تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الخطاب القرآني



حامل المسك
07-04-2010, 10:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله مجيب من سأله , و مثيب من رجاه دون سواه و أمّله , أحمده على نعمه المتوافرة التي لا تعد , و آلائه المتكاثرة التي لا تحد , و أصلي و أسلم على سيدنا محمد بن عبد الله المصطفى من بني معدّ , و على آله و صحبه و من اتبع من الطريق القويم و المنهج الأرشد . و بعد .


فهذه دعوةٌ من قلبِ محبٍّ مشفقٍّ غيورٍّ على نفسه و إخوانه . دعوةٌ ليست كباقي الدعوات . فهي ليست دعوة إلى عرس أو وليمة أو ما اشتبه ذلك . لا فالأمر أهم من ذلك بكثير . إنها دعوة لتأمل خطاب الرحمن , إنه القرآن .


إن من تأمل خطاب القرآن وجد مَلِكاً له الملك كله , و له الحمد كله . أزِمَّةُ الأمور كلها بيده و مصدرها منه و مردُّها إليه , مستوياً على سرير ملكه , لا تخفى عليه خافية في أقطار مملكته , عالماً بما في نفوس عبيده , مطَّلِعاً على أسرارهم و علانيتهم . منفرداً بتدبير المملكة يسمع و يرى , و يعطي و يمنع , و يثيب و يعاقب , و يكرم و يهين , و يخلق و يرزق , و يميت و يحيي , و يقدِّر و يقضي و يدبر .


الأمور نازلةٌ من عنده دقيقها و جليلها و صاعدةٌ إليه لا تتحرك ذرة إلا بإذنه و لا تسقط ورقةٌ إلا بعلمه .


فتأمّل كيف تجده يثني على نفسِه , و يمجّد نفسَه , و يحمد نفسه , و ينصح عباده , و يدلّهم على ما فيه سعادتهم و فلاحهم و يرغبهم فيه , و يحذّرهم مما فيه هلاكهم .


و يتعرّف إليهم بأسمائه و صفاته , و يتحبب إليهم بنعمه و آلائه , فيذكّرهم بنعمه عليهم و يأمرهم بما يستوجبون به تمامها . و يحذّرهم من نقمته و يذكّرهم بما أعدّ لهم من الكرامة إن أطاعوه , و ما أعد لهم من العقوبة إن عصوه , و يخبرهم بصنعه في أوليائه و أعدائه , و كيف كانت عاقبة هؤلاء و هؤلاء . و يثني على أوليائه بصالح أعمالهم و أحسن أوصافهم و يذمّ أعدائه بسيّء أعمالهم و قبيح صفاتهم .


و يضرب الأمثال و ينوّع الأدلّة و البراهين و يجيب عن شُبَه أعدائه أحسن الأجوبة , و يصدِّق الصادق و يكذِّب الكاذب و يقول الحق و يهدي السبيل .


و يدعو إلى دار السلام , و يذكر أوصافها و حسنها و نعيمها و يحذّر من دار البوار , و يذكر عذابها و قبحها و آلامها . و يذكّر عباده فقرهم إليه و شدة حاجتهم إليه من كل وجه , و أنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين , و يذكر غناه عنهم و عن جميع الموجودات , و أنه الغنيّ بنفسه عن كل ما سواه , و كل ما سواه فقير إليه بنفسه , و أنه لا ينال أحد ذرة من الخير فما فوقها إلا بفضله و رحمته , و لا ذرة من الشر فما فوقها إلا بعدله و حكمته .


و يشهد من خطابه عتابه لأحبابه ألطف عتاب و أنه مع ذلك مُقِيْلُ عثراتهم و غافر ذلاتهم و مقيم أعذارهم و مصلح فاسدهم و الدافع عنهم , و المحامي عنهم , و الناصر لهم , و الكفيل بمصالحهم , و المنجي لهم من كل كرب , و الموفي لهم بوعده و أنه وليّهم الذي لا وليّ لهم سواه فهو مولاهم الحق , و نصيرهم على عدوهم فنعم المولى و نعم النصير .


فإذا شهدت القلوب من القرآن مَلِكاً عظيماً رحيماً جواداً جميلاً فهذا شأنه فكيف لا تحبه ؟ و تَنافس في القرب منه , و تنفق أنفاسها في التودد إليه , و يكون أحب إليها من كل ما سواه , و رضاه آثر عندها من رضا كل ما سواه , و كيف لا تلهج بذكره و يصير حبه و الشوق إليه و ال،س به هو غذاؤها و قُوْتُها و دواؤها بخيث إن فقدت ذلك فسدت و هلكت و لم تنتفع بحياتها .


و في الختام جزيل الشكر لمن لبّى هذه الدعوة , و هنيئاً مريئاً لما نهله من هذه المائدة .
و السلام .