المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين الفوز والهزيمة



الشيخ علي الظنط
02-06-2010, 11:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم



بين الفوز والهزيمة


إنّ الفوز والنصر مطلب يبتغيه كل إنسان، مهما كان الأمر بسيطا أو تافها، وكلما عظم الأمر كلما كبرت الفرحة وعم السرور. وأعظم الفوز هو الفوز برضوان الله والجنة، تلك السلعة الغالية التي يرخص من أجلها كل غال وثمين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه و سلم) يقول:" ..ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة" وهنا مضمار التنافس{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } وميدان التسابق { فاستبقوا الخيرات } والفوز الحقيقي يأتي بعد الفناء المحتوم والانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}

وبما أنّ الضبابية قد اكتنفت الكثير من معاني الفوز والخسارة والنصر والهزيمة .. كما أن تداعيات نشوة النصر وانكسار الهزيمة أثرت وتؤثر سلبا في واقع كثير من الناس، كان لا بدّ من وقفة تحدد معنى الفوز والانتصار أو الهزيمة والانكسار { ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة}

إنّ فوزنا الكبير حين نستجيب لأوامر ربنا عز وجل ونلتزم سنة نبينا (صلى الله عليه وسلم) ونعض عليهما بالنواجذ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} والهزيمة النكراء أن نكون من المتهوكين المتحيرين وأن نقرأ بالمثناة وما اكتتب سوى كتاب الله وتنطق فينا الرويبضة ويلتمس العلم عند الأصاغر. فيصبح مثلنا كمثل أهل الكتاب {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}

فوزنا حين نقدم النصوص على النفوس { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ () وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } وهزيمتنا في التأله على الله تعالى وتحريم الحلال أو تحليل الحرام {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}

فوزنا حين نتخلّق بأخلاق حبيبنا (صلى الله عليه وسلم) الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وهزيمتنا حين نستورد الأخلاق العفنة من مستنقعات الجاهلية الآسنة. ولكن {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}!!!

فوزنا حين نستعلي على المجتمع الجاهلي بكل قيمه وتصوراته، والهزيمة كل الهزيمة حين نتوافق معه في شيء من قيمه وتصوراته لأننا عند ذلك سنفقد المنهج ونضل الصفوة عن السبيل القويم.
فوزنا في صحة الولاء والبراء لله تعالى، فعن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "أوثق عرى الإيمان : الموالاة في الله و المعاداة في الله و الحب في الله و البغض في الله عز و جل". وهزيمتنا في تعدد الولاء والبراء على أساس المصلحة والضرورة. فتحيق بنا نكبة الذبذبة {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا }

فوزنا في وضوح الغاية والوسائل والأهداف وعدم التلون {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وهزيمتنا حين تبرر الغاية الوسيلة وتصبح المصالح والضرورات الأصل، والمحافظة على الكراسي والعروش الغاية. ويعطل الفراعنة حواسنا ونساق خلفهم كالنعاج {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }

فوزنا في تمسكنا بأخوتنا ووحدتنا والاعتصام بأمر ربنا {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} والهزيمة في تناحرنا وتخاصمنا وتفرقنا وتشرذمنا {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}

فوزنا حين تكون الحرب واضحة المعالم والأهداف ضد الطواغيت وما أجملها من حرب الربح فيها مضمون . شرف لنا ونصر وعزة أن يحاربنا أهل الباطل علانية فهذا يعني أننا على الحق وشتان شتان بين أهل الحق المهتدين بهدي الله تعالى وأهل الباطل التائهين في دياجير الشك والشرك {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} والنصر والفوز حليف أهل الحق {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}
والهزيمة والعار والشنار أن نستعين بالمشركين في حربنا!! فعن عائشة قالت : إن رجلا من المشركين لحق بالنبي (صلى الله عليه وسلم) ليقاتل معه فقال:" ارجع فقال إنا لا نستعين بمشرك"
والأنكى من ذلك أن نستعين بالمشركين على إخواننا ولو بغوا علينا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}

فوزنا حين نعرّي المنافقين الذين يبغضهم الله ورسوله ويبغضون الله ورسوله {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} والهزيمة كل الهزيمة أن نقيم لهذه الحثالة وزنا ونعطيهم قيمة ونحييهم من موات وهم الذين لا وزن لهم ولا قيمة في عالم الأخلاق والفضائل .. بل وزنهم وقدرهم في مزبلة التاريخ الحافلة بأمثالهم.

فوزنا حين نبلغ دعوة الله تعالى لا نخاف لومة لائم ولا سطوة غاشم ولا انقطاع رزق ولا دنو أجل.. فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):" أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر" ." سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله"
وهزيمتنا حين تصبح الدعوة إلى الحزب أو التجمع هي الأساس {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ () فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}

إنّ سلفنا الصالح عليهم رضوان الله التزموا التوجيهات الإلهية والوصايا النبوية التي تحثّ وتحفذ المسلمين لتحقيق الفوز الأكبر، ولكن ضمن برنامج عملي يزكي النفوس، ويصون الأسر، ويحمي المجتمعات، ويرتقي بالأمم نحو المعالي . فكان لهم ما أرادوا من العزة والنصر والفوز والتمكين { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} وآخر هذه الأمة لن يصلح إلا بما صلح عليه أولها. { فهل من مدكر}؟؟؟!!!



بعد هذا البيان السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح شديد،



من المنتصر اليوم؟؟؟!!!



أترك لكم الجواب