أحمد عامر الظنط
29-05-2010, 01:35 PM
الحمدلله وصلّى الله على رسول الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه.
وبعدُ فإنّ القرءان الكريم كلام الله، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإليه المرجع في العلم اليقينيّ القطعيّ.
قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ منْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [2[فهو كتاب لا يتطرّق إليه باطل فينبغي أنْ يُعَزَّ ويُجَلَّ وأنْ لا يُلغى فيه، فلا يكذِّبه شيء مِن قبل ولا بعد، لا يأتيه التّكذيبُ فيما أخبرَ عمّا مضى ولا فيما أخبرَ عمّا يكون.
واللغوُ [3]: "ما لا يُعتدّ به من كلام وغيره ولا يُحصَل منه على فائدة ولا نفع".
وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [4] فالقرءان الكريم محفوظ مِن أنْ يناله سوء، ومحفوظ مِن التّغيير والتّبديل والزّيادة والنّقصان.
وهنا تنبيه: العلم هو معرفة الشّيء على ما هو عليه فإنّ كلّ ما خالف القرءان لا يسمّى علما، وإنّ من اللغو أنْ يُحمَل القرءان على ما لم تأتِ به النّصوص من فرضيّات غير أكيدة إذ لو كشف البعض عن نظريّات غيرها لزعم الّذين يريدون بالإسلام شرًّا أنّ القرءان غير صحيح، والعياذ بالله تعالى، فليحذر الإنسان من ذلك جهده على كلّ حال.
ثمّ إنّهم يقسِّمون المعلومات:
أ) إلى حقائقَ علميّةٍ لا شكَّ فيها.
ب) وإلى نظريّاتٍ تقبل –مِن حيث أصلها- أنْ تصدق أو تكذب.
- فأمّا الحقيقة العلميّة فنهائيّة لا يتغيّر قول العلم فيها بتغيّر الزّمان وأهله، بل هي ثابتة ثبوتًا يقينيًّا تامّا، لا شكّ فيه.
- أما النظريّة فمؤقّتة ظنيّة معرَّضة للنّقضِ وتغيّرِ القولِ فيها، ويقع تحتها الكثير من أقوال العصريّين في أبواب العلم.
فكلّ ما نصّ عليه القرءان الكريم نصّا صريحا يندرج تحت مسمّى "الحقيقة العلميّة"، ولذلك فهو مقدَّم على ما يُسمّى بالنظريّات لأنّ الأخيرة ظنيّة وليست يقينيّة وذلك بإقرار أهل العلم من أهل الشّريعة، بل بإقرار أصحاب هذه النظريّات من أهل الدنيا.
فإنّ تعريف النظريّة عند الكيمائيّين والفيزيائيّين والبيولوجيّين ونحوهم أنّها: مجموعة "قوانين" استخلصوها و"القانون" عندهم مجموعة "فرضيّات"، و"الفرضيّة" هي شيء غير أكيد.
يقول "إميل جبر ضومط" ما نصّه [5]: "أما النظريّات فهي افتراضات غير قابلة للإثبات النّهائي بالاختبار العمليّ" اهـ.
ثم إنّ بعض المنتسبين –زورًا- إلى العلم أخذوا بالنظريّات العصريّة من غير تمييز، وحاولوا أنْ يطابقوها مع نصوص ءايات القرءان حتى يكتسبوا انتباه النّاس إليهم دون أنْ يتحرّوا ما ثبت من تفسير السّلف الصّالح لها، بل راحوا يفسِّرون القرءان بحسب أهوائهم فضلُّوا وأضلُّوا، وهم يزعمون أنهم إنّما أرادوا نصرة القرءان ومناصرته!.
1- ومن النظريّات ما يُسمّى بـ: "نظريّة انفجار الكون الأعظم" المشهورة بـ"نظريّة الانفجار الكبير" وهي نظريّة فاسدة تقول: "إنّ الأرض كوكب كسائر الكواكب" اهـ.
2- وتقول هذه النظريّة الفاسدة: "إنّ مجرّات هذا الكون هي في حالة ابتعاد -بعضها عن بعض- بشكل دائم، أو -بعبارة أخرى- فإنّ الكون بحالة توسُّع دائم منذ اللحظة الأولى لولادته" اهـ.
3- وتقول هذه النظريّة الفاسدة: "إنّ العالَمَ وُجِدَ صدفةً" اهـ.
4- وتقول هذه النظريّة الفاسدة: "إنّ الكون كان عبارة عن مادّة واحدة مضغوطة انفجرت انفجارًا كبيرا وطاقةً هائلة أُطلق عليها اسم Big-bang فأخذت الجزئيّات الأولى تتجمّع بشكل إلكترونات وبروتونات، ثم ظهر غاز الهيدروجين وغاز الهيليوم، فحدث الكونُ –كما تزعم نظريّتهم- من مقتضى ما تجمّع من هذين الغازين" اهـ.
5- وتقول هذه النظريّة الفاسدة: "ثم أخذت هذه الغازات السّاخنة تتجمّع وتتكاثف بفعل الجاذبيّة مشكِّلة ما يشبه "الدّخان" فظهر منه النّجوم والكواكب والأرض ونظامنا الشّمسي" اهـ.
وهذا الكلام باطل من وجوه سنبيّنها فيما يلي ونردّها بإيراد النّصوص الشّرعيّة من الكتاب والسُّنَّة ببيان أهل التّفسير المعتبرين وأقوال اللغويّين الأعلام.
1- في الرّدّ على ادّعائهم بأنّ الأرض كوكب:
يدّعي أولئك العصريّون أنّهم حريصون على مناصرة القرءان العربي، ولكنّ تقليدهم الأعمى جعلهم يستعملون المصطلحات الغربيّة في كثير ممّا لا يسعهم استعماله مما قد يخالف الشّرع واللغة العربيّة، فسَمّوا الأرضَ كوكبًا بسبب ما يبدو جهلا عندهم بالاستعمالات اللغويّة، فالكوكب هو النّجم من النّجوم، وقد ذُكرت الأرض في القرءان مستقلّة عن النّجوم وعن السّماء فهذه أمور متغايرة ليست من جنس واحد، فالأرض ليست نجما، وبالتالي فهي ليست كوكبا لأنّ "الكَوْكَبُ والكَوْكَبةُ: النَّجْم" [6]، و"الكوكب النّجم" [7[.
2- في الرّدّ على ادّعائهم بأنّ الكون في حالة توسّع مستمر:
ثمّ إنّ أولئك العصريّين تلقّفوا هذه النظريّة الفاسدة المسماة [Big-bang] وأرادوا مطابقتها مع القرءان الكريم فقالوا إنّ القرءان الكريم أتى بهذه النظريّة منذ مئات السّنين محتجّين بآيات من القرءان فسّروها على غير الوجه الصّحيح دون أنْ يعبأوا بتفسير الصّحابة والتّابعين لها، وحاولوا الاستدلال في هذا المقام بالآية التالية:
قال تعالى: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [8].{
فنقول: "ومعنى { بأييْد} أي بقوة وقدرة"، و"{ وإنا لموسعون} أي أغنياء قادرون" [9]، و"قيل: جعلنا بينهما وبين الأرض سعة" اهـ [9]، ولكن ليس في أيٍّ من التّفاسير المنقولة في كتب العلماء أنّ المعنى أنّ الأرض في اتّساع دائم كما زعم بعض العصريّين.
فمَن زعم أنّ الكون في اتّساع دائم فقد حرّف الآية وخالف كلّ التّفاسير المنقولة فيها من غير تحقيق وبغير مستند حقيقي، ثمّ إنْ كان مراد أولئك العصريّين أنّ المجرّات لا حدود تنتهي إليها فهي مخالفة أعظم للشّريعة إذ كلّ مخلوق محدود، وهذا مُجمع عليه معلوم من الدّين بالضرورة يشترك في معرفته العالِم والجاهل من المسلمين.
3- في الرّدّ على ادّعائهم بأنّ العالَم وُجِدَ صدفة:
ويكفي في الرّدّ على ادّعاء العصريّين هذا أنْ نورد قوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [10] فكلّ ما دخل في الوجود فهو بخلق الله تبارك وتعالى لم يخلقْه أحد سوى الله.
أمّا الأدلّة العقليّة على أنّ الله هو خالق كلّ شيء فكثيرة منها:
- أنّ وجود هذا العالَم دليل على وجود الله، لأنّه لا يصحّ في العقل وجودُ فعلٍ ما بدون فاعلٍ كما لا يصحّ وجودُ ضربٍ بلا ضاربٍ، وكما لا يصحّ وجود نسخ وكتابة بلا ناسخ وكاتب.
- ولا يصحّ كون ذلك الخالق الطبيعة لأنّ الطبيعة لا إرادة لها فكيف تخلق!؟ وكيف تخصِّصُ المعدومَ بالوجودِ بدلَ العدمِ ثمَّ كيف تخصِّصُه بحالة دون حالة؟
- وكذلك لا يصحّ في العقل أنْ يكون الشّيءُ خالقَ نفسه لأنّ في ذلك جمعًا بين متنافِيَيْن: لأنّك إذا قلتَ: "خلقَ زيدٌ نفسَه" جعلتَ زيدًا قبل نفسِه، باعتبارٍ، ومتأخِّرا عن نفسه باعتبار ءاخر.
أ) فباعتبار خالقيَّته جعلتَه متقدِّما.
ب) وباعتبار مخلوقيَّتِه جعلتَه متأخِرا.
وذلك محال عقلا.
- وكذلك لا يصحّ في العقل أنْ يخلق الشّيء مثله أي مشابها له لأنّ أحد المِثْلَيْنِ ليس أولى بأنْ يخلق مثله من الآخَرِ، فالأبُ والابنُ لا يصحّ أنْ يخلق أحدُهما الآخر، لأنّ كلاًّ منهما كان معدومًا ثم وُجِدَ، فمَن فكّر بعقله علِمَ أنّه كان بعد أنْ لم يكن، وما كان بعد أنْ لم يكنْ فلا بدّ له مِن مكوِّنٍ أي مُحدِثٍ من العدم خلقه وخصَّصَه بالوجود.
4- في الرّدّ على ادّعائهم بأنّ العالَم تولّد من انفجار مادّة واحدة مضغوطة:
واستعمل أولئك العصريّون في هذا المقام الآية التالية:
قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} [11[.
ففي تفسير الآية الأولى:
أ) قال بعض أهل التّفسير: "إنّ السّماوات كانت رتقا لا تمطر، والأرض كانت رتقا لا تنبت، ففتق السّماء بالمطر، والأرض بالنّبات" [12[.
ب) وقال بعضهم: "كانتا ملتصقتين، فرفع السّماء ووضع الأرض" [13[.
ت) وقال بعضهم: "كانت السّماوات مؤتلفة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع سماوات، وكذلك الأرضين كانت مرتتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبعا" [14[.
والفَتْقُ: "خلاف الرَّتْق" [15]، و"أَصله الشَّقُّ والفتح" [15[، و"الفَتْقُ: الموضع الذي لم يمطر" [15]، و"الفَتْق انفلاق الصُّبح" [15[.
أما التصاق السّماء بالأرض –على القول الثاني أعلاه- فلا يعني أنّهما كانتا شيئا واحدا، بل يقول التّفسير إنّ السّماء والأرض كانتا شيئين مختلفين متّصلين فانفصلا.
أمّا ما قاله المخالفون العصريّون في تفسير الآية فبعيد ومردود، إذ قولهم يقتضي أنّ السّماء والأرض وسائر العالَمِ كلّ ذلك عندهم كان شيئا واحدا انفجر فانقسم إلى أشياء كثيرة جدا.
ثم إنّ أولئك العصريّين لا يُثبتون للسّماء وجودًا إنّما السّماء عندهم هي هذا الفضاء الذي يزعمون أنّه يهوي وكواكب متعدِّدة من شمس وقمر وزحل ومرّيخ وما إلى ذلك، أمّا السّماء التي هي غير الكواكب فلا يعترفون بها، وأهل الشّرع مجمعون على أنّ السّماء غير الكواكب.
فأولئك السّاعون لكسب انتباه النّاس يجعلون القرءان موافقا لنظريّة الفلكيّين العصريّين، أرادوا بذلك أنْ يكسبوا سمعةً وشهرة في النّاس حتى يُقبل النّاس إليهم، فتراهم يتلوّنون:
- إذا خاطبوا طائفةً من الّذين معتقدهم جهة فوق في حقّ الله –والعياذ بالله من الضّلال المفضي إلى الكفر-: لا يُظهرون لهم هذه النّظريّة، لا يتجرّأون على إظهار متابعتهم للعصريّين في هذه النّظريّات وإلا لكفّرتهم هذه الطّائفة لأنّ زعيمها -قبل موته- ألّف كتابا قال فيه: "إنّ مَن قال إنّ الأرض كرويّة كافرٌ".
- وإذا خاطبوا طائفةً أخرى من النّاس يُظهرون لهم شيئا ءاخر.
ثم أولئك التّائهون كيف غفلوا عن جعلهم القرءانَ عُرْضَةً للنّقضِ كما أنّ النّظريّات عُرْضَةٌ للنّقض في اعتقاد العصريّين أنفسهم؟ كيف يجعلون النّظريّة في هذا المقام وهم يعلمون أنّها لا ترقى لمقام الحقيقة العلميّة التي لا يتغيّر القول فيها عبر الزمان.
ومن جملة نظريّاتهم التي رجعوا عن القول بها: قولهم السّابق: "إنّ الشّمس واقفةٌ في الفراغ لا حركة لها مطلقا"، ثمّ رأَوْا نظريّة مخالِفة لها وهي قولهم: "إنّ لها حركة حول نفسها وحول شيء ءاخر ضمن مجرّة أخرى".
فإذا نَقَضَتْ نظريّةٌ أخرى نظريّةَ Big Bang يقولون إنّ القرءان أتى بخلاف الواقع! وبذلك يصل أعداء الدّين إلى مبتغاهم، وهو: تكذيب القرءان لضرب الإسلام، فما بال أولئك الّذين يردُّون النّصّ القرءانيّ لموافقة نظريّة غير قطعيّة عند قائليها؟ أيجعلون القرءان تابعا لغيره وهو الجدير بأن يكون متبوعا؟
5- في الرّدّ على ادّعائهم بأنّ الدّخان هو المادّة الأولى التي تولّد الكون منها:
واستعمل أولئك العصريّون في هذا المقام الآية التالية:
قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [16].
قال النسفيّ [17] في بيان معنى قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} [16] ما نصّه: "هو مجاز عن إيجاد الله تعالى السماء على ما أراد" اهـ، فلا يتوهمنَّ متوهِّم أنّ معنى الاستواء كما هو معناه في حقِّ المخلوق، و"ثمّ" هنا بمعنى "الواو" كما قال المفسّرون كالقرطبيّ والنّسفيّ وغيرهما، ولمزيد بيان فقد أفردنا في ءاخر هذا التحقيق فصلا في بيان بعض معاني الاستواء.
فنقول إنّ في قول العصريّين: "المادة الأولى" إنكارٌ لما ثبتَ في القرءان والحديث الصّحيح الذي لا خلاف في ثبوته.
- أمّا مخالفتهم للقرءان، فمخالفتهم لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} [18] فإذا كان كلّ شيء حيٍّ أصلُه الماءُ فمن باب أولى أنْ يكون الجماد أصله خُلِقَ من ماء، وذلك لأنّ الحيَّ -في مقتضى أصله- أشرفُ من الجماد.
- وأمّا مخالفتهم للحديث:
أ) فمخالفتهم لِمَا رواه ابن حبّان وابن ماجه من حديث أبي هريرة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "كل شيء خُلِقَ من ماء"، ولفظ ابن حبّان أنّ أبا هريرة قال: قلتُ يا رسولَ الله إنّي إذا رأيتُك طابت نفسي وقرّت عيني فأنبئني عن كلّ شيء، قال: "إنّ اللهَ تعالى خَلَقَ كلّ شيء من الماء"، وفي لفظ: "كلّ شيء خُلِقَ من ماء".
ب) ومخالفتهم لِمَا رَوى السُّدّيُّ بأسانيد متعدِّدة عن جماعة من الصّحابة أنّ رسولَ اللهِ قال: "إنّ اللهَ لم يخلقْ شيئا ممّا خلق قبل الماء"، فيتبيّن بذلك أنّ الماء هو أصل جميع المخلوقات وهو أوّل الخلق فمِنَ الماءِ خَلَقَ اللهُ العالَمَ.
- أما قول العصريّين: "السّموات والأرض" فقد شمل السّموات والأرض بأنّ المادّة الأولى التي خلقتا منها هي الدّخان علمًا بأنّه كما يُفهَمُ من ظاهر الآية: {وهي دخان} فإنّ {هي} متعلِّقة بذكر السّماء، ثم في الآية: {فقال لها وللأرض}، فليس في ذلك أنّ الأرض كانت دخانا، فكيف يحرِّف أولئك العصريّون هذه الآيةَ لكي توافق أهواءهم!؟
- ثم أين هم ممّا قاله العلماء المعتبرون –كالنسفي- [19] في تفسير هذه الآية: "ويفهم منه أنّ خلق السّماء كان بعد خلق الأرض وبه قال ابن عباس رضى الله عنهما" اهـ.
أمّا لو قالوا إنّ السّماء في أحد مراحل خلقها كانت دخانا فهذا لا مانع منه شرعًا وهو ظاهر الآية وهذا الدّخان أصله الماء فيكون الماء هو أصل السّماء وليس كما قال بأنّ المادّة الأولى التي خرجت منها السّموات والأرض كانت دخانا، وكأنّه غاب عن أولئك العصريّين التّائهين أنّ أصحاب هذه النّظريّة الفاسدة ينكرون السّماء أصلاً فهم لا يُثبتون وجودَها.
فأولئك العصريّون يزعمون أنّ هذا الأزرق الذي نراه فوقنا إنْ هو إلا تكثُّفات للطَّبقات الجويَّة
وليست جسمًا صلبًا وهذا مخالف للقرءان وللحديث، فهل يقبل مسلم بأنْ يُنْكَرَ وجود السّماء!، ثمّ أليس من ينكر وجود السّماء –اليوم- قد يقدم على إنكار وجود الجنّة والنّار –غدا- فيوافقهم بعض عوام المسلمين فيهلكوا!؟
فصل في بيان بعض معاني الاستواء:
# حُذف لأنه خارج عن الموضوع #
خاتمة:
لقد أراد أولئك العصريّون أنْ يجذبوا انتباه النّاس إليهم فاتّبعوا النظريّات العصريّة المتأرجحة بين الشّكّ والظّنّ وجعلوا القرءان ذا العلم القطعيِّ تابعا، وهو الأحقّ بأنْ يُتّبع.
انتهت الرسالة [30].
ـــــــــــــــــــــــــ
الهامش:
[1]: صاحب نظريّة الانفجار الكبير أو [big-bang-theory] اسمه "جورجيس ليميتري" وهو قسّ كاثوليكيّ فيزيائيّ بلجيكيّ.
[2]: [فصلت/41-42].
[3]: لسان العرب.
[4]: [الحجر/9].
[5]: كتاب [مرشد المعلّمين في أصول تدريس العلوم] الجزء 1، ص100، من منشورات دائرة التربية في الجامعة الأميركية.
[6]: لسان العرب.
[7]: القاموس المحيط.
[8]: [الذاريات/47].
[9]: الجامع لأحكام القرءان.
[10]: [الفرقان/2].
[11]: [الأنبياء/30].
[12]: الجامع لأحكام القرءان.
[13]: جامع البيان عن تأويل ءاي القرءان.
[14]: الجامع لأحكام القرءان.
[15]: لسان العرب.
[16]: [فصلت/11].
[17]: مدارك التنزيل وحقائق التأويل.
[18]: [الأنبياء/30].
[19]: مدارك التنزيل وحقائق التأويل.
[20]: لسان العرب.
[21]: [الأنعام/18].
[22]: مدارك التنزيل وحقائق التأويل.
[23]: [الشّورى/11].
[24]: [فصلت/11].
[25]: الجامع لأحكام القرءان.
[26]: والبيت لأبي نواس.
[27]: [الحديد/4].
[28]: [طه/5].
[29]: مدارك التنزيل وحقائق التأويل.
[30]: فريق التحرير في موقع شبكة مسلمون.
وبعدُ فإنّ القرءان الكريم كلام الله، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإليه المرجع في العلم اليقينيّ القطعيّ.
قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ منْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [2[فهو كتاب لا يتطرّق إليه باطل فينبغي أنْ يُعَزَّ ويُجَلَّ وأنْ لا يُلغى فيه، فلا يكذِّبه شيء مِن قبل ولا بعد، لا يأتيه التّكذيبُ فيما أخبرَ عمّا مضى ولا فيما أخبرَ عمّا يكون.
واللغوُ [3]: "ما لا يُعتدّ به من كلام وغيره ولا يُحصَل منه على فائدة ولا نفع".
وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [4] فالقرءان الكريم محفوظ مِن أنْ يناله سوء، ومحفوظ مِن التّغيير والتّبديل والزّيادة والنّقصان.
وهنا تنبيه: العلم هو معرفة الشّيء على ما هو عليه فإنّ كلّ ما خالف القرءان لا يسمّى علما، وإنّ من اللغو أنْ يُحمَل القرءان على ما لم تأتِ به النّصوص من فرضيّات غير أكيدة إذ لو كشف البعض عن نظريّات غيرها لزعم الّذين يريدون بالإسلام شرًّا أنّ القرءان غير صحيح، والعياذ بالله تعالى، فليحذر الإنسان من ذلك جهده على كلّ حال.
ثمّ إنّهم يقسِّمون المعلومات:
أ) إلى حقائقَ علميّةٍ لا شكَّ فيها.
ب) وإلى نظريّاتٍ تقبل –مِن حيث أصلها- أنْ تصدق أو تكذب.
- فأمّا الحقيقة العلميّة فنهائيّة لا يتغيّر قول العلم فيها بتغيّر الزّمان وأهله، بل هي ثابتة ثبوتًا يقينيًّا تامّا، لا شكّ فيه.
- أما النظريّة فمؤقّتة ظنيّة معرَّضة للنّقضِ وتغيّرِ القولِ فيها، ويقع تحتها الكثير من أقوال العصريّين في أبواب العلم.
فكلّ ما نصّ عليه القرءان الكريم نصّا صريحا يندرج تحت مسمّى "الحقيقة العلميّة"، ولذلك فهو مقدَّم على ما يُسمّى بالنظريّات لأنّ الأخيرة ظنيّة وليست يقينيّة وذلك بإقرار أهل العلم من أهل الشّريعة، بل بإقرار أصحاب هذه النظريّات من أهل الدنيا.
فإنّ تعريف النظريّة عند الكيمائيّين والفيزيائيّين والبيولوجيّين ونحوهم أنّها: مجموعة "قوانين" استخلصوها و"القانون" عندهم مجموعة "فرضيّات"، و"الفرضيّة" هي شيء غير أكيد.
يقول "إميل جبر ضومط" ما نصّه [5]: "أما النظريّات فهي افتراضات غير قابلة للإثبات النّهائي بالاختبار العمليّ" اهـ.
ثم إنّ بعض المنتسبين –زورًا- إلى العلم أخذوا بالنظريّات العصريّة من غير تمييز، وحاولوا أنْ يطابقوها مع نصوص ءايات القرءان حتى يكتسبوا انتباه النّاس إليهم دون أنْ يتحرّوا ما ثبت من تفسير السّلف الصّالح لها، بل راحوا يفسِّرون القرءان بحسب أهوائهم فضلُّوا وأضلُّوا، وهم يزعمون أنهم إنّما أرادوا نصرة القرءان ومناصرته!.
1- ومن النظريّات ما يُسمّى بـ: "نظريّة انفجار الكون الأعظم" المشهورة بـ"نظريّة الانفجار الكبير" وهي نظريّة فاسدة تقول: "إنّ الأرض كوكب كسائر الكواكب" اهـ.
2- وتقول هذه النظريّة الفاسدة: "إنّ مجرّات هذا الكون هي في حالة ابتعاد -بعضها عن بعض- بشكل دائم، أو -بعبارة أخرى- فإنّ الكون بحالة توسُّع دائم منذ اللحظة الأولى لولادته" اهـ.
3- وتقول هذه النظريّة الفاسدة: "إنّ العالَمَ وُجِدَ صدفةً" اهـ.
4- وتقول هذه النظريّة الفاسدة: "إنّ الكون كان عبارة عن مادّة واحدة مضغوطة انفجرت انفجارًا كبيرا وطاقةً هائلة أُطلق عليها اسم Big-bang فأخذت الجزئيّات الأولى تتجمّع بشكل إلكترونات وبروتونات، ثم ظهر غاز الهيدروجين وغاز الهيليوم، فحدث الكونُ –كما تزعم نظريّتهم- من مقتضى ما تجمّع من هذين الغازين" اهـ.
5- وتقول هذه النظريّة الفاسدة: "ثم أخذت هذه الغازات السّاخنة تتجمّع وتتكاثف بفعل الجاذبيّة مشكِّلة ما يشبه "الدّخان" فظهر منه النّجوم والكواكب والأرض ونظامنا الشّمسي" اهـ.
وهذا الكلام باطل من وجوه سنبيّنها فيما يلي ونردّها بإيراد النّصوص الشّرعيّة من الكتاب والسُّنَّة ببيان أهل التّفسير المعتبرين وأقوال اللغويّين الأعلام.
1- في الرّدّ على ادّعائهم بأنّ الأرض كوكب:
يدّعي أولئك العصريّون أنّهم حريصون على مناصرة القرءان العربي، ولكنّ تقليدهم الأعمى جعلهم يستعملون المصطلحات الغربيّة في كثير ممّا لا يسعهم استعماله مما قد يخالف الشّرع واللغة العربيّة، فسَمّوا الأرضَ كوكبًا بسبب ما يبدو جهلا عندهم بالاستعمالات اللغويّة، فالكوكب هو النّجم من النّجوم، وقد ذُكرت الأرض في القرءان مستقلّة عن النّجوم وعن السّماء فهذه أمور متغايرة ليست من جنس واحد، فالأرض ليست نجما، وبالتالي فهي ليست كوكبا لأنّ "الكَوْكَبُ والكَوْكَبةُ: النَّجْم" [6]، و"الكوكب النّجم" [7[.
2- في الرّدّ على ادّعائهم بأنّ الكون في حالة توسّع مستمر:
ثمّ إنّ أولئك العصريّين تلقّفوا هذه النظريّة الفاسدة المسماة [Big-bang] وأرادوا مطابقتها مع القرءان الكريم فقالوا إنّ القرءان الكريم أتى بهذه النظريّة منذ مئات السّنين محتجّين بآيات من القرءان فسّروها على غير الوجه الصّحيح دون أنْ يعبأوا بتفسير الصّحابة والتّابعين لها، وحاولوا الاستدلال في هذا المقام بالآية التالية:
قال تعالى: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [8].{
فنقول: "ومعنى { بأييْد} أي بقوة وقدرة"، و"{ وإنا لموسعون} أي أغنياء قادرون" [9]، و"قيل: جعلنا بينهما وبين الأرض سعة" اهـ [9]، ولكن ليس في أيٍّ من التّفاسير المنقولة في كتب العلماء أنّ المعنى أنّ الأرض في اتّساع دائم كما زعم بعض العصريّين.
فمَن زعم أنّ الكون في اتّساع دائم فقد حرّف الآية وخالف كلّ التّفاسير المنقولة فيها من غير تحقيق وبغير مستند حقيقي، ثمّ إنْ كان مراد أولئك العصريّين أنّ المجرّات لا حدود تنتهي إليها فهي مخالفة أعظم للشّريعة إذ كلّ مخلوق محدود، وهذا مُجمع عليه معلوم من الدّين بالضرورة يشترك في معرفته العالِم والجاهل من المسلمين.
3- في الرّدّ على ادّعائهم بأنّ العالَم وُجِدَ صدفة:
ويكفي في الرّدّ على ادّعاء العصريّين هذا أنْ نورد قوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [10] فكلّ ما دخل في الوجود فهو بخلق الله تبارك وتعالى لم يخلقْه أحد سوى الله.
أمّا الأدلّة العقليّة على أنّ الله هو خالق كلّ شيء فكثيرة منها:
- أنّ وجود هذا العالَم دليل على وجود الله، لأنّه لا يصحّ في العقل وجودُ فعلٍ ما بدون فاعلٍ كما لا يصحّ وجودُ ضربٍ بلا ضاربٍ، وكما لا يصحّ وجود نسخ وكتابة بلا ناسخ وكاتب.
- ولا يصحّ كون ذلك الخالق الطبيعة لأنّ الطبيعة لا إرادة لها فكيف تخلق!؟ وكيف تخصِّصُ المعدومَ بالوجودِ بدلَ العدمِ ثمَّ كيف تخصِّصُه بحالة دون حالة؟
- وكذلك لا يصحّ في العقل أنْ يكون الشّيءُ خالقَ نفسه لأنّ في ذلك جمعًا بين متنافِيَيْن: لأنّك إذا قلتَ: "خلقَ زيدٌ نفسَه" جعلتَ زيدًا قبل نفسِه، باعتبارٍ، ومتأخِّرا عن نفسه باعتبار ءاخر.
أ) فباعتبار خالقيَّته جعلتَه متقدِّما.
ب) وباعتبار مخلوقيَّتِه جعلتَه متأخِرا.
وذلك محال عقلا.
- وكذلك لا يصحّ في العقل أنْ يخلق الشّيء مثله أي مشابها له لأنّ أحد المِثْلَيْنِ ليس أولى بأنْ يخلق مثله من الآخَرِ، فالأبُ والابنُ لا يصحّ أنْ يخلق أحدُهما الآخر، لأنّ كلاًّ منهما كان معدومًا ثم وُجِدَ، فمَن فكّر بعقله علِمَ أنّه كان بعد أنْ لم يكن، وما كان بعد أنْ لم يكنْ فلا بدّ له مِن مكوِّنٍ أي مُحدِثٍ من العدم خلقه وخصَّصَه بالوجود.
4- في الرّدّ على ادّعائهم بأنّ العالَم تولّد من انفجار مادّة واحدة مضغوطة:
واستعمل أولئك العصريّون في هذا المقام الآية التالية:
قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} [11[.
ففي تفسير الآية الأولى:
أ) قال بعض أهل التّفسير: "إنّ السّماوات كانت رتقا لا تمطر، والأرض كانت رتقا لا تنبت، ففتق السّماء بالمطر، والأرض بالنّبات" [12[.
ب) وقال بعضهم: "كانتا ملتصقتين، فرفع السّماء ووضع الأرض" [13[.
ت) وقال بعضهم: "كانت السّماوات مؤتلفة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع سماوات، وكذلك الأرضين كانت مرتتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبعا" [14[.
والفَتْقُ: "خلاف الرَّتْق" [15]، و"أَصله الشَّقُّ والفتح" [15[، و"الفَتْقُ: الموضع الذي لم يمطر" [15]، و"الفَتْق انفلاق الصُّبح" [15[.
أما التصاق السّماء بالأرض –على القول الثاني أعلاه- فلا يعني أنّهما كانتا شيئا واحدا، بل يقول التّفسير إنّ السّماء والأرض كانتا شيئين مختلفين متّصلين فانفصلا.
أمّا ما قاله المخالفون العصريّون في تفسير الآية فبعيد ومردود، إذ قولهم يقتضي أنّ السّماء والأرض وسائر العالَمِ كلّ ذلك عندهم كان شيئا واحدا انفجر فانقسم إلى أشياء كثيرة جدا.
ثم إنّ أولئك العصريّين لا يُثبتون للسّماء وجودًا إنّما السّماء عندهم هي هذا الفضاء الذي يزعمون أنّه يهوي وكواكب متعدِّدة من شمس وقمر وزحل ومرّيخ وما إلى ذلك، أمّا السّماء التي هي غير الكواكب فلا يعترفون بها، وأهل الشّرع مجمعون على أنّ السّماء غير الكواكب.
فأولئك السّاعون لكسب انتباه النّاس يجعلون القرءان موافقا لنظريّة الفلكيّين العصريّين، أرادوا بذلك أنْ يكسبوا سمعةً وشهرة في النّاس حتى يُقبل النّاس إليهم، فتراهم يتلوّنون:
- إذا خاطبوا طائفةً من الّذين معتقدهم جهة فوق في حقّ الله –والعياذ بالله من الضّلال المفضي إلى الكفر-: لا يُظهرون لهم هذه النّظريّة، لا يتجرّأون على إظهار متابعتهم للعصريّين في هذه النّظريّات وإلا لكفّرتهم هذه الطّائفة لأنّ زعيمها -قبل موته- ألّف كتابا قال فيه: "إنّ مَن قال إنّ الأرض كرويّة كافرٌ".
- وإذا خاطبوا طائفةً أخرى من النّاس يُظهرون لهم شيئا ءاخر.
ثم أولئك التّائهون كيف غفلوا عن جعلهم القرءانَ عُرْضَةً للنّقضِ كما أنّ النّظريّات عُرْضَةٌ للنّقض في اعتقاد العصريّين أنفسهم؟ كيف يجعلون النّظريّة في هذا المقام وهم يعلمون أنّها لا ترقى لمقام الحقيقة العلميّة التي لا يتغيّر القول فيها عبر الزمان.
ومن جملة نظريّاتهم التي رجعوا عن القول بها: قولهم السّابق: "إنّ الشّمس واقفةٌ في الفراغ لا حركة لها مطلقا"، ثمّ رأَوْا نظريّة مخالِفة لها وهي قولهم: "إنّ لها حركة حول نفسها وحول شيء ءاخر ضمن مجرّة أخرى".
فإذا نَقَضَتْ نظريّةٌ أخرى نظريّةَ Big Bang يقولون إنّ القرءان أتى بخلاف الواقع! وبذلك يصل أعداء الدّين إلى مبتغاهم، وهو: تكذيب القرءان لضرب الإسلام، فما بال أولئك الّذين يردُّون النّصّ القرءانيّ لموافقة نظريّة غير قطعيّة عند قائليها؟ أيجعلون القرءان تابعا لغيره وهو الجدير بأن يكون متبوعا؟
5- في الرّدّ على ادّعائهم بأنّ الدّخان هو المادّة الأولى التي تولّد الكون منها:
واستعمل أولئك العصريّون في هذا المقام الآية التالية:
قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [16].
قال النسفيّ [17] في بيان معنى قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} [16] ما نصّه: "هو مجاز عن إيجاد الله تعالى السماء على ما أراد" اهـ، فلا يتوهمنَّ متوهِّم أنّ معنى الاستواء كما هو معناه في حقِّ المخلوق، و"ثمّ" هنا بمعنى "الواو" كما قال المفسّرون كالقرطبيّ والنّسفيّ وغيرهما، ولمزيد بيان فقد أفردنا في ءاخر هذا التحقيق فصلا في بيان بعض معاني الاستواء.
فنقول إنّ في قول العصريّين: "المادة الأولى" إنكارٌ لما ثبتَ في القرءان والحديث الصّحيح الذي لا خلاف في ثبوته.
- أمّا مخالفتهم للقرءان، فمخالفتهم لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} [18] فإذا كان كلّ شيء حيٍّ أصلُه الماءُ فمن باب أولى أنْ يكون الجماد أصله خُلِقَ من ماء، وذلك لأنّ الحيَّ -في مقتضى أصله- أشرفُ من الجماد.
- وأمّا مخالفتهم للحديث:
أ) فمخالفتهم لِمَا رواه ابن حبّان وابن ماجه من حديث أبي هريرة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "كل شيء خُلِقَ من ماء"، ولفظ ابن حبّان أنّ أبا هريرة قال: قلتُ يا رسولَ الله إنّي إذا رأيتُك طابت نفسي وقرّت عيني فأنبئني عن كلّ شيء، قال: "إنّ اللهَ تعالى خَلَقَ كلّ شيء من الماء"، وفي لفظ: "كلّ شيء خُلِقَ من ماء".
ب) ومخالفتهم لِمَا رَوى السُّدّيُّ بأسانيد متعدِّدة عن جماعة من الصّحابة أنّ رسولَ اللهِ قال: "إنّ اللهَ لم يخلقْ شيئا ممّا خلق قبل الماء"، فيتبيّن بذلك أنّ الماء هو أصل جميع المخلوقات وهو أوّل الخلق فمِنَ الماءِ خَلَقَ اللهُ العالَمَ.
- أما قول العصريّين: "السّموات والأرض" فقد شمل السّموات والأرض بأنّ المادّة الأولى التي خلقتا منها هي الدّخان علمًا بأنّه كما يُفهَمُ من ظاهر الآية: {وهي دخان} فإنّ {هي} متعلِّقة بذكر السّماء، ثم في الآية: {فقال لها وللأرض}، فليس في ذلك أنّ الأرض كانت دخانا، فكيف يحرِّف أولئك العصريّون هذه الآيةَ لكي توافق أهواءهم!؟
- ثم أين هم ممّا قاله العلماء المعتبرون –كالنسفي- [19] في تفسير هذه الآية: "ويفهم منه أنّ خلق السّماء كان بعد خلق الأرض وبه قال ابن عباس رضى الله عنهما" اهـ.
أمّا لو قالوا إنّ السّماء في أحد مراحل خلقها كانت دخانا فهذا لا مانع منه شرعًا وهو ظاهر الآية وهذا الدّخان أصله الماء فيكون الماء هو أصل السّماء وليس كما قال بأنّ المادّة الأولى التي خرجت منها السّموات والأرض كانت دخانا، وكأنّه غاب عن أولئك العصريّين التّائهين أنّ أصحاب هذه النّظريّة الفاسدة ينكرون السّماء أصلاً فهم لا يُثبتون وجودَها.
فأولئك العصريّون يزعمون أنّ هذا الأزرق الذي نراه فوقنا إنْ هو إلا تكثُّفات للطَّبقات الجويَّة
وليست جسمًا صلبًا وهذا مخالف للقرءان وللحديث، فهل يقبل مسلم بأنْ يُنْكَرَ وجود السّماء!، ثمّ أليس من ينكر وجود السّماء –اليوم- قد يقدم على إنكار وجود الجنّة والنّار –غدا- فيوافقهم بعض عوام المسلمين فيهلكوا!؟
فصل في بيان بعض معاني الاستواء:
# حُذف لأنه خارج عن الموضوع #
خاتمة:
لقد أراد أولئك العصريّون أنْ يجذبوا انتباه النّاس إليهم فاتّبعوا النظريّات العصريّة المتأرجحة بين الشّكّ والظّنّ وجعلوا القرءان ذا العلم القطعيِّ تابعا، وهو الأحقّ بأنْ يُتّبع.
انتهت الرسالة [30].
ـــــــــــــــــــــــــ
الهامش:
[1]: صاحب نظريّة الانفجار الكبير أو [big-bang-theory] اسمه "جورجيس ليميتري" وهو قسّ كاثوليكيّ فيزيائيّ بلجيكيّ.
[2]: [فصلت/41-42].
[3]: لسان العرب.
[4]: [الحجر/9].
[5]: كتاب [مرشد المعلّمين في أصول تدريس العلوم] الجزء 1، ص100، من منشورات دائرة التربية في الجامعة الأميركية.
[6]: لسان العرب.
[7]: القاموس المحيط.
[8]: [الذاريات/47].
[9]: الجامع لأحكام القرءان.
[10]: [الفرقان/2].
[11]: [الأنبياء/30].
[12]: الجامع لأحكام القرءان.
[13]: جامع البيان عن تأويل ءاي القرءان.
[14]: الجامع لأحكام القرءان.
[15]: لسان العرب.
[16]: [فصلت/11].
[17]: مدارك التنزيل وحقائق التأويل.
[18]: [الأنبياء/30].
[19]: مدارك التنزيل وحقائق التأويل.
[20]: لسان العرب.
[21]: [الأنعام/18].
[22]: مدارك التنزيل وحقائق التأويل.
[23]: [الشّورى/11].
[24]: [فصلت/11].
[25]: الجامع لأحكام القرءان.
[26]: والبيت لأبي نواس.
[27]: [الحديد/4].
[28]: [طه/5].
[29]: مدارك التنزيل وحقائق التأويل.
[30]: فريق التحرير في موقع شبكة مسلمون.