أبو حسن
17-05-2010, 08:46 PM
الخلل المنهجي لدى فرويد في تأصيل الإباحية باسم العلم
بليل عبدالكريم
التعريف:
سيجموند فرويد (1856-1939) Sigmund Freud مفكِّر، من أعضاء الجماعة اليهودية في النمسا، ومؤسس مدرسة التحليل النفسي، يُعَدُّ من أهم المفكرين الغربيِّين، لا يُضارِعه في مكانته - في رأي البعض - سوى كارل ماركس.
قال جاك لاكان: إن ماركس وفرويد فسَّرا أهمَّ عمليتين في المجتمع الإنسانيِّ، وهما الإنتاج والتكاثر، الإنسان الاقتصادي الذي تحرِّكه وسائلُ الإنتاج، والإنسان الجسماني الذي يحركه اللبيدو (الشهوة الجنسيَّة)، وقد أثَّر التحليلُ النفسي في معظم المدارس والاتجاهات الفكرية الغربية الحديثة، حتى إن كثيرًا من أفكار فرويد أصبحت بُعدًا أساسيًّا في الخطاب الحضاري الغربي الحديث.
ولعل النَّسَق الفرويدي من أهم الأنساق المعرِفية؛ التي وَضعت أساسَ "النسبية الأخلاقية"، التي أصبحت سِمَةً أساسيةً في رؤية الإنسان الغربي للكون[1] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn1).
واكتسب فرويد مزيدًا من الأهمية والمركزية بعد سقوط المنظومة الماركسية، وشيوع فكر "ما بعد الحداثة"، والتمركز حول الأنثى، والاهتمام المتزايد بالجسد والجنس، والإنسان الجسماني - في الحضارة الغربية الحديثة[2] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn2).
ارتبطت حركة التحليل النفسي ارتباطًا وثيقًا بالسيرة الذاتية لمؤسسها، فكانت لخلفية أبويه حسيدية أثرٌ فيها، وأمُّه - على وجه الخصوص - جاءت من برودي في جاليشيا - مدينة ببولندا - أحد أهم المعاقل الحسيدية[3] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn3)، وأكبر مورد للدعارة والفاحشة وتجارة الرقيق الأبيض في العالم قاطبةً، وكان جدُّها الأكبر تساديك حسيدي[4] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn4)، وكان أبوها أحدَ تلاميذ الواعظ أدولف جلينيك (1820 ـ 1893) القبَّالي الشهير.
فنشأ فرويد يهوديًّا، وأصدقاؤه من غير اليهود نادرين؛ إذ كان لا يأنس لغير اليهود، ولا يطمئن إليهم، ودخل الجامعة عام 1873م، وعقَّب على ذلك بأنه يرفض رفضًا قاطعًا أن يشعر بالدونية والخجل مِن يهوديته، لكنَّ هذا الشعور الموهوم بالاضطهاد ظل يلاحقه، على الرغم من احتلاله أرقى المناصب.
شخصية فرويد:
هي قضية مهمة بسبب ارتباط التحليل النفسي به، ومن المعروف - الآن - أن فرويد لم يكن شخصيةً سويةً، فقد كان يعاني من مشكلةِ "هُوِيةٍ" حادةٍ؛ بسبب كونه "يهوديًّا غيرَ يهوديٍّ"؛ أي: يهوديٌّ عِرْقًا لا دِينًا، الأمر الذي سبَّب كثيرًا من الإبهام في مفاهيمه.
زد على ذلك شعورَه بالدونية والاضطهاد الموهوم، وحُكي أنه رأى أمه عاريةً فأثارتْه جنسيًّا، وهناك قضية علاقته الجنسية بأخت زوجته، وتعاطيه للكوكايين، بل ألَّف بحثًا لبيان فوائده، وثبَت أخذُه لرِشْوة، مقابل أن ينصح أحد المرضى بأن يترك زوجته؛ بناءً على طلب عشيقة المريض التي دفعت له نظير ذلك.
وأثارت استبداديتُة نِقاشاتٍ واسعةً، فهناك تأكيد عامٌّ عليها؛ إذ كان لا يسمح بأي مراجعة لنظرياته الخاصة، ولا يقبل أي اقتراح - مهما بلغت أهميته - لتعديل نظرياته، فإما أن تكون مع كل نظرياته أو ضده[5] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn5)، وحتى ساخس في سيرة فرويد - التي تعد تأليهًا له - كان مُرغَمًا على الاعتراف بذلك[6] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn6).
ويشير الدكتور قدري حفني إلى شخصيته التسلُّطية؛ ورفض استماع الرأي المعارض، فحينما اختلف مع تلميذه يونج؛ وصفه بأنه الكذَّاب المدَّعي المهرطق، وكتب إلى إرنست جونز مشجِّعًا إياه على طرد أنصار يونج من جمعية لندن، مستخدمًا في خطابه مصطلحًا شبهَ دينيٍّ: "إنَّ عزمك على تطهير جمعية لندن من أنصار يونج لأَمر رائع"، وكان يرى أن التحليل النفسي البديل العلماني للدين، وأن المفسِّر هو البديل العلماني للكاهن.
ووصف فرويد تلميذه أدلر- بعد اختلافهما - بأنه "كومة من النفايات مليئة بالسم والشر"، وأنه "صَنع مِن قزم عملاقًا".
فردَّ أدلر: "..حتى القزم، إذا ما احتل مكانه على كتفَيْ عملاق ضخم، فإنه يستطيع أن يرى أبعد ممن يحمله".
فرد فرويد قائلاً: "..قد يصدق ذلك على القزم، ولكن لا يصدق – بحال - على قملة في شعر ذلك العملاق".
وذي الشخصية مناقضةٌ للمناهج العلمية؛ إذ مِن مقرَّرات العلوم الأصيلة تطورُها عبر النقد الذاتي، وتحسين وتجويد قواعدها وأصولها، حتى تطلع في حُلَّةٍ بهية، وتثْبتَ أمام النقد الخارجي، فإن كان فرويد يَستعلي على نقد زملائه وتلاميذه في المدرسة الواحدة؛ فأنَّى له أن يحيط بكل جوانب علم النفس؟! وما ردُّ فعله على من ليس منهم؟!
وهذا ما بيَّنه مسار التأليف لدى فرويد، فقد وقع في خلْط وتناقضات يكتشفها من يقرأ كلَّ كتبِه بترتيبها الزمنيِّ لصدورها، وآخَذَه بها تلاميذُه الذين انشقوا عنه، ونسف بها مدرسته معارضوه، ووقع في مأزق فكري، حتى إنه عارَض ما نشره أولاً دون أن يصرِّح بالتراجع، ووقع فيما سماها "مأساةَ الحضارة" وهي مأساته.
البعد اليهودي في شخصية فرويد:
من القضايا الأساسية التي تُثار في الدراسات الخاصة بتاريخ التحليل النفسي والمنظومة الفرويدية: قضية البُعد اليهودي فيها، والمؤكد أن فرويد ينتمي - بشكل كامل - إلى الحضارة الغربية، التي هيمن عليها نُموذج "العلمانية الشاملة".
وفرويد نفسُه كان يغذِّي هذه الأفكار؛ فربط بين التحليل النفسي وانتمائه اليهودي، إذ المقاومة التي لاقاها "التحليل النفسي" كانت - في تَصوُّره - جزءًا مِن رفض الحضارة الغربية لكل ما هو يهودي.
و"التحليل النفسي" في تصوره كان من إبداعه: "لمدة عشر سنوات كنت أنا الشخص الوحيد الذي انشغَل به، ولا أحد يعرف - أكثر مني - ما هو التحليل النفسي".
وكان يَتصور أن عالم الأغيار سيرفض التحليل النفسيَّ بسبب يهوديته؛ لذا قال: لا بدَّ من إعطائه واجهةً "مسيحيةً"، وهذا هو الدور المُوكَل ليونج ابن الراعي السويسري الكاثوليكي، فكتب فرويد إلى كارل أبراهام (1908) خطابًا يحثه فيه على كسب مودته: "فيونج مسيحي وابن قسيس؛ ولذا فهو يجد عناصرَ مقاومةٍ داخلية شديدة، تعوق اقترابه مني، ونحن لا غنًى لنا - إطلاقًا - عن رفاقنا الآريين كافةً، وإلا سقط التحليل النفسي ضحيةَ معاداة اليهود".
وحينما اعترض أتباعه على ترشيح يونج لرئاسة الجمعية الدولية؛ قال: "إن معظمكم من اليهود، ومن ثَم فإنكم لن تستطيعوا ضم أصدقاء للفكر الجديد، على اليهود أن يَقنَعوا بدورهم المتواضع في تمهيد الطريق، فمن أشد الأمور أهميةً بالنسبة لي؛ أن أستطيع إيجاد روابط مع دنيا العلم، وها أنتم ترون أني أتقدم في السن، وأشعر بالتعب من الهجوم المتواصل، إننا جميعًا - أي اليهود العاملين في حقل التحليل النفسي - في خطر"، ثم أمسك فرويد بثنية سترته، ومضى يقول بطريقة مسرحية: "إنهم لن يتركوا لي سترة أغطي بها ظهري، ولكن السويسريين [أي المسيحيين] سينقذوننا، سينقذونني، وسينقذونكم جميعًا أيضًا".
وكان كثيرًا ما يتباهى باليهودية وبانتمائه اليهودي، ويرى أن الشعب اليهودي قَدَّم التوراةَ للعالَمِ، واليهودية مصدر طاقة لكثير مما كَتب.
وحينما سأله صديق يهودي عما إذا كان من الواجب على اليهود أن يوجهوا أولادهم لاعتناق (المسيحية)[7] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn7)، رد عليه: "اليهودية مصدر طاقة، لا يمكن أن تُعوَّض بأي شيء آخر، فاليهودي عليه كيهودي أن يكافح، ومن الواجب أن يُنمِّي في نفسه كل هذا الكفاح، فلا تحرمه من هذه الميزة.
وانضم فرويد لجماعة بناي بريت عام 1895، الخاصة باليهود، وفي 6 مايو عام 1926 أقامت الجمعية حفلاً خاصًا بمناسبة بلوغه السبعين من عمره، فكتب لهم: "إن كونكم يهودًا لأمر يوافقني كل الموافقة، لأنني أنا نفسي يهودي، فقد بدا لي دائمًا إنكارُ هذه الحقيقة ليس فقط أمرًا غير خليق بصاحبه؛ بل هو عمل فيه حماقة أكيدة، إنني لتربطني باليهودية أمور كثيرة، تجعل إغراء اليهودية واليهود أمرًا لا سبيل إلى مقاومته، قوًى انفعاليةٌ غامضة كثيرة كلما زادت قوتها تَعذَّر التعبير عنها في كلمات، بالإضافة إلى شعور واضح بالذاتية الداخلية، الخلوة الآمنة لتركيبٍ عقليٍّ مشترك، ثم بعد هذا كله كان إدراكي أنني مَدِين بالفضل لطبيعتي اليهودية؛ فيما أملك من صفتين مميزتين، لم يكن في وسعي الغناء عنهما خلال حياتي الشاقة؛ فلأني يهودي وجدت نفسي خِلْوًا من التحيزات؛ التي أضلت غيري دون استخدام ملكاتهم الذهنية، وكيهودي كنت مستعدًّا للانضمام إلى المعارضة، وللتصرف دون موافقة الأغلبية الساحقة، وهكذا وجدت نفسي واحدًا منكم، أقوم بدوري في اهتماماتكم الإنسانية والقومية، واكتسبت أصدقاء من بينكم، وحثثْتُ الأصدقاء القليلين الذين تبقوا على الانضمام إليكم".
وكان يغازل الصهيونية في تباهيه بما يُسمَّى "الشعب اليهودي"، ويعرف تيودور هرتزل، ويوليه الاحترام، ويشير إليه باعتباره "الشاعر والمحارب من أجل حقوق شعبنا"، وأرسل إليه أحد كتبه؛ مع عبارة "إهداء شخصي" عليه، وأحد أبناء فرويد عضو في جماعة "قديما" الصهيونية، كما كان هو نفسه عضوًا فخريًّا بها.
ويُشير الدكتور قدري حفني إلى ما يسميه "التنظيم الصهيوني الفرويدي"، فقد نشر فرويد عام 1914 كتيبًا بعنوان "تاريخ حركة التحليل النفسي"، أشار فيه إلى تشكيل الرابطة الدولية للتحليل النفسي عام 1902 "إزاء العداء المتزايد الذي كان يُواجَه به "التحليل النفسي" في ألمانيا، صمَّمتُ مشروعًا يرمي إلى تزويد حركة التحليل النفسي بتنظيم"، وهو تنظيم سري من تلاميذه اليهود فقط، يرمي إلى إحياء نظرياته والدفاع عنها بعد موته، لكأنه أحس ضعفها، وأن بريقها لن يدوم، وأعضاؤه الكثيرُ منهم صهاينةٌ، يَعرفون بعضهم بخاتم وَزَّع مثلَه فرويد على الخمس المؤسسين للتنظيم بادئَ الأمر، فصار شعارًا لهم.
وكون المؤسسين والرُّوَّادِ الأوائل لـ "التحليل النفسي" من أعضاء الجماعات اليهودية؛ طرَح إشكال علاقة "نظرية التحليل النفسي" و"الأصل اليهودي"، رغم أن فرويد وأتباعَه كانوا من "اليهود المندمجين"، والمتهاونين بممارسة الشعائر والتقاليد الدينية اليهودية، بل يسخرون من اليهود غير المندمجين، غير أن ذاك لا ينفي تأثير الثقافة اليهودية في فكرهم، فرغم رفضهم العقلي لليهودية دينيًّا؛ واندماجهم في بيئتهم الثقافية والاجتماعية؛ إلا أن تكوينهم الثقافي والاجتماعي اليهودي الخاص؛ كان له تأثير بيِّن على كل فرد منهم، يتفاوت من حالة إلى أخرى.
وفي محاولة تفسير وجود عدد كبير من أعضاء الجماعات اليهودية، كمؤسسين لعلم النفس، والتحليل النفسي، وكممارسين له - يُورِد عبد الوهاب المسيري هذه الأسبابَ كمحاولة مبدئية[8] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn8):
1– يُلاحَظ أن أعضاء "الجماعات الوظيفية" يوجدون في المجتمع وليسوا منه، وهو ما يطوِّر عندهم الحاسةَ النقدية، ولعدم تجذرهم في المجتمع، يهتمون بالنماذج الهامشية والمرضية، وتصبح عندهم مقدرةٌ غير عادية على فهمها والتعامل معها، ولهم الكفاءة في التعامل مع الآخر؛ باعتباره مجرد حالة، باطنه مثل ظاهره، لا حرمة له ولا قداسة.
2– أعضاء الجماعة الوظيفية يتبنون رؤيةً حلوليةً للواقع؛ تضعهم داخل دائرة القداسة وتضع الآخر خارجها، ويُلاحَظ أن النموذج الحلولي يدور دائمًا حول الجنس والأرض، وهذا ما حدث في القبالاه، التي وُصفت بأنها تجنيس للإله وتأليه للجنس.
3- لاحظ بعض الدارسين أن ثمة تشابهًا بين مناهج التفسير في اليهودية، ومناهج التفسير في علم النفس، فالمفسرون اليهود كانوا يدورون في إطار الشريعة الشفوية، وهو مفهوم حلولي يساوي بين الوحي الإلهي (المكتوب)؛ والاجتهاد البشري (الشفهي)، بل ويجعل الاجتهاد الشفوي أكثرَ أهميةً وفعاليةً من النص المقدَّس.
وقد اعتمد التحليل النفسي أيضًا على المفسر الوسيط؛ الذي يُحلل النص ليكتشف وراءه المعنى الباطني؛ الذي يشبه التوراة الشفوية أو حتى توراة الفيض.
نقد منهج فرويد[9] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn9):
1- إن آراء فرويد هي - أولاً وقبل كل شيء - نظريات افتراضية، وليست من الحقائق النفسية، أو المبادئ العلمية التي أثبتتْها التجارب، أو صدَّقتها الملاحظة العلمية، فليس لآِراء فرويد تلك الهالةُ التي يحاول بعضُ مناصريها أن يُلبسوها ثوب الحقائق العلمية، أو كما تحاول بعض الجهات العالمية أن تحيطها بالدعاية.
2- تعتبر هذه النظرية امتدادًا لفلسفةٍ أفلاطونية، إلا أن أفلاطون كان يحاول أن يسير بالنفس الإنسانية نحو المثالية، أما فرويد فقد تشبَّث - كما يقول تلامذته - بالدافع الجنسي؛ ليظل هو الدافعَ والوسيلة والغاية.
3- لقد تأثر فرويد في آرائه بالحالات الشاذة المرضية التي كان يعالجها، ويكمن الخطأُ العلميُّ في التعميم الذي أطلقه؛ إذ أخَذ يفسِّر السلوك المتزن العادي لدى الأسوياء في ضوء ما عاينه من السلوك الشاذِّ لدى المصابين، وهذه نقطة أخَذها عليه زملاؤه وتلامذته في العلاج النفسي، وانفصلوا بها عن جماعته، ثم عارضوا نظريته بنظريات أخرى.
4- تأثره واضح بالأساطير اليونانية، كقصة أديبوس، يعلق عليها البروفسور روبرت ودورث بقوله: "ولو بحثتُ عن رأيي الشخصي في سيكولوجيا فرويد، لكان علي أن أقول: إنني لا أؤمن بأن يكون مذهبه صحيحًا بأي معنى مطْلَق، ولا أن يوضع في مصاف النظريات العلمية الكبرى، التي تربط المعرفة الراهنة، فإنها بكائناتها وثناياها تبدو متخلِّفةً، أكثرَ منها ناظرةً إلى الأمام".
وإذا علمنا أن البروفسور ودورث يعتبر من رواد علم النفس الحديث - فيما بعد الحرب العالمية الأولى - في كتبه الكثيرة عن علم النفس التجريبِي، وعلم النفس الديناميكي، ورياسته لعلم النفس في لجنة البحث القومي الأمريكي، ولهيئة علماء النفس الأمريكيين - إذا علمنا ذلك أدركنا أن آراء فرويد تُمثِّل - في تطور الدراسات النفسية - مرحلةً بدائيةً متخلفةً لا ينبغي الوقوف عندها في مجال علم النفس الحديث.
5- إن نظرية فرويد تعكس الحياة المتناقضة الشاذة للمجتمع الغربي (الأوروبي) بعد النهضة الصناعية المادية، وانتشار الاختلاط والإباحية، فكانت نظرية فرويد انعكاسًا أو تبريرًا للواقع الشاذ، وليست دراسةً علميةً دقيقةً تنظر إلى المشكلة من جميع أسسها، فبعد دخول اليهودية الحاخامية مرحلةَ الأزْمة، وهيمنة المنظومة القبالية الحلولية على الحسيدية، تحولوا من جماعة متماسكة إثنيًّا ودينيًّا إلى جماعة مُفكَّكة، فكانت عند يهود المجر واحدةٌ من أعلى نسب الأطفال غير الشرعيين، أما الجماعة اليهودية في جاليشيا - التي أتى منها والِدَا فرويد - فكانت تُعدُّ من أكبر مصادر البغايا في العالم، كما سادت فيها أكبر نسبة تكاثر بين اليهود، ولذا كان يُقال لها باللاتينية: "فاجينا جودايوروم"؛ أي: "فرج اليهود".
ففي الفترة بين عامي 1880 و1930، عمل عدد كبير من اليهود في تجارة الرقيق الأبيض قوَّادين وعاهرات، وأصبحت جاليشيا أهم مصدر للعاهرات في العالم بأسره، وقد أصبح البغاء جزءًا من حياة قطاعات بعض يهود اليديشية، حتى صار عملاً محايدًا، مجرد نشاط اقتصادي ومصدر للرزق.
وقد زاد عدد البغايا اليهوديات بشكل واضح في النمسا؛ حيث زاد عدد اليهود في فيينَّا من بضعة آلاف في منتصف القرن التاسع عشر، إلى مائة وخمسين ألفًا مع نهايته، وحيث زادت معدلات العلمنة بشكل واضح، وتفشَّتْ "قيم اللذة"، وفرويد ابن عصره وولَدُ محيطِه العَفِن.
6- والخطأ العلمي النفسي الكبير: أن نظرية فرويد تحاول تفسير السلوك الإنساني بنظرة جانبية جزئية، وذلك حين يحاول فرويد أن يحدد السلوك الإنساني بدافع جنسي، وقام لمناهضة هذا التفسير الجانبي عدةُ علماء كوليم مكدوجل في كتابه "تخطيط علم النفس" سنة (1923م).
واختلف أدلر (1870 ـ 1937) مع فرويد حول مدى أهمية الغريزة الجنسية في تكوين الأمراض العصبية، وأطلق أدلر على نظريته الجديدة "علم النفس الفردي".
7- كثير من المصطلحات التي يستخدمها فرويد: إما عامة إلى درجة كبيرة (اللبيدو)، أو خاصة إلى درجة كبيرة (مركب أوديب)، أو غامض إلى أقصى حد (ثناتوس)، أو متناقضة (إيروس وثناتوس).
هذه المصطلحات تعبِّر عن مفاهيمَ ومقولاتٍ مِن الصعب اختبارها، وإن كان هناك من المفاهيم الفرويدية ما تم اختباره، أثبَت مقدرته التفسيرية، وثمة مفاهيمُ لم يستطع فرويد أن يحدِّدَ موقفه منها تمامًا، فهي تتسم بالإبهام الشديد، ولعل هذا الإبهام هو الذي أدى بفرويد إلى التركيز على "الشخصيات غير السوية"، فالجنس بالنسبة لفرويد هو اللوجوس (الركيزة النهائية)، والإشباع الجنسي هو التيلوس (الهدف النهائي).
ولكنه في الوقت نفسه كان يرى أن الحضارة مبنية على القمع والإعلاء، وهكذا تصطدم الحتمية اللبيدية بالحقيقة الإنسانية الحضارية، فيظهر موضوع "مأساة الحضارة".
ولذا؛ كان لا بدَّ أن يجد فرويد مخرجًا، ومن هنا كان التركيز على الشخصيات غير السوية، فهذه الشخصيات تعبير عن هيمنة "اللاشعور" و"الهو" و"قوانين الطبيعة - المادة"، على عكس الشخصيات السوية التي تؤكد مجموعةً من القيم الاجتماعية والأخلاقية؛ التي تؤكد حريةَ الإرادة ومقدرةَ الإنسان على التجاوز، والتي تتناقض مع النموذج المادي الفرويدي.
8- بَنَى فرويد أداءه على أساس نظريات إثنولوجية لم تتأكد صحتها، فقد كان يتلقف أية نظرية إثنولوجية يتراءى له أنها تتلاءم وأغراضَه، رغم أنها أصبحت موضع استهجان من قبَل علماء الإثنولوجيا، بل قعَّد نظرياتٍ جعلها علميةً على أحلام رآها وأساطيرَ يونانية.
9- لم يشرح فرويد قطُّ طريقةَ استخلاصه للنتائج من البيانات التي جمعها، وتبيَّن أنَّ طريقته في جمع البيانات غير منهجية وغير مضبوطة[10] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn10)، فهو لم يسجل كلام المرضى مباشرةً؛ بل كان يدونه بعد الجلسات العلاجية، الأمر الذي يثير إمكانية أنه كان يعيد تفسيرها؛ وهو يسجلها في وقت لاحق، كما أنه لم يحاول أن يتأكد من صحة أقوال مرضاه، وكان ينام أحيانًا أثناء مقابلاته مع مرضاه، كما كان يكتب بعض خطاباته أثناء الجلسات العلاجية، بل من الأدلة ما يشير إلى أنه كان يزيف المعلومات أحيانًا.
10- كان فرويد يلوي عنق الحقائق، فمريضته الشهيرة دورا - على سبيل المثال – قالت: إن أحد أصدقاء أسرتها تحرش بها جنسيًّا، فكتب فرويد أنها تَقْمَع ذكرياتِ الطفولة عن ممارسة العادة السرية، بل وتَكْبِتُ رغبتَها في أن يتمَّ التحرشُ بها جنسيًّا، وحينما كانت دورا ترفض ادعاءاتِه، كان يخبرها أنَّ رفضها يعني القبول؛ لأنها مقاومة لا شعورية.
فقد كان فرويد يرفض أيةَ إجابة لا تتفق مع وجهة نظره؛ طالما استقر رأيه على شيء، وكان يستخدم كلَّ ذكائه وكل قدرته على الإقناع؛ لإجبار مريضه على التصريح بصحة رأيه.
11- نطاق البيانات التي جمعها فرويد كان ضيقًا للغاية، فقد استند أساسًا إلى بعض المشاهدات التي كان مجتمع فيينا - الفاسد أخلاقيًّا - يزخر بها، وانتماؤه اليهودي ساهم في تضييق نطاق هذه البيانات، وخبراته الشخصية كانت محدودةً إلى حد كبير، ورغم كل هذا؛ جعل فرويد من تلك المشاهدات أساسًا لنظرية عامة في الشخصية، تُطبَّق على الناس جميعًا؛ أيًّا كان الوضع الحضاري الذي يعيشون فيه، فتعميمات فرويد مأخوذة من مجتمع فيينا في القرن التاسع عشر، بكل ما فيه من سمات التشدد والتَّزَمُّت الجنسي العلَنِي، والانحلال والتفسخ الجنسي السري، وهو ما جعل كثيرًا من الاضطرابات تأخذ شكلاً جنسيًّا.
12- يتبنَّى فرويد نموذجًا ذكَريًا واضحًا في التحليل؛ يتحوَّل فيه القضيب ليصبح الركيزة الأساسية للبناء الفوقي، فنجد أن الطفل يعاني من خوف الخصاء، والمرأة تعاني من حسد القضيب، وهذا الموقف من المرأة هو امتداد لرؤية الفكر اليوناني للمرأة والجنس.
13- يستخدم فرويد مجموعة من الأساطير اليونانية كصور مجازية؛ يكتشف من خلالها النفس البشرية، ولا شك في أن هذا حدَّ من مجاله، ولعله لو استخدم أساطير أخرى وصورًا مجازيةً أخرى لاختلف نطاق الملاحظة واختلفت الشواهد، ومن ثَم اختلفت النتائج.
وقد أشار عديد من علماء الأنثروبولوجيا إلى وجود العديد من المجتمعات؛ يؤدي تطورُها التاريخي وطرق تنشئتها لأطفالها إلى تكوين شخصيات مختلفة تمامًا عن افتراضات فرويد.
ـــــــــــــــــ
[1] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref1) يشير تعبير "التحليل النفسي" إلى أمور ثلاثة مجتمعة، طريقة التحليل النفسي في الاستقصاء، وإلى تقنيته في العلاج، وإلى النظريات التي نشأت بالاتصال الوثيق معهما، وعُرفت فيما بعد بالفرويدية.
- نظريات في علم النفس: كمال بكداش. ص5.
[2] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref2) موسوعة اليهود و اليهودية و الصهيونية: عبد الوهاب المسيري. ج 8، ص 284.
[3] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref3) الحركة الحسيدية: بالعبرية "حسيدوت" وهو مصطلح مشتق من الكلمة العبرية "حسيد"، أي "تقي"، يُستخدَم في العصر الحديث للدلالة على الحركة الدينية الصوفية الحلولية التي أسسها وتزعَّمَها بعل شيم طوف، في جنوب بولندا وقرى أوكرانيا في القرن الثامن عشر، وقد انتشرت الحسيدية في بادئ الأمر في القرى بين أصحاب الحانات والتجار والريفيين والوكلاء الزراعيين، ثم انتشرت في المدن الكبيرة حتى أصبحت عقيدةَ أغلبيةِ الجماهير اليهودية في شرق أوربا بحلول عام 1815.
[4] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref4) التساديك هو القائد الذي يحل فيه الإله، وعادةً ما يتم توارث الحلول، بين أفراد العائلة.
[5] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref5) مهمة فرويد؛ تحليل لشخصيه وتأثيره: أريك فروم.ص63.
[6] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref6) Hanns Sachs: Freud Master and Friend. P14.
[7] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref7) وهو أمر كان شائعاً بين اليهود آنذاك، بل من المعروف أن بعض أقارب فرويد قد تَنصَّروا.
[8] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref8) موسوعة اليهود و اليهودية و الصهيونية: عبد الوهاب المسيري. ج8، ص(277-280).
[9] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref9) صراع مع الملاحدة حتى العظم: ج1، ص (169، 170).
[10] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref10) ذا ما بينه تلاميذه ومرضاه فيما بعد، وكتب في سيره.
بليل عبدالكريم
التعريف:
سيجموند فرويد (1856-1939) Sigmund Freud مفكِّر، من أعضاء الجماعة اليهودية في النمسا، ومؤسس مدرسة التحليل النفسي، يُعَدُّ من أهم المفكرين الغربيِّين، لا يُضارِعه في مكانته - في رأي البعض - سوى كارل ماركس.
قال جاك لاكان: إن ماركس وفرويد فسَّرا أهمَّ عمليتين في المجتمع الإنسانيِّ، وهما الإنتاج والتكاثر، الإنسان الاقتصادي الذي تحرِّكه وسائلُ الإنتاج، والإنسان الجسماني الذي يحركه اللبيدو (الشهوة الجنسيَّة)، وقد أثَّر التحليلُ النفسي في معظم المدارس والاتجاهات الفكرية الغربية الحديثة، حتى إن كثيرًا من أفكار فرويد أصبحت بُعدًا أساسيًّا في الخطاب الحضاري الغربي الحديث.
ولعل النَّسَق الفرويدي من أهم الأنساق المعرِفية؛ التي وَضعت أساسَ "النسبية الأخلاقية"، التي أصبحت سِمَةً أساسيةً في رؤية الإنسان الغربي للكون[1] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn1).
واكتسب فرويد مزيدًا من الأهمية والمركزية بعد سقوط المنظومة الماركسية، وشيوع فكر "ما بعد الحداثة"، والتمركز حول الأنثى، والاهتمام المتزايد بالجسد والجنس، والإنسان الجسماني - في الحضارة الغربية الحديثة[2] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn2).
ارتبطت حركة التحليل النفسي ارتباطًا وثيقًا بالسيرة الذاتية لمؤسسها، فكانت لخلفية أبويه حسيدية أثرٌ فيها، وأمُّه - على وجه الخصوص - جاءت من برودي في جاليشيا - مدينة ببولندا - أحد أهم المعاقل الحسيدية[3] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn3)، وأكبر مورد للدعارة والفاحشة وتجارة الرقيق الأبيض في العالم قاطبةً، وكان جدُّها الأكبر تساديك حسيدي[4] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn4)، وكان أبوها أحدَ تلاميذ الواعظ أدولف جلينيك (1820 ـ 1893) القبَّالي الشهير.
فنشأ فرويد يهوديًّا، وأصدقاؤه من غير اليهود نادرين؛ إذ كان لا يأنس لغير اليهود، ولا يطمئن إليهم، ودخل الجامعة عام 1873م، وعقَّب على ذلك بأنه يرفض رفضًا قاطعًا أن يشعر بالدونية والخجل مِن يهوديته، لكنَّ هذا الشعور الموهوم بالاضطهاد ظل يلاحقه، على الرغم من احتلاله أرقى المناصب.
شخصية فرويد:
هي قضية مهمة بسبب ارتباط التحليل النفسي به، ومن المعروف - الآن - أن فرويد لم يكن شخصيةً سويةً، فقد كان يعاني من مشكلةِ "هُوِيةٍ" حادةٍ؛ بسبب كونه "يهوديًّا غيرَ يهوديٍّ"؛ أي: يهوديٌّ عِرْقًا لا دِينًا، الأمر الذي سبَّب كثيرًا من الإبهام في مفاهيمه.
زد على ذلك شعورَه بالدونية والاضطهاد الموهوم، وحُكي أنه رأى أمه عاريةً فأثارتْه جنسيًّا، وهناك قضية علاقته الجنسية بأخت زوجته، وتعاطيه للكوكايين، بل ألَّف بحثًا لبيان فوائده، وثبَت أخذُه لرِشْوة، مقابل أن ينصح أحد المرضى بأن يترك زوجته؛ بناءً على طلب عشيقة المريض التي دفعت له نظير ذلك.
وأثارت استبداديتُة نِقاشاتٍ واسعةً، فهناك تأكيد عامٌّ عليها؛ إذ كان لا يسمح بأي مراجعة لنظرياته الخاصة، ولا يقبل أي اقتراح - مهما بلغت أهميته - لتعديل نظرياته، فإما أن تكون مع كل نظرياته أو ضده[5] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn5)، وحتى ساخس في سيرة فرويد - التي تعد تأليهًا له - كان مُرغَمًا على الاعتراف بذلك[6] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn6).
ويشير الدكتور قدري حفني إلى شخصيته التسلُّطية؛ ورفض استماع الرأي المعارض، فحينما اختلف مع تلميذه يونج؛ وصفه بأنه الكذَّاب المدَّعي المهرطق، وكتب إلى إرنست جونز مشجِّعًا إياه على طرد أنصار يونج من جمعية لندن، مستخدمًا في خطابه مصطلحًا شبهَ دينيٍّ: "إنَّ عزمك على تطهير جمعية لندن من أنصار يونج لأَمر رائع"، وكان يرى أن التحليل النفسي البديل العلماني للدين، وأن المفسِّر هو البديل العلماني للكاهن.
ووصف فرويد تلميذه أدلر- بعد اختلافهما - بأنه "كومة من النفايات مليئة بالسم والشر"، وأنه "صَنع مِن قزم عملاقًا".
فردَّ أدلر: "..حتى القزم، إذا ما احتل مكانه على كتفَيْ عملاق ضخم، فإنه يستطيع أن يرى أبعد ممن يحمله".
فرد فرويد قائلاً: "..قد يصدق ذلك على القزم، ولكن لا يصدق – بحال - على قملة في شعر ذلك العملاق".
وذي الشخصية مناقضةٌ للمناهج العلمية؛ إذ مِن مقرَّرات العلوم الأصيلة تطورُها عبر النقد الذاتي، وتحسين وتجويد قواعدها وأصولها، حتى تطلع في حُلَّةٍ بهية، وتثْبتَ أمام النقد الخارجي، فإن كان فرويد يَستعلي على نقد زملائه وتلاميذه في المدرسة الواحدة؛ فأنَّى له أن يحيط بكل جوانب علم النفس؟! وما ردُّ فعله على من ليس منهم؟!
وهذا ما بيَّنه مسار التأليف لدى فرويد، فقد وقع في خلْط وتناقضات يكتشفها من يقرأ كلَّ كتبِه بترتيبها الزمنيِّ لصدورها، وآخَذَه بها تلاميذُه الذين انشقوا عنه، ونسف بها مدرسته معارضوه، ووقع في مأزق فكري، حتى إنه عارَض ما نشره أولاً دون أن يصرِّح بالتراجع، ووقع فيما سماها "مأساةَ الحضارة" وهي مأساته.
البعد اليهودي في شخصية فرويد:
من القضايا الأساسية التي تُثار في الدراسات الخاصة بتاريخ التحليل النفسي والمنظومة الفرويدية: قضية البُعد اليهودي فيها، والمؤكد أن فرويد ينتمي - بشكل كامل - إلى الحضارة الغربية، التي هيمن عليها نُموذج "العلمانية الشاملة".
وفرويد نفسُه كان يغذِّي هذه الأفكار؛ فربط بين التحليل النفسي وانتمائه اليهودي، إذ المقاومة التي لاقاها "التحليل النفسي" كانت - في تَصوُّره - جزءًا مِن رفض الحضارة الغربية لكل ما هو يهودي.
و"التحليل النفسي" في تصوره كان من إبداعه: "لمدة عشر سنوات كنت أنا الشخص الوحيد الذي انشغَل به، ولا أحد يعرف - أكثر مني - ما هو التحليل النفسي".
وكان يَتصور أن عالم الأغيار سيرفض التحليل النفسيَّ بسبب يهوديته؛ لذا قال: لا بدَّ من إعطائه واجهةً "مسيحيةً"، وهذا هو الدور المُوكَل ليونج ابن الراعي السويسري الكاثوليكي، فكتب فرويد إلى كارل أبراهام (1908) خطابًا يحثه فيه على كسب مودته: "فيونج مسيحي وابن قسيس؛ ولذا فهو يجد عناصرَ مقاومةٍ داخلية شديدة، تعوق اقترابه مني، ونحن لا غنًى لنا - إطلاقًا - عن رفاقنا الآريين كافةً، وإلا سقط التحليل النفسي ضحيةَ معاداة اليهود".
وحينما اعترض أتباعه على ترشيح يونج لرئاسة الجمعية الدولية؛ قال: "إن معظمكم من اليهود، ومن ثَم فإنكم لن تستطيعوا ضم أصدقاء للفكر الجديد، على اليهود أن يَقنَعوا بدورهم المتواضع في تمهيد الطريق، فمن أشد الأمور أهميةً بالنسبة لي؛ أن أستطيع إيجاد روابط مع دنيا العلم، وها أنتم ترون أني أتقدم في السن، وأشعر بالتعب من الهجوم المتواصل، إننا جميعًا - أي اليهود العاملين في حقل التحليل النفسي - في خطر"، ثم أمسك فرويد بثنية سترته، ومضى يقول بطريقة مسرحية: "إنهم لن يتركوا لي سترة أغطي بها ظهري، ولكن السويسريين [أي المسيحيين] سينقذوننا، سينقذونني، وسينقذونكم جميعًا أيضًا".
وكان كثيرًا ما يتباهى باليهودية وبانتمائه اليهودي، ويرى أن الشعب اليهودي قَدَّم التوراةَ للعالَمِ، واليهودية مصدر طاقة لكثير مما كَتب.
وحينما سأله صديق يهودي عما إذا كان من الواجب على اليهود أن يوجهوا أولادهم لاعتناق (المسيحية)[7] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn7)، رد عليه: "اليهودية مصدر طاقة، لا يمكن أن تُعوَّض بأي شيء آخر، فاليهودي عليه كيهودي أن يكافح، ومن الواجب أن يُنمِّي في نفسه كل هذا الكفاح، فلا تحرمه من هذه الميزة.
وانضم فرويد لجماعة بناي بريت عام 1895، الخاصة باليهود، وفي 6 مايو عام 1926 أقامت الجمعية حفلاً خاصًا بمناسبة بلوغه السبعين من عمره، فكتب لهم: "إن كونكم يهودًا لأمر يوافقني كل الموافقة، لأنني أنا نفسي يهودي، فقد بدا لي دائمًا إنكارُ هذه الحقيقة ليس فقط أمرًا غير خليق بصاحبه؛ بل هو عمل فيه حماقة أكيدة، إنني لتربطني باليهودية أمور كثيرة، تجعل إغراء اليهودية واليهود أمرًا لا سبيل إلى مقاومته، قوًى انفعاليةٌ غامضة كثيرة كلما زادت قوتها تَعذَّر التعبير عنها في كلمات، بالإضافة إلى شعور واضح بالذاتية الداخلية، الخلوة الآمنة لتركيبٍ عقليٍّ مشترك، ثم بعد هذا كله كان إدراكي أنني مَدِين بالفضل لطبيعتي اليهودية؛ فيما أملك من صفتين مميزتين، لم يكن في وسعي الغناء عنهما خلال حياتي الشاقة؛ فلأني يهودي وجدت نفسي خِلْوًا من التحيزات؛ التي أضلت غيري دون استخدام ملكاتهم الذهنية، وكيهودي كنت مستعدًّا للانضمام إلى المعارضة، وللتصرف دون موافقة الأغلبية الساحقة، وهكذا وجدت نفسي واحدًا منكم، أقوم بدوري في اهتماماتكم الإنسانية والقومية، واكتسبت أصدقاء من بينكم، وحثثْتُ الأصدقاء القليلين الذين تبقوا على الانضمام إليكم".
وكان يغازل الصهيونية في تباهيه بما يُسمَّى "الشعب اليهودي"، ويعرف تيودور هرتزل، ويوليه الاحترام، ويشير إليه باعتباره "الشاعر والمحارب من أجل حقوق شعبنا"، وأرسل إليه أحد كتبه؛ مع عبارة "إهداء شخصي" عليه، وأحد أبناء فرويد عضو في جماعة "قديما" الصهيونية، كما كان هو نفسه عضوًا فخريًّا بها.
ويُشير الدكتور قدري حفني إلى ما يسميه "التنظيم الصهيوني الفرويدي"، فقد نشر فرويد عام 1914 كتيبًا بعنوان "تاريخ حركة التحليل النفسي"، أشار فيه إلى تشكيل الرابطة الدولية للتحليل النفسي عام 1902 "إزاء العداء المتزايد الذي كان يُواجَه به "التحليل النفسي" في ألمانيا، صمَّمتُ مشروعًا يرمي إلى تزويد حركة التحليل النفسي بتنظيم"، وهو تنظيم سري من تلاميذه اليهود فقط، يرمي إلى إحياء نظرياته والدفاع عنها بعد موته، لكأنه أحس ضعفها، وأن بريقها لن يدوم، وأعضاؤه الكثيرُ منهم صهاينةٌ، يَعرفون بعضهم بخاتم وَزَّع مثلَه فرويد على الخمس المؤسسين للتنظيم بادئَ الأمر، فصار شعارًا لهم.
وكون المؤسسين والرُّوَّادِ الأوائل لـ "التحليل النفسي" من أعضاء الجماعات اليهودية؛ طرَح إشكال علاقة "نظرية التحليل النفسي" و"الأصل اليهودي"، رغم أن فرويد وأتباعَه كانوا من "اليهود المندمجين"، والمتهاونين بممارسة الشعائر والتقاليد الدينية اليهودية، بل يسخرون من اليهود غير المندمجين، غير أن ذاك لا ينفي تأثير الثقافة اليهودية في فكرهم، فرغم رفضهم العقلي لليهودية دينيًّا؛ واندماجهم في بيئتهم الثقافية والاجتماعية؛ إلا أن تكوينهم الثقافي والاجتماعي اليهودي الخاص؛ كان له تأثير بيِّن على كل فرد منهم، يتفاوت من حالة إلى أخرى.
وفي محاولة تفسير وجود عدد كبير من أعضاء الجماعات اليهودية، كمؤسسين لعلم النفس، والتحليل النفسي، وكممارسين له - يُورِد عبد الوهاب المسيري هذه الأسبابَ كمحاولة مبدئية[8] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn8):
1– يُلاحَظ أن أعضاء "الجماعات الوظيفية" يوجدون في المجتمع وليسوا منه، وهو ما يطوِّر عندهم الحاسةَ النقدية، ولعدم تجذرهم في المجتمع، يهتمون بالنماذج الهامشية والمرضية، وتصبح عندهم مقدرةٌ غير عادية على فهمها والتعامل معها، ولهم الكفاءة في التعامل مع الآخر؛ باعتباره مجرد حالة، باطنه مثل ظاهره، لا حرمة له ولا قداسة.
2– أعضاء الجماعة الوظيفية يتبنون رؤيةً حلوليةً للواقع؛ تضعهم داخل دائرة القداسة وتضع الآخر خارجها، ويُلاحَظ أن النموذج الحلولي يدور دائمًا حول الجنس والأرض، وهذا ما حدث في القبالاه، التي وُصفت بأنها تجنيس للإله وتأليه للجنس.
3- لاحظ بعض الدارسين أن ثمة تشابهًا بين مناهج التفسير في اليهودية، ومناهج التفسير في علم النفس، فالمفسرون اليهود كانوا يدورون في إطار الشريعة الشفوية، وهو مفهوم حلولي يساوي بين الوحي الإلهي (المكتوب)؛ والاجتهاد البشري (الشفهي)، بل ويجعل الاجتهاد الشفوي أكثرَ أهميةً وفعاليةً من النص المقدَّس.
وقد اعتمد التحليل النفسي أيضًا على المفسر الوسيط؛ الذي يُحلل النص ليكتشف وراءه المعنى الباطني؛ الذي يشبه التوراة الشفوية أو حتى توراة الفيض.
نقد منهج فرويد[9] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn9):
1- إن آراء فرويد هي - أولاً وقبل كل شيء - نظريات افتراضية، وليست من الحقائق النفسية، أو المبادئ العلمية التي أثبتتْها التجارب، أو صدَّقتها الملاحظة العلمية، فليس لآِراء فرويد تلك الهالةُ التي يحاول بعضُ مناصريها أن يُلبسوها ثوب الحقائق العلمية، أو كما تحاول بعض الجهات العالمية أن تحيطها بالدعاية.
2- تعتبر هذه النظرية امتدادًا لفلسفةٍ أفلاطونية، إلا أن أفلاطون كان يحاول أن يسير بالنفس الإنسانية نحو المثالية، أما فرويد فقد تشبَّث - كما يقول تلامذته - بالدافع الجنسي؛ ليظل هو الدافعَ والوسيلة والغاية.
3- لقد تأثر فرويد في آرائه بالحالات الشاذة المرضية التي كان يعالجها، ويكمن الخطأُ العلميُّ في التعميم الذي أطلقه؛ إذ أخَذ يفسِّر السلوك المتزن العادي لدى الأسوياء في ضوء ما عاينه من السلوك الشاذِّ لدى المصابين، وهذه نقطة أخَذها عليه زملاؤه وتلامذته في العلاج النفسي، وانفصلوا بها عن جماعته، ثم عارضوا نظريته بنظريات أخرى.
4- تأثره واضح بالأساطير اليونانية، كقصة أديبوس، يعلق عليها البروفسور روبرت ودورث بقوله: "ولو بحثتُ عن رأيي الشخصي في سيكولوجيا فرويد، لكان علي أن أقول: إنني لا أؤمن بأن يكون مذهبه صحيحًا بأي معنى مطْلَق، ولا أن يوضع في مصاف النظريات العلمية الكبرى، التي تربط المعرفة الراهنة، فإنها بكائناتها وثناياها تبدو متخلِّفةً، أكثرَ منها ناظرةً إلى الأمام".
وإذا علمنا أن البروفسور ودورث يعتبر من رواد علم النفس الحديث - فيما بعد الحرب العالمية الأولى - في كتبه الكثيرة عن علم النفس التجريبِي، وعلم النفس الديناميكي، ورياسته لعلم النفس في لجنة البحث القومي الأمريكي، ولهيئة علماء النفس الأمريكيين - إذا علمنا ذلك أدركنا أن آراء فرويد تُمثِّل - في تطور الدراسات النفسية - مرحلةً بدائيةً متخلفةً لا ينبغي الوقوف عندها في مجال علم النفس الحديث.
5- إن نظرية فرويد تعكس الحياة المتناقضة الشاذة للمجتمع الغربي (الأوروبي) بعد النهضة الصناعية المادية، وانتشار الاختلاط والإباحية، فكانت نظرية فرويد انعكاسًا أو تبريرًا للواقع الشاذ، وليست دراسةً علميةً دقيقةً تنظر إلى المشكلة من جميع أسسها، فبعد دخول اليهودية الحاخامية مرحلةَ الأزْمة، وهيمنة المنظومة القبالية الحلولية على الحسيدية، تحولوا من جماعة متماسكة إثنيًّا ودينيًّا إلى جماعة مُفكَّكة، فكانت عند يهود المجر واحدةٌ من أعلى نسب الأطفال غير الشرعيين، أما الجماعة اليهودية في جاليشيا - التي أتى منها والِدَا فرويد - فكانت تُعدُّ من أكبر مصادر البغايا في العالم، كما سادت فيها أكبر نسبة تكاثر بين اليهود، ولذا كان يُقال لها باللاتينية: "فاجينا جودايوروم"؛ أي: "فرج اليهود".
ففي الفترة بين عامي 1880 و1930، عمل عدد كبير من اليهود في تجارة الرقيق الأبيض قوَّادين وعاهرات، وأصبحت جاليشيا أهم مصدر للعاهرات في العالم بأسره، وقد أصبح البغاء جزءًا من حياة قطاعات بعض يهود اليديشية، حتى صار عملاً محايدًا، مجرد نشاط اقتصادي ومصدر للرزق.
وقد زاد عدد البغايا اليهوديات بشكل واضح في النمسا؛ حيث زاد عدد اليهود في فيينَّا من بضعة آلاف في منتصف القرن التاسع عشر، إلى مائة وخمسين ألفًا مع نهايته، وحيث زادت معدلات العلمنة بشكل واضح، وتفشَّتْ "قيم اللذة"، وفرويد ابن عصره وولَدُ محيطِه العَفِن.
6- والخطأ العلمي النفسي الكبير: أن نظرية فرويد تحاول تفسير السلوك الإنساني بنظرة جانبية جزئية، وذلك حين يحاول فرويد أن يحدد السلوك الإنساني بدافع جنسي، وقام لمناهضة هذا التفسير الجانبي عدةُ علماء كوليم مكدوجل في كتابه "تخطيط علم النفس" سنة (1923م).
واختلف أدلر (1870 ـ 1937) مع فرويد حول مدى أهمية الغريزة الجنسية في تكوين الأمراض العصبية، وأطلق أدلر على نظريته الجديدة "علم النفس الفردي".
7- كثير من المصطلحات التي يستخدمها فرويد: إما عامة إلى درجة كبيرة (اللبيدو)، أو خاصة إلى درجة كبيرة (مركب أوديب)، أو غامض إلى أقصى حد (ثناتوس)، أو متناقضة (إيروس وثناتوس).
هذه المصطلحات تعبِّر عن مفاهيمَ ومقولاتٍ مِن الصعب اختبارها، وإن كان هناك من المفاهيم الفرويدية ما تم اختباره، أثبَت مقدرته التفسيرية، وثمة مفاهيمُ لم يستطع فرويد أن يحدِّدَ موقفه منها تمامًا، فهي تتسم بالإبهام الشديد، ولعل هذا الإبهام هو الذي أدى بفرويد إلى التركيز على "الشخصيات غير السوية"، فالجنس بالنسبة لفرويد هو اللوجوس (الركيزة النهائية)، والإشباع الجنسي هو التيلوس (الهدف النهائي).
ولكنه في الوقت نفسه كان يرى أن الحضارة مبنية على القمع والإعلاء، وهكذا تصطدم الحتمية اللبيدية بالحقيقة الإنسانية الحضارية، فيظهر موضوع "مأساة الحضارة".
ولذا؛ كان لا بدَّ أن يجد فرويد مخرجًا، ومن هنا كان التركيز على الشخصيات غير السوية، فهذه الشخصيات تعبير عن هيمنة "اللاشعور" و"الهو" و"قوانين الطبيعة - المادة"، على عكس الشخصيات السوية التي تؤكد مجموعةً من القيم الاجتماعية والأخلاقية؛ التي تؤكد حريةَ الإرادة ومقدرةَ الإنسان على التجاوز، والتي تتناقض مع النموذج المادي الفرويدي.
8- بَنَى فرويد أداءه على أساس نظريات إثنولوجية لم تتأكد صحتها، فقد كان يتلقف أية نظرية إثنولوجية يتراءى له أنها تتلاءم وأغراضَه، رغم أنها أصبحت موضع استهجان من قبَل علماء الإثنولوجيا، بل قعَّد نظرياتٍ جعلها علميةً على أحلام رآها وأساطيرَ يونانية.
9- لم يشرح فرويد قطُّ طريقةَ استخلاصه للنتائج من البيانات التي جمعها، وتبيَّن أنَّ طريقته في جمع البيانات غير منهجية وغير مضبوطة[10] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftn10)، فهو لم يسجل كلام المرضى مباشرةً؛ بل كان يدونه بعد الجلسات العلاجية، الأمر الذي يثير إمكانية أنه كان يعيد تفسيرها؛ وهو يسجلها في وقت لاحق، كما أنه لم يحاول أن يتأكد من صحة أقوال مرضاه، وكان ينام أحيانًا أثناء مقابلاته مع مرضاه، كما كان يكتب بعض خطاباته أثناء الجلسات العلاجية، بل من الأدلة ما يشير إلى أنه كان يزيف المعلومات أحيانًا.
10- كان فرويد يلوي عنق الحقائق، فمريضته الشهيرة دورا - على سبيل المثال – قالت: إن أحد أصدقاء أسرتها تحرش بها جنسيًّا، فكتب فرويد أنها تَقْمَع ذكرياتِ الطفولة عن ممارسة العادة السرية، بل وتَكْبِتُ رغبتَها في أن يتمَّ التحرشُ بها جنسيًّا، وحينما كانت دورا ترفض ادعاءاتِه، كان يخبرها أنَّ رفضها يعني القبول؛ لأنها مقاومة لا شعورية.
فقد كان فرويد يرفض أيةَ إجابة لا تتفق مع وجهة نظره؛ طالما استقر رأيه على شيء، وكان يستخدم كلَّ ذكائه وكل قدرته على الإقناع؛ لإجبار مريضه على التصريح بصحة رأيه.
11- نطاق البيانات التي جمعها فرويد كان ضيقًا للغاية، فقد استند أساسًا إلى بعض المشاهدات التي كان مجتمع فيينا - الفاسد أخلاقيًّا - يزخر بها، وانتماؤه اليهودي ساهم في تضييق نطاق هذه البيانات، وخبراته الشخصية كانت محدودةً إلى حد كبير، ورغم كل هذا؛ جعل فرويد من تلك المشاهدات أساسًا لنظرية عامة في الشخصية، تُطبَّق على الناس جميعًا؛ أيًّا كان الوضع الحضاري الذي يعيشون فيه، فتعميمات فرويد مأخوذة من مجتمع فيينا في القرن التاسع عشر، بكل ما فيه من سمات التشدد والتَّزَمُّت الجنسي العلَنِي، والانحلال والتفسخ الجنسي السري، وهو ما جعل كثيرًا من الاضطرابات تأخذ شكلاً جنسيًّا.
12- يتبنَّى فرويد نموذجًا ذكَريًا واضحًا في التحليل؛ يتحوَّل فيه القضيب ليصبح الركيزة الأساسية للبناء الفوقي، فنجد أن الطفل يعاني من خوف الخصاء، والمرأة تعاني من حسد القضيب، وهذا الموقف من المرأة هو امتداد لرؤية الفكر اليوناني للمرأة والجنس.
13- يستخدم فرويد مجموعة من الأساطير اليونانية كصور مجازية؛ يكتشف من خلالها النفس البشرية، ولا شك في أن هذا حدَّ من مجاله، ولعله لو استخدم أساطير أخرى وصورًا مجازيةً أخرى لاختلف نطاق الملاحظة واختلفت الشواهد، ومن ثَم اختلفت النتائج.
وقد أشار عديد من علماء الأنثروبولوجيا إلى وجود العديد من المجتمعات؛ يؤدي تطورُها التاريخي وطرق تنشئتها لأطفالها إلى تكوين شخصيات مختلفة تمامًا عن افتراضات فرويد.
ـــــــــــــــــ
[1] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref1) يشير تعبير "التحليل النفسي" إلى أمور ثلاثة مجتمعة، طريقة التحليل النفسي في الاستقصاء، وإلى تقنيته في العلاج، وإلى النظريات التي نشأت بالاتصال الوثيق معهما، وعُرفت فيما بعد بالفرويدية.
- نظريات في علم النفس: كمال بكداش. ص5.
[2] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref2) موسوعة اليهود و اليهودية و الصهيونية: عبد الوهاب المسيري. ج 8، ص 284.
[3] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref3) الحركة الحسيدية: بالعبرية "حسيدوت" وهو مصطلح مشتق من الكلمة العبرية "حسيد"، أي "تقي"، يُستخدَم في العصر الحديث للدلالة على الحركة الدينية الصوفية الحلولية التي أسسها وتزعَّمَها بعل شيم طوف، في جنوب بولندا وقرى أوكرانيا في القرن الثامن عشر، وقد انتشرت الحسيدية في بادئ الأمر في القرى بين أصحاب الحانات والتجار والريفيين والوكلاء الزراعيين، ثم انتشرت في المدن الكبيرة حتى أصبحت عقيدةَ أغلبيةِ الجماهير اليهودية في شرق أوربا بحلول عام 1815.
[4] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref4) التساديك هو القائد الذي يحل فيه الإله، وعادةً ما يتم توارث الحلول، بين أفراد العائلة.
[5] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref5) مهمة فرويد؛ تحليل لشخصيه وتأثيره: أريك فروم.ص63.
[6] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref6) Hanns Sachs: Freud Master and Friend. P14.
[7] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref7) وهو أمر كان شائعاً بين اليهود آنذاك، بل من المعروف أن بعض أقارب فرويد قد تَنصَّروا.
[8] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref8) موسوعة اليهود و اليهودية و الصهيونية: عبد الوهاب المسيري. ج8، ص(277-280).
[9] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref9) صراع مع الملاحدة حتى العظم: ج1، ص (169، 170).
[10] (http://forum.qalamoun.com/newthread.php?do=newthread&f=38#_ftnref10) ذا ما بينه تلاميذه ومرضاه فيما بعد، وكتب في سيره.