المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أقوال الأئمة في اتباع السنة المطهرة وترك أقوالهم المخالفة لها



الشيخ علي الظنط
19-06-2010, 01:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم





الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون ، أما بعد :





{ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب }


قَلَّ أن تجد مسألة من مسائل الفقه التفصيلية إلا وفيها خلاف كبير عال بين أئمتنا العلماء .فما هو السبيل لكشف هذا الاختلاف ومعرفة الصواب منه ؟ ؟

قال حافظ المغرب ابن عبد البَّر رحمه الله : وأما ما نهى الله ورسوله ، فلا خيار فيه لأحد. وكل قول خالف السنة فمردود ..لأنَّ الله عز وجل قد أمر في كتابه عند تنازع العلماء وما اختلفوا فيه بالرد إلى الله ورسوله[التمهيد 10/ 127] قال تعالى { يا آيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا }
وقال : فلا حجة في قول أحد مع السنة.[ التمهيد10/61 ]

فسبيل أهل العلم وطلبته واضح جلي ، وبَيِّن نقي ، فيه مقابلة الحجة بالحجة، ومقارنة الدليل بالدليل. والمسائل الاجتهادية الخلافية التي وقعت بين العلماء والأئمة، ليس الترجيح بينها بالكثرة والقلة، إنما بالحجة والدليل، لا بالقيل والقال . وليس بِخَاف على أحد أنَّ الدليل في لغة الشرع هو ما كان من كتاب الله سبحانه، أو مما صحَّ من سنة رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، وما سواه من أقوال الرجال ليس بدليل باتفاق العلماء.


الإمام الشافعي رحمه الله النقول عنه في ذلك كثيرة وطيبة ، فمنها:
ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتعزب عنه، فمهما قلت من قول، أو أصَّلت من أصل، فيه عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) خلاف ما قلت، فالقول ما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو قولي. [ إعلام الموقعين 2 / 363 ]
أجمع المسلمون على أنَّ من استبان له سنة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يَحِل له أن يدعها لقول أحد. [ الفلاني ص 68 ]
إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقولوا بسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ودعوا ما قلت. [ المجموع للنووي 1/63 ]
كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عند أهل النقل بخلاف ما قلت، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي. [ إعلام الموقعين 2/ 363 ]
كل ما قلت ، فكان عن النبي (صلى الله عليه وسلم) خلاف قولي مما يصح ، فحديث النبي أولى ، فلا تقلدوني. [ ابن عساكر 15 / 9/ 2]


الإمام أبو حنيفة رحمه الله
روى عنه أصحابه أقوالا شتى وعبارات متنوعة ، كلها تؤدي إلى شيء واحد ، وهو وجوب الأخذ بالحديث،وترك تقليد آراء الأئمة المخالفة له. منها :
إذا صح الحديث فهو مذهبي . [حاشية ابن عابدين 1/ 63]
لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه . [ إعلام الموقعين 2/309 ]
حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي. وفي رواية: فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا.


الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله هوأكثر الأئمة جمعا للسنة وتمسكا بها، لذلك قال :
لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري،وخذ من حيث أخذوا. [إعلام الموقعين/ 302]
رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة كله رأي ، وهو عندي سواء ، وإنما الحجة في الآثار. [الجامع لابن عبد البر 2/ 14]
من ردَّ حديث رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فهو على شفا هلكة[ابن الجوزي182 ]


مالك بن أنس رحمه الله قال:
إنما أنا بشر أخطىء وأصيب ، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه. [ الجامع لابن عبد البر 2/ 32 ]
ليس أحد بعد النبي (صلى الله عليه وسلم) إلا ويؤخذ من قوله ويترك، إلا النبي(صلى الله عليه وسلم) [ أصول الأحكام لابن حزم 6 / 145 ]


تلك هي بعض أقوال الأئمة رضي الله تعالى عنهم في الأمر بالتمسك بالحديث، والنهي عن تقليدهم دون بصيرة، وهي من الوضوح والبيان بحيث لا تقبل جدلا ولا تأويلا، وعليه فإنَّ من تمسَّك بكل ما ثبت في السنة المطهرة ولو خالف بعض أقوال الأئمة لا يكون مباينا لمذهبهم، ولا خارجا عن طريقتهم، بل هو متَّبع لهم جميعا، ومتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، وليس كذلك من ترك السنة الثابتة لمجرد مخالفتها لقولهم، بل هو بذلك عاص لهم، ومخالف لأقوالهم المتقدمة.



والله تعالى يقول { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما }. وقال تعالى { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.


أما أن يفرض أحدنا على الآخر رأيه بالقوة مستغلا منصبه أو مركزه الاجتماعي أو ... فهذا ما لا يرضاه الله سبحانه ولا رسوله (صلى الله عليه وسلم) ، كما أنَّ فيه محادة لمنهج العلماء ، ومجانبة لسلوك الفقهاء.



وهذا الذي أشرت إليه نرى شيئا منه في واقعنا – للأسف – وكأننا في مركز شرطة، أو في العصور ال فلا مجال لبحث علمي ، ولا لإبداء وجهة نظر،ولو كانت في مصلحة المسلمين، ولو أتيت بالدليل ، فيا سبحان الله ..



نسأل الله تعالى أن يرينا الحق ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويجنبنا فعاله .. وأن يعيننا على اتباع السنة وإحيائها ،واجتناب البدع وإماتتها ..كما نسأله أن يفقهنا في الدين ويعيننا على العمل بالعلم ، ودعودة الناس إلى الحق بكل حكمة و موعظة حسنة .. مقتدين في ذلك كله بحبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم) آمين.. آمين .. آمين