فؤاد طرابلسي
03-11-2009, 12:31 AM
سات: أضواء جديدة على سيرة طاهر الحسيني أضواء جديدة على سيرة طاهر الحسيني
مفتي القدس الشريف
بشير بركات
مستخلص
تعد سجلات المحكمة القدسية والمخطوطات المحفوظة في مكتبات القدس العامة والخاصة من أهم المصادر الأولية في ترجمة مشاهير القدس في العهد العثماني• سنوضح بعض الأمور الهامة عن شخصية محمد طاهر بن عبد الصمد الحسيني (ت 1282 هـ 1866/ م) ونقدم معلومات جديدة عنه لم تنشر في كتب التراجم بعد•
حياته
بعد أن تلقى محمد طاهر مبادىء العلوم الشرعية في القدس سافر في صباه إلى القاهرة طلباً للمزيد من العلم على أيدي كبار علماء الجامع الأزهر•
وقد أجازوه ببعض العلوم الشرعية والصوفية، ومنهم الشيخ محمد بن محمد بن عبد المولى المغربي، حيث أجاز محمد طاهر في الطريقة الصوفية الأحمدية عام 1223 هـ 1808م• كما أجازه الشيخ أحمد بن محمد الطحطاوي في الفقه الحنفي والحديث الشريف•
وبعد عودته إلى القدس تولى محمد طاهر إفتاء الحنفية عام 1224 هـ 1809م خلفاً لعمه حسن بن عبد اللطيف، واحتفظ بهذا المنصب عشرات السنين سوى فترات متقطعة• كما استمرت علاقته مع أساتذته السابقين في الأزهر، ومنهم الشيخ حسن العطار الذي زاره في بيته وفق ما ورد في النص التالي الذي وجدته مكتوباً بخط العطار في نهاية رسالة (الإسعاد في تحقيق بانت سعاد) لمحمد البديري في أحد مجاميع مكتبة دار إسعاف النشاشيبي:
(الحمد لله• قوبل هذا الشرح الشريف المنسوب لخاتمة المحققين الشيخ محمد بدير المقدسي وكانت تلك المقابلة مع كاتب الحروف الفقير حسن بن محمد العطار••• والعمدة الفاضل الشيخ عبد الله مفتي غزة القدس الشريف بمكان مالك الكتاب الفاضل المحقق السيد محمد طاهر أفندي مفتي القدش الشريف ووافق إتمام المقابلة عصر يوم الثلاثاء السابع من شهر ذي القعدة الحرام من شهور عام 1224)•
وفي عام 1227هـ 1812م عين محمد طاهر في وظيفة قراءة صحيح البخاري في مسجد قبة الصخرة• كما أجازه الشيخ عبد الله بن حجازي الشرقاوي الشافعي في العام نفسه بثبته وبفقه الإمام أبي حنيفة وأبى أن يجيز غيره بذلك• وقد كتب الشرقاوي إجازته على الورقة الأولى من رسالة في أسانيده، وجاء فيها (أما بعد فقد أجزت العلامة الفاضل والإمام الكامل اللوذعي الشهير••• بجميع ما تضمنه هذا الثبت وبغيره وأجزته أيضاً بفقه الإمام أبي حنيفة••• وأجزته أن يجيز غيره بذلك ممن يكون أهلاً لما هنالك)•
وعندما احتل إبراهيم باشا بلاد الشام، تضجر الناس من سياساته إلى أن نشبت ثورة عليه عام 1250 هـ 1834/م، وكان مركزها القدس• لكنها فشلت فنفي محمد طاهر مع كثير من أعيان القدس إلى مصر بحجة المشاركة في الثورة والتحريض عليها• ثم سمح له بالعودة إلى القدس عام 1252هـ 1837/م• وخلال فترة غيابه شغل ابنه مصطفى وظيفة المفتي بالوكالة•
وبعد عودة الحكم العثماني إلى المنطقة سافر محمد طاهر إلى استانبول، حيث توثقت علاقته بشيخ الإسلام عارف حكمت وغيره من العلماء والوزراء وأصروا على بقائه في الأستانة للاستفادة من علمه•
وفي عام 1280هـ 1864/م بنى محمد طاهر منزلاً في حي الحسينية في واد الجوز عرف فيما بعد بقصر المفتي، وقام حفيده محمد طاهر بن مصطفى بتوسيعه عام 1312هـ 1894/م• وقد أصبح مقراً لنادي الخريجين عام 1386هـ 1966/م•
مكتبته
وكغيره من علماء الشرع في العهد العثماني جمع محمد طاهر خلال حياته عشرات الكتب المخطوطة• وقد تم الاحتفاظ بها في قصر المفتي حتى نشوب حرب عام 1387هـ1967/م• وقد أخبرني الأستاذ سعيد إبراهيم الحسيني أنه نقلها إلى منزله بعد الحرب حرصاً عليها، ثم سلمها إلى الدكتور إسحاق موسى الحسيني، حيث تبرع بها الأخير إلى مكتبة دار إسعاف النشاشيبي•
وهكذا اختلطت مخطوطات محمد طاهر مع غيرها من المخطوطات التي كانت بحوزة الدكتور إسحاق والتي آلت جميعها إلى دار إسعاف النشاشيبي، وبالتالي لم نعد نتمكن من تحديد عددها• إلا أنني رصدت المخطوطات التي عليها تمليكات باسمه فكان عددها 21 مخطوطاً، من بينها ثلاثة نسخها بخط يده، وتدور موضوعاتها بالدرجة الأولى حول الفقه ثم التصوف والعقيدة واللغة العربية والشعر والحديث الشريف والآداب الشرعية والمنطق•
كتابه إلى والي دمشق
لقد شاركت دار إسعاف النشاشيبي للثقافة والفنون في يوم الوثيقة العربية المنعقد في 2001/10/17 في دمشق، حيث قدمت الدار وثيقتين مقدستين، كانت إحداهما رسالة عثرت عليها ضمن مجموعة أوراق هند طاهر الحسيني، مؤسسة دار الطفل العربي في القدس المتوفية عام 1414هـ 1994/م• وكان جدها الثالث محمد طاهر قد حرر تلك الرسالة إلى والي دمشق بخصوص التوسط لديه في قضية أحد موظفي الدولة• فهند هي ابنة طاهر بن شكري بن موسى بن طاهر بن عبد الصمد•
تتعلق الرسالة بموظف يدعى محمد رشيد بن عمر النابلسي (ت 1316هـ 1898/م)• وهو من أحفاد الشيخ الصوفي الشهير عبد الغني بن إسماعيل النابلسي (ت 1143هـ 1731/م)• وكان محمد رشيد قد عين في عام 1260هـ 1844/م كاتباً في كبرى محاكم دمشق، وهي المحكمة البزورية• ثم ترقى إلى منصب رئيس كتّابها•
ولسبب لانعرفه عزله والي دمشق من منصبه• ولما بلغ الخبر إلى محمد طاهر الحسيني كتب إلى الوالي يستعطفه ليعيد محمد رشيد إلى وظيفته، وإذا تعذر ذلك فليعينه في وظيفة أخرى•
وترشدنا الرسالة إلى أن إسناد المناصب في العهد العثماني كان يعتمد على الانتماء إلى العائلات الأرستقراطية والمحسوبيات بالدرجة الأولى، فيما كانت المؤهلات والكفاءات تلعب دوراً ثانوياً•
(أدام الله تعالى وجوده الشريف ـ ولي الموالي العظام بدر سماء كوكبها الضيآن، وفي الهمم معالي شيم أفندم فضليتو أفندي•
غب عرض واجب التحيات السنية، وجواهر لطائف التسليمات البهية، وخالص مزيد الأشواق والدعوات الخيرية، بدوام بقائكم الشريف ومزيد الالتقاء بكم، لازالت أوقات دولتكم مسربلة بالعز والسرور، مقرونة بالعناية والسعد الأغر المشكور، ولا برحت معالي هممكم السنية شامخة، وأركان دولتكم بالمهابة والصيانة سائغة، آمين بحرمة سيد المرسلين وحبيب رب العالمين• وهذا وإن الباعث لرقم عريضة الأدعية الخيرية أولا مجرد الاستفسار عن شريف خاطركم الكريم، وثانياً بما أنه ببحر هذه المدة ما حظينا من نحو دولتكم بكتاب به يصير وقوفنا على صحة سعادتكم، سوى بالسؤال من الواردين الحامدين الشاكرين لأفضالكم وحسن كرم عطوفتكم، فحمدناه تعالى على ما أولاكم به من التوفيق المحمود والبر المشكور المعهود• ثم ونعرض لسعادتكم أن جناب مولانا عين الأفاضل الكرام السيد محمد رشيد أفندي النابلسي الدمشقي سلالة عمدة العارفين القطب الكامل العارف بالله تعالى حضرة الأستاذ الأعظم سيدي الشيخ عبد الغني النابلسي قدس الله تعالى سره العزيز، فالأفندي المومى إليه كان مقرراً في رئاسة كتابة محكمة البزورية من طرف سعادة سلطانم الحاج عبد الله بيك زادة المعظم بموجب تقرير بيده من دولته السنية، واستمر مدة وهو قائم بوظيفة الخدمة المذكورة، والآن بلغنا أنه عزل عنها بدون جنحة وبقي مكسور الخاطر مع أنه كما بلغنا عنه ونعهده رجل ذو ديانة وأمانة ودراية وفطانة• بناء على ذلك واحتراماً لجده الأستاذ قدس سره حررنا أسطر الأدعية الخيرية لعنايتكم السنية لأجل احترام جده أن يكون مشمولاً بأنظاركم الشريفة بإرجاعه لوظيفته المقرر بها لكي يكون من طرف سعادتكم مجبور الخاطر خصوصاً وأن سائر أهالي الشام••؟؟؟؟• كما قد صار ذلك مسموعاً لسعادة دولته أفندياً ولي النعم المعظم أدام الله تعالى أيام دولته العلية بحرمة خير البرية، فاحتراماً لجده نؤمل ونرجو جبر خاطره برجوعه لوظيفته المرموقة كأمثاله واغتنموا دعائه ودعاء عياله إذ سعادتكم ترغبون عمار البيوت القديمة، خصوصاً مثل هذه السلسلة الطاهرة الصالحة• وإذا ما أمكن إرجاعه لوظيفته المذكورة نرجو ثم نرجو وضعه في محكمة بايكم الشريف بتقرير وظيفة تليق بجنابه• ويكون ثواب ذلك مدروجاً في صحيفة دولتكم، نسأله تعالى أن يديم وجودكم ويحفكم بعين عنايته الأبدية وأن يمدكم بأنظار جده القطب العارف حضرة الأستاذ الأعظم والملاذ الأفخم سيدي الشيخ عبد الغني النابلسي قدس الله تعالى سره العزيز أينما كنتم وحيثما توجهتم سفراً وحضرا وبكل حال جبرا لخاطره ورعاية لجده، وتكرماً بقبول رجاء هذا الداعي نؤمل ونرجو قبل خروجكم من محروسة الشام يصدر أمركم الكريم بتقريره بوظيفته الأولى أو غيرها في محكمة بايكم الكريم إن لم يمكن رجوعه لها، وبذلك تصيّرونا ممنونين الأفضال فلا زلتم منهلاً للواردين وملجأ للقاصدين• نرجو من كرم الله تعالى أن يزيد مراقي عنايتكم، ورفقه مجد دولتكم، بحرمة النبي الأعظم والشفيع الأفخم صلى الله تعالى عليه وسلم، والله تعالى يديم وجودكم أفندم•
21 جمادى سنة 66، الداعي محمد طاهر الحسيني مفتي القدس الشريف سابقاً)•
ولكن بقاء الرسالة في حوزة المفتي وذريته حتى يومنا هذا يشير إلى أنها لم ترسل إلى والي دمشق، كما أنها لاتحتوي على مايشير إلى كونها مسودة لرسالة أخرى• ولم أعثر على سبب ذلك• وقد خضعت لترميم رديء في عهد الانتداب البريطاني، حيث أزيلت بعض الأحرف مما أدى إلى تعسر قراءة جزء من النص•
على أي حال فإن محمد رشيد النابلسي قد تدرج في المناصب وتولى نيابة بعلبك وصيدا وحيفا ونابلس وغزة في فترات لاحقة• وتوفي في دمشق ودفن في مقبرة الصالحية في قبة جده الأعلى إسماعيل النابلسي•
المصادر
ـ مخطوطات ووثائق مكتبة دار إسعاف النشاشيبي•
ـ عادل مناع، أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني•
ـ محمد خليل المرادي، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر•
ـ محمد جميل الشطي، أعيان دمشق•
مفتي القدس الشريف
بشير بركات
مستخلص
تعد سجلات المحكمة القدسية والمخطوطات المحفوظة في مكتبات القدس العامة والخاصة من أهم المصادر الأولية في ترجمة مشاهير القدس في العهد العثماني• سنوضح بعض الأمور الهامة عن شخصية محمد طاهر بن عبد الصمد الحسيني (ت 1282 هـ 1866/ م) ونقدم معلومات جديدة عنه لم تنشر في كتب التراجم بعد•
حياته
بعد أن تلقى محمد طاهر مبادىء العلوم الشرعية في القدس سافر في صباه إلى القاهرة طلباً للمزيد من العلم على أيدي كبار علماء الجامع الأزهر•
وقد أجازوه ببعض العلوم الشرعية والصوفية، ومنهم الشيخ محمد بن محمد بن عبد المولى المغربي، حيث أجاز محمد طاهر في الطريقة الصوفية الأحمدية عام 1223 هـ 1808م• كما أجازه الشيخ أحمد بن محمد الطحطاوي في الفقه الحنفي والحديث الشريف•
وبعد عودته إلى القدس تولى محمد طاهر إفتاء الحنفية عام 1224 هـ 1809م خلفاً لعمه حسن بن عبد اللطيف، واحتفظ بهذا المنصب عشرات السنين سوى فترات متقطعة• كما استمرت علاقته مع أساتذته السابقين في الأزهر، ومنهم الشيخ حسن العطار الذي زاره في بيته وفق ما ورد في النص التالي الذي وجدته مكتوباً بخط العطار في نهاية رسالة (الإسعاد في تحقيق بانت سعاد) لمحمد البديري في أحد مجاميع مكتبة دار إسعاف النشاشيبي:
(الحمد لله• قوبل هذا الشرح الشريف المنسوب لخاتمة المحققين الشيخ محمد بدير المقدسي وكانت تلك المقابلة مع كاتب الحروف الفقير حسن بن محمد العطار••• والعمدة الفاضل الشيخ عبد الله مفتي غزة القدس الشريف بمكان مالك الكتاب الفاضل المحقق السيد محمد طاهر أفندي مفتي القدش الشريف ووافق إتمام المقابلة عصر يوم الثلاثاء السابع من شهر ذي القعدة الحرام من شهور عام 1224)•
وفي عام 1227هـ 1812م عين محمد طاهر في وظيفة قراءة صحيح البخاري في مسجد قبة الصخرة• كما أجازه الشيخ عبد الله بن حجازي الشرقاوي الشافعي في العام نفسه بثبته وبفقه الإمام أبي حنيفة وأبى أن يجيز غيره بذلك• وقد كتب الشرقاوي إجازته على الورقة الأولى من رسالة في أسانيده، وجاء فيها (أما بعد فقد أجزت العلامة الفاضل والإمام الكامل اللوذعي الشهير••• بجميع ما تضمنه هذا الثبت وبغيره وأجزته أيضاً بفقه الإمام أبي حنيفة••• وأجزته أن يجيز غيره بذلك ممن يكون أهلاً لما هنالك)•
وعندما احتل إبراهيم باشا بلاد الشام، تضجر الناس من سياساته إلى أن نشبت ثورة عليه عام 1250 هـ 1834/م، وكان مركزها القدس• لكنها فشلت فنفي محمد طاهر مع كثير من أعيان القدس إلى مصر بحجة المشاركة في الثورة والتحريض عليها• ثم سمح له بالعودة إلى القدس عام 1252هـ 1837/م• وخلال فترة غيابه شغل ابنه مصطفى وظيفة المفتي بالوكالة•
وبعد عودة الحكم العثماني إلى المنطقة سافر محمد طاهر إلى استانبول، حيث توثقت علاقته بشيخ الإسلام عارف حكمت وغيره من العلماء والوزراء وأصروا على بقائه في الأستانة للاستفادة من علمه•
وفي عام 1280هـ 1864/م بنى محمد طاهر منزلاً في حي الحسينية في واد الجوز عرف فيما بعد بقصر المفتي، وقام حفيده محمد طاهر بن مصطفى بتوسيعه عام 1312هـ 1894/م• وقد أصبح مقراً لنادي الخريجين عام 1386هـ 1966/م•
مكتبته
وكغيره من علماء الشرع في العهد العثماني جمع محمد طاهر خلال حياته عشرات الكتب المخطوطة• وقد تم الاحتفاظ بها في قصر المفتي حتى نشوب حرب عام 1387هـ1967/م• وقد أخبرني الأستاذ سعيد إبراهيم الحسيني أنه نقلها إلى منزله بعد الحرب حرصاً عليها، ثم سلمها إلى الدكتور إسحاق موسى الحسيني، حيث تبرع بها الأخير إلى مكتبة دار إسعاف النشاشيبي•
وهكذا اختلطت مخطوطات محمد طاهر مع غيرها من المخطوطات التي كانت بحوزة الدكتور إسحاق والتي آلت جميعها إلى دار إسعاف النشاشيبي، وبالتالي لم نعد نتمكن من تحديد عددها• إلا أنني رصدت المخطوطات التي عليها تمليكات باسمه فكان عددها 21 مخطوطاً، من بينها ثلاثة نسخها بخط يده، وتدور موضوعاتها بالدرجة الأولى حول الفقه ثم التصوف والعقيدة واللغة العربية والشعر والحديث الشريف والآداب الشرعية والمنطق•
كتابه إلى والي دمشق
لقد شاركت دار إسعاف النشاشيبي للثقافة والفنون في يوم الوثيقة العربية المنعقد في 2001/10/17 في دمشق، حيث قدمت الدار وثيقتين مقدستين، كانت إحداهما رسالة عثرت عليها ضمن مجموعة أوراق هند طاهر الحسيني، مؤسسة دار الطفل العربي في القدس المتوفية عام 1414هـ 1994/م• وكان جدها الثالث محمد طاهر قد حرر تلك الرسالة إلى والي دمشق بخصوص التوسط لديه في قضية أحد موظفي الدولة• فهند هي ابنة طاهر بن شكري بن موسى بن طاهر بن عبد الصمد•
تتعلق الرسالة بموظف يدعى محمد رشيد بن عمر النابلسي (ت 1316هـ 1898/م)• وهو من أحفاد الشيخ الصوفي الشهير عبد الغني بن إسماعيل النابلسي (ت 1143هـ 1731/م)• وكان محمد رشيد قد عين في عام 1260هـ 1844/م كاتباً في كبرى محاكم دمشق، وهي المحكمة البزورية• ثم ترقى إلى منصب رئيس كتّابها•
ولسبب لانعرفه عزله والي دمشق من منصبه• ولما بلغ الخبر إلى محمد طاهر الحسيني كتب إلى الوالي يستعطفه ليعيد محمد رشيد إلى وظيفته، وإذا تعذر ذلك فليعينه في وظيفة أخرى•
وترشدنا الرسالة إلى أن إسناد المناصب في العهد العثماني كان يعتمد على الانتماء إلى العائلات الأرستقراطية والمحسوبيات بالدرجة الأولى، فيما كانت المؤهلات والكفاءات تلعب دوراً ثانوياً•
(أدام الله تعالى وجوده الشريف ـ ولي الموالي العظام بدر سماء كوكبها الضيآن، وفي الهمم معالي شيم أفندم فضليتو أفندي•
غب عرض واجب التحيات السنية، وجواهر لطائف التسليمات البهية، وخالص مزيد الأشواق والدعوات الخيرية، بدوام بقائكم الشريف ومزيد الالتقاء بكم، لازالت أوقات دولتكم مسربلة بالعز والسرور، مقرونة بالعناية والسعد الأغر المشكور، ولا برحت معالي هممكم السنية شامخة، وأركان دولتكم بالمهابة والصيانة سائغة، آمين بحرمة سيد المرسلين وحبيب رب العالمين• وهذا وإن الباعث لرقم عريضة الأدعية الخيرية أولا مجرد الاستفسار عن شريف خاطركم الكريم، وثانياً بما أنه ببحر هذه المدة ما حظينا من نحو دولتكم بكتاب به يصير وقوفنا على صحة سعادتكم، سوى بالسؤال من الواردين الحامدين الشاكرين لأفضالكم وحسن كرم عطوفتكم، فحمدناه تعالى على ما أولاكم به من التوفيق المحمود والبر المشكور المعهود• ثم ونعرض لسعادتكم أن جناب مولانا عين الأفاضل الكرام السيد محمد رشيد أفندي النابلسي الدمشقي سلالة عمدة العارفين القطب الكامل العارف بالله تعالى حضرة الأستاذ الأعظم سيدي الشيخ عبد الغني النابلسي قدس الله تعالى سره العزيز، فالأفندي المومى إليه كان مقرراً في رئاسة كتابة محكمة البزورية من طرف سعادة سلطانم الحاج عبد الله بيك زادة المعظم بموجب تقرير بيده من دولته السنية، واستمر مدة وهو قائم بوظيفة الخدمة المذكورة، والآن بلغنا أنه عزل عنها بدون جنحة وبقي مكسور الخاطر مع أنه كما بلغنا عنه ونعهده رجل ذو ديانة وأمانة ودراية وفطانة• بناء على ذلك واحتراماً لجده الأستاذ قدس سره حررنا أسطر الأدعية الخيرية لعنايتكم السنية لأجل احترام جده أن يكون مشمولاً بأنظاركم الشريفة بإرجاعه لوظيفته المقرر بها لكي يكون من طرف سعادتكم مجبور الخاطر خصوصاً وأن سائر أهالي الشام••؟؟؟؟• كما قد صار ذلك مسموعاً لسعادة دولته أفندياً ولي النعم المعظم أدام الله تعالى أيام دولته العلية بحرمة خير البرية، فاحتراماً لجده نؤمل ونرجو جبر خاطره برجوعه لوظيفته المرموقة كأمثاله واغتنموا دعائه ودعاء عياله إذ سعادتكم ترغبون عمار البيوت القديمة، خصوصاً مثل هذه السلسلة الطاهرة الصالحة• وإذا ما أمكن إرجاعه لوظيفته المذكورة نرجو ثم نرجو وضعه في محكمة بايكم الشريف بتقرير وظيفة تليق بجنابه• ويكون ثواب ذلك مدروجاً في صحيفة دولتكم، نسأله تعالى أن يديم وجودكم ويحفكم بعين عنايته الأبدية وأن يمدكم بأنظار جده القطب العارف حضرة الأستاذ الأعظم والملاذ الأفخم سيدي الشيخ عبد الغني النابلسي قدس الله تعالى سره العزيز أينما كنتم وحيثما توجهتم سفراً وحضرا وبكل حال جبرا لخاطره ورعاية لجده، وتكرماً بقبول رجاء هذا الداعي نؤمل ونرجو قبل خروجكم من محروسة الشام يصدر أمركم الكريم بتقريره بوظيفته الأولى أو غيرها في محكمة بايكم الكريم إن لم يمكن رجوعه لها، وبذلك تصيّرونا ممنونين الأفضال فلا زلتم منهلاً للواردين وملجأ للقاصدين• نرجو من كرم الله تعالى أن يزيد مراقي عنايتكم، ورفقه مجد دولتكم، بحرمة النبي الأعظم والشفيع الأفخم صلى الله تعالى عليه وسلم، والله تعالى يديم وجودكم أفندم•
21 جمادى سنة 66، الداعي محمد طاهر الحسيني مفتي القدس الشريف سابقاً)•
ولكن بقاء الرسالة في حوزة المفتي وذريته حتى يومنا هذا يشير إلى أنها لم ترسل إلى والي دمشق، كما أنها لاتحتوي على مايشير إلى كونها مسودة لرسالة أخرى• ولم أعثر على سبب ذلك• وقد خضعت لترميم رديء في عهد الانتداب البريطاني، حيث أزيلت بعض الأحرف مما أدى إلى تعسر قراءة جزء من النص•
على أي حال فإن محمد رشيد النابلسي قد تدرج في المناصب وتولى نيابة بعلبك وصيدا وحيفا ونابلس وغزة في فترات لاحقة• وتوفي في دمشق ودفن في مقبرة الصالحية في قبة جده الأعلى إسماعيل النابلسي•
المصادر
ـ مخطوطات ووثائق مكتبة دار إسعاف النشاشيبي•
ـ عادل مناع، أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني•
ـ محمد خليل المرادي، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر•
ـ محمد جميل الشطي، أعيان دمشق•