المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هبة الله الحموي البصيري



فؤاد طرابلسي
04-11-2009, 11:50 PM
هبة الله الحموي (بعد 1112هـ)
عمر تدمري


هو هبة الله بن علي عثمان البصير الحنفي الحموي. نطالع اسمه اعتبارًا من السجل الأول من سجلات المحكمة الشرعية بطرابلس التي تبدأ بوقائع سنة 1077هـ/1666ر. وهي تنصّ على أنه كان خطيبًا للجامع المنصوري الكبير. وقد تولى الخطابة بعد أبيه، كما تولى الإفتاء بعده في النصف الأول من القرن 11هـ/17ر. وذكره النابلسي في رحلته إلى طرابلس سنة 1105هـ/1693ر. فقال: "السيد الحسيب النسيب صاحب المحامد والفضائل والمكارم العالم العلاّمة الجهبذ الفهّامة السيد هبة الله أفندي مفتي السادة الحنفية يومئذ بالديار الطرابلسية، فكان أول ما أنشدنا من لفظه هذا البيت، مخاطبًا لنا به، ولعله تمثّل به:


سبقوك تاريخـًا وأنت سبقتَهُمْ ~ فضلاً فأنت السابقُ المسبوق


فنظم النابلسي يمدحه:


سليلَ الأكرمين أولي المعالي ~ ومن فخرت به أهلُ الكمالِ
طَلَعْتَ لنا بأُفْق المجد بدرًا ~ تُضيء فما لضوئك من زوالِ
وأنت البحرُ في علمِ وفضلٍ ~ وفي شرفٍ من الأجداد عالِ
ووالدك الذي بهر البرايا ~ بنظـْمٍ مثل األاك اللآلي
وفِقْهُ أبي حنيفة عنه يُرْوَى ~ بأخبارٍ مُسَلسلةٍ طوالِ
وأنت له هو الهبة التي لا ~ تُرَدّ لأنها بالانتقالِ
أثابك ربك المولى ثَوابًا ~ له من فضله أمد الليالي
فدُمْ واسلمْ لنا في كلّ عز ~ وإقبالٍ نراه على التوالي
وأبقاك الإلهُ لنجْل سعدٍ ~ وأبقاه لديك بخير حالِ
مدى الأيام ما غنّى هَزَارٌ ~ ومال الغُصنُ من ريح الشمالِ
وما اشتاق المُحبّ إلى حبيبِ ~ فصادَفَه بأنواع الوصالِ


وقد اجتمع به النابلسي في رحلته الثانية إلى طرابلس سنة 1112هـ/1700ر. وجرى بينهما أبحاث علمية ومسائل فقهيّة وأحاديث نبويّة ولطائف أدبية، وسمع منه شعرًا من نظمه ومن نظم أبيه، فمن نظمه:


علا مقامُ العُلما وشرُفا ~ بشيخ الإسلام إمامِ الحُنـَفا
يَلقاهُ من يقصِدُهُ لحاجَةٍ ~ مُعَجلاً قضاءها ومُسْعِفا
إفادةُ الأَسُنّ من أقلامِهِ ~ ما يُورثُ العِزّ ويُبْدي تـُحَفا
فتواه حلّت كل مُشْكِلٍ فَلَمْ ~ تُبْقِ لنا مُفَصلاتُنا خِفا
نُعْمانُ عصْرِنا وفخْرُهُ ومِنْ ~ بحار عِلْمِه عِصامٌ غَرَفا
سألتُ مولاي بطولِ عُمْرِه ~ ونَيْله مُرَادَهُ مع الصّفا
يا شيخ الاسلام أريدُ نَظْرةً ~ يقوَى بها من حالتي ما ضَعُفا
هنِئـْتـُم بدولةٍ طابت لكمْ ~ والسعْدُ في أعتابكُم قد وقفا

وحين جمع المحبّي كتابه "خلاصة الأثر" وأراد أن يضمّنه تراجم الأعلام الطرابلسيين المتوفـَين بعد الألف، أشار عليه بعض أصحابه بأن يكتب لهبة الله مفتي طرابلس ليوافيه بأخبار الديار الطرابلسية وتراجم علمائها وشعرائها، فكتب إليه رسالة أدبية بهذا المعنى بدأها بهذه الأبيات:


سقى طرابُلُسَ صوْبُ الحيا الذّرف ~ وباكَرَ المُزْنُ منها كل مُؤْتَلِفِ
أرضٌ إذا ما الصبا مر بسَرْحتها ~ تحملَتْ عنبرًا من روضها الأُنُفِ
هل وقْفَةٌ من مَغانيها أبل بها ~ غليلَ شوقٍ لها من مُغرمٍ دَنِفِ
ومن يبلـّغُ مُفتيها التحيّة من ~ أخي ودادٍ له ما زال في شَغَفِ
ذاك الأديبُ الذي شاعت فضائلُهُ ~ وأحرز الدّهرُ منه غاية الشرفِ
صرفتُ حينـًا مديح الناس عن فكَري ~ إلاّ له فأراه غير منصرف
مولاي خُذها سُطورًا قد بعثتُ بها ~ من مُخلـِصٍ لك يُهْدي أتحَفَ التـُحَفِ
إذا تـُلي وصفـُكَ الزّاهي على أُذُنٍ ~ كأنما الدّرّ أُلقي منه في الصدَفِ

وقد زاره النابلسي في بيته وقال إنه يسكن في قصر الرضا المُطلِ على نهر، واطّلع على بعض ما تحتويه مكتبته من مؤلفات ومجاميع، ومنها: الطبقات للشعراني، والرياض النضرة في فضائل العشرة للمحب الطبري، وشرح البُرْدة لابن أبي اللطف المقدسي، وشرح الرسالة القُشَيرية لشيخ الإسلام زكريا.

وفي زيارة ثانية اطّلع على مجموعة من الرسائل لأحمد الحموي ولغيره، الرسالة الأولى شرح قصيدة بانت سعاد لابن هشام الأنصاري، وشرح رسالة الكيداني للعلامة القهستاني، وشرح الرسالة في الاستعارات للمولى عصام، ورسالة أيضًا في الاستعارات للحموي المذكور، سمّاها دُرَر العبارات وغُرَر الإشارات في تحقيق معاني الاستعارات، ورسالة في شرح ديباجة الدّرر، ورسالة أخرى تشتمل على مباحث نحوية وبيانية وفقهية نحو كرّاسة، وهما للحموي أيضًا.

وكان بصُحبة النابلسي عند زيارته لطرابلس سنة 1112هـ/1700ر. تلميذه الشيخ عبد الرحمن الرزاقي، فكتب له هبة الله إجازة طويلة بما يجوز له وعنه روايته وجميع السند المسلسل بالأولية، فأنشده الرزّاقي هذين البيتين:


حُيّيتَ يا دوحةَ الألطاف والأدب ~ بالعَزّ والفخر والأفضال والحسبِ
ولا برِحْتَ فنُونَ العِلْمِ تنشُرُها ~ بين الأنام وتسْمُو عاليَ الرُتبِ


وحين زار ابن محاسن طرابلس في سنة 1048هـ/1638ر. ذكر هبةَ الله في رحلته، وقال إنه كان منسوبًا للفضائل ومعدودًا من الأمثال، يتولى بعض الأوقات في المحكمة النيابة، وفي الجامع الكبير له نصف الخطابة.