أيمن غ القلموني
04-03-2010, 12:14 AM
سيد ولد عيسى
من المعلوم أن موريتانيا بلد مسلم سُني أشعري مالكي؛ إلا أن الذي يجهله الكثيرون أن "العقيدة" الأشعرية في موريتانيا - أو عند بعض أعلامها؛ حتى لا نعمم - ليستْ على المعنى المعروف للعقيدة الأشعرية والشائع في بلدان كثيرة غيرها؛
إذ إن كثيرًا من علماء موريتانيا يُقدّمون العقيدة السلفية عقيدةً لهم في عِزِّ دفاعهم عن الأشعرية، أو في توضيح عقائدهم باعتبارها أشعريَّة.
هذا ما لاحظتُه في كثير من الأعلام الموريتانيين وأنا أقرأ ما كتبوا عن أنفسهم في مجال العقيدة، أو ما روّجُوه عن مجتمعاتهم في هذا المجال، وسأسرد على ذلك ثلاثة أمثلة متقاربة في الفكر والمنهج والجغرافيا:
المثال الأول: الإمام أحمد بن أحمذيه:
وهو أحد العلماء المشهورين والدُّعاة المصلحين، وأحد مشايخ الشيخ بداه ولد البوصيري - رحمهما الله تعالى - يقول:
أَشْهَدُ أَنَّ وَجْهَهُ تَعَالَى لَمْ يَكُ كَالْوُجُوهِ لا وَلا لا
وَهَكَذَا اليَدُ وَهَكَذَا القَدَمْ فَكُلُّ ذَا إِيمَانُنَا بِهِ انْحَتَمْ
وَالْغَيْرُ زَيْغٌ مُشْبِهٌ مُضلِّلُ مُؤَوِّلٌ مُنْحَرِفٌ مُعَطِّلُ
هَذِي عَقِيدَةُ الْقُرُونِ وَالسَّلَفْ وَلَسْتُ أَنْحُو لِلَّذِي يَنْحُو الخَلَفْ
إِذْ أَوَّلُوا الوَجْهَ بِذَاتٍ وَاليَدَا بِقُدْرَةٍ وَلَوْ يَكُونُ أُيّدَا[1] (http://www.alukah.net/articles/1/10035.aspx?cid=60#_ftn1)
فرأيُ الشيخ هنا في تأويل الأشاعرة واضح صريح، لا يحتاج إلى بيان، وعقيدته سلفية صرْفة، ومع ذلك لا وجود لأي نسبة له للسلفية، وإنما اشتهر بين أقرانِه ومعاصريه عبر عمره الطويل (94 سنة) بأنه أشعري[2] (http://www.alukah.net/articles/1/10035.aspx?cid=60#_ftn2).
المثال الثاني: الشيخ أحمد بن فتى:
وهو تلميذ للسابق، وممن اشتهروا بالمحافظة على الأشعرية والدفاع عنها في هذه البلاد يقول:
لَسْتُ بِجَبْرِيٍّ وَلا بِقَدَرِي وَلاَ مُشَبِّهٍ وَلَكِنْ أَشْعَرِي ويقول في تبيين شيوخه في العقيدة:
وَقَدْ أَخَذْتُ عَنْ شُيُوخٍ عِدَّهْ عَقَائِدَ التَّوْحِيدِ أَخْشَى ضِدَّهْ
أَوَّلُهُمْ شَيْخِي مُحَمَّدُ الخِضَمّْ وَعِلْمُهُ بِعَابِدِ الرَّحْمَنِ تَمّْ ثم يسرد باقي شيوخه، وكلهم أشاعرة.
ويقول في إحدى قصائده:
وَثَمَّ عَقَائِدُ السُّنِّيِّ تَمَّتْ كَعَقْدِ الأَشْعَرِيِّ وَتَابِعِيهِ
خَلَتْ مِنْ كُلِّ تَعْطِيلٍ وَكُفْرٍ وَنَزَّهَتِ الإِلَهَ عَنِ الشَّبِيهِ فهو هنا ينبه إلى أن "أشعريته" لا تمنعه من الانتباه لما في التأويل من إيهام "التعطيل"، وإن كان لم يصرح بما صرح به شيخه، فإيحاؤه يعني أنه كان على علم بالأمر.
المثال الثالث: الشيخ محمدُ عيسى بن أحذيه:
وهو ما زال حيًّا - ولله الحمد - وقد لقي الشيخين السابقين، وأخذ عن الأخير قطعًا، ولا أدري هل أخذ عن الأول، وقد أعلن في بداية نظمه في الفقه أنه أشعري، ولكن حين يتكلم في العقيدة في بابها في النظم يقول بعد أن رفض تأويل المتشابه، وأقرَّ التفْويض فيه:
وَمَالِكٌ عَنِ اسْتِوَاءٍ إِذْ سُئِلْ فَقَالَ مَعْلُومٌ وَكَيْفُهُ جُهِلْ
وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَهُو سُفْيَانُ بَيَّنَ ذَا وَحَبَّذَا التِّبْيَانُ
إِنَّ العُقُولَ كُلَّهَا بِمَعْزِلِ عَنْ دَرْكِهَا حَقِيقَةَ الرَّبِّ العَلِي وقال بعد ذلك:
هَذَا كَلامُ أَحْمَدٍ وَالشَّافِعِي لاَ كَكَلاَمِ زَائِغٍ مُبْتَدِعِ وقال:
هَذَا كَلامُ الوَارِثِينَ الرُّسُلا اقْبَلْهُ إِنْ شِئْتَ وَإِنْ شِئْتَ فَلا وواضح أنه جعل الخروج عن التفويض في الكيف؛ لقول مالك: والكيف مجهول - نوعًا من الابتداع، مع أنه قدَّم أنه أشْعري[3] (http://www.alukah.net/articles/1/10035.aspx?cid=60#_ftn3).
كل هذه الأمثلة توحي بأن هناك فهمًا لمعنى الأشعرية جاء (ربما) مع المرابط: أحمد بن أحمذيه، وربما قبله، المهم أنه منهج في فَهم العقيدة على طريق السلَف الصالح واضح وعملي[4] (http://www.alukah.net/articles/1/10035.aspx?cid=60#_ftn4).
والذي يميز هؤلاء النفر هو:
• أنهم من بيئة واحدة، إن لَم أقل: من أسرة واحدة، "ذرية بعضها من بعض"، (وتربط كلاًّ منهم بالآخر وشائج نسب وقُرْبى).
• أن هذا الطريق من التدريس لَم يجلب لهم مشاكل من المجتمع، وعرف المجتمع به العقيدة في بهائها ونقائها دون مشاكل.
• أنهم بتسلسلهم الزمني والعلمي يعبّرون عن امتداد لمدرسة واحدة[5] (http://www.alukah.net/articles/1/10035.aspx?cid=60#_ftn5).
• أن تواترهم على هذا يوحي أن هذه المدرسة آتت أكلها، وتجنبت الصدام والصراع.
وأخيرًا:
جعلتني هذه الملاحظة عن هؤلاء أتساءل في أشعرية أهل موريتانيا، أو على الأقل في أشعرية كثير منهم؛ إذ ليست العقائد بالمولد والبيئة، وإنما بالتعلم والتعليم.
من المعلوم أن موريتانيا بلد مسلم سُني أشعري مالكي؛ إلا أن الذي يجهله الكثيرون أن "العقيدة" الأشعرية في موريتانيا - أو عند بعض أعلامها؛ حتى لا نعمم - ليستْ على المعنى المعروف للعقيدة الأشعرية والشائع في بلدان كثيرة غيرها؛
إذ إن كثيرًا من علماء موريتانيا يُقدّمون العقيدة السلفية عقيدةً لهم في عِزِّ دفاعهم عن الأشعرية، أو في توضيح عقائدهم باعتبارها أشعريَّة.
هذا ما لاحظتُه في كثير من الأعلام الموريتانيين وأنا أقرأ ما كتبوا عن أنفسهم في مجال العقيدة، أو ما روّجُوه عن مجتمعاتهم في هذا المجال، وسأسرد على ذلك ثلاثة أمثلة متقاربة في الفكر والمنهج والجغرافيا:
المثال الأول: الإمام أحمد بن أحمذيه:
وهو أحد العلماء المشهورين والدُّعاة المصلحين، وأحد مشايخ الشيخ بداه ولد البوصيري - رحمهما الله تعالى - يقول:
أَشْهَدُ أَنَّ وَجْهَهُ تَعَالَى لَمْ يَكُ كَالْوُجُوهِ لا وَلا لا
وَهَكَذَا اليَدُ وَهَكَذَا القَدَمْ فَكُلُّ ذَا إِيمَانُنَا بِهِ انْحَتَمْ
وَالْغَيْرُ زَيْغٌ مُشْبِهٌ مُضلِّلُ مُؤَوِّلٌ مُنْحَرِفٌ مُعَطِّلُ
هَذِي عَقِيدَةُ الْقُرُونِ وَالسَّلَفْ وَلَسْتُ أَنْحُو لِلَّذِي يَنْحُو الخَلَفْ
إِذْ أَوَّلُوا الوَجْهَ بِذَاتٍ وَاليَدَا بِقُدْرَةٍ وَلَوْ يَكُونُ أُيّدَا[1] (http://www.alukah.net/articles/1/10035.aspx?cid=60#_ftn1)
فرأيُ الشيخ هنا في تأويل الأشاعرة واضح صريح، لا يحتاج إلى بيان، وعقيدته سلفية صرْفة، ومع ذلك لا وجود لأي نسبة له للسلفية، وإنما اشتهر بين أقرانِه ومعاصريه عبر عمره الطويل (94 سنة) بأنه أشعري[2] (http://www.alukah.net/articles/1/10035.aspx?cid=60#_ftn2).
المثال الثاني: الشيخ أحمد بن فتى:
وهو تلميذ للسابق، وممن اشتهروا بالمحافظة على الأشعرية والدفاع عنها في هذه البلاد يقول:
لَسْتُ بِجَبْرِيٍّ وَلا بِقَدَرِي وَلاَ مُشَبِّهٍ وَلَكِنْ أَشْعَرِي ويقول في تبيين شيوخه في العقيدة:
وَقَدْ أَخَذْتُ عَنْ شُيُوخٍ عِدَّهْ عَقَائِدَ التَّوْحِيدِ أَخْشَى ضِدَّهْ
أَوَّلُهُمْ شَيْخِي مُحَمَّدُ الخِضَمّْ وَعِلْمُهُ بِعَابِدِ الرَّحْمَنِ تَمّْ ثم يسرد باقي شيوخه، وكلهم أشاعرة.
ويقول في إحدى قصائده:
وَثَمَّ عَقَائِدُ السُّنِّيِّ تَمَّتْ كَعَقْدِ الأَشْعَرِيِّ وَتَابِعِيهِ
خَلَتْ مِنْ كُلِّ تَعْطِيلٍ وَكُفْرٍ وَنَزَّهَتِ الإِلَهَ عَنِ الشَّبِيهِ فهو هنا ينبه إلى أن "أشعريته" لا تمنعه من الانتباه لما في التأويل من إيهام "التعطيل"، وإن كان لم يصرح بما صرح به شيخه، فإيحاؤه يعني أنه كان على علم بالأمر.
المثال الثالث: الشيخ محمدُ عيسى بن أحذيه:
وهو ما زال حيًّا - ولله الحمد - وقد لقي الشيخين السابقين، وأخذ عن الأخير قطعًا، ولا أدري هل أخذ عن الأول، وقد أعلن في بداية نظمه في الفقه أنه أشعري، ولكن حين يتكلم في العقيدة في بابها في النظم يقول بعد أن رفض تأويل المتشابه، وأقرَّ التفْويض فيه:
وَمَالِكٌ عَنِ اسْتِوَاءٍ إِذْ سُئِلْ فَقَالَ مَعْلُومٌ وَكَيْفُهُ جُهِلْ
وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَهُو سُفْيَانُ بَيَّنَ ذَا وَحَبَّذَا التِّبْيَانُ
إِنَّ العُقُولَ كُلَّهَا بِمَعْزِلِ عَنْ دَرْكِهَا حَقِيقَةَ الرَّبِّ العَلِي وقال بعد ذلك:
هَذَا كَلامُ أَحْمَدٍ وَالشَّافِعِي لاَ كَكَلاَمِ زَائِغٍ مُبْتَدِعِ وقال:
هَذَا كَلامُ الوَارِثِينَ الرُّسُلا اقْبَلْهُ إِنْ شِئْتَ وَإِنْ شِئْتَ فَلا وواضح أنه جعل الخروج عن التفويض في الكيف؛ لقول مالك: والكيف مجهول - نوعًا من الابتداع، مع أنه قدَّم أنه أشْعري[3] (http://www.alukah.net/articles/1/10035.aspx?cid=60#_ftn3).
كل هذه الأمثلة توحي بأن هناك فهمًا لمعنى الأشعرية جاء (ربما) مع المرابط: أحمد بن أحمذيه، وربما قبله، المهم أنه منهج في فَهم العقيدة على طريق السلَف الصالح واضح وعملي[4] (http://www.alukah.net/articles/1/10035.aspx?cid=60#_ftn4).
والذي يميز هؤلاء النفر هو:
• أنهم من بيئة واحدة، إن لَم أقل: من أسرة واحدة، "ذرية بعضها من بعض"، (وتربط كلاًّ منهم بالآخر وشائج نسب وقُرْبى).
• أن هذا الطريق من التدريس لَم يجلب لهم مشاكل من المجتمع، وعرف المجتمع به العقيدة في بهائها ونقائها دون مشاكل.
• أنهم بتسلسلهم الزمني والعلمي يعبّرون عن امتداد لمدرسة واحدة[5] (http://www.alukah.net/articles/1/10035.aspx?cid=60#_ftn5).
• أن تواترهم على هذا يوحي أن هذه المدرسة آتت أكلها، وتجنبت الصدام والصراع.
وأخيرًا:
جعلتني هذه الملاحظة عن هؤلاء أتساءل في أشعرية أهل موريتانيا، أو على الأقل في أشعرية كثير منهم؛ إذ ليست العقائد بالمولد والبيئة، وإنما بالتعلم والتعليم.