فؤاد طرابلسي
09-11-2009, 01:08 PM
(رسالة خلق الأفعال )
للمحدث محمد بن درويش الحوت
قال رحمه الله
الحمد لله المنفرد بالإيجاد والإبداع والتأثير، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي جاءنا بالكتاب المنير، وعلى ءاله وصحبه الداعين إلى الرشد والهدى بكل إتقان وتحرير، وبعد
فإن مسئلة خلق الأفعال وتأثير الأسباب في المسبَبات قد اشتهر فيما سلف من الزمان عند أهل العلم على أربعة أقوال اختلف فيها العقلاء
أحدها مذهب الفلاسفة
يقولون أن الأسباب مؤثرة بطبعها وقوتها
كالنار تحرق بطبعها
والسحر يؤثر نفعًا وضرًا بطبعه وقوته
وهذا كفر فإنه يثبت ربوبية الأكوان، والمؤثـِرُ هو الرب الخالق تعالى، قال تعالى: (أفمن يخلق كمن لا يخلق) إشارة إلى أن الخلق من صفات الرب لا من صفات الأكوان والمحدثات.
ثانيها قول المعتزلة أنها تؤثر بقوة جعلها الله بها ولو سلب عنها تلك القوة لم تؤثر، وهذا خروج عن ظواهر النصوص الشرعية وهذا كفر، فإنه تعالى مختار يخلق بالسبب وبغير سبب، قال تعالى: (وربُك يخلق ما يشاء ويختار)
(وخلق كل شيء فقدره تقديرًا)
(والله خلقكم وما تعملون)
( وينشئ السحابَ الثقال).
ثالثها قول أهل السنة والجماعة أن المؤثر في الأسباب والمسبَبات هو الله تعالى ولا تأثير لشيء بشيء وأنه سبحانه وتعالى رتب المقارنة بين الأسباب ومسبَباتها وستر سر الربوبية بإظهار الأسباب ،
وحكمته أن الخلق لا تقدر على مشاهدة أسرار الربوبية فسترها بإظهاره الأسباب لتسكن قلوب العباد لما هو جنسها وذلك من لطفه وفيها أسرار غامضة (يضل من يشاء ويهدي من يشاء) .
رابعها أن المؤثر هو الله تعالى وحده لكن بين السبب والمسبَب تلازم عقلي فحيث وجد السبب وُجد المسبَب، وهذا جهل بما ثبت في الكتاب والسنة من خرق العادة
فإنه تعالى يخرق العادة لأنبيائه وأوليائه كما خرق العادة لإبراهيم عليه السلام فكانت النار بردًا وسلامًا، وكما وقع لموسى وعيسى وغيرهما من الرسل عليهم الصلاة والسلام وهذا مشهور لا ينكره عاقل.
واعلم أن استدلال المعتزلة على مذهبهم بقوله تعالى: (قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم) في غير محله ولا دلالة في الآية لما قالوا ولا بطريق التخيل والتوهم بل ذلك مجرد وهم حصل لهم لإهمالهم قانون الكتاب العزيز.
فإنه صيغة الأمرفي كتابه تعالى تأتي على جملة معان منها:
الوجوب كقوله تعالى: (وأقيموا الصلاة)
ومنها الندب كقوله تعالى: (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا)
ومنها الإباحة كقوله تعالى: ( وأشهـِدوا إذا تبايعتم)
ومنها التسخير كقوله تعالى: (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا)
ومنها التكوين كقوله تعالى: (إئتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين)
ومنها التهكم والاستهزاء كقوله تعالى: (ذق إنك أنت العزيز الكريم)
ومنها التحويل والانتقال من طور إلى طور كقوله تعالى: ( كونوا قردةً خاسئين) وقوله: (كوني بردًا وسلامًا) وقوله: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماءُ أقلـِعي) ،
وهذه الآيات ونحوها عبارة عن تحويل الشيء من طور إلى طور، وقد حوّل اللهُ تعالى طبعَ النار من الإحراق إلى طبع ءاخر وهو البرد والسلامة من الهلاك،
فليس في الآية دلالة على أن النار تؤثر بقوة وضَعَها الله فيها بوجه من الوجوه، وإنما الحق تعالى أخمدها وأطفأها وغيّر طبعها وخرَق العادة وعبّر عن هذا بالآية الكريمة ؛
وأنت خبير بأن العبد فيه قوة الخير والشر ويريد أحيانـًا أن يفعل شيئـًا فلا يستطيعه ويعجز عنه فوجب أن يرد الأمر كله لله تعالى، وهذا الاعتقاد يوهم الشركة وأن السبب يؤثر مع الله تعالى في المسبَب ويوهم أن الله تعالى يتوقف صنعُه على وجود السبب فكل ذلك باطل، فإن الماء الذي هو مادة بعض الأشياء والنارَ كذلك قد خلقها الله بلا سبب ، فالواجب علينا إسناد كل شيء لقدرته تعالى وحده
واعلم أن تتبع المشتبه من الآيات وترك المحكم منها مذموم ويوقع في الضلال ، قال تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتـّبعون ما تشابه منه ابتغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويلِهِ وما يعلمُ تأويلـَهُ إلا اللهُ والراسخونَ في العلمِ يقولون ءامنا به كلٌ مِن عندِ ربِنا) الآية، فذمَ سبحانه وتعالى الذين يتبعون المتشابه ويتركون المحكم ومَدَحَ الذين يأخذون بهما؛ وهذه الآية أعني قوله تعالى (والله خلقكم وما تعملون) محكمة ظاهرة الدلالة واضحة فوجب العمل بها، والذي لم تتضح دلالته فهو متشابه يجب الإيمان به أنه من عند الله نسلم ونرد الأمر إلى الله تعالى في المراد منه ، والكلام في هذا يحتمل كثيرًا من القول
والله الهادي إلى سواء السبيل وهو حسبي ونعم الوكيل
(تمت الرسالة بعون الله)
للمحدث محمد بن درويش الحوت
قال رحمه الله
الحمد لله المنفرد بالإيجاد والإبداع والتأثير، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي جاءنا بالكتاب المنير، وعلى ءاله وصحبه الداعين إلى الرشد والهدى بكل إتقان وتحرير، وبعد
فإن مسئلة خلق الأفعال وتأثير الأسباب في المسبَبات قد اشتهر فيما سلف من الزمان عند أهل العلم على أربعة أقوال اختلف فيها العقلاء
أحدها مذهب الفلاسفة
يقولون أن الأسباب مؤثرة بطبعها وقوتها
كالنار تحرق بطبعها
والسحر يؤثر نفعًا وضرًا بطبعه وقوته
وهذا كفر فإنه يثبت ربوبية الأكوان، والمؤثـِرُ هو الرب الخالق تعالى، قال تعالى: (أفمن يخلق كمن لا يخلق) إشارة إلى أن الخلق من صفات الرب لا من صفات الأكوان والمحدثات.
ثانيها قول المعتزلة أنها تؤثر بقوة جعلها الله بها ولو سلب عنها تلك القوة لم تؤثر، وهذا خروج عن ظواهر النصوص الشرعية وهذا كفر، فإنه تعالى مختار يخلق بالسبب وبغير سبب، قال تعالى: (وربُك يخلق ما يشاء ويختار)
(وخلق كل شيء فقدره تقديرًا)
(والله خلقكم وما تعملون)
( وينشئ السحابَ الثقال).
ثالثها قول أهل السنة والجماعة أن المؤثر في الأسباب والمسبَبات هو الله تعالى ولا تأثير لشيء بشيء وأنه سبحانه وتعالى رتب المقارنة بين الأسباب ومسبَباتها وستر سر الربوبية بإظهار الأسباب ،
وحكمته أن الخلق لا تقدر على مشاهدة أسرار الربوبية فسترها بإظهاره الأسباب لتسكن قلوب العباد لما هو جنسها وذلك من لطفه وفيها أسرار غامضة (يضل من يشاء ويهدي من يشاء) .
رابعها أن المؤثر هو الله تعالى وحده لكن بين السبب والمسبَب تلازم عقلي فحيث وجد السبب وُجد المسبَب، وهذا جهل بما ثبت في الكتاب والسنة من خرق العادة
فإنه تعالى يخرق العادة لأنبيائه وأوليائه كما خرق العادة لإبراهيم عليه السلام فكانت النار بردًا وسلامًا، وكما وقع لموسى وعيسى وغيرهما من الرسل عليهم الصلاة والسلام وهذا مشهور لا ينكره عاقل.
واعلم أن استدلال المعتزلة على مذهبهم بقوله تعالى: (قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم) في غير محله ولا دلالة في الآية لما قالوا ولا بطريق التخيل والتوهم بل ذلك مجرد وهم حصل لهم لإهمالهم قانون الكتاب العزيز.
فإنه صيغة الأمرفي كتابه تعالى تأتي على جملة معان منها:
الوجوب كقوله تعالى: (وأقيموا الصلاة)
ومنها الندب كقوله تعالى: (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا)
ومنها الإباحة كقوله تعالى: ( وأشهـِدوا إذا تبايعتم)
ومنها التسخير كقوله تعالى: (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا)
ومنها التكوين كقوله تعالى: (إئتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين)
ومنها التهكم والاستهزاء كقوله تعالى: (ذق إنك أنت العزيز الكريم)
ومنها التحويل والانتقال من طور إلى طور كقوله تعالى: ( كونوا قردةً خاسئين) وقوله: (كوني بردًا وسلامًا) وقوله: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماءُ أقلـِعي) ،
وهذه الآيات ونحوها عبارة عن تحويل الشيء من طور إلى طور، وقد حوّل اللهُ تعالى طبعَ النار من الإحراق إلى طبع ءاخر وهو البرد والسلامة من الهلاك،
فليس في الآية دلالة على أن النار تؤثر بقوة وضَعَها الله فيها بوجه من الوجوه، وإنما الحق تعالى أخمدها وأطفأها وغيّر طبعها وخرَق العادة وعبّر عن هذا بالآية الكريمة ؛
وأنت خبير بأن العبد فيه قوة الخير والشر ويريد أحيانـًا أن يفعل شيئـًا فلا يستطيعه ويعجز عنه فوجب أن يرد الأمر كله لله تعالى، وهذا الاعتقاد يوهم الشركة وأن السبب يؤثر مع الله تعالى في المسبَب ويوهم أن الله تعالى يتوقف صنعُه على وجود السبب فكل ذلك باطل، فإن الماء الذي هو مادة بعض الأشياء والنارَ كذلك قد خلقها الله بلا سبب ، فالواجب علينا إسناد كل شيء لقدرته تعالى وحده
واعلم أن تتبع المشتبه من الآيات وترك المحكم منها مذموم ويوقع في الضلال ، قال تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتـّبعون ما تشابه منه ابتغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويلِهِ وما يعلمُ تأويلـَهُ إلا اللهُ والراسخونَ في العلمِ يقولون ءامنا به كلٌ مِن عندِ ربِنا) الآية، فذمَ سبحانه وتعالى الذين يتبعون المتشابه ويتركون المحكم ومَدَحَ الذين يأخذون بهما؛ وهذه الآية أعني قوله تعالى (والله خلقكم وما تعملون) محكمة ظاهرة الدلالة واضحة فوجب العمل بها، والذي لم تتضح دلالته فهو متشابه يجب الإيمان به أنه من عند الله نسلم ونرد الأمر إلى الله تعالى في المراد منه ، والكلام في هذا يحتمل كثيرًا من القول
والله الهادي إلى سواء السبيل وهو حسبي ونعم الوكيل
(تمت الرسالة بعون الله)