فؤاد طرابلسي
09-11-2009, 07:31 PM
من أعلام الديار النابلسية حماها الله
-------------------------------------------------------
جمع و اعداد الاستاذ محمود غسان محمود غنام
1) العلامة عبدالله بن صوفان القدومي النابلسي الحنبلي
اسمه و نسبه :
هو الامام العلامة المحدث الفقيه الاديب صب الله على ثرآه شآبيب الرحمة و الغفران ، و أسكنه
فسيح الجنان ،المجد الشامخ و الشرف الباذخ ، فريد الفخر في ذاك العصر ، علامة زمانه و وحيد
أوانه ، خاتمة المحققين و نبراس المدققين ، ناصر السنة الغرآء ، و قامع البدع الظلماء ، بقية
السلف و نهاية الخلف ، مفتي الحنابلة في الديار الشامية ، و امام أهل الحديث في البقاع
الحجازية ، مصباح المفسرين و أئمة التوحيد في الربوع النابلسية ، شرف الدين أبو عبدالرحمن
عبدالله بن عودة بن عبدالله و هو الملقب بصوفان ابن العلامة الحافظ لكتاب الله ، و القائم بحقوق
اخوانه و حقوق مولاه الشيخ عيسى القدومي أحد علماء القرن الثاني عشر و الذي قد عاصر
خاتمة المحققين الامام محمد بن احمد السفاريني النابلسي و أجازه الامام السفاريني ، و أثنى
عليه ثناء جميلا ، و ذكره العلامة المرادي في تاريخه ( علماء القرن الثاني عشر ) و أجاد في
مدحه و ألثناء عليه .
مولده :
ولد الشيخ عبدالله رحمه الله تعالى في قرية كفر قدوم من أعمال نابلس ، سنة الف و مائتين و
و ستة و أربعين هجرية .
نشأته :
نشأ الشيخ عبد الله رحمه الله تعالى في قرية كفر قدوم ، و فيها قرأ القرآن الكريم ، و قد ظهرت منه
النجابة في صغره ، فكان كثير المجالسة لأهل الفضل و الأدب في قريته ، لكونها منبع الفضل و
و الأدب من قديم الزمان ،يشهد بذالك لها أهل الدراية و العرفان ، و قد كان الشيخ رحمه الله تعالى
كثير الانكباب على ملازمة المطالعة في الكتب الموضوعة بمسجد قريتهم ، و كان كثير الاعراض
عن اللعب مع أولاد بلدتهم ، و انما يميل غالبا لأهل الأدب ، و لما تم له حفظه الله تعالى ستة
عشر عاما تاقت نفسه الأبيه ، و نهضت همته العلية لاجتناء ثمار العلوم ، و للتبحر لأخذ فوائدها
من المنطوق و المفهوم ، فعزم الرحيل الى دمشق الشام لأخذ العلم عن فضلائها الفخام ،فحركته
الأقدار الربانية ، و رافقته العناية الصمدانية ، و توجه الى دمشق ، و سكن المدرسة المرادية ، و
و جاور بين طلبة أخلاقهم مرضية ، و أخذ العلم عن عدة علماء فضلاء ، و جهابذة أدباء ، أجلهم
العلامة صاحب المناقب السنية و الخصال المرضية ، امام زمانه الشيخ حسن الشطي مفتى
الحنابلة رحمه الله تعالى ، فأخذ عنه علم الفقه و الحديث و و التفسير و باقي العلوم الشرعية ،
و برع في علم النحو و الصرف و سائر العلوم الأدبية العقلية فساد على اخوانه ، و ظهرت نجابته
على أقرانه ، و كانت مدة مجاورته بالمدرسة المرداية ست سنوات هجرية ، فحصلت له في خلالها
النفحات الربانية ، و أنعم الله عليه بالطاقة الخفية ، فكملت بذالك محاسنه ، و لمعت فضائله .
شيوخه في دمشق الشام
1) الشيخ عبدالرحيم التفال رحمه الله الملك المتعال : و قد انتفع الشيخ عبد الله من ملازمته له ،
حيث قرأ عليه جملة صالحة من الفقه الحنبلي ، و من كتب العربية .
2) حضرة الاستاذ صاحب المناقب السنية ، و الأفعال المرضية الشيخ حسن بن عمر الملقب
بالشطي ، سيد الطائفة الحنبلية ، و كان رحمه الله من أفضل أهل زمانه علما و عبادة و انكفافا
عن خوارم المروءة ، فلازمه رحمه الله سنين ، و أخذ عنه الفقه الحنبلي و الحديث الشريف
و جانبا من علم الفرائض و من العلوم العربية حتى انتفع منه .
صفاته :
كان الشيخ رحمه الله زاهدا و رعا جميل المنظر ، واسع العينين ، فصيح اللسان ، مربوع القامة ،
مهابا يعلوه النور و الجلال ، و مجلسه المذاكرات العلمية ، و يكره توسعة الكلام في الامور الدنيويه ،
حسن الخلق ، طليق الوجه ، يحب صلة الرحم ، يكرم الضيف ، متواضعا يلاطف الناس و يحدثهم ،
فطنا حاذقا عالما بفنون أهل العصر و أحوالهم ، متضلعا في علم السنة ، قوي الحجة على أهل
البدع و الفرق الضالة .
رحلته الدعوية في الديار النابلسية
و لما تقضت أيام طلبه للعلم بدمشق الشام قفل راحلا الى وطنه و قريته التى نشأ بها ، و شرع
فيها يبث العلوم ، بيد أن غيوم أهل القرى تغطي بدور العلماء ، و تستر فخر الفضلاء ، فرحل منها
الى مدينة نابلس أعزها الله بالاسلام ، و اتخذها دار وطن و قرار ، و سكن بين أهلها السادة
الأخبار ، ذوي الشيم المرضية ، و المكارم الحاتمية حفظهم الله تعالى من كل سوء و بليه ، و
أدام النعم عليهم رب البريه بمنه و كرمه ، فشمر الشيخ عبد الله رحمه الله عن ساعد الجد و
الاجتهاد ، و صرف نفيس وقته في نفع العباد ، و أنشئت لأجله المدرسة الصلاحية الكائنة بالجامع
الصلاحي الكبير بنابلس المحمية ، أنشأها حضرة المحترم الماجد الفاخر المرحوم باذن الله
محمود أفندي الطاهر ، و كان نعم الصاحب للشيخ رحمه الله ، فهرعت اليه الطلاب من جميع
الجهات من القرى و القصاب ، و بقي رحمه الله مداوما على التدريس حتى أفاد و استفاد و بلغ
المنى ان شاء الله و المراد ، و انتفع به خلق كثير ، و حصل من أنفاسه الطاهرة فتوح كبير ، فعادت
بركته على جميع الاخوان ، و علت رتبته بين الأقران ، و كانت رحمه الله مدة اقامته في نابلس
حماها الله خمسة و أربعين سنة ، صرفها بالتدريس للخاصة و العامة ، الى أن دخلت سنة الف
و ثلثماية و ثمانية عشر من الهجرة النبوية ، فقد سافر رحمه الله الى بلد خير خلق الله فنال شرفا
بالمجاورة في حرم رسول الله صلى الله عليه و سلم .
رحلته الحجازية
في سنة الف و ثلثماية و ثمانية عشر شرح الله جل في علاه صدر الشيخ رحمه الله للسفر الى
بلد الله الحرام ، و كان عمر الشيخ اذ ذا سبعين سنة ، فشرع في السفر قاصدا مكة المكرمة ،
متوكلا على رب الأرباب ، مستمدا بمعونة الملك الوهاب ، فأد فريضة الحج ، و أتم فعل المناسك
الشرعية ، فتوجه من مكة المكرمة نحو طيبة المدينة النبويه ، و جاور فيها ، و اشتغل بقراءة الدروس
في الحرم النبوي الشريف ، فاشتهر فضله ، و ارتفع ذكره ، و أحبه أهل المدينة عموما ، و لا سيما
السادة الكرام جماعة الشروق ، أصلهم من نجد ، حنابلة يستوطنون المدينة النبويه ، ( قلت و أنا
الصغير الضعيف ، هذا ديدن الحنابلة من أهل نجد الى وقتنا الحاضر ، يوقرون العلم و أهله ، و لذالك
أ كرمهم الله بأن جعل بلادهم مظانا للعلم ، فنجد اليوم ببركة أسلافهم العلماء و طلاب العلم ، وجهة
العطشى من طلاب العلم ، فحمى الله نجد ، و أنزل عليها البركات ) ، فأنزلوه بينهم في بيوتهم ، و
أكرموه غاية الاكرام ، و خدموه على غاية ما يرام ، لانه لم يوجد علماء حنابلة في ذلك الزمان ، و
كاد الفقه الحنبلي يذهب من هاتيك البقاع ، فشرع رحمه الله ينشر مذهب امامه الامام أحمد ،
و اجتمع عنده الطلبة أكثرهم من الشروق ( أي من نجد حماها الله ) ، و قد أقام رحمه الله في
النبوية ثلاثة عشر عاما ، و حج ست حجات ، و كان رحمه الله يزور نابلس في كل سنة ، و يقيم
فيها ثلاثة أو أربعة أشهر ، فيصل رحمه و يزور أقاربه ، و يشاهد عياله ، ثم يرجع الى طيبة المدينة
النبوية ، يقوم فيها بوظيفة التدريس و نشر العلم ، و كان يحضر دروسه علماء المدينة و أشرافها
و غيرهم من علماء الأقطار البعيدة ، و الذين هاجرو من بلادهم لله و رسوله ، و طلبو منه رحمه الله
الاجازة ، فأجازهم في علوم متنوعة ، و فنون مختلفه ، و قد تزوج الشيخ رحمه الله في المدينة
في المدينة النبوية و لم يعقب منها أحدا ، و كان الشيخ رحمه الله يحب العزلة عن الناس ، فكان
يستوحش من أهل الدنيا ، و كان يخالط جماعة من العلماء الأبرار ، و الفضلاء الأخيار .
مؤلفاته
و قد ترك الشيخ رحمه الله تصانيف كثيرة نذكر منها :
1 ) المنهج الأحمد في درء المثالب التى تنمى لمذهب الامام أحمد
2) بغية النساك في البحث عن ماهية الصلاح و الفساد
3) هدية الراغي : و هو مرتب ترتيب أبواب البخاري
4) الرحلة الحجازية و الرياض الانسية في الحوادث و المسائل العلمية
وفاته :
في سنة ثلاثين بعد الثاثماية في شهر شعبان المكرم ، رجع من طيبة الى نابلس لزيارته الأهل
و الأصحاب و الأحباب ، و أقام في نابلس في تلك السنة خمسة أشهر ، و لما دخل محرم الحرام
افتتحاح واحد و ثلاثين ، شرع رحمه الله يتهيأ للرجوع الى المدينة النبوية ، جريا على عادته
المتقدمه ، و لكن سوابق الأقدار منعته ، و حلول أيام الشتاء و البرد عاقته ، و كان رحمه الله
يشتكي وجعا فب رجليه ، و يمتد الالم الى فخذه ، و لم يحصل له مرض سواه ، فلما كان اليوم
العاشر من شهر محرم المذكور ، و كان موافقا يوم الجمعه توضأ في بيته ، و لبس أحسن ثيابه
و تمشط و تطيب ، ثم خرج يتحامل بين رجلين ، متوجها الى الجامع الكبير لأجل حضور صلاة الجمعه
، فدخل المسجد المذكور ، و صلى ركعتين تحية المسجد ، و جلس يستمع الخطبه ، ثم اقيمت
الصلاة ، ، فأحرم مع الامام و أتم صلاة الفريضة ، و بينما هو جالس يقرأ التشهد ، فبعد أن أتى
بالشهادتين ، و قبيل سلام الامام خر على هيئة الراكع ، و انقطع نفسه ، فلما سلم الامام رفع
رأسه و اذا بروحه فارقت الدنيا فحمل الى داره ، و غسل و كفن ، و قد صلي عليه في المسجد
الصلاحي الكبير ، و قد صلى عليه ابن عمه العلامة موسى بن عيسى بن صوفان القدومي ،
و جملت جنازته على الاعناق ، و مشى مع جنازته عموم أهل نابلس ، و كان جمعا حافلا ، و
موكبا هائلا ، تعلوه الهيبة و الجلال ، مع الخشوع و الكمال ، و دفن رحمه الله في التربة الشمالبة
، بنابلس المحمية ، بجوار الامام العلامة محمد بن أحمد السفاريني النابلسي الحنبلي ، و ازدحم
الناس عند دفنه ، و كان ممن باشر دفنه و وضعه في حفرته الفاضل الاديب اللبيب الشيخ محمد
نمر أفندي النابلسي ، و هو من أخص تلامذته ، و أيضا باشر دفنه سليل الامراء و فخر الادباء قاسم
آغا النمر فووري رحمه الله و دموع الناس تتحدر من المآقي ، و قد كمل له من العمر أربع و ثمانون
سنة رحمه الله تعالى رحمة واسعة .
رثائه :
عندما كان الجنازة في المسجد الصلاحي الكبير ، و هو غاص بالناس قام الشيخ الأديب محمد بن
السيد حسين تفاحة الحسيني ورثاه بصوته بمرثية مفتي نابلس الشيخ منيب هاشم الجعفري ،
و المرثية هي :
الله أكبر فالمصاب تناهى .............. و الدين ثلمته استطار عناها
شمل البلاء العالمين فلا ترى ................نفسا و لم تك زعزعت أحشاها
فاليوم مات الحجة العلم الذي ................لدلائل التحقيق شاد بناها
علامة العصر المدقق و الذي .................قد حاز من درر الخصال ذراها
هو عابد لله أخلص قصده ................من آل صوفان يجل تقاها
هو مجمع الفضل المميز و الذي ...........بسنائه فاق الدروس سناها
يا طالما انتفع الانام بفضله ............... و روت من الارشاد عنه مناها
من للبخاري الشريف مقدرا ................لدقائق جلت و طاب ثناها
من للدليل و منتهى و لغاية .............. في حل معضلة اخر خفاها
فلتبكه بقع الدروس فيالها ...............من روضة ارجت بها ارجاها
و لتبك نابلس على طود مضى .............قد كان مصدر نفعها و رجاها
أسفا على آيات فضل قد مضت ............كان البرية تهتدي بضياها
أسفا على ذاك الجميل و نضرة ..............اهل الحديث بتلك ما أحراها
و جوى على ذاك اللقاء فكم به ..............كنا كمالات الزمان نراها
و جوى على ذاك الجلال و هيبة .............. كان الزمان لعزها يخشاها
فالله يعظم أجرنا و يعمر ................. بالفضل في دار يدوم هناها
و يضاعف الأجر الجزيل لآله ............. و المسلمين ففقده أعياها
ثم الصلاة على النبي و آله ..............من للهداية شيدوا علياها
ما قال اذ يرثي منيب هاشم .............. الله أكبر فالمصاب تناهى
و بعد ذالك قام و رثاه الشيخ احمد بن محمد البسطامي ، و الرثاء هو :
ما للدموع بدت حمرا بأجفاني ..............و ما لقلبي غدا يصلى بنيران
و ما لنابلس ثوب الأسى لبست ............. و أهلها هل فيهم فرط أحزان
أشمس أفق التقى و الفضل قد كسفت ............أم بدر علم عراه وصف نقصان
نعم هوى اليوم من افق العلوم الى .............بطن الثرى بدر افضال و عرفان
فالبس الدين أثواب الحداد وقد .............بكته أعين اشراف و أعيان
علامة العصر شيخ العلم و العلما ...............و قدوة الناس من قاص و من دان
أعظم به من تقي زاهد ورع ..................استاذنا الشيخ عبدالله صوفان
فليبك علم حديث المصطفى أسفا .............عليه و ليبك تفسير قآن
و لتبك أيضا دروس العلم اذ فقدت ..............من كان روضة فضل ذات أفنان
و ليبك علم توحيد الاله كذا .................فقد ابن حنبل سامي القدر و الشان
و ليبكين البخاري الشريف على ...........من كان يتلوه في ضبط و اتقان
فكم تلاه لدى الاعتاب مبتهجا ............. بروضة المصطفى بل فخر عدنان
.................................................. .....
و يختم قصيدته رحمه الله
اعظم لنا الاجر يا رب العباد على ..............مصيبة قد أصابت كل انسان
و كن معينا و عونا يا رحيم الى ..............آل الفقيد و أتحفه بغفران
و امنح صلاة و تسليما لشافعنا .............. أجل كل البرايا فخر عدنان
كذالك الآل و الأصحاب سادتنا .................غر ميامين أهل القدر و الشان
جمعه و اعتنى به راجي عفو ربه الكريم
محمود غسان محمود غنام
-------------------------------------------------------
جمع و اعداد الاستاذ محمود غسان محمود غنام
1) العلامة عبدالله بن صوفان القدومي النابلسي الحنبلي
اسمه و نسبه :
هو الامام العلامة المحدث الفقيه الاديب صب الله على ثرآه شآبيب الرحمة و الغفران ، و أسكنه
فسيح الجنان ،المجد الشامخ و الشرف الباذخ ، فريد الفخر في ذاك العصر ، علامة زمانه و وحيد
أوانه ، خاتمة المحققين و نبراس المدققين ، ناصر السنة الغرآء ، و قامع البدع الظلماء ، بقية
السلف و نهاية الخلف ، مفتي الحنابلة في الديار الشامية ، و امام أهل الحديث في البقاع
الحجازية ، مصباح المفسرين و أئمة التوحيد في الربوع النابلسية ، شرف الدين أبو عبدالرحمن
عبدالله بن عودة بن عبدالله و هو الملقب بصوفان ابن العلامة الحافظ لكتاب الله ، و القائم بحقوق
اخوانه و حقوق مولاه الشيخ عيسى القدومي أحد علماء القرن الثاني عشر و الذي قد عاصر
خاتمة المحققين الامام محمد بن احمد السفاريني النابلسي و أجازه الامام السفاريني ، و أثنى
عليه ثناء جميلا ، و ذكره العلامة المرادي في تاريخه ( علماء القرن الثاني عشر ) و أجاد في
مدحه و ألثناء عليه .
مولده :
ولد الشيخ عبدالله رحمه الله تعالى في قرية كفر قدوم من أعمال نابلس ، سنة الف و مائتين و
و ستة و أربعين هجرية .
نشأته :
نشأ الشيخ عبد الله رحمه الله تعالى في قرية كفر قدوم ، و فيها قرأ القرآن الكريم ، و قد ظهرت منه
النجابة في صغره ، فكان كثير المجالسة لأهل الفضل و الأدب في قريته ، لكونها منبع الفضل و
و الأدب من قديم الزمان ،يشهد بذالك لها أهل الدراية و العرفان ، و قد كان الشيخ رحمه الله تعالى
كثير الانكباب على ملازمة المطالعة في الكتب الموضوعة بمسجد قريتهم ، و كان كثير الاعراض
عن اللعب مع أولاد بلدتهم ، و انما يميل غالبا لأهل الأدب ، و لما تم له حفظه الله تعالى ستة
عشر عاما تاقت نفسه الأبيه ، و نهضت همته العلية لاجتناء ثمار العلوم ، و للتبحر لأخذ فوائدها
من المنطوق و المفهوم ، فعزم الرحيل الى دمشق الشام لأخذ العلم عن فضلائها الفخام ،فحركته
الأقدار الربانية ، و رافقته العناية الصمدانية ، و توجه الى دمشق ، و سكن المدرسة المرادية ، و
و جاور بين طلبة أخلاقهم مرضية ، و أخذ العلم عن عدة علماء فضلاء ، و جهابذة أدباء ، أجلهم
العلامة صاحب المناقب السنية و الخصال المرضية ، امام زمانه الشيخ حسن الشطي مفتى
الحنابلة رحمه الله تعالى ، فأخذ عنه علم الفقه و الحديث و و التفسير و باقي العلوم الشرعية ،
و برع في علم النحو و الصرف و سائر العلوم الأدبية العقلية فساد على اخوانه ، و ظهرت نجابته
على أقرانه ، و كانت مدة مجاورته بالمدرسة المرداية ست سنوات هجرية ، فحصلت له في خلالها
النفحات الربانية ، و أنعم الله عليه بالطاقة الخفية ، فكملت بذالك محاسنه ، و لمعت فضائله .
شيوخه في دمشق الشام
1) الشيخ عبدالرحيم التفال رحمه الله الملك المتعال : و قد انتفع الشيخ عبد الله من ملازمته له ،
حيث قرأ عليه جملة صالحة من الفقه الحنبلي ، و من كتب العربية .
2) حضرة الاستاذ صاحب المناقب السنية ، و الأفعال المرضية الشيخ حسن بن عمر الملقب
بالشطي ، سيد الطائفة الحنبلية ، و كان رحمه الله من أفضل أهل زمانه علما و عبادة و انكفافا
عن خوارم المروءة ، فلازمه رحمه الله سنين ، و أخذ عنه الفقه الحنبلي و الحديث الشريف
و جانبا من علم الفرائض و من العلوم العربية حتى انتفع منه .
صفاته :
كان الشيخ رحمه الله زاهدا و رعا جميل المنظر ، واسع العينين ، فصيح اللسان ، مربوع القامة ،
مهابا يعلوه النور و الجلال ، و مجلسه المذاكرات العلمية ، و يكره توسعة الكلام في الامور الدنيويه ،
حسن الخلق ، طليق الوجه ، يحب صلة الرحم ، يكرم الضيف ، متواضعا يلاطف الناس و يحدثهم ،
فطنا حاذقا عالما بفنون أهل العصر و أحوالهم ، متضلعا في علم السنة ، قوي الحجة على أهل
البدع و الفرق الضالة .
رحلته الدعوية في الديار النابلسية
و لما تقضت أيام طلبه للعلم بدمشق الشام قفل راحلا الى وطنه و قريته التى نشأ بها ، و شرع
فيها يبث العلوم ، بيد أن غيوم أهل القرى تغطي بدور العلماء ، و تستر فخر الفضلاء ، فرحل منها
الى مدينة نابلس أعزها الله بالاسلام ، و اتخذها دار وطن و قرار ، و سكن بين أهلها السادة
الأخبار ، ذوي الشيم المرضية ، و المكارم الحاتمية حفظهم الله تعالى من كل سوء و بليه ، و
أدام النعم عليهم رب البريه بمنه و كرمه ، فشمر الشيخ عبد الله رحمه الله عن ساعد الجد و
الاجتهاد ، و صرف نفيس وقته في نفع العباد ، و أنشئت لأجله المدرسة الصلاحية الكائنة بالجامع
الصلاحي الكبير بنابلس المحمية ، أنشأها حضرة المحترم الماجد الفاخر المرحوم باذن الله
محمود أفندي الطاهر ، و كان نعم الصاحب للشيخ رحمه الله ، فهرعت اليه الطلاب من جميع
الجهات من القرى و القصاب ، و بقي رحمه الله مداوما على التدريس حتى أفاد و استفاد و بلغ
المنى ان شاء الله و المراد ، و انتفع به خلق كثير ، و حصل من أنفاسه الطاهرة فتوح كبير ، فعادت
بركته على جميع الاخوان ، و علت رتبته بين الأقران ، و كانت رحمه الله مدة اقامته في نابلس
حماها الله خمسة و أربعين سنة ، صرفها بالتدريس للخاصة و العامة ، الى أن دخلت سنة الف
و ثلثماية و ثمانية عشر من الهجرة النبوية ، فقد سافر رحمه الله الى بلد خير خلق الله فنال شرفا
بالمجاورة في حرم رسول الله صلى الله عليه و سلم .
رحلته الحجازية
في سنة الف و ثلثماية و ثمانية عشر شرح الله جل في علاه صدر الشيخ رحمه الله للسفر الى
بلد الله الحرام ، و كان عمر الشيخ اذ ذا سبعين سنة ، فشرع في السفر قاصدا مكة المكرمة ،
متوكلا على رب الأرباب ، مستمدا بمعونة الملك الوهاب ، فأد فريضة الحج ، و أتم فعل المناسك
الشرعية ، فتوجه من مكة المكرمة نحو طيبة المدينة النبويه ، و جاور فيها ، و اشتغل بقراءة الدروس
في الحرم النبوي الشريف ، فاشتهر فضله ، و ارتفع ذكره ، و أحبه أهل المدينة عموما ، و لا سيما
السادة الكرام جماعة الشروق ، أصلهم من نجد ، حنابلة يستوطنون المدينة النبويه ، ( قلت و أنا
الصغير الضعيف ، هذا ديدن الحنابلة من أهل نجد الى وقتنا الحاضر ، يوقرون العلم و أهله ، و لذالك
أ كرمهم الله بأن جعل بلادهم مظانا للعلم ، فنجد اليوم ببركة أسلافهم العلماء و طلاب العلم ، وجهة
العطشى من طلاب العلم ، فحمى الله نجد ، و أنزل عليها البركات ) ، فأنزلوه بينهم في بيوتهم ، و
أكرموه غاية الاكرام ، و خدموه على غاية ما يرام ، لانه لم يوجد علماء حنابلة في ذلك الزمان ، و
كاد الفقه الحنبلي يذهب من هاتيك البقاع ، فشرع رحمه الله ينشر مذهب امامه الامام أحمد ،
و اجتمع عنده الطلبة أكثرهم من الشروق ( أي من نجد حماها الله ) ، و قد أقام رحمه الله في
النبوية ثلاثة عشر عاما ، و حج ست حجات ، و كان رحمه الله يزور نابلس في كل سنة ، و يقيم
فيها ثلاثة أو أربعة أشهر ، فيصل رحمه و يزور أقاربه ، و يشاهد عياله ، ثم يرجع الى طيبة المدينة
النبوية ، يقوم فيها بوظيفة التدريس و نشر العلم ، و كان يحضر دروسه علماء المدينة و أشرافها
و غيرهم من علماء الأقطار البعيدة ، و الذين هاجرو من بلادهم لله و رسوله ، و طلبو منه رحمه الله
الاجازة ، فأجازهم في علوم متنوعة ، و فنون مختلفه ، و قد تزوج الشيخ رحمه الله في المدينة
في المدينة النبوية و لم يعقب منها أحدا ، و كان الشيخ رحمه الله يحب العزلة عن الناس ، فكان
يستوحش من أهل الدنيا ، و كان يخالط جماعة من العلماء الأبرار ، و الفضلاء الأخيار .
مؤلفاته
و قد ترك الشيخ رحمه الله تصانيف كثيرة نذكر منها :
1 ) المنهج الأحمد في درء المثالب التى تنمى لمذهب الامام أحمد
2) بغية النساك في البحث عن ماهية الصلاح و الفساد
3) هدية الراغي : و هو مرتب ترتيب أبواب البخاري
4) الرحلة الحجازية و الرياض الانسية في الحوادث و المسائل العلمية
وفاته :
في سنة ثلاثين بعد الثاثماية في شهر شعبان المكرم ، رجع من طيبة الى نابلس لزيارته الأهل
و الأصحاب و الأحباب ، و أقام في نابلس في تلك السنة خمسة أشهر ، و لما دخل محرم الحرام
افتتحاح واحد و ثلاثين ، شرع رحمه الله يتهيأ للرجوع الى المدينة النبوية ، جريا على عادته
المتقدمه ، و لكن سوابق الأقدار منعته ، و حلول أيام الشتاء و البرد عاقته ، و كان رحمه الله
يشتكي وجعا فب رجليه ، و يمتد الالم الى فخذه ، و لم يحصل له مرض سواه ، فلما كان اليوم
العاشر من شهر محرم المذكور ، و كان موافقا يوم الجمعه توضأ في بيته ، و لبس أحسن ثيابه
و تمشط و تطيب ، ثم خرج يتحامل بين رجلين ، متوجها الى الجامع الكبير لأجل حضور صلاة الجمعه
، فدخل المسجد المذكور ، و صلى ركعتين تحية المسجد ، و جلس يستمع الخطبه ، ثم اقيمت
الصلاة ، ، فأحرم مع الامام و أتم صلاة الفريضة ، و بينما هو جالس يقرأ التشهد ، فبعد أن أتى
بالشهادتين ، و قبيل سلام الامام خر على هيئة الراكع ، و انقطع نفسه ، فلما سلم الامام رفع
رأسه و اذا بروحه فارقت الدنيا فحمل الى داره ، و غسل و كفن ، و قد صلي عليه في المسجد
الصلاحي الكبير ، و قد صلى عليه ابن عمه العلامة موسى بن عيسى بن صوفان القدومي ،
و جملت جنازته على الاعناق ، و مشى مع جنازته عموم أهل نابلس ، و كان جمعا حافلا ، و
موكبا هائلا ، تعلوه الهيبة و الجلال ، مع الخشوع و الكمال ، و دفن رحمه الله في التربة الشمالبة
، بنابلس المحمية ، بجوار الامام العلامة محمد بن أحمد السفاريني النابلسي الحنبلي ، و ازدحم
الناس عند دفنه ، و كان ممن باشر دفنه و وضعه في حفرته الفاضل الاديب اللبيب الشيخ محمد
نمر أفندي النابلسي ، و هو من أخص تلامذته ، و أيضا باشر دفنه سليل الامراء و فخر الادباء قاسم
آغا النمر فووري رحمه الله و دموع الناس تتحدر من المآقي ، و قد كمل له من العمر أربع و ثمانون
سنة رحمه الله تعالى رحمة واسعة .
رثائه :
عندما كان الجنازة في المسجد الصلاحي الكبير ، و هو غاص بالناس قام الشيخ الأديب محمد بن
السيد حسين تفاحة الحسيني ورثاه بصوته بمرثية مفتي نابلس الشيخ منيب هاشم الجعفري ،
و المرثية هي :
الله أكبر فالمصاب تناهى .............. و الدين ثلمته استطار عناها
شمل البلاء العالمين فلا ترى ................نفسا و لم تك زعزعت أحشاها
فاليوم مات الحجة العلم الذي ................لدلائل التحقيق شاد بناها
علامة العصر المدقق و الذي .................قد حاز من درر الخصال ذراها
هو عابد لله أخلص قصده ................من آل صوفان يجل تقاها
هو مجمع الفضل المميز و الذي ...........بسنائه فاق الدروس سناها
يا طالما انتفع الانام بفضله ............... و روت من الارشاد عنه مناها
من للبخاري الشريف مقدرا ................لدقائق جلت و طاب ثناها
من للدليل و منتهى و لغاية .............. في حل معضلة اخر خفاها
فلتبكه بقع الدروس فيالها ...............من روضة ارجت بها ارجاها
و لتبك نابلس على طود مضى .............قد كان مصدر نفعها و رجاها
أسفا على آيات فضل قد مضت ............كان البرية تهتدي بضياها
أسفا على ذاك الجميل و نضرة ..............اهل الحديث بتلك ما أحراها
و جوى على ذاك اللقاء فكم به ..............كنا كمالات الزمان نراها
و جوى على ذاك الجلال و هيبة .............. كان الزمان لعزها يخشاها
فالله يعظم أجرنا و يعمر ................. بالفضل في دار يدوم هناها
و يضاعف الأجر الجزيل لآله ............. و المسلمين ففقده أعياها
ثم الصلاة على النبي و آله ..............من للهداية شيدوا علياها
ما قال اذ يرثي منيب هاشم .............. الله أكبر فالمصاب تناهى
و بعد ذالك قام و رثاه الشيخ احمد بن محمد البسطامي ، و الرثاء هو :
ما للدموع بدت حمرا بأجفاني ..............و ما لقلبي غدا يصلى بنيران
و ما لنابلس ثوب الأسى لبست ............. و أهلها هل فيهم فرط أحزان
أشمس أفق التقى و الفضل قد كسفت ............أم بدر علم عراه وصف نقصان
نعم هوى اليوم من افق العلوم الى .............بطن الثرى بدر افضال و عرفان
فالبس الدين أثواب الحداد وقد .............بكته أعين اشراف و أعيان
علامة العصر شيخ العلم و العلما ...............و قدوة الناس من قاص و من دان
أعظم به من تقي زاهد ورع ..................استاذنا الشيخ عبدالله صوفان
فليبك علم حديث المصطفى أسفا .............عليه و ليبك تفسير قآن
و لتبك أيضا دروس العلم اذ فقدت ..............من كان روضة فضل ذات أفنان
و ليبك علم توحيد الاله كذا .................فقد ابن حنبل سامي القدر و الشان
و ليبكين البخاري الشريف على ...........من كان يتلوه في ضبط و اتقان
فكم تلاه لدى الاعتاب مبتهجا ............. بروضة المصطفى بل فخر عدنان
.................................................. .....
و يختم قصيدته رحمه الله
اعظم لنا الاجر يا رب العباد على ..............مصيبة قد أصابت كل انسان
و كن معينا و عونا يا رحيم الى ..............آل الفقيد و أتحفه بغفران
و امنح صلاة و تسليما لشافعنا .............. أجل كل البرايا فخر عدنان
كذالك الآل و الأصحاب سادتنا .................غر ميامين أهل القدر و الشان
جمعه و اعتنى به راجي عفو ربه الكريم
محمود غسان محمود غنام