تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مراجعة كتاب الآثار الكاملة لمجلة المنار عن جنوب شرق آسيا (1898- 1935م)



ابو ابراهيم
21-10-2009, 03:14 PM
مراجعة كتاب الآثار الكاملة لمجلة المنار عن جنوب شرق آسيا (1898- 1935م)
الفاتح عبدالله عبد السلام
تقديم وتحقيق وتعليق: أحمد إبراهيم أبو شوك

توطئة:
قام محمد رشيد رضا في العام 1315ﻫ/1898م بتأسيس مجلة المنار، وكان ذلك حدثاً صحافياً وفكرياً وعقائدياً هاماً للغاية، لأنه ظهر ليملأ فراغاً إصلاحياً سببه ضعف الصحافة الإسلامية التي وهنت بعد احتجاب مجلة العروة الوثقى عام 1301ﻫ/1884م. وكان ملء هذا الفراغ الصحافي يقتضي الدخول في حوار فكري مفتوح مع تيارين علمانيين شكَّلا عقلية القارئ العربي في تلك الحقبة. ويتزعم أحدهما نخبة من مثقفي الطائفة المارونية المسيحية، التي كان لها موقف معاد للإسلام ينبع من معاداتها للدولة العثمانية، ويتعاطف مع المدّ الاستعماري الأوروبي، ومعطيات الحداثة الغربية باعتبارها البديل الأمثل لإصلاح شأن الأمة العربية، وتحديث واقعها الراهن. وانطلاقاً من هذا المبدأ فقد استطاعت هذه النخبة أن تروّج لأفكارها، وبرامجها التحديثية عبر وسائط صحافية عربية نافذة مثل مجلة المقتطف لصاحبيها يعقوب صروف، وفارس نمر، وجريدة الأهرام للأخوين سليم تقلا، وبشارة تقلا، ومجلة الهلال لصاحبها جورجي زيدان. أما التيار الثاني فقادته مجموعة من المفكرين، والساسة المسلمين العرب الذين انبهروا بنهضة الغرب الأوروبي عندما قارنوها بتخلف النموذج العثماني، الذي حسبوه النموذج الإسلامي الأوحد، فظنوا أن الاستئناس بالنموذج الغربي هو المخرج الوحيد من الأزمة الخانقة التي يعاني منها الشرق الإسلامي. وكان في مقدمة هؤلاء أحمد لطفي السيد، ومنصور فهمي، وطه حسين.
وبين هذين التيارين العلمانيين، ومؤسساتهما الصحافية والإعلامية حاول المنار أن يصدع برسالة تجديدية إصلاحية، تستمد شرعيتها ومرجعيتها من ثوابت الوحي، وأدبيات السلف، وتسعى لتأسيس علاقة تجديدية بين تلك الثوابت الشرعية، وبين قيم الواقع الإنساني المتغيرة، وقد استند خطاب هذه العلاقة التجديدية إلى دعامتين:
تتمثل أولاهما في الاهتمام بالتربية والتعليم، ونشر المبادئ السلفية، وذلك استئناساً بمنهج الأستاذ محمد عبده الذي عوّل على الإصلاح الاجتماعي دون الانزلاق في هاوية العمل السياسي الذي كان محفوفاً بالمخاطر، ومعوِّقاً لأي نشاط إصلاحي هادف. ومن ثم كان اهتمام المنار منصباً نحو تسخير العقيدة والدين لمعالجة الواقع المادي وإشكالياته الاقتصادية، والمالية، والاجتماعية التي سادت ذلك العصر.
وتسعى ثانيتهما إلى توفير الحلول الشرعية العملية لإشكالات الأمة الإسلامية التي تأثرت بمعطيات الحداثة الأوربية، وبعض أدبيات تيار التقليد، ومحاكاة الموروث، الذي تدثر بتراث قرون التراجع والجمود، ووجد ضالته في مناهج المؤسسات التعليمية التقليدية، وتعاليم الطرق الصوفية التي استبدلت الشعوذة والخرافة بحقيقة التصوف الذي يقضي بتهذيب النفس وتشذيبها، وفتاوى النصوصيين التي عزلت النصوص عن مقاصدها الشرعية المبتغاة منها.
على هدي هذه الأهداف التجديدية، والمنطلقات الإصلاحية استطاع المنار أن يؤسس مدرسة فكرية تقوم على قواعد الإصلاح الإسلامي الجليل، وتسعى إلى التوفيق بين الإسلام، وبين حاجات العصر الحديث. وكانت أدبيات هذه المدرسة تنشر، وتسّوق على صفحات المنار الذي درج محمد رشيد رضا على تحرير معظم أبوابه، مع الاستئناس بتفسير القرآن الكريم للشيخ محمد عبده، وبعض آرائه الإصلاحية، وإفساح المجال لبعض المهتمين الذين تواضعوا على رفده بالمقالات، والبرقيات الإخبارية، والأسئلة المرتبطة بشؤون الناس الدينية والحياتية، وكان في مقدمة هؤلاء: مصطفى صادق الرافعي، ومصطفى لطفي المنفلوطي، وشكيب أرسلان، ورفيق العظم، ووصفي رضا، وعبد الرحمن الكواكبي، ومحمد توفيق صدقي، وشبلي النعماني، ومحمد عمران الملايوي. وكان جنوب شرق آسيا من أكثر المناطق الإسلامية خارج العالم العربي التي تأثرت بأدبيات هذه المدرسة الإصلاحية، لأن مجلة المنار استطاعت أن تجذب إلى دائرة اهتمامها نخبة من القراء والمشتركين والوكلاء الذين كانوا على صلة وثيقة بصاحبها، وذلك عن طريق الأسئلة والاستفسارات التي كانوا يبعثونها إليه في مقره في القاهرة، إضافة إلى المقالات والموضوعات التي تواضعوا على نشرها على صفحات المنار.

ابو ابراهيم
21-10-2009, 03:20 PM
أولاً: كيفية وصول المنار إلى إقليم جنوب شرق آسيا
عندما ظهر المنار رافعاً شعار محاربة البدع والخرافات، ومفنداً ما يثار من شبهات حول الإسلام، وكاشفا عن سوءات المستعمر الغربي في بلاد المسلمين، كان إقليم جنوب شرق آسيا المسلم يعيش حالة استقطاب فكري حاد بين تيارين متعارضين: أحدهما تقليدي، مذهبي يسعى إلى تمكين المذهب الشافعي، وما خالطه من عادات وتقاليد موروثة في تصريف شؤون الناس الحياتية، ويستأنس في ذات الوقت بأدبيات المدرسة الصوفية القائمة على زيارة القبور والأضرحة، والاعتقاد بكرامات الأولياء والصالحين وبركاتهم. أما التيار الثاني فقد كان تيارا نخبوياً، ينتشر نفوذه في أوساط الصفوة الوطنية المتعلمة، التي كانت مبهورة بقيم، وإنجازات الحضارة الغربية في الإصلاح والرقي، وتُشكك في أهلية الإسلام، وقدرته على حلّ مشكلات المسلمين، وقضاياهم الآنية في الإقليم. وبين هذين التيارين المتباعدين ظهر تيار ثالث ينادي بمحاربة المستعمر، وضرورة العودة إلى الإسلام القائم على ثوابت الشرع، وهدي السلف الصالح. إلا أن هذا التيار كان يفتقر إلى السند الشعبي، والتوجه الفكري النافذ لتحقيق أهدافه المنشودة، ووجد نشطاؤه ضالتهم في مجلة المنار، التي وثَّقت عرى ترابطها بالإقليم قبل أن يكتمل عامها الأول. ومع مرور الوقت استطاعت المجلة أن تجتذب، وبشكل تدريجي، إلى دائرة نشاطها التجديدي الإصلاحي كوكبةً من القراء والمشتركين، الذين درجوا على مراسلتها مستفسرين عن بعض القضايا المرتبطة بالبدع والخرافات، وأحياناً ناشرين على صفحات المنار بعض الأخبار التي تكشف عن واقع المسلمين في الإقليم، وتوضح جانباً من دسائس المؤسسات التنصيرية وسط المسلمين.
كانت مدرسة دار الدعوة والإرشاد التي أسسها الشيخ محمد رشيد رضا عام 1331ﻫ/1912م، بهدف تأهيل دعاة أكفاء يُبصّرون المسلمين بأمور دينهم، ويكونون بمثابة درع فكري في وجه النشاط التبشيري، من أهم القنوات التي أسهمت في نقل آراء المنار، وأفكاره الإصلاحية إلى إقليم جنوب شرق آسيا. وقد كان من أهم الأهداف التي نهضت بها هذه المؤسسة الوليدة تأهيل خريجيها ليكونوا صفوة مختارة من الذين هم في حاجة ماسة للعلم، كطلاب جنوب شرق آسيا، والصين، وإفريقيا جنوب الصحراء، وبالفعل التحق عدد من طلاب جنوب شرق آسيا بمدرسة دار الدعوة والإرشاد، ونهلوا من معينها. وبعد أن أكمل هؤلاء الطلاب تعليمهم بالمدرسة عادوا إلى أوطانهم وعاظاً في مجال الدعوة والإرشاد، ومعلمين في المدارس الإسلامية التي أُسست بمبادرات محلية، وامتهن بعضهم العمل الصحفي والإعلامي.
وبجانب الدور الذي قام به خريجو مدرسة الدعوة والإرشاد في بث تعاليم المنار في إقليم جنوب شرق آسيا، ساهم أيضاً في عملية البث والتنوير عددٌ من الطلاب الملايويين الذين تعرفوا على أدبيات المنار، وانبهروا بها، عندما كانوا يدرسون في رحاب المسجد الحرام، أو في الأزهر الشريف، وكان من أشهر هؤلاء الداعية والصحافي الملايوي طاهر جلال الدين الذي أصبح من قادة "قوم المنار" الذين كان يُشار إليهم بالبنان في النصف الأول من القرن العشرين. وبعد عودة هؤلاء الإحيائيين الجدد شهدت منطقة أرخبيل الملايو حضوراً متصاعداً لأنشطة "قوم المنار"، التي كانت تهدف إلى الارتقاء بعقيدة التوحيد، وتخليصها من الشوائب التي علقت بها بفعل عوام المتصوفة، ودعاة التقليد، الذين كانوا لا يتعاطفون البتة مع أي نوع من الإصلاح يتعارض مع واقعهم الاجتماعي، ومكانتهم الدينية في أوساط السواد الأعظم من السكان. ويبدو أن هذا التجاوب المتصاعد مع دعوة الإصلاح والإحياء قد حثّ الشيخ محمد رشيد رضا على تعيين وكيل دائم له في مدينة سنغافورة يكون مسؤولاً عن توزيع مجلة المنار بين القراء والمشتركين. ولا شك أن ذلك قد أسهم في توسيع دائرة انتشار المنار، والتعرف عن كثب على تعاليمه الإصلاحية التي كانت تنادي بنبذ البدع والخرافات، وتدعو إلى تحقيق توافق بين معطيات الحضارة الأوربية، وبين ثوابت الدين الإسلامي. ولا شك أن هذه المجموعة من القرّاء قد أسهمت في تقوية نفوذ "قوم المنار" في جنوب شرق آسيا لأنها استطاعت أن تكوِّن لنفسها قاعدة صلبة في أوساط الشبان المتحمسين لتعاليم الشيخين عبده ورضا. ومع مرور الوقت لعبت هذه المجموعة دوراً رائداً في بث تعاليم المنار في المنطقة عن طريق عدد من المؤسسات التعليمية، والجمعيات الخيرية التي أُنشئت لهذا الغرض.

ابو ابراهيم
21-10-2009, 03:22 PM
ثانياً: جنوب شرق آسيا على صفحات المنار
تُعد منطقة جنوب شرق آسيا من أهم المناطق خارج الدائرة العربية التي انداحت فيها تعاليم المنار، واستطاعت تلك النشرة أن تُحدث نقلة نوعية في عقلية الفرد المسلم، الرافضة للتجديد والإصلاح والمتعاطفة فقهياً مع موروثات المذهب الشافعي، والمتلاطفة وجدانياً مع بدع المتصوفة وخرافاتهم. إلى جانب ذلك وُجدت الاستراتيجية الاستعمارية التي كانت تقف سداً في وجه أي ضرب من ضروب الانتماءات الإسلامية التي يمكن أن تؤثر سلباً على وجودها السياسي، ومصالحها الإمبريالية. وفي ظل هذا الواقع المملوء بالتناقضات نشأ حوار إصلاحي متبادل بين صاحب المنار، وبين "قوم المنار" في جنوب شرق آسيا، تجسّدت فصوله ومشاهده في المحاور التالية:
1- الوجود الاستعماري والتنصير في جنوب شرق آسيا
كانت منطقة أرخبيل الملايو المسلم من أوائل المناطق التي خضعت للاستعمار الأوربي، الذي بدأت طلائعه بسيطرة البرتغاليين على مملكة ملَكَََا الإسلامية عام 917ﻫ/1511م، وتوطن نفوذه باستيلاء الهولنديين على الجزر الإندونيسية في القرن السابع عشر للميلاد، وتعاظمت مصالحه بتأسيس الإنجليز لشركة الهند الشرقية التي استطاعت أن تسيطر على مراكز تجارة التوابل، والحرير في المنطقة وتوابعها. ومنذ ذلك التاريخ أضحت المنطقة هدفاً لنزاعات القوى الأوربية الكبرى، التي حاولت السيطرة على الموارد الاقتصادية الهائلة للإقليم، مع العمل على طمس معالم هويته الإسلامية، ويبدو أن مسلمي الأرخبيل كانوا في حيرة من أمرهم في كيفية محاصرة هذا المد الاستعماري، لذا نجد بعضهم قد اتصل بصاحب المنار محاولاً الاستئناس برأيه في رفع ضيم المستعمر الأوربي عنهم. ووجدتْ بعض رسائلهم ومقالاتهم طريقها للنشر على صفحات المنار. ويتضح من فحوى الرسائل المتبادلة بين الجانبين أن صاحب المنار كان على تواصل مستمر مع " قوم المنار" في منطقة جنوب شرق آسيا، حاثاً إياهم على مناهضة المستعمر الأوربي بشتى الطرق المتاحة لهم.
أما القضية الأخرى التي شغلت حيزاً معتبراً على صفحات المنار، ووطَّنت لحوار هادف بين صاحب المنار، وبين الإحيائيين الجدد في أرخبيل الملايو فهي قضية التنصير، وما أحدثته من شروخ في البنية العقدية لمسلمي تلك المنطقة. وتبلورت استجابة صاحب المنار لنداءات واستغاثات مسلمي المنطقة في شكل نصح وإرشاد حاثاً إياهم على فتح المدارس الدينية التي تُؤسَس على منهج متكامل يوائم بين العلوم الإسلامية، وبين العلوم الحديثة، يسهم بدوره في تثقيف الناشئة بأمور دينهم، وشؤون دنياهم، ويجعلهم قادرين على مواجهة الأنشطة التنصيرية في مجتمعاتهم، ويحثهم في الوقت نفسه على تأسيس الجمعيات الإسلامية التي تستطيع أن تسهم في تمكين المبادىء السلفية القائمة على ترسيخ عقيدة التوحيد، ومحاربة البدع والخرافات. ويبدو أن هذه النصائح المتكررة قد وجدت قبولاً في أوساط الأهلين، حتى إن تفسير المنار قد تُرجم إلى الملايوية.
2- فتاوى المنار في جنوب شرق آسيا
إن إمعان النظر في جملة الفتاوى التي نُشرت رداً على الأسئلة والاستفسارات التي وردت إلى المنار من قرائها في جنوب شرق آسيا توضح أنها زاوجت بين مقاصد الشريعة الإسلامية، وبين القضايا المعاصرة في مجال العبادات والمعاملات، والمسائل الطارئة بفعل إفرازات الحداثة الأوربية. وشملت هذه الفتاوى قضايا متنوعة مثل إعطاء الزكاة والصدقة للشرفاء ومعاملتهم، وكيفية التصرف في الأوقاف الدينية، وأدبيات الطرق الصوفية المتمثلة في كرامات الأولياء والصالحين والتوسل بهم، وزيارة القبور وتجصيصها، وإشكالات المعاملات المالية الحديثة المرتبطة بالأعمال البنكية، والشركات التجارية، والفوائد الربوية، وقضايا الأسرة الخاصة بالزواج والطلاق، والميراث، وحضانة الأبناء، ومسائل الفن المتعلقة بالغناء، والتصوير والتمثيل، وسماع الموسيقى، وشرعية التعامل مع المخترعات الحديثة واستعمالها، وموضوعات أخرى متعددة عن الفرق الدينية، والمذاهب الفقهية، والخمر، والتبغ، والشطرنج، واليانصيب، واللباس الإفرنجي، والعلم والعلماء، واللغة العربية، وكيفية التعامل مع غير المسلمين. وباستعراض الفتاوى والتعليقات التي قدّمها الشيخ محمد رشيد رضا رداً على المسائل والأسئلة التي وردت عليه من منطقة جنوب شرق آسيا يتضح أنه كان يعتني عناية بالغة بالنصوص، والمرويات، والأسانيد قبل أن يرجح استعمال العقل، والاجتهاد الشخصي، ولا يقر بالاجتهاد الشخصي إلا بعد تأكده الجازم من عدم وجود نص قطعي في الكتاب، أو السنة، أو أثر من آثار السلف يُعتمد عليه في تقرير الحكم.
والواقع أن هذه الحيطة الشديدة أثّرت سلباً على قيمة بعض الفتاوى التي أصدرها الشيخ رضا، وبخاصة تلك المرتبطة بالمسائل العصرية، التي لم يصدر بشأنها حكمٌ واضح في المدونات الفقهية القديمة، مثل فتواه عن شرعية استخدام جهاز التصوير الشمسي، ووضع الصور الفوتوغرافية، أو اليدوية على جدران البيوت. حيث جنح صاحب المنار إلى تحريم التصوير الشمسي، واستعمال الآلة الشمسية الفوتوغرافية بحجة أن هذا الأمر يقوم على ذريعة تؤدي إلى الشرك دون اعتبار تبدل الظرف الزماني والمكاني الذي أحاط بمقصد النص الشرعي، أو تقدير لفوائد التصوير الفوتوغرافي في حقل العلوم والدراسات الحديثة. وفي ذلك اعتماد مفرط على المنقول، وتحكيم النصوص، والأسانيد دون تفعيل عقلاني لمبدأ الجمع بين القراءتين.
3- المنار وحضارمة جنوب شرق آسيا
يتشكل الهرم الاجتماعي للجالية الحضرمية في جنوب شرق آسيا من طبقتين رئيستين: طبقة السادة العلويين، وطبقة الحضارمة غير العلويين، ويُقصد بالسادة العلويين الحضارمة آل علوي بن عبيد الله بن الإمام المهاجر، الذين يرفعون نسبهم إلى سبط الرسول  الحسين بن علي بن أبي طالب، وهم مجموعة أسر ذائعة الشهرة العلمية والسياسية والاجتماعية في جنوب شرق آسيا. وبفضل خصوصية انتسابهم إلى الرسول  أصبحوا يمثلون طبقة أرستقراطية في الإقليم، لها مقام محمود يسمو على مقامات الأولياء والحكام. كانت علاقة المنار بهذه المجموعات الحضرمية المهاجرة في جنوب شرق آسيا في جوهرها علاقة إصلاحية، تسعى إلى إعادة صياغة التركيبة الاجتماعية الموروثة، وتوزيع الأدوار الدينية وفق معايير تجديدية لا تقوم على خصوصية نَسبية، أو جاه ديني موروث، ومن هنا نشأ التعارض الذي ولّد خصومة بين صاحب المنار، وبين دعاة التقليد في أوساط السادة العلويين الحضارمة الذين اعتبروا دعوة المنار الإحيائية نشازاً لا يتفق مع واقعهم الموروث. وكانت أم القضايا التي أشعلت نار الخصومة بين السادة العلويين، وبين صاحب المنار هي قضية المساواة الشرعية بين المسلمين، لأن معظم السادة العلويين كانوا يرفضون مبدأ المساواة، ويترفعون عن بقية الشعوب، والأجناس المسلمة بحجة سمو كفاءتهم النَسبية إلى الرسول . وتبلورت هذه الخصومة بين صاحب المنار، وبين السادة العلويين في ميلاد حركة إصلاحية جديدة في أوساط الحضارمة أثبتت قدرتها على التعاطي المتبصر مع أدبيات صاحب المنار، والتفاعل معها عبر آليات إصلاحية مكّنتها من صياغة البنية التحتية للمجتمع الحضرمي في جنوب شرق آسيا.
والناظر في حيثيات هذا التراشق الفكري يلحظ أن المجتمع الحضرمي في أرخبيل الملايو قد انقسم إلى اتجاهين فكريين متعارضين، أحدهما يتزعمه الإصلاحيون، ومن خلفهم صاحب المنار، والآخر يتزعمه السادة العلويون، ومنْ شايعهم من دعاة التقليد والجمود.

ابو ابراهيم
21-10-2009, 03:24 PM
ثالثاً: تأثير المنار الفكري والثقافي في جنوب شرق آسيا
هنالك سمات عامة للتأثير الفكري والثقافي الذي أحدثته مجلة المنار في جنوب شرق آسيا، تبدّت في عدد من المؤسسات الإصلاحية والصحافية التي سارت على نهج صاحب المنار، وسعت إلى ترسيخ قيم رسالته الإصلاحية بين قطاعات المجتمع المختلفة. ويمكن تلخيص هذه المؤسسات الإصلاحية على الوجه التالي:
الجمعيات الإصلاحية ومؤسسات الإرشاد والدعوة
انتشرت تعاليم المنار، وتجذّرت أولاً في أوساط القطاعات المستنيرة من شباب السادة العلويين الحضارمة في سنغافورة، الذين وجدوا ضالتهم في خطابها الإصلاحي المناهض لموروثات قادتهم التقليدية، واشتهر بعض هؤلاء بأبحاثهم الجريئة التي وجدت طريقها للنشر، في بعض الصحف المصرية مناديةً إلى الإصلاح الاجتماعي والتعليمي، وناقدةً للبدع والخرافات التي كانت شائعة في أوساط آبائهم العلويين ومنْ شايعهم، وداعيةً العامة إلى اتباع تعاليم صاحب المنار محمد رشيد رضا، والشيخ محمد عبده، والداعية جمال الدين الأفغاني، وشيخ الإسلام ابن تيمية.
ومع مطلع القرن العشرين انتقل مركز ثقل هذه الحركة الإصلاحية الناشئة من سنغافورة إلى إندونيسيا، حيث أخذت شكلها المؤسسي في "جمعية خير" التي أنشأها نفرٌ من السادة العلويين عام 1319ﻫ/1901م، وبينوا أن هدفها الأساس هو إعانة الفقراء، وتعليم أبناء الحضارمة. حيث قامت الجمعية بتأسيس مدرسة إعدادية عام 1327ﻫ/1909م، واستقدموا من الحجاز الأستاذ أحمد محمد سوركتي السوداني، وصاحبيه محمد الطيب المغربي، ومحمد عبد الحميد السوداني. وبمجيء هذه الفئة من المعلمين شهدت مدارس "جمعية خير" طفرة نوعية في مناهجها الأكاديمية، وأساليب التدريس فيها، حيث اهتمت بتدريس اللغة العربية، ومبادىء الفقه، وبعض العلوم العقلية، وسعت إلى غرس روح المساواة بين الطلاب، والمثابرة في تحصيل العلم بشقيه الديني والمدني.
ورغم العوائق والعراقيل نجح الشيخ سوركتي في إقامة تحالف مع جناح من الحضارمة الناقمين على السادة العلويين، وبفضل هذا التحالف استطاع أن يؤسس "جمعية الإصلاح والإرشاد العربية" عام 1333ﻫ/1914م. واستطاعت الجمعية أن تتوسع أفقياً بإنشاء فروع مماثلة لها في الأمصار والأقاليم، وألحق بكل فرع منها مدرسة إعدادية لتعليم الناشئة علوم القرآن، والحديث، واللغة العربية، والعقائد، والفقه، والتفسير، وبعض العلوم العقلية مثل الكتابة والحساب والتاريخ والجغرافيا والمنطق، وبعض اللغات الأوربية مثل الإنكليزية والهولندية.
المنابر الصحفية
يُقصد بالمنابر الصحفية المجلات والصحف التي أُسست في جنوب شرق آسيا لبث تعاليم المنار ونشرها بين قطاعات المجتمع المختلفة. وكانت مجلة "الإمام" السنغافورية، والتي صدر عددها الأول عام 1324ﻫ/1906م هي أول مجلة شهرية أُسست لتحقيق هذه الغاية. وأشرف على المجلة نخبة من دعاة الإصلاح الذين اشتهروا بصلتهم الوثيقة بصاحب المنار. وكان كثيراً من مقالات المنار، ومباحثه تُقتبس وتُترجم إلى اللغة الملايوية، ثم يُعاد نشرها على صفحات مجلة الإمام. ولكن أزمة مالية خانقة عصفت بالمجلة، وأدت إلى احتجابها في عام 1326ﻫ/1908م. وبعد ثلاثة أعوام من احتجاب مجلة الإمام، صدرت مجلة "المنير" الملايوية في مدينة بادانق جنوب سومطرا، وكان ناشرها وصاحب امتيازها الحاج عبد الله أحمد، أحد قرّاء المنار، وكتابها المعروفين في المنطقة. إلا أن عطاء هذه المجلة لم يدم طويلاً حيث احتجبت عن قرائها عام 1335ﻫ/1916م بسبب العجز المالي.
أما المجلة الثالثة التي اقتفت أثر المنار، وسارت على نهجه التجديدي - الإصلاحي فهي مجلة "الذخيرة الإسلامية"، التي أسسها صاحب الامتياز أحمد السوركتي عام 1342ﻫ/1923م بمدينة جاكرتا باللغتين العربية، والملايوية. لكن المجلة توقفت كسابقتيها عن الصدور بعد صدور الجزء العاشر من مجلدها الأول عام 1342ﻫ/1923م.
وإلى جانب هذه المجلات الثلاث صدرت مجموعة من المجلات والصحف التي أصدرتها بعض الجمعيات الإصلاحية المتأثرة بمدرسة المنار، ولكن هذه الإصدارات كانت أقل شهرة وانتشاراً في المنطقة إذا ما قورنت بالمجلات الثلاث السابق ذكرها، ونذكر منها مجلة " نجم الإسلام" ومجلة " لواء الإسلام" ومجلة "اللسان الإسلامي"، وكل هذه الإصدارات كانت تدور في فلك إيديولوجية المنار التي كانت تنادي بالعودة إلى الإسلام السني، وتحكيم الشريعة في كافة مظاهر حياة المسلمين دون فصل بين الشعائر التعبدية، وبين قضايا المعاملات المدنية والسياسية، وبإعادة الحكم الخلافي السنيّ في نطاق الجامعة الإسلامية، ومناهضة كل النعرات القائمة على أساس إقليمي ضيق، ثم الدعوة إلى نشر التعليم الديني، واللغة العربية مع استصحاب بعض العلوم التطبيقية والإنسانية التي يمكن أن تُسهم في رقي الأمة الإسلامية، ونهضتها.

ابو ابراهيم
21-10-2009, 03:26 PM
رابعاً: تفسير المنار في جنوب شرق آسيا
كان تفسير المنار بمثابة القاعدة التي استند إليها محمد رشيد رضا في تعضيد آرائه الفقهية والسياسية والاجتماعية، وفي تفنيد دعاوى خصوم الإصلاح والتجديد، الذين كانوا يشككون دوماً في منطلقات دعوة المنار الإصلاحية، ويعضدون آراءهم وحججهم بالرجوع إلى التفاسير القرآنية المأثورة. والأمر الآخر أن تفسير المنار قد أفلح في دفع الإصلاحيين الجدد في إقليم جنوب شرق آسيا إلى رفض فكرة هيمنة التفاسير القديمة. وبهذه الكيفية أضحى تفسير المنار بمثابة الأنموذج لكثير من التفاسير الملايوية، والتي اقتفت أثره شكلاً ومضموناً. ومن أشهر هذه التفاسير تفسير الشيخ مصطفى عبد الرحمن محمود الذي جمع بين التفسير بالمأثور، والتفسير بالرأي، ودرج على الاستئناس بتفسير المنار، وتفسير المراغي، وتفسير محمود شلتوت، ثم وظّف حصيلة هذا الاستئناس في مجاهداته ضد العادات، والتقاليد الملايوية المخالفة لروح الشرع.

ابو ابراهيم
21-10-2009, 03:28 PM
خامساً: أهمية المنار في جنوب شرق آسيا
استطاع المنار أن يُحدث تواصلاً ثقافياً، وتأثيراً فكرياً في إقليم جنوب شرق آسيا، تجلت معالمهما في عدة محاور. أول هذه المحاور دعوة الإصلاحيين الجدد في جنوب شرق آسيا إلى قيم معرفية جديدة، مفادها أن الوحي المقدس هو ينبوع المعرفة الكاملة بجميع ألوانها وفنونها، وأساس المجتمع الفاضل الذي لا يُفصل فيه بين الدين والسياسة، ولا يُسعى فيه لإحداث قطيعة بين العقيدة والعلم. وعلى هدي هذه الدعوة بدأ "قوم المنار" يشككون في صدقية تراث المقلدين، والمتصوفة، ذلك التراث الذي تواضع عليه سادتهم وكبراؤهم منذ أمد بعيد، تعللاً بأنه تراث مخالف لثوابت القرآن والسنة، وقادح في دينامية الفقه الاجتهادي التي يمكن من خلالها أن يتجاوز المسلمون حاجز القطيعة المصطنعة بين النص الديني، وبين شؤون الناس الحياتية. بيد أن هذا التشكيك قد قاد إلى انشطار العقلية الفقهية في إقليم جنوب شرق آسيا إلى تيارين متخاصمين: أحدهما نخبوي يقوده الإصلاحيون الجدد الذين اشتهروا ب-"قوم مودا"، وثانيهما تيار جماهيري يقوده المتصوفة، ومقلدو المذهب الشافعي الذين عُرفوا ب- " قوم توا".
المحور الثاني تبدّى في أن التجاوب الإيجابي مع مجلة المنار، ورسالتها الإصلاحية
قد أسهم في بزوغ الصحافة الإسلامية في جنوب شرق آسيا التي يُقدَّر عدد
إصداراتها بخمسين صحيفة، وبعشرات المجلات التي صدر معظمها في فترة ما بين الحربين (1333ﻫ/1914م - 1365ﻫ/1945م)، وتتجلى أهمية محتويات هذه الوسائط الصحافية في أنها تكشف النقاب عن الدور الذي اضطلع به قوم المنار في جنوب
شرق آسيا بصفتهم قادة حركة الإصلاح والتجديد التي تشكّلت ثوابتها حول إحياء التراث الإسلامي القائم على ثوابت الكتاب والسنة، ومحاربة البدع والخرافات والشعوذة، وتشجيعاً للتعليم مع مجاهدة الأنشطة التنصيرية، والوجود الاستعماري في الإقليم.
المحور الثالث: تبلور في حقيقة أن المنار قد تمكن من شحذ عقلية "قوم مودا" بقضية الانفتاح على الثقافة العصرية الأوربية، والاستفادة منها في تجاوز القطيعة القائمة بين قيم المسلمين الموروثة، وبين متطلبات الحداثة الأوربية، إلا أن دعوة الانفتاح كانت متناقضة في ذاتها، لأن صاحب المنار حاول من جهة أن يحث أنصاره من الإصلاحيين الجدد في جنوب شرق آسيا على تطعيم الثقافة الإسلامية ببعض العلوم والمعارف العصرية المزدهرة في الغرب مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء والطب، ومن جهة ثانية حاول أن يقدح في قيم الحضارة الغربية، ويصفها بالمادية والإلحاد والتقابلية، وعدم التوافق مع ثوابت الحضارة الإسلامية. ويبدو أن هذا التأرجح بين هذين الموقفين قد خلَّف نوعاً من الرؤية الضبابية في عقلية الإصلاحيين الجدد في الإقليم، فالذين تمسكوا بالجانب الإحيائي لدعوة المنار نأوا بأنفسهم عن قضية التواصل مع الحضارة الأوربية، ثم ركزوا جهودهم على إحياء تراث السلف باعتباره السبيل الأمثل للنهوض بالأمة الإسلامية، وأما الذين زاوجوا بين الجانب الإحيائي، والاستئناس بمنجزات الحضارة الأوربية فقد كانت تنقصهم الرؤية المعرفية الكاملة لمعرفة طبيعة القيم التي تحكم مسارات الثابت، والمتغير في الحضارة الغربية.

ابو ابراهيم
21-10-2009, 03:29 PM
سادساً: منهج تحقيق الكتاب وتبويب موضوعاته وتحقيق نصوصه
في تحقيقه وتعليقه على الكتاب اتبع أحمد إبراهيم أبو شوك منهجاً صارماً، ودقيقاً في جمع المادة وتبويبها، وفق قراءة تجمع بين الوحدة الموضوعية، والترتيب الزمني للقضايا والتساؤلات والفتاوى والتعليقات التي طُرحت على صفحات المنار بشأن واقع المسلمين في جنوب شرق آسيا، وكيفية معالجتها من حيث الترتيب الزمني والموضوعي مع الأخذ بعين الاعتبار أنها نُشرت منجّمة في أعداد مفرّقة، ومقامات مختلفة.
قام محقق الكتاب بتبويب الموضوعات الخاصة بجنوب شرق آسيا على نسق جديد يلتزم بوحدة الموضوع، والترتيب الزمني ما أمكن لأن كثيراً من المقالات والأسئلة والفتاوى والتعليقات الصادرة بشأن القضايا المثارة جاءت منجمة أو مكررة أحياناً. ولتسهيل مهمة القارىء آثر المحقق حصرها في عشرة فصول رئيسة.
يحوي الفصل الأول عدداً من الأسئلة والفتاوى الخاصة بقضايا العبادات. ويتناول الفصل الثاني جملة الأسئلة، والتعليقات، والفتاوى المرتبطة بقضايا المعاملات المدنية، والمالية التي أفرزتها أدبيات الاقتصاد الرأسمالي، وثقافة المستعمر الغربي في جنوب شرق آسيا. ويدور محور الفصل الثالث حول التساؤلات، والتعليقات، والفتاوى الخاصة بقضايا الأسرة وتقاليد المجتمع. ويحوي الفصل الرابع جملة من الأسئلة، والفتاوى، والتعليقات المتعلقة بالتصوف، وأدبيات المتصوفة في الإقليم. ويشمل الفصل الخامس عدداً من المقالات، والتعليقات المتصلة بسياسات الاستعمار الغربي، وحركات التنصير المسيحي في الإقليم. ويتناول الفصل السادس الاستفسارات، والفتاوى، والتعليقات التي طُرحت بشأن شرعية الفن والمخترعات الحديثة. ويتطرق الفصل السابع إلى قضايا العلم والعلماء في شكل حوار فكري، ومساجلة بين دعاة الإصلاح والتجديد، وبين أنصار التقليد والمحاكاة. ويتطرق الفصل الثامن إلى المسائل المرتبطة بأدبيات الإصلاح والتقليد في الإقليم. ويستعرض الفصل التاسع القضايا المرتبطة بوضع العرب الحضارمة في الإقليم. وأما الفصل العاشر والأخير فيحوي جملة الأسئلة، والفتاوى، والتعليقات المتنوعة التي تهتم بالشأن الإسلامي في الإقليم.
فيما يختص بتحقيق النصوص اعتمد الباحث في تقويم النصوص الخاصة بجنوب شرق آسيا، وتحقيقها على الطبعة الثانية للمجلد الأول التي صدرت عن مطبعة المنار عام 1327ه-، والطبعة الأولى للمجلدات الأخرى حسب تسلسلها الزمني، كما قام بمهمة التثبت من صحة الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والنصوص المقتبسة بعد الرجوع إلى مصادرها، حيث أبان موضع كل آية، ومصدر كل حديث، ونص مقتبس، في الحواشي التوضيحية المصاحبة للنص، ويُحمد للمحقق أنه قام بمعالجة معظم الأخطاء اللغوية الناتجة عن التحريف أو التصحيف، أو الزيادة، أو السقط، وأشار إلى ذلك في الحواشي وعلّق عليها.
قام المحقق بترتيب مادة كتابه في مجلدين زادا في مجموع صفحاتهما على الألف صفحة من القطع المتوسط، في عشرة فصول رئيسة حسب الموضوع. ولم يكتف بذلك بل أضاف لكل فصل أو بند العنوانَ الذي يناسب المادة الواردة بين دفتيه، ثم قام بوضع كل عنوان مضاف بين معكوفتين متقابلتين.
قام المحقق بالتصرف في نقل عدد من البنود التي اقتضى السياق الموضوعي إعادة تبويبها، وتحويلها من فصل إلى آخر، وقد أشار إلى كل تصرف مثل هذا في موضعه. ثم قام بوضع رقم كل صفحة من صفحات النصوص الأصلية بين معكوفتين متقابلتين، وفي بداية الكلمة التي تبدأ عندها الصفحة المعنية.
وللحفاظ على روح النصوص الأصلية، وطبيعة الظرف الزمني، والمكاني التي أحاط بها، فقد قام المحقق بوضع الملحق خاص، راعى فيه الترتيب الزمني الذي تسلسلت عبره هذه النصوص على صفحات المنار. وبهذا التسلسل يكون المحقق المثابر قد حافظ على وحدة الموضوع، والترتيب الزمني في آن واحد. ودلالة ذلك أن القارىء يستطيع متابعة التسلسل الموضوعي لمادة الكتاب بيسر وسهولة من خلال فصوله العشرة، كما يستطيع أيضاً أن يحلل موضوعات المجلدين في إطار الظرف الزمني الذي تخلّقت وتشكّلت فيه.
وأخيراً، إن هذه المراجعة لا تُغني عن قراءة هذا السفر القيم، وتدبّر ما سلكه محققه من منهاج، بل نزعم أن فهم وضع المسلمين في أرخبيل الملايو، ودور علمائهم، ومثقفيهم في إثراء الحوار الفكري الجاد حول القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شغلتهم آنذاك، لا يتأتى بشكل كامل إلا بالقراءة الفاحصة، والمتعمقة لهذا الكتاب المتميز. ويبقى تحقيق أحمد إبراهيم أبو شوك للآثار الكاملة لمجلة المنار عن إقليم جنوب شرق آسيا إضافة متميزة للمكتبة العربية الإسلامية.