المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحب في القرآن



ابو ابراهيم
16-01-2010, 12:51 PM
الحب في القرآن

الكاتب : د. محمد سعيد رمضان البوطي
الناشر : دار الفكر دمشق 2009

في مقدمة كتابه الجديد يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي انه بحث في الكتب والمؤلفات الإسلامية فوجد أبحاثا كثيرة في العقائد والشرائع والبلاغة والإعجاز والقصص والأخبار لكنه لم يجد بحثا عن الحب في القرآن الكريم.

أما سبب ذلك فهو أن القرآن يوجه القلوب إلى حب ما لا تستهوي النفوس حبه. مع أن القرآن الكريم لا يعوق النفس عن نيل شهواتها ولكن باعتدال وعقل وتحت مظلة الإيمان بالله. وقد قسم المؤلف كتابه إلى فصول بدأها بالحديث عن حب الله للإنسان ثم تلاها بفصل عن حب الإنسان لله، ثم حب الإنسان لأخيه الإنسان ثم ختم بدور الحب في حياة الإنسان.يقول الله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) الإسراء (17/70) وهي آية تتضمن المكانة المتميزة للإنسان الذي أمر الله الملائكة بالسجود له. الحب تعريفا هو التعلق بالشيء على وجه الاستئناس به والاستيحاش لفقده، وهو معنى غير وارد في حق الله، فحب الله للإنسان هو الرضا عنه والمغفرة له.

ومصير هذا الحب منوط بالمصير الذي يتخذه الإنسان تجاه التكاليف التي شرفه الله بها والوصايا التي أمره بها وهو ما يقرره البيان الإلهي في أكثر من مناسبة، فمن ذلك ؛ قوله (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) البقرة (2 / 222) وفي قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة (2/ 195) وفي قوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) الصف (61/5) وهي محبة تشمل المذنبين التائبين، وهذه المحبة مكرمة كبيرة معرضة للضياع بالاستغراق في الملهيات، وهذه المحبة فطرة أودعها الله في الإنسان (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) الأعراف (7/172) وهي فطرة قابلة للرعاية أو للزراية (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس (9/10) والتزكية تكون بالطاعات والتقرب إلى الله بالنوافل.

ويجيب المؤلف عن سؤال حب الله المطلق كيف يكون؟ فالحب عادة يكون بين المتناسبين من جنس واحد أو يكون إلى أماكن وديار تدرك بالحواس، بقوله: أن كل ما يعتري النفس الإنسانية من أشواق إلى أنواع الجمال الإنساني والطبيعي هو من تجليات حب الله .الشوق إلى المجهول هو من تجليات حب الله.

وما يحجب هذا الحب هو غرائز الإنسان الحيوانية، لكن القول بأن نوافذ الحب محصورة بالحواس الخمس باطل، فالبصيرة الباطنة والوجدانية أقوى إدراكا وتأثرا من بصره الظاهر والقلب أدق من العين، والجمال محبوب بأنواعه الحسية والمعنوية، فحتى الحواس الخمس لها حظ من رؤية جمال الله في آياته المبثوثة في الكون، وثمة طريق لاكتساب هذا الحب بالإكثار من مراقبة الله وذكره وربط النعم بالمنعم والحرص على البعد عن النواهي والحرام وثمة سبيل ثالث.

وهو مجالسة الصالحين سواء كانوا من العوام أو من الخاصة العلماء، ولهذا الحب ثمرات أولها؛ هو الشوق إلى لقاء الله والولع بذكره، ومن ثمراته الإشفاق على عباد الله جميعا. ويذكر المؤلف أن محبة العبد للرب غاية وليست وسيلة.

ويذكر أيضا بأن الرب غفور رحيم ويغفر الذنوب جميعا فلا اشتراط على عدم مقارفة الذنوب فاستغفار الذنوب من طرق التحبب إلى الله عز وجل.

أما أهم منغصات حب الله فهي اتخاذ الناس من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) البقرة (2 /165) والله لا يطلب اجتثاث حب الأهل والزوجة والأولاد وأمتعة الدنيا، كيف وهو الذي غرس حبها في النفس، ولكنه يطالب بأن تكون محبتها محكومة بمحبة الله، خاضعة لأحكامه وشريعته.

ومن أحب الله فإنه سيحب عباده جميعا. وللتحابب بين الناس قانونان؛ تحابب ديني بين المؤمنين، وتحابب إنساني عام. ويحذر المؤلف من قصر الحب بين عباد الله المسلمين فقط ويقرأ آية (إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الحجرات (49/10) قراءة غير حصرية.
فالحصر مؤداه أن علاقة المؤمنين في كل الحالات ليست إلا علاقة إخوة، لا ينبغي أن تتحول إلى خصام، أما علاقة المؤمنين مع غيرهم فمسكوت عنها في هذه الآية، وثمة آية أخرى تدعو إلى البر والقسط بمن لا يعتدي على المسلمين، (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة(8) ثم إن الدعوة الى الله ليست إلا ثمرة لهذه الإخوة الإنسانية، حتى البغض في الله لا يكون لذات الكافر إنما يكون لكفره أو لسلوكه.

وللحب دور رئيسي في أعمال الدعوة والتعريف بالإسلام، فمهما أوتي الداعية من مقدرات فكرية وعلمية فهي لن تجدي إذا لم يكن الداعية عامر الوجدان محبا، فلا يدخل القلوب إلا ما كان صادرا من القلوب. العقل مصدر الإيمان أما الحب فهو مصدر الالتزام، والالتزام بالعقل وحده لا يجدي بلا عاطفة والالتزام بالحب وحده قد يؤدي إلى المهالك بلا رقابة من العقل الحافظ والحارس.