ابو ابراهيم
30-11-2009, 01:59 PM
فتح الأبواب المغلقة في دار الفتوى: نهاية مرحلة
كثيرون من صقور قوى 14 آذار أصبحوا محروقين على المستوى العام. ثقل وزنهم حتى باتوا عبئاً على من وظّفهم أو سلّمهم منصبهم أو ضمن لهم الاستمرارية فيه. لقد آن الأوان لتغييرهم أو إعفائهم أو وضعهم في الثلاجة بانتظار أزمنة أخرى تبرز خلالها حاجة إلى إعادة تلميعهم، أو تركهم يستمتعون بما جنت أيديهم من أموال إلى أن يقضي الله أمره.
موظّفو دار الفتوى لا يشذّون عن هذه القاعدة. الخلّص من أصدقاء سوريا في لبنان فتحوا ملف دار الفتوى بمرجعيته الرئيسية. ثمّة ما أزعجهم واستنفد صبرهم في مرجعية الدار. والأصدقاء المخلصون لمصر، من ناحيتهم، لم يكونوا أقلّ حماسة في فتح أبواب الجحيم على مرجعيات الدار التي تتبع لرئاسة مجلس الوزراء. والمملكة العربية السعودية لم تمانع عبر أقنيتها وممثّليها السياسيّين في لبنان في فتح أبواب النقاش المغلق (كما تفضّله المملكة دائماًَ) في مصير دار الفتوى وكرسيها الأوّل. وانعكس كل ذلك على من كان ابنه يجني مئات آلاف الدولارات من صرف النفوذ والسلطة وأشكال الفساد المتنوّعة، التي لم توفّر استيراد السيارات الرياضية وإمرارها عبر الجمارك دون تأدية الرسوم، لكونها مستوردة لمصلحة دار الفتوى.
بات مصير الدار محسوماً. توافق ما، أتى على ما كان يمثّل حصناً حصيناً من قلاع تيار المستقبل، ومِن «اللهم اشهد إني قد بلّغت» التي قيلت على لسان رأس الدار ليل السابع من أيار عام 2008، إلى وقوف الرجل نفسه بعباءته من أسابيع ثلاثة محاولاً إيقاف المصلّين الخارجين من صلاة الجمعة من مسجد عائشة بكار، واستنهاض غيرتهم على «دار الفتوى التي تتعرّض لهجمة ولا من مؤمن يردّ الأذى عنها» مسافة، أفضت إلى أن لا يجد الرجل، وهو أعلى مرجعية دينية لدى أهل السنّة، من يقف ليستمع إليه حتى ينهي جملته.
يطول شرح التفاصيل التي أدّت إلى نفض تيار المستقبل يده من المرجعية الدينية الحالية التي طالما خدمته، والتي حين كان الرئيس رفيق الحريري يساير دمشق، كانت الدار ترسل علماءها إلى سوريا في كل مناسبة وحين، وتشارك في لقاءات حزب البعث، كأنها جزء من القيادة القطرية. وحين انقلب اتجاه الرياح لدى التيار، انعطفت مرجعية الدار 180 درجة، حتى كادت تجنح، وأخذت أقصى حالات العداء لسوريا. كذلك يطول شرح الأسباب التي حدت برئيس الحكومة فؤاد السنيورة إلى توجيه كلام قاس للمرجعية خلال اللقاء الذي أبلغ خلاله أنه سيكلّف شركتين بالتدقيق المالي في الدار. وفي وقت لاحق، جرت مواجهة المرجعية بأن نتيجة التدقيق ستكون بإعادة الأموال المفقودة أو المستفاد منها بواسطة صرف السلطة والنفوذ وتلزيم الابن لمشاريع بعضها مبالغ في أرقامه، وأخرى وهمية بالكامل (مثل ترميم مبانٍ غير موجودة أصلاً).
عوامل كثيرة أدّت إلى نفض تيار المستقبل يده من المرجعية الدينية التي خدمته طويلاً كان للمرجعية حين وصل إلى الدار ثلاث ميزات؛ الأولى أنه يتحلّى بالتقوى، والثانية أنه يعادي السلفيين وخاصة الجهاديين منهم، في زمن كانت سوريا تستشرف ما سيكون مقبلاً عليها من مصاعب في هذا الملف، والميزة الثالثة أنه لم يكن مفتياً، بل قائماً مقامه، وسهلاً ليّناً مطواعاً. ومع الوقت، فقد ميزتين، وبقيت حالة عدائه للسلفية لتتحول إلى عقبة بحدّ ذاتها، مع اتجاه يستجدّ بضرورة استيعاب القوى السلفية (غير الجهادية) في حضن مؤسسات الدولة التي نقبل عليها.
أضف إلى ما سبق أن الخيارات تضيق اليوم. فإمّا تتجه المساجد إلى لامركزية إدارية موسّعة، وتعمّ معها حالة الفوضى، وإما إلى ضبط الأمور عبر إكمال المرجعية الحالية لولايتها التي لم يبق منها أكثر من عامين، على أن يُنتخب مفتٍ للجمهورية من بيروت (أحد الأسماء المرشحة هو الشيخ حسن قاطرجي)، وتدار شؤون الطائفة في هذه الأثناء من خلية عمل مصغّرة بدأت بالتشكّل فعلياً.
ثمة العشرات من علماء الدين الذين حفروا لمرجعيتهم عميقاً، ولم ينفع هذه المرجعية توجيه أئمة المساجد إلى شتم الصحافيين، ولا إلى استنهاض عصب طائفي في الوقت الذي عُدّلت فيه أدوار الكومبارس في مسرحية الجمهورية الحديثة، وعلى أحدهم أن يدفع ثمن مكر علماء الدين وخبث السياسيّين.
فداء عيتاني
كثيرون من صقور قوى 14 آذار أصبحوا محروقين على المستوى العام. ثقل وزنهم حتى باتوا عبئاً على من وظّفهم أو سلّمهم منصبهم أو ضمن لهم الاستمرارية فيه. لقد آن الأوان لتغييرهم أو إعفائهم أو وضعهم في الثلاجة بانتظار أزمنة أخرى تبرز خلالها حاجة إلى إعادة تلميعهم، أو تركهم يستمتعون بما جنت أيديهم من أموال إلى أن يقضي الله أمره.
موظّفو دار الفتوى لا يشذّون عن هذه القاعدة. الخلّص من أصدقاء سوريا في لبنان فتحوا ملف دار الفتوى بمرجعيته الرئيسية. ثمّة ما أزعجهم واستنفد صبرهم في مرجعية الدار. والأصدقاء المخلصون لمصر، من ناحيتهم، لم يكونوا أقلّ حماسة في فتح أبواب الجحيم على مرجعيات الدار التي تتبع لرئاسة مجلس الوزراء. والمملكة العربية السعودية لم تمانع عبر أقنيتها وممثّليها السياسيّين في لبنان في فتح أبواب النقاش المغلق (كما تفضّله المملكة دائماًَ) في مصير دار الفتوى وكرسيها الأوّل. وانعكس كل ذلك على من كان ابنه يجني مئات آلاف الدولارات من صرف النفوذ والسلطة وأشكال الفساد المتنوّعة، التي لم توفّر استيراد السيارات الرياضية وإمرارها عبر الجمارك دون تأدية الرسوم، لكونها مستوردة لمصلحة دار الفتوى.
بات مصير الدار محسوماً. توافق ما، أتى على ما كان يمثّل حصناً حصيناً من قلاع تيار المستقبل، ومِن «اللهم اشهد إني قد بلّغت» التي قيلت على لسان رأس الدار ليل السابع من أيار عام 2008، إلى وقوف الرجل نفسه بعباءته من أسابيع ثلاثة محاولاً إيقاف المصلّين الخارجين من صلاة الجمعة من مسجد عائشة بكار، واستنهاض غيرتهم على «دار الفتوى التي تتعرّض لهجمة ولا من مؤمن يردّ الأذى عنها» مسافة، أفضت إلى أن لا يجد الرجل، وهو أعلى مرجعية دينية لدى أهل السنّة، من يقف ليستمع إليه حتى ينهي جملته.
يطول شرح التفاصيل التي أدّت إلى نفض تيار المستقبل يده من المرجعية الدينية الحالية التي طالما خدمته، والتي حين كان الرئيس رفيق الحريري يساير دمشق، كانت الدار ترسل علماءها إلى سوريا في كل مناسبة وحين، وتشارك في لقاءات حزب البعث، كأنها جزء من القيادة القطرية. وحين انقلب اتجاه الرياح لدى التيار، انعطفت مرجعية الدار 180 درجة، حتى كادت تجنح، وأخذت أقصى حالات العداء لسوريا. كذلك يطول شرح الأسباب التي حدت برئيس الحكومة فؤاد السنيورة إلى توجيه كلام قاس للمرجعية خلال اللقاء الذي أبلغ خلاله أنه سيكلّف شركتين بالتدقيق المالي في الدار. وفي وقت لاحق، جرت مواجهة المرجعية بأن نتيجة التدقيق ستكون بإعادة الأموال المفقودة أو المستفاد منها بواسطة صرف السلطة والنفوذ وتلزيم الابن لمشاريع بعضها مبالغ في أرقامه، وأخرى وهمية بالكامل (مثل ترميم مبانٍ غير موجودة أصلاً).
عوامل كثيرة أدّت إلى نفض تيار المستقبل يده من المرجعية الدينية التي خدمته طويلاً كان للمرجعية حين وصل إلى الدار ثلاث ميزات؛ الأولى أنه يتحلّى بالتقوى، والثانية أنه يعادي السلفيين وخاصة الجهاديين منهم، في زمن كانت سوريا تستشرف ما سيكون مقبلاً عليها من مصاعب في هذا الملف، والميزة الثالثة أنه لم يكن مفتياً، بل قائماً مقامه، وسهلاً ليّناً مطواعاً. ومع الوقت، فقد ميزتين، وبقيت حالة عدائه للسلفية لتتحول إلى عقبة بحدّ ذاتها، مع اتجاه يستجدّ بضرورة استيعاب القوى السلفية (غير الجهادية) في حضن مؤسسات الدولة التي نقبل عليها.
أضف إلى ما سبق أن الخيارات تضيق اليوم. فإمّا تتجه المساجد إلى لامركزية إدارية موسّعة، وتعمّ معها حالة الفوضى، وإما إلى ضبط الأمور عبر إكمال المرجعية الحالية لولايتها التي لم يبق منها أكثر من عامين، على أن يُنتخب مفتٍ للجمهورية من بيروت (أحد الأسماء المرشحة هو الشيخ حسن قاطرجي)، وتدار شؤون الطائفة في هذه الأثناء من خلية عمل مصغّرة بدأت بالتشكّل فعلياً.
ثمة العشرات من علماء الدين الذين حفروا لمرجعيتهم عميقاً، ولم ينفع هذه المرجعية توجيه أئمة المساجد إلى شتم الصحافيين، ولا إلى استنهاض عصب طائفي في الوقت الذي عُدّلت فيه أدوار الكومبارس في مسرحية الجمهورية الحديثة، وعلى أحدهم أن يدفع ثمن مكر علماء الدين وخبث السياسيّين.
فداء عيتاني