حامل المسك
10-11-2009, 09:00 PM
الحمد لله الذي أرسل رسوله على حين فترة من الرسل , فهدى به إلى أقوم الطرق و أوضح السبل , و افترض على العباد محبته و طاعته و توقيره و القيام بحقوقه , وسدّ إلى الجنة جميع الطرق فلم يفتح لأحد إلا من طريقه , فلا مطمع في الفوز بجزيل الثواب و النجاة من وبيل العقاب إلا لمن كان خلفه من السالكين , و لا يؤمن عبد حتى يكون أحب إليه من نفسه و ولده و الناس أجمعين , فصلوات الله عليه و على آله و أصحابه و التابعين , و بعد :
فإن الله جل ثناؤه و تقدست أسماؤه جعل القلوب أوعية , فخيرها أوعاها للخير و الرشاد , و شرها أوعاها للغيّ و الفساد , و سلط عليها الهوى و امتحنها بمخالفته لتنال بمخالفته جنة المأوى , و يستحق من لا يصلح للجنة بمتابعته ناراً تلظى و جعله مُرَكَّبَ النفس الأمارة بالسوء و قُوتها و غذاها , و داء النفس المطمئنة و مخالفته دواها . قال تعالى < فأما من طغى و آثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى * و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى > .
ثم أوجب سبحانه و تعالى على العبد في هذه المدة القصيرة – التي هي بالإضافة إلى الآخرة كساعة من نهار , أو كبلل ينال الإصبع حين يدخلها في بحر من البحار – عصيان النفس الأمارة بالسوء و مجانبة هواها , و ردعها عن شهواتها التي في نيلها رداها , منعها من الركون إلى لذاتها و مطالبة ما استدعته العيون الطامحة بلحظاتها لتنال نصيبها من كرامته و ثوابه وافراً كاملاً , و تلتذّ آجالاً بأضعاف ما تركته لله عاجلاً .
و أمرها بالصيام عن محارمه ليكون فطرها عنده يوم لقائه , و أخبرها أن معظم نهار الصيام قد ذهب , و أن عيد اللقاء قد اقترب , فلا يطول عليها الأمد باستبطائه
كما قيل : فما هي إلا ساعة ثم تنقضي *** و يذهب هذا كله و يزول
هيأها لأمر عظيم , و أعدها لخطب جسيم , و ادّخر لها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر من النعيم المقيم .
و اقتضت حكمته البالغة أنها لا تصل إليه إلا من طريق المكاره و النصب , و لا تعبر إليه إلا على جسر من المشقة و التعب , فحجبه بالمكروهات صيانة له عن الأنفس الدنيات المؤثرة للرذائل و السفليات , و شمّرت إليه النفوس العلويات و الهمم العليات , امتطت في السير إليه ظهور العزمات فسارت في ظهورها إلى أشرف الغايات .
و ركب سرَواو الليل مُرخٍ رواقـه ** على كـل مُغبرِّ القوائم قـائم
حَدَوا عزمات ضاعت الأرض بينها ** فصار سراهم في ظهور العزائم
أَرَتْهُم نجوم الليل مـــا يطلبونه ** على عاتق الشعرى و هام النعائم
فأمّوا حِمىً لا ينبغي لسواهـم ** و مـا أخـذتهم فيه لـومـة لائم
أجابوا منادي الحبيب لما أذّن لهم حي على الفلاح , و بذلوا نفوسهم في مرضاته بذل المحب بالرضا و السماح , و واصلوا السير إليه بالغدو و الرواح , فحمدوا عند الوصول مسراهم , و إنما يحمد القوم السرى عند الصباح , تعبوا قليلاً فاستراحوا طويلاً , و تركوا حقيراً و اعتاضوا عظيماً , وضعوا اللذة و العاقبة الحميدة في ميزان العقل فظهر لهم التفاوت فَرَأَوْا من أعظم السَّفَه بيع الحياة الطيبة الدائمة في النعيم المقيم بلذة ساعة تذهب شهواتها و تبقى شقواتها .
هذا و إن من أيام اللذات لو صفت للعبد من أول عمره إلى آخره لكانت كسحابة صيف تتقشع عن قليل , و خيال طيف ما استتم الزيارة حتى آذن بالرحيل , قال الله تعالى < أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون > فالحذر الحذر فإن من سلّم زمام راحلته إلى طبعه و هواه فياعجلة تلفه . حينها لا ينفع ندمه و أسفه .
فالكيّس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت و العاجز من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله الأماني . و السلام
فإن الله جل ثناؤه و تقدست أسماؤه جعل القلوب أوعية , فخيرها أوعاها للخير و الرشاد , و شرها أوعاها للغيّ و الفساد , و سلط عليها الهوى و امتحنها بمخالفته لتنال بمخالفته جنة المأوى , و يستحق من لا يصلح للجنة بمتابعته ناراً تلظى و جعله مُرَكَّبَ النفس الأمارة بالسوء و قُوتها و غذاها , و داء النفس المطمئنة و مخالفته دواها . قال تعالى < فأما من طغى و آثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى * و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى > .
ثم أوجب سبحانه و تعالى على العبد في هذه المدة القصيرة – التي هي بالإضافة إلى الآخرة كساعة من نهار , أو كبلل ينال الإصبع حين يدخلها في بحر من البحار – عصيان النفس الأمارة بالسوء و مجانبة هواها , و ردعها عن شهواتها التي في نيلها رداها , منعها من الركون إلى لذاتها و مطالبة ما استدعته العيون الطامحة بلحظاتها لتنال نصيبها من كرامته و ثوابه وافراً كاملاً , و تلتذّ آجالاً بأضعاف ما تركته لله عاجلاً .
و أمرها بالصيام عن محارمه ليكون فطرها عنده يوم لقائه , و أخبرها أن معظم نهار الصيام قد ذهب , و أن عيد اللقاء قد اقترب , فلا يطول عليها الأمد باستبطائه
كما قيل : فما هي إلا ساعة ثم تنقضي *** و يذهب هذا كله و يزول
هيأها لأمر عظيم , و أعدها لخطب جسيم , و ادّخر لها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر من النعيم المقيم .
و اقتضت حكمته البالغة أنها لا تصل إليه إلا من طريق المكاره و النصب , و لا تعبر إليه إلا على جسر من المشقة و التعب , فحجبه بالمكروهات صيانة له عن الأنفس الدنيات المؤثرة للرذائل و السفليات , و شمّرت إليه النفوس العلويات و الهمم العليات , امتطت في السير إليه ظهور العزمات فسارت في ظهورها إلى أشرف الغايات .
و ركب سرَواو الليل مُرخٍ رواقـه ** على كـل مُغبرِّ القوائم قـائم
حَدَوا عزمات ضاعت الأرض بينها ** فصار سراهم في ظهور العزائم
أَرَتْهُم نجوم الليل مـــا يطلبونه ** على عاتق الشعرى و هام النعائم
فأمّوا حِمىً لا ينبغي لسواهـم ** و مـا أخـذتهم فيه لـومـة لائم
أجابوا منادي الحبيب لما أذّن لهم حي على الفلاح , و بذلوا نفوسهم في مرضاته بذل المحب بالرضا و السماح , و واصلوا السير إليه بالغدو و الرواح , فحمدوا عند الوصول مسراهم , و إنما يحمد القوم السرى عند الصباح , تعبوا قليلاً فاستراحوا طويلاً , و تركوا حقيراً و اعتاضوا عظيماً , وضعوا اللذة و العاقبة الحميدة في ميزان العقل فظهر لهم التفاوت فَرَأَوْا من أعظم السَّفَه بيع الحياة الطيبة الدائمة في النعيم المقيم بلذة ساعة تذهب شهواتها و تبقى شقواتها .
هذا و إن من أيام اللذات لو صفت للعبد من أول عمره إلى آخره لكانت كسحابة صيف تتقشع عن قليل , و خيال طيف ما استتم الزيارة حتى آذن بالرحيل , قال الله تعالى < أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون > فالحذر الحذر فإن من سلّم زمام راحلته إلى طبعه و هواه فياعجلة تلفه . حينها لا ينفع ندمه و أسفه .
فالكيّس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت و العاجز من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله الأماني . و السلام