المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعتذار في ذكرى المولد.



أبو عبد الرحمن القلموني
20-02-2010, 03:56 PM
عذراً رسول الله...!


اقدّم لك الاعتذار نيابة عن آلاف بل و ملايين المسلمين، لقد نسيناك كل ايام السنة والآن حان وقت الاعتذار بإحتفال ضخم في ذكرى مولدك.

سنبدأ حفلنا كعادتنا بخير كلام ، سنطرب المستمعين، وكيف لا نطربهم ؟ لقد درس شيخنا الموسيقى و المقامات وجاهد حياته في تعلمها.

ثمّ سيصعد مقدّم الاحتفال ليشير علينا بأن نبدأ بالصلاة عليك. و ستعلو صيحات "اللهم صلي على سيدنا محمد" بين الجمهور..!
وبعدها ستخرج فرقة الانشاد لنعيش معها في اجواء الاحتفال...ستكون الاناشيد صلاةً عليك يا رسول الله، وتوسلاً بك.
لقد قال لنا الله (ادعوني استجب لكم) لكننا من حبّنا فيك آثرنا على انفسنا الا ان نعلق دعائنا بجاهك و بآل بيتك،والبعض استثقل رفع يديه بالدعاء فحوّر قبلة دعائه لتحت الأرض.
و بعد ذلك ستقوم فرق من المحبين المثاليين بالدوران و الرقص و ضرب اجسادهم محبة بك.
عذراً منك رسول الله، فالكثير منا لم يصل الى هذه المحبة المثالية فأبى ضرب نفسه.

وفي نهاية الحفل سنوزّع الحلوى و الطعام على الحاضرين و نصلّي عليك دوماً و ابداً.

أمّا اتباع دينك والوقوف على امرك و نهيك..!
امّا التحذير من شياطين الانس و من منهجهم..!
امّا الكلام عن جهادك و دعوتك ..!
أمّا تذكير الناس بالعيش في اكناف هديك و رسالتك في بقية ايام السنة..!
فلم نفكّر فيها و لم ندخلها في برنامج الاحتفال.


فهل يعجبك يا رسول الله ما فعلنا لأجلك؟ هل يرضى به ربنا عنّا؟


لقد غدت قدواتنا مستهترة بدعوة الاسلام، نعم ..علمائنا اصبحت ابواقاً لحكامها.
فبدل ان يكون العالم الذي ينطق بكلام الله خير كلام، و بسنة المصطفى خير هدي، اصبح كلامه مرهوناً بسياسة الطاغية و الرويبضة.
لقد كان لك يا رسول الله منبر خشبيّ لا مزخرف ولا منقوش فأسمعت الدنيا خير الكلام و جعلتهم يعيشون تحت راية خير دين، امّا اليوم فكم من المنابر المزخرفة و عليها اشباه من الرجال ،دنسوا العمامة الشريفة التي يحملها رأسهم ،ولو لزموا الصمت لكان خيراً لهم.

أمرتنا بالدعوة و تبليغ الرسالة، لكننا ما بلّغنا وما عملنا . البعض منا عمل و اجتهد، لكننا وقفنا له بالمرصاد و جعلنا نلقي له احجار العثرة على الطريق، نعم القينا لهم الأحجار، هم فهموا الاسلام على انهم شموليّ، اما نحن فما فهمناه الا انّه صلاة و صيام و ....وصلاة عليك.

امرتنا بالجهاد،فتخاذلنا! ليس هذا و حسب، بل وقّعنا مع الغرب على انّ الجهاد مرادف للإرهاب.
الكثير من الشباب تحمّس لما يراه من تقتيل للمسلمين في بقاع الارض و هو لا يملك السبيل للجهاد،لكنه سعى للنصرة بما ملك من وسائل، وحتى هنا وقفنا عثرة و روّجنا لثقافة -لا علاقة لنا بهم، هم من بدأوا و عليهم تحمل ذلك-.

لقد جعلنا ديننا منفصلاً عن حياتنا، لقد غيّبنا المعاني المثالية عن سلوكنا،لقد اصبحت انّما المؤمنون اخوة و يأثرون على انفسهم و تهادوا تحابوا و الكثير من هذه المعاني بعيدةً عنا كل البعد فما عاد الدين يحكم علاقاتنا بالناس ، انّما المصلحة . فسُلبنا الاخلاص من العمل حتى وصلنا الى وصلنا اليه.


لكننا يا رسول الله رغم ما نسيناه، لم ننس ان نحتفل بمولدك و ان ننصب الأعلام و نقرع الانغام.. فهل يكفّر هذا ما أذنبنا؟
وهل يرضى به ربك عنّا؟


أخوكم أبو عبد الرحمن القلموني

راشد
24-02-2010, 05:01 AM
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
اسمح لي أخي الكريم نادر أن أسجل اعجابي الشديد بهذا الموضوع
جزاك الله خيرا
فعلا, الموضوع يحاكي الواقع الى حد بعيد
نسأل الله أن يمن علينا باتباع هدي نبيه الكريم, وأن يحشرنا في زمرته يوم الدين
السلام عليكم

وجدي عصام طوط
24-02-2010, 01:38 PM
الدكتور سلمان بن فهد العودة


لم يكتب لأحدٍ من البشر من الأثر والخلود والعظمة ما كتب لصاحب النسب الشريف صلى الله عليه وسلم.

ولقد دونت في سيرته الكتب، ودبجت في مديحه القصائد، وعمرت بذكره المجالس، وبقيت عظمته قمة سامقة لا تنالها الظنون.

تقلبت به صروف الحياة من قوة وضعف، وغنى وفقر، وكثرة وقلة، ونصر وهزيمة، وظعن وإقامة، وجوع وشبع، وحزن وسرور، فكان قدوة في ذلك كله، وحقق عبودية الموقف لربه كما ينبغي له.

ظل في مكة ثلاث عشرة سنة، وما آمن معه إلا قليل، فما تذمّر ولا ضجر، وجاءه أصحابه يشتكون إليه، ويسألونه الدعاء والاستنصار، فحلف على نصر الدين، وتمام الأمر، وأنكر عليهم أنهم يستعجلون، فكان الأمر كما وعد علما من أعلام نبوته، ونصرا لأمر الله، لا للأشخاص.

وكان من نصره أن تأتيه وفود العرب من كل ناحية مبايعة على الإسلام والطاعة فما تغير ولا تكبّر، ولا انتصر لنفسه من قوم حاربوه وآذوه وعاندوا دينه.

كما كان يقول أبو سفيان بن الحارث:


لعـــــمرك إني يوم أحمل راية **** لتغــلب خيلَ اللات خيلُ محمدِ

لكـــالمدلج الــحيران أظلم ليله **** فهذا أواني حين أهدي وأهتدي

هـداني هــــادٍ غير نفسي ودلني **** عـلى الله من طردته كل مطرد

وما حملت من ناقة فوق ظهرها **** أبر وأوفى ذمــــة من محــــمد



فاستل العداوات، ومحا السخائم، وألّف القلوب، وأعاد اللُّحمة، وعرف عدوُّه قبل صديقه أنها النبوة، وأنه لم يكن صاحب طموح شخصي ولا باني مجد ذاتي.

تعجب من عفويته وقلة تكلفه في سائر أمره، واحتفاظ شخصيته بهدوئها وطبيعتها وتوازنها مهما تقلبت عليها الأحوال، واختلفت عليها الطرائق.


جوانب العظمة في شخصيته


كل إنسان إلا وله طبعه الخاص الذي يبين في بعض الحال، ويستتر في بعض، ويترتب عليه استرواح لقوم دون آخرين، ويحكم العديد من مواقفه وتصرفاته.. حاشاه صلى الله عليه وسلم؛ فهو يُقْبِل بوجهه على كل جليس، ويخاطب كل قوم بلغتهم، ويحدثهم بما يعرفون، ويعاملهم بغاية اللطف والرحمة والإشفاق، إلا أن يكونوا محاربين حملوا السلاح في وجه الحق، وأجلبوا لإطفاء نوره وحجب ضيائه.

كل طعام تيسر من الحلال فهو طعامه، وكل فراش أتيح فهو وطاؤه، وكل فرد أقبل فهو جليسه.

ما تكلف مفقودا، ولا رد موجودا، ولا عاب طعاما، ولا تجنب شيئا قط لطيبه، لا طعاما ولا شرابا ولا فراشا ولا كساء، بل كان يحب الطيب ولكن لا يتكلفه.

سيرته صفحة مكشوفة يعرفها محبوه وشانئوه، ولقد نقل لنا الرواة دقيق وصف بدنه، وقسمات وجهه، وصفة شعره، وكم شيبة في رأسه ولحيته، وطريقة حديثه، وحركة يده، كما نقلوا تفصيل شأنه في مأكله، ومشربه، ومركبه، وسفره، وإقامته، وعبادته، ورضاه، وغضبه، حتى دخلوا في ذكر حاله مع أزواجه أمهات المؤمنين في المعاشرة، والغسل، والقسم، والنفقة، والمداعبة، والمغاضبة، والجد، والمزاح، وفصلوا في خصوصيات الحياة وضروراتها.

ولعمر الله إن القارئ لسيرته اليوم ليعرف من تفصيل أمره ما لا يعرفه الناس عن متبوعيهم من الأحياء، وما لا يعرفه الصديق عن صديقه، ولا الزوج عن زوجه، ولا كان أهل الكتاب يعرفون شيئا يقاربه أو يدانيه عن أنبيائهم وهم أحياء؛ وذلك لتكون سيرته موضع القدوة والأسوة في كل الأحوال، ولكل الناس.

فالرئيس، والمدير، والعالم، والتاجر، والزوج، والأب، والمعلم، والغني، والفقير..

كلهم يجدون في سيرته الهداية التامة على تنوع أحوالهم وتفاوت طرائقهم، والفرد الواحد لا يخرج عن محل القدوة به صلى الله عليه وسلم مهما تقلبت به الحال، ومهما ركب من الأطوار؛ فهو القدوة والأسوة في ذلك كله.

وإنك لتقرأ سيرة علم من الأعلام فتندهش من جوانب العظمة في شخصيته، فإذا تأملت صلاحيتها للأسوة علمت أنها تصلح لهذا العلم في صفته وطبعه وتكوينه، ولكنها قد لا تصلح لغيره.

ولقد يرى الإنسان في أحوال السالفين من الجلد على العبادة، أو على العلم، أو على الزهد ما يشعر أنه أبعد ما يكون عن تحقيقه حتى يقول لنفسه:


لا تـــعرضن لذكرنا مع ذكرهم **** ليس الصحيح إذا مشى كالمقعدِ



فإذا قرأ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحس بقرب التناول، وسهولة المأخذ، وواقعية الاتباع، حتى لقد وقع من بعض أصحابه ما وقع فقال لهم: «أنا أخشاكم لله، وأتقاكم له، وأعلمكم بما أتقي»، وقال: «اكلفوا من العمل ما تطيقون»، وقال: «إن هذا الدين يسر، ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا».

ولهذا كان خير ما يربى عليه السالكون مدارسة سيرته وهديه وتقليب النظر فيها، وإدمان مطالعتها، واستحضار معناها وسرها، وأخذها بكليتها دون اجتـزاء أو اعتساف.

إن الله عز وتعالى لم يجعل لأحد وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المنصب الشريف؛ منصب القدوة والأسوة؛ لأنه جمع هدى السابقين الذين أمر أن يقتدي بهم {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]، إلى ما خصه الله تعالى وخيَّره به من صفات الكمال ونعوت الجمال، ولهذا قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرا} [الأحزاب:21].

إن حياته صلى الله عليه وسلم وحياة خلفائه الراشدين هي المذكرة التفسيرية والترجمة العلمية لنصوص الشريعة.


واقعية سيرته


ومن الخير أن تظل هذه السيرة بواقعيتها وصدقها محفوظة من تزايد الرواة، ومبالغات النقلة التي ربما حولتها إلى ملحمة أسطورية تعتمد على الخوارق والمعجزات، وبهذا يتخفف الناس من مقاربتها واتباعها ليكتفوا بقراءتها مع هزِّ الرءوس، وسكب الدموع، وقشعريرة البدن.

إن الآيات التي تأتي مع الأنبياء حق، لكنها الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، والقاعدة هي الجريان مع السنن الكونية كما هي.

وكثيرون من المسلمين، وربما من خاصتهم يستهويهم التأسي بالأحوال العملية الظاهرة في السلوك والعبادة وغيرها، فيقتدون به صلى الله عليه وسلم في صلاته «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وحجّه «خذوا عني مناسككم»، وسنن اللباس، والدخول والخروج.

وهذا جزء من الاتباع المشروع، بيد أنه ليس كله، ولا أهم ما فيه؛ فإن اتباع الهدي النبوي في المعاملة مع الله تعالى، والتجرد والإخلاص، ومراقبة النفس، وتحقيق المعاني المشروعة من الحب والخوف والرجاء أولى بالعناية، وأحق بالرعاية، وإن كان ميدان التنافس في هذا ضعيفا؛ لأن الناس يتنافسون -عادة- فيما يكون مكسبة للحمد والثناء من الأمور الظاهرة التي يراها الناس، ولا يجدون الشيء ذاته في الأمور الخفية التي لا يطلع عليها إلا الله، وربما تحرى امرؤ صفة نبوية في عبادة أو عمل واعتنى بها وتكلف تمثلها فوق المشروع، دون أن يكلف نفسه عناء التأمل في سر هذه الصفة وحكمتها وأثرها في النفس.

وهذه المسائل -حتى التعبدية منها- ما شرعت إلا لمنافع الناس، ومصالحهم العاجلة والآجلة، وليست قيمتها في ذاتها فحسب، بل في الأثر الذي ينتج عنها فيراه صاحبه ويراه الآخرون.

وإنه لخليق بكل مسلم أن يجعل له وردا من سيرة المصطفى عليه السلام، إن كان ناشئا فمثل (بطل الأبطال) لعزام، وإن كان شابا فمثل (الشمائل المحمدية) لابن كثير أو الترمذي، و( الفـصول) لابـن كثير، أو (مختصر السـيرة)، أو (الرحيق المختوم)، أو (تهذيب سيرة ابن هشام)، وإن كان شيخا فمثل (سيرة ابن هشام) أو (ابن كثير)، وإن كان متضلعا بالمطولات فمثل (سبل الهدى والرشاد)، وكتاب (نضرة النعيم).

رزقنا الله حب نبيه، وحسن اتباعه ظاهرا وباطنا، وحشرنا في زمرته مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
المشرف العام على مجموعة مؤسسات الإسلام اليوم، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو مجلس أمنائه، والأمين العام للهيئة العالمية لنصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

حيران
25-02-2010, 10:44 AM
الحمد لله رب العالمين ، يا رب اغفر ذنوبنا ، واستر عيوبنا ، واقبل توبتنا ، وأصلح قلوبنا ، وارحم ضعفنا ، وتولَّ أمرنا ، استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، آمنا في أوطاننا ، انصرنا على أعدائك وأعدائنا ، بلغنا مما يرضيك آمالنا ، واختم بالصالحات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له غنى كل فقير ، وعز كل ذليل ، وقوة كل ضعيف ، ومفزع كل ملهوف ، فحاشا يا رب أن نفتقر في غناك ، وأن نضل في هداك ، وأن نذل في عزك ، وأن نضام في سلطانك ، فما من مخلوق يعتصم بك من دون خلقك فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً ، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دونك إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه ، وقطعت أسباب السماء بين يديه ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أدى الأمانة ، وبلغ الرسالة ، ونصح الأمة ، وكشف الغمة ، وجاهد في الله حق الجهاد ، وهدى العباد إلى سبيل الرشاد . اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين .
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير .

أيها الأخوة المؤمنون في دنيا العروبة والإسلام ، في ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن نعرفه ، أو أن نزداد معرفة به ، لأن معرفته جزء من الدين ، فقد قال الله تعالى :


http://www.nabulsi.com/text/01friday/izai/friday-62_files/image003.gif


( سورة المؤمنون )
أيها الأخوة الكرام ، سيكون محور هذه الخطبة الأولى ما قاله فيه خصومه قديماً وحديثاً ، وقد قيل : " والفضل ما شهدت به الأعداء " ، فهذا النضر بن الحارث ، وقد كان من سادة قريش ، وكان من أكبر المعارضين للنبي صلى الله عليه وسلم ، ألقى يوماً خطاباً في جمع من قريش ، وقال : " يا معشر قريش ، إنه واللهِ قد نزل بكم أمر ما أتيتم به بحيلة بعد ، كان محمد فيكم غلاماً حدثاً ، أرضاكم خلقاً ، وأصدقكم حديثاً ، وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب ، وجاء بما جاءكم به قلتم : ساحر ، لا ، واللهِ ما هو بساحر ، لقد رأينا السحرة وعقدهم ، وقلتم : كاهن ، لا ، واللهِ ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكهنة وتخالجهم ، وسمعنا سجعهم ، وقلتم : شاعر ، لا ، واللهِ ما هو بشاعر ، لقد رأينا الشعر ، وسمعنا أصنافه كلها ، هزجه ورجزه ، وقلتم : مجنون ، لا ، واللهِ ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقة ، ولا وسوسة ، ولا تخليطة ، يا معشر قريش ، فانظروا في شأنكم ، فإنه واللهِ قد نزل بكم أمر عظيم .


ولنسمع أيها الأخوة إلى حوار جرى بين هرقل ملك الروم وبعض زعماء قريش من المعارضين للنبي عليه الصلاة والسلام ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ :
((أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَكَانُوا تِجَاراً بِالشَّأْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ، ثُمَّ دَعَاهُمْ ، وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ ، فَقَالَ : أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَباً بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : فَقُلْتُ : أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَباً ، فَقَالَ : أَدْنُوهُ مِنِّي ، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ : قُلْ لَهُمْ : إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ ، فَوَ اللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِباً لَكَذَبْتُ عَنْهُ ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ : كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ ؟ قُلْتُ : هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ ، قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ ؟ قُلْتُ : لَا ، قَالَ : فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ ؟ قُلْتُ : لَا ، قَالَ : فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ؟ فَقُلْتُ : بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ ، قَالَ : أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ ؟ قُلْتُ : بَلْ يَزِيدُونَ ، قَالَ : فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ؟ قُلْتُ : لَا ، قَالَ : فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ؟ قُلْتُ : لَا ، قَالَ : فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ : لَا ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا ، قَالَ : وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئاً غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ ، قَالَ : فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ ؟ قُلْتُ: الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ ، يَنَالُ مِنَّا ، وَنَنَالُ مِنْهُ ، قَالَ : مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ قُلْتُ : يَقُولُ : اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالصِّدْقِ ، وَالْعَفَافِ ، وَالصِّلَةِ ، فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ : قُلْ لَهُ : سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا ، وَسَأَلْتُكَ : هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا ، فَقُلْتُ : لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ : رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ ، وَسَأَلْتُكَ : هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا ، قُلْتُ : فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ : رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ ، وَسَأَلْتُكَ : هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ، وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ ، وَسَأَلْتُكَ : أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ ، وَسَأَلْتُكَ : أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ ، وَسَأَلْتُكَ : أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا ، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ ، وَسَأَلْتُكَ : هَلْ يَغْدِرُ ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ ، وَسَأَلْتُكَ : بِمَ يَأْمُرُكُمْ ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ ، وَالصِّدْقِ ، وَالْعَفَافِ ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقّاً فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ ، ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ ، فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى ، أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ ، }وَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ{ ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ ، وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ ، وَأُخْرِجْنَا ، فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا : لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ ، فَمَا زِلْتُ مُوقِناً أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ ، وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ صَاحِبُ إِيلِيَاءَ ، وَهِرَقْلَ سُقُفّاً عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ، يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ أَصْبَحَ يَوْماً خَبِيثَ النَّفْسِ ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ : قَدْ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ ، قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ : وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً ، يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ : إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ؟ قَالُوا : لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَّا الْيَهُودُ ، فَلَا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ ، وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنْ الْيَهُودِ ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ : اذْهَبُوا ، فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لَا ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ ، وَسَأَلَهُ عَنْ الْعَرَبِ فَقَالَ : هُمْ يَخْتَتِنُونَ ، فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ ، ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ ، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَّهُ نَبِيٌّ ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا ، فَغُلِّقَتْ ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الرُّومِ هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرُّشْدِ ، وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ ، فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ ، فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الْأَبْوَابِ ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ ، وَأَيِسَ مِنْ الْإِيمَانِ ، قَالَ : رُدُّوهُمْ عَلَيَّ ، وَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفاً أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ ، فَقَدْ رَأَيْتُ ، فَسَجَدُوا لَهُ ، وَرَضُوا عَنْهُ ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ)) .
[البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ]

أيها الأخوة الأحباب ، كلمة أقولها : لو أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهموا الإسلام كما يفهمه عامة المسلمين اليوم ما خرج الإسلام من مكة :
((فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقّاً فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ)) .
[البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ]



أيها الأخوة الكرام ، يقول أحد كتاب السيرة الغربيين : كان محمد عابداً متحنثاً ، وقائداً فذاً ، شيد أمة من الفتات المتناثر ، وكان رجل حرب يضع الخطط ، ويقود الجيوش ، وكان أباً عطوفاً ، وزوجاً تحققت فيه المودة والرحمة والسكن ، وكان صديقاً حميماً ، وقريباً كريماً ، وجاراً تشغله هموم جيرانه ، وحاكماً تملأ نفسه مشاعر محكوميه ، يمنحهم من مودته وعطفه ما يجعلهم يفتدونه بأنفسهم ، ومع هذا كله فهو قائم على أعظم دعوة شهدتها الأرض ، الدعوة التي حققت للإنسان وجوده الكامل ، وتغلغلت في كيانه كله ، ورأى الناس الرسول الكريم تتمثل فيه هذه الصفات الكريمة فصدقوا تلك المبادئ التي جاء بها كلها ، ورأوها متمثلة فيه ، ولم يقرؤوها في كتاب جامد ، بل رأوها في بشر متحرك ، فتحركت لها نفوسهم ، وهفت لها مشاعرهم ، وحاولوا أن يقتبسوا قبسات من الرسول الكريم كل بقدر ما يطيق ، فكان أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل ، وكان هادياً ومربياً بسلوكه الشخصي ، قبل أن يكون بالكلم الطيب الذي ينطق به .
يقول الباحث البريطاني كارييل : إن التشكيك في صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ودينه يعد اليوم عاراً كبيراً ، وإن علينا الرد على مثل هذه الآراء غير الصحيحة ، والأقوال التي لا معنى لها ، فعلى الرغم من مرور القرون على بعثة هذا النبي ما يزال مئات الملايين من المسلمين في العالم يستضيؤون بنور الرسالة .
ويقول أستاذ جامعي أميركي : لقد أدرك محمد صلى الله عليه و سلم ـ نصلي عليه طبعاً ـ أهمية الاتحاد وعلو منزلة المجتمع الموحد في بعثته الإسلامية ، وبذلك زرع بيديه بذور الاتحاد والمودة في نفوس المسلمين ، وسقاها وتعهدها بالرعاية حتى أعطت ثماراً حلوة المذاق .
ويقول ميلر الكاتب البريطاني المعروف : إن بعض الديانات تهتم بالجوانب الروحية من حياة البشر ، وليس لديها في تعاليمها أي اهتمام بالأمور السياسية والقانونية والاجتماعية ، ولكن محمداً ببعثته وأمانته الإلهية كان نبياً ، وكان رجل دولة ، ومقنناً ، أي واضعاً للقوانين ، وقد اشتملت شريعته على أحكام وقوانين مدنية وسياسية واجتماعية .
ويقول الكاتب والباحث الغربي ريتين : منذ بزوغ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وسطوع شمس الإسلام أثبت هذا النبي أن دعوته موجهة للعالمين ، وإن هذا الدين المقدس يناسب كل عصر ، وكل عنصر ، وكل قومية ، وأن أبناء البشر في كل مكان ، وفي ظل أيّ حضارة لا غنى لهم عن هذا الدين الذي تنسجم تعاليمه مع الفكر الإنساني .
ويقول المسيو جان الكاتب والعالم السويسري المعاصر : لو أمعنا النظر في أسلوب حياة محمد صلى الله عليه وسلم وأخلاقه على الرغم من مرور أربعة عشر قرناً على بعثته لتمكنا من فهم كنه العلاقة التي تشد ملايين الناس في العالم لهذا الرجل العظيم ، والتي جعلتهم وتجعلهم يضحون من أجله ، ومن أجل مبادئه الإسلامية السامية بالغالي والرخيص .


أما الفيلسوف الروسي تولستوي الذي أعجب بالإسلام وتعاليمه في الزهد والأخلاق والتصوف فقد انبهر بشخصية النبي صلى الله عليه وسلم ، وظهر ذلك واضحاً على أعماله فيقول في مقالة له بعنوان : "مَن هو محمد ؟" : إن محمداً e هو مؤسس ورسول ، وكان من عظماء الرجال الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة ، ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق ، وجعلها تجنح إلى السكينة والسلام ، وتؤثر عيشة الزهد ، ومنعها من سفك الدماء ، وتقديم الضحايا البشرية ، وفتح لها طريق الرقي والمدنية ، وهو عمل عظيم لا يقدم عليه إلا شخص أوتي قوة ، ورجل مثله جدير بالاحترام والإجلال .
ويقول عنه أيضاً : ليس هناك من شك في أن محمداً صلى الله عليه وسلم قدم ببعثته خدمة كبيرة للبشرية فهي فخر وهدى للناس ، وهي التي أرست دعائم الصلح والاستقرار والرخاء ، وفتحت طريق الحضارة والرقي للأجيال ، وبديهي أن ما فعله محمد صلى الله عليه وسلم عمل عظيم لا يفعله إلا شخص مقتدر ذو عزم رصين ، ومثل هذا الشخص وبلا شك يستحق كل إكرام وتقدير واحترام .
ويقول مفكر آخر رفع لواء أنه لا إله يقول : الحقيقة أن محمداً قد جاء برسالة لا يمكن إنكارها ، وهي خلاصة الرسالات السابقة ، بل وتعلو عليها ، بناء على هذا فإن رسالته للعالم دستور ثابت ، وما جاء به محمد وأقواله تنسجم وذوق البشر ، وإدراك بني الإنسان في هذا العصر .
وكم هو جميل ما قاله العالم الإيطالي واكستون قال : لو سألني أحدهم فقال : من هو محمد الذي تمدحه كل هذا المديح ؟ لقلت له بكل أدب واحترام : إن هذا الرجل المشهور ، وإن هذا القائد الذي لا نظير له وعلاوة على كونه مبعوثاً من الله هو رئيس حكومة إسلامية كانت ملجأ وملاذاً لكل المستضعفين والمسلمين ، وحامية لمصالحهم الاجتماعية ، فإن محمداً الذي يعد باني ومؤسس تلك الحكومة كان قائداً سياسياً بكل ما لهذه الكلمة من معنى .


ويقول الكاتب الفرنسي كورسيه : عندما نهض محمد بدعوته ، وقبل وبعد انطلاق بعثته كان شاباً شجاعاً شهماً ، يحمل أفكاراً تسمو على ما كان سائداً من أفكار في مجتمعه ، وقد تمكن محمد صلى الله عيه وسلم بسمو أخلاقه من هداية عرب الجاهلية المتعصبين الذين كانوا يعبدون الأصنام إلى عبادة الله الواحد الأحد ، وفي ظل حكومته الديمقراطية الموحدة تمكن من القضاء على كل أشكال الفوضى والاختلاف والاقتتال التي كانت شائعة في جزيرة العرب ، وأرسى بدل ذلك أسس الأخلاق الحميدة محولاً المجتمع العربي الجاهلي المتوحش إلى مجتمع راق ومتحضر .
وهذا المؤرخ الأوربي جيمس يقول في مقال تحت عنوان " الشخصية الخارقة " عن النبي صلى الله عليه وسلم : وقد أحدث محمد عليه السلام بشخصيته الخارقة للعادة ثورة في الجزيرة العربية ، وفي الشرق كله ، فقد حطم الأصنام بيده ، وأقام ديناً خالداً يدعو إلى الإيمان بالله وحده .
ويقول الفيلسوف الفرنسي كارديفو : إن محمداً e كان هو النبي الملهم والمؤمن ، ولم يستطع أحد أن ينازعه المكانة العالية التي كان عليها ، إن شعور المساواة والإخاء الذي أسسه محمد e بين أعضاء الكتلة الإسلامية كان يطبق عملياً حتى على النبي e نفسه .
ويقول الفيلسوف البريطاني توماس كاريل ، وقد خصص من كتابه فصلاً لنبي الإسلام بعنوان : " البطل في صورة رسول " ، عدّ فيه النبي صلى الله عليه وسلم واحداً من العظماء السبعة الذين أنجبهم التاريخ ، وقد ردّ هذا المؤلف مزاعم المتعصبين فقال : يزعم المتعصبون أن محمداً لم يكن يريد بقيامه إلا الشهرة الشخصية ومفاخر الجاه والسلطان ، كلا والله ، لقد كان في فؤاد ذلك الرجل الكبير ابن القفار والفلوات ، المتورد المقلتين ، العظيم النفس ، المملوء رحمة وخيراً وحناناً وبراً وحكمة وحجىً وإربة ونهياً وأفكاراً غير الطمع الدنيوي ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه ، كيف لا ، وتلك نفس صامتة ، ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين .
ويقول مؤلف كتاب المئة الأوائل في تاريخ البشرية ، وقد وضع محمد بن عبد الله على رأس المئة الأوائل في التاريخ البشري : هو الإنسان الأول من بين المئة الأوائل في تاريخ البشرية كلها من حيث قوة التأثير ، ومن حيث نوع التأثير ، ومن حيث امتداد أمد التأثير ، ومن حيث اتساع رقعة التأثير .


ويقول كتاب السيرة من المسلمين يصفون شخصية النبي e التعاملية ، أي يصفون جانباً من شخصيته : " لقد كان صلى الله عليه وسلم جمّ التواضع ، وافر الأدب ، يبدأ الناس بالسلام ، ينصرف بكله إلى محدثه صغيراً كان أو كبيراً ، يكون آخر من يسحب يده إذا صافح ، وإذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين ، وإذا جلس جَلس حيث ينتهي به المجلس ، لم يُرَ ماداً رجليه قط ، ولم يكن يأنف من عمل لقضاء حاجته أو حاجة صاحب أو جار ، وكان يذهب إلى السوق ، ويحمل بضاعته ، ويقول : أنا أولى بحملها ، وكان يجيب دعوة الحر والعبد والمسكين ، ويقبل عذر المعتذر ، وكان يرفو ثوبه ، ويخسف نعله ، ويخدم نفسه ، ويعقل بعيره ، ويكنس داره ، وكان في مهنة أهله ، وكان يأكل مع الخادم ، ويقضي حاجة الضعيف والبائس ، يمشي هوناً ، خافض الطرف ، متواصل الأحزان ، دائم الفكر ، لا ينطق من غير حاجة ، طويل السكوت ، إذا تكلم تَكلم بجوامع الكلم ، وكان دمثاً ، ليس بالجاحد ولا المهين ، يعظم النعم وإن دقت ، ولا يذم منها شيئاً ، ولا يذم مذاقاً ، ولا يمدحه ، ولا تغضبه الدنيا ، ولا ما كان لها ، ولا يغضب لنفسه ، ولا ينتصر لها ، إذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض بصره ، وكان يؤلف ولا يفرق ، يقرِّب ولا ينفر ، يكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ، يتفقد أصحابه ، ويسأل الناس عما في الناس ، يحسن الحسن ويصوبه ، ويقبح القبيح ويوهنه ، ولا يقصر عن حق ولا يجاوزه ، ولا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه ، من سأله حاجة لم يرده إلا بها ، أو ما يسره من القول ، كان دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخاب ولا فحاش ، ولا عياب ولا مزاح ، يتغافل عما لا يشتهي ، ولا يخيب فيه مؤمله ، كان لا يذم أحداً ، ولا يعيره ، ولا يطلب عورته ، ولا يتكلم إلا فيما يرجى ثوابه ، يضحك مما يضحك منه أصحابه ، ويتعجب مما يتعجبون ، ويصبر على الغريب وعلى جفوته في مسألته ومنطقه ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه" ، والحديث عن شمائله صلى الله عليه وسلم حديث يطول لا تتسع له المجلدات ولا خطب في سنوات ، ولكن الله جل في علاه لخصها بكلمات فقال :






وإنك لعلى خلق عظيم ( سورة القلم )






وأجـمل منك لم ترَ قط عين و أكمل منك لم تلد النساء


خلقت مبرءاً من كل عـيب كأنـك قد خلقت كما تشاء


* * *


و أسـدت للبرية بنت وهب يداً بيضاء طوقت الرقاب


لقد وضــعته وهاجاً منيراً كما تلد السماوات الشهاب


* * *


الموضوع العلمي : تذكية الذبيحة .
أيها الأخوة الأحباب ، من دلائل نبوة النبي هذا الموضوع العلمي : تذكية الذبيحة، وبحسب توجيه النبي صلى الله عليه وسلم هي الذبح بطريقة معينة ، ويتم ذلك بقطع الوريد الرئيسي فقط ، وأن يمتنع الذابح عن قطع الرأس بالكامل ، ولم يكن في محيط النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا في الجزيرة العربية ، ولا في مراكز الحضارات شرقاً وغرباً من معطيات علمية تسمح بتعليل ذلك التوجيه ، بل ولا في العصور التي تلت عصره صلى الله عليه وسلم، إلى أن اكتُشِف أخيراً قبل بضعة عقود من الزمن أن القلب ـ قلب الإنسان وقلب الذبيحة ـ ينبض بتنبيه ذاتي يأتيه من مركز كهربائي في القلب ، ومع هذا المركز الأول مركزان كهربائيان احتياطيان لهذا المركز ، يعمل الثاني عند تعطل الأول ، ويعمل الثالث عند تعطل الثاني ، ولكن هذا التنبيه الذاتي الذي يأتي من القلب يعطي النبض الطبيعي ثمانين نبضة مثلاً ليس غير ، أما حينما يواجه الكائن خطراً ، ويحتاج إلى مئة وثمانين نبضة في الدقيقة لتسرع الدم في الأوعية ، وليرتفع الجهد العضلي بزيادة إمداده بالدم فلا بد عندئذ من أن يأتي أمر استثنائي كهربائي هرموني من الغدة النخامية في الدماغ إلى الكظر ، ثم إلى القلب ، وهذا يقتضي أن يبقى رأس الدابة متصلاً بجسمها حتى يُفَعل الأمر الاستثنائي برفع النبض .


أيها الأخوة الأحباب ، إن نبضات القلب الاستثنائية بعد الذبح من خلال وجود علاقة بين المخ والقلب تدفع الدم كله إلى خارج الجسم فيصير الحيوان المذبوح طاهراً وردي اللون ، ومعلوم أن مهمة القلب عند ذبح الحيوان هي إخراج الدم كله من جسم الدابة ، والنبض الطبيعي لا يكفي لإخراج الدم كله من جسم الذبيحة ، فإذا قطع رأس الذبيحة بالكامل حرم القلب من التنبيه الاستثنائي الكهربائي الهرموني الذي يسهم في إخراج الدم كله من الذبيحة ، عندئذ يبقى دم الدابة فيها ، ولا يخفى ما في ذلك من أذى يصيب آكلي هذه الذبيحة ، فإذا بقي دم الدابة فيها كان خطراً على صحة الإنسان ، لأن الدم في أثناء حياة الدابة يصفى عن طريق الرئتين والكليتين والتعرق ، أما بعد الذبح فيصبح الدم بيئة صالحة لنمو الجراثيم الفتاكة حيث تسري الحموض السامة التي تؤذي الإنسان بسبب وجودها في جسم الحيوان ، وبهذا يتسمم اللحم كله ، وبوجود حمض البول في الدم ، وبوجود الدم في اللحم يسري هذا كله إلى آكل هذه الذبيحة ، فإذا أكل الإنسان هذا اللحم يعاني من آلام في المفاصل ، لأن حمض البول يترسب في تلك المفاصل ، لذلك فتذكية الذبيحة تطهيرها بخروج الدم منها ، ولا يخرج الدم كله من الذبيحة إلا إذا بقي الرأس متصلاً بالذبيحة .
أيها الأخوة ، من أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الحقائق التي اكتشفت قبل حين حيث أمر أصحابه بقطع أوداج الدابة دون قطع رأسها كما تفعل معظم المسالخ في العالم غير الإسلامي ؟ إن هذا الحديث الشريف من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم .
أيها الأخوة الكرام ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .


***


الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


أخوتي المؤمنين ، أعزائي المستمعين ، إلى الموضوع الساخن والضاغط ، من السهل جداً أيها الأخوة أن نعاين السلبيات ، وما أكثرها في الأحداث الأخيرة ، ولكن ليس من السهل ولا متاحاً لكل إنسان أن يكتشف الإيجابيات فيها ، لأنها تحتاج إلى بعد نظر ، وإلى قوة بصيرة ، وهذا ليس متاحاً لمعظم الناس ، يضاف إلى ذلك أنه من منطلق العقيدة الإسلامية الصحيحة أن كل شيء وقع أراده الله ، بمعنى أنه سمح به فقط ، فلا يقبل ، ولا يعقل أن يقع في ملك الله ما لا يريد ، وأن كل شيء أراده الله وقع ، فهو فعال لما يريد ، وأن إرادته متعلقة بالحكمة المطلقة ، لأن كمال الله مطلق ، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، قال تعالى :


http://www.nabulsi.com/text/01friday/izai/friday-62_files/image014.gif


( سورة آل عمران الآية : 26 )
يضاف إلى ذلك أن لكل واقع حكمة ، ولو كان الموقع غير حكيم ، لأن الله جلت حكمته يوظف الشر الذي تنضح به نفوس المعرضين بالخير المطلق ، ولأن الشر المطلق لا وجود له في الكون ، بل هو يتناقض مع وجود الله ، قال تعالى :


http://www.nabulsi.com/text/01friday/izai/friday-62_files/image015.gif


( سورة القصص )
دققوا :


http://www.nabulsi.com/text/01friday/izai/friday-62_files/image016.gif


( سورة القصص )
يوظف الشر الذي تنضح به نفوس المعرضين للخير المطلق ، وبناء على هذا سنحاول تلمس الحكمة الربانية في الأحداث الأخيرة منطلقين من قوله تعالى :


فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا ( سورة النساء)



أيها الأخوة الأحباب ، من الحقائق المرة التي هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح أن هناك خسائر لحقت وتلحق بالمسلمين من خلال الأحداث الأخيرة ، وثمة مكاسب للطرف الآخر حققها ، وقد يحقق غيرها ، ولكن السؤال المطروح : كيف نتلمس المكاسب تحت ركام الخسائر ؟ وما من شك أن لكل معركة خسائر ظاهرة ومكاسب خفية ، والمتأمل في التاريخ يرى صوراً للنصر انبثقت من حطام المأساة ، إذاً تفاءلوا ، وكان عليه الصلاة والسلام يحب التفاؤل .
أيها الأخوة الكرام ، في الأحداث الأخيرة سقطت مبادئ القوم وسقطت شعاراتهم، وأخفقت مؤسساتهم وهيئاتهم ، فالحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان وما شابهها باتت مصطلحات محنطة من مخلفات الماضي ، وكادت هذه القيم الغربية البراقة تصرف النفوس عن قيم الدين الأصيلة ، وتخطف الأبصار عن مضامين وحي السماء ، فلما سقطت مبادئ القوم وقيمهم لم يبق في ساحة القيم إلا قيم الدين ، ولم يبق من خلق إلا خلق أهل الإيمان ، كما أن الأحداث الأخيرة وسعت دائرة المقت للغرب البعيد ولمبادئه ولحضارته ، وكثرت من سواد الرافضين لأفكاره ومبادراته ، وأن كثيراً من المفاهيم والأنماط والسلوكيات الاجتماعية سيعاد النظر فيها ، أعني تلك التي صُدِّرت لنا من الغرب على مستوى الرجل والمرأة ، وعلى مستوى الأسرة والعلاقات والنشاطات ، فالمقت للغرب البعيد سيسري على مقت صادراتهم الفكرية وأنماط حياتهم الاجتماعية ، ولا مجال اليوم ولا غداً لمن كانوا ينظرون للغرب عامة على أنه قبلة الفكر ونموذج القيم ، فقد كشفت حقيقة القوم ، وآن الأوان للمسلمين أن يعتزوا بقيمهم الإسلامية وأنماط حياتهم الاجتماعية .
وأما الآلة العسكرية فليست كما يقولون لحفظ العدل والسلام ، بل للتدمير والاحتلال ، ولا تفرق بين مدني وعسكري ، وأن الآلة الإعلامية تلبست بالكذب والتزوير والاستخفاف بالعقول .



اتضح للمسلمين من خلال الأحداث الأخيرة أن الجهاد بمضامينه الشمولية والعميقة لا يمكن أن يكون ردّ فعل مرتجل على خطر طارئ ، إنما هو سلوك مستمر لكل أفراد الأمة بصرف النظر عن الظروف المحيطة .
1ـ جهاد النفس والهوى :
الجهاد الأساسي هو جهاد النفس والهوى ذلك أن المهزوم أمام شهواته وأمام حظوظه لا يمكن أن يقاوم عدواً ، أخذاً بقوله تعالى :


إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ( سورة الرعد الآية : 11 ) .
ما لم تكن مشاريع التغيير منطلقة من داخل النفس فإنها لا تنجح إطلاقاً .
2ـ الجهاد الدعوي :
الجهاد الثاني الجهاد الدعوي ، ذلك أن الإنسان الذي لا يعلم من هو ، ولا يعلم سر وجوده ، ولا غاية وجوده ، ولا يعرف ربه ، ولا يعلم مراده منه ، ولا يعلم حقيقة الحياة الدنيا الفانية ، ولا عظم الآخرة الباقية ، مثل هذا الإنسان لا يمكن أن يقاوم عدواً ، أخذاً بقوله تعالى :


وجهدهم به جهاداً كبيرا ( سورة الفرقان ) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : " وجاهدهم به أي بالقرآن " ، فالجهاد الكبير إنما هو الدعوة ، والبيان بالحجة والبرهان ، وأعظم حجة وبيان هو هذا القرآن ، إنه حجة الله على خلقه ، ومعه تفسيره وبيانه الذي هو السنة .
3ـ الجهاد البنائي :
الجهاد الثالث : هو الجهاد البنائي ، وهو أن كل مسلم في موقعه عليه أن يطور علمه وخبرته ، وأن يتقن عمله ويحسنه ، وأن يضع إنجازه هذا في خدمة المسلمين ، فإذا كانت الأمة الإسلامية بحاجة إلى واحد يموت من أجلها هي في أمسّ الحاجة إلى ألف إنسان يعيش من أجلها ، أخذاً بقوله تعالى :


وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم



( سورة الأنفال الآية : 60 ) .
فالمؤمنون بمجموعهم مأمورون بإعداد العدة ليواجهوا بها قوى البغي والعدوان ، فكلمة ما استطعتم تعني استنفاذ الجهد ، لا بذل بعض الجهد ، والقوة التي ينبغي أن يعدّها المؤمنون جاءت منكرة تنكير شمول ، ليكون الإعداد شاملاً لكل القوى التي يحتاجها المؤمنون في مواجهة أعدائهم من قوة في العَدد ، وقوة في العُدد ، وقوة في التدريب ، وقوة في التخطيط ، وقوة في الإمداد ، وقوة في التموين ، وقوة في الاتصالات ، وقوة في المعلومات ، وقوة في تحديد الأهداف ، وقوة في دقة الرمي ، وقوة في الإعلام ، بل إن كلمة من التي سبقت القوة جاءت لاستغراق أنواع القوة واحدة إثر واحدة .
4ـ الجهاد القتالي :
لقد أفادت استقصاء أنواع القوى لا اصطفاء بعضها ، وكلمة من رباط الخيل جاءت عطفاً للخاص المألوف وقت نزول القرآن على العام الذي يستغرق كل الأزمان والبيئات والتطورات والتحديات ، وهذا الإعداد يحقق أهم أهدافه ، ولو لم تقع المواجهة مع العدو ، إنها رهبة القوي تقذف في قلوب أعدائه ، لقوله تعالى : ﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ . هذا فضلاً عن البناء العلمي والاقتصادي والاجتماعي ، وهذا كله مما يعنيه الجهاد البنائي ، إذا تحقق جهاد النفس والهوى ، وتحقق الجهاد الدعوي ، وتحقق الجهاد البنائي ، وكان جهداً يومياً مستمراً ، وجهداً واعياً مخلصاً ، عندئذ وبعد تحقق هذه الشروط الثلاثة ينتظر أن ينجح الجهاد القتالي .


أيها الأخوة الكرام ، من المكاسب الخفية في الأحداث الأخيرة تقاربنا ووحدتنا ، ولاشك أن المسلمين يعيشون حالة من الفرقة لا يحسدون عليها ، ولكن الأحداث إذا ما استثمرت توحد كلمتهم ، وتجمع شملهم ، فالخطر يحيط بهم جميعاً ، والمخطط يستهدفهم جميعاً ، وفرقتهم وتناقضهم أمضى سلاح يلعب به أعداؤها الصهاينة ، وحينما تجتمع أو تتقارب تبدأ في السير على الطريق الصحيح لمقارعة أعدائها ، ولاشك أن عاطفة المسلم في المشرق حينما تلتقي مع عاطفة المسلم في المغرب شيء عظيم ، وهذا ما بدأنا نلمسه في هذه الأحداث الأخيرة ، والمؤمل أن تتنامى هذه المشاعر وأن تستثمر .
ومن المكاسب الخفية للأحداث الأخيرة التفكير الجماعي والمشورة ، والتفكير للخروج من الأزمة غانمين ، وليس مجرد سالمين ، هذه إيجابية طالما غفل عنها المسلمون ، إذ اعتادوا على التفكير الأحادي والمشاريع الفردية ، وهذه مع أهميتها لا بد من أن تكون جماعية ، فقد قال الله عز وجل :


وتعاونوا على البر والتقوى ( سورة المائدة الآية : 2 ) .
والتعاون والمشاورة الجماعية من سمات المسلمين ومن خصائص دينهم .
أيها الأخوة الكرام ، لقد كان لهذه الأزمات أثر في تحريكها وتقريب وجهات النظر ، والمأمول أن تزيد هذه الإيجابية ، وأن تستثمر ، وأن يتم التعاون على الخير والمشورة لصالح الإسلام وقضايا المسلمين .


ومن مكاسب المسلمين من خلال هذه الأحداث الأخيرة أنها أحيت في نفوسهم مشاعر العزة بالإسلام ، فقد كانت الضربة من القسوة بحيث أيقظت نيام المسلمين ، وأذكت مشاعر الغافلين ، وبات المسلمون في شتى أقطارهم يشعرون بأنهم وحدهم الهدف الحاضر والمستقبل ، وتجددت مفاهيم الولاء والبراء عند المسلمين ، وأحسَّ المفرطون من المسلمين بحاجتهم إلى التوبة والعودة إلى الدين ، ولقد كان صلف القوم سبباً في إشعال هذا الفتيل .
ومن مكاسب المسلمين في الأحداث الأخيرة أن الفرصة مواتية للدعوة إلى الدين الحق ، وكشف محاولة الأعداء لتشويه صورة الإسلام ، ونبي الإسلام ، وبلاد المسلمين ، والفرصة مناسبة لدعوة المسلمين للتمسك بدينهم ، فقد باتت الآذان مهيأة لسماع هذا أكثر من أي وقت مضى ، فهل يستثمر المسلمون عامة والدعاة والعلماء والمفكرون خاصة هذه الفرصة المواتية للدعوة ؟
إن الدعوة إلى الدين الحق دعوة إلى الثوابت ، وقد أشار إلى هذا السيد الرئيس في مؤتمر القمة الذي عقد مؤخراً في بيروت فقال : طالب بعضهم بالتنازل عن بعض الحقوق بحجة استيعاب العاصفة ، وكان البعض يعتقد بأنه بذلك ينحني للعاصفة ، لكنهم لم يفرقوا بين الانحناء للعاصفة واقتلاع الجذور من الأرض ، حتى قبل أن تأتي العاصفة ، عندما تقتلع الأمة من جذورها ، فأي ريح خفيفة سوف تأخذها إلى المجهول ؟ عندما تكون هناك عواصف نحن بحاجة أكثر إلى التمسك بالثوابت والمبادئ التي هي جذورنا ، فالعاصفة مهما استمرت سوف تنتهي ، وعندما نحاول الوقوف بعد غياب العاصفة ، ولن نستطيع الوقوف إن لم تكن لنا جذور ، وبالتالي عندما تكون هناك عواصف فيجب أن نتمسك أكثر بالثوابت ، فالعواصف تأتي وتذهب أما الثوابت إذا ذهبت فلن تعود ، عدا عن أن هذه العواصف متبدلة بتبدل المصالح " ، انتهى قول كلام السيد الرئيس .



إن من أشد آفات المسلمين فتكاً بهم جزئية النظر ومحدودية الفهم للدين ، كل أخذ جانباً واستغرق فيه حتى صار لا يرى غيره ، وأصيب بالعمى عن رؤية غير ما هو فيه ، وقد يستفحل هذا الداء فلا يرى هؤلاء في الميدان أحداً غيرهم ، يتصرفون حينئذ على أنهم الذين يمثلون وحدهم المسلمين ، وأنهم وحدهم الذين يحملون الراية ، وعلى الآخرين أن يتبعوهم ، وينقادوا إليهم ، ومن أسباب هذا الداء الانغلاق على النفس والجهل بواقع المجتمع ، وبواقع المسلمين ، والجهل بما عند الآخرين ، وعدم التواصل ، والتحاور معهم .
أيها الأخوة الكرام ، أوجِّه الخطاب لكل مسلم : أنت أيها المسلم مدعو للمساهمة في استثمار هذه الأزمة ، فماذا قدمت ؟ هل ساهمت بكلمة طيبة ؟ هل تقدمت بمقترح مفيد ؟ هل فكرت في مشروع نافع للأمة ؟ هل أعنت ملهوفاً ؟ هل دعوت من قلب مخلص لمكروب؟ أي نوع من المساهمة قدمت لنفسك ولأمتك ؟ هل تصدق أو يصح أن تقول : لا أستطيع عمل شيء ، هل ترضى أن تكون رقماً هامشياً في أمتك ؟ هل يكفيك أن تدير موجات المذياع بحثاً عن آخر الأخبار ، ثم ماذا ؟ أو تنظر بسلبية إلى المشاهد الدامية عن أخوانك المؤمنين ، وهم يقتلون ، وتحتل أرضهم ؟ إنها دعوة إلى المساهمة :






من عمل صلحا فلنفسه ومن أساء فعليها ( سورة فصلت)
والإسلام مسؤوليتنا جميعاً ، وكيد الأعداء يستهدفنا جميعاً ، وحقوق المسلمين علينا جميعاً .


اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداءك أعداء الدين ، اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين . اللهم انصر من نصر الدين ، واخذل من خذل عبادك المؤمنين ، اللهم انصرنا نصراً عزيزاً مؤزراً ، وارزقنا فتحاً قريباً مبيناً ، وارزقنا يقيناً بأنه لا فعال ولا ناصر في الأرض إلا أنت ، اللهم انصرنا على أنفسنا حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على أعدائنا ، لأنك قلت وقولك الحق :


http://www.nabulsi.com/text/01friday/izai/friday-62_files/image027.gif


( سورة الحج)



اللهم انصر أخوتنا في الأراضي المحتلة على أعدائك أعداء الدين ، اجعل بأس أعدائك بينهم ، اجعل تدميرهم في تدبيرهم ، اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين ، اللهم اغفر ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ، وأفرغ علينا صبراً ، وثبت أقدامنا ، وانصرنا على القوم الكافرين . اللهم أعل كلمة الحق و الدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيراً فوفقه لكل خير ، ومن أراد بهم غير ذلك فخذه أخذ عزيز مقتدر ، واجعله عبرة لمن يعتبر ، اللهم وفق ولاة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لما تحبه وترضى ، اللهم ألف بينهم ، ووحد كلمتهم ، واجمعهم على الحق والخير والهدى ، اللهم وفق السيد رئيس الجمهورية بشار الأسد لما فيه خير البلاد والعباد ، وهيئ له بطانة خير ، ووزراء صدق ، يا رب العالمين ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .



والحمد لله رب العالمين

حيران
25-02-2010, 10:46 AM
هذه الخطبة تجدونها على الرابط التالي:
http://www.nabulsi.com/text/01friday/fri61-70/Friday62.pdf

وجدي عصام طوط
25-02-2010, 11:30 AM
ابتسامة الرسول ، حقائق وأسرار


الدكتور: عمر عبد الله المقبل**

حينما يقلب المسلم سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينقضي عجبه من جوانب العظمة والكمال في شخصيته العظيمة صلوات ربي وسلامه عليه.

ومن جوانب تلك العظمة ذلك التوازن والتكامل في أحواله كلها، واستعماله لكل وسائل تأليف القلوب وفي جميع الظروف.

ومن أكبر تلك الوسائل التي استعملها -صلى الله عليه وسلم- في دعوته، هي تلكم الحركة التي لا تكلف شيئا، ولا تستغرق أكثر من لمحة بصر، تنطلق من الشفتين، لتصل إلى القلوب، عبر بوابة العين، فلا تسل عن أثرها في سلب العقول، وذهاب الأحزان، وتصفية النفوس، وكسر الحواجز مع بني الإنسان! تلكم هي الصدقة التي كانت تجري على شفتيه الطاهرتين، إنها الابتسامة!

الابتسامة التي أثبتها القرآن الكريم عن نبي من أنبيائه، وهو سليمان –عليه السلام- حينما قالت النملة ما قالت!.

إنها الابتسامة التي لم تكن تفارق محيا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في جميع أحواله، فلقد كان يتبسم حينما يلاقي أصحابه، ويتبسم في مقامٍ إن كتم الإنسان فيه غيظه فهو ممدوح فكيف به إذا تبسم؟! وإن وقع من بعضهم خطأ يستحق التأديب، بل ويبتسم -صلى الله عليه وسلم- حتى في مقام القضاء!.

فهذا جرير -رضي الله عنه- يقول -كما في الصحيحين-: ما حَجَبني رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- منذُ أسملتُ، ولا رآني إلا تَبَسَّم في وجهي.

ويأتي إليه الأعرابي بكل جفاء وغلظة، ويجذبه جذبة أثرت في صفحة عنقه، ويقول: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ! فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ.

ومع شدة عتابه -صلى الله عليه وسلم- للذين تخلفوا عن غزوة تبوك، لم تغب هذه الابتسامة عنه وهو يسمع منهم، يقول كعب -رضي الله عنه- بعد أن ذكر اعتذار المنافقين وحلفهم الكاذب: فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ «تَعَالَ» . فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ.

ويسمع أصحابه يتحدثون في أمور الجاهلية -وهم في المسجد- فيمر بهم ويبتسم!

بل لم تنطفئ هذه الابتسامة عن محياه الشريف، وثغره الطاهر حتى في آخر لحظات حياته، وهو يودع الدنيا -صلى الله عليه وسلم- يقول أنس -كما في الصحيحين-: بينما الْمُسْلِمُونَ في صَلاَةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الإِثْنَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بَهُمْ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي صُفُوفِ الصَّلاَةِ. ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ!
ولهذا لم يكن عجيبا أن يملك قلوب أصحابه، وزوجاته، ومن لقيه من الناس!.


الطريق إلى القلوب!


لقد شقّ النبي -صلى الله عليه وسلم- طريقه إلى القلوب بالابتسامة، فأذاب جليدها، وبث الأمل فيها، وأزال الوحشة منها، بل سنّ لأمته وشرع لها هذا الخلق الجميل، وجعله من ميادين التنافس في الخير، فقال: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) رواه الترمذي وصححه ابن حبان.

ومع وضوح هذا الهدي النبوي ونصاعته، إلا أنك ترى بعض الناس يجلب إلى نفسه وإلى أهل بيته ومن حوله الشقاء بحبس هذه الابتسامة في فمه ونفسه.

إنك تشعر أن بعض الناس -من شدة عبوسه وتقطيبه- يظن أن أسنانه عورةٌ من قلة ما يتبسم! فأين هؤلاء عن هذا الهدي النبوي العظيم!.

نعم.. قد تمر بالإنسان ساعات يحزن فيها، أو يكون مشغول البال، أو تمر به ظروف خاصة تجعله مغتمًّا، لكن أن تكون الغالب على حياة الإنسان "التكشير"، والانقباض، وحبس هذه الصدقة العظيمة، فهذا –والله- من الشقاء المعجّل لصاحبه والعياذ بالله.


ابتسامة ثنائية الأبعاد!


إن بعض الناس حينما يتحدث عن الابتسامة يربط ذلك ببعض الآثار النفسية الجيدة على المبتسم، وهذا حسن، وهو قدر يشترك فيه بنو آدم، إلا أن المسلم يحدوه في ذلك أمرٌ آخر، وهو التأسي به -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به، وستأتيه الآثار النفسية والصحية التي تذكر في هذا المجال.

لقد أدرك العقلاء من الكفار والمسلمين أهمية هذه الابتسامة، وعظيم أثرها في الحياة!
يقول ديل كارنيجي في كتابه المشهور (كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس): "إن قسمات الوجه خير معبر عن مشاعر صاحبه، فالوجه الصبوح ذو الابتسامة الطبيعية الصادقة خير وسيلة لكسب الصداقة والتعاون مع الآخرين، إنها أفضل من منحة يقدمها الرجل، ومن أرطال كثيرة من المساحيق على وجه المرأة، فهي رمز المحبة الخالصة والوداد الصافي.

ويقول: "لقد طلبت من تلاميذي أن يبتسم كل منهم لشخص معين كل يوم في أسبوع واحد؛ فجاءه أحد التلاميذ من التجار، وقال له: اخترت زوجتي للابتسامة، ولم تكن تعرفها مني قط، فكانت النتيجة أنني اكتشفت سعادة جديدة لم أذق مثلها طوال الأعوام الأخيرة! فحفزني ذلك إلى الابتسام لكل من يتصل بي، فصار الناس يبادلونني التحية ويسارعون إلى خدمتي، وشعرت بأن الحياة صارت أكثر إشراقًا وأيسر منالا، وقد زادت أرباحي الحقيقية بفضل تلك الابتسامة". إلى أن قال ديل كارنيجي: تذكر أن الابتسامة لا تكلف شيئا، ولكنها تعود بخير كثير، وهي لا تفقر من يمنحها مع أنها تغني آخذيها، ولا تنس أنها لا تستغرق لحظة، ولكنها تبقى ذكرى حلوة إلى آخر العمر. وليس أحد فقير لا يملكها، ولا أحد غني مستغن عنها.

كم نحتاج إلى إشاعة هذا الهدي النبوي الشريف، والتعبد لله به في ذواتنا، وبيوتنا، مع أزواجنا، وأولادنا، وزملائنا في العمل، فلن نخسر شيئا! بل إننا سنخسر خيرا كثيرا -دينيا ودنيويا- حينما نحبس هذه الصدقة عن الخروج إلى واقعنا المليء بضغوط الحياة.

إن التجارب تثبت الأثر الحسن والفعّال لهذه الابتسامة حينما تسبق تصحيح الخطأ، وإنكار المنكر، وبعد: فإن العابس لا يؤذي إلا نفسه، وهو –بعبوسه- يحرمها من الاستمتاع بهذه الحياة، بينما ترى صاحب الابتسامة دائما في ربح وفرح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
**عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالمملكة العربية السعودية

المبـــارك
26-02-2010, 01:02 AM
بارك الله فيك أخ نادر على هذا الموضوع الجميل... الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون حي في قلوبنا ومنهجه مطبق في حياتنا، ليس أن نتذكره أيام الإحتفالات في ذكرى مولده فقط. بارك الله بكم...