المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقاهي البيروتية



فؤاد طرابلسي
04-11-2009, 03:33 PM
المقاهي البيروتية

المقاهي أو القهوة البيروتية كانت احدى سمات الحياة الاجتماعية في بيروت القديمة حيث كان يرتادها البيارتة للترفيه عن النفس من خلال لقاء الاصدقاء والإستماع إلى قصص الحكواتي وتناول الارجيلة والقهوة التركية، وهي عادة عثمانية نشأت في استانبول ثم انتشرت في مختلف المدن العربيّة التي كانت تخضع للحكم العثماني .

كان يملك المقاهي ويديرها رجال من القبضايات والوجوه المعروفة في محيطها وتقسّم المقاهي البيروتية إلى ثلاثة أقسام :

مقاهي قلب البلد

مقاهي المرفأ (البور)

مقاهي الساحل المحيط ببيروت


مقاهي قلب البلد

كانت أهم مقاهي قلب المدينة منتشرة في ساحة البرج وساحة عصور والجميزة منها قهوة القزاز ، فلسطين ، فاروق ، كاراج صيدا، البسطة الفوقا، البسطة التحتا، المعرض، سوق المنجدين، سوق اللحامين .. فمقهى القزاز كان ملتقى كل أبناء بيروت الذين يقصدون المدينة، وملتقى أبناء جبل لبنان الذين ينتظر بعضهم بعضاً فيها قبل العودة بالبوسطات مساءً، انطلاقا من كاراجات ساحة الدباس أو كاراجات البرج والصيفي.

من مقاهي ساحة البرج ايضا مقاهي الباريزيانا والنجار والزهراء ومقهى كوكب الشرق الذي انهار على رؤوس زواره عام 1934م، وقهوة فتوح المعروفة سابقاً بقهوة شقير، وكانت مقسومة إلى منطقتين، أمامية للسهرات العادية، وخلفية للأدباء والشعراء والصحفيين، كالشيخ أمين تقي الدين، جبرائيل نصار، الأخطل الصغير ومحمد كامل... وقد تميزت هذه المنطقة الأخيرة بهدوئها لبعدها عن الشارع، وكان حامل الفونوغراف يدخل قهوة فتوح ، فيضع صندوقه فيها ويدير الأغاني التي كانت شائعة في حينه...


وكان الأدباء والشعراء قبل الحرب العالمية الأولى، يجتمعون عند أبو متري، وكانت له قهوة في ساحة البرج ، مقصودة لطيب مقبلاتها ، ومما يُروى عن أبو متري المذكور ، أن إحدى السهرات امتدت ذات يوم حتى ساعة متأخرة من الليل، فلما أنفض الاجتماع حوالي الساعة الثالثة صباحاً ، تناول أبو متري المكنسة وأيقظ الجارسون النائم على الكرسي وقال له: قوم يا صبي ، كنّس أشعار .

وكانت مقاهي فلسطين وفاروق وكاراج صيدا ومقهى أرسلان المحيط بساحة عصور الأكثر أهمية وازدحاماً، فهناك كانت كاراجات الصاوي وزنتوت للسيارات المنطلقة إلى صيدا وصور والقادمة منها ، وكان مقهى فلسطين ملتقى الركاب القادمين من عكا وحيفا ويافا عن طريق كاراجات فلسطين لأصحابها فستق ومحيو، وكان إسم مقهى فلسطين (مقهى الجنوب)، إلا أن النزوح الأول عام 1936م إثر الثورة الفلسطينية الكبرى، أوجد تجمعات فلسطينية من الوجهاء والتجار التي كان يرأسها تجار من آل بدر عاصي ، وأحمد الكعكي من عكا، وآل سفيان من حيفا وغيرهم.

أما مقهى فاروق ، فقد كان مقهى النخبة أن صح التعبير ، كان يقع في بناية قدّورة الشهيرة بزخارفها ونقوشها ، كان لكل جماعة من الزبائن زاوية خاصة ، من زبائنه : الشيخ جميل الحسيني المدقة شيخ الطريقة الصوفية الرفاعية ، والشيخ عبد الحليم بدير المصري الواعظ والداعية المشهور في زمنه ، والأستاذ المدير محمد عمر منيمنة ، والسيد عبد النبي حمادة ، وبعض التجار من آل الشلاح والعيتاني والقباني وغيرهم .

كان الشاعر أحمد الصافي النجفي يلازم الرصيف طوال النهار وبعض الليل ، ويتردد عليه الشاعر محمد كامل شعيب العاملي والشاعر محمد على الحوماني ، فيتحلق الناس حولهم ، لسماع المناقشات والمطارحات الأدبية والشعرية الزجلية حتى الظهر ، حيث ينتقلون إلى مطعم فلسطين المواجه ، والذي أنشأه عام 1936م الفلسطيني رشيد كامل النابلسي ، القادم من نابلس .

أما الرصيف الشرقي ، فكان ممر سينما التياترو الكبير ، إتخذْ منه الأديب الكبير عمر أبي النصر ، مكتباً له ، يكتب بيد ، ويمسك نربيش الأركيلة باليد الأخرى ، وهناك كتب أشهر مؤلفاته .

وكان مقهى كاراج صيدا ، مكان تجمّع أهالي الشوف والجنوب ، ومن هذه المقاهي كانت تؤمن طلبات محرري مجلة الدبور الشهيرة التي كانت مكاتبها فوق المقاهي المشار إليها .

أما مقاهي وسط البلد فكان منها : مقهى قدّورة المعروف بمقهى حسن حنكو ، في سوق اللحامين ، في طبقة علوية فوق الدكاكين ، وكان ملتقى تبادل ، أي بيع وشراء اللحوم المؤصل الوارد مع تجار الغنم من حمص وحماة وحلب ، وكان مقهى الحمام الثاني فوق سوق المنجدين ، محل بنك أوف أميركا ، في شارع المصارف حالياً ، وكانت المراهنات على الحمام تتم في هذا المقهى ، كسباق وعودة الطيور ، فتحضر مثلاً من حلب أزواج الحمام وتُطلق من برج هذا المقهى ، وهناك في حلب يعرفون موعد وصولها والمدة التي استغرقتها في الطريق ، والعكس بالعكس ، تؤخذ الطيور من برج الحلواني وتُطلق من دمشق أو من حلب لتعود إلى برجها في بيروت .

كانت مقاهي البسطتين والطريق الجديدة ، ملتقى كبار القوم ليلاً ، وخاصة في شهر رمضان بعد الإفطار ، حيث تقرأ سيرة عنترة والزير سالم وتغريبة بن هلال ، وقصة بطولات الظاهر بيبرس ، فكان الحكواتي هو البطل والأستاذ والمعلم والممثل والراوي .

وكانت تقام في مقهى البسطة التحتا ، حفلات خيال الظل كركوز وعيواظ ، التي لا يزال بعض أشخاصها في أمثال العامة في بيروت ، من هذه الأشخاص : سعيد النصبة ، وأم شكران ، وبكري مصطفى الذي كان يمثل دور الرجل البليد الفهم ، فاستعمله البيروتيون لمن مثله وصاروا يقولون (داير له بكري) .

وكانت مقاهي الأحياء نهاراً ملتقى الشبان للعب الطاولة والدومينو والدامة والورق ، وفيها كانت تقرر الاضرابات والمظاهرات والمؤامرات والتطبيقات وتُركب اللوائح الإنتخابية .

ومن المقاهي القديمة قهوة المدور الكائنة في محلة الصيفي في باطن بيروت ، وكانت تشتمل على غرفتين مسقوفتين بالجسور والأخشاب وعلى رواق بقناطر أحجار ، أنشأها يوسف المدور .



مقاهي المرفأ (البور)

حيث كان يتجّمع كافة فئات عمال المرفأ من رياس وعمال وبحارة والعتالة وعمال التفريغ...

مقاهي الساحل المحيط ببيروت كمقهى الحاج داوود، مقهى الغلاييني في الروشة مروراً بمقهى الروضة قرب الحمام العسكري، ومقهى دبيبو . وكانت هذه المقاهي تقدم بالاضافة إلى الارجيلة والقهوة والشاي والمرطبات مأكولات البحر كالسردين والسمك والمقالي واطباق الفول والفتة، وكانت مقصداً للعائلات البيروتية للنزهة، وكان محرماً تقديم المشروبات فيها حتى عام 1925م حيث صار بعضها، خاصة في شوران والروشة يقدّم المشروبات الروحية...



أما مقاهي رأس بيروت والمنارة فكانت لرجلين من آل العيتاني ، وتميزت بأن وجهاء المنطقة من المسلمين والمسيحيين ، كانوا يتربعون فيها على الحصر أمام الناس كافة للعب الورق ، فيما الرواد يلعبون الباصرة في زاوية أخرى .

وتميز مقهى أبي زيد العيتاني في آخر خط المنارة ، بالجلسات المذكورة وتقديم المشروبات العربيّة كالجلاب والعرق سوس والتمر هندي والليموناضة ، وكان مقصد رواد النزهة إلى شوران عند نزولهم من الترامواي .

وكان تكاثر المقاهي دليلاً على كثرة العاطلين عن العمل ويؤدي إلى ازدياد المنازعات ، مما دفع الوالي سنة 1888م إلى تقرير قفل الحانات عند الغروب والقبض على من يسير ليلاً بلا مصباح .

أما اليوم فبيروت تشهد العديد من المقاهي التي تؤمها العائلات خاصة في الوسط التجاري بعد إعادة تأهيله