيء من هذا يمكن أن يُنسب إلى العرب. فللعرب لغة قديمة عريقة امتدت على مدى تاريخي طويل، وعلى مساحة جغرافية فسيحة. ولم يكن العرب خاملين ولا منعزلين عن غيرهم أو متعصبين تعصباً يملي عليهم الحذرَ من الآخرين أو رفضَهم. لقد كانوا على صلة بالحضارات المجاورة، وعلى حوار إنساني مع الأمم والشعوب الذين احتكوا بهم في التجاور والتجارات والمصاهرة والسفارة والمحالفات والولاء والوكالات والهجرة والحروب.
لقد كان للعرب صلات وثيقة بالفرس عن طريق المناذرة في الحيرة ودومة الجندل وجنوبي العراق، كما كان لهم صلات وثيقة بالروم عن طريق الغساسنة في منطقة دمشق وما جاورها، وفي الجنوب اتصل العرب بالأحباش عن طريق الهجرة والحروب وعلاقات الجوار المتنوعة. وعن طريق المعاملات التجارية أقام العرب أنواعاً من الصلات بهذه الأطراف كلها، فضلاً عن صلتهم بالهند والصين منذ القديم(1). ولا يعقل أن تبقى العربية بعد هذا خالية من مؤثرات أصحاب هذه اللغات، بل ستأخذ منها من الألفاظ والمصطلحات والمسميات بالقدر الذي تستدعيه طبيعة العلاقة والتعامل. ولا ننس أن مكة المكرمة كانت مركزاً دينياً وجغرافياً وتجارياً في قلب جزيرة العرب، وهذا جعل منها ملتقى للتجار ومحطة للقوافل التجارية العابرة من الشرق إلى بلاد الشام وأوربة، ومن المنتظر أن يفتح هذا باباً للتبادل اللغوي، وللأخذ والعطاء والمحادثة والمحاورة وغير ذلك مما سيخلّف آثاراً لغوية لا سبيل إلى تجنبها.
وقبل أن نبسط القول في تفصيلات ما اقتبسه العرب من غيرهم يحسن أن نوضح بعض ما يحيط بهذا الموضوع من ملابسات، وأن نقف عند اختلاف العلماء في النظر إلى ظاهرة الدخيل اللغوي في هذه المنطقة من العالم. ولا معدى لنا في الخطوة الأولى عن الوقوف عند مفهوم الدخيل، ثم مفهوم المعرّب حتى نسمي الأشياء بأسمائها في منأى عن قلق التفسير والاجتهاد.
ولعلّ الأصل اللغوي العربي "دخل" يسعفنا بدلالته القديمة على تعريف مصطلح الدخيل اللغوي بدلالته المتأخرة، فالدخيل أصلاً: الذي يُداخلك في أمورك(2) و"فلان دخيل في بني فلان إذا كان من غيرهم فتدخل فيهم"(3). و"الدخيل: المُداخل المُباطن.. وداء دخيل: داخلٌ، وكذلك حبّ دخيل(2).
أما مصطلح الدخيل اللغوي عند صاحب اللسان فلا يعدو أن يكون إشارة مجتزأة إلى جوهر المصطلح بمفهومه الأعم، بيد أنها تنطوي على تنبّه مبكر، وفهم متطور لظاهرة الدخيل في اللغة العربية، يقول: "وكلمة دخيلٌ: أدخلت في كلام العرب وليست منه، استعملها ابن دريد كثيراً في الجمهرة"(4).
ولم يستوِ الدخيل مصطلحاً خالصاً في الدراسات اللغوية عند العرب، أو لم يشعْ مصطلحاً متّفَقاً عليه بالدقة والتحديد، وإن حظي باهتمام السلف في مرحلة التصنيف في غريب القرآن، ومرحلة "تنقية" اللغة بعد ذاك(5) إلى أن جاء الجواليقي فأضفى عليه مزيداً من الإيضاح عندما نظر إليه بالقياس إلى العربي الأصيل أو الصريح حيث قال في مقدمة كتابه "المعرب":
"هذا كتاب نذكر فيه ما تكلمت به العرب من الكلام الأعجمي، ونطق به القرآن المجيد، وورد في أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، رضوان الله عليهم أجمعين، وذكرته العرب في أشعارها وأخبارها. ليُعْرَفَ الدخيل من الصريح، ففي معرفة ذلك فائدة جليلة، وهي أن يحترس المشتقّ فلا يجعل شيئاً من لغة العرب لشيء من لغة العجم"(6).
فالدخيل والكلام الأعجمي هنا وضعا في مقابل العربي الصريح، ولغة العجم في مقابل لغة العرب، وتلك صورة تزيد مفهوم الدخيل وضوحاً وتعزّز استقراره مصطلحاً. وقد اتسع مفهوم هذا المصطلح في مراحل لاحقة على النحو الذي يصفه ابن خلدون في إطار الظاهرة اللغوية الأشمل، قال:
"فلما هجر الدينُ اللغاتِ الأعجمية، وكان لسان العرب القائمين بالدولة الإسلامية عربياً هُجرت كلها في جميع ممالكها لأن الناس تَبَعٌ للسلطان وعلى دينه، فصار استعمال اللسان العربي من شعائر الإسلام وطاعة العرب، وهَجَر الأممُ لغاتهم في جميع الأمصار والممالك، وصار اللسان العربي لسانَهم حتى تُرَسَّخَ ذلك لغةً في جميع أمصارهم ومدنهم، وصارت الألسنة العجمية دخيلة فيه وغريبة"(7).
وعلى هذا النحو من الاستعمال التلقائي للفظة "الدخيل" في الموضع الموافق للمصطلح بمفهومه العلمي بدأت فكرته تترسخ وتشيع في الكتابة والبحوث اللغوية، حتى جرى بها العرف ولقيت من العلماء قبولاً، بل إقبالاً يشبه أن يكون اتفاقاً ضمنياً اصطلحوا عليه من غير نصّ صريح، وبالمقابل من غير دفع أو معارضة أو استنكار(8) وتعمم هذا المصطلح بعد ذاك في تعابير حديثة من مثل "المصطلحات الدخيلة" و"العلوم الدخيلة" وما يشبه ذلك مما استعير من اللغات الأخرى.
ويلحظ في هذا الإطار أن القدماء قد ساووا بين "الدخيل" والأعجمي من غير تعريف مقيّد نصوا عليه فيهما، ولا تفريق مذكور بينهما، وإنما انطلقوا من النظر إلى مفهوم العجمة المناقض للإفصاح والبيان في الدلالة اللغوية. وشيئاً فشيئاً تراجعت تسمية الأعجمي ليستخدموا بدلاً منها تسمية "المعرَّب" الذي ما لبث أن استوى مصطلحاً، ولكنها لم يكن موضع اتفاق، أو إجماع، بل كان موضع خلاف بين العلماء قديماً وحديثاً، وعلى أوجه منها:
أ-النظر إليه من جهة الدلالة، فإذا كان الأصل اللغوي يتجه إلى الإبانة والإفصاح اتجه المصطلح إلى نقل اللفظ من العجمة إلى العربية على نحو مستساغ نطقاً وصوتية. والمشهور فيه "التعريب" وقد عبّر عن هذه الفكرة سيبويه في وقت مبكّر حين سماه "إعراباً" استئناساً بأصل المعنى، وعليه يقال: معرّب ومُعْرَب(9).
ب-النظر إليه من جهة الإجراء عند النقل إلى العربية، وقد لخص هذه الفكرة غير واحد من علمائنا، من ذلك قول الجوهري في "الصحاح": "تعريب الاسم الأعجمي أن تتفوه به العرب على منهاجها، تقول: عرّبته العرب وأعربته أيضاً"(10).
فعبارة "تتفوّه به على منهاجها" تقتضي مجموعة من الإجراءات هي التي فصّل فيها الخالفون ممن عرضوا الظاهرة الدخيل والمعرب.
ج-النظر إليه من جهة الزمن، فقد ذهب بعضهم إلى أن ما دخل العربية بعد عصر الاحتجاج يعدّ مولَّداً أو دخيلاً، وما قبل ذلك يعد معرّباً. ويحدد عصر الاحتجاج غالباً بنهاية منتصف القرن الثاني الهجري (150هـ). وفي هذا اعتداد لا يخفى بالعرب الخلّص الذين يحتجّ بلغتهم في السلامة والصحة، وفي التعريب.
د- النظر إليه من جهة الوزن، أي "إذا جاءت لفظة أجنبية، وهذبت من حيث لفظها بحيث أشبهت الأبنية العربية القحة في ميزانها الصرفي، اعتبرت من المعرب. أما إذا بقيت على وزن غريب على اللغة العربية فهي من الدخيل"(11).
وهذا الاشتراط في تعريف المعرّب لم يقل به القدماء صراحة، وإنما أشاروا إليه بصفته واحداً من الإجراءات العامة في التعريب. وبهذه الرؤية المتنوعة الموزعة بدا مصطلح المعرّب موضع خلاف. أما القول الأقرب إلى الصواب فيه فهو إن المعرب دخيل في الأصل وقبل كل شيء. وتعريب هذا الدخيل كان بأن يجري العرب عليه تعديلات تتفق وطبيعة العربية وتجعله ينقاد لخصائصها بالقدر الممكن: في أوزانه ومعانيه وأصواته، فتُغَيِّرُه بالحذف والإضافة والإبدال والتصريف (التنوين) وإدخال (لام) التعريف عليه (للتمكين) وحتى يصير (محمولاً) على كلام العرب(12).
وثمة مظاهر أخرى للتعريب لم ينصّ عليها اللغويون بالتسمية والحد، ولكنها جاءت عرضاً في بعض كتب التراث، كقول أبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي: "الزبرجد: إعراب زُمُرّد"(13). وقول الأصمعي:
"سكّر طبرزد، وطبرزل، وطبرزن ثلاث لغات مُعْرَبات"(14).
وتتضمن إشارة الفارابي إلى تعريب "الزبرجد" مفهومات: الصرف، والإبدال الصوتي، والتغيير في الحركات، والحذف. كما تشير فكرة الأصمعي بثلاث اللغات المعربات إلى التعريب عن طريق القلب الموضعي، والتغيير الصوتي- الفونيمي Phoneme ، والصرف بوضع الحركات العربية (الإعرابية) على أواخر الكلم.
وكان من معاني الإعراب عندهم ما يقابل مفهوم الترجمة عندنا اليوم كقول الأصمعي: "الحَنْدَقُوق نبطي، ولا أدري كيف أعربه إلا أني أقول: (الذُّرَق). قال: ولا يقال: (حِنْدقوق) ولا(حِنْدقوقة)(15).
وهذا يعني وضع الأصيل العربي في مقابل الدخيل الأجنبي أو بدلاً منه (من وجهة نظر الأصمعي)، كما يعني عدم قبول الأصمعي، أو عدم استساغته لفظة حِندقوق (بكسر الحاء) لأنه وزن غير مألوف في الأبنية العربية، وكذلك لا يجوز (عند الأصمعي) أخذ مفردة منه بلفظ (حندقوقة) وقد يكون المراد أيضاً عدم قبوله أن يقال (حندقوقا) بألف التعريف الآرامية التي تلحق بأواخر الأسماء بدلاً من بدايتها في العربية.
ذلكم هو التعريب بمظاهره التي عرفها وعرض لها القدماء.
أما الدخيل فامرأة أقل إشكالاً وغموضاً، ويتلخص حدُّ مصطلحه في أنه "أعم من المعرّب، إذ يشمل ما نقل إلى لغة العرب، سواء جرت عليه أحكام التعريب أو لم تجر عليه، وسواء أكان في عصر الاستشهاد (الاحتجاج) أم بعده"(16).
v v v
وبعد، فما هي اللغات التي نعدّ ما تسرّب منها إلى العربية دخيلاً؟!
قبل الإجابة عن هذا التساؤل يحسن أن نشير في إيجاز إلى أن لغويينا القدماء لم يفرّقوا بين مصطلحي "اللغة" و"اللهجة" كما يعرفهما علم اللغة حديثاً، إذ عبروا عن الاختلافات اللهجية بين القبائل بما درجوا على تسميته "اللغات"، وأخذاً بهذا التصور جاء عنوان كتاب "اللغات في القرآن" الآنف الذكر،(17) المنسوب إلى عبد الله بن عباس. وفي هذا الكتاب صُنِّفت الظواهر اللهجية (وهي صوتية في الغالب) منسوبة إلى "لغات" كالحميرية والحبشية والحورانية والنبطية ولغة طَيِّءوأهل اليمامة ولغة قريش ومذحج وجرهم وكنانة ولغة عُمان.. إلخ.
ومن المتّفق عليه بين الباحثين المحدَثين أن تلك "اللغات" التي ذكرنا تنحدر من أصل لغوي واحد هو الذي أطلق عليه عالم اللاهوت النمسوي الألماني شلويتسر A.l. SHLOESTER مصطلح "اللغات السامية"، وذلك عام 1781م، وتبعه في الأخذ بهذه التسمية ألماني آخر هو ايخهورن Eichhorn منذ عام 1807م. ثم شاعت هذه التسمية غير الدقيقة (كما أقرّ مجموعة من الباحثين)(18).
وإذا كان من أخذوا بهذه التسمية قد ميزّوا ما أسموه "اللغات السامية" من اللغات المجاورة، فإن لغويينا القدماء لم يلتفتوا إلى ذلك، بل سموا اللهجات العربية والمحلية واللغات المجاورة جميعاً لغاتٍ. وهذا أيضاً غير دقيق، لا بالمعايير العلمية، ولا من وجهة نظر علم اللغة المقارن Comparativ linguistic والذي نأخذ به وندعو إليه هو اعتماد التسمية الأقرب إلى الحقيقة وروح العلم، وهي "العربية القدمى"(19)، بدلاً من اللغات السامية أو اللغة السامية. وتكون اللغات "الأعجمية" أو اللغات "الأجنبية" تلك التي من أسرة أو أسر لغوية أخرى، كالفارسية والهندية والرومية والتركية واللغات الأوربية الحديثة وغيرها مما ندرسه بالقياس إلى العربية تحت مصطلح "علم اللغة التقابلي Contrastive linguistic . وما توقُفُنا القصير هذا إلاّ لإيضاح ما قد يعتور التسميات أو المصطلحات من غموض والتباس، وللإجابة عن تساؤل قد يدور في بال القارئ هو: هل نعد اللهجات العروبية المتفرعة من العربية القدمى أجنبية لنعدّ من ثم ما رشح إلى العربية منها دخيلاً أو في جملة الدخيل؟ والإجابة بداهة بالنفي للأسباب الآتية:
أ-لأن الكلمات التي تنسب عند التأصيل إلى الكنعانية والأوغاريتية والبابلية والآشورية والآرامية والحبشية وأشباهها وفروعها- تنحدر كلها من سلالة لغوية واحدة، أو من أسرة واحدة هي اللغة العربية القدمى. وأفراد الأسرة الواحدة أو الأصل الواحد ليسوا غرباء ولا دخلاء.
ب-لأن الدراسات اللغوية التحليلية والتاريخية والتأصيلية ليست بقادرة على إثبات انتماء الألفاظ التي هي موضع أخذ ورد إلى هذه اللهجة أو تلك من لهجات العربية القدمى، لأن التداخل اللهجي قديم لا تعرف طبيعته ولا أزمنته ولا قنواته، ولأن متكلمي تلك اللهجات كانوا في حالة انتقال وارتحال واختلاط على نحو غير منقطع وغير مرصود بضوابط موثوقة، لذلك يعدّ البحث في الفرز اللغوي هنا جهداً غير علمي خالص، بل سيكون عملاً مبنياً على التخمين والافتراض والاجتهاد.
ج-لأن جلّ الدخيل اللغوي في العربية- كما سيجيء- يعزى في منشئه وطبيعته إلى مسميات غير موجودة في الأرض العربية، وليست من مفرزات البيئة العربية ولا من طبع العرب ومجتمعاتهم، وعلى هذا سيكون ما دخل من لهجات العربية القدمى -لو تمت معرفته بحق- شيئاً مألوفاً تداوله الناس والألسنة ببعض اختلاف في النطق أو تنوع في المدلول، وهو أمر لم تخل منه العربية الفصيحة الباقية نفسها، أي أنه لا يسلك في معايير التأثير والتأثر بين اللغات والحضارات على النحو الذي نتطلع إلى رصد جانب منه. ففيم إذن بذل الجهد والإمعان في التكلف والافتراض؟! ونخلص من هذا إلى القول: إن الدخيل اللغوي الحقيقي إلى العربية هو الذي أخذه العرب من لغات الأمم المجاورة لأطراف جزيرتهم كالفارسية واللاتينية واليونانية والهندية والتركية وأشباهها.
v v v
ومما يجدر ذكره هنا أننا لسنا بصدد عمل إحصائي أو استقرائي تام لما أخذه العرب من اللغات المذكورة قبل قليل، فذلك أمر له ميدان آخر. أما الأمر الثاني فهو أن مسألة القطع بأمر الدخيل لا تخلو من جدل بين الباحثين اللغويين، إذ قد يرى بعضهم أن الألفاظ كذا وكذا عربية صريحة، ويراها آخرون دخيلة صريحة. فضلاً عن أن بعض باحثينا يبالغ فيصل إلى حدّ الزعم أن ألفاظ اللغات كلها عربية الأصل، وهو أمر دفعه وأنكره العلماء منذ القرن الثامن عشر، أو سلكوه في جملة اللهو والتوهم. وتفادياً لمثل تلك الاجتهادات والأحكام العاطفية القلقة نعتمد مبدأ الترجيح المعزز بما بين أيدينا من أقوال وأدلة ارتضاها الثقات من علمائنا الذين يُشْهَد لهم بمعرفة العربي الأصيل، وارتضاها الثقات ممن يُشهد لهم بمعرفة اللغات الأخرى من الباحثين المحدثين.
- ما أخذه العرب من الفرس:
وسنبدأ من القديم، ممّا وقفنا عليه من دخيل توزّعته مصادرنا اللغوية من شعر ونثر ومعجمات وأقوال. وفي القديم ، في العصر الجاهلي لم يكن العرب يتحفظون أو يتخوفون من أخذ ألفاظ أجنبية، أو يفكرّون بعقابيلها، ومع ذلك كان أخذهم قليلاً، لأن صلتهم بغيرهم كانت محدودة. ولعل الصلة الطويلة والقديمة بالفرس هي الأبرز والأدعى إلى اقتباس الألفاظ الفارسية قبل غيرها وأكثر من غيرها، فقد استمرت تلك الصلة ما يزيد على عشرة قرون، بل إن علاقات الجوار والحدود لم تنقطع أو تغلق، بصرف النظر عن طبيعتها السلمية أو الحربية أو التجارية.
ونقف قليلاً عند مثال واحد يفتح الباب لتسرب بعض الدخيل اللغوي الفارسي إلى العربية هو الشاعر الجاهلي الأعشى (ميمون بن قيس) الذي ولد في إقليم اليمامة حيث كانت قبائل بكر التي نشأ في أحضان أحد بطونها "بنو قيس بن ثعلبة". فالأعشى كان يتردد بين اليمامة والعراق، ونجدُ في شعره ذِكراً لبلدتي "عانة" و"بابل" من العراق. كما نجد ذِكراً للحيرة، عاصمة المناذرة القريبة من الكوفة. ونقرأ بيته في الخمر:
ولقد شربت الخمر تركضُ حولنا تُرْْكٌ وكابُلْ
ولعلّه يقصد بالترك والكابل جواري أو راقصات ممن استُجلبن من بلاد الترك وأفغانستان التي عاصمتها الحالية "كابل" أو كابول"(20) ويذكر في شعره الأديرة التي شرب قربها أو فيها، كما يذكر الرياحين والطيوب مما كان يستحضر في تلك المجالس، كما في قوله:
لنا جُلَّسانٌ عندها وبنفسجٌ
وسِيْسَنْبَرٌ والمَرْزَجُوشُ مُنَمْنما
وآسٌ وخِيْريٌّ ومروٌ وسوسنٌ
إذا كان هِنْزَمْنٌ ورحتُ مُخشَّما
وشاهَسْفَرِِمْ والياسمين ونرجسٌ
يُصَبِّحنا في كلّ دَجْنٍ تَغَيّما
فكم من الألفاظ الفارسية في هذه الأبيات الثلاثة وحدها؟
إن احتكاك الأعشى برهبان الأديرة، وبالجواري التركيات، ووقوفه على مسميات غريبة يعجّ بها مجلس خمر في بيئة فارسية مترفة(21)، ومشاهدته لألوان من الرياحين وأنواع من آلات الطرب التي لم يعرفها العرب.. كل ذلك يجعل من المحتّم عليه أن يقتبس المسميات ويضمّنها شعره، ولو من باب الهزل والاستطراف. وعلى هذه الصورة وشبيهاتها بدأ العرب يأخذون الدخيل الفارسي.
ونطيل هذه الوقفة عند الأعشى قليلاً فنقول: إن ما أدخله في شعره من الفارسية يمكن رصد معظمه في المسميات الآتية:
آس، إبريق، أرجوان، أرندج، إوان، باطية (وعاء للخمر)، بربط (آلة طرب)، بستان، بقّم، بنفسج، تامورة، جُلّسان، جون، خندق، خسرواني، خيم (الطبيعة والسجيّة)، دخارص (جميع دِخْرِص: قطعة تزاد في الثوب)، دوسر (إحدى كتيبتي النعمان بن امرئ القيس، اسم نبات، الجمل الضخم، اسم قلعة جعبر المعروفة قرب الرقة بشمال سورية، اسم شاعر هو دوسر بن ذهيل القريعي، ومعناها: ذو الرأسين)، دهقان، ديابوذ (ثوب ينسج على نيرين أو ذو لحمتين)، ديسق (خوان من فضة)، راووق، زبرجد، زمهرير، زنبق، زير (وتر دقيق حاد الصوت)، سلجم (لفت)، سُنبك، سوسن، صنج وصناجة، طنبور، طرجهار، (شبه كأس يشرب به)، طرجهارة (آلة مائية، فنجان. ويقال: طرجهالة)، مستقة (آلة طرب)، شيدارة (بساط منقش وثمين، بُرد يُشق ثم تلقيه المرأة على عنقها من غير كمين ولا جيب. قال:
إذا لبستْ شيدارةً ثمّ أرّقتْ
بمعصمها والشمسُ لمّا ترجَّل
مكوك (آلة تخص النساج والخياط، أو مكيال، مُلاب، مهارق، نمارق، ياسمين.. إضافة إلى ما جاء في الأبيات السابقة، وما صرفنا النظر عنه لغرابته)(22).
ويُلحظ أن معظم هذه الألفاظ يتعلق بآلة العيش، وبمجالس الطرب والخمرة ولوازمهما من (الكماليات) المتممة للترفيه، إلى جانب ألفاظ تتعلق بالعمران، أو بما يُلْبس، وكل ذلك مما لم تعرفه العرب على تلك الصورة، وكله من المسميات المادية الخالصة التي لا تخترق دائرتها كلمة واحدة تخلص للفكر أو للذهنية والتجريد.
ومما يشبه تلك المسميات أخذ العرب ألفاظاً فارسية تتصل بالثياب وألالوان من مثل أرمغان: (نسيج حرير فاخر)، استبرق، جورب، جُمان، دخدار (ثوب)، ديباج، زركشة، سروال وسربال، صندل، جوخ، طيلسان، يلمق، أَبْرَيْسَم، بَرَّكان وبرنكان (ثوب أسود) تَبّان، قرطف (لباس شبيه بالقباء، ذو طاق واحد)، خزّ، زرياب (ماء الذهب)، نرمق (من الثياب)، آذريون (زهر أصفر في وسطه خمل أسود، معناه: شبه النار...)...
كما أخذوا ألفاظاً تدور في فلك المعادن والأحجار الكريمة مثل: فولاذ، زئبق، سمبادج، دانق، خردق، بهرمان، أيريز، جوهر، اسبيداج، خنجر، أسربّ، جنزار، آنك، ستّوق (درهم مزيف)، تنك، بوتقة، فيروز، توبال (ما يتساقط من الحديد أو النحاس عند طرقهما)، لازورد، توتياء..
ومن النباتات والرياحين والأشجار المثمرة وغير المثمرة أخذ العرب مسّميات لم تكن معروفة في لغتهم مثل: نيلوفر، سنديان، صنوبر، تفاح، أبلوج (نبات السكر، ويعني: السكرّ الأبيض) ترمس (للحَبّ، أما الترمس للوعاء المعروف حديثاً فمن اليونانية Ther mos)، مردقوش (الزعفران، أو نبات عطري، وعرّب أيضاً: مرزجوش ومرزنجوش)، ازدرخت، أي: الشجر الحرّ، من (أزاد: حرّ) و(درخت: شجر) ويَرِد في بعض الكتب بلفظ (زنزلخت)، نسرين، خربز (بِطّيخ) ياسمين، باذنجان، خرّم، جرجير، خلنج (شجر)، تنَّوم، جزر، خيار، سرو، لوز، دَسْتنْبويْه (نوع من البطيخ الشمّام)، زعرور، عرموط، جِلَّوز (بندق)، أيهقان (عشب يطول، وهو اسم الخردل البري)، جلّنار، راوند، جوز، زنبق، كُركُم، هليون، طرخون، أفيون... وأخذوا من أسماء الحيوانات: سمنْد أو سمندر، بَبْر (الأسد الهندي)، سنجاب، فُرانق (جنس من السباع، وعرّب بلفظ برانق)، سنّور (الهرّ) جاموس، دلق (حيوان شبيه بالسنجاب).. ومن الطيور: كروان، سوذنيق وسوذانق (الصقر، أو شبيهه)، ببغاء، كُرَّذ (الباشق، والباشق أيضاً بالفارسية: باشِه)، باز، شاهين، طيهوج، قُبَّح (الحجل)...
وأخذوا من الأشربة والأطعمة: لوزينح، بختح (عصير مطبوخ مسكِر)، باذق (أيضاً عصير مطبوخ)، جردق (الغليظ من الخبز)، جلاّب، شوربا، جلنجبين (معجون يعمل من الورد والعسل)، زلابية، رشته (طعام يصنع من العجين الملفوف المقطع...) شبارق، دوشاب (نبيذ التمر أوالدبس)، زماورد، بوظة، سكباج، بقلاوة، سنبوسك، بقسماط (وقيل إنها يونانية الأصل)، طباهجة (الكباب)، برغل، فالوذج، فانيد (نوع من الحلوى)، خُشْكنان، كعك، وفيهما يقول الراجز:
يا حبذا الكعكُ بلحم مثرود
وخشكنانُ وسَوِيقٌ مقنود
وسويق ومقنود بالفارسية، أما الخشكنان فدقيق الحنطة إذا عجن بشيرج (دهن السمسم) وبُسط وملئ بالسكر واللوز أو الفستق وماء الورد وجمع وخبز..
أما ما يمكن سلكه في جملة الألفاظ العامة والإدارية والتنظيمية فقد أخذ العرب ألفاظاً ومسميات تتباعد وتتوزع في مجالات كثيرة، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
جَنْدار (حافظ الأمير أو الملك)، د سكرة، إسوار (الفارس الذي يحسن ركوب الخيل والرماية للسهام، واحد الأساورة)، ديوان، بارة، بلاس، زنديق، خوان، باركان، نموذج، رستاق، بندار، وبندر، ديدبان، خندق، دربان، شادروان (حافظ الخيمة)، دهقان، بريد، بيمارستان، برنامج، خزندار (مركبة من الفارسية والعربية)، دستور (من الفهلوية Dast war بمعنى القاضي والحاكم وكبير الزراد شتيين. وتستعمل في الفارسية والتركية بمعنى القواعد الأساسية لعلم من العلوم أو صناعة من الصناعات. ومن معانيها: الإذن، عند الترك والعرب إذا دخل الرجال على النساء، أو همّوا بالدخول في مكان مظلم استئذاناً من الجن. وهي الدخيل المتأخر في العربية)(23)، دَرْبَند (غلق الدكّان والباب، من (در: باب) ومن (بند: رباط) ومنه البند بمعنى الراية والشارة)، جُلاهق (جسم صغير كروي من طين أو رصاص يرمى به الطير)، بَرَوانة (مروحة السفينة، وحاجب الملك، سرادق، صهريج، طسّوج (الناحية والمحافظة، جمع طساسيج.)، سرداب، دهليز، سردار، عسكر، سندان، صولجان، فرند، سباهي (رتبة عسكرية، تحوّل معناها إلى مالك القرية)، قيروان، سرسام، زرنيخ، ساباط، فهرس، كشك، ربان، دورق، ماخور، مرزبان (حارس الحدود)، جوسق، درفس، بهلوان، تاج، مهرجان، مومياء، بُنْدُقدار (من يحمل جراوة البندق خلف السلطان، صاحب البندقة)، أريكة وزرابي وطنافس... وأخذوا بعض مسميات الآلات الموسيقية والطرب ومصطلحاتهما، وبعض أسماء الخمرة وألقاب الشعراء كالفرزدق، والطغرائي، ودوسر..
- ما أخذه العرب عن الهنود:
إن ما عرفه العرب عن طريق الهنود من النبات والحيوان والسيوف والعقاقير والطيوب والأحجار الكريمة والمنسوجات القطنية أخذوا مسمياته منهم مباشرة بطريق المعاملات التجارية وتبادل السلع، أو أخذوه عن طريق الفرس الذين كانوا أحياناً شبه وسطاء بين العرب والهنود، كما كان العرب أحياناً وسطاء بين أوربة والشرق في جلب البضائع الهندية والصينية وإيصالها إلى الأوروبيين قبل أن يتاح لهؤلاء الاتصال المباشر بالشرق الأقصى في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي(24)، ومن هنا يقع بعض الباحثين اللغويين في الوهم حين ينسبون بعض الألفاظ الهندية والفارسية إلى العربية، لأنهم عرفوها عن طريق العرب. وتنقل عن المسعودي فكرة حرص العرب على استعمال الألفاظ المحلية في مختلف المناطق التي ترددوا إليها، من ذلك قوله: "إنما نعبر بلغة أهل كل بحر وما يستعملونه في خطابهم فيما يتعارفونه بينهم".
ويقول: "إنما نخبر عن عبارة كل بحر وما يستعملونه في خطابهم(25)" ومما يجدر ذكره هنا تعليق الدكتور محمد يوسف (من جامعة كراتشي) على كلام المسعودي بقوله:
"ويلاحظ في هذا الصدد أن العرب لم يأخذوا الكلمات الهندية من اللغة السنسكريتية الفصيحة، ولا هم اعتنوا بأشكالها الصحيحة في الكتابة، بل إنما [كذا] أخذوها من أفواه التجار وسكان المناطق الساحلية التي كانوا يترددون عليها، ولا يخفى أن تلك المناطق كانت ولا تزال تسودها لهجات متعددة بل لغات مستقلة"(26).
ومن الألفاظ الهندية التي أخذها العرب:
الأترُجّ (ويرد في الكتب العربية أيضاً بلفظ: أُتْرُنج وتُرُنْج)، أرزّ (وبلفظ: آرز بالمدّ، رنز، رزّ)، أوج (الأصل: ارتفاع الشمس أو تشا)، أرجوان (بالسنسكريتية Ergewan Argawan، اشتيام (رئيس الركاب) اطريفل (معناها بالهندية: ثلاثة أخلاط هي: إهليلج، وبليلج، وأحلج)(27) ألنج (يلنج، ألنجوج، يلنجوج، وهو عود يتبخر به، بالسنسكريتية laghu)، أنبج (بالهندية Anbo والأنبجات هي المربيات أو المربّبات من الرُّب)، بقّم، بهار، تنبول، توتياء، جلفاط (قلفاط)، بنج، جونة العطارين (Goni)، خرص (للرمح)، خيزران، رانج (الجوز الهندي، بلغة بورما ong)، زنجبيل، ساسم (نوع من شجر الجبال)، سكر، سمهري، شطرنج، شنكل (معقاف، وقيل هو بالفارسية)، شيت (نوع من النسيج chites)، صندل، طاووس، طباشير (من: تبا بمعنى مثل، وشير بمعنى اللبن، أما تباشير الصباح فبالعربية)، طنّ، عاج، فانيد (نوع من الحلواء، وقيل إنه بالفارسية)، فلفل، فنجان، فوطة، فيل، قرفة، قرنفل (ويزعم بعضهم أنها يونانية بلفظ: خاريوفِلَّون، لكنّ أصل منبته بالهند، والأرجح أن اليونانية أخذته عن الهندية بطريق ما)، قماري (عود يتبخر به)، قنا (للرماح)، قند (لقصب السكر)، كافور (أصله بالسنسكريتية Karpura وبالهندية والفارسية Capoor، وبالفرنسية Camphora واشتق منه فيها الفعل Camphorer بمعنى دهن بالكافور وذلك حوالي عام 1751م (دائرة المعارف الفرنسية) وفي العصر الحديث أطلق على زيت الكافور اسم Campol(27)، كركدن، كرنده (الرُّنْد)، ليمون، مسك، المندلي (عود طيب الرائحة Mandal)، النردين (السنبل الهندي)، نارنج (ويقال في دمشق: لارنج)، النمط (بالهندية Namata)، النارجيلة، النيلج، هيل أوهال، ورس، وشيح (نوع من الشجر، والوشيج ينبتُ الخطيّ- ومنه الرماح الخطية.
وجاء في لسان العرب: وقيل: "الخطّ مرفأ السفن بالبحرين تنسب إليه الرماح.. وليست الخطّ بمنبت للرماح، ولكنها مرفأ السفن التي تحمل القنا من الهند" وقال: "وليس الخطيّ الذي هو الرماح من نبات أرض العرب، وقد كثر مجيئه في أشعارها، قال الشاعر في نباته:
وهل يُنبتُ الخَطيَّ إلا وشيجُهُ
وتُغْرَسُ إلا في منابتها النخلُ؟"
واعتماداً على هذا القول رأى الدكتور محمد يوسف أن الوشيج في الأصل كلمة هندية من Vansho فتأمّل(28).
ووضع العرب ألفاظاً أملتها صلتهم بالهند كقولهم: هندة، هنيدة، هندواني..
ما أخذه العرب عن اليونان:
تعود صلة العرب باليونان، أو بالروم البيزنطيين إلى ما قبل الميلاد بنحو نصف قرن حين احتل الروم مصر وسورية وفلسطين وقسماً من العراق. ذلك الاحتلال الذي استمر حتى الفتح العربي الإسلامي وقد انتشرت اليونانية إبان هذا التاريخ في حواضر مثل الاسكندرية واللاذقية وانطاكية وآفاميا (قرب حماه) وصور ودمشق والقدس. وكان انتشارها واضحاً في المجالين الديني والفلسفي، وفي مرحلة لاحقة تقوّى وجود اليونانية في بلاد الشام بوجه خاص بعد دخول أمراء الغساسنة من آل جفنة في المسيحية. وعلى أساس من هذا التصور سيعتقد المرء أن ألفاظاً يونانية كثيرة قد دخلت العربية في ظل هذه المعطيات، لكن الحقيقة لم تكن كذلك، فالمأخوذ عن اليونانية لا يكاد يذكر بالقياس إلى ما أخذ عن الفارسية مثلاً.
وقد كان لتسرب الدخيل اليوناني إلى العربية مسلكان، أو قناتان هما: إمّا اليونانية مباشرة. أو عن طريق السريان الذين كانوا أكثر صلة روحية وسياسية باليونان، وأقدم وأوسع من علاقات العرب قبل الفتح العربي(29). وقد يكون ذلك الدخيل اليوناني موروثاً لغوياً تناقله السكان بعد هجرهم الحديث باليونانية في مصر وبلاد الشام إثْرَ شيوع العربية.(30).
ومعظم ما أخذ عن اليونانية يدور حول الأمور المادية والإدارية والدينية، وبعضه يعبّر عن الحياة البحرية والعلوم الطبيعية والعقلية. ومن أشهره.
إبليس، ابنوس، إنجيل (وينسب بعضهم الأبنوس إلى الهندية الصينية)(31) أخطبوط Oktopodion أي: ذو ثماني أرجل؟!) أبو قلمون (طائر)، أثير (مادة منتشرة في الفضاء، هواء على طبقات الجو Ethir)، إزميل، إسطار (نقد من ذهب)، اسطول، اسطقس (العنصر)، أسطورة (ومنها في الانكليزية History وبالفرنسية Histoire بمعنى التاريخ)، اسطنبول (واستانبول، ومعناها في الأصل: إلى المدينة)، إفريز، إقليد، إقليم، اسفنج، إكسير، أنجر السفينة (المرساة)، برنس، بقدونس (ومقدونس، نسبة إلى مقدونية)، برقوق، بلغم (وأصلها: ملغم)، بوق (المزمار النحاسي المعروف، أصل بوكينا Buccina وهو عند الرومان البوق العسكري، من بوكا Bucca ومعناها الفم الذي ينفخ البوق، ومن هذه الكلمة الأخيرة جاء في العامية المصرية: بق، بالضم، أي الفم)(32)، بطاقة، بيطار، ترياق، كوبري، درهم (دراخمة اليوم)، دكان، ديماس، دمقس، رفاس (Rpas حبل للربط)، زبرجد، زنار، سندس، طاجن، سيمياء، طرّيخ (سمك صغار تعالج بالملح) طسق (محرفة عن طقس)، طلّسم، فانوس، فنار، فندق، قارب، قانون، قربوس (قسم من السرج)، قرطاس، قنّبيط، قصدير، قفة، قلم، قمقم، قنّب، قنينة، كتّان، كركي، كوب، كورة (Khqara ومنها جاء اسم الخوري)، كيمياء، لغم، لقالق، مرهم، ملوخية، ناموس، نقرس، نوتي، هيولى، يانسون (وصحيحها أنيسون Aneeson)، أبرشية، ارثذكس، أرخبيل، ارستقراطية، آزوت، اسطرلاب، اسفنط (أجود الخمر)، اسقف، أطلس، اقريدس (سمك صغير)، ألماس Adhamas)، أقيانوس، بلاّن (حمام)، جاثليق، تيفوس وتيفُئيد، جريال (لون توصف به الخمرة، جغرافية، خريطة، دلفين، زخرف، سفسطة، سلمون (سمك)، طغمة، فردوس، فسيفساء، فلسفة، فلين، قراصيا، قنداق (مديح وجيز لقديس..)، قندلفت، قونس، قيراط، كوليرا، كيلوس، لوبياء، هندباء، مسطار (خمر)، مصطكى (علك)، موسيقى، ناووس، هرطقة، ياقوت، فار قليط أوبار قليط (الروح القدس)، بطرك وبطريرك (رئيس ديني مسيحي)، بطريق (الرئيس والعظيم من الروم)، دينار، زيزفون، قولنج، كيموس، منخوليا، أنبيق، أيقونة، خندريس..
-ما أخذه العرب عن اللاتينية:
لم يكن العرب القدماء يفرقون بين اليونانية واللاتينية لغوياً، بل كان ما ينسب إلى هاتين اللغتين يدرج تحت اسم الرومية. ولن نعرض بالتفصيل لمسالك دخول الألفاظ اللاتينية إلى العربية أو أزمنتها، ولكن نشير في اختصار إلى أن الاحتكاك بين اللغتين بدأ قديماً في بلاد الشام خاصة، واستمر عن طريق المتاجرة، والنشاط الديني المسيحي، ثم أيام الحروب الصليبية، وبلغ ذروته في الصلات السياسية والثقافية عن طريق الأندلس وصقلية وبالرمو وغيرها من المرافئ والثغور. وبعض الدخيل اللاتيني وصلنا متأخراً عن طريق اللغات الأوربية وَرَثةِ اللاتينية.
وأشهر ما أخذته العربية عن اللاتينية في مختلف المراحل:
الاصطبل (مربط الدوابّ، بلفظ Stabulum)، إلياء أو إيلياء (بيت المقدس، وقد أطلق عليها هذه التسمية القيصر هدريان عام 135م بلفظ aelia capitolia)، بندق (نسبة إلى مملكة البونت Pont ولفظه Nux pontiea، وفي بعض المصادر Bonduc)(33)، امبراطور، بابا، أطربون (ضابط أعلى درجة من القومس عند الرومان Tribunus ، والقومس يوازي رتبة الأمير)، بُرْجُد (ثوب غليظ مخطط Paragauda)، بركان Vulcanus، ابن جوبيتر، سيد آلهة الرومان القدماء. كان فلكانس يهيء لأبيه الصواعق)(34)، بلاط (بمعنى القصر من Palatium، قصر القياصرة الرومان المبني على تل بلاتيوم من تلال رومية)(35)، رساطون (شراب من خمر وعسل Rosatum، أو شراب مطيب بالورد)، سجلّ (بمعنى الختم Sigillum)، سجلاّط وسجلاّطس (ثياب كتان موشية)، سجنجل (صفيحة فضة مصقولة كانت تستعمل كالمرآة، أو المرآة ذات الزوايا الست Sex Angulus)(36)، سراط وصراط من Strata فرن، قبّاوقفّان (قال الأصمعي وغيره: العرب يقولون: قفّان لأنهم ليست في كلامهم با(يعني p) عجمية فأعربوه، وهو مستقصى معرفة الشيء يعمل به الإنسان. ومنه حديث عمر حين قال له حذيفة: إنك تستعين بالرجل الذي فيه. فقال عمر: أستعمله لأستعين بقوّته ثم أكون على قفّانه. وقال ابن الأعرابي: القفان: الأمين، وهو معرب أصله قبّان. وقال أبو عبيدة: هو الرئيس الذي يتبع أمر الرجل ويحاسبه، ولهذا سمي الميزان قباناً، (37) والقبان عند اللاتين: ميزان لأشياء ثقيلة، بلفظ Campana)، قرصان، قميص، قنديل، قنطار، قيصر، منديل، ميل (مقياس لطول مسافة، مقتضبة من Mill passum)، قنصل..
-ما أخذه العرب بعد العصر العباسي:
ونعني بهذه المرحلة وما تلاها أن نتبع بشيء من العرض السريع تسرّب الدخيل اللغوي إلى العربية مع سقوط بغداد سنة 656هـ، ودخول السلاطين المماليك مقرّ الخلافة والمنطقة العربية.
فمنذ زمن المماليك (648-123هـ) بدأ العرب يأخذون ألفاظاً وتعابير جديدة يضيفونها إلى ما كان أخذه أسلافهم من اللغات الأخرى. وهذا الجديد من الدخيل راح يحتل مكانه تدريجياً في المعاجم والمصنفات العلمية والكتب الموسوعية التي شاعت بوضوح في هذه المرحلة من تاريخ الحضارة العربية الإسلامية.
وتجدر الإشارة إلى أن اللغة الرسمية للمماليك كانت العربية، أما الدخيل اللغوي على ألسنتهم فكان مزيجاً من التركي والفارسي، مع بعض الألفاظ القفقاسية التي انتقلت إليهم عن طريق الشركس. ولمزيد من الإيضاح نشير إلى بعض المؤلفات التي يمكن أن نقف فيها على أمثلة وشواهد لما أخذه العرب من دخيل في هذا الإطار، فمن ذلك: كتاب "عيون التواريخ" لابن شاكر الكتبي(ت 764)، و" المختصر في أخبار البشرلأبي الفداء ملك حماه (ت722هـ)، "ونهاية الأرب في فنون الأدب" لشهاب الدين النويري (ت722هـ)، "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" لابن فضل الله العمري (ت 742هـ)، وكتاب "العبر في خبر من عَبَر" لشمس الدين الذهبي (تـ 748هـ)، وكتب سراج الدين بن الوردي (تـ 749هـ) و"البداية والنهاية" لابن كثير الدمشقي (774هـ) و"تحفة النظّار في غرائب الأمصار" لابن بطوطة (تـ 779هـ) وكتاب "العبر وديوان المبتدأ والخبر" لابن خلدون (تـ808هـ)، و"صبح الأعشى في صناعة الإنشا" للقلقشندي (تـ 831هـ)، و"السلوك لمعرفة دول الملوك" للمقريزي (ت845هـ)، و"النجوم الزاهرة" لابن تغري بردي (تـ 874هـ)، ومؤلفات ابن قيّم الجوزية، والسخاوي، والسيوطي، وابن طولون الدمشقي، والجبرتي.. وغيرهم كثير.
ومن الصعب تقييد زمن دخول هذه الألفاظ وتداولها، أو التثبت القطعي من أنها وليدة هذه المرحلة إلا باستقراء النصوص السابقة.. في أناة وتفحص، وأنّى لنا ذاك في مثل هذه العجالة، لذلك فنحن نعتمد هنا على مبدأ التغليب والترجيح معياراً عاماً لرسم ملامح التطور، وللوقوف على خطوطه العريضة على مدى تاريخ العربية الطويل.
ومن أشهر تلك الألفاظ التي أخذتها العربية:
الأتابك، أو الأطابك (الوالد أو الأمير باللغة التركية) (38) مركبة من (أتا): أي الأب أو الشيخ المحترم لكبر سنه، ومن (بك): الأمير. ويطلق على أمير أمراء الجيش لقب: أتابك العسكر، وقد تأتي بمعنى الجيش، أرسلان (الأسد باللغة التركية)، أرناؤوط (الألباني الجنسية، ولم يستعمل قديماً لفظ الألبان، بل الأرناؤوط، الأُستدار (لقب مملوكي يطلق على القائم على الشؤون الخاصة للسلطان، والاستدارية وظيفة موضوعها التحدث في أمر بيوت السلطان كلها من المطابخ، والشراب خانه، والحاشية والغلمان)، والإستدار (بكسر الهمزة: لقب يطلق على من يتولى قبض المال وصرفه، وتمثيل أوامر السلطان فيه، وهو مركب من لفظتين فارسيتين: إسْتَذْ، ومعناه الأخذ، ودار: ومعناه الممسك، و(دار) لاحقة تعني المختص بالشيء أو صاحبه أو من يتولى أمره)، الأسفهلار (وظيفة من وظائف أرباب السيوف وعامة الجند، وإلى صاحبها يرجع أمر الأجناد، واللفظة أعجمية تعريبها: قائد جيوش)(39)، الأسكلة (ولها معنيان: 1-الأخشاب التي يقف عليها البناؤون (سقالة) 2-رصيف الميناء البحري، ثم أطلقت على الميناء، وأصلها من اللغة الإيطالية بلفظ Scala دخلت التركية أسكلة)، أصبهند (كلمة تطلق على النائب، والأصبهانية: فرقة من الجنود المأجورين في الجيش العثماني، تقابل المرتزقة في عصرنا)، الآغا (كلمة تركية تعني الأخ الكبير، وتطلق على صغار الضباط، وأحياناً على كبارهم، وتأتي بمعنى السيد، والآمر، ورئيس الخدم، والمَلاّك الكبير)، الألاجة (لفظ تركي يعني الشيء الملوّن بألوان كثيرة، كغطاء الطاولة والسرير)، الألداش أو الألضاش (لفظ تركي أصله: يولداش، يتألف من (يول) بمعنى طريق، و(داش) وهي أداة المشاركة، واليولداش هو الرفيق في الطريق، كما تطلق على الرفاق في الحزب الواحد)، آخور (اصطبل الخيول)، جاندار (الأمير الممسك للروح بالفارسية، أي الحافظ للسلطان فلا يأذن بالدخول عليه إلا لمن يثق به، من "جان" بمعنى الروح بالفارسية، و"دار" لاحقة للاختصاص بالشيء)، الأوشاقي (الذي يتولى أمور الخيل للسلطان)، الانكشارية (كلمة تركية تعني: العسكر الجديد، وهو جيش من المشاة أنشئ في عهد السلطان أورخان العثماني)، الأورطة (لفظ تركي أصله أورته بمعنى الطابور، أي فئة من الجند)، أوطاق (تركية بمعنى خيمة فخمة)، أولاق (اصطلاح عثماني بمعنى الرسول)، أيبك (لفظ تركي مركب من "أي" بمعنى القمر و"بك" بمعنى الأمير، وهو اسم لشخص تولى مرتبة أتابك العسكر، أي أمير الجند زمن شجرة الدرّ أو "شَجْر الدرّ"، وهو الملك المعزّ عزّ الدين أيبك الجا شنكير)، البازدار (حامل الباز أو أي من الطيور الجارحة المعدة للصيد على يده)، باشا، البايزة (لفظ موغولي معناه: لوح صغير من ذهب مرسوم على أحد وجهيه رأس سبع، كالوسام في عصرنا، وكان يمنح لكبار رجال الدولة الموغولية)، البركيل (مرتاد البحار من التبحار والمغامرين، والبراكلية ضرب من السفن)، البزرجانية أو البزركَانية، من البازركَان: التاجر بالفارسية، انتقلت إلى التركية، ثم صارت لقباً لليهود بدلاً من لقبي آغا وأفندي)، بصم، من التركية (باصماق) أن يطأ الرجل بقدمه، وكذلك أن يضغط أو يطبع الأوراق المبصومة، أي الأوراق المطبوعة بالختم، ومنها عبارة "أخذ البصمات") البغاز أو البوغاز (من التركي، مصدره بوغمق، أي يخنق، ويطلق على الحلقوم، وهو بمعنى المضيق، مثل بوغاز جبل طارق وبوغاز البوسفور)، البقشيش (من الفارسية "بخشيش" أي العطية أو الهدية للعامل أو الخادم أو النادل، فوق أجره)، البنديرة (في الطليانية والإسبانية والتركية ومعناها: الراية الأجنبية)، البودقة (المذيب، وعاء لإذابة المعادن توقد تحته نار حامية، وجوزة الغليون التي يوضع فيها التبغ)، البيرق (تركية: بايراق، بيراق، بمعنى العلم أو الراية، والبيرقدار: حامل البيرق)، البكباشي (تركية من: بيك وباشا، رئيس الألف، وهي رتبة عسكرية عثمانية استعملت في الجيوش العربية، كما استعملت اليوزباشي) التخت والتختروان، الترسخانة (دار الصناعة، لفظ تركي ذهب إلى بعض اللغات الأجنبية، ثم عاد إلى التركية والعربية بلفظ الترسانة)، التفتا (نوع من القماش المعروف، وأجوده الهندي، تصنع منه بعض الثياب كالشال والقلنسوة)، من التومان أو الطومان (الفرقة من الجند التي يبلغ عددها عشرة آلاف مقاتل، الجاشنكير (الذي يتصدى لتذوّق المأكول والمشروب قبل السلطات أو الأمير خوفاً من أن يدس عليه فيه سمّ، واللفظ من كلمتين فارسيتين: جاشا، ومعناها الذوق، وكير: المتعاطي)، الجامكية، الجبخانة، الجاندارية، جاوش، جلاهق، الجلبي أو شلبي (لقب كان شائعاً بين الأتراك العثمانيين ذوي النبل والفضل، واستعمل أيضاً بمعنى سيّد، وبمعنى خواجة عند الأتراك)، الجمقدار، الجمدار، الجنبازية (جمباز)، الجوامك (جمع جامكية، مرتب خدم الدولة في العساكر والموظفين)، الجوخدار، الخازوق، الخاصكية، الخانقاه (كلمة فارسية تعني محلاً للتعبّد والتزهد والبعد عن الناس، وبمعنى بيت كذلك، دخلت هذه الكلمة اللغة العربية منذ انتشر التصوف فهي كالدير في النصرانية)، الخزندار، الخشداش (الزميل في الخدمة) الخواجا، الخيش (نوع من الكتان) الدبوس (بالفارسية Topouz)، دفتر دار، الدمغة (من التركية تمغا وطامغة)، الدويدار أو الداوادار (صاحب الدواة، وكان يسمى قديماً: الحاجب.. وكانت الدوادارية في دولة المماليك وظيفة صغيرة، يقول ابن تغري بردي "وأما الدوادارية فكانت وظيفة سافلة.. ولكن هذه الوظيفة عظمت في منتصف القرن الرابع عشر.. وقد عرف هذا المنصب في الدولة العثمانية...)(40) الرنك (الشعار)، سالار (الآمر الأعلى أو الرئيس، وهو اسم أمير من المماليك قتله المنصور محمد بن قلاوون)، السُّفتجة (بضم السين وفتحها، فارسي معرب، كتاب من صاحب المال لوكيله أن يدفع مالاً قرضاً ليأمن به من خطر الطريق)، السنجق (بمعنى العلم والراية، والرمح، واللواء)، السنجقدار، الشوشرة (أصلها: شاشرمالك، بمعنى تحيّر واضطراب، أي الفوضى في البلاد أو في المجلس)، صاية (زيّ من الجوخ)، الطابور، الطارمة (بيت من خشب يبنى سقفه على هيئة قبة لجلوس السلطان، لفظة فارسية الأصل)، الطُّبخانة (طوب خانة: دار لصناعة المدافع)، الطبنجة، الطرخان (المحال على المعاش)، الططري= التترّي (ساعي البريد في الدولة العثمانية، لأن التتر كانوا يؤدون هذا العمل)، الطغراء (ختم السلطان، والطغرائي: حامل أختام السلطان)، القاووق والقاوقجية (صناع القلانس)، القرمة (نوع من الخط، ومنه القارمة بمعنى اللافتة في لغة العامة ببلاد الشام، قشلة (معسكر)، القلبق، القلندرية (المحلّفون)، القناق (المنزل)، القندقجي، القيسارية، الكتخدا (صاحب البيت أو السيد الموقر)، الكرستة، المطرجي أو المطهرجي (من الكلمة العربية مطهرة، أي إبريق أو ما يشبه ليحفظ به الماء للوضوء، دخلت التركية في صيغة مطرة، أي وعاء للماء من جلد أو صفيح، و"جي" لمصدر النسبة، والمطرجي هو سقّاء القافلة)، النِشان أو النيشان (فارسية، دخلت التركية، وهي العلامة التي تنصب للتدريب على الرماية، وتطلق على الشارة والشعار الذي يوضع على صدور المحاربين والمتفوقين، أو على الأماكن التي تتبعهم)، الوجاق (تركية من أوجاق، وللكلمة عدة معانٍ(41):. كل ما تنفخ وتشعل فيه النار من طين أو قرميد، ثم أطلق على الجماعة التي يلتقي أفرادها في مكان واحد، وعلى أصحاب الحرف وعلى الصنف من الجند كالسباهية)، يازجي (بالتركية كاتب)، اليسق (تعني القانون في المغولية، والمنع في التركية، ومنها اليسقي واليسقجي وهو القوّاس الذي يحرس القناصل والسفراء ويحميهم، واليسق أيضاً الحرس والسجن الحربي للأسرى والمساجين)، اليَلَك (جمع يلكات، وهو لباس بلا أكمام يلبس على الصدر ليدفع عنه الهواء، ويقابل الصدرية أو الصِدار)، الأسطى، الأفندي، الإكديش (الفرس الهجين، في الفارسية أكدش "بفتح الهمزة وكسرها" دخلت التركية بلفظ: إيكيديش)، الأوية (غطاء للرأس والزينة)، البابوج، البرمة، البقجة، البازار، الجاليش أو الشاليش، الجدك، الخردة، الداقم (الطاقم)، درابزين، الرهوان، الروشن (فارسية الأصل: الفتحة أو النافذة، بالعامية: الروزنة)، القايق (تركية: القارب الصغير)، القزمة، سجقدار، بشمقدار، ألاي (فرقة عسكرية) القلّق (دار الحراسة، أو مكان إقامة الحرس أو الشرطة)، القيطون، اوردو (جيش)، سراي، خرطوش، سنجق..
-أما ما دخل العربية بعد هذه المرحلة وصولاً إلى العصر الحديث فقد ازداد تبعاً لازدياد الصلة بمتكلمي اللغات غير العربية، وتنوّع تبعاً لتنوع طبائع المجتمعات والاهتمامات والمعارف والممتلكات. ومن العسير في تلك الأحوال المضطربة ضبط مسارب الدخيل، أو تحديد زمن دخوله، أو حصره وتصنيفه وفق اللغات التي جاء منها. لأن مثل هذه الدراسات المتأنية والمعرفية كانت نادرة، إن لم نقل غائبة.
إن اتساع النشاط التجاري، والتبشير الديني، والأطماع الاستعمارية كانت مظاهر حيوية في زيادة التفاعل البشري واللغوي، وكانت سبيلاً للاحتكاك باللغات الأوربية إلى جانب اللغات الشرقية، مما فتح الباب واسعاً للدخيل الإيطالي والإسباني والفرنسي والانكليزي، إلى جانب الدخيل السابق الذي عرضنا له.
وعلى سبيل التمثيل لا التصنيف أو الإحصاء نسوق هنا نماذج منه بكثير من الاختصار، فمن ذلك:
فرحان، شاكوش، اسبانخ، أطلس، امبريالية، أنبوب، صابون، مدام، مغناطيس، برنُس، بكلة (مشبك بالتركية) بندقية، جفت، بكرة (تركية، آلة لرفع الثقل)، بروتوكول، سيناريو، اوبرا، موسيقى، دبلوماسية، التلفزة، ميكروب، شيك (صك)، جيولوجية، فلور، بنسلين، هستيريا، غنوصية، براغماتية، راديكالية، كلاسيكية، واط، فولط، بوليصة، فاشية، نازية، إلكترون، دينمو، تتُن، تمباك، ميكانيك، ترمومتر، فوسفور، برنيطة، بندورة، روزنامه، طلمبة (إيطالية Tromba، مضخة مياه) غليون، فرتونة (عاصفة، بحرية غالباً)، ألمنيوم، كرباج، كالسيوم، كشكبان (القشقوال= جبن) هنكار، وطاق، سكرتير، بوليس، بوسطة، كمبيالة فاتورة، بورصة، أيقونة، جبخانة، بترول، بامياء، برميل، بطاطا، سيجارة، تراخوما، بهلوان، جنرال، تدشين، درّاقن، دلفين، ديناميت، رواق، ريال، زئبق، زرنيخ، ساذج، سردين، برتقال، سرطان، سفسطة، سيكولوجية، سينما، سمفونية، شاي، شدياق، صهريج، طازج، طربوش، طرخون، طرطور، طنجرة، عندليب، غاز (هولندية)، غرام (في الوزن)، فانوس، فنار، فستان (ألبانية؟)، فقمة، فلسفة، فلّين، فندق، قاموس، قرصان، قصدير، بابوج، قنبلة، قنطرة، كربون، كردينال، قلقاس، كمنجة، كوليرة، كيلو، لجنة، مازوت، مركيز، مرهم، مطران، مليار، نبريج (نربيج) نرد، نشادر، هاون، هندام، هندباء، يود...
- ما أخذه العرب من أسماء الأعلام الأجنبية:
وعلى مدى العصور وطول الصلات بالأمم استملح العرب بعض أسماء الأعلام لأبنائهم وبناتهم ومواليهم وجواريهم، فلهجوا بتلك الأسماء وتسموا، تيمناً وتديناً، أو إعجاباً بصوتيتها أو بصيغها ووقعها، أو إظهاراً للتحضر والتظرّف وسعة الثقافة(42) ومع الزمن صارت جزءاً من تراثهم المكتوب والمحفوظ. وغني عن القول إن العرب لم يكونوا في حاجة إلى مثل هذا الأخذ لغنى لغتهم وتنوّع صيغها ومشتقاتها، ولكن، ليس للعدوى ضوابط، ولا للذوق والتأثر معايير أو قوانين لغوية، يأخذ القوم أنفسهم بها، أو تراعى.. وهكذا دخل العربية أسماء أعلام أخذت طريقها إلى كتب التراث والمعاجم ورموز الإبداع الأدبي، وصارت مألوفة في الذاكرة العربية، من مثل ذلك:
نسرين، بيبرس، خوند، فيروز، ياسمين، طوغان، كروان، آسيا، أباظة، نوزاد، ميرزا، إدوار، أدمون، بخيتان، أسمهان، بندقجي، يزبك، يكن، ياقوت، أرسلان، يارا، وِلْيم، أرناؤوط، هيلين، هنري، اسكندر، ألفْرِد، ألِيْس، هرمزه، نيسان، نيروز، أنطون، أيدا، إيفا، نيازي، نورس، نهاوند، إيليا، برويز، برلنت، ميليا، دانا، نقولا، ناريمان، نرمين، بستنجي، نرجس، نازك، بطرس، بندر، ليليان، بهزاد، بهلوان، مكسيم، مهران، لويس، تيمور، جادو، جاك، لانا، بيطار، تادرس، تيريزا، كلش، تومان، كنج، لورنس، لونا، جاويد، جان، فريال، كاميليا، فلفل، جلنار، جوخدار، فينوس، جمدار، جمشيد، فيولا، قبطان، قره (الأسمر في التركية، ومنه قره علي، وقره حسن.. وكرامانلّس، رئيس وزراء اليونان مرة)، جنكيز، قزق، قسطنطين، جهان، قيصر، كاترين، طرخان، طوني، غاندي، فانوس، شلبي، جوانا، جورج، فردوس، جوليا، خزندار، خاشقجي (صانع الملاعق أو بائعها. تركية)، طوسون، شوربجي، صوفيا، خان، داغستان، شيرين، خديوي، شويكار، خربوطلي، دارا، دادا، خواجه، شيراز، خورشيد، صابوني، شهناز، شنودة، درباس، دركزلّي، شهرزاد، درهم، درويش، سركيس، سيرين، سمكري، داليدا، سيمون، دمرداش، دروزة، سنجر، شهبندر، سُهراب، ديمتري، سهردار، سوزان، دينار، سوسن، سونة، زنكي، سباهي، سابا، رستم، سالار، روز، زاده، زرلي، سامان، سهردار، بكداش، بكيزة، طوقان، رامان، سنقر، صونيا، شبلاق، شاهيناز، فيليب، مرقُص، ليزا، لوريس، نظلة، نيفين، هيلانة، هويدا، ميرفت (من العربية أصلاً: مروة)، هزار، رونق..
- ما أخذه العرب من التعابير والمصطلحات الحديثة:
لم تقتصر ظاهرة التأثر اللغوي على أخذ الألفاظ والمسميات المفردة وحدها، بل اتسع التأثر فطال الأساليب والمصطلحات، وتجلّى ذلك على وجهين: في أساليب الترجمة المتأثرة بصياغات اللغات الأخرى. وفي أساليب الأخذ المباشر نقلاً حرفياً، أو تعريباً يتم بطرائق من التعديل الصوتي أو الصرفي كما أشرنا في المقدمة. ونكرر ما سبق قوله من أننا نسوق أمثلة على سبيل التمثيل لا الحصر أو الإحصاء. فمن ذلك بعض التعابير التي نصادفها في الحوارات والمقابلات الإعلامية، وفي الدوريات والصحف اليومية العربية، كقول القائل: أهلاً بكم إلى هذه الحلقة أو إلى هذا اللقاء.. فهذا التعبير ترجمة متأثرة بالمقابل الانكليزي Well come to ، والعرب تقول: أهلاً بكم، أو نرحب بكم في.. ومثل هذا سؤال السائل لمخاطبه: ماذا عن نشاطكم الفني أو الثقافي؟ وهذا أيضاً من أثر الترجمة عن الانكليزية للتعبير؟ What about . ومن مثل ذلك صوغ الفعل المجهول من المصدر وفعل الصيرورة على نحو ما في اللغات الأجنبية كقولهم: "صارت كتابته" و"جرى بحثه" و"تمت مناقشته" بدلاً من: كُتب، بُحث، نوقش.. أو كقولهم: "تمت كتابته بمعرفة فلان"، أو "تمت كتابته من قبل فلان"، بدلاً من قولنا: فلان كتب الكتاب، أو بدلاً من الأخذ بنظام الجملة العربية التقليدي: كتب فلان الكتاب(43) ومن أمثلة هذه الاستعمالات الوافدة إلى العربية بترجمة حَرْفية واضحة قولهم: يلعب دوراً في كذا.. وهذا ترجمة لاستعمال لغوي أوربي هو في الفرنسية Il joue son role، وفي الإنكليزية:He plys his part وقولهم ذر الرماد في العيون هو في الفرنسية، Il jette de la poudre aux yeux، وفي الانكليزية To throw dust in the eye. وقولهم لمن يشرع في المخاطرة: هو يلعب بالنار، ترجمة للعبارة الفرنسية IL joue avec le feu، وللعبارة الانكليزية To ply with fire. ويقولون في التوكيد أو المدح: بكل معنى الكلمة، وهذا في الفرنسية: Dans tous le sens du mot، وفي الانكليزية In the full sens ومن مثل ذلك قولهم: أكد على كذا، مقابل العبارة الفرنسية Il A insisté sur ولا تعرف العربية تعدية الفعل "أكدّ" بعلى، إنما يتعدى بنفسه، فتقول: أكدّ الشيء ووكدّه، و(على) هنا جاءت ترجمة حرفية لـ (Sur) التي تعني: على، فوق.. وقل مثل ذلك في عبارات أخرى نحو: ابتسامة صفراء، الأكثرية الساحقة، وضع النقاط على الحروف، ضرب الرقم القياسي، ألقى نظرة سريعة، يعلق أهمية خاصة على كذا، عاصفة من التصفيق، يتبنى المشروع، لا جديد تحت الشمس، ألوان صارخة(44) ومن مظاهر التأثر بالأساليب الأجنبية الحديثة عبارات أو مصطلحات صارت ثوابت ولوازم في مجالات التخصص، أو صارت عبارات مؤطرة جاهزة كأنها متكآت لفظية لا معدى عنها، نحو قولهم:
فتح اعتماد، مسك الدفاتر، تسديد الحساب، التضخم المالي، رصيد قابل للسحب، دفتر شيكات، اللامعقول، اللاشعور، اللانهائي، المالا يعرف، أوضحت الوكالة، طوق العزلة، تغطية المؤتمر، عسكرة الفضاء، سباق التسلح، جمال صارخ، دعاية سوداء... ويشبه هذا أن يكون تتميماً لما شاع وكثر في المرحلة المملوكية والعثمانية من تعابير ومسميات أملتها الحاجة وطبيعة المجتمع والأنظمة، من مثل: أمير جاندار (الذي يستأذن على الأمير وغيره في أيام المواكب)، والأميرالاي، والمابين، والباشكاتب، والسلاملك، والرصدخانه، والقائمقام...(45)
خاتمة:
بعد هذا العرض السريع الموجز لما أخذته العربية من اللغات الأخرى في تاريخها الطويل، يمكن المتأمل أن يخرج بانطباع عام، أو بتصور يرسم الخطوط العريضة لطبيعة التأثر اللغوي الذي اعترى العربية، أو يرصد مدى ما كانت في حاجة إليه من المادة اللغوية، وما أخذته ترفاً وتزيّداً. وسنحاول أن نلخص ذلك كله في النقاط التالية:
أولاً: أخذت العربية من اللغات الأخرى المسميات التي كانت مادية في معظمها، ولم تكن قد عُرفت في المجتمعات العربية. ويمكن أن يرصد هذا في مفردات الدخيل القديم. وفي مرحلة لاحقة، عندما اشتغل العرب بالترجمة وعلم الكلام واطلعوا على الفلسفات والأديان لدى الأمم المجاورة تسرّب قدر قليل من الألفاظ الذهنية المجردة أو ذات الطابع الفكري من تلك الأمم، ولكن في اعتدال واقتصاد.
ثانياً: لم تأخذ العربية ما يمكن أن يخلّ بأسس قواعدها وأحكامها، إذ لم تأخذ من اللغات الأخرى لا الصفات ولا التراكيب، لأن ثروتها اللفظية الوفيرة، وتماسك قواعدها المطردة يغنيانها عن ذلك، ولا يناقض هذا الحكم ما تأثرت به من مظاهر الأساليب في العصر الحديث. ولهذا لم يكن خطر الدخيل اللغوي ذا أثر كبير في تاريخ العربية، إنما استطاعت أن تهضمه وتتمثله بغير عسر أو مضاعفات أو عقابيل تخلخل بنيانها المتين...
ثالثاً: دلّل هذا الأخذ من اللغات الأخرى على عراقة التجربة الإنسانية للعرب، وعلى صلتهم الواسعة بالأمم المجاورة، في مجالات العلم الخالص، وفي المتاجرة والحروب وعلاقات الجوار وتطور المجتمعات نحو التحضر بغير تعصب أو انكفاء على الذات، أو تخوّف من المؤثرات الخارجية. كما دلّل على مقدرة العربية ونجاحها في استيعاب مظاهر الحضارات الأخرى ومسمياتها ومصطلحاتها.
رابعاً: ما من شكّ في أن الدخيل الذي أخذته العربية قد أمدّها بثروة لغوية وافرة وجدت طريقها، على مرّ العصور، إلى المعاجم وكتب التراث العربي، مما أغنى تجربتها الفكرية والحضارية. وهذه المادة اللغوية، على تنوعها، في حاجة إلى المزيد من الدراسة والتصنيف والتتبع لتكون دليلاً وثائقياً في جملة الأدلة التي يحسن اعتمادها لدراسة تاريخ العربية دراسة لا يعوزها النقص، ولا تُرمى بإغفال هذا الجانب المهم من النشاط الإنساني.
خامساً: إذا كان للمتأمل أن يتساءل عن أمر هذا الدخيل الذي أخذته العربية، أو يستغرب كثرته وتنوّعه فليتساءل قبل ذلك عن أثر العربية في اللغات الأخرى، وعن مدى انتشار العربية والكتابة بها في أقطار هذه المعمورة ليتفهم في هدوء وإنصاف طبيعة التجربة الإنسانية للعربية وأصحابها، ويتقبل، بغير قلق، مثل هذا التفاعل اللغوي الذي يزداد ويتنامى في هذا العالم الصائر إلى ما يشبه القرية الكبيرة.
الحواشي والإحالات
1- انظر في هذه الصلات: بحث د. جميل أحمد من القسم العربي بجامعة كراتشي (الباكستان) المنشور في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق عام 1975-المجلد الخمسون- الجزء الرابع، الصفحات ص777-789، والبحث بعنوان: "الصلات اللسانية بين الهند والعرب". وانظر "فتوح البلدان" للبلاذري، ط(النهضة) ص461-463 من القسم الثاني. وانظر "معجم الألفاظ الهندية المعربة" للدكتور محمد يوسف (من جامعة كراتشي) المنشور في مجلة اللسان العربي، الصفحات ص: 28-42 من المجلد التاسع، الجزء الأول، والصفحات من 122-138 من المجلد العاشر، الجزء الأول. وانظر بعض التفصيلات في كتاب الهند للبيروني (ط. زخاو)، وتاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي 2/309.
2-انظر معجم "مقاييس اللغة" لابن فارس الرازي (تـ 395هـ)، ولسان العرب لابن منظور (تـ 711هـ): دخل.
3-اللسان: دخل.
4-نفسه، والجمهرة هي معجم "جمهرة اللغة لابن دريد الأزدي (321هـ) وانظر تفصيلاً أكثر عن الدخيل في كتابنا "أثر الدخيل على العربية الفصحى في عصر الاحتجاج" ص19-24. منشورات مؤسسة النوري الطبعة الثانية -دمشق 1993.
5-تنسب بداية التصنيف في "غريب القرآن" إلى عبد الله بن عباس _ت 68هـ) وهي، على الأرجح، أقوال دونت عنه بروايته، وانظر في ذلك "المعجم العربي" للدكتور حسين نصار، ج1/ 39، دار مصر للطباعة، ط2-1968. وانظر "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي (ت911هـ)، وقد سرد في الجزء الأول ص149 أسماء المتقدمين ممن ألّفوا في غريب القرآن، وبأسفل الصحائف "إعجاز القرآن" للقاضي أبي بكر الباقلاني. ط دار المعرفة- بيروت.
ومع الغريب كثر الحديث عن "الأعجمي" في القرآن، وعمّا كان "بغير لغة العرب" فيه (الإتقان: 1/178). وينظر ثمة خلاف العلماء حول هذا الأعجمي الدخيل. ومع الغريب تطرّق القوم إلى الحديث عن "اللغات في القرآن" وبهذا العنوان "اللغات في القرآن" وضع ابن عباس كتاباً (نشر برواية ابن حسنون المقرئ، وتحقيق صلاح الدين المنجد، بيروت 1972. وهذا ما أفضى إلى الحديث عن فساد الألسنة و"تنقية اللغة" كما ألمح مصنفو كتب لحن العامة في مقدمات مصنفاتهم.
6-المعرّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم ص15 بتحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، ط. دار الكتب بمصر 1969، وص 91 بتحقيق الدكتور: ف. عبد الرحيم، دار القلم- دمشق 1990. والجواليقي هو أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضِر المتوفى سنة 540هـ.
7-مقدمة عبد الرحمن بن خلدون: 1/379، نشر مكتبة مصطفى محمد بالقاهرة، بعناية مجموعة من العلماء.
8-انظر: أثر الدخيل: 24 (م.س).
9-انظر مقدمة "المعرب" للجواليقي، ومادة (عرب) في اللسان، والجمهرة، والصحاح.
10-الصحاح: عرب. بتحقيق عبد الغفور عطار. دار العلم للملايين. ط-1956م. وقال الزمخشري في "الكشاف": "إن معنى التعريب أن يجعل (الاسم) عربياً بالتصرف فيه، وتغييره عن منهاجه، وإجرائه على أوجه الإعراب".انظر: "رسالة في تحقيق تعريب الكلمة الأعجمية" لابن كمال باشا الوزير (تـ 940هـ) ص53. ضبط وتحقيق محمد سواعي. المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية بدمشق 1991.
11-د. حسن ظاظا: "كلام العرب من قضايا اللغة العربية" ص71. دار المعارف بمصر 1971م. وقال ابن كمال باشا الوزير: "من مذهبهم (يعني العرب) أنه إذا عرّب الاسم الأعجمي رُدَّ إلى ما يستعمل من نظائره في لغتهم وزناً وصيغة". انظر: تعريب الكلمة الأعجمية ص55 (م.س).
12-انظر "الخصائص" لابن جني (ت392هـ): 1/357-359، تحقيق محمد علي النجار، ط دار الكتب المصرية.
13-ديوان الأدب للفارابي (تـ 350هـ) 2/84 تحقيق د. أحمد مختار عمر، مراجعة د. إبراهيم أنيس. الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية 1395هـ -1975م.
14-انظر: المعرب للجواليقي: 448. قال محققه الدكتور/ ف عبد الرحيم: هو بالفارسية طبرزد، ومعناه: السكر الأبيض الصلب، وسمي بذلك لأنه يفتت بالفأس بسبب صلابته، فتبر: الفأس، و"زَدْ" من "زَدَنْ" بمعنى دقّ وضرب.
15-انظر: المعرب: 266. قال المحقق نفسه: الذَّرَق: البقلة التي تسمى الحندقوق، وفي التهذيب (5/303): قال الليث: الحندقوق حشيشة كالقت الرطب... وفي الصحاح: الحندقوق: نبت وهو الذرق، نبطي معرّب. ولا تقل الحندقوقا. وأصله (هندقوقا) بالآرامية، عن سيغموند فرنكل: 141.
16-انظر: أثر الدخيل: 44 (م.س).
17-انظر الحاشية رقم (5).
18-تنظر آراء بعض هؤلاء الباحثين في المراجع الآتية:
تيودور نولدكه: اللغات السامية ص8 ترجمة د. رمضان عبد التواب. القاهرة 1963. سبتينوموسكاتي: الحضارات السامية القديمة ص50. ترجمة د. يعقوب بكر. بيروت 1986. بييرروسي: مدينة إيزيس أو تاريخ العرب الحقيقي ص4، ص18. تعريب فريد جحا. دمشق 1980. ولمزيد من التفصيل ينظر بحثنا المنشور في مجلة "دراسات تاريخية" التي تصدرها جامعة دمشق، بإشراف لجنة إعادة كتابة التاريخ العربي. العددان 33/34 لسنة 1989 ص161 وما بعدها، من سلسلة أبحاث بعنوان "من تاريخ اللغة العربية". وقد اخترنا مصطلح "اللغة العربية القدمى" بدلاً من "الساميات" أو "السامية". وانظر "العرب في العصور القديمة" ص44 وص49 للدكتور لطفي عبد الوهاب يحيى. وقد أفرد الدكتور توفيق سليمان لدراسة هذا الموضوع كتاباً يرأسه بعنوان "أسطورة النظرية السامية" ط. دار دمشق 1982. وكذا فعل أنور الجندي، وكتابه "نظرية الجنس السامي". سلسلة "في دائرة الضوء" رقم (11) مصر.
19-اختار الدكتور علي فهمي خُشيم تسمية اللغات "العروبية" أو اللهجات العروبية، بدلاً من الساميات أو السامية، وما اقترحناه لا يختلف عن هذه التسمية في جوهره أو من حيث الدلالة على المصطلح. انظر كتابي الدكتور خشيم: "آلهة مصر العربية" الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة الأولى 1990، و"سفر العرب الأمازيغ". مطابع الفاتح، الطبعة الأولى 1424-1995- ليبيا.
20-انظر ديوانه ص12 شرح وتعليق محمد حسين. المكتب الشرقي للنشر والتوزيع. بيروت -لبنان. المقدمة بتاريخ 1968م.
21-انظر هذه القصيدة في الديوان ص329، ومما جاء في مناسبتها أنها قيلت في مدح إياس بن قبيصة الطائي الذي كان والياً للفرس على العراق. والجلّسان والبنفسج والسيسنبر والمرزجوش والشاهسفرم والياسمين والنرجس والمرو والسوسن... كلها أسماء بالفارسية لأنواع من الرياحين والورد. والهنزمن: عيد من أعياد النصارى (معرّب) والمخشّم: الشديد السّكر.
22-للتدقيق في نسبة هذه الألفاظ إلى الفارسية يمكن الرجوع إلى الديوان نفسه، وإلى الكتب اللغوية الآتية:
المعرّب من الكلام الأعجمي للجواليقي (طبعة دمشق 1990) الألفاظ الفارسية المعرّبة لإدّي شير الكلداني، (ط. المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين في بيروت -1908) معجم المعرّبات الفارسية في اللغة العربية للدكتور محمد ألتونجي. دار الأدهم للترجمة والنشر. دمشق 1988 غرائب اللغة العربية للأب رفائيل نخلة اليسوعي (المطبعة الكاثوليكية. بيروت -لبنان 1960). كتاب تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية للقس طوبيا العنيسي الحلبي (عني بنشره يوسف البستاني بمصر -1932م، ط2. كلام العرب للدكتور حسن ظاظا (م.س).
23-انظر: "تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل" ص96-97 للدكتور أحمد السعيد سليمان، دار المعارف بمصر 1979.
24-انظر: مجلة اللسان العربي (تصدر في الرباط)، المجلد العاشر: ج1/122.
25-مروج الذهب: 1/332-334، عن الموضع السابق.
26-الموضع السابق نفسه.
27-Albert Dauzat: Dictionnaire de la langue Francaise . LarOUsse. Paris 1938.
28-لسان العرب/ خطط، والحاشية 24، ص128 من المجلة المذكورة.
29-انظر: بندلي جوزي: بعض اصطلاحات يونانية في اللغة العربية. ص334 من مجلة مجمع اللغة العربية الملكي، الجزء الثالث - القاهرة عام 1936م.
30-مما لا شك فيه أن تسرّب الدخيل اليوناني إلى العربية استمرّ بقدر قليل عن طريق السريان الذين شهدت الحركة الثقافية العلمية نشاطهم في الترجمة والتعريب في بعض مراحل الخلافة العباسية.
31-انظر: معجم الألفاظ الهندية المعرّبة، ص130 من مجلة اللسان العربي، المجلد العاشر، الجزء الأول.
32-انظر: "الساميون ولغاتهم" ص161 للدكتور حسن ظاظا. دار المعارف بمصر 1971.
33-انظر: أثر العرب في الحضارة الأوروبية ص406، لجلال مظهر، دار الرائد، بيروت- لبنان 1967.
34-انظر: غرائب اللغة العربية ص277 (م.س).
35-نفسه ص278.
36-السابق نفسه. وانظر أيضاً: كلام العرب للدكتور ظاظا ص72.
37-الفاخر، للمفضل بن سلمة ص118-119، تحقيق عبد العليم الطحاوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1974. ولعلّ في قول حذيفة سقطاً تمامه: ..."بالرجل الذي فيه [قوة]؟.
38-ينظر: معجم الألفاظ التاريخية في العصر المملوكي. تأليف محمد أحمد دهمان، دار الفكر بدمشق 1990 (مرتب وفق تسلسل حروف الهجاء).
39-هذه الألفاظ مقتبسة من "معجم الألفاظ التاريخية" السابق ذكره.
40-لمزيد من التفصيل حول هذا المصطلح أو هذه التسمية ينظر "تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل" ص109-112 (م.س)
41-معجم الألفاظ التاريخية ص154.
42-وانظر: "الاشتقاق والتعريب" لعبد القادر المغربي ص24، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1947.
43-يطلق بعض المحدثين على مثل هذا التطور تسمية "التعابير المولّدة" وانظر أمثلة أخرى في كتاب "اللغة العربية كائن حي" لجرجي زيدان ص15 (ط. دار الهلال) وتاريخ اللغة العربية له نفسه ص80-102-103، دار الحداثة -بيروت 1980، ط1. وانظر خاصة "فقه اللغة المقارن" للدكتور إبراهيم السامرائي، الصفحات من 286-304، دار العلم للملايين- بيروت، ط2- 1978.
44-وانظر كتابنا "في فقه اللغة العربية" الصفحات: 202-203-215، منشورات جامعة دمشق 1995.
45-انظر: اللغة العربية كائن حي ص102-103.