مشاهدة النسخة كاملة : فقهاء مسلمون: بعض قراءات فتوى ابن تيمية للجهاد "خاطئة"
وسيم أحمد الفلو
31-03-2010, 04:37 PM
أعلن علماء فقه ملسمون أن فتوى أصدرها ابن تيمية قبل أكثر من سبعة قرون والتي اعتمدتها بعض الحركات المسلحة لتعليل العمليات الجهادية "لا يمكن استخدامها في زمن العولمة الذي تحترم فيه حرية العقيدة وحقوق الإنسان."
وقال هؤلاء العلماء -في بيان صدر بعد مؤتمر عقدوه في الـ27 والـ28 من مارس/ آذار، في مدينة ماردين جنوب شرقي تركيا لبحث الفتوى التي اشتهرت باسم فتوى ماردين- إن فتوى العالم –الذي عاش في القرنين السابع والثامن الهجريين- لا تبرر العنف وتقسيم العالم إلى دار كفر ودار إسلام.
وأضاف البيان –الذي نقلت وكالة رويترز مقتطفات منه- أن المسلمين سواء كانوا أفرادا أو جماعات ممن أعلنوا الجهاد من تلقاء أنفسهم، وسمحوا لأنفسهم بقتل المسلمين وغير المسلمين بحجة فتوى ماردين قد "ارتكبوا خطأ".
وجاء في البيان كذلك أن مع قيام دول بأنظمة مدنية تحافظ على الحقوق الدينية والعرقية والقومية، ينبغي أن يُعلن العالم برمته "دار سلام وتسامح وتعايش".
وطالب البيان العلماء المسلامين ببذل مزيد من الجهود لتفسير الفتوى وتوضيح سياقها التاريخي.
وقد أصدر ابن تيمية فتواه إبان المد التتري، ردا على سؤال عما إذا كانت ماردين دار كفر أو إسلام.
وشارك في المؤتمر علماء من تركيا وإيران والمغرب وموريتانيا والولايات المتحدة والهند والسنغال وإندونيسيا من بينهم الشيخ عبد الله بن بيه الرئيس التنفيذي لـ"المركز العالمي للتجديد والترشيد"، ومفتي البوسنة الشيخ مصطفى سيريتش، والقاضي الشيخ عبد الله ولد أعلى سالم رئيس المجلس الدستوري الأعلى بموريتانيا. ونظمه المركز العالمي للتجديد والترشيد وكانوبوس للإستشارات بالتعاون مع جامعة ارتكلو.
ويأتي تنظيم المؤتمر في سياق جهود عدد من العلماء المسلمين لاستخدام النصوص الفقهية القديمة في محاولة لتفنيد حجج الحركات الإسلامية المسلحة التي تستند إلى تلك النصوص لتعليل نشاطها.
فقد أصدر عالم هندي في وقت سابق من هذا الشهر في لندن فتوى بـ600 صفحة، ضد العمليات "الإرهابية"، وصدر في دبي نداء إلى الحركات الإسلامية في الصومال، لنبذ العنف.
أبو حسن
25-04-2010, 08:46 PM
(ماردين السلام) والدين المبدل والمؤول
د. عبدالعزيز آل عبداللطيف
قرأتُ "إعلان ماردين السلام" ونتائج هذا المؤتمر، والذي أقيم بمدينة ماردين بتركيا في اليوم الحادي عشر والثاني عشر من شهر ربيع الثاني سنة 1431 هـ، واستبان أن المؤتمر قد تكالب على عقيدة الولاء والبراء بالشغب والتشكيك، والخنق والتضييق.
فقد استهلَّ الإعلان بترسيخ ما أسمَوه بـ"الأخوَّة الإنسانية"، فهذه الأخوة المزعومة من الأوجه الخدَّاعة في تهوين عقيدة الولاء والبراء، وإضعاف الأخوة الإيمانية.
ورحم الله العلاّمة بكر أبا زيد، إذ حذَّر من سراب "الإنسانية"، فقال عنها: "إنها ضد الدين؛ فهي دعوة إلى أن نواجه المعاني السامية في الحياة بالإنسانية لا بالدين.
إنها في المعنى شقيقةُ قول المنافقين: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ [البقرة: 14].
والخلاصة: "إنها محاربة المسلمين باسم الإنسانية؛ لتبقى اليهودية، ويمحى رسم الإسلام - قاتلهم الله وخذلهم"[1] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftn1).
عمد المؤتمر إلى التشكيك والطعن في تقسيم الديار إلى دار إسلام، ودار كفر وحرب، فزعموا أن هذا التقسيم مجردُ آراء اجتهادية أمْلتْها أوضاعٌ سابقة، لقد شرِق الكثير بهذا التقسيم، ممن يؤثِر استملاح الكفرة وملاينتهم، والتودُّد للأنظمة العلمانية، والركون إلى العاجلة، فلما صعبتْ تبعاتُ الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودبَّ داء الوهن في تلك النفوس، وتنصَّلت عن مراغمة أعداء الله - تعالى - بالجدال والجلاد، عندئذٍ استطابت الهيام بـ "دار السلام!"، وصار هِجِّيرَاهم الثرثرةَ باحترام الإنسان، وإشاعة روح التسامح والتعايش، وبذْل قصارى الجهد في خنق شعيرة الجهاد في سبيل الله - تعالى - فغابتِ المواقفُ العملية الشجاعة، وانمحتِ الفتاوى الشرعيةُ الحاسمة، واندرستْ ألفاظُ الشريعة، وطغتِ الألفاظُ العائمة والمحدَثة.
إن التطاول على هذا التقسيمِ هو امتدادٌ للتطاول على عقيدة الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين، وتوهينٌ لتحكيم الشريعة، وإضعافٌ لناموسها، فالهجرةُ من دار الكفر إلى دار الإسلام ثابتةٌ باقية إلى قيام الساعة؛ قال الله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 97].
ونقل القرطبي مقالة ابن العربي بأن هذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة[2] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftn2).
وقال ابن رشد: "وجب بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، على من أسلم ببلد الحرب: أن يهاجر ويلحق بدار المسلمين، ولا يثوي بين المشركين ويقيم بين أظهرهم؛ لئلا تجري عليه أحكامهم"[3] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftn3).
وقال ابن كثير: "هذه الآية الكريمة عامةٌ في كلِّ مَن أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنًا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه، مرتكبٌ حرامًا بالإجماع"[4] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftn4).
وكتب الونشريسي (ت 914 هـ) رسالة بعنوان: "أسنى المتاجر في بيان أحكام من غلب على وطنه النصارى ولم يهاجر، وما يترتب عليه من العقوبات والزواجر"، وأورد النصوص الشرعية في تحريم الموالاة الكفرية، ووجوب الهجرة إلى دار الإسلام، فكان مما قاله: "فلا تجد في تحريم هذه الإقامة، وهذا الموالاة الكفرانية مخالفًا لأهل القبلة المتمسكين بالكتاب العزيز، فهو تحريم مقطوع به من الدين... ومن جوَّز هذه الإقامة، واستخفَّ أمرها، واستسهل حكمها، فهو مارق من الدين، مفارق لجماعة المسلمين، ومسبوق بالإجماع الذي لا سبيل إلى مخالفته"[5] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftn5).
وقد حكم العلامة عبدالرحمن السعدي (ت 1376 هـ) بأن البحرين والعراق دارا كفر لما كانتا تحت الاستعمار الإنجليزي؛ لأن النفوذ والحكم للإنجليز، كما حرَّر أن دار الكفر قد تكون دار حرب، أو دار هدنة"[6] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftn6).
والمقصود أن هذا التقسيم للدُّور مبنيٌّ على أدلة شرعية - كما هو مبسوط في موضعه - فيتعيَّن العمل به حسب الوسع والاستطاعة، وأما التزهيد في هذه التقاسيم ومحاولة طمسها، فهو توثبٌ على العقيدة والشريعة، وتوهين لما عظَّمه الله - تعالى - من عداوة للكافرين ومفارقتهم، والنهي عن التشبُّه بهم.
زهَّد هؤلاء في تحريرات الفقهاء وتحقيقات علماء السلف في تقسيم الدُّور، ثم تراهم قد فُتنوا وأُشربوا تعظيم المعاهدات الدولية، والإجلال لها!
فزعموا أن هذه المعاهدات "يتحقق بها الأمن والسلام لجميع البشرية، وتأمن فيها على أموالها وأعراضها وأوطانها...".
حقًّا إنها ثمرة نكدة: أن يُحتجَّ بالمعاهدات الدولية، وأن تكون محلَّ تسليم واحترام بلا قيد ولا تفصيل، لا سيما وأن هذه المعاهدات لا تعظِّم شرْعَ الخالق - سبحانه - ولا تحقِّق عدلاً للمخلوق؛ بل التعويل على هذه المعاهدات ضربٌ من الأحلام والأماني التي لا تجاوز الأذهان، كما هو مشاهد في الواقع والأعيان.
ما أجملَ ما سطره الأستاذ الكبير/ د. محمد محمد حسين - رحمه الله - وقبل أكثر من ثلاثين سنة بشأن هذه الخدائع "الدولية"! فكان مما قاله: "ولو تتبعنا الدعوةَ المبتدعة المعاصرة إلى العالمية، لوجدنا أنها دعوة هدامة من وجوه:
منها: أنها تناقض الناموس، وتخالف سنة ثابتة من سنن الله في الأرض، وهي دفْع الناس بعضهم ببعض، وضرب الحق بالباطل، وأكثرُ الناس تأثُّرًا بدعوة العالمية هم الخاملون من الضعفاء، الذين تقصر هممُهم عن الطموح إلى وسائل النهوض، والأخذ بأسباب القوة والجهاد في سبيلها، فيركنون إلى أحلام العالمية التي تمنِّيهم بسلامٍ يعطف فيه القوي على الضعيف، وليس أضر بالأمة الضعيفة من هذه الأحلام؛ لأنها تزيدها ضعفًا على ضعفها، وتقضي على البقية الباقية من معالم شخصيتها، وقد جربْنا الكلام عن الإنسانية والتسامح والسلام وحقوق الإنسان في عصرنا، فوجدناه كلامًا يصنعه الأقوياء في وزارات الدعاية والإعلام؛ ليَنْفُق ويروج عند الضعفاء، فهو بضاعة معدَّة للتصدير الخارجي، وليست معدَّةً للاستهلاك الداخلي، لا يستفيد منها دائمًا إلا القويُّ، ثم إن الأحلام العالمية لن تغيِّر سُنة الله في خلقه، ولن يكون من نتائجها إلا أن تذوب بعضُ جماعات ضعيفة متهافتة كُتب عليها الفناء؛ لأنها لا تستحق البقاء"[7] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftn7).
ربما اختار البعض "الإسلام المريح"، فاستملح الذوبان والانصهار مع الأعداء، واستروح مسْلكَ أرباب "العقول المعيشية"، وآثَر النكوصَ عن ميادين مدافعة الظلم والاستبداد، وانهمك في "شرعنة" الجبن والهروب من تكاليف المدافعة والاحتساب.
إلا أن أفرادًا تجاوزوا ذلك إلى خنق شعيرة الجهاد، ومحاصرته وتحجيمه، وإضفاء شروط وآصار دون تحقيق أو تحرير، فمع أن في القوم من استحوذ عليه الإفراطُ في التيسير وتتبُّع الرخص، إلا أن الجهاد قد حاصروه بآصار وأغلال، فلا جهاد إلا بإمام وإذنه! والجهاد مجرد دفْعٍ فحسب، وليس الجهاد لأجل الكفر كما في قوله - تعالى -: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29].
ومن المفارقات عن مؤتمر ماردين أن يهول من شأن إذن السلطة في الجهاد، مع أن إذن الإمام الشرعي في الجهاد محلُّ خلاف فقهي، ومسألة يسع فيها الاجتهاد[8] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftn8)، وفي نفس الوقت يهوِّن من قضايا إجماعية ظاهرة، كما تقدَّم في مسألة تقسيم الدُّور! ثم هل يريد القوم أن الجهاد منوط بالأنظمة العلمانية (الصارخة)، كنظام الإمام القذافي، وزين العابدين، ونحوهم؟!
وهل يتصور عاقل أن شعيرة الجهاد منوطة بإذن كرزاي الأفغان، أو عباس السلطة؟! وهل حكام اليوم راغبون في الجهاد في سبيل الله تعالى؟! وهل لديهم أهلية الاجتهاد في الإذن من عدمه؟!
إن الناظر إلى شروط القوم في الجهاد لَيشعرُ أنها محاولة بائسة لإضعاف الجهاد القائم وإجهاضه، كما في فلسطين والأفغان مثلاً.
قال ابن القيم: "فجهاد الدفْع يقصده كلُّ أحد، ولا يرغب عنه إلا الجبان المذموم شرعًا وعقلاً، وجهاد الطلب الخالص لله يقصده ساداتُ المؤمنين"[9] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftn9).
ختم المؤتمر نتائجه بخاتمة غير حسنة، فقرر أن "مفهوم الولاء والبراء لا يكون مخرجًا من الملة ما لم يكن مرتبطًا بعقيدة كفرية"، وهذا مسخ لعقيدة الولاء والبراء، وإسقاط لأوثق عرى الإيمان، فماذا يقولون عمن أطاع الكفار في التشريع، وأظهر الموافقة لهم؟! قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 100].
قال القاضي عياض: "وكذلك نكفِّر بكل فعلٍ أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر، وإن كان صاحبه مصرحًا بالإسلام مع فعله ذلك؛ كالسعي إلى الكنائس والبِيَع مع أهلها بزيِّهم، من شد الزنانير، وفحص (حلق) الرؤوس، فقد أجمع المسلمون أن هذا الفعل لا يوجد إلا من كافر"[10] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftn10).
وحرر ابن تيمية أن مشاركة الكفار في أعيادهم قد تفضي إلى الكفر الصراح، فقال: "وإذا كانت المشابهة في القليل ذريعةً ووسيلة إلى بعض القبائح، كانت محرَّمة، فكيف إذا أفضتْ إلى ما هو كفر بالله، من التبرك بالصليب، والتعميد في المعمودية... وأصل ذلك المشابهة والمشاركة"[11] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftn11).
وجاء في فتوى اللجنة الدائمة بالسعودية في حكم لبس الصليب: "إذا بيّن له حكم لبس الصليب، وأنه شعار النصارى، ودليلٌ على أن لابسه راضٍ بانتسابه إليهم، والرضا بما هم عليه، وأصرَّ على ذلك - حكم بكفره؛ لقوله - عز وجل -: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51]، والظلم إذا أطلق يُراد به الشرك الأكبر.
وفيه إظهار لموافقة النصارى على ما زعموه من قتْل عيسى - عليه السلام - واللهُ - سبحانه - قد نفى ذلك في كتابه؛ فقال: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ﴾ [النساء: 157]"[12] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftn12).
والمقصود أن موالاة الكفار شُعَبٌ متعددة، منها ما يُخرِج من الملة، ومنها ما ليس كذلك، فمظاهرة الكفار على المسلمين ردةٌ في حد ذاتها، وكذا لبس الصليب، أو التشبه المطلق بهم، وما يلحق به، كما هو مبين في مظانه.
كما يلحظ في هذه التوصية النَّفَس الإرجائي الغالي - والإرجاء دين الملوك، كما قاله النضر بن شميل - حيث قالوا: "ما لم يكن مرتبطًا بعقيدة كفرية"، ومفهوم ذلك أنه لا يكفر بالأقوال الكفرية والأفعال الكفرية، وهذا خلاف ما عليه السلف الصالح؛ فإن الكفر والردة قد يكون بالأقوال والأفعال.
وأخيرًا:
كان على المؤتمر أن يتخلى عن أسلوب التدثُّر بابن تيمية، وإضفاء المديح في مستهل الإعلان لفتواه بشأن ماردين أنها فتوى "حضارية رمزية"، على حد تعبير المؤتمر!
ثم محاولة الالتفاف على الفتوى، وتحريفها عن مقصودها، أو التعريض بها، وبأسلوب عائم متلون.
أسأل الله - تعالى - أن يهدينا وسائر إخواننا للحق والصواب، وأن نتجرَّد في نصرة دين الله - تعالى - وأن نراقبه - عز وجل - في السرِّ والعلن، دون الانجراف مع ضغوط الوقائع والمتغيرات، وعلى أصحاب المسلك السلفي المحض - إن أرادوا المشاركة في مثل هذا المؤتمر وأشباهه - أن تكون مشاركة راسخة جادة، قائمة على العلم والعدل، وإحقاق الحق، بعيدًا عن تأويلات مستكرهة أو تنازلات.
والله حسبنا ونعم الوكيل.
ـــــــــــــــ
[1] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftnref1) "معجم المناهي اللفظية" 163.
[2] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftnref2) ينظر: "تفسير القرطبي" 5/ 350.
[3] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftnref3) "مقدمات ابن رشد" 2/ 612.
[4] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftnref4) "تفسير ابن كثير" 1/ 514.
[5] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftnref5) "المعيار المعرب" 2/ 123 - باختصار.
[6] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftnref6) ينظر: "الفتاوى السعدية"، 92 – 93.
[7] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftnref7) "الإسلام والحضارة الغربية" 191، 192 - بتصرف يسير.
[8] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftnref8) ينظر كتاب: "الفتاوى الفقهية في أهم القضايا" لحسن اليوبي.
[9] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftnref9) "الفروسية" 29.
[10] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftnref10) "الشفا" 2/ 1072.
[11] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftnref11) "اقتضاء الصراط المستقيم" 1/ 481.
[12] (http://www.alukah.net/Sharia/0/20738/#_ftnref12) "فتاوى اللجنة الدائمة" 2/ 78.
أيمن غ القلموني
27-04-2010, 12:13 AM
وقفات مع مؤتمر (ماردين دار السلام)
إنه في يومي السبت والأحد (11-12/4/1431هـ) الموافق (27-28/3/2010م) عُقد في مدينة ماردين جنوب شرق تركيا مؤتمر بعنوان: (ماردين دار السلام) نظمه المركز العالمي للتجديد والترشيد بلندن بالتعاون مع مؤسسة كانبوس الإسلامية للاستشارات بلندن وجامعة أرتوكلو بماردين حضره جمع من العلماء وطلاب العلم والمفكرين من عددٍ من الدول العربية والإسلامية ناقشوا فيه فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية الشهيرة والتي جعل فيها بلد ماردين - والتي كان أهلها مسلمين ويحكمهم آنذاك المغول- بلداً مركباً لا هو دار حرب ولا دار سلم، وكان هذا اجتهاداً منه موفقاً عصم الله به دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، حيث كان التقسيم الشائع بين الفقهاء أن البلد إما أن تكون دار حرب (كفر) أو دار سلم (إسلام) فجاء شيخ الإسلام رحمه الله وقال ما نصه عن ماردين : (وأما كونها دار حرب أو سلم فهى مركبة فيها المعنيان، ليست بمنزلة دار السلم التي تجرى عليها أحكام الإسلام؛ لكون جندها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث)؛ اجتمع المؤتمرون وناقشوا هذه الفتوى وأصدروا بياناً ختاميًّا وقَّعه عددٌ منهم وتحفظ عليه بعضهم.
ولنا مع هذا المؤتمر وبيانه وقفات:
الوقفة الأولى:
حضر المؤتمر عددٌ من المبتدعة وأهل الأهواء، كالرافضة وبعض غلاة الصوفية، وعددٌ ممن يطلقون على أنفسهم التنويريين، كما حضره عددٌ من أهل السنة والجماعة، المشهود لهم بالمعتقد الصحيح؛ اجتهاداً منهم بضرورة المشاركة في كل المؤتمرات لإسماع العالم صوت الحق، وقد رفض بعضهم التوقيع على البيان، ومع ذلك أدرجت أسماؤهم، فلا يُظَنُّ بهم إلا خيراً.
الوقفة الثانية:
فرح بهذا المؤتمر: العلمانيون والليبراليون والغرب بكل أطيافه وأشكاله من خلال وسائل إعلامه، ولم نر عالماً سنيًّا معتبراً أشاد به أو أثنى عليه، وإليكم بعض العبارت التي أُضفيت على المؤتمر:
· علماء بارزون: (فتوى ماردين) لابن تيمية لا تصلح لهذا العصر. (الحوار نت)
· فقهاء ينقضون فتوى «قديمة» لابن تيمية... ويقرِّون «فضاء السلام» بديلاً عنها. (صحيفة الحياة)
· مؤتمر (ماردين) يتَّهم أتباع شيخ الإسلام ابن تيمية بتحريف فتواه. (جريدة بر مصر)
· المؤتمر الذي عقد في تركيا اعتبر جميع دول العالم «فضاء سلام». (إيلاف)
· إعلان وفاة فتاوى ابن تيمية في تركيا. (الأخبار)
· المؤتمر مجرد خطوة واحدة ضمن مجموعة مساعي أخرى، لتعزيز المراجعات الفقهية الشرعية. (إذاعة هولندا)
· أعاد علماء دين مسلمون بارزون صياغة فتوى تعود إلى القرون الوسطى. (رويترز)
الوقفة الثالثة:
بعيداً عن تفسير فتوى ابن تيمية تفسيراً خاطئاً والتدثر بها لدى فئامٍ من الناس واستغلالها في فهم خاطئ للجهاد، فإنه لا يصح توجيهها توجيهاً خاطئاً لم يُرده شيخ الإسلام نفسه لتمييع قضايا الجهاد والولاء والبراء.
الوقفة الرابعة:
أصاب أصحاب البيان في الثناء على شيخ الإسلام ابن تيمية -رغم وجود من يعاديه بل ربما من يُكفِّره بينهم- وكما قيل: (الحق ما شهدت به الأعداء)، وذلك بقولهم في البيان: (ذلك أن ابن تيمية بما ألهمه الله من فهم للشريعة وفقه للواقع ...) فرحم الله شيخ الإسلام الذي أنطق الله الحق على لسان أعدائه – فضلاً عن محبيه- وجعلهم يثنون عليه ويعترفون أن الله ألهمه فهم الشريعة وفقه الواقع.
الوقفة الخامسة:
أخطأ أصحاب البيان في قولهم: (إن تصنيف الديار في الفقه الإسلامي تصنيف اجتهادي، أملته ظروف الأمة الإسلامية وطبيعة العلاقات الدولية القائمة حينئذ. إلا أن تغير الأوضاع الآن ووجود المعاهدات الدولية المعترف بها، وتجريم الحروب غير الناشئة عن رد العدوان، ومقاومة الاحتلال، وظهور دولة المواطنة التي تضمن في الجملة حقوق الأديان والأعراق والأوطان- استلزم جعل العالم كله فضاء للتسامح والتعايش السلمي بين جميع الأديان والطوائف في إطار تحقيق المصالح المشتركة والعدالة بين الناس)
ذلك أن تصنيف الديار إلى دار حرب ودار سلم وإن كان تصنيفاً اجتهادياً إلا أنه مما أطبقت عليه كتب الفقه الإسلامي من المذاهب الأربعة بل حتى المذاهب: الشيعية والزيدية والإباضية، فهو ليس من مفردات السلفية ولا الوهابية، ولا من اختراعات ابن تيمية، وهي مصطلحات باقية إلى قيام الساعة ما بقي إسلامٌ وكفرٌ، ويمكن أن تكون بعض الديار مركبة فتكون دار حرب من وجه، ودار سلام من وجه آخر، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا كافٍ في الرد على من كفَّر المجتمعات الإسلامية، أو استباح أعراض المسلمين بحجة أنها دار حرب، فلا حاجة لإلغاء ما اتفق عليه فقهاء الأمة، بحجة وجود معاهدات دولية، ونشوء عالم كله فضاء للتسامح والتعايش السلمي بين جميع الأديان والطوائف، زعموا .
الوقفة السادسة:
وأخطؤوا أيضاً في قولهم: (وأصل مشروعية الجهاد ما كان دفعاً لعدوان {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} أو نصرة للمستضعفين {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ...} أو دفاعاً عن التدين {أذن للذين يُقاتَلون...} وليس ناشئاً عن اختلاف في الدين أو بحثاً عن المغانم)
فإنه وإن كان جهاد الدفع مقدماً على جهاد الطلب، إلا أنَّ الجهاد إنما شُرع لإعلاء كلمة الله ولإظهار التوحيد وطمس الشرك وأن يدين الناس بدين الإسلام، والله عزَّ وجلَّ يقول: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} فكيف يقول هؤلاء: (وليس ناشئاً عن اختلاف في الدين)، ولو تأمل أصحاب البيان قولهم: (أصل مشروعية الجهاد ما كان دفعاً لعدوان) لوجدوا أنه يعززاجتهاد من يرى مشروعية أعمال العنف في البلدان الإسلامية بحجة أنه دفعٌ لعدوان، فجاء البيان ليؤكد لهم ذلك ويقول لهم: إنَّ هذا هو أصل مشروعية الجهاد. وكان يكفيهم أن يستنكروا ويجرِّموا أعمال العنف في البلدان الإسلامية مع بقاء فرضية جهاد الدفع ومشروعية جهاد الطلب عند القدرة وتحت راية إسلامية واضحة.
الوقفة السابعة:
وأخطؤوا أيضاً في قولهم: (إن مفهوم الولاء والبراء لا يكون مُخرجاً من الملة ما لم يكن مرتبطاً بعقيدة كفرية) وهذه لوثة إرجائية، فإن الولاء بمعنى المحبة والنصرة للكافرين من الأعمال المكفرة التي لا يُشترط فيها الاعتقاد، كما نص على ذلك علماء الإسلام قديماً وحديثاً.
الوقفة الثامنة:
بعد أن أثنى البيان على فتوى ابن تيمية المشار إليها ووصفها بأنها: (فتوى متميزة في طرحها مشابهة في واقعها إلى حد كبير لعصرنا) (لما تختزنه من دلالات علمية وحضارية ورمزية متميزة) دعا المؤتمر بعد ذلك إلى إعادة النظر في تقسيم الفقهاء -وابن تيمية واحد منهم- فقالوا: (يقتضي أن يعيد الفقهاء المعاصرون النظر في هذا التقسيم لاختلاف الواقع المعاصر الذي ارتبط فيه المسلمون بمعاهدات دولية يتحقق بها الأمن والسلام لجميع البشرية وتأمن فيه على أموالها وأعراضها وأوطانها) وكان يسعهم ما وسع ابن تيمية- الذي أثنوا عليه وعلى فتواه- من تقسيم الديار إلى دار حرب ودار سلم ودار مركبة فيها المعنيان، وكل هذه الأنواع موجودٌ في هذا العصر، مع الإنكار على مَن عامل دار السلم أو الدار المركبة معاملة دار الحرب، أما جعل المعاهدات الدولية سبباً في إلغاء التقسيم، فهذا مما يعجب منه المرء! خاصة ونحن نرى أن دول الكفر- وعلى رأسها إسرائيل ومن عاونها- أول من يخرق هذه المعاهدات.
الوقفة التاسعة:
ليحذر العلماء والدعاة والمفكرون من أن يكونوا أداة يستخدمها الغرب في ضرب ثوابت الإسلام، ويحققوا بذلك - من حيث شعروا أو لم يشعروا- استراتيجياتهم، ومخططات مراكز دراساتهم واستشاراتهم، كمؤسسة راند وغيرها، بحجة بناء شبكات معتدلة في العالم الإسلامي، كما هو أحد عناوين فصول تقرير مؤسسة راند.
الوقفة العاشرة:
وليحذر المسلم من المؤتمرات والمراكز الإسلامية المستَغْفَلة أو المشبوهة، وليعرض بياناتها وتوصياتها على الكتاب والسنة، وليستعن بالعلماء الراسخين في العلم، والدعاة الربانيين الذين لم يتأثروا بضغوط الواقع وما بدَّلوا تبديلاً.
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن ينصر دينه، ويعلي كلمته
والحمد لله رب العالمين
موقع الدرر السنية
أبو حسن
06-05-2010, 08:53 PM
سجال مؤتمر ماردين
الشيخ د. عبدالوهاب بن ناصر الطريري
http://islamtoday.net/media_bank/image/2010/4/8/1_201048_10687.jpg
أما ولما يهدأ السجال بعد حول مؤتمر ماردين فلا بد من أداء الشهادة بالحق لمن علم ( إلا من شهد بالحق وهم يعلمون). وكنت ممن شهد هذا المؤتمر منذ تكونت فكرته الأولى وإلى أن صدر بيانه الختامي.
فقد قام مركز التجديد والترشيد بالتعاون مع جامعة ماردين بعقد مؤتمر حول فتوى ماردين، ورأس هذا المؤتمر بتألق علمي باهر سماحة شيخنا العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه متع الله بعلمه وعافيته، وكان هذا المؤتمر أحد مبادرته العلمية الجليلة والكثيرة، وكان مما هدف إليه الانطلاق بفتوى ماردين من المكان إلى كل مكان ومن زمان شيخ الإسلام إلى كل زمان.
وكان لهذا المؤتمر معالم مهمة أحببت إيضاحها :
أولاً: تصور فتوى ماردين:
اشتهرت فتوى ماردين عن شيخ الإسلام ابن تيمية فإن ماردين وهي المنطقة التي ولد فيها شيخ الإسلام ابن تيمية وتقع فيها بلده حران قد استولى عليها التتار في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية وخرج منها هو وأهله وهو في السابعة من عمره.
وكان أهل ماردين مسلمون واستولى عليهم التتار والذين كانوا يجمعون بين الكفر ـ في نظر شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الذي عاصرهم وعرفهم ـ وبين البغي والعدوان حيث استولوا على ديار المسلمين وبغوا فيها بأعظم أنواع البغي والفجور، فهي بلد أهله مسلمون والمتغلب عليه غير مسلمين.
وجاء السؤال لابن تيمية لمعرفة حال أهل هذا البلد هل يصح وصفهم بالنفاق؟ وهل تجب عليهم الهجرة؟ وهل تعتبر دارهم دار إسلام؟
فأجاب بجواب تضمن معالم واضحة أهمها:
1- حرمة دماء أهل ماردين وأموالهم، وأن بقاءهم في بلادهم تحت سلطة الكفار المتغلبين عليهم لا يهدر شيئاً من حقوقهم، ولا يحل سبهم ولا رميهم بالنفاق.
2- عدم وجوب الهجرة عليهم إذا تمكنوا من إقامة دينهم.
3- حرمة مساعدتهم لعدو المسلمين، ولو اضطروا للمصانعة أو التعريض أو التغيب.
4- أن دارهم ليست دار إسلام محض لأن المتغلب عليها غير مسلمين وليست دار كفر لأن أهلها مسلمون، ولكنها دار مركبة فيها المعنيان ، يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه.
وكان هذا التوصيف إحدى سطوعات عبقرية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ثانياً: تصحيح نص الفتوى.
نص الفتوى هو كالتالي:
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن بلد "ماردين" هل هي بلد حرب أم بلد سلم؟ وهل يجب على المسلم المقيم بها الهجرة إلى بلاد الإسلام أم لا؟ وإذا وجبت عليه الهجرة ولم يهاجر، وساعد أعداء المسلمين بنفسه أو ماله، هل يأثم في ذلك؟ وهل يأثم من رماه بالنفاق وسبه به أم لا؟
فأجاب:
"الحمد لله. دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في [ماردين] أو غيرها. وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام محرمة، سواء كانوا أهل [ماردين]، أو غيرهم. والمقيم بها إن كان عاجزًا عن إقامة دينه، وجبت الهجرة عليه. وإلا استحبت ولم تجب، ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال محرمة عليهم، ويجب عليهم الامتناع من ذلك، بأي طريق أمكنهم، من تغيب، أو تعريض، أو مصانعة. فإذا لم يمكن إلا بالهجرة، تعينت، ولا يحل سبهم عمومًا ورميهم بالنفاق، بل السب والرمي بالنفاق يقع على الصفات المذكورة في الكتاب والسنة، فيدخل فيها بعض أهل [ماردين] وغيرهم، وأما كونها دار حرب أو سلم، فهي مركبة: فيها المعنيان، ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام، لكون جندها مسلمين. ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه". انتهى.
وقد وقع الاختلاف في كلمة في السطر الأخير منها (يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه).
فقد تصحفت في بعض المطبوعات إلى: (ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه).
وقد جاءت الفتوى على الصواب:
1- في النسخة المخطوطة الوحيدة الموجودة في المكتبة الظاهرية وهي برقم (2757) في مكتبة الأسد بدمشق.
2- فيما نقله ابن مفلح في الآداب الشرعية وهو تلميذ ابن تيمية وقريب العهد منه فقد نقلها على الصواب (ويعامل) في الآداب الشرعية (1/212).
3- نقلت الفتوى في الدرر السنية (12/248) على الصواب.
4- نقلها الشيخ رشيد رضا في مجلة المنار على الصواب.
وأما هذه التصحيف فقد وقع أول ما وقع قبل مائة سنة تقريباً في طبعة الفتاوى التي أخرجها فرج الله الكردي عام 1327هـ ( / ) ثم تبعه على ذلك الشيخ عبد الرحمن القاسم رحمه الله في مجموع الفتاوى (28/248) .
وأصبح هذا النص هو المشهور والمتداول لشهرة طبعة مجموع الفتاوى وتداولها بين طلبة العلم.
كما أن ترجمة الفتوى إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية اعتمدت على النص المصحّف وقد أحدث هذا تشويهاً لصورة الإسلام وبلبلة فكرية لدى بعض الشباب الذين اعتنقوا الإسلام في الغرب.
ولو لم يكن من نتائج المؤتمر إلا إشهار هذا التصحيح لكان إنجازاً حقيقاً بالحفاوة.
ثالثاً: تصحيح معنى الفتوى الماردينية.
أصبحت الفتوى الماردينية بالنص المحرف مصدر استمداد لجماعات العنف والاقتتال داخل المجتمع الإسلامي.
وممن أعتمدها بنصها المصحف وجعلها مصدر استدلال محمد عبد السلام فرج في كتابه (الفريضة الغائبة) (ص 6) وهو الذي كان دستور الجماعات القتالية.
وقد تعقبه في ذلك جمع من العلماء منهم الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق ، والشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى في الأزهر رحمهم الله، في كتاب نقض الفريضة الغائبة (ص80) وقد ناقشوا مضمون الفتوى ولو وقفوا على النص الصحيح لها لكفوا كثيراً من القول.
وسبب استمداد القتاليين من هذه الفتوى وجعلها دليلاً لهم أن عبارة ( ويقاتل الخارج عن الشريعة).
تضمنت أمرين:
الأمر الأول: تشريع القتال للخارج عن الشريعة بصيغة البناء المجهول وبذلك أصحبت هذه الجماعات تدعي أنها هي التي ستقوم بهذا الدور بما فيه قتال الخروج على الدول والمجتمعات الإسلامية.
ثانياً: لفظة الخارج عن الشريعة لفظة واسعة فإن الخروج عن الشريعة مساحة واسعة تبدأ من صغائر الذنوب وتنتهي إلى كبائر الذنوب الكفرية وبالتالي أصبحت كل هذه المساحة مساحة للقتال.
وبتصحيح النص يتم تجريد الفتوى من هذا المتمسك للجماعات القتالية، كما أن التفقه في معنى الفتوى يجردها أيضا، فإن هذه الفتوى أكدت في ضمن ما أكدت عليه حرمة دماء المسلمين، وأغلقت كل أبواب الافتئات على دماءهم وأموالهم وأعراضهم حيث قال شيخ الإسلام رحمه الله: ( دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في ماردين أو غيرها ... ولا يحل سبهم عموماً ورميهم بالنفاق).
رابعاً: الانطلاق من الفتوى الماردينية.
إختار شيخ الإسلام القول بالدار المركبة إذا أن التقسيم الذي جرى عليه كثير من العلماء أن كل دار غلب عليها أحكام المسلمين فهي دار إسلام وإن غلب عليها أحكام الكفار فدار كفر ولا دار لغيرهما.كما في الأحكام الشرعية لابن مفلح (1/212).
وقال الشيخ تقي الدين عن ماردين هي مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار الإسلام التي يجري عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار بل هي قسم ثالث.
فهذا القسم الثالث الذي فرعه شيخ الإسلام في أحكام الدور وفرع عليه جواز الإقامة فيها ما دام أهلها متمكنون من إظهار الشريعة وأن المسلم يعامل فيها بما يستحق ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه، يمكن الانطلاق منه إلى توصيف البلاد التي يقيم فيها المسلمون إذ ما ثم رقعة في العالم اليوم إلا وللمسلمين فيها وجود وتواجد، وتختلف ظروفهم من بلد إلى بلد فهم في بعض البلاد غير المسلمة يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة ويستطيعون إظهار شعائر دينهم ويمارسون عباداتهم ولا يكرهون ولا يستكرهون على منكر، فيمكن أن توصف هذه البلاد بأنها فضاء سلام، وأنها وإن لم تكن دار إسلام فإنها دار سلام وأمن يأمن فيها المسلمون على دينهم ويجوز البقاء فيها ما داموا في حالة تمكنن من إظهار دينهم.
كما دفع النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين الأول إلى أرض الحبشة وهي دار كفر وكان المبرر لذلك كونها دار أمان لهم يأمنون فيها على دينهم لأن بها ملكاً عادلاً لا يظلم الناس عنده وإلى ذلك انتهى بيان مؤتمر ماردين حيث نص في فقرة منه على هذا المعنى.
خامساً: وهذا التقسيم للدور وإن كان مما ابتكره شيخ الإسلام ابن تيمية ولكن ما قرره في هذه الفتوى من جواز الإقامة في البلد الذي تغلب عليه الكفار إذا تمكن المسلمون من إقامة دينهم قد شاركه فيه غير واحد من أهل العلم ففي فتاوى شهاب الدين الرملي:
سئل: عن المسلمين الساكنين في وطن من الأوطان الأندلسية يسمى أرغون و هم تحت ذمة السلطان النصراني يأخذ منهم خراج الأرض بقدر ما يصيبونه فيها، و لم يتَعدّ عليهم بظلم غير ذلك لا في الأموال و لا في الأنفس و لهم جوامع يصلون فيها و يصومون رمضان و يتصدقون و يفكّون الأسارى من أيدي النصارى إذا حلّوا بأيديهم، و يقيمون حدود الإسلام جهرا كما ينبغي و يُظهِرون قواعد الشريعة عيانا كما يجب، و لا يتعرض لهم النصارى في شيء من أفعالهم الدينية و يَدْعون في خطبهم لسلاطين المسلمين من غير تعيين شخص، و يطلبون من الله نصرهم و هلاك أعدائهم الكفار، و هم مع ذلك يخافون أن يكونوا عاصين بإقامتهم ببلاد الكفر. فهل تجب عليهم الهجرة، و هم على هذه الحالة من إظهار الدين نظرا إلى أنهم ليسوا على أمان أن يكلفوهم الارتداد و العياذ بالله تعالى، أو على إجراء أحكامهم عليهم، أو لا تجب نظرا إلى ما هم فيه من الحال المذكور؟
فأجاب: بأنه لا تجب الهجرة على هؤلاء المسلمين من وطنهم لقدرتهم على إظهار دينهم به، و لأنه صلى الله عليه و سلم بعث عثمان يوم الحديبية إلى مكة لقدرته على إظهار دينه بها، بل لا تجوز لهم الهجرة منه، لأنه يرجى بإقامتهم به إسلام غيرهم، و لأنه دار إسلام فلو هاجروا منه صار دار حرب، و فيما ذكر في السؤال من إظهارهم أحكام الشريعة المطهرة و عدم تعرض الكفار لهم بسببها على تطاول السنين الكثيرة ما يفيد الظن الغالب بأنهم آمنون منهم من إكراههم على الارتداد عن الإسلام أو على إجراء أحكام الكفر عليهم. انتهى.
وفي فتاوى أبي القاسم السمرقند:
قال العبد: هذه البلية الواقعة في زماننا باستيلاء الكفار على بعض ممالك الإسلام لا بد فيها من تعريف الاحكام، أما البلاد التي في أيديهم فلا شك أنها بلادُ الإسلام لا بلادُ الحرب لأنها غيرُ متاخِمةٍ لبلاد الحرب و لأنهم لم يُظهروا فيها حكم الكفر بل القضاة مسلمون، و من قال منهم أنا مسلم أو يَشهد بالكلمتين يُحكم بإسلامه، و من وافقهم من المسلمين فهو فاسق غير مرتد و لا كافر و تسميتهم مرتدين من أكبر الكبائر، لأنه تنفير عن الإسلام و تقليل لسواده و إغراء على الكفر، و كفى بذلك جحةً إجراءُ احكام الإسلام من صاحب الشرع صلى الله عليه و سلم على المنافقين مع الوحي الناطق بنفاقهم. و الملوك الذين يطيعونهم عن ضرورة مسلمون، و إن كان عن غير ضرورة فكذلك و هم فساق. انتهى.
ومثلها فتوى الإمام المازري المالكي رحمهم الله
صورة المخطوطة الوحيدة للفتوى الماردينية
http://islamtoday.net/media_bank/image/4645645654.jpg
تعقيب من الكاتب على المداخلين
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر الأخوة المعلقين على المقال جميعاً...
وأسأل الله أن يكتب لهم حسن العقبى وجزيل المثوبة وأن لا يحرمني وإياهم من الأجر إذا أخطأنا إصابة الأجرين.
كما أسأله أن يصلح سرائرنا ويسدد ظواهرنا.
ثانياً: علينا أن نقرأ نص البيان بنفسية مَن عُقد المؤتمر من أجلهم، وكُتب البيان لهم، وهم إخواننا المسلمون المنتشرون في سَعَة الرقعة العالمية بقاراتها الست.
فإن التلقي بهذا التصور يساعد على فهم أبعاده ومعانيه...
ثالثاً: علينا عند التنازع الردُّ إلى الهدي النبوي، ودلالة السيرة النبوية الهادية، وأن نخلع عند عتبة النص النبوي مرادات نفوسنا التي نميل إليها، ولن نُحرمَ تسديدَ الله ومعونتَه إذا صدقنا في هذا القصد.
رابعاً: علينا التفقه في دلالة بقاء الصحابة في الحبشة سبع سنين بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا في الحبشة في الوقت الذي قامت فيه دولة للإسلام، إمامها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يعودوا إلا في السنة السابعة، ولم تَطَلْهم معاتبة أو لوم، بل تُلُقُّوا بالبشارة النبوية: (لكم -أصحابَ السفينة- هِجرتان).
وبقي النجاشي بعد إسلامه في الحبشة بين ظهرانَي قومه الذي لم يسلموا، وعندما تُوُفِّي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : "تُوُفِّي اليوم رجل صالح".
ووجه بعض العلماء صلاة الغائب عليه أنه تُوُفِّي وليس ثمَّةَ مسلم في الحبشة غيره.
فما هو توصيف الحبشة التي أقام فيها هؤلاء الأخيار مع قيام دولة الإسلام في المدينة؟ إنها ليست دار إسلام ، ولا دار حرب، ولكنها دار سلامٍ وأمْن: أمنوا فيها على دينهم، ولم يُعاتبوا على ثَوَائِهم بها.
خامساً: التبصر في وضع المسلمين المنتشرين في أمصار الدنيا تحت ولاياتٍ غير مسلمة، ففي أوربا عشرون مليونًا، وفي روسيا عشرون مليونًاـ وفي الهند مائتا مليون، وفي الصين ثمانون مليونًا، وفي والولايات المتحدة ثمانية ملايين، دع عنك أستراليا وأمريكا الجنوبية وغيرها.
فينبغي أن يُنظر إلى الناحية الإيجابية لهذا الانتشار بدلاً من تحويله إلى عبء وإلزامهم بالهجرة، وذلك بتكييف دارهم على أنها -وإن لم تكن دار إسلام- فهي دار سلام لهم وأمان، ويكون الاجتهاد على تقوية انتمائهم لدينهم، وتفاعلهم مع مجتمعهم، وجَعْلِهم رُسلًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أرض ولجوا فيها.
سادساً: مهما انتهى إليه هذا المؤتمر أو غيره، فهو اجتهاد ورأي، لا يرفع الخلاف في مسائل الخلاف، ولا يتحجر الحق في مسائل الاجتهاد.
وسوف تظل هناك مساحة واسعة تتراجع فيها الفهوم والمدارك؛ اجتهاداً للوصول إلى مراد الله ورسوله، ولكن الذي نطمح إليه من إخواننا رعاية حق الأخوة الإسلامية؛ هذه الآصرة التي وثقَّها الله عز وجل، وأحكم وثاقَها بين المسلمين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ). وهذه الآصرة الوثيقة المحكمة لا يُسَوِّغُ اخترامَها اختلافٌ في علم، ولا تنازُعٌ في اجتهاد.
وإني ألتمس لجميع الإخوة العذر في ما نَدَّ من عبارات، وأحملها على الغيرة والحَمِيَّة لهذا الدين، ولكن ينبغي أن يُعلم أن مساحة الغيرة للدين واسعة، يشاركنا فيها غيرنا، خاصةَ هؤلاء العلماء الذين أعمارهم في العلم أكثرُ من أعمارنا منذ ولدتنا أمهاتنا، وأن الغيرة على الدين لا تعذرنا في الظن الآثم (إن بعض الظن إثم). إن مساحة الغيرة على الدين ينبغي أن لا تتقلص في فهومنا حتى لا تتسع إلا لمواضع أقدامنا، وأن نتذكر أن بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهَجَر، وليأتين عليه يوم وهو كظيظٌ من الزحام جعلني الله وإياكم من السابقين في هذا الزحام.
اللهم اهدنا فيمن هديت، اللهم اهدنا لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، اللهم اهدِ قلوبَنا، وأصْلِحْ ذات بيننا، وأَعِذْنا من نزعات الشياطين ومضلات الفتن.
أثارت هذه الفتوى زوبعة في الساحة الإسلاميّة، بين مؤيّد ومعارض.
وكذا كلام فضيلة الشيخ الطريري.
ومهما تتعدد قراءات فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية، فالأكيد أنّ لكلّ عصر شخصيّته وظروفه، التي تستلزم اجتهادًا خاصًّا.ومن أجل ذلك يبعث الله المجدّدين.
كما أنّ من المؤكّد أنّه حان الوقت ليعرف المسلمون -السّنّة بصورة خاصّة-كيف يمكنهم الموازنة بين الأمور:
-بين توقير علماء السلف ومخالفتهم في الاجتهاد
-بين مخالفة علماء العصر وتوقيرهم مع ذلك.
بل الموازنة بين الأمور جميعها ،كي لا يتطرّفوا في أيّ موقف.
يمكنني أن أخالفك ونبقى مع ذلك إخوة. ويحفظ لنا الحق في التفكير ،وفي الاجتهاد، وفي التنافس... هذه أمور تحفظ لنا خصوصيتنا كأفراد وكبشر.
والإمام الشافعيّ ،الذي نحن في القلمون أتباع مدرسته الفقهيّة،هو إمام الأئمة في أدب الخلاف.
أتابع المنتدى من أيام وهذه أول مرّة أقرر فيها أن أتكلّم .
أتكلم لأقول: شكرًا فضيلة الشيخ د. الطريري. لقد استطاع -كعادته-أن يكون موزونًا .
أما موقع الدرر السنية، فأنا في الواقع لا أعرف الغرض منه بالضبط.
سبق أن أرسل لي منتقدًا موقف فضيلة الشيخ سلمان العودة من حادثة الدانمرك، ودخلت الموقع وأرسلت لهم : ما موقفكم أنتم بالضبط؟
أما فضيلته فهو يسعى إلى تأليف كتاب يعرّف بالنبي صلى الله عليه وسلّم بلغات العالم (وقد اكتمل الكتاب بحمد الله)
وإلى إنشاء فضائية تعرّف بالنبي عليه الصلاة والسلام،
وإلى عقد مؤتمر عالميّ لنصرته عليه الصلاة والسلام (وقد عقد)
وإلى إنشاء فضائية لنشر العقيدة السنيّة بالفارسيّة (وقد أنشئت وهي قناة النور ).
وكل ذلك برعاية من مؤسسة الإسلام اليوم.
فأنتم ماذا فعلتم لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم؟:
شتمتم الدانمرك؟
عرّضتم بعالم مسلم؟
أنا الآن أكرر نفس المقولة:
ليسلم منّا المسلمون،
أما القول بأن التصنيف: دار إسلام ودار حرب، اصطلاح، فهو أمر مضحك فعلًا.
لا سيّما إن عرفنا أنّ التعريفين فيهما خلاف بين علماء السلف أنفسهم.
وإذا عرفنا أنّ كثيرًا من المسلمين آمنون اليوم في ديار الغرب أكثر مما هم آمنون في ديار المسلمين. ولا أظنّ أنّ ثمّت حاجة للإطالة.
ونحن اليوم في عصر معولم. ولا ينبغي أن يخفى معنى ذلك على مثقّف فضلًا عن خفائه على عالم.
شكرًا لكل أخ شارك هنا مرّتين:
-مرّة على نقله
ومرّة على تقبّل تعليقي.
أبو حسن
06-05-2010, 11:17 PM
بل الشكر هو أقل واجب علينا نحو أستاذتنا نور على هذه المشاركة والإضافة القيمة...
ونحن في هذا المنتدى نتقبل المشاركات ممن لا علم عندهم ولا أدب ولا هدف لهم من المشاركة سوى التشغيب والإعتراض، ونصبر عليهم...
فكيف لا نقبل المشاركة من أستاذة فاضلة لم نعهد منها سوى العلم والأدب والإفادة...
على كل، كلام الشيخ الطريري وفقه الله أوضح جانبا من بيان ماردين متعلقا بفتوى شيخ الإسلام، لكنه غفل عن جوانب أخرى، أهمها بعض العبارات الموهمة في البيان...
نعم، بعض الوقفات التي وردت في رد موقع الدرر السنية حمّلت الكلام أكثر مما يحتمل، لكن في الوقفتين السادسة والسابعة انتقد الرد عبارات موهمة تحتاج لبيان وإيضاح ممن شارك في المؤتمر...
محمد أحمد الفلو
06-05-2010, 11:44 PM
أحببت أن أعلق بتعليقين خطرا على بالي عند قراءة الموضوع :
سبحان الله، يعقد مؤتمر لمناقشة فتوى شيخ الإسلام بعد قرون من وفاته رحمه الله،صدق الله العظيم : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات
من خلال ما فهمت من فتوى شيخ الإسلام، فإن جلّ المسلمين في الغرب هم على فتواه بأن بلاد الغرب ليست بلادا إسلاميه بطبيعة الحال، ولكنها ليست دار حرب بلا شك.
إن أكثر العاملين في الدعوة في الغرب قد تجاوزوا هذه التقسيمات إلى النقاش حول مواطنة الإنسان المسلم في الغرب، و العلاقة التي تربطه بالدولة التي يقيم فيها وكيفية تعامله مع قوانينها، ولقد أُصّلت هذه الآراء وصارت متبنّاة عند جلّ العاملين للدعوة في الغرب.
لا بد من التنويه كذلك بأن غالب الأحزاب اليميننيه في الغرب تفضل أن يأخذ المسلمون بالفتاوي التي توجب هجرة المسلمين
انا استغربت أن تكون هناك حاجة لعقد مؤتمر للنقاش حول هجرة المسلمين من ديار الغرب بدعوة من الشيخ عبد الله بن بيه وهو المعروف بباعه الطويل في مجال الفتاوي للمسلمين في الغرب.
استغرابي هذا مرده إلى أن هذه الآراء لا تلقى آذانا صاغية في الغرب، هذا إن وجدت من ينشرها بين المسلمين أصلا
والله تعالى أعلم
ألف شكر أخي محمد عبيد. وكلّك ذوق.
ما منعني من المشاركة قبل اليوم هو انهماكي في أعمال أخرى.
الآن ربما لأيام، أجد وقتًا أكثر.
هلا أخ محمد فلو.
لافعل الأمر كذلك.
ما زالت مدرسة هذا الإمام الفذ الكبير ابن تيمية من أعظم المدارس تأثيرًا . وهذا من فضل الله .
ما أستغربه فعلًا هو أنه إلى الآن لم تنعقد مؤتمرات لمدارسة نهج هذا الإمام الجليل.
فقد نسب كثيرون من المسلمين أنفسهم إلى مدرسة الإمام ابن تيمية، لكنهم في الواقع لم يجسّدوا مبادئه.
أعتقد أنّ من الوفاء لإمامنا الكبير أن نوضح حقيقة مدرسته :مدرسة التسامح والجهاد والعدالة والانفتاح.
لا يفترض أن نستغرق مزيدًا من الوقت لتوضيح الواضحات، وتفسير البدهيات.
آن للمسلمين أن يفقهوا أن الإسلام من قرون اعترف بحق العقل في الاجتهاد، قبل أن يتعلّم الغربيّ القراءة والكتابة.
محمد أحمد الفلو
07-05-2010, 01:10 AM
الآن ربما لأيام، أجد وقتًا أكثر.
هلا أخ محمد فلو.
أهلا بك مدرستنا الفاضله
نتمنى أن تخصصي وقتا أكبر للمشاركه على منتدى القريه ...
أهلا بك مدرستنا الفاضله
نتمنى أن تخصصي وقتا أكبر للمشاركه على منتدى القريه ...
بإذن الله . وعد
وبالمناسبة ، أنا مش ناسية البلدة الحبيبة .بالعكس، نقلتها لميدان واسع. مثّلتها حيث كنت.
أيمن غ القلموني
08-05-2010, 12:06 AM
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
بسم الله الرحمن الرحيم
في يومي السبت والأحد 11-12 ربيع الثاني 1431هـ/27-28 مارس 2010 انعقد مؤتمر قمة السلام (ماردين دار السلام) برعاية المركز العالمي للتجديد والترشيد (لندن) وبالتعاون مع كانوبوس للاستشارات (لندن) وجامعة أرتكلو (ماردين) وبمشاركة ثلة من علماء الأمة، من مختلف التخصصات، لتدارس إحدى أهم أسس العلاقات بين المسلمين وإخوانهم في الإنسانية؛ وهي تصنيف الديار في التصور الإسلامي، وما يرتبط به من مفاهيم، كالجهاد والولاء والبراء والمواطنة والهجرة؛ لأهمية هذا التصور الفقهي، في تأصيل التعايش السلمي، والتعاون على الخير والعدل بين المسلمين وغيرهم.
تلك مقدمة نتائج المؤتمر – مختصرة – ومنها يتضح:أن المؤتمر هدف – في المقام الأول - إلى إيجاد وصف جديد للعلاقة بين الدول الإسلامية وغيرها، بدل الوصف القديم الوارد في كتب الفقه (دار سلام، ودار حرب)، سماه بـ "فضاء سلام"، أو "فضاء للتسامح والتعايش"، باستثناء الكيانات الغاصبة كالكيان الصهيون؛ التي تخوض حربا ضد المسلمين، من هذا الوصف الجديد.
والداعي لهذا التحول الفقهي الجذري أمران:
أولاهما: ظهور مستجدات عالمية، تضمنت مواثيق دولية، ومؤسسات ومنظمات عنيت بالحقوق الإنسانية، وأقرت العدل، وجرمت العدوان، وسلم لها جميع دول العالم وقبل بها.
وثانيهما: ظهور دولة المواطنة؛ التي ضمنت الحقوق الدينية والدنيوية للمسلمين بلا تفريق ولا تمييز عنصري، ولا ديني، ولا غير ذلك.
وكل هذا يتفق مع الشريعة في الجملة، وإن شابه نقص، بحسب بيان المؤتمر.
وهذا ما أشار الدكتور عبد الوهاب الطريري إليه، في تصريحاته لجريدة الشرق الأوسط السبت 3إبريل 2010: "أن المؤتمر هدف أيضا إلى إمكان إيجاد توصيف جديد للدول، يتوافق مع المستجدات العالمية، ومنها إنشاء المؤسسات والمنظمات الدولية، وإعلان المواثيق الدولية، التي تعطي للدول توصيفات جديدة، غير حصرها في دور حرب أو سلام، لافتا إلى أن المؤتمر دعا إلى اعتبار دول العالم جميعها، باستثناء الدول التي تخوض حربا ضد المسلمين، كالكيان الصهيوني (فضاء سلام)؛ إذ قلما يوجد بلد لا يعيش فيه مسلمون، ويتمتعون فيه بحقوق المواطنة".
وفي نتائج المؤتمر ذكر لكل هذا:
"إن تصنيف الديار في الفقه الإسلامي تصنيف اجتهادي، أملته ظروف الأمة الإسلامية وطبيعة العلاقات الدولية القائمة حينئذ، إلا أن تغير الأوضاع الآن، ووجود المعاهدات الدولية المعترف بها، وتجريم الحروب غير الناشئة عن رد العدوان ومقاومة الاحتلال، وظهور دولة المواطنة، التي تضمن في الجملة حقوق الأديان والأعراق والأوطان: استلزم جعل العالم كله فضاء للتسامح والتعايش السلمي بين جميع الأديان والطوائف في إطار تحقيق المصالح المشتركة والعدالة بين الناس، ويأمن فيه الناس على أموالهم وأوطانهم وأعراضهم، وهو ما أقرته الشريعة ونادت به منذ هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ووضع أول معاهدة تضمن التعايش بين جميع الطوائف والأعراق في إطار العدالة والمصالح المشتركة، ولا يسوغ التذرع بما يشوبها من نقص أو خرق دول معينة لها للتنكر لها، وافتعال التصادم بينها وبين الشريعة السمحة".
ولتحقيق هذا الهدف الرئيس، وشرعنة الوصف الجديد (= فضاء السلام): اتخذ له المؤتمر وسيلة.
جعل من مسألة التقسيم الثنائي (= دار السلم، وحرب) مسألة اجتهادية، لا نص فيها ولا دليل عليها، إنما هو استنباط فقهي غير ملزم، واستند في هذا إلى فتوى ماردين لابن تيمية؛ حيث إنه خرج على هذا التقسيم السائد، فزاد فيه ثالثا هو: الدولة المركبة من المعنيين؛ دار السلم، ودار الحرب.
وهذا ما ينطبق على ماردين، حيث إن أهلها مسلمون، وحكامها وجندها من المغول.
مما أكد اجتهادية التقسيم، وثم من إمكانية استحداث تقسيمات وأوصاف جديدة، بحسب اختلاف الأحوال، فإذا كان الحال الجديدة في ماردين، استوجب من ابن تيمية استحداث قسم ثالث، فالأحوال المستجدة اليوم (= المواثيق الدولية، ودولة المواطنة) تستوجب كذلك استحداث وصف جديد للحالة، هو: فضاء السلام.
وعلى الفقهاء أن يستجدوا صيغا تتلاءم وأوضاع المسلمين.
إن عناية المؤتمر بالفتوى مرده، وجود هذا القسم الثالث فيها؛ فهو مساعد لتحقيق الهدف الرئيس؛ إذ تحصلوا به على سند من عالم مجتهد اجتهادا مطلقا بالاتفاق، ولم يأت بعده مثله.
أما تصحيح كلمة "يقاتل" في جملة: "ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه"، إلى "يعامل". فذلك لم يكن هدفا أولا، إنما هو هدف لتحقق الهدف الأول، فإن فضاء السلام لن يتحقق في حال وجود من يجيز القتال في دولة المواطنة أو المركبة، وفي تصريحات الدكتور عبد الله بن بيه: أن مفتي مصر أخبره عن استغلال بعض الجماعات الجهادية – في أوائل الستينات - لهذه الكلمة "تقاتل" في الفتوى؛ ليجعلوا ديار الإسلام غير معصومة؛ أي يجوز فيها الاعتداء.
فكان لا بد إذن من إبطال محاولة الاستناد إلى هذه الكلمة من الجملة في الفتوى، وللإبطال استشهد المؤتمر بما: في الآداب الشرعية لابن مفلح، وهو تلميذ ابن تيمية، والدرر السنية، وما أورده محمد رشيد رضا، حيث جاء عندهم بلفظ:"يعامل" وليس "يقاتل".
ثم استدرك الدكتور الطريري لاحقا، بعد أسابيع من المؤتمر، في مقال له في موقع الإسلام اليوم: بما يفيد ظاهره: أن في المكتبة الظاهرية مخطوط فيه تصحيح الكلمة. وذلك بعد الاعتراضات التي وردت على المؤتمر: أنه لم يتخذ المنهج الصحيح للنقد والتصحيح للكلمة.
ترتب على هذه النظرة الفقهية الجديدة كليا، نظرة أخرى جديدة - أو شبه جديدة - في قضايا هي مبادئ إسلامية كبرى: الجهاد، والولاء والبراء، والهجرة.
فهذه المبادئ تبدو معوقة – على الأقل بمفهومها السائد عند كثير من الناس – عن شرعنة الوصف "فضاء السلام" وصون ذلك الهدف الرئيس.
حيث إن تقسيم البلاد إلى: دار سلام، وحرب. يحمل معه: المفاصلة والانحياز في العلاقات الدولية، إلا استثناءا في حالة العهد والذمة والأمان والمصالح المشتركة.
لكن التوصيف الجديد يقلب هذه الأوضاع قلبا إلى علاقات قائمة - ليس على التعايش والتسامح، فهذه موجودة قديمة قدم الإسلام، خصوصا بين المسلمين وغيرهم في بلاد الإسلام، وليس ثمة جديد في هذا، والتاريخ شاهد، كذلك النصوص -:
إنما على التشابك والتداخل الكامل، والامتزاج التام في كافة النشاطات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية حتى العسكرية تحت مسمى "دولة المواطنة" و "فضاء السلام".
وتلك المبادئ تبدو وكأنها تصب في تأييد التقسيم الثنائي، وتمنع من التوحد تحت فضاء السلام، فكان بد من إعادة تفسيرها، واستخراج وصف جديد لها يتلاءم مع مقتضيات (فضاء السلام).
وقد اضطلع المؤتمر بهذه المهمة؛ فخرج بالتأكيد على أن علل الجهاد ثلاثة، ذكرت في النتائج، وهي: "رد العدوان، ونصرة المستضعفين، والدفاع عن التدين". ولم تذكر علة: إعلاء كلمة الله. مع كونها منصوص عليها في قول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله}.
والولاء والبراء أعاد ترجمته بما يلي، كما هو في النتائج:
"إن مفهوم الولاء والبراء لا يكون مخرجا من الملة، ما لم يكن مرتبطا بعقيدة كفرية".
فجائز إذ ن ولاء الكافر، وعدم البراء منه، إذا كان للدنيا فحسب، ويلاحظ عدم نصه على التفريق بين المحارب والمسالم في هذا.
وأما الهجرة فنقضت بالكلية، وحلت محلها "دولة المواطنة"، وفرضوا أمورا لتتم النتيجة:
الأول: أن الأقليات المسلمة نالت حقوقها كاملة، أو شبه، أو بالحد المعقول. مما أتاح القدرة على إقامة الدين، وعدم العجز عن ذلك.
الثاني: أن المعاهدات والمواثيق الدولية، مرجع لحماية الحقوق. مما أعطى الاطمئنان والضمان.
الثالث: أن مستقبل أوربا – وفيها أكبر جالية إسلامية – هو الإسلام، بحسب المقدمات الموجودة الآن وإفادة الدراسات السكانية بتكاثر نسل المسلمين، وتناقص نسل الأوربيين.
فلا مكان إذن لمصطلح الهجرة اليوم. الذي يعني: وجوب رجوع المسلم إلى بلد الإسلام، متى قدر على ذلك، أو إن عجز عن إقامة دينه. فعلة الهجرة غير موجودة إذن.
* * ** * ** * ** * *
أيمن غ القلموني
08-05-2010, 12:13 AM
يتبع لما قبله
هكذا بدا المؤتمر في هدفه، ووسيلته إلى الهدف، وفي سعيه لصون الهدف..
وقد جافى المنهج العلمي، وارتكب خطأ ظاهرا، حين اتخذ الهدف ورسمه ابتداء، ثم سخر له كل طاقاته ووسائله، وليس الخطأ في أن يهدف المؤتمر إلى هدف ما، فما من مؤتمر إلا وله هدف معلن. إنما الخطأ في: أن يكون الهدف المرسوم مسألة اجتهادية محضة، في أقل الأحوال، وعند الآخرين خطأ محض، قابل للنقض والرد.
وأن يعقد لها مؤتمر، ليس من أجل البحث والمدارسة، إنما لترجيح رأي دون رأي.. هكذا ابتداء.
فإن هذه المسألة (= إبقاء قسمة الدار ثنائية، أو تغييرها إلى دار واحدة). في أقل أحوالها مسألة تحتاج إلى نظر وفحص دقيق بالغ الدقة.
لإقرار الجميع: أن القسمة الثنائية ملئت بها كتب الفقه والتفسير والحديث، وعليها نصوص تؤيدها.
فلا يسوغ ألبتة تفرد طائفة بها؛ لتستأثر بالاجتهاد والفتيا بما يحمل تحولا جذريا في خط الأمة، يمس صلب الدين، وينتشر بأثره إلى كل المسلمين، بمعزل عن فقه ورأي الآخرين، وهم علماء معروفون، لا ينكر أحد علمهم وفضلهم وإيمانهم.
فالواجب جمع كافة العلماء أو أكثرهم وجلهم، والنظر في المسألة من كافة أطرافها، ولو استلزم الأمر مؤتمرات عديدة، حتى ينقح المناط ويحقق، ويحصل التقارب، وتسد الفجوة قدر الإمكان.
لكن المؤتمر لم يلتفت لهذا.
فهذا ما يؤخذ عليه في الهدف، أما في الوسيلة:
فالمؤتمر بنى فكرته عن "فضاء السلام" على الأمرين السابقين – كما ذكر – لكنه أغفل النظر في الاعتراضات، أو لم يعطها حقها ومستحقها من النظر.
فالمواثيق الدولية المانعة من العدوان، لو سلم بأنها كذلك، فلا يوجد يحميها، ويقيمها على العالم.
فغير خاف على أحد: أن القوى العظمى هي من وراء هذه المواثيق، وهي التي تنتهك وتدوس عليه، فتعتدي في وضح النهار، فتحتل بلاد المسلمين. والجرح لم يلتئم بعد، فهاتان دولتان مسلمتان تحت الاحتلال إلى اليوم منذ أقل من عشر سنوات، وقد قتل وشرد الملايين من المسلمين، مع دمار شامل، وسرقة كاملة للثروات، فأين المواثيق، ومن الضامن لها، ومن يحميها من عبث القوى المتحكمة ؟.
وهي عاجزة – مع جبروتها – عن لجم إسرائيل عن غيها، ولا تستطيع توجيه اللوم إليها حتى ..
ودولة المواطنة، لم تعط إلى اليوم المسلمين كامل حقوقهم الدينية، بل محال لدولة علمانية، أن تعطي المسلمين ما تعطيهم الدولة المسلمة التي تحكم بشريعة الله، وإلا لم يعد فرق بين الدولتين.
ولم تحفظ دولة المواطنة حقوقهم، بل انتهكتها علنا، ففرنسا عدت على الحرية الشخصية، تلك الحرية التي يختال بها الأوربي، بمنع المرأة المسلمة من لبس الحجاب في المدارس، والنقاب في الشوارع، ودول أخرى كأسبانيا تحذو حذوها. وسويسرا تمنع المآذن، والدنمارك وسائر أوربا يسيئون للنبي صلى الله عليه وسلم،بما لا تسمح بمثله في حق اليهود أو النصارى، فالحقوق إذن ليست على ما يطمئن ويطمح إليه المسلم، وما بقي مما لم يمس ليس بمأمن؛ أن يمنع من الصيام في رمضان، بدعوى عدم الإضرار بالإنتاج، وإجبار المسلمين على دفع زكاة أموالهم إلى الدولة، وغير ذلك، كل ذلك وارد مع كونهم أقلية مستضعفة، ووجود المتعصبين والأشرار في مراكز السلطة والقرار.
ولا يمكن الركون إلى القانون، فالتلاعب سيد الموقف، ولو كان القانون يحمي، فإنما يحمي الأقوياء وليس الضعفاء، ولذا لم يوقف القانون غزو العراق، على الرغم من اعتراض الملايين من الشعوب.
وأمام هذه الحقائق عما يعده المؤتمر متكسبات إنسانية وبشرية (=المواثيق، والمواطنة)، نجد من العجب، أن المؤتمر لم يجر موازنة بين هذه السلبيات، وما يراه إيجابيا، وأيهما الغالب.
فهذا أقل ما يمكن فعله، قبل الخروج بقرار وفتوى يلغي به مبدأ الهجرة، الثابت نصا وعقلا.
ثم لو فرض غلبة الإيجابيات، فما يلزم عنه إلغاء مبدأ الهجرة كليا، ولا يشترط، ولا يتضمن، فلم نصل بعد إلى نهاية التاريخ ولا العالم، فالتقلبات والتغيرات واردة، وحاصلة ومشاهدة كل حين.
من الممكن حصول اندماج بمعنى التعايش والتسامح بين الأقليات المسلمة وأهل البلاد التي هم فيها، ومن الجائز دعوتهم إلى التأقلم مع أوضاعهم، والعمل بالدين بما يستطيعون؛ لاستحالة الهجرة، فالفتوى تتغير بتغير الحال. لكن غير الممكن ولا المفهوم، حصر حل مشكلات الأقليات في إلغاء مبدأ الهجرة، والتخطيط لذلك من خلال مؤتمر، يصطلح فيه على اصطلاح جديد – غير معهود – هو: فضاء السلام: مع كون هذا المصطلح أقرب إلى الخيال منه إلى الحقيقة.
ومع قدرة المسلمين على حل مشكلاتهم، من غير اللجوء إلى إبطال حقيقة شرعية كونية قدرية.
وأوربا لا شك أنها تعاني شيخوخة، وفيها أكبر جالية إسلامية، ولو سلمنا بالحسابات الجارية، واعتقدنا حدوث انقلاب سلمي في الأوضاع لصالح المسلمين، خلال قرن أو نصفه، فذلك ليس بمعين ولا مبرر لتبديل أحكام مستقرة، تهيئة لذلك الوضع منذ الآن.
فلتبق أحكام الله تعالى في الهجرة وغيرها كما أنزلت بالوحي، ولو كان العجز عن تحقيقها سمة العصر، حفاظا على الوحي المنزل وعدم تبديله أو تعطيله، قياما بالأمانة، فإن حدث تبدل وصارت أوربا أو غيرها مسلمة، فحينذاك قيل للمسلمين فيها: لم يعد في حقكم هجرة بعد الآن. كما هو الحال في جمهوريات البوسنة والهرسك وكوسوفا وألبانيا.
ذلك الحين تنتفي أسباب الهجرة (= العجز عن إقامة الدين، وأمن الفتنة في الدين) أما واليوم هي موجودة وقائمة؛ بكون الأرض غير مسلمة، وقطعا لن تتيح تطبيقا شاملا كاملا لأحكام الدين، فالعجز عن الهجرة لا يسوغ إلغاءها، وإلا لقيل بإلغاء وإبطال كل حكم عجز الناس عن إقامته، وليس هذا من الدين، العجز يأتي معه الترخص والمسامحة والتخفيف، وليس قلب الشريعة وإبطالها.
يبدو أن المؤتمرين ظنوا أنه بالإمكان تحقيق "فضاء السلام" المزعوم؛ ولأجله تخطوا مصطلحات شرعية مقررة، وتصرفوا فيها بغير حق.
فلا أحد يؤمن بهذا الخيال المسمى بفضاء السلام إلا الواهم، فقانون الدنيا الذي جعل الله فيه الخير والشر، والملائكة والشياطين، والصالحين والمجرمين، يأبى ذلك بشدة.
فالحقيقة: أن الصراع دائم باق، والغرب يروج لشعارات السلام، ويقلده آخرون، ثم يرونه وهو ينتهك السلام برمته.. ألا يدعوهم هذا إلى التأمل في الفكرة نفسها، ومدى تحققها في الواقع ؟.
من لم تكن له قوة تحميه في نفسه وماله ودينه، فلا أحد يأبه له في هذا العالم، بل حماه مستباح، و"فضاء السلام" يعني: خلوص العالم من الشر والعدوان.
وهو محال، إلا في حال نزول عيسى عليه السلام. وهي فترة مؤقتة، سرعان ما يرجع الناس بعدها إلى طبائعهم، وعلى ما كانوا عليه منذ خلق الله تعالى الدنيا.
والإيمان بهذه الحقيقة، لا يعني ولا يلزم عنه: محبة الحروب والدمار والدماء. كلا، بل هو واقع مهما هربنا منه، لا يزال يلاحقنا ولو كنا في بروج مشيدة، كالموت. هكذا هي الحياة، وهكذا قرر القرآن:
- {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم استطاعوا}.
- {إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون}.
وطمس هذه الحقائق من المحالات، لكن علينا أن نعمل على تخفيفها، كالأمراض لا نستطيع القضاء عليها، لكن نخفف من آثارها بالوقاية والعلاج، والإسلام هو الدين الذي سعى في حقن الدماء، فجاء بالسلام والرحمة، فالسلام فيه هو الأصل، كما قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
وحروبه لم تكن إلا خيارا أخيرا، حين تتعطل فرص السلام.
وفي الحرب يتجلى حبه للسلم، في العفو والرحمة والإحسان إلى المحارب، والأسير, والضعيف، ولا أدل على هذا، من أنك لو عددت الذين قتلوا في حروب الإسلام كلها، لكان أقل من واحد بالألف، مقارنة بعدد الذين ماتوا تحت الحكم العلماني منذ القرن العشرين، في الحرب الأولى والثانية، وحرب فيتنام، وحروب الاستعمار.
وجهاده كان لرد العدوان، ونصرة المستضعفين، وإعلاء كلمة الله.. لهذه الثلاثة، والثالث لم يذكر في نتائج المؤتمر، واستبدل بقولهم: "دفاعا عن التدين"، وهو نفسه السببان الأولان، تكرر في هذا الثالث.
ولم يكن ثمة مبرر لهذا الاستبدال، فليس في ذكر: "إعلاء كلمة الله" سببا من أسباب الجهاد. ما يخشى منه أو يستحيا؛ فلا يلزم عنه إقرار العدوان على أحد, فتطهير بلاد المسلمين من المحتلين، ونصرة المستضعفين، وتبليغ الدين إلى العالمين من طريق الصلح ونحوه، كل ذلك لإعلاء كلمة الله تعالى.
فإذا كانت السبب الداعي لطي هذه العلة، اعتقاد أنه هو ذاته جهاد الطلب، فليس بلازم لما تقدم.
إن في ذكر هذا السبب أهمية كبرى؛ إذ به يستحضر المسلم علو الإسلام، وهذا أصل كبير.
وإن جهاد الطلب نفسه رد للعدوان؛ عدوان المتربص، بمبادرته بالحرب قبل أن يبادر هو. وعدوان المانع للناس من أن يسلموا الوجه لله تعالى.
إذا عرفت الحقيقة في هذا الصراع الكوني القدري، بطلت فكرة إلغاء الهجرة، بافتراض فضاء سلام، هو دائم ومستقر. فهذه مغالطة كبيرة، فليس السلام دائما، ولا مستقرا، وما بني من نتيجة على هذا الوهم، فهو باطل ولا شك.
وإذا كان الفرض والعلة في إلغاء الهجرة، استحالتها اليوم، فالاستحالة صحيحة، لكن علاجه لا يكون بتغيير التشريع في الهجرة، وطمس حقيقة بينة ظاهرة، إنما بالبيان الشرعي للأقليات وتيسير الفتوى لهم، ومراعاة تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال، مع وصيتهم: أن يحفظوا دينهم عن ظهر قلب، بحفظ المبادئ فلا تضيع، حتى يأتي اليوم الذي فيه ينصر الله الدين، وليس ذلك ببعيد.
وقد يرد هنا: أننا بين حقيقة وواقع.
فالحقيقة تنبئ بما ذكر آنفا؛ أن الأصل في البشرية الصراع، والأصل في الإسلام السلام.
والواقع أن الدعوة للسلم هو الذي يحقق للإسلام المكاسب، حيث ميل عموم البشر إلى السلم وكراهيتهم للحروب، فلو حدثوا بالحقيقة البشرية، ظنوا أن الإسلام يحب ويقدم الحرب، فنفروا منه.
ولو حدثوا بأن الأصل في الإسلام هو السلم، حسن ظنهم واطمئنوا، فأقبلوا مسلمين أو مناصرين.
والمتعصبون في الغرب لا يزالون يلصقون بالإسلام تهمة العنف وحب الحرب، وهم بفعلهم هذا عقبة أمام تمدد الإسلام، فالحكمة تقتضي: الحديث عن السلم في الإسلام، وإبرازه، أكثر من الحرب، خصوصا أنه الأصل، والحرب طارئ؛ إذ الحرب عقوبة، والعقوبة لا تكون مستديمة.
فالجواب: أن هذا المنحى صحيح، والإسلام دين السلم والسلام لاريب، وليس الاعتراض على شيء من هذا، إنما على قلب الأحكام، وتبديلها وتعطليها بالكلية، وتغيير المعاني جذريا، هذا الذي لا يجوز تحت أي ظرف، فطريق الدعوة إلى الإسلام، لا يكون بتغيير حقائقه؛ لأنه تحريف للكلم عن مواضعه، ولأنه لا يفيد بشيء؛ إذ كل ما في الإسلام معروض مكشوف، يطلع عليه كل أحد، فلا يخفى.
هذا وقد ارتكب المؤتمر خطأ جليا، بقياسه دولة المواطنة على الدولة المركبة؛ التي ذكرها ابن تيمية:
فأركان القياس غير متوفرة؛ فإنه تكلم عن أرض مسلمة، احتلها الكافر. ودولة المواطنة أرض كافرة يسكنها بعض المسلمين. وفرق بينهما: فواجب على المسلمين تحرير الأرض المسلمة، دون الكافرة.
ثم إن ابن تيمية فصل في أحوال أهل الدولة المركبة؛ أن من عجز منهم عن إقامة دينه، وجبت عليه الهجرة، وإلا استحبت. وأن من تعرض لمحنة معاونتهم، فلم يمكنه الامتناع إلا بالهجرة، تعينت الهجرة.
فها هو يقرر الهجرة حتى لأهل الأرض المسلمة المحتلة، فكيف بأرض كافرة (=دولة المواطنة) ؟.
وهذا عكس ما أراده المؤتمر تماما، فقد أخذوا فكرة الدولة المركبة، واحتزوها حزا من سياقها في الفتوى، ولو درسوها كاملة، لما قرروا إلغاء الهجرة، ولا شبهوا المواطنة بالمركبة، لكن هذا الخطأ من آثار خطأ منهجي آخر هو: استباق النتائج، وتقريرها حتى قبل الشروع في المؤتمر.
بقيت مسألة الولاء والبراء، وقد أباحوا ولاء الكافر للدنيا، وهذا خطأ، فالولاء مصطلح شرعي قرآني، مختص بالدين معناه: المحبة، والنصرة للدين. فلا يستعمل في الدنيا؛ لذا فقد جاء في القرآن الكريم، نهي المؤمنين مطلقا عن تولي الكافرين وولايتهم.
فهذا منهم من عدم التحرير، وقد كان يسعفهم لتقرير ما أرادوا، استعمال مصطلح المحبة، وقد ورد جوازه في حق الكافر، في قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت..}. في محبة النبي لعمه أبي طالب.
ومصطلح المودة، وقد ورد جوازه في حق الزوجة النصرانية، في قوله: {وجعل بينكم مودة ورحمة}. أي الزوجين، وللمسلم أن يتزوج النصرانية، فهذا إذن بمودتها.
أخيرا: لنا طلب إلى المشاركين أن يتأملوا ويتدارسوا القضية وما عليها من ملاحظات، فإنهم تصدوا لقضية كبرى، لا يحق لفئة واحدة، أن تنفرد بالأمر دون غيرها.
ثم نقول: إن الاستدراك على المؤتمر كان من خلال نتائجه المعلنة والتصريحات المرافقة؛ لأن النتائج باتفاق هي خلاصة رؤية المؤتمر، ولسنا بمعنيين بما دار في بحوثه وتعليقاته ومناقشاته؛ فلا يصح إذن، من حيث المنهج، الرد على النقد: بأنه هذه القضية أو تلك ذكرت أو بحثت في المؤتمر. والله أعلم.
محمد أحمد الفلو
08-05-2010, 03:23 AM
بإذن الله . وعد
وبالمناسبة ، أنا مش ناسية البلدة الحبيبة .بالعكس، نقلتها لميدان واسع. مثّلتها حيث كنت.
بالنسبة لتمثيل القلمون فإني ما فتئت اسعى لتمثيلها خير تمثيل وللتعريف بها حيثما كنت.
وكل معارفي في فرنسا على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم باتوا يعرفون دولة القلمون المستقله
وفي عامنا الحالي، أكرمني الله بجمعهم مع الإخوة القلمونيين (بليغ اسماعيل، فراس طوط، أيمن غنوم،عمار الفلو، عبد الله خطيب ...) في المؤتمر السنوي لمسلمي فرنسا فزاد إعجابهم بالقلمون وتوقهم لزيارتها لأنهم رأوها من خلال الشباب اجمل مما وصفت
بالمناسبه : نسيت ان أنوه في مشاركتي السابقه أنني كنت شاهدت حلقة الشيخ سلمان في برنامج الحياة كلمه منذ سنتين حينما اتصلت معرفة نفسك باسم نور وطلبت من الشيخ التعريف بمشروعه للرد على الرسوم الكاريكاتوريه التي نشرتها صحف الدانمارك
سؤال : الشيخ سلمان بيعرف القلمون ؟
أبو حسن
08-05-2010, 07:39 PM
مشكور أخي أيمن على نقلكم مقالة د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
فهي نقاش هادئ وهادف لبيان ماردين، أضاء ونبّه فيه على جوانب مهمة...
بالنسبة لتمثيل القلمون فإني ما فتئت اسعى لتمثيلها خير تمثيل وللتعريف بها حيثما كنت.
وكل معارفي في فرنسا على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم باتوا يعرفون دولة القلمون المستقله
وفي عامنا الحالي، أكرمني الله بجمعهم مع الإخوة القلمونيين (بليغ اسماعيل، فراس طوط، أيمن غنوم،عمار الفلو، عبد الله خطيب ...) في المؤتمر السنوي لمسلمي فرنسا فزاد إعجابهم بالقلمون وتوقهم لزيارتها لأنهم رأوها من خلال الشباب اجمل مما وصفت
بالمناسبه : نسيت ان أنوه في مشاركتي السابقه أنني كنت شاهدت حلقة الشيخ سلمان في برنامج الحياة كلمه منذ سنتين حينما اتصلت معرفة نفسك باسم نور وطلبت من الشيخ التعريف بمشروعه للرد على الرسوم الكاريكاتوريه التي نشرتها صحف الدانمارك
سؤال : الشيخ سلمان بيعرف القلمون ؟
أجل طبعًا. كيف بيعرفني وما بيعرف القلمون؟ . وكمان زارها مرتين ن لكن للآن ما التقى شبابها . ما إجت فرصة.
وأزيدك: فضيلته بيقول إنه سعيد لما يحضر إلى بيروت لأنه بيصير قرب القلمون. فالقلمون حبيبة جدًا إلى نفس فضيلته .
بالمناسبة فضيلته ما قدر يحضر المؤتمر لكن طلب نعطي بليغ رقمه ليتواصل معه.
وإذا حابين تتواصلوا معه ، فهيدا رقمه:
00966554250250
رح يكون سعيد جدًا فيكم.
طريقة الاتصال أن ترسلوا رسالة جوال لفضيلته وتطلبوا يكلّمكم. هو بيتّصل. خاصة لو عرف أنكم من القلمون.
أيمن غ القلموني
09-05-2010, 12:47 AM
مشكور أخي أيمن على نقلكم مقالة د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
فهي نقاش هادئ وهادف لبيان ماردين، أضاء ونبّه فيه على جوانب مهمة...
الله يبارك فيك أخي أبو حسن
النقل كان متعب للحقيقة ، طويل وإذا عملتلو نسخ ، بيطلع مبهدل .
أينما قرأت في أي منتدى أو في أي مقالة تخص الدين الإسلامي ، أجد إسم الشيخ محمد رشيد رضا .
hadid
09-05-2010, 01:57 AM
عم إقرا بس كني عم إفهم ولا كلمة ...
د. سعد العبد الله
عندما انعقد أخيراً "مؤتمر ماردين قمة السلام" الذي أقامه المركز العالمي للتجديد والترشيد وبالتعاون مع جامعة أرتكلو في تركيا، ثار بعده جدل كان متوقعاً في بعض جوانبه، لهذا بدا المؤتمر وكأنه حرك نهر الثقافة والفكر الإسلامي بطروحاته النوعية، وكان الجانب الإيجابي من النقاش -والذي قاده من دون منازع الدكتور عبد الوهاب الطريري حفظه الله- يتعلق بتلك الملاحظات العلمية تصحيحاً وتساؤلاً و بأسلوب هادئ و أخلاقي، أما الجانب الثاني من الجدل، والذي تمثل أغلبه في ردود غاب فيها أحياناً الحد الأدنى من المنطق والموضوعية والأخلاقية للأسف الشديد.
ولنمثل لعدم علمية هذه الردود نكتفي بالمثال التالي، وهو اعتراض أحدهم على بيان ماردين؛ فقد أعلن بأنه حتى ولو كانت هناك فتوى خاطئة تبيح قتل الآخر(العدو)، فالأولى السكوت وإغفالها حتى يحقق من يطلقون على أنفسهم الجهاديون أهدافهم بالنيل من العدو! فأي خطل في الفكر هذا، والرجل يغفل هنا برأيه هذا. الحق الذي تقوم عليه الشريعة. والعدل الذي هو مبتغاها. وواجب العلماء في التبيين والنصح والتبليغ، وفي تقديري الخاص أن عدم التلقي والاستبشار بهذا النوع من المراجعات والنقد البناء، لدى بعض من المهتمين ومن طلبة العلم يعود لمشكلة عويصة تتعلق أولاً بغياب مفهوم الفضاء العام، والذي يمثل مساحة عامة لتلاقي الأفكار وجدالها بالتي هي أحسن؛ فهذا التقليد غائب اليوم – للأسف – على الرغم من معرفتنا له تاريخياً، يُضاف إلى ذلك طبيعة المتلقين؛ فهم إما أفراد مشبعون بنوع من الفكر الخاطئ؛ فهم إديولوجيون لا يقبلون الرأي الآخر، أو جماعات عضوية ضيقة الأفق.
فغياب المحاججة والعقلانية بالمعنى الفلسفي والفكري هو سبب هذا الضياع الثقافي وتراجع الانفتاح على الرأي المخالف، كما أن هناك مستوى من الفلسفة التشريعية ومن الخطاب ومن الأدوات استخدمه مؤتمر ماردين، وخصوصاً جرأته وانفتاحه على القناعات والقيم والمفاهيم العولمية، لا نقول شكل صدمة لكنه في الحد الأدنى يعتبر غريباً تماماً على البنية الفكرية والثقافية لأغلب الأوساط التي تتدثر بالمقولات والنماذج التراثية في هذه الظروف. وهذا ما لاحظناه من خلال الحساسية المفرطة لدى الخطاب المضاد من عبارات: كالأخوة، والإنسانية، والتسامح، والقانون، والعولمة، ولهذا نقترح أن يكون هناك ومن خلال "التوصيل" اهتمام خاص بقناعات الأفراد ومخاوفهم، وأن تضع النخبة من الفقهاء والمفكرين في المستقبل نصب أعينهم خطاباً يسير سير أضعفنا.
وفي الأسطر الآتية سنحاول قراءة الجانب المتعلق بالسياسة والعلاقات الدولية في توصيات ماردين؛ ذلك أن أغلب التيارات الفكرية والثقافية – للأسف – في منطقتنا العربية والإسلامية لم تستطع أن توسع أو تجدّد حتى الآن أفق رؤيتها ونظرتها للعالم، على الرغم من التطور الهائل الذي طال المفاهيم التقليدية للزمان والمكان والحدود، مصداق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم "تكون الارض كالقصعة بين يدي الآكل"، وذلك على الرغم من اهتمام هذه التيارات بموضوع الدولة، والتي تمثل مفهوماً وشخصاً ووحدة في الفكر السياسي والقانوني والدولي، جديداً نسبياً على الجغرافيا السياسية والثقافية للعالم، إلاّ أنها ظلت – التيارات – أسيرة مبادئ عامة لما يجب أن تكون عليه علاقة الدولة الإسلامية مع الآخر – الدولة الافتراض في هذه اللحظة من التاريخ – وهي نظرة مستقاة في الغالب من الأحكام الفقهية القديمة، والتي كتبت في أغلبها للسلطة حينئذ، والتي تشكل موروثاً على أهميته وغناه، من السذاجة إن لم يكن من تغييب العقل الاعتقاد بإمكان انطباقها أو تنزيلها على الواقع المعاصر للمسلمين وللعالم.
وتكمن أهمية هذه الملاحظة بعد ما لاحظته من سجال بعد مؤتمر ماردين، والذي جعلنا ندرك بأن هناك تياراً عريضاً بأكمله من أبناء المسلمين في هذا العصر، قد أغلق منافذ التفكير والتدبر في الواقع العالمي وحقيقة واقعنا ووضعنا كمسلمين؛ فحصر العلاقة بين المسلمين وغيرهم بالصراع والحرب، جاهلاً أو متجاهلاً كل الجوانب الأخرى التي قد تمثل مجالاً وموجباً للعلاقة والتعارف والتعاون، ومتجاهلاً عدم النهي عن البر بالآخر مهما كان مخالفاً في العقيدة والفكر والرأي ما لم يكن معتديا مقاتلاً أو مضيقاً على المسلمين في القيام بدينهم.
من هنا الأهمية الخاصة والنوعية لمؤتمر ماردين الذي حاول أن يراجع موضوع تقسيم الدار كمسألة اجتهادية في الفقه السياسي الإسلامي، لإدراك صاحب الدعوة والمجتمعين من العلماء والدعاة للحاجة الماسة في هذا الزمان (بعد700 سنة)؛ لتجلية تلك المبادئ ومراجعتها وتعميق الاجتهاد حولها، وهو أمر مطلوب وواقعي، مطلوب لأن تراث العلماء على أهميته وغناه ومشروعية الاستنجاد به يبقى تراثاً فلا عصمة عند أغلب المسلمين إلاّ لكتاب الله ولسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وواقعي لأن تراكيب الوضع الدولي وتقاسمه شهدت من التغير في الشكل والمضمون ما لم يره أو عهده تاريخ البشرية جمعاء، وهو تغير باد في كثرة الشخوص (الوحدات) الدولية وتخصصها وتنوعها، وتداخل نطاقاتها(المحلية والإقليمية والدولية)، وتفاوت الدول، وبروز مرجعيات تمثل مواثيق ومعاهدات ذات سمة عالمية، وقّعت عليها أغلب الدول المسلمة – لاحظ غياب دولة موحدة –.
فالعلاقات اليوم لا يمكن حصرها في نمط واحد ولا في علاقة واحدة بين دولة وأخرى فحسب، بل تعدت إلى العلاقة مع مجموعات الدول المتنوعة الأنظمة والسلطات والأديان والمواقف، ومع مجموع التكتلات، والمنظمات والجمعيات، بل وحتى الشركات بل والأفراد، وحتى التيارات ذات "النزعة العابرة"، وهي علاقات تتنوع من الثقافة إلى الاقتصاد والتجارة، إلى السياسة والتعاون، وبالطبع مع ما يعتري ذلك من الصراع و الاتفاق.
فإذا كان هذا الذي وصفناه من التطور قد حصل في بيئة العلاقات بين الناس والدول، ورافقه الكثير من التغير والتطور في الأفكار والثقافة على المستوى العالمي, فكيف يمكن أن يغفله فكر حي كالفكر الإسلامي، وشرْع كشرع الإسلام صفته العالمية ومهمة حملته الشهادة على الناس؟!
لاشك أن الإصرار على البقاء ضمن نظرة فقهية قديمة للعالم كانت تناسب أوضاعاً معينة – مهما كان مغرياً – سيسم المسلمين المعاصرين بقصور النظر وضبابية الرؤية وبالعجز عن التطور.
إن الثروة الوحيدة التي نمتلكها بعد القرآن والسنة هي العقل والفهم الذي يجعلنا ندرك كيف نحفظ وجودنا، ونقيّم خلافتنا ونخطط لدعوة إخواننا في الإنسانية إلى النور وإلى الحياة.
لهذا من الإيجابيات الهامة -إضافة لما تفضل به الدكتور عبد الوهاب الطريري الداعية المؤثر والعالم المنفتح على الحوار و اختبار الأفكار في سجالاته الجميلة التي اطلعت عليها- هي محاولة هذا المؤتمر المساهمة في صياغة التصورات النظرية التي تجعل من الشرع منطلقاً، ومن الواقع العالمي مجالاً وموضوعاً للنظر والنقد في ضوء المتغيرات الكبيرة التي حدثت في تاريخ و بيئة العلاقات الدولية، والتي تعصف اليوم بفعل العولمة بالمشهد العالمي، وهذا الفهم لبيئة التغير وحجمه هو ما سمح للمؤتمر أن يصوغ مصطلحاً ومفهوماً جديداً يتجاوز تصنيف الدار التقليدي، وهو"فضاء تسامح"، وهو مفهوم جدير بالنظر والتفكر؛ إذ يرى في الأرض اليوم دار سلام، وهو مقصد شرعي -بلا شك- أن يعم السلام في أرض الله عباده، وليس معناه أن يكون الناس ملة واحدة بمؤمنهم وكافرهم، وليس من معانيه بالضرورة محو ونفي الاختلاف مطلقاً، لمخالفة هذا الأمر للسنن.
ومفهوم "فضاء تسامح"، هو مفهوم يجعل من المسلمين قوة سلام في العالم لا قوة حرب وتدمير كما يروج البعض، ويعيد الثقة في بعث قدرة المسلمين على المجادلة والحوار والإقناع، وهو دليل قوة الدين والحضارة والثقافة.
وهو بهذا يسحب البساط من أمام أدعياء الجهادية، ومن تحت مروجي "الإسلاموفوبيا" الذين يشوهون سمعة المسلمين والعالم الإسلامي بافتراءاتهم وقراءاتهم المجتزأة وأهدافهم المعلنة والخفية، وهذا المفهوم غير تنكري بل واقعي، لا يتنكر للاستثناءات الأخرى لفضاء التسامح وخصوصاً بؤر الصراع والتوتر التي تشتعل فيها الحرب وعلى رأسها فلسطين المحتلة والعراق وأفغانستان.... بل يعلنها كما هو واضح وبدهي مساحات للتحرير والمقاومة بناء على الشرع والقانون، ويدعو مناضليها ومجاهديها للتوحد والتعقل والإقناع كي تكسب القضية.
وفضلاً عمّا تقدم، فهذا المفهوم مناسب للوضعية التاريخية التي تمر فيها الأمة الإسلامية وضعية التفرق وذهاب الريح؛ إذ ليس من مصلحتنا بل لا قدرة لنا بأن نحارب العالم من حولنا، ولسنا مطالبين بذلك؛ لا شرعاً ولا عقلاً، ونقدر أن هذا الاصطلاح الجديد "فضاء تسامح" لا يقوم من فراغ، بل ينطلق من فهم عميق بمقاصد الشرع الكلية، ومن فلسفة الإسلام في التعامل مع الآخر "المخالف"، ومن تقاليد الإسلام العملية في تكميل الخير والترفق في إزالة الشر.
وينطلق من فهم مسؤول ومستوعب لحقائق الوضع الدولي، وللأوضاع الإستراتيجية وتوجهات القوة في العالم، بل ويلمح إلى فرصة مثالية علينا اقتناصها كمسلمين تكمن في محاولة جعل الآخر يقتنع بأن يحتكم إلى القانون الدولي وإلى مؤسسات الشرعية الدولية التي أقامها بنفسه، وأن ينبذ الازدواجية في المواقف والمعايير، بدل الاحتكام الدائم إلى منطق القوة.
هذا الفهم للواقع والنص، هو ما دفع مؤتمر ماردين للدعوة إلى عدم المراهنة على التصورات غير الشرعية وغير الواقعية، التي تجعل البدار بالحرب في يد كل إنسان أي إنسان! ليس ذا دولة ولا سلطان؛ فأمر الجهاد هو من أعمال الدول بالدرجة الأولى، وليس للإنسان الفرد والمواطن سلطة تتجاوز الدولة في تقرير أمر جلل كالقتال، ونتيجة الأعمال التي تجعل من الجهاد أمراً شخصياً يقوم به فرد أو جماعة معروفة، ولا تفيد شيئاً سوى جعل الآخر يتسلح بعقيدة الحروب الوقائية والاستباقية، والتي عانت وتعاني منها الأمة الإسلامية، والتي ليست اليوم على استعداد حقيقي وواقعي لمواجهتها؛ فليس من المصلحة أن تناقض الوسيلة الغاية.
إن الفكر الفقهي والسياسي والثقافي للأمة، والذي يقوم عليه العلماء والمفكرون، ويمثل مضموناً لإستراتيجيتها، مدعو أن يتوجه إلى ضمان وتحقيق "المصالح" وحفظها بالحوار والإقناع، مهما امتلكنا من أدوات القوة، مع أهمية عدم إغفال إعداد القوة لاستعمالها إذا لزم الأمر في مكانها وزمانها المناسبين، والمطلوب اليوم ليس الحماس الأجوف ولا التهور العاطفي، وإنما بناء القوة بمفهومها الواسع.. قوة العقل، وقوة الحوار، وقوة الصناعة، وقوة التجارة، وقوة العلم، وقوة الفهم، وقوة الإعلام، وقوة السلاح... باختصار قوة الإنسان المستخلف في عقيدته، وأخلاقه، وفكره، وجهاده، وانضباطه.
http://islamtoday.net/nawafeth/artshow-40-132499.htm
أيمن غ القلموني
10-05-2010, 12:42 AM
طيب كيف على الإنسان أن ير الأمور ؟ من أي منظار ؟
منظار د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه وموقع الدرر السنية
أو منظار د. عبدالوهاب بن ناصر الطريري ود. سعد العبد الله !!!!!
لأن الشخص بيحتار
أبو حسن
10-05-2010, 08:35 AM
طيب كيف على الإنسان أن ير الأمور ؟ من أي منظار ؟
بمنظارك أنت !
إن استقلال الفكر والنظر هو من أهم سمات وخصائص شخصية طالب العلم الذي انعتق من ربقة التقليد وبلغ درجة الإتباع (والإتباع غير الإجتهاد، وهو رتبة بين التقليد والإجتهاد، وليس هنا مجال بسط الكلام في هذه المسألة)
ولي عودة لاحقا بإذن الله بخصوص تساؤلك أخي أيمن...
محمد أحمد الفلو
10-05-2010, 12:25 PM
لأن الشخص بيحتار
بين أيش وايش محتار !!!!!!!
باختصار
أيمن غ القلموني
10-05-2010, 07:24 PM
بمنظارك أنت !
إن استقلال الفكر والنظر هو من أهم سمات وخصائص شخصية طالب العلم الذي انعتق من ربقة التقليد وبلغ درجة الإتباع (والإتباع غير الإجتهاد، وهو رتبة بين التقليد والإجتهاد، وليس هنا مجال بسط الكلام في هذه المسألة)
ولي عودة لاحقا بإذن الله بخصوص تساؤلك أخي أيمن...
وذا كان الشخص لا يرى نفسه بلغ درجة الإتباع ، لكن على كل حال يمكن للإنسان أن يبصر كيفية الإستدلال من كل طرف وبماذا إستدل ومن أسهم بهكذا فعل ( المؤتمر أو غيره ) لأن المروج يعطي إنطباع .
أشكرك على جوابك
بين أيش وايش محتار !!!!!!!
باختصار
إذا قرأت ستلاحظ أن الكلام المنقول يفرز فسطاطين :
منظار يتكلم عن أن الذين وجدوا في هذا المؤتمر هم من الشيعة وغلاة الصوفية وعدد من التنويريين ( والتنويريون رأيت أحد أشخاصهم في برنامج الإتجاه المعاكس على الجزيرة من فترة وكان يتفنن في جلد الذات العربية ويحاول القول أن كل مشاكل المسلمين هي صناعة المسلمين أنفسهم وهو مغرم بالحضارة الغربية ووو.... )
كما أن هذا المنظار يهاجم فكرة الفضاء التسامحي ويعتبر أن فتوى العلامة إبن تيمية رحمه الله قد استعملت من أجل إيجاد هذه الارضية أي أنها استعملت كغطاء لتبرير مفهوم ثالث ( غير مفهوم دار حرب ودار سلام ) إلى مفهوم فضاء سلام أو فضاء تسامحي ( نفس الشي ) وذلك أن فتوى الشيخ إبن تيمية رحمه الله تأخذ بقول دار مركبة .
فإبن تيمية رحمه الله قد استحدث قسم ثالث ،والمواثيق الدولية وقوانين المواطنة الحالية تقتضي إيجاد وصف ثالث هو : فضاء السلام
ولإعطاء غطاء شرعي دولي ، قاموا بإيجاد مؤتمر ماردين ، كما أنهم قاموا بتبديل كلمة يقاتل ( في فتوى إبن تيمية رحمه الله ) إلى كلمة يعامل وقد استعانوا لهذا الشيء بما أورده إبن مفلح والشيخ محمد رشيد رضا القلموني حيث أنها جاءت عندهم بصيغة يعامل
هذا كفكرة عامة مما فهمته من منظار د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه وموقع الدرر السنية وأرجو أن أكون قد وفقت في إيصال الفكرة .
أما المنظار الثاني أي منظار د. عبدالوهاب بن ناصر الطريري ود. سعد العبد الله فأترك لك قراءته وسترى الإختلاف بينهما
شكرًا لكلّ من شارك برأي.
هناك ملحوظات لا بدّ منها:
*أن الاختلاف مهما كان، هو هنا ليس اختلافًا في محكمات الدين، بل اختلاف مسوّغ. لذا لزم أن يصفو الودّ بين المسلمين مهما اختلفوا.
*أن مسائل الاجتهاد هي مسائل تخضع للمتغيّرات: متغيّرات الزمان والمكان والظروف والأحوال. وفي السنّة النبويّة شواهد كثيرة تظهر كيف أنه عليه الصلاة والسلام كالن يفتي لكلّ حالة ما يناسبها.
وهو أمر مقرّر عند الفقهاء لا مراء فيه.
*أن المتغيّرات الكبرى اليوم التي لا بدّ للفقيه أن يعتبرها عندما يجتهد هي التالية:
-أنّ المسلمين في حالة ضعف ووهن. ومن المقرر أن الله لا يكلّف المسلمين ما لا يطيقون. وفي السنّة النبوية شواهد كثيرة.
-أن العصر هو عصر العولمة بمعنى أنّ المصالح تشابكت ، والعلاقات تعقّدت. وبرزت على السطح مشكلات كثيرة لها طابع الإنسانيّة كالتلوّث والمخدّرات،والجريمة العابرة للقارات، والأمراض ... وحتى المصالح الاقتصادية تشابكت. وباتت الأزمةالاقتصاديّة تؤثّر- ولو بتفاوت-على العالم بأسره. والأسواق مفتوحة.
-أنّ الحرب اليوم اتخذت طابعًا تدميريًّا، بسبب الأسلحة المتطوّرة. وبات ضحاياها في الغالب من الأبرياء معصومي الدماء.وتأمل ما حدث للبشرية بعد الحروب العالميّة.
كل هذه الأسباب حدت بالأمم إلى أن توقّع مواثيق السلام، وتجعل السلام هو العلاقة الأصل. وفي ذلك حفظ لمصالح الجميع (لا سيّما الأمم المستضعفة) .
ولا يعني ذلك أنّ خيار الحرب لم يعد قائمًا،وأنّ فريضة الجهاد بالنفس تعطّلت. فهذا ما لم تقله حتى القوانين الدوليّة التي شرّعت حركات المقاومة، فضلًا عن أن يقوله مسلم يعلم بأن الجهاد من الفرائض.
ولكن يعني :
-تأخير خيار الحرب، مادام البديل متاحًا.
-وضع تعريف للجهاد والتفريق بينه وبين القتال. فإن الجهاد ليس فقط القتال لإعلاء كلمة الله،
ولكنّه أيضًا القتال الذي لا يفرّط بأرواح المسلمين ومصالحهم.
تأمّل كيف سمّي صلح الحديبية فتحًا لما حققه من مصالح.
وتأمّل كيف وصف رسولنا صلى الله عليه وسلّم جيش مؤتة الذي انسحب من المعركة (جيش الكرّار) وكان الناس يعيّرونهم (يا فرّار).
إنّ الإسلام جاء لحفظ مصالح الناس ، وهذا معروف في فقه المقاصد،ولم يأت لقبض أرواحهم.
وحين شرّع الموت فلأن فيه (حياة ) .
أما أن يموت الإنسان ليموت، فهذا فكر لا يقرّه عاقل.
أيمن غ القلموني
11-05-2010, 07:00 PM
بين أيش وايش محتار !!!!!!!
باختصار
ألا تزال تبحث عن الفرق بين المنهجين ؟؟
ولكن يعني :
-وضع تعريف للجهاد والتفريق بينه وبين القتال. فإن الجهاد ليس فقط القتال لإعلاء كلمة الله،
ولكنّه أيضًا القتال الذي لا يفرّط بأرواح المسلمين ومصالحهم.
.
استاذتنا الكريمة ، لو تسمحين لي بهذا التعقيب
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه يرد على هذه النقطة بأن المؤتمر لم يذكر "إعلاء كلمة الله " بل عمل على اغفالها ، وهذه من الأشياء التي تعاب على المؤتمر :
وقد اضطلع المؤتمر بهذه المهمة؛ فخرج بالتأكيد على أن علل الجهاد ثلاثة، ذكرت في النتائج، وهي: "رد العدوان، ونصرة المستضعفين، والدفاع عن التدين". ولم تذكر علة: إعلاء كلمة الله. مع كونها منصوص عليها في قول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله}
ولم يكن ثمة مبرر لهذا الاستبدال، فليس في ذكر: "إعلاء كلمة الله" سببا من أسباب الجهاد. ما يخشى منه أو يستحيا؛ فلا يلزم عنه إقرار العدوان على أحد، فتطهير بلاد المسلمين من المحتلين، ونصرة المستضعفين، وتبليغ الدين إلى العالمين من طريق الصلح ونحوه، كل ذلك لإعلاء كلمة الله تعالى.
إنتهى
abounouh
11-05-2010, 07:37 PM
بسم الله الرحمة الرحيم
أنا ما عندي علم بالدين بس من وجهة نظري إن هيدول العلماء عم يوجهوا الحديث لل- مجاهدين كونن عم يحكوا بالجهاد ول مجاهدين متل ما شايف انن تحت قياده وحيده وهل قياده ما ح تاخد حكي منن لأن تعتقد إنو يلي تارك الجهاد بهل زمان مرتكب كبيرة من الكبائر متل يلي تارك الصلى ول صوم حسب أول علماء باكستان وكبار الطلبه ول شيخ عبدالله عزام .
من الأخر عم يضيعوا وأت ....... بعدين من طلب منن يجتمعوا يلي طلب منن يخد بفتوهن .
ألا تزال تبحث عن الفرق بين المنهجين ؟؟
استاذتنا الكريمة ، لو تسمحين لي بهذا التعقيب
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه يرد على هذه النقطة بأن المؤتمر لم يذكر "إعلاء كلمة الله " بل عمل على اغفالها ، وهذه من الأشياء التي تعاب على المؤتمر :
وقد اضطلع المؤتمر بهذه المهمة؛ فخرج بالتأكيد على أن علل الجهاد ثلاثة، ذكرت في النتائج، وهي: "رد العدوان، ونصرة المستضعفين، والدفاع عن التدين". ولم تذكر علة: إعلاء كلمة الله. مع كونها منصوص عليها في قول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله}
ولم يكن ثمة مبرر لهذا الاستبدال، فليس في ذكر: "إعلاء كلمة الله" سببا من أسباب الجهاد. ما يخشى منه أو يستحيا؛ فلا يلزم عنه إقرار العدوان على أحد، فتطهير بلاد المسلمين من المحتلين، ونصرة المستضعفين، وتبليغ الدين إلى العالمين من طريق الصلح ونحوه، كل ذلك لإعلاء كلمة الله تعالى.
إنتهى
كلّ هذه العلل التي ذكرتها يا أخي الكريم، هي من (إعلاء كلمة الله) .
فالآيات القرآنية التي ذكرت أسباب ودواعي الجهاد لم تخرج عن اثنتين :
-رفع الظلم أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) .
-صدّ العدوان كما في (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم).
ولم يخرج التعليل عن هذه المعاني قط.
وأما إعلاء كلمة الله، فما المقصود منه؟
قال سبحانه: (وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) وكان هذا التقرير بعد هزيمة أحد.
ألا تعلو كلمة الله بإخراج المسلمين من حالة التخلّف الحضاري، فهم شعوب مستهلكة لما ينتجه لها الآخرون، واقعون تحت رحمتهم؟
ألا تعلو كلمة الله بتحكيم العدل؟ وهل تعلم بأن المسلمين ،هم الأمة الوحيدة تقريبًا التي ليست لها منظومة حقوقيّة؟ فهم بين موقّع على إعلانات حقوق الإنسان الغربية ،وبين رافض لها من دون وضع بديل يظهر وجه العدالة الإسلامية؟.
ألا تعلو كلمة الله بتوحّد قلوب المسلمين وخروجهم من حالة التناحر إلى مساحة التسامح والتعاذر والتفاهم؟.
باختصار: لقد جئت أنت باللفظ العام(إعلاء كلمة الله)وهم جاؤوا بالتفصيل لا غير.
فيا أخي إعلاء كلمة الله لا يكون فقط بإرغام الناس وتنكيسهم، لا سيّما اليوم. لسببين:
-أن إمكانية الدعوة متاحة للمسلمين، في ظل الانفتاح الثقافي عبر الاختلاط البشري ووسائل الإعلام والتقنية . فلم يعد الحؤول دون الدعوة سببًا معتبرًا لقتال الكفار.
-أنّ المسلمين ليسوا بالقوّة التي تمكّنهم من مغالبة الآخرين.
أشكر لك حوارك الراقي.
محمد أحمد الفلو
11-05-2010, 09:29 PM
بسم الله الرحمة الرحيم
أنا ما عندي علم بالدين بس من وجهة نظري إن هيدول العلماء عم يوجهوا الحديث لل- مجاهدين كونن عم يحكوا بالجهاد ول مجاهدين متل ما شايف انن تحت قياده وحيده وهل قياده ما ح تاخد حكي منن لأن تعتقد إنو يلي تارك الجهاد بهل زمان مرتكب كبيرة من الكبائر متل يلي تارك الصلى ول صوم حسب أول علماء باكستان وكبار الطلبه ول شيخ عبدالله عزام .
من الأخر عم يضيعوا وأت ....... بعدين من طلب منن يجتمعوا يلي طلب منن يخد بفتوهن .
المشكله يا أخي أبو نوح أن كثيرا من الإخوه الذين يقتنعون بأصوبية نهج القاعده لا يستوعبون بأن جزءا كبيرا من العلماء يخطّؤون هذا النهج عن قناعة لديهم وليس ممالًئة للحكام أو خوفا منهم.
أما بالنسبة لكون المجاهدين لا يسمعون هذا الكلام أو هذه المؤتمرات، فأحيلك إلى هذا الفيديو للأخ المجاهد إسماعيل هنيه يتكلم فيه عن الشيخ القرضاوي وعن هذه المؤتمرات التي تزدريها انت.
أنا أعلم أن الشيخ لم يكن حاضرا في المؤتمر، ولكن الحاضرين ليسوا بعيدين عنه ولا عن كتابه الأخير فقه الجهاد
والله أعلم
http://www.youtube.com/watch?v=C41jKjZ2x3g
أيمن غ القلموني
12-05-2010, 05:04 AM
باختصار: لقد جئت أنت باللفظ العام(إعلاء كلمة الله)وهم جاؤوا بالتفصيل لا غير.
فيا أخي إعلاء كلمة الله لا يكون فقط بإرغام الناس وتنكيسهم، لا سيّما اليوم. لسببين:
-أن إمكانية الدعوة متاحة للمسلمين، في ظل الانفتاح الثقافي عبر الاختلاط البشري ووسائل الإعلام والتقنية . فلم يعد الحؤول دون الدعوة سببًا معتبرًا لقتال الكفار.
-أنّ المسلمين ليسوا بالقوّة التي تمكّنهم من مغالبة الآخرين.
أشكر لك حوارك الراقي.
للتوضيح فقط : لست من أتى بهذا الرد ، بل ما فعلته أني اقتبسته من الذي كتبه د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه ، لأني رأيته يخص ما اوردته في كلامك .
في كل الأحوال ، أشكركِ على الإيضاح الذي ادليت به فلقد باتت فكرتكِ واضحة .
اكرر شكري لكِ وحسن بيانكِ.
أما فيما يخص المجاهدين وهل يأخذون بالفتاوى الصادرة عن هذه المؤتمرات ، فلو قرأتم ما ورد في كل المقالات ، لرأيتم أن كل الكتاب يتفقون في أن بعض الجماعات التي تقول عن نفسها بأنها جماعات جهادية هي مخطئة في اعمالها ، فكلا الطرفين ( ضد أو مع المؤتمر ) يعيب هذه الجماعات لكن كل من منظاره ، فأعيدوا القراءة لتعلموا أن بعض المداخلات التي وردت هنا ليست في المكان الصحيح ، لأنكم خرجتم عن الموضوع .
أيمن غ القلموني
13-05-2010, 03:11 AM
الشيخ حسن قاطرجي على قناة القدس الفضائية ، ذم بالمؤتمر وبمن حضر المؤتمر ، مع أنه قال أن هناك بعض الشيوخ من أهل السنة والجماعة ، لكنهم اخطؤوا بحضورهم ، ويجب عليهم إصدار بيان يعلنون فيه خطأهم في الحضور .
كما أضاف أن مؤتمر ماردين إستغل فتوى العلامة إبن تيمية رحمه الله لإيجاد فرضيات باطلة ولا وجود لها حتى في أحلام من شرعوها.
كما أوضح أيضاً أن للمؤتمر شق شرعي وشق سياسي أيضاً .
هذا ترجمة لما سمعته من فمه .
نقطة في صالح د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه وموقع الدرر السنية.
محمد أحمد الفلو
13-05-2010, 03:56 PM
أنا عندي ملاحظه لمن يؤيدون الفتوى بصيغتها : يقاتل الخارج فيها عن الشريعة أو يعامل الخارج فيها ...
إذا قمنا بتطبيق هذه القراءة للفتوى على ما اتفق على تسميته اليوم بفلسطينيي ال 48 فما حكمهم ؟
هل هم في دار إسلام أم في دار كفر ؟
هل يجوز قتالهم لقبولهم بأوراق المواطنة في دولة إسرائيل ؟
هل يجب عليهم الهجرة من فلسطين ؟
وسؤال أعم : هل هناك موطئ قدم على وجه الأرض تصح تسميته ب بلاد الإسلام وفقا للشروط التي وضعها أئمة الإسلام ؟
الشيخ حسن قاطرجي على قناة القدس الفضائية ، ذم بالمؤتمر وبمن حضر المؤتمر ، مع أنه قال أن هناك بعض الشيوخ من أهل السنة والجماعة ، لكنهم اخطؤوا بحضورهم ، ويجب عليهم إصدار بيان يعلنون فيه خطأهم في الحضور .
كما أضاف أن مؤتمر ماردين إستغل فتوى العلامة إبن تيمية رحمه الله لإيجاد فرضيات باطلة ولا وجود لها حتى في أحلام من شرعوها.
كما أوضح أيضاً أن للمؤتمر شق شرعي وشق سياسي أيضاً .
هذا ترجمة لما سمعته من فمه .
نقطة في صالح د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه وموقع الدرر السنية.
مهما يكن رأي الشيخ قاطرجي، كان يجدر أن يعرضه بأسلوب أليق.
والاتهام بالتسييس صار سلاح كلّ أحد ، من أجل الانتصار لرأيه. وينبغي للعلماء أن ينأوا بأنفسهم عن كيل التهم لاستمالة الناس.
والناس لم يتفقوا على رأي حتى في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم. فلم ينكر بعضهم أن يخالف رأيه أحد؟
أنا عندي ملاحظه لمن يؤيدون الفتوى بصيغتها : يقاتل الخارج فيها عن الشريعة أو يعامل الخارج فيها ...
إذا قمنا بتطبيق هذه القراءة للفتوى على ما اتفق على تسميته اليوم بفلسطينيي ال 48 فما حكمهم ؟
هل هم في دار إسلام أم في دار كفر ؟
هل يجوز قتالهم لقبولهم بأوراق المواطنة في دولة إسرائيل ؟
هل يجب عليهم الهجرة من فلسطين ؟
وسؤال أعم : هل هناك موطئ قدم على وجه الأرض تصح تسميته ب بلاد الإسلام وفقا للشروط التي وضعها أئمة الإسلام ؟
لست فقيهة لأرد على أسئلتك الفقهية. ولكن
*لا خلاف في وجوب قتال اليهود في فلسطين ووجوب نصرتهم.
*قبولهم بأوراق المواطنة ، هذا أمر يحسنون تقديره فلا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها.
* لم يتّفق أئمة الإسلام أصلًا على تعريف واحد لدار الكفر ودار الإسلام.
والأمر فيه سعة اجتهاديّة . ومصلحة المسلمين هي المعتبرة.
أتعلم بأنّ أكثر المسلمين هم منتشرون في ديار الاغتراب؟ كيف نطالب باعتبار ديار الغرب -مثلًا- دار حرب،ونطالب بحقوق المسلمين هناك كمواطنين؟ .
*لنذكر أن الخلافة الراشدة كانت ثلاثين عامًا فقط. ولم يكن الأمر على ما يرام تمامًا في العصور التالية. فقد كان في الحكم الكثير من المخالفات الشرعيّة ،ومع ذلك لم يقل أحد أنّ ديار المسلمين آنذاك هي ديار كفر، بل دار إسلام نظرًا إلى أنّ ساكنيها مسلمون.
أيمن غ القلموني
15-05-2010, 04:35 AM
مهما يكن رأي الشيخ قاطرجي، كان يجدر أن يعرضه بأسلوب أليق.
والاتهام بالتسييس صار سلاح كلّ أحد ، من أجل الانتصار لرأيه. وينبغي للعلماء أن ينأوا بأنفسهم عن كيل التهم لاستمالة الناس.
والناس لم يتفقوا على رأي حتى في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم. فلم ينكر بعضهم أن يخالف رأيه أحد؟
أستاذتنا الكريمة ، الشيخ كان في برنامج على قناة فضائية وهذا البرنامج هو للفتاوى المباشرة ، وكان هناك الكثير من الاسئلة ، وليس هناك الوقت للتفصيل، لكنه ذكر النقاط الرئيسية مع أن الشيخ قال أن هذا الموضوع يحتاج إلى حلقة كاملة .
السياسة هي أهم عامل لولادة فتاوى جديدة إن لم نقل العامل الأول ، فلماذا إغفالها !!!!!!! بل إن بيانها من بيان الحق لأهل الإسلام .
بنيّ
هناك فرق بين أن تكون السياسة (معتبرة) لدى الفتوى. أعني الأوضاع السياسية القائمة.
وبين أن تكون الفتوى (منحازة)إلى نظام سياسيّ ما.
أنا أقدّر الشيخ قاطرجي، ولا أحمل له في نفسي إلا الاحترام. فهو إنسان مجتهد عامل.
ولا يمنع أنّ هذا الأسلوب خاطئ. بل هذا الفهم خاطئ .
وبالنسبة إلى قناة القدس ، لم تنزّه نفسها أحيانًا عن هذه الأساليب، مع بالغ الأسف.
أيمن غ القلموني
16-05-2010, 04:18 PM
بنيّ
هناك فرق بين أن تكون السياسة (معتبرة) لدى الفتوى. أعني الأوضاع السياسية القائمة.
وبين أن تكون الفتوى (منحازة)إلى نظام سياسيّ ما.
صحيح ولا شك
وبين أن يكون العالم يسخر علمه من أجل ترقيع زلات السياسة
وبالنسبة إلى قناة القدس ، لم تنزّه نفسها أحيانًا عن هذه الأساليب، مع بالغ الأسف.
السياسات كثيرة وهي تتبع سياسة ربما تراها صائبة
أبو حسن
22-05-2010, 10:39 AM
أيها الشيخ: لا تقم فيه أبدًا
بدر الغامدي
موقع الألوكة
كثير من المسلمين اليوم قطَعوا العلائق مع كتاب ربهم الخالق، ولو تدبَّروا آياتِه لأبصروا عجبًا، وفي القرآن أوصافٌ وأحوال خالية من ذكر الأعيان إلا ما نَدَر، حتى تعُمَّ كلَّ زمن، وينتفِعَ بها المؤمن أينما كان، ولو أردتَ في خِضَمِّ هذه الجعجعة والفتَنِ المُدْلَهِمَّة أن تتدبر كتاب الله، لرأيتَ أنَّ كثيرًا من الآيات كأنما أنزلت لحوادث اليوم والساعة واللحظة.
فليست الفجوة بين الزمان الذي أنزل فيه القرآن وزماننا، ولكن الفجوة بين القرآن وأفهامنا وقلوبنا التي استحكم عليها الرَّان.
وقد يتأمل المؤمن القرآن فلا يملك إلا أن يسبِّح في مواضِعَ كُثُر؛ لما يجده من تطابق الوصف الرباني مع الحال المعايَش، والأمثلة على هذا تطول، ولعل منها هذا الدرس المسطور في سورة الفاضحة (التوبة) التي فضحت المنافقين، وما أحوجَنا لها اليوم! لطغيان الموجة النفاقية باسم الليبرالية التعيسة، أو العلمانية الصرفة البئيسة... أو غيرهما، فتختلف المسميات ببهرج أهل النفاق، وقدرتهم على التلون وركوب الصعب والذلول؛ لأجل إيهام المؤمنين بالبعد عن الجوهر، وهو (النفاق).
كان في المدينة قبل مقدم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لها رجلٌ يقال له: أبو عامر الراهب، الذي سمَّاه النبيُّ بعد ذلك بأبي عامر الفاسق، ولما جاء النبي للمدينة شرق هذا الرجل بدعوة الإسلام وظهوره، فخرج فارًّا للمشركين، وألَّبهم على النبي والمسلمين، حتى جاؤوا في معركة أحد.
وتقدَّم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار، فخاطبهم واستمالهم إلى موافقته، فقالوا: (لا أنعم الله بك عينًا، يا فاسق، يا عدو الله) ونالوا منه وسبُّوه، فرجع يقول: (والله لقد أصاب قومي بعدي شر!).
وقام أبو عامر بحفر الحفائر فيما بين الصفين، حتى وقع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في إحداهن، فشُجَّ رأسُه، وكُسرت رَبَاعِيَتُه.
ثم لما ازداد ظهور الإسلام بعد هذه المعركة، ذهب أبو عامر لهِرَقْل عظيم الروم، يستنصره على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فوعده ومَنَّاه، وأرسل لمنافقي قومه في المدينة يعدهم ويمنِّيهم.
وأَمَرَهم أن يتخذوا مقرًّا لأجل التواصل واستلام الرسائل، فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء، وأرادوا أن يصلِّيَ فيه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليقرَّهم فيه، وذَكَروا أنهم بَنَوْه للضعفاء والمساكين.
فعصَم اللهُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الصلاة فيه؛ لانشغاله بالسفر إلى تبوك، وحين العودة نزل عليه الوحي يأمره بأمر عظيم، فأرسل مَن ينفذ هذا الأمر، وأثبت الله هذا الحال والوصف؛ ليكون دليلاً للمهتدين إلى يوم الدين، قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 107 - 110]
الوقفة الأولى - وهي المقصودة -: أن بعض الأفاضل المحسوبين على أهل العلم والدعوة، لا يتنبه لكثير من المحافل النفاقية التي هي نسخة من (مسجد الضرار)، فيُدْعى لها لأجل إضفاء الشرعية عليها وعلى جهودها، وربما امتدحها وأثنى على أهلها!
وتخونه في مثل هذه المواقف فِطنتُه وكياسته التي لا تحتاج إلى كثير تدقيق، فإن أمر مثل هذه المحافل ظاهر، وكما يقال: (الكتاب يظهر من عنوانه)، ومسارعته لمثل هذه المحافل ليست ذات ضرر قاصر، بل هي جناية على الأمة، وغش للمسلمين وشهادة زور.
الوقفة الثانية: أن هذا الداعية وطالب العلم قد يَتوهم مصلحةً راجحةً، ولكن المصلحة كل المصلحة هي في اتباع هدي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهل استنكر أحد من المؤمنين هَدْم ذلك المسجد، واستحسن أن يُستغل بعد إزالة سطوة المنافقين عليه؟! كلا، بل مفاصلة ومفارقة تامة للنفاق وأهله وسبله، وما بُني على باطل فهو باطل.
الوقفة الثالثة: أنَّ مِن أعظم المقدَّسات في نفوس المسلمين: بيوتَ الله، تلك المساجد التي يرفع فيها ذكر الله، وفي الحال السابق استهدف المنافقون أقدس ما لدى المسلمين؛ ليتدثروا به، ويُخفوا سخيمة صدورهم، ومع هذا جاء الأمر (بالهدم)! فلا يستعظم مسلم اليومَ أن يقوم مركز هنا أو هناك ليتسمى باسم صحابي أو صحابية، وهو بؤرة نفاق، أو يُعقد مؤتمر هنا أو هناك، ويتسمى بأسماء برَّاقة؛ كيوم المرأة أو الأم، أو أشباه هذا، فالحكم على الحقائق لا على المسميات.
الوقفة الرابعة: أن أبا عامر الفاسق المنافق كان يحفر الحُفَر للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويتقصده بالإطاحة والإسقاط الحسي الحقيقي في معركة أحد، وكان المنافقون يحفرون الحفر أيضًا للإطاحة والإسقاط المعنوي المنهجي في بناء مسجد الضرار ودعوته للصلاة فيه.
ولا يَغفل المؤمن - وهو كيِّسٌ فَطِن - أن للمنافقين اليوم حُفَرًا يريدون بها إسقاط الدعاة والعلماء، ومَن حضر صلاتهم في مؤتمراتهم فقد سعى لحتفه، وجنى على نفسه!
الوقفة الخامسة: أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإن سقط في إحدى هذه الحفر وتأذَّى حسيًّا ومعنويًّا، إلا أنه واصل الجهاد، ولم يتزحزح عن المنهج القويم، والصراط المستقيم، ولم تكن له رِدَّاتُ فعل تحرفه عن هذا المسلك والسبيل، إما إفراطًا أو تفريطًا.
الوقفة السادسة: أن المنافقين يَسعون سعْيًا حثيثًا للاستقواء بالخارج متى ما عُدِمَ النصير في الداخل، أيًّا كان الخارج (ولو على ظهر دبابة) كما قال أحدهم!
الوقفة السابعة: أنهم يسعون كذلك لإنشاء المراكز والمؤتمرات والندوات؛ لإدارة العمل النِّفاقي، وتنسيق الجهود، وقد سبق أنهم لم يتحرَّجوا من استخدام المسجد كعباءة وغطاء، وهو مقدَّس ديني، فغَيْره أولى.
الوقفة الثامنة: أن تنسيق الجهود بين منافقي الداخل والخارج قائم، يَجمعه الحقْد الدفين، والبغض للدين وأهله.
الوقفة التاسعة: هي في قوله تعالى: ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [التوبة : 107]، فهم لا يزعمون الديانة والوسطية والإسلام المعتدل والنصيحة للمسلمين فقط، بل يحلفون على هذا، يعلمون أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي بيْن أَظْهُرِهم متَّصِلٌ بالوحي، والله قادر على إكذابهم، (والله يشهد إنهم لكاذبون)، ومع ذلك يحلفون! فكيف اليوم وقد انقطع الوحي ولا نبوة؟!
الوقفة العاشرة: أن المجتمع المؤمن له موقف صارم موحَّد تجاه المنافقين ودَعاويهم، فالحق أبلج والباطل لجلج، وهو - بعلمه وإيمانه - حصين منيع من الاقتحام ومحاولات الإرجاف واختراق الصفوف، فمقولة الجماعة المؤمنة: (لا أنعم الله بك عينًا يا فاسق، يا عدو الله)، والغَواية المتناهية الطاغية على البصيرة تجعل المنافق مختلَّ الموازين فيما يتعلق بالحق والباطل، والحسرةُ باديةٌ على مواقفه وردة فعله تجاه هذا الاتحاد المنهجي الصارم (والله لقد أصاب قومي بعدي شر!).
وهل هناك فرق بين أبي عامر الذي حرض المشركين لغزو المؤمنين بالأمس، وبين من حرض الغرب الكافر لغزو المؤمنين واحتلالهم اليوم، وسوغ لهم وهاجم المؤمنين الذين يقاومونهم، وقال كأبي عامر: (لقد أصاب قومي من التخلف ما جعلهم يقاومون دعاة الحضارة وفرسان الحرية)؟!
الوقفة الحادية عشرة - وهي الأخيرة خوفًا من الإطالة -: أن أمر المؤمنين في ظهور، وأمر المنافقين في خَسَار؛ ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة : 110]، فنفاقهم في قلوبهم حتى تتقطع ويهلكوا، ودين الله قائم، فليُبْشِر المؤمن.
وصلى الله وسلَّم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيمن غ القلموني
22-05-2010, 11:44 AM
تأملات حول مؤتمر ماردين
عائض بن سعد الدوسري
موقع لجينيات
- كانت هناك ثمرة إيجابية كبيرة بالنسبة لي شخصيًا في حضور هذا اللقاء، ويتمثل ذلك في الالتقاء ببعض الفضلاء وبعض الشخصيات، والتي لم يكن لديَّ عنهم سابق معرفةٍ، فكان اللقاء فرصة للتعرف على بعضهم، ومعرفة الحجم العلمي الحقيقي لآخرين.
-"مؤتمر ماردين" في نظري الشخصي لا يرقى لمستوى "مؤتمر" لافتقاره للشروط المطلوب توافرها في المؤتمر، بل لا أبالغ إذا قلتُ أنه أيضًا يَقصر عن كونه "ندوة علمية"، ويمكن أن يُقال: إنه لقاء ثقافي صحفي عام، يفتقر للعمق والتأصيل العلمي.
-لاحظتُ في هذا اللقاء عدم الترتيب والتنسيق المطلوب والذي ترقى له المؤتمرات العلمية الجيدة، فعلى مستوى شخصي كنتُ مدعوًا لإلقاء ورقةٍ بعنوان: "موقف ابن تيمية من المخالفين"، ثم لما وصلتُ إلى مدينة ماردين أخبرتُ أنه لا يُراد مني أن أتحدث عن هذه الورقة في هذا اللقاء!
ولذا اضطررتُ إلى تغييرها أثناء وجودي في ماردين للحديث عن الموضوع الذي أدرج باسمي وهو (فتوى ماردين الزمان والمكان العصر والملابسات) وكانت تلك الورقة تحت اسم: "إياد الدوسري"! وكان الوقت الأصلي المخصص للورقة هو (30) دقيقة، ثم تفاجأتُ قبل إلقاء الورقة ببضع دقائق أن الوقت خُفِضَ إلى (15) دقيقة!
- كان المفترض على المسئول عن اختيار المشاركين في اللقاء أن يختار شخصيات لها وزن علمي وتخصص في ابن تيمية وتراثه، واعتقد أن لقاء ماردين كان يفتقر بشكل واضح للحيادية، وهذا ظاهر من القائمة الأصلية للحضور، والمفترض لإقامة مؤتمر عن شيخ الإسلام ابن تيمية إن تُدعى شخصيات حيادية ولها وزن علمي لمناقشة هذه القضية العلمية، وهذا ما لم يحصل في القائمة الأصلية، وكذلك بنسبة كبيرة فيمن حضروا.
- ولتوضيح ذلك أكثر، فإنه لم تكن مشاركتي أو مشاركة الأستاذ الدكتور عبدالله البراك، ولا الدكتور ناصر الحنيني ضمن القائمة الأصلية، حيثُ أخبرنا عن المؤتمر قبله بأيام معدودة، ولم تكن الدعوة قد وجهت إلينا أصلاً من "المركز العالمي للتجديد والترشيد" الذي يظهر لي أنه الداعي والمنظم الرئيس للمؤتمر.
- من خلال حضوري، وجدتُ اللقاء يفتقر للشخصيات العلمية المتخصصة في هذا المجال، ومع أن بعض الفضلاء والعلماء حضروا، إلا أن نسبة من المشاركين لم يكن متخصصًا في ابن تيمية ولا في تراثه، بل ولا ينتمي لمدرسته، والقائمة الأصلية للمدعوين تتضمن جمعاً من المعدودين خصوماً لابن تيمية، فكيف يُطلب من هؤلاء مناقشة تراث ابن تيمية للوصول إلى حلٍ يُقنع الجماعات الإسلامية المسلحة أو المتطرفة التي يُزعم أنها تعتمد ابن تيمية مرجعًا لها؟! فموقف كثيرٍ من هؤلاء لا وزن له عند المختصين في تراث ابن تيمية والمدرسة السلفية، والتفسير الصادر من هؤلاء لفتيا ابن تيمية يعطي المزيد من الدعم لموقف تلك الجماعات في تنزيل فتيا ابن تيمية على غير موضعها.
- ظهر لي أن هناك تناقضًا واضحًا بين قائمة المدعوين الأصليين وبين الهدف المنشود من المؤتمر، وهو ترشيد فتوى ماردين لتقديم القراءة الصحيحة، والتأثير على الجماعات التي تعتبر ابن تيمية مرجعًا لها.
-لاحظتُ قلة الحضور في هذا المؤتمر، كما أنني شهدتُ عجزًا واضحًا عن الإجابة عن أسئلة بعض الحضور الحساسة والحرجة، مما اضطر بعضهم للخروج ساخطين من ذلك، وبعض تشكى من التهرب عن الإجابة الواضحة والصريحة.
- لذا فإن التهويل الذي صاحب وأحاط هذا اللقاء لم يكن له مستندٌ من الواقع، بل هو أقرب لأن يكون "زوبعة في فنجان"، لافتقار اللقاء للعمق العلمي والتخصص.
- حتى هذا اليوم الأربعاء تاريخ:14/5/1431هـ الموافق 28/4/2010، فإنني لم أطلع على البيان الختامي للقاء، وذلك بسبب عدم حضوري في جامعة "ماردين" وقت تلاوة البيان، ولم أطلع على نسخة منه حتى هذه اللحظة، وقد فاجأني بعض الفضلاء بأن اسمي وضع ضم قائمة الموقعين على البيان الختامي، مع أنني –كما قلتُ آنفًا- لا أعلم ما فيه حتى لحظتي هذه، ولم يتم استئذاني في ذلك، ولو تم استئذاني –وهو الأولى بالأمانة العلمية- لما وافقتُ؛ لسببين: الأول: رفضي المبدئي العام للتوقيع على أي بيان جماعي، فمبدأ البيانات العامة والجماعية أرفضها رفضًا مطلقًا، ولم أدرج اسمي مطلقًا ضمن أي قائمة جماعية في الماضي، ولن أفعل بإذن الله في المستقبل. الثاني: الموافقة على الشيء حكمٌ، والحكم فرعٌ عن التصور، وأنا حتى هذه اللحظة لا أعلم محتوى البيان؛ لأنني لم أطلع عليه، ولا أعلم أنه قد أدرج اسمي عليه، وأقل حقٍ أدبي أن أستأذن في ذلك. علماً أن هناك غيري ممن أدرج اسمه في البيان دون إذنٍ منه.
أيمن غ القلموني
24-05-2010, 12:28 AM
تأملات حول فتوى ماردين
عائض بن سعد الدوسري
موقع لجينيات
في هذه النقطة سوف أسوق تلخيصًا لبعض النقاط في الورقة التي أعددتها في يوم المؤتمر عن فتوى "ماردين" وألقيتُ جزءًا منها أثناء اللقاء، كما يلي:
(1) فقد ذكرتُ في أول نقطة ألقيتُها في اللقاء أن انقسام الدار إلى: دار إسلام ودار كفر، قد ثبت بالروايات الصحيحة، وهو تقسيم له أصل شرعي صحيح، وليس هو من مخترعات الفقهاء، وإن اختلفوا في تفاصيله.
(2) تنوعت آراء العلماء تبعًا لاختلافهم في مناط الحكم على الدار، وما الشيء الذي يجعل الدار دار كفرٍ أو دار إسلام. وهل المقصود من "ظهور الأحكام" ظهور السلطان المسلم على الدار، أو أنَّ المفهوم من عبارة "ظهور الأحكام" هو ظهور شعائر الإسلام على يد سكانها المسلمين. ثم اختلف العلماء: هل يمكن أن تتحول دار الإسلام إلى دار كفر؟ على خمسة أقوال ليس هذا موضع تفصيلها.
(3) هناك كتابات تقعيدية عامة ونظرية لأقسام الدور تحدث عنها العلماء، واجتهدوا في بيان مناط الحكم على الدار، وحالة "ماردين" كانت حالة عينيَّة واجهت الفقهاء عمليًا زمن التتار، وقد لاحظ ابن تيمية رحمه الله في تلك الحالة أنها مركبة من محتل كافر ومن سكان مسلمين، فسمى تلك الحالة بالدار المركبة.
وتجدر الإشارة إلى إنه قد يفهم من نص فقهي متقدم أن هذا القول قد سُبِقَ ابن تيمية إليه، كالعبارة التي حكاها ابن عابدين في شروط أبي حنيفة فيما تصير به "دار الإسلام" "دار حرب".
(4) أنَّ في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في ماردين، من الأهمية والجوهرية ما يقطع الطريق على ما تستنبطه الجماعات المسلحة، وذلك في أمور:
أولاً: أنه لم يعتبرها دار حربٍ، وأعتبر أهلها من المسلمين.
ثانيًا: أنه لم يوجب الهجرة منها.
ثالثًا: نصَّ فقال في أهل ماردين: "دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في ماردين أو غيرها". وقال عنهم: "ولا يحل سبهم عمومًا ورميهم بالنفاق".
رابعًا: إنَّ الذي يظهر من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يرى أن العبرة بإسلامية الدار هي ظهور الشرائع، لا ظهور السلطان المسلم. يقول شيخ الإسلام : "وكون الأرض دار كفر ودار إيمان أو دار فاسقين ليست صفة لازمة لها ؛ بل هي صفة عارضة بحسب سكانها فكل أرض سكانها المؤمنون المتقون هي دار أولياء الله في ذلك الوقت وكل أرض سكانها الكفار فهي دار كفر في ذلك الوقت وكل أرض سكانها الفساق فهي دار فسوق في ذلك الوقت فإن سكنها غير ما ذكرنا وتبدلت بغيرهم فهي دارهم".
وقال: "وكون البقعة ثغرًا للمسلمين أو غير ثغر، هو من الصفات العارضة لها لا اللازمة لها، بمنـزلة كونها دار إسلام أو دار كفر أو دار حرب أو دار سلم، أو دار علم وإيمان أو دار جهل ونفاق، فذلك يختلف باختلاف سكانها، وصفاتهم".
فهذا الكلام يشعر بأن شيخ الإسلام يميل إلى اعتبار أن مناط الحكم على الدار هو أعمال أهلها.
(5) قلتُ في ورقتي في ذلك اللقاء: إنني اعتبر هذه الفتوى من مظاهر فقه شيخ الإسلام وعدله وتسامحه، فهو مع اعتباره أن المحتل كان كافرًا، فإنه لم ير أن الدار تحولت إلى دار حرب أو كفر، بخلاف غيره من فطاحلة العلماء كإمام الحرمين الجويني والهيتمي والرملي والسرخسي، وغيرهم كثير، الذين اعتبروا أن حالة ماردين هي دار حرب خالصة.
(6) أبديتُ استغرابي أن يُقام مؤتمرٌ على مثل هذه الفتوى لبحث الإشكال فيها، فهي فتوى متميزة وناضجة وتُعبر عن فقه وعلم وموضوعية شيخ الإسلام. والإشكالُ –إن كان هناك إشكالٌ- إنما هو في موقف الفقهاء الآخرين غيرِ ابن تيمية، ممن يرونَ ماردين تحولت إلى دار حربٍ خالصةٍ بغلبة الكفار عليها. وقد ضربتُ – في اللقاء نفسه- مثالاً، بفتيا لرئيس المؤتمر الشيخ عبدالله بن بيه، حيث له –وفقه الله للخير- فتوى في موقع الإسلام اليوم، برقم (46620) يوم الثلاثاء بتاريخ 4/5/2004م، جواباً عن سؤال حول تعريف دار الإسلام ودار الكفر ودار الحرب، فذكر تقسيم الدور المعروف بين الفقهاء، وعد البلاد التي لا تعلن حربها للمسلمين، لكنها ذات ميول عدوانيه تجاههم، بمنزلة دار الحرب. ونص عبارته –وفقه الله- بعدما ذكر التقسيم: "على أرض الواقع، هناك شيءٌ آخر: يعني طموحات أو ميولات عدوانية لدى بعض الدول، لكن مع هذه الميولات العدوانية، هي لا تعلن أنها تحارب الإسلام، ومع وجود الميولات العدوانية عند بعض الدول بالنسبة لبعض المسلمين أو بالنسبة لبعض البلاد الإسلامية تكون هذه الدولة ذات الميول العدوانية بالنسبة لها تعتبر دار حرب".
(7) إنَّ حكم شيخ الإسلام كان حكمًا جاء في ظروفٍ زمنية ومكانية مُعينة، وعلى قومٍ معينين، وهم التتار، حيث كان ابن تيمية يعتقد أنهم –زيادةً على هجومهم على المسلمين وقتلهم واغتصاب وسبي حريم المسلمين، ونهب أموالهم، واحتلال ديارهم، وتخريب ممتلكاتهم مما هو معلوم مشهور- كانوا يعتقدون بأمورٍ هي ناقضةٌ للإسلام مثل: تفضيلهم الأديان الوثنية وغيرها على الإسلام، أو جعلها سواء، وتفضيل الأحكام الجاهلية على الشريعة، وتعظيمهم للسحر والسحرة وعباد الأصنام، وأنَّ في رؤسائهم من يعتقد أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان مؤمنًا راضيًا بغير الإسلام، وفيهم من يساوي بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبين جنكيزخان، ويعتقد أن الجميع على حق. قال ابن تيمية: "فمذهبهم ودين الإسلام لا يجتمعان".
(8) بينتُ أن هذه الفتوى ليست موجهة للأفراد لتطبيق أحكامها، بل هي من قضايا الفقه السياسي وهي موجهة في الأصل إلى الأئمة والولاة والأمراء فتبرير مقاتلة الخارج عن شريعة الله في الدار التي تجاذبتها مظاهر الكفر والإسلام كما في فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية ليس لأفراد الناس بل هو لمن يملك الولاية.
(9) ذكرتُ أنَّ شيخ الإسلام ابن تيمية ليس بالمعصوم عندنا، ويُؤخذ من قوله ويُرد، فما وافق الصواب قبلناه وما خالفه رددناه، مع اعترافنا وتسليمنا بأنه علم من أعلام الإسلام، وأنه من عظماء الفقهاء والمجتهدين الجهابذة. لذا فإن الأمر لا يعدو عن حالتين اثنتين: إما أن يكون تصور شيخ الإسلام عن التتار صحيحًا فيكون حكمه صحيحًا، وإما أن يكون التصور والوصف غير صحيح، فيكون الحكم تابعًا لذلك، والحكم فرع عن التصور.
ولذا -لما سُئل ابن تيمية عن هؤلاء التتار وحكمهم، وعن الموقف منهم ومن أعمالهم الهمجية والقتالية التي تعرضوا بها على بلاد المسلمين وخصوصًا الشام- قال رحمه الله في جوابه الذي يُظهر منهجًا علميًا وأكاديميًا مُنقطع النظير: "هذا مبني على أصلين: أحدهما: المعرفة بحالهم. والثاني: معرفة حكم الله في مثلهم. فأما الأول: فكل من باشر القوم يعلم حالهم، ومن لم يـباشرهم يعلم ذلك بما بلغه من الأخبار المتواترة وأخبار الصادقين، ونحن نذكر جل أمورهم بعد أن نبين الأصل الآخر الذي يختص بمعرفته أهل العلم بالشريعة الإسلامية".
وأنقل لكم عينة من مشاهدات وكلام ابن تيمية عنهم. قال: "فقد علم أن هؤلاء القوم جازوا على الشام في المرة الأولى عام 699هـ، وأعطوا الناس الأمان، وقرؤوه على المنبر بدمشق، ومع هذا فقد سبوا من ذراري المسلمين ما يُقال إنه 100 ألف أو يزيد، وفعلوا ببيت المقدس، وبجبل الصالحية ونابلس وحمص وداريا، وغير ذلك من القتل والسبي ما لا يعلمه إلا الله، حتى قيل إنهم سبوا من المسلمين قريبًا من مائة ألف، وجعلوا يفجرون بخيار نساء المسلمين في المساجد وغيرها، كالمسجد الأقصى والأموي وغيره، وجعلوا الجامع الذي بالعقيبة دكًا.
وقد شاهدنا عسكر القوم، فرأينا جمهورهم لا يصلون، ولم نر في عسكرهم مؤذنًا ولا إمامًا، وقد أخذوا من أموال المسلمين وذراريهم، وخربوا من ديارهم ما لا يعلمه إلا الله. ولم يكن معهم في دولتهم إلا من كان من شر الخلق".
وقال يحكي مقالة زعيمهم: "قال: هذان آيتان عظيمتان جاءا من عند الله، محمد وجنكيزخان. فهذا غاية ما يتقرب به أكبر مقدميهم إلى المسلمين، أن يسوى بين رسول الله وأكرم الخلق عليه وسيد ولد آدم وخاتم المرسلين، وبين كافر مشرك من عظم المشركين كفرًا وفسادًا وعدوانًا من جنس بختنصر وأمثاله.. وهم مع هذا يجعلونه أعظم رسول عند الله في تعظيم ما سنه لهم وشرعه بظنه وهواه.. وهم يستحلون من عادى ما سنه لهم هذا الكافر الملعون، المعادي لله ولأنبيائه ورسوله وعباده المؤمنين. فهذا وأمثاله من مقدميهم كان غايته بعد الإسلام أن يجعل محمدًا بمنزلة هذا الملعون".
(10) لا بد من النظر في كون الفتوى جاءت في زمن حرب بين دولة المماليك، التي يخضع لها ابن تيمية، وبين التتار، وقد تعرضت دمشق مراتٍ ومراتٍ لهجومهم وتدميرهم وقتلهم وسلبهم ونهبهم، وفتوى ابن تيمية بقتالهم لأنهم يقاتلون المسلمين ويستبيحون ديارهم، وكانوا يصدرون في ذلك من اعتقادهم أنهم دولة وقومية لها كيانها المضاد للمسلمين، وقد تعرض ابن تيمية نفسه لمحادثة مع أحدهم تظهر شعوراً استقلالياً انعزالياً عند التتاري عن المجتمع المسلم، واحتقاره لولي الأمر المسلم المملوكي.
(11) الجماعات التكفيرية والإرهابية –التي ظُلم ابن تيمية بنسبتها له- تبحث عن مسوغاتٍ شرعية –من نصوص الكتاب والسنة- أو من أقول العلماء، لترسيخ ما ثبت عندها في الأصل، فليس الأمر استدلالاً نابعاً من خلو فكري مطلق، بل هو اعتضاد واستنجاد بما تقرر عندهم –لأسباب سياسية أو نفسية أو اجتماعية.
إنَّ استشهاد التكفيريون بشيخ الإسلام أو غيره من الأئمة الأعلام، ليس بالدليل الذي يرقى إلى التدليل على أن الرجل كان تكفيريًا أو شيخًا لهم، وذلك لأمور، منها:
أولاً: أن التكفيريين يستشهدون بالقرآن والسنة، فهل يقول عاقل أن القرآن والسنة منابع تطرف وتكفير؟ أو أن هذا يعني أنهم وجدوا فيهما ما يوافق أهواءهم، معاذ الله. ثم إن التكفيريين يستشهدون -أيضًا- بالإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي والإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل، والقرطبي وكثير من الأئمة غير هؤلاء، فهل الخطأ يكمن في هؤلاء الأئمة أم في قصور تصورات التكفيريين؟
وقد ضربتُ في لقاء ماردين مثالاً بنصٍ من (إنجيل الإرهاب) الذي أحضرته معي، وهو كتاب (الجهاد الفريضة الغائبة) لمحمد عبدالسلام فرج، تحدث فيه عن تقسيم الدور، واستشهد الرجل على مراده بكلام أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، ثم ربع بابن تيمية، وكان استناده لكلام الثلاثة أكثر من استناده لكلام ابن تيمية، الذي احتاج لتأويله وتوجيهه.
ثانيًا: أن المرجئة -أيضًا- يستشهدون ويحتجون بكلام ابن تيمية، وهؤلاء هم نقيض التكفيريين، فهل كان ابن تيمية من المرجئة؟
كلا، فلم يكن الرجل رحمه الله- لا من هؤلاء ولا من هؤلاء، بل كان منهجه وسطاً بين إفراط وتفريط، أي منهج أهل السنة والجماعة.
(12) كما أنه قد ثبت –بالدراسة والتمحيص- أن استدلالات تلك الجماعات بنصوص الكتاب والسنة لم تخل من تعسفٍ وتحريف وإعادة قراءة واستنطاق، كذلك فإن استدلالاتهم بكثير من كلام العلماء –ومنهم ابن تيمية- يأتي في هذا السياق، والواجب تمحيص تلك الاعتضادات والاستدلالات، قبل الحكم على المستَنبَط منه بأنه في حكم تلك الجماعات. فإن ذلك يُكسبهم دعمًا ومصداقية يطمعون بها، ويطمحون إليها، فإذا قرر البعض بغفلة أو سوء نية وطوية: "إن تلك الجماعات التكفير تستند شيخ الإسلام ابن تيمية و فكره وتراثه". فإني أقول: أليس هذا من أعظم أساليب إسباغ الوجاهة الشرعية على تلك الجماعات؟ وإنما الواجب عزلهم وعزل مشروعيتهم عن هؤلاء الأئمة.
(13) أن هذه المسائل لا بد من معالجتها معالجة موضوعية، بالدليل والبرهان الشرعي، حتى تكون أدعى للحجة، ولتكونَ جديرةً بقطع الطريق على الجماعات المسلحة، وإلا فإن تعويم القضايا أو إنكارها، أو القول إن تقسيم الدور أو الولاء والبراء بدعة، هذا ليس معالجة حقيقية للمسألة، بقدر ما هو تنصل غير مقبول عن المسؤوليات الشرعية، إلا إذا كان الغرض مجرد إرضاء الغرب أو الضحك عليه، ثم تجاهل المشكلة والحل الحقيقيين.
كتبه: عايض بن سعد الدوسري
الأربعاء: 14/5/1431هـ - 28/4/2010م
تأملات حول مؤتمر ماردين
عائض بن سعد الدوسري
موقع لجينيات
- كانت هناك ثمرة إيجابية كبيرة بالنسبة لي شخصيًا في حضور هذا اللقاء، ويتمثل ذلك في الالتقاء ببعض الفضلاء وبعض الشخصيات، والتي لم يكن لديَّ عنهم سابق معرفةٍ، فكان اللقاء فرصة للتعرف على بعضهم، ومعرفة الحجم العلمي الحقيقي لآخرين.
-"مؤتمر ماردين" في نظري الشخصي لا يرقى لمستوى "مؤتمر" لافتقاره للشروط المطلوب توافرها في المؤتمر، بل لا أبالغ إذا قلتُ أنه أيضًا يَقصر عن كونه "ندوة علمية"، ويمكن أن يُقال: إنه لقاء ثقافي صحفي عام، يفتقر للعمق والتأصيل العلمي.
-لاحظتُ في هذا اللقاء عدم الترتيب والتنسيق المطلوب والذي ترقى له المؤتمرات العلمية الجيدة، فعلى مستوى شخصي كنتُ مدعوًا لإلقاء ورقةٍ بعنوان: "موقف ابن تيمية من المخالفين"، ثم لما وصلتُ إلى مدينة ماردين أخبرتُ أنه لا يُراد مني أن أتحدث عن هذه الورقة في هذا اللقاء!
ولذا اضطررتُ إلى تغييرها أثناء وجودي في ماردين للحديث عن الموضوع الذي أدرج باسمي وهو (فتوى ماردين الزمان والمكان العصر والملابسات) وكانت تلك الورقة تحت اسم: "إياد الدوسري"! وكان الوقت الأصلي المخصص للورقة هو (30) دقيقة، ثم تفاجأتُ قبل إلقاء الورقة ببضع دقائق أن الوقت خُفِضَ إلى (15) دقيقة!
- كان المفترض على المسئول عن اختيار المشاركين في اللقاء أن يختار شخصيات لها وزن علمي وتخصص في ابن تيمية وتراثه، واعتقد أن لقاء ماردين كان يفتقر بشكل واضح للحيادية، وهذا ظاهر من القائمة الأصلية للحضور، والمفترض لإقامة مؤتمر عن شيخ الإسلام ابن تيمية إن تُدعى شخصيات حيادية ولها وزن علمي لمناقشة هذه القضية العلمية، وهذا ما لم يحصل في القائمة الأصلية، وكذلك بنسبة كبيرة فيمن حضروا.
- ولتوضيح ذلك أكثر، فإنه لم تكن مشاركتي أو مشاركة الأستاذ الدكتور عبدالله البراك، ولا الدكتور ناصر الحنيني ضمن القائمة الأصلية، حيثُ أخبرنا عن المؤتمر قبله بأيام معدودة، ولم تكن الدعوة قد وجهت إلينا أصلاً من "المركز العالمي للتجديد والترشيد" الذي يظهر لي أنه الداعي والمنظم الرئيس للمؤتمر.
- من خلال حضوري، وجدتُ اللقاء يفتقر للشخصيات العلمية المتخصصة في هذا المجال، ومع أن بعض الفضلاء والعلماء حضروا، إلا أن نسبة من المشاركين لم يكن متخصصًا في ابن تيمية ولا في تراثه، بل ولا ينتمي لمدرسته، والقائمة الأصلية للمدعوين تتضمن جمعاً من المعدودين خصوماً لابن تيمية، فكيف يُطلب من هؤلاء مناقشة تراث ابن تيمية للوصول إلى حلٍ يُقنع الجماعات الإسلامية المسلحة أو المتطرفة التي يُزعم أنها تعتمد ابن تيمية مرجعًا لها؟! فموقف كثيرٍ من هؤلاء لا وزن له عند المختصين في تراث ابن تيمية والمدرسة السلفية، والتفسير الصادر من هؤلاء لفتيا ابن تيمية يعطي المزيد من الدعم لموقف تلك الجماعات في تنزيل فتيا ابن تيمية على غير موضعها.
- ظهر لي أن هناك تناقضًا واضحًا بين قائمة المدعوين الأصليين وبين الهدف المنشود من المؤتمر، وهو ترشيد فتوى ماردين لتقديم القراءة الصحيحة، والتأثير على الجماعات التي تعتبر ابن تيمية مرجعًا لها.
-لاحظتُ قلة الحضور في هذا المؤتمر، كما أنني شهدتُ عجزًا واضحًا عن الإجابة عن أسئلة بعض الحضور الحساسة والحرجة، مما اضطر بعضهم للخروج ساخطين من ذلك، وبعض تشكى من التهرب عن الإجابة الواضحة والصريحة.
- لذا فإن التهويل الذي صاحب وأحاط هذا اللقاء لم يكن له مستندٌ من الواقع، بل هو أقرب لأن يكون "زوبعة في فنجان"، لافتقار اللقاء للعمق العلمي والتخصص.
- حتى هذا اليوم الأربعاء تاريخ:14/5/1431هـ الموافق 28/4/2010، فإنني لم أطلع على البيان الختامي للقاء، وذلك بسبب عدم حضوري في جامعة "ماردين" وقت تلاوة البيان، ولم أطلع على نسخة منه حتى هذه اللحظة، وقد فاجأني بعض الفضلاء بأن اسمي وضع ضم قائمة الموقعين على البيان الختامي، مع أنني –كما قلتُ آنفًا- لا أعلم ما فيه حتى لحظتي هذه، ولم يتم استئذاني في ذلك، ولو تم استئذاني –وهو الأولى بالأمانة العلمية- لما وافقتُ؛ لسببين: الأول: رفضي المبدئي العام للتوقيع على أي بيان جماعي، فمبدأ البيانات العامة والجماعية أرفضها رفضًا مطلقًا، ولم أدرج اسمي مطلقًا ضمن أي قائمة جماعية في الماضي، ولن أفعل بإذن الله في المستقبل. الثاني: الموافقة على الشيء حكمٌ، والحكم فرعٌ عن التصور، وأنا حتى هذه اللحظة لا أعلم محتوى البيان؛ لأنني لم أطلع عليه، ولا أعلم أنه قد أدرج اسمي عليه، وأقل حقٍ أدبي أن أستأذن في ذلك. علماً أن هناك غيري ممن أدرج اسمه في البيان دون إذنٍ منه.
أعتذر أخي أيمن ، لكن نحن أبناء القلمون معروفون بعقلانيتنا.
وهناك نقاط أودّ إثارتها لنفكّر فيها:
* يتم تذييل كل بيان بالتواقيع. هل تم تزوير تواقيع في البيان يا ترى؟ ممكن؟
*هل ما كتبه الفاضل هنا صحيح بكلّ تأكيد؟ أم ربما هو ناقم لسبب ما يفجّر نقمته؟
*إن صحّ ما كتبه (وهو أملي فيه) ، فما الذي يعنينا من المؤتمر نحن: معاملته للكاتب أم موضوع النقاش؟ وإن كان الكاتب مسؤولًا (وهو ما أرجوه) فلماذا ينقل إلى المسلمين تجربة شخصية ولا يكتفي بالتركيز على المضمون الذي يهم كلّ الناس؟ .
أعرف عن أخلاق العلماء (د. الطريري منهم) أنهم لا يخوضون إعلاميًا إلا فيما يعني الناس.
*لا أعرف الكاتب ولا أتّهمه. بل أفكّر. وأدعو إلى التفكير . ولو تيسّر لي أن ألقاه أو أتواصل معه، بالتأكيد سأطرح عليه أسئلتي هذه ليردّ عليها.
فالذين يكتبون كثر جدًا. ولا يلزمنا إلا ما يقنع عقيدتنا وعقلنا.
اللهم أصلح الحال.
أيمن غ القلموني
26-05-2010, 11:35 PM
اسئلة واقعية استاذتنا الكريمة لا استطيع الإجابة عنها .
لكنها مع ذلك لا تطعن بكلام الكاتب ، لأنه قال أنه كان من المدعوين وهو رد على مضمون المؤتمر في رده التالي : تأملات حول فتوى ماردين ( الشق الثاني )
أما بالنسبة للتوقيع ، فبما أن الشخص نفسه نفى توقيعه ولم يصدر توضيح من الذين أقاموا المؤتمر ، فكلام الشخص بعينه هو الذي يؤخذ بعين الإعتبار .
اسئلة واقعية استاذتنا الكريمة لا استطيع الإجابة عنها .
لكنها مع ذلك لا تطعن بكلام الكاتب ، لأنه قال أنه كان من المدعوين وهو رد على مضمون المؤتمر في رده التالي : تأملات حول فتوى ماردين ( الشق الثاني )
أما بالنسبة للتوقيع ، فبما أن الشخص نفسه نفى توقيعه ولم يصدر توضيح من الذين أقاموا المؤتمر ، فكلام الشخص بعينه هو الذي يؤخذ بعين الإعتبار .
لا أعلم إن كان أحد قد ردّ يا أخي الفاضل.
لكن أنصح بأن تقرأ لفضيلة الشيخ سلمان العودة مقال : الدفاع عن العقيدة أولى.
لتعلم أنّ الأفاضل لا يشغلون الناس بجدالات بينيّة . بل بما ينفعهم.
أيمن غ القلموني
12-07-2010, 04:12 AM
تكملةً لعرض الآراء فيما يتعلق بمؤتمر ماردين
رد صوتي جلي ومفحم لفضيلة الشيخ د.عبدالعزيز آل عبداللطيف على مؤتمر الموضة مؤتمر ماردين
كذلك ذكر في حديثه مجلة الإسلام اليوم
http://www.youtube.com/ch905#p/u/38/xOhaZpl7Z9I
منقول
Powered by vBulletin® Version 4.1.11 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir