تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حداء السالكين : ( قد أفلح من زكاها )



أبو محمد القلموني
15-01-2007, 02:03 PM
الحمد لله و كفى و سلام على عباده الذين اصطفى و بعد:

فإن الله خلق الخلق لغاية عظيمة ، فركب الكون أرضه و سماواته على سنن و قواعد تعين على تحقيق تلك الغاية ، و أبدع الإنسان على طريقة تؤهله للتحقق بتلك الغاية.

قال تعالى : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ) ، ( وسخر لكم ما في السماوات و ما في الأرض ).
وقال تعالى : ( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون )

فالعبادة هي علة وجود الإنسان. والله خلق الإنسان و هذا الوجود كله على هيئة و طبيعة مناسبة لتحقيق هذه العلة. فعلى سبيل المثال لا الحصر يتحدث القرآن عن سنة تعاقب الليل و النهار بوصفها نعمة تستوجب الشكر و ظاهرة كونية تدل على الله و تذكر به سبحانه . قال تعالى : ( وهو الذي جعل الليل و النهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ).

و هذه كما لا يخفى قاعدة تصورية في غاية الدقة و الخطورة. لأنها تعني في جملة ما تعنيه أنني أنا و أنت و كل إنسان مهما كان لونه أو دينه أو جنسه لن يكون في اتجاه يناسب هيئته و طبيعته ولن يكون في انسجام حقيقي مع هذا الكون ، حتى يعيش من أجل تحقيق عبوديته الكاملة لله تعالى. وإلا فمهما كان مستواه الثقافي و أيا يكن ترتيبه الإجتماعي فإنه يسير في طريق يخالف تكوينه و يتناقض مع مؤهلاته و استعداداته ، ويتصادم مع سنن الكون . ولك أن تتخيل كيف يمكن أن تنعكس هذه المخالفة عن التكوين و هذا التناقض مع المؤهلات وهذا التصادم مع الكون ، على مجموعة القيم المصلحية التي تتكون منها سلسلة الحوافز و الدوافع المشكلة و المولدة للسلوك الإنساني . فقيم السعادة و العزة و الطمأنينة و الأمن و الخ ... لها تحقق مختلف بحسب الإتجاه الذي يسير فيه صاحبه ؛ فهي متغيرة بتغيره.
إن الإتجاه الذي يتانغم فيه الإنسان مع تكوينه و يسعى فيه لتحقيق علة وجوده يعكس قيما مصلحية متفاوتة. لكنها تتفاوت في ما هو فوق درجة الصفر ، ولتفاوتها هذا قواعد منضبطة و معروفة .
وأما تلك التي تنبثق من الإتجاه المعاكس المناقض فهي متفاوتة ، و لكنه تفاوت ما تحت الصفر منزلة! وأيضا ليس لهذا التفاوت قواعد منضبطة محددة!
يقول الله تعالى : ( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ) و يقول تعالى : ( ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله )

إن الذي يرفض حياة يسعى فيها لتحقيق علة وجوده ستكون له بلا شك أحلام و طموحات لمعيشة يحقق فيها مكاسبا و أرباحا . لكن هذه الطموحات و تلك الارباح و لو تحققت كما يحلم صاحبها فلن تكون إلا تحت درجة الصفر! فلأنه يبتدئ سعيه إليها خارج نطاق مؤهلاته و استعداداته و ما خلق له ! ستأتي نتائجها خارج نطاق اللائق به و الأصلح والأنفع له !
ومن هنا نفهم قول بعض العارفين : ( نحن في لذة لو يعلم بها الملوك و ابناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف ) لأن ما هم فيه من لذة لو قدر أن يعاينه و يتلمسه من يسير في الطريق الآخر لعرفوا أنهم مخدوعون موهومون !
فالحقيقة التي ليس فيها لبس هي ما قاله الله تعالى فيهم : ( فلا تعجبك أموالهم و لا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا و تزهق أنفسهم وهم كافرون ) ، ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ).

هذا و إن مما يتفق عليه العقلاء أن الأليق بالصنعة و الأحوط لحفظها هو أن تستعمل في ما صنعت لأجله . إذ ليس فيهم من يرى أن تلك الآلة التي صنعت لتنظيف سجاد المنزل مثلا ، يسوغ استعمالها لحراثة الأرض وتقليمها ! ولا يتردد أحد في وصف من يفعل هذا الفعل المشين بالحمق و السفاهة و البلادة ! فضلا عما سيؤدي إليه هذا الفعل من عطب وضرر محقق في تلك الآلة و لو بعد حين !

و إن مما يتفق عليه العقلاء أن ما صنع لهدف معين لا يصلح لغيره ، فإنه إذا تلف أو تضرر بحيث لم يعد ينفع في ما صنع له وليس له من نفع آخر قد يعود به ؛ فإنه و الحالة هذه يرمى و يهمل ! وهذا بعض ما قد نفهمه من قوله تعالى : ( قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ) .

يتبع

أبو محمد القلموني
22-01-2007, 01:38 PM
الحمد لله الذي ترغب إليه قلوب المحبين في الخلوات و تنصب له قاماتهم في الليالي المظلمات وتناجيه ألسنتهم بالمعاني المطربات. اللهم إياك نسأل أن تلهمنا طريقهم و تمتعنا في ما بقي من أعمارنا بالوقوف بين يديك في محاريب الدجى و ميادين الجهاد لنكون ممن اصطفيتهم و رضيت عنهم. اللهم آمين.

من علامات التوفيق للعبد أن يهيئه الله للوقوف في بابه و يذلل له أسباب ولوج الطريق إليه. فهنيئا لمن شغل نفسه بهذا وإنقطع بكليته إليه فإنه يلزمه أن يحمده على ما اختص به ، وحرم منه خلق كثير سارت ركائبهم في غياهب الظلمات ومدلهم الكربات.

وإننا في ما سبق ذكرنا أن كل واحد منا مهيأ بتكوينه و استعدادته التي فطر عليها إلى الإدلاج في هذا الدرب و الإقبال عليه . فما الذي يحول بيننا و بينه ؟ ولماذا تذهب نفوسنا إلى تفيئ غيره و قد علمت أنه أورق أغصانا و أورف ظلالا و أينع ثمارا ؟! وإلى متى نسبح في سماوات الفكر فنقع على نجومها اللامعات ثم نحط على الأرض فلا نهتدي بمواقعها الساطعات ؟!

وجواب هذا أن النفس فيها قوتان : قوة العقل و قوة الشهوة. والصراع بينهما قائم و دائم. فأما قوة العقل فبها ترصد الحقائق و تستبين الدروب و يعرف صحيح الفكر من سقيمه . وقوة الشهوة تدفع صاحبها لتحقيق المطالب واللذات الجسدية و المعنوية. فالشهوة قوة اندفاع ، و العقل فيه جانب استبصار و رصد ، كما فيه جانب كبح و لجم ليوازن و يمنع من الصدام.
فالمرء قد يبصر بعقله حقائق يستدل عليها بأدلة تبرزها و تدلل عليها . لكنه يعجز عن الإندفاع بها لأن نفسه أسيرة شهواته مندفعة بها مقودة في طريقها.
فمجرد رؤية الحقائق قد لا يكفي بل لا بد من صياغتها قوة اندفاع تحرك النفس في طريقها و تحملها على مطالبها . فدور العقل أن ينظر و يستنبط و يستنتج .ثم في المرحلة الأخيرة يحلل النتيجة و يصوغها على ضوء القواعد الفطرية ، التي لا ينكرها أحد ، قوة تدفع في الإتجاه الصحيح و السبيل المستقيم. ثم يبقى له دور المتحكم بتلك القوى التي تتنازع النفس و تتجاذبها.

و كمثال حتى لا نبقى في الإطار النظري نذكر التالي :

قوة الشكر = رصد النعم + قاعدة فطرية ( مبادلة المنعم بالشكر )
قوة العبادة = رصد أنك مخلوق + قاعدة فطرية ( تنفيذ تعليمات الصانع في صنعته )
وهكذا ...

والمرحلة التي يصوغ فيها العقل استنتاجاته ليحولها إلى قوى دافعة للنفس محركة لها ، هي ما نعبر عنه بعملية التزكية أو ما يسميه العلماء بالتخلية و التحلية. وهي تخلية الباطن من الحقائق الباطلة و تحليتها بما أظهره العقل و كشف عنه من الحقائق الباهرة .

وأول الحقائق التي يجب على السالك معرفتها و التبصر بها والإشتغال بها هي معرفة الله عز وجل.

نقل ابن كثير عن ابن جريج في قوله تعالى : ( وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ) قال : إلا ليعرفون. و هكذا فسرها ابن عباس و ابن عمر و غيرهم .

وتفسير العبادة بالمعرفة تفسير دقيق لأن القلب إن عرف الله أحبه و تعلق به فصارت الجوارح و السلوكيات تبعا له عابدة قانتة خاضعة لله تعالى. فالقلب للجوارح كالملك للرعية يأمر فتطيع. والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر في الحديث الصحيح عن هذه الحقيقة و جلاها أبين الجلاء في قوله : ( ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد كله ألا و هي القلب ).
وبهذا يتبين أن السير إلى الله هو سير قلبي يفيض على الجوارح و السلوك فيلبسها لبوس الطاعة و الخضوع. وهذا السير القلبي كان هو ما ميز الصحابة عن سائر من تبعهم في الأزمنة المتعاقبة ، بعدهم ، إلى يومنا .
ففي كتاب الزهد لأبي داود السجستاني : قال بكر بن عبد الله :
إن أبا بكر لم يفضل الناس بأنه كان أكثرهم صلاة وصوما ، إنما فضلهم بشيء كان في قلبه .
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن الأعمش عن أي وائل قال : جاء رجل يقال له نهيك بن سنان إلى عبد الله ( عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ) فقال : يا أبا عبد الرحمن كيف تقرأ هذا الحرف ألفا تجده أم ياء ؟ من ماء غير آسن ، أو من ماء غير ياسن ؟ فقال عبد الله : وكل القرآن أحصيت غير هذا ؟! قال ( أي السائل ) : إني لأقرأ المفصل في ركعة.
فأجابه عبد الله بن مسعود جوابا يكتب بماء الذهب فقال : ( هذا كهذ الشعر ، إن أقواما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع )
فهذه النصوص و غيرها كثير ، لعلنا نفردها قريبا في موضوع مستقل ، تدلك على منهج متفرد يميز جيل الصحابة عن بقية الأجيال.

بينما سار في الطريق الآخر أناس أهدروا قيمة العمل القلبي و لهثوا وراء صيغ سلوكية ، عزلت من سياقها العقائدي و عللها الشرعية الصحيحة ، لتلبي خللا في نفوس أشربت نزغا و ميلا مسبقا . فذهبت تحاكم النصوص إلى آرائها ، من حيث تشعر أولا تشعر ، بدلا من أن تحتكم إليها ! وفيهم يقول الرسول صلى الله عليه و سلم كما ثبت في الصحيحين : ( يخرج من ضئضئ هذا ( أي عقبه ) قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) !

يتبع إن شاء الله

Nadine
23-01-2007, 08:10 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خير

أبو محمد القلموني
30-01-2007, 04:55 PM
الحمد لله الذي أنار بصائر الوالهين بآياته البينات وحفظ توحيدهم بزواجره العاصمات ، و نقى أفئدتهم بحضورها معه المرة بعد المرة في مواطن الشهوات. اللهم اجعلني و إخواني ممن تكرمهم بإيثارك على شهواتهم و تقديمك على أهوائهم. اللهم إنه لا حول و لا قوة إلا بك ، اللهم فحول قلوبنا من الوله بالغانيات إلى الوله بك يا منان. اللهم اصرف أبصارنا عن رؤية من دونك من الأغيار إلى الفناء في فناء عبوديتك يا ذا الجلال و الإكرام . اللهم اجعل حبك أحب إلينا من كل شيء .اللهم اجعل حبك أحب إلى قلوبنا من الماء البارد على الظمأ. وبعد:

فقد قال تعالى في كتابه العزيز: ( قد أفلح من زكاها ) وصدر هذا بأقسام كثيرة تشعر بضرورة التأكيد عليه و أنه رغم وضوحه و جلائه تغفل عنه النفوس و تنساه. بل قد تنكره و تأباه! فقال : ( و الشمس و ضحاها ) ثم قال: ( و القمر إذا تلاها ) و بعده : ( والنهار إذا جلاها ) ( والليل إذا يغشاها ) ( والسماء و ما بناها ) ( و الأرض وما طحاها ) ( ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها و تقواها ) . ليأتي جواب القسم : ( قد أفلح من زكاها ) !

فإنه لما كان الفلاح الذي هو الفوز المحقق أمنية الأماني و معقد الآمال و مطمح كل ذي عقل و لب. فقد بين الله سبيله و أنار للطامحين طريقه . وحرضهم عليه بكل وسيلة و حضهم على سلوكه في آيات و سور كثيرة.

فهذه الآية صرحت بكونه متوقفا على تزكية النفس و صقلها بما يحبه الرب و يرضاه. وأعظم محبوب للرب أن تعرف الله تعالى معرفة تستولي على قلبك وتنقي نفسك و تدفعك في طريق الدعوة إليه و التحريض على حبه و طاعته. فإن لب دعوة الأنبياء و خلاصتها هي معرفة الله تعالى. قال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لاإله إلا أنا فاعبدون ) . فمعرفة الله تعالى بأنه لا إله إلا هو ، أي ليس أحد غيره بمستحق لشيء من التوجه ولا الخضوع و لا الإلتفات ، هو مقصد إرسال الرسل . و هي دعوة كل من أراد متابعة النبي صلى الله عليه و سلم ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعني ) .

والمعرفة نوعان ، معرفة نظرية ينتجها النظر و الفكر في الأدلة المبثوثة فتنتفي معها شكوك العقل وشبهاته ، و معرفة قلبية تنضجها التزكية فتذهب معها نزغات النفس و رعوناتها و تنضبط بها شهواتها. ولا بد من المعرفة النظرية في البداية ،فهي شرط ضروري لكنه غير كاف. قال تعالى : ( وجحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلما و علوا ) .

فمجرد استيقان الحقائق قد لا يكفي إذا لم تؤخذ النفس بمقتضياتها. فهؤلاء عرب الجاهلية الأولى يقول الله فيهم : ( و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض و سخر الشمس و القمر ليقولن الله ) فيجيبهم الله ( فأنى يؤفكون ) ؟! أي فكيف يصرفون عن مقتضى ذلك الإقرار و تلكم المعرفة النظرية ؟!

وهذه الآية ، و غيرها كثير يأتي بعضه الآن ، فيها أن المعرفة النظرية لا تكفي و فيها أيضا منهج فريد في كيفية تزكية النفس . إنه أن تضع أمامك الحقائق المستدل عليها عقلا ثم تستنبط منها مقتضياتها الكبرى في السلوك و التعامل. أي أن تذهب بعد الإستدلال المنطقي عليها خطوات عقلية أعمق لترصد نتائج تلك الحقائق ، و تقارنها بواقعك السلوكي و النفسي لتقف على حقيقة التباين الخطير و التناقض المريع . فيحملك هذا على البدء بخطوات التغيير. وبقدر ما تكون هذه المقابلة دقيقة و عميقة بقدر ما تأتي نتائجها كذلك . وهلم جرا حتى تنفي هذه التزكية خبث الشهوات و التعلق بالدنيا لتحل محله حب الله و الإقبال على الدار الآخرة .

يقول الله تعالى : ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون ) . وهذه الآية لا تختص بعرب الجاهلية الأولى بل هي في كل من أقر بحقيقة كونه مخلوقا لله تعالى ثم لا تكون حياته و لا تصرفاته و لا مشاعره الداخلية التي تحرك سلوكه ، نابعة من هذا الإقرار ! فهي دعوة إلى تغيير سلوكياتنا و مواقفنا في الحياة لتكون متطابقة مع معارفنا النظرية.

ويقول الله تعالى : ( و لئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون ) . فهذه نعمة المطر و إنزال الماء من السماء لتحيا به الأرض ، هل فينا من ينكرها ؟!
نعم ربما لا يوجد بيننا من يجحد هذه النعمة . لكن كم فينا من يلتزم مقتضاها الكبير في مشاعره و سلوكه ؟! إن كلمة ( الحمد لله ) لا تتحقق في الشعور و السلوك حتى يستوي عند المرء ، في نفسه ، مدح الناس و ذمهم وحتى يصير على حال لا يرى معها لغير الذات الإلهية من ذوات الاغيار ما يستحق مجرد الإلتفات القلبي !
إذ ما جدوى أن تقول بلسانك أن جميع أفراد الحمد و الثناء مقصورة على الله تعالى ثم تشتغل بمراقبة الناس ؛ فتخضع لهم شعوريا أو تطلب مدحهم و ثناءهم و قد علمت أنه هو وحده المتصف بصفات الجلال و الكمال و الجمال و هو وحده المنعم الوهاب !

هذا وفي صحيح المنقول جملة من الآثار تنبه إلى هذا المعنى و تؤكد عليه .
فعن عبد الله بن عمرو قال :
لو تعلمون من العلم لبكيتم حتى تنفد دموعكم ...

و عن الحسن أنه قال:
كان الرجل إذا طلب العلم لم يلبث أن يرى ذلك في تخشعه و بصره،و لسانه و يده، و صلاته و حديثه، و زهده .
و عن عبد الأعلى التيمي قال:
من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق ألا يكون أوتي علما ينفع لأن الله تعالى نعت العلماء فقال: ( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم – إلى قوله – يخرون للأذقان يبكون )

وعن جابر قال قال رسول الله : العلم علمان: علم في القلب فذاك العلم النافع، وعلم اللسان فذاك حجة الله على ابن آدم . رواه الحافظ وابن عبدالبر . و إسناده جيد. و روي مرسلا عن الحسن.
فمن هذه الآثار و غيرها نجد أن السلف كانوا في قضية العلم على منهج القرآن في أنه ينقسم إلى قسمين:

- نظري ضروري ولكنه لوحده غير كاف .
- قلبي نافع ، تثمره التزكية . والتزكية كما مر معنا هي ربط المعارف النظرية أو الحقائق الخارجية بالقواعد الفطرية لاستنباط المقتضى . ثم أن ترصد سلوكك و مشاعرك و تقابلها بذاك المقتضى ، فتتحرك همتك للتغيير.

يتبع إن شاء الله

أبو محمد القلموني
10-02-2007, 06:24 PM
الحمد لله الذي أنار قلوب الطائعين بضياء الحق و قربهم إليه بنسائم العشق ، تهب في ساحاتها فتقتلع من الجذور أشواك التعلق بغير الله لتغرس فيها لله أشواقا و تباريحا لا تزال بالعبد حتى يلج المقام الأرفع الذي تتسابق إليه همم العارفين. اللهم اجعلنا منهم يا كريم. اللهم لا تحرمنا طريقهم و لا تطردنا عن سبيلهم. اللهم استعملنا في حبك و طاعتك و التذلل بين يديك. اللهم طهر ظاهرنا و باطننا و هيئنا لنلج مقامات الشهود العليا قبل الممات. لنقبل عليك و ليس في قلوبنا أحد إلا أنت يا منان يا حنان يا سميع يا قريب. اللهم آمين

وبعد فإن الله أوجب على المسلم أمورا لو تأملها وقلب فيها وجوه النظر لوجد فيها عجائبا من انوار الهداية هو في أمس الحاجة لها. بل تربو حاجته لها على كثير مما قد يظن هلاكه بفقدانه ! ثم لا يكون الواقع كما يظن! فإن في كثير مما نتوهمه ضرورة و حاجة ماسة لا طعم للحياة من دونه نراه بعد فقدانه و انعدامه على غير ما كنا نراه ! بل في بعض هذه المفقودات ما نحمد الله على التخلص منها و التحرر من أسارها ! وفي مثل هذا يقول الله تعالى : ( و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم و عسى أن تحبوا شيئا و هو شر لكم ) . وقد يتكشف هذا لك في الدنيا و قد يتكشف في الآخرة. والعاقل من آثر ألم فقدان ما أوجب الله عليه تركه على لذة عاجلة آنية سريعا ما تنقلب إلى شرور و آلام و حسرات.
فإن الخلق أغلبهم إلا من رحم الله يظن الخير في أمور الدنيا كالمال و الجاه و الحظوة عند السلطان أو ابن السلطان أو أقارب السلطان . فيسعى طيلة نهاره و ردحا من الليل في تحصيل ما لا ينفعه و اللهث وراء ما لا يقيل عثرة و لا يجبر كسرا و ليس منه في ما يؤمل جدوى !

وإن مما أوجبه الله على المسلم أن يقف خمس مرات في اليوم منكسرا ذليلا بين يديه ليناجيه سبعة عشر مرة ، على الأقل ، بدعاء واحد لا يتغير و لا يتبدل : ( إهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين ) . والسؤال الآن هل من يجرؤ على الزعم و الإدعاء بأن ثمة مطلبا هو أنفع و أهم و أخطر من هذا الذي أمرنا به ؟!

إن كل واحد منا ولا شك تمتلئ جعبة مطالبه بأحلام و أمنيات ليست بخافية على علام الغيبوب. و الله كما نقر و نعترف هو أرحم بنا من أنفسنا و أعرف بمصالحنا منا ، فلذا وجب أن يكون ما أمرنا الله به من طلب الصراط المستقيم هو خير و أنفع و أهم من كل حاجاتنا الأخرى . قال تعالى ( قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) و يقول في ما قد نفرح به و نهش له ( ما أصابكم من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ) فتأمل كيف جمع مصاب الخير و مصاب الشر معا في قوله ( ما أصابكم ) ثم كيف جمع بينهما في المنع من التفاعل معهما فرحا و أسى فقال : ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم ) !

فإذا تبين ذلك فإنه يجب على العاقل أن يسعى في طلب ما أمر بتحصيله والحرص عليه دون ما أخبر عنه الله بأنه لا يستحق أسى و لا فرحا ! وفي هذا تحرير للإنسان أن تأسره مصيبة الفرح فتربكه و تبطئ حركته أو أن تأسره مصيبة الحزن فتعيقه و تشل اندفاعه !

ويقول تعالى مبينا لنا الصراط المستقيم : ( ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ). إنه الإعتصام بالله و الإنقطاع له و الفرار إليه . ( ففروا إلى الله ) .
وهذا لا يتأتى للعبد إلا بمعرفة قلبية و شهود للربوبية تورث تألها و ولها و تدفع على الفرار إلى الله تعالى فرار العاشق إلى محبوبه .
فإن المرء إذا جمع في قلبه معرفة تفرد الله بالإنعام و تفرده بالنفع و الضر حضر مع الله في سره و علانيته.
وتفصيل ذلك أن توجه العبد إنما هو منوط عادة بدافعين ، دافع شكر و دافع رغبة.
فأما دافع الشكر فهو لنعمة نعمنا بها فنجد نفوسنا ممتنة لمن وهبنا إياها فنشتغل بمراقبته و شكره و الثناء عليه و مقابلة معروفه بما يكافئه.
فإذا عرف العبد بأن المنان هو الله وحده و أنه لا يشركه في إنعامه أحد على الإطلاق في صغير النعم أو كبيرها ( وما بكم من نعمة فمن الله ) . فإنه يمتنع بهذه المعرفة عن التوجه لغير الله تعالى بأعمال الشكر و مفرداته القلبية و السلوكية. ليصير على حال لا يرى فيها لغير الله عليه منة و فضلا فيتحرر من التبعية لغير الله من الملوك و الرؤساء و المدراء و القادة و الأنظمة ليصير عبدا خالصا للمتفضل الأعلى سبحانه و تعالى . ولا يحرر الإنسان من هؤلاء إلا إعتقاده بتفرد الله بالانعام و الفضل ! فيا لله ما أسعد أهل التوحيد و ما أهنأ حياتهم و ما أطيب عيشهم!

وأما دافع الرغبة فإن الإنسان له مصالح و حاجات يكدح و يسعى إليها.فإذا ظن بأن حاجاته تقضى بالمال عبده ، و إذا ظنها تقضى بالتقرب من السلطان أو ابنه عبدهما و توجه بكليته إليهما و إن كان يصلي لله و يصوم له و يحج بيته. فكم صلينا لله و قلوبنا الوقحة مشتغلة بغيره غافلة عنه و هي بين يديه !

فإذا عرف الإنسان و استحضر في قلبه بأن جميع مصالحه و حاجاته و مصالح الخلق كلهم و حاجاتهم إنما هي بيد الله وحده يصرفها كيف يشاء بما يشاء ، فإنه و الحالة هذه يعزف قلبه عن التوجه لغير الله و يرفض أن يخضع لغيره من المخلوقات مهما علا شأنها و ارتفع . لأنها تشترك معه في أنها لا تملك شيئا من الحاجات و المصالح إلا ما ملكها الله و أعطاها. وأنها إنما تملك ما تملك بإرادة الله تعالى . فإذا ما أراد الله أن يسلبها خيرا فلا يمنعه من ذلك أحد على الإطلاق. و إذا أراد أن يغدق عليها فلا راد لفضله و إنعامه!

وهذه هي وصية حبيبنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه و آله و سلم لابن عباس يوم كان غلاما صغيرا . فقد قال له كلمات عظيمة تكتب بماء الذهب : ( يا غلام ألا أعلمك كلمات ، إحفظ الله يحفظك . إحفظ الله تجده اتجاهك. إذا سألت فاسأل الله و إذا استعنت فاستعن بالله . واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك و لو أنهم اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك )

وهكذا نشأ ابن عباس و هكذا نشأ الصحابة جميعا فسبقونا بقلوب صادقة أحبت الله تعالى و آثرت ما عنده على متاع الدنيا فعاشوا في سعادة و عزة ثم ذهبوا إلى لقاء الله و هو أحب إليهم من كل شيء ! فهل ننهج نحن اليوم نهجهم؟ و هل نأخذ أنفسنا بما أخذوا به أنفسهم؟ و هل نتربى على ما رباهم عليه رسول الله صلى الله عليه و آله و صحبه و سلم؟!

يتبع إن شاء الله

أبو محمد القلموني
10-11-2007, 07:39 AM
قبل مدة جمعني مجلس بأحد الإخوة الذين يندر وجود مثلهم في زماننا لا لطيبة في نفوسهم جبلوا عليها و لا لأخلاقهم المتقدمة التي نقف أمام بعض مظاهرها في حيرة تعقد ألسنة العقول أن تفصح عن تحليل يكشف مكنونا فيها يستهجنه واقعنا الآسن المتعفن!
ولكن لصفاء في الفكرة مستقر لا تزعزعه الأيام و لا تعبث ببياضه الليالي السوداوات .

فكنت كلما ألم بي خاطر سوء و حاكني في ظلم الحوالك مدلهم من خطوب التشكيك و الإضطراب فزعت إليه لأجد عنده ما يبلسم الجراح و يخنق الآهات و يمحو آثارها لتنطلق في عقبها بعد حين القهقهات النابعة من الأعماق! قهقهات ليست باللغو متلوثة ولا بالغفلة متدثرة و إنما هي تلك التي تأتي لما يفيض الأمن في أوعية قلوب ملتهبة استنارت بعد الظلمة فأبصرت الطريق وباتت مطمئنة .

اللهم لك الحمد أن وفقتني لما وفقتني إليه و يسرت لي من يذكرني إذا غفلت و يحملني إذا ركبت. يا رب أعصيك و ترزقني و أغفل عنك و تحلم علي . اللهم لا تجعل ما وهبتني حجة علي يوم ألقاك. اللهم عاملني بما أنت أهله و لا تعاملني بما أنا أهله. يا رب إذا كان يوم القيامة فأسمعني كلامك الأقدس و اجعلني في من تتفضل عليهم و تكرمهم و ترفعهم و تبيض وجوههم بالنظر إلى وجهك الكريم. اللهم اجعلني و الإخوة المتابعين من الذين تكرمهم بمرافقة نبيك محمد صلى الله عليه و سلم في الجنة. اللهم إنك تعلم أننا نفاديه بالأرواح و المهج و الأزواج و الآباء و الأبناء و الأموال و الضيع . اللهم إنا نحترق بنار الشوق إليه في الدنيا و نصبر على لظاها و لهيبها و نؤمل في عظيم كرمك و جودك أنك تنعم علينا يوم القيامة بجنة القرب و دوحة الوصل. اللهم آمين.

حدثني ذلك الأخ المبارك فقال جمعني المجلس بقريب غافل شغلته تجارته و مناصبه فأخذت منه كل وقته حتى ضنت عليه بدقائق يقف فيها بين يدي ربه مناجيا مناديا. فجعلت أسأله عن أحواله ثم سددت أسئلتي حول مشاريعه و أهدافه. فسألته عن ما هو فيه الآن . فأجابني بما هو عليه عاكف مثابر. و سألته عن مشروعه المستقبلي فأجابني عن مخططاته التي هو قاب قوسين أو أدنى من الشروع فيها و تنفيذها . ثم سألته عن ما بعدها فأفاض يحدثني عن أحلامه و آماله. فتركته حتى أفرغ جعبته و بلغ المنتهى الذي يبلغه كل أحد. ثم لما سكت قلت له : و ماذا بعد تلك الأحلام؟ وهب أنها تحققت فما الذي تنتظره بعدها؟
هنا التفت إلي و علامات التعجب و الإستفهام تملأ وجهه والكلمات تعجز أن تبلغ شفتيه فلا يصل منها إلى الأطراف سوى تمتمات الذهول و الحيرة! فاقتنصت هذه اليقظة التي انتبه فيها صاحبنا إلى ما لا ينتبه إليه عادة و جعلت أحدثه بما قد ينفعه و يحرك فؤاده و همته إلى الإشتغال بما لا يجوز الغفلة عنه و تضييع الأوقات بعيدا عنه.

وهذا الذي فعله الأخ مع ذلك القريب يذكر بقوله تعالى : ( أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون. ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون؟ ) والجواب واضح لا يحتاج إلى كثير تأمل فإن ما متعوا به لا يغني عنهم شيئا بل و سيذهلون عنه بالكلية يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت ويوم يقول الأمثل طريقة حين يسأل عن المدة التي لبثها في الدنيا : ( إن لبثتم إلا يوما ) !!!!! فيا لله هل من العقل في شيء أن يرغب الإنسان عن الخلود الآمن فيستبدله بيوم بائس يقبل فيه بكليته على شهوات منقطعة زائلة؟!

ثم جعل الأخ المبارك يحدثنا بحديث لا يمل منه و لا يفتر لسانه من ذكره و الحض عليه ألا و هو حديث الدعوة و التبليغ. وهو مبرز في هذا لا تكاد تسمع كلماته حتى تتحرق شوقا إلى وظيفة الأنبياء التي بها فضلوا على الخلق أجمعين.

وحديثه فيه جانب التأصيل الذي يقنعك و جانب الترغيب الذي ينقلك إلى طرائف تجعلك لا تمل من كلامه البتة. كقوله على سبيل المثال يعين الفارق بين سعي المرء لنيل الحظوة عند السلطان و بين سعيه لنيل الحظوة عند الله تعالى ، بأن الأول يدفع الناس من طريقه و يدوسهم و يتقرب إلى السلطان بإبعادهم . فأما الحال الثانية فيتقرب فيها إلى الله بسوق الناس إليه و دفعهم إلى المثول بين يديه! ...

ثم حدثنا عن مسؤولية الشهادة التي أناطها الله بنا في قوله ( لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا ) ...

فلما كان منصرفي من ذلك اللقاء جعلت أفكر في كلامه و أقلب فيه وجوه النظر متأملا متدبرا أنتقل من مشهد إلى مشهد حتى ذكرت حديثا عظيما جلست إليه أعكف على معانيه و أطوف حوله أشواطا كثيرة.
هذا الحديث العظيم أخرجه البخاري في صحيحه و رواه بطوله جمع من الصحابة منهم أبو هريرة و أبو بكر الصديق و ابن عباس و أنس بن مالك و عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجميعين. وإليكم رواية أنس التي أخرجها البخاري:
عن أنس بن مالك قال : حدثنا محمد صلى الله عليه و سلم قال : ‏إذا كان يوم القيامة ‏ ‏ماج ‏ ‏الناس بعضهم في بعض فيأتون ‏ ‏آدم ‏ ‏فيقولون اشفع لنا إلى ربك فيقول لست لها ولكن عليكم ‏ ‏بإبراهيم ‏ ‏فإنه ‏ ‏خليل الرحمن ‏ ‏فيأتون ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏فيقول لست لها ولكن عليكم ‏ ‏بموسى ‏ ‏فإنه كليم الله فيأتون ‏ ‏موسى ‏ ‏فيقول لست لها ولكن عليكم ‏ ‏بعيسى ‏ ‏فإنه روح الله وكلمته فيأتون ‏ ‏عيسى ‏ ‏فيقول لست لها ولكن عليكم ‏ ‏بمحمد ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فيأتوني فأقول أنا لها فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا فيقول يا ‏ ‏محمد ‏ ‏ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال يا ‏ ‏محمد ‏ ‏ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان فأخرجه فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقول يا ‏ ‏محمد ‏ ‏ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل فلما خرجنا من عند ‏ ‏أنس ‏ ‏قلت لبعض أصحابنا لو مررنا ‏ ‏بالحسن ‏ ‏وهو متوار في منزل ‏ ‏أبي خليفة ‏ ‏فحدثناه بما حدثنا ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏فأتيناه فسلمنا عليه فأذن لنا فقلنا له يا ‏ ‏أبا سعيد ‏ ‏جئناك من عند أخيك ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة فقال ‏ ‏هيه فحدثناه بالحديث فانتهى إلى هذا الموضع فقال ‏ ‏هيه فقلنا لم يزد لنا على هذا فقال لقد حدثني وهو جميع منذ عشرين سنة فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا قلنا يا ‏ ‏أبا سعيد ‏ ‏فحدثنا فضحك وقال خلق الإنسان عجولا ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم حدثني كما حدثكم به قال ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال يا ‏ ‏محمد ‏ ‏ارفع رأسك وقل يسمع وسل ‏ ‏تعطه واشفع تشفع فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله)

يتبع إن شاء الله