المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكم قول من ادعى الفقر وهو يعرف بالغنى ليأخد من الزكاة



الوراق
08-03-2010, 12:09 AM
حكم قول من ادعى الفقر ، وهو يعرف بالغنى إذا سأل الزكاة



المقدمة



بسم الله الرحمن الرحيم



الحمدلله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه، ومن والاه



أما بعد:



الزكاة حق الله في المال ، فيجب إخراجها إذا توفرت فيها شروطها ، وإذا أخرجها الإنسان فلا بدّ أن تكون لأناس مخصوصين ، ولا بدَّ له من الحذر أن يضعها في غير محلّها حتى تبرأ ذمته أمام الله ـ عز وجل ـ ، فإنَّ الزكاة لا تبرأ بها الذمة، ولا تكون مقبولة عند الله إلاَّ إذا وضعها الإنسان في مواضعها التي فرض الله أن توضع فيها ممن ذكرهم في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[1] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn1)



ففي هذه الآية الحصر بـ"إنما"، وكأنما العبارة: (ما الصدقات إلاَّ للفقراء و...) [2] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn2)



فقد حصر الله سبحانه الصدقات في هذه الأصناف الثمانية، فلا تجزئ في غيرها. وكثير من الناس يدَّعي أنه من أهل الزكاة ، وأكثر ما يدعيه الناس في زماننا هذا هو الفقر .



هذا مما دعاني لأن أطرح في هذا البحث مسألة مهمة في الزكاة ومصرفها ، ألا وهي حكم من ادعى الفقر وهو يعرف بالغنى .



أهمية البحث:



تكمن أهمية هذا البحث للحاجة الماسة ـ وخاصة في عصر ضاعت فيه الأمانات ، وضعف الوازع الديني ـ فجمعت المسألة ، وما فيها من خلاف في المذاهب الأربعة مع أدلتهم ، ناقشت أقوالهم وسردت اعتراضاتهم والله الموفق.



خطة البحث:



بحثنا هذا ليس فيه سوى فصل واحد ، وفيه:



-المقدمة وفيها:



التمهيد



أهمية البحث



- تعريف المصطلحات ، وفيه:
تعريف الادعاء



تعريف الفقر



تعريف الغنى



تعريف البينة



- تحرير محل النزاع



- ذكر الأقوال، وفيه:



القول الأول



القول الثاني



- سبب الخلاف



- ذكر الأدلة ، وفيه :



أدلة القول الأول, ومناقشته



أدلة القول الثاني, ومناقشته, والأجوبة



- الترجيح
تعريف المصطلحات:



الادعاء :



أن تزعمحقّاً لك, أو لغيرك[3] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn3).



الفقر:



الفاء والقاف والراء أَصلٌ صحيح, يدلُّ على انفراجٍ في شيء ، من عضوٍ أو غير ذلك[4] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn4).



الفقير لغةً:



المكسور فَقَارِ الظَّهر[5] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn5). وقال أهل اللُّغة: منه اشتُقَّ اسمُ الفقير ، وكأنه مكسورُ فَقَار الظَّهر، من ذِلَّتِهِ ومَسْكَنتِه[6] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn6)، والفقير: المحتاج[7] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn7)



واصطلاحاً:



اختلف الفقهاء في تعريف الفقير على أقوال، نذكر أهمها:



القول الأول:



مَن له شيئ دون نصاب الزكاة ، أو له قدر نصاب غير نام, مستغرق في الحاجة، وهو قول عند الحنفية[8] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn8)



القول الثاني:



الْفَقِير : مَنْ لَهُ بُلْغَةٌ لَا تَكْفِيهِ لِعَيْشِ عَامِه ِ، وهو قول المالكية[9] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn9)



القول الثالث:



هو الذي لا شيئ له ، وهو قول الشافعية.[10] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn10)



القول الرابع:



مَن لا يقدر على كسب ما يقع موقعاً من كفايته ، ولا له من الأجرة أو من المال الدائم ما يكفيه ، ولا له خمسون درهماً، ولا قيمتها ، وهو قول الحنابلة[11] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn11).



الغنى:



الغين والنون والحرف المعتل أصلانِ صحيحان ، أحدُهما يدلُّ على الكِفاية ، والآخر صوت[12] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn12).



والغني لغة :



المكتفي المستغني عن الغير[13] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn13).



واصطلاحاً:



فيه أقوال:



القول الأول:



إنه مَن ملك النصاب، أو مَن يملك قدر نصاب فارغ عن حاجته الأصلية ، من أي مال كان ، وهو قول الحنفية[14] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn14).



القول الثاني:



لا حدّ له ، وإنما هو راجع إلى الاجتهاد، وهو قول المالكية[15] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn15).



القول الثالث:



مَن كان ذا كسب يغني به نفسه وعياله ـ إن كان له عيال ـ ، أو كان له قدر كفايته في كلّ يوم من أجر عقار، أو تجارة ، أو نحو ذلك، وهو قول الشافعية[16] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn16).



القول الرابع:



هو مَن يملك خمسين درهما أو قيمتها ، وهو قول الحنابلة[17] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn17).



البينة:



الدليل والحجة والبرهان ، أو الدلالة الفاصلة بين القضية الصادقة والكاذبة[18] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn18).



تحرير محل النزاع:



اتفقوا على أنَّ مَن ادعى الفقر وهو يعرف بالغنى ، فإنه لا يقبل قوله ، ولا يصدَّق ، بل يكلَّف ببينة لبيان فقره، أو ذهاب ماله[19] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn19). واختلفوا في البينة على قولين :



القول الأول :



إنَّ البينة شاهدان من الرجال، أو رجل وامرأتان، أو استفاضة بين الناس على فقره، وهو قول الحنفية[20] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn20)، والمالكية[21] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn21) ، والمذهب المعتمد عند الشافعية[22] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn22)، ورواية عند الحنابلة[23] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn23).



القول الثاني:



إنَّ البينة ثلاثة شهود ، وهو وجه عند الشافعية[24] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn24)، والمذهب المعتمد عند الحنابلة[25] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn25)



ذكر الأدلة:



أدلة القول الأول:



استدل أصحاب القول الأول بالقياس ؛ إذ قاسوها على سائر الشهادات سوى الزنى ؛إذ عدد شهودها اثنين [26] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn26)



وجه الاستدلال:



أنَّ قول الشاهدين في الفقر يقبل بالنسبة لحقوق الآدميين المبنية على الشح والضيق، ففي حق الله أولى؛ لأنه مبني على المسامحة والمغفرة[27] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn27).



الرد على الاستدلال:



أنَّ في ذلك قياس مع الفارق ؛ فإنَّ الشاهدين في الجناية وغيرها يشهدان في أمر ظاهر عياناً ، فهما ـ مثلاًـ رأياه يقتل بآلة حادة ، أو يخنق، أو كان مديناً ، وشهدا على أمر ظاهر واضح ، أما من أصابته الفاقة فهو في بيته ، وهو في أمره وشأنه ، فلا نعلم حقيقة مدخله وحقيقة معيشته، ولم يأبه بحاله وغناه قبل طلبه، ولهذا يشترط في هؤلاء الشهود هذا العدد[28] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn28).



أدلة القول الثاني: حديث قبيصة :



"يا قبيصة إنَّ المسألة لا تحلّ إلاَّ لأحد ثلاثة : رجل تحمَّل حمالة فتحل له المسألة حتى)):[29] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn29) يصيبها ، ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلَّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوى الحجا من قومه : لقد أصابت فلاناً فاقة ، فحلَّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ، ثم يمسك فما سواهنَّ من المسألة ، فسحت يأكلها صاحبها سحتا))[30] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn30)



وجه الاستدلال:



أنَّ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ خص بالثلاثة، فلا يجزئ بأقلَّ من ذلك، وعملوا بظاهر هذا النص[31] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn31).



الرد على الاستدلال:



الرد الأول:



أنَّ المراد في الحديث التغليظ ، وليس التحديد بالعدد.



الرد الثاني:



أنَّ الخبر هذا في حلّ مسألة، فيقتصر عليه.



الرد الثالث:



أنَّ الخبر محمول على الاستحباب.[32] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn32)



الأجوبة:



إنَّ في تخصيص العدد بالمسألة نفسها ، أو قصرها على الاستحباب ، أو التغليظ ، شيء لا دليل عليه ، ولا داعي له ؛ فهو أمرٌ من الشارع ، والأمر يدلّ على الوجوب إذا لم يكن هناك قرينة تصرفه إلى الندب ، وإنَّ هذا يشبه ما جعله الله سبحانه من إيجاب أربعة شهود على الزنى ، فالشارع جعل ذلك لحكمة ، وكذا في المسألة هنا[33] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftn33) .



الترجيح:



ولعلَّ الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني ؛ لورود النص في ذلك ، وقد تقدمت مناقشة أدلة القول الأول ، وقد أجيب عليها .



والخلق عبيد الله يتعبَّدهم الله بما شاء ، فتعبّدهم بأن جعل الاثنين حجة فيما جعلهما فيه ، ثم جعل الحجة في غير ذلك ، وهو الزنى بأكثر من عددهما ، وكان مثل ذلك في المسألة التي أباح المسألة عندها تعبدهم فيه على لسان رسول الله عليه السلام بثلاثة ، وخالف بين ذلك وبين ما سواه مما جعل الاثنين فيه حجة ، فوجب التقيد بالعدد الوارد بالنص .والله أعلم وأحكم.


[1] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref1)التوبة 60

[2] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref2)انظر أقوال المفسرين في الآية تفسير الطبري14/305وتفسير ابن كثير 4/165وتفسير البغوي4/64

[3] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref3)انظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس 2/228، والقاموس المحيط للفيروز آبادي صــــ1655ـــــــ

[4] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref4)انظر معجم مقاييس اللغة 4/355

[5] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref5)القاموس المحيط صـــ588ـــــــ

[6] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref6)القاموس المحيط المرجع نفسه، ومختار الصحاح صـــ517ــــــ

[7] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref7)التعريفات صـــ216ـــــ

[8] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref8)انظر فتح القدير 2/265، و تبيين الحقائق 2/111

[9] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref9)انظر الخرشي على مختصر خليل 1/212 ، والدسوقي لابن عرفة الدسوقي 2/100

[10] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref10)انظر الأم للشافغي 4/264، والمجموع للنووي 6/190

[11] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref11)انظر المغني لابن قدامة 9 / 306 ، و الإنصاف للمرداوي 2 / 217

[12] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref12)انظر معجم مقاييس اللغة 4/319-320 ، والقاموس المحيط صـــ1700ـــ

[13] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref13)انظر معجم مقاييس اللغة 4/319-320

[14] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref14)انظر تحفة الفقهاء للسمرقندي 1/301 ، وتبيين الحقائق 2/123

[15]انظر الذخيرة للقرافي 3/,149 والخرشي على مختصر خليل 1 / 212 ، وبداية المجتهد ,لابن رشد القرطبي صــ231ــــ

[16] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref16)انظرالمجموع للنووي 6/190

[17] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref17) انظرالمغني 9 / 309 ، والإنصاف 3/221

[18] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref18)انظر والتعاريف للمناوي صـــ149أنيس الفقهاء للقونوي صـــ237 ،

[19]انظر المجموع 6/195 ، والإنصاف 5/229

[20] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref20) انظر تحفة الفقهاء 1 / والمبسوط 2/149

[21] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref21)انظر الخرشي على مختصر خليل 1/ 213 ، والدسوقي2/100

[22] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref22)انظر المجموع 6/ 189 ، والحاوي الكبير 10/560

[23] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref23) انظر المغني9 / 311 ، والإنصاف 3 / 245

[24] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref24)انظر المجموع 6/ 189 ، والحاوي الكبير 10/560

[25] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref25)انظر المغني9 / 311 ، والإنصاف 3 / 245

[26] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref26)انظر الخرشي على مختصر خليل 1/ 213 والحاوي الكبير10/560

[27] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref27)انظرالحاوي الكبير 10/560

[28] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref28) بيان مشكل الآثار للطحاوي 1/435

[29] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref29)قبيصة بن المخارق بن عبد الله بن شداد بن أبى ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالى البصرى له صحبة انظر أسد الغابة 4 /77 ، والتقريب 2 / 123

[30] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref30)أخرجه مسلم (2/722 رقم 1044) ، وأبو داود (2/120 ، رقم 1640) ، والنسائى (5/89 ، رقم 2580)

[31] المغني والإنصاف المرجع نفسه

[32] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref32)الحاوي والمغني والإنصاف المرجع نفسه

[33] (http://www.alislah.r3r.info/vb/#_ftnref33)المغني المرجع نفسه ، وبيان مشكل الآثار للطحاوي 1 / 435