المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المؤرخ الدكتور عمر تدمري يكشف الاباطيل التي اوردها موقع حزب الكتائب حول تاريخ طرابلس



فؤاد طرابلسي
30-06-2010, 06:31 PM
(يزعمون أن )طرابلس من الصليبيّين إلى السلفيّين ورقة تنفث الحقد وتثير الفتنة وتزوّر التاريخ الحلقة رقم( 1 )



المؤرخ الدكتور عمر عبدالسلام تدمري يرد على موقع حزب الكتائب


http://www6.0zz0.com/2010/06/30/07/887088695.jpg


على موقع "حزب الكتائب اللبنانيّة" في شبكة البريد الإلكترونيّ Kataeb.org نشر الحزب المذكور تقريراً من صفحتين بحرف دقيق، تحت عنوان: "طرابلس من الصليبيّين إلى السلفيّين"، وهو مؤرَّخ في 1 آب 2008، ويتبعه 15 ورقة مصوّرة حديثاً لساحة الرئيس كرامي المعروفة حالياً بساحة النّور، وبعض كنائس طرابلس، وبرج ساعة التل وقد كُتب تحتها: "ساعة التل بنتها إيدٍ مسيحيّة"! وعدّة صُوَر لجامع البُرطاسي القائم بجوار النهر، وقد ادّعى التقرير أنّه كان كنيسة!
ويمكن لأيّ شخص أن يقرأ هذا "التقرير" ويحكم على ما فيه من تزوير للحقائق التاريخيّة، وأكاذيب وتشويه لصورة طرابلس وأبنائها عبر تاريخها الطويل، وما فيه بالمقابل من تمجيد للمحتلّ الفرنجي (الصليبي)، وللإنتداب الفرنسي، والإرساليّات الأجنبيّة، والحطّ من شأن المسلمين في الحياة العلميّة، والإشادة بحزب الكتائب الذي": إمتدّ كالشعاع ليس في طرابلس فحسب، بل وفي منطقة الشمال بأسرها وإنتساب عدد كبير من أبناء المدينة إليه" حسب زعم التقرير، والإدّعاء بأنّ الرئيس الشهيد رشيد كرامي تخرّج من مدرسة الأخوة المسيحيّين، وكلّ الطرابلسييّن يعرفون أنّه تخرّج من "دار التربية والتعليم الإسلاميّة" بطرابلس. وليس في التقرير أيّة إشارة إلى جريمة إغتيال الرئيس الشهيد كرامي إبن طرابلس على يد "ربيب" حزب الكتائب وصنيعته "سمير جعجع". كما لا يأتي التقرير على كيفيّة وصول رئيس الكتائب "بشير الجميّل" إلى رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة على ظهور الدبّابات الإسرائيليّة، ويتجاهل التقرير تماماً إتّفاقيّة الذلّ والخضوع للعدوّ الصهيونيّ التي روّج لها رئيس الحزب "أمين الجميّل"، وهي الإتّفاقيّة المعروفة بالسابع عشر من أيّار، والتي أسقطها المناضلون الشرفاء من النّواب اللبنانيّين وغيرهم من الأحزاب الوطنيّة.
ولكنّ كاتب التقرير ينتقي بخبث وقائع من تاريخ طرابلس الحديث والمعاصر، لا يهدف منها إلاّ بثّ الفرقة والأحقاد وإحياء الفِتَن بين أبناء المدينة، وجوارها، بين "التبّانة" و"جبل محسن"، وبين المسلمين والنّصارى، والسلفيّين والأحباش، واللبنانيّين والفلسطينيّين، والطرابلسيّين والسّورييّن، وهو يدّعي، كذباً، بأنّ "حركة التوحيد الإسلاميّة" فرضت ضريبة شهريّة على كلّ مسيحيّ، ومنعت الكنائس من قرع أجراسها، وفرضت الحجاب على عدد كبير من بنات المدينة... إلى غير ذلك من إفتراءات وأكاذيب يُراد منها تشويه وجه طرابلس المشرق، ذات التاريخ الحضاريّ العريق، وما تمثّله هذه المدينة العربيّة المسلمة من ثِقَل على ساحل الشام، ودورها النضالي على مستوى الأمّة.
ونحن إذ نسلّط الضوء على بعض ما احتواه تقرير "الكتائب اللبنانيّة"، نأمل أن يطّلع عليه من يهمّه الأمر ويتدبّره، ويعرف ما يُحاك لطرابلس، وما يُضمر لها من أحقادٍ ومكرٍ وسوء نوايا.
وفي ما يلي سأذكر ثلاث فقرات فقط من أوّل التّقرير، وأقوم بالتّعليق عليها ومناقشتها، وبيان ما تضمنّته من تزوير وتشويه وإفتراءات فاضحة، وأترك بقيّة التقرير لمن يريد التّعليق عليه.
جاء في الفقرة الأولى من التقرير، حرفيّاً، ما يلي:
" في العام 683 ميلاديّة تمكّنت الجيوش الإسلاميّة من الإستيلاء على المنطقة بكاملها بإستثناء جبل لبنان، وتعاقب على حكم هذه المنطقة الخلفاء الراشدون ومن ثم الأمويّون والعباسيّون والفاطميّون ومن ثم بنو عمّار. وكان هؤلاء آخر الحكّام العرب في طرابلس حيث جاءها الصليبيّون عام 1100 م. وأخذوا يستولون على المنطقة شيئاً فشيئاً".وتعليقاً على ما تقدّم نقول:
لقد استُهلّ التقرير من أوّله بغلطٍ تأريخي يدلّ على جهل كاتبه بالحقائق التاريخيّة، فهو يجعل "إستيلاء" المسلمين على "المنطقة"! في عام 683 ميلاديّة، بإستثناء جبل لبنان؟ وهو يُلغي نحو 48 عاماً من حكم المسلمين للمنطقة، هكذا بشطحة قلم، بما فيها "جبل لبنان".
فالمسلمون فتحوا البقاع، وبعلبك، وعرقة، وعكار، وجبيل، وجونية، وبيروت، وصيدا، وصور بين عامي 633 و 635 م. أمّا طرابلس ففتحت أوّلاً في خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، واحتلّها البيزنطيّون ثانية، وفتحها المسلمون من جديد 646 م. ولم يكن جبل لبنان بحاجة للفتح إذ كان شبه خالٍ من السكان وليس فيه مدينة تستحقّ أن تصعد إليها جيوش المسلمين لفتحها. وحين فتح المسلمون ساحل الشّام وما يُسمّى الآن "لبنان" لم يكن فيه مدينة أو بلدة "مارونيّة"، بل كان سكانه من الرّوم. أمّا الموارنة فقد سمح لهم معاوية بالإنتقال من نواحي حماة والسُكنى في جبال لبنان الشمالية، كما يؤكّد الدكتور "فيليب حتّي"، والمؤرّخ النصراني إبن العبري". وقد وفّر المسلمون لهم المكان الذي يسكنونه في أعالي الجِرْد وقِمم الجبال حيث الثلوج والكهوف والأودية والإحتماء بها من خصومهم الروم.
وبين عام 646 م- وهو عام فتح طرابلس- وعام 683 م. جرت أحداث خطيرة أسقطها كاتب التقرير، إمّا عمداً، أو جهلاً منه، ومن تلك الأحداث: فتح جزيرة قبرس عام 654 م، وفتح رودس في السنة نفسها، ثم بناء الأسطول البحري في ميناء طرابلس وانتصاره على أسطول الإمبراطور البيزنطي في موقعة "ذات الصواري" عام 655 م. ثم تأسيس الدولة الأموية عام 661 م. وصار ساحل الشام (لبنان) جزءاً طبيعيّاً منها. ومن سواحله انطلقت سفن المسلمين وحاصرت القسطنطينيّة لأول مرة عام 670 م. وفي سنة 674 م كان فتح جزيرة كيزيكوس اليونانيّة، وتُسمّى في المصادر العربية: أرواد، وهي غير أرواد القريبة من طرطوس. وفي سنة 680 م تمّ فتح كريت (إقريطش)، ثم وفاة معاوية، وخلافة إبنه "يزيد" الذي بقي حتى وفاته 685 هـ.
فكاتب "التقرير الكتائبي" يريد أن يشطب من ذاكرة تاريخ المسلمين في "لبنان" كل ما تقدّم من فتوحات شملت كلّ بلاد الشام، ومصر، والعراق، وفارس، وجُزُر البحر المتوسط، وشمال إفريقية، وحصار القسطنطينيّة على مدى نصف قرن من عهد الخلفاء الراشدين وخلافة معاوية كلّها، ويريدنا أن نسلّم بادّعائه أن جبل لبنان، لوحده، استعصى على الفاتحين المسلمين!
وفي تعداده لتَعاقُب الدول التي حكمت "لبنان" لا يأتي كاتب التقرير على ذكر الدولتين: الطولونيّة والإخشيديّة، فهو لا يعرف أنّ هاتين الدولتين حكمتا "لبنان" قبل الفاطميّين.
وإذا كان المسلمون لم يتمكّنوا من "الإستيلاء" على المنطقة بكاملها إلاّ في العام 683 م. فكيف يقول كاتب التقرير إنّ الخلفاء الرّاشدين، ومن بعدهم الأمويّين، حكموها؟
أليس هذا جهلٌ وتخليط؟
(يتبع)

فؤاد طرابلسي
08-07-2010, 06:38 PM
طرابلس من الصليبيّين إلى السلفيّين ورقة تنفث الحقد وتثير الفتنة وتزوّر التاريخ/2

وجاء في الفقرة الثانية من التقرير الكتائبي، ما يلي، حرفيّاً: "الآثار الصليبيّة لا تزال واضحةً للعيان حتى يومنا هذا في الفيحاء (أي طرابلس). ومن أهمّ معالم تلك الحقبة قلعة طرابلس الأثريّة أو قلعة ريمون دو صان جيل. بالإضافة إلى عددٍ كبير من الكاتدرائيّات (هكذا) والكنائس التي حُوّلت فيما بعد إلى جوامع. ولعلّ الشاهد الأبرز على ذلك هو ما يُعرف اليوم بجامع البرطاسيّ الذي يقع على مقربةٍ من القلعة الأثريّة. حيث لا تزال حتى اليوم الصلبان محفورةً على جدرانه الخارجيّة. والتقسيمات للكنيسة واضحةٌ جداً. فكرسيّ الإعتراف مثلاً لا يزال في مكانه، والأجران التي توضع فيها الماء المقدّسة لا تزال في مكانها في ذلك الجامع الذي يقع على ضفاف نهر أبو علي".
وتعليقاً على ما جاء في هذه الفقرة نقول: إنّ قلعة طرابلس أسّسها القائد الصحابيّ "سُفيان بن مُجيب الأزدي" من عَرَب اليمن من الأزْد حين حاصر المدينة وفتحها في عهد الخليفة عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، بشهادة أوّل مُحدّث إخباريّ أخرجته طرابلس هو " أبو مطيع معاوية بن يحيى الأطرابلسيّ" ( توفي في القرن الثاني الهجري_ الثامن الميلادي)، وعُرف الحصن باسم " حصن سُفيان". ذكره المؤرّخ " البلاذُريّ" في "فتوح البلدان"، و"إبن عساكر الدمشقيّ" في تاريخ مدينة دمشق، و" إبن الأثير" في "الكامل في التاريخ" وغيرهم من المؤرّخين الثِّقات. وفي العصر الفاطميّ جدّد حاكم طرابلس "جلال المُلك إبن عمّار" بناء هذا الحصن وبنى في وسطه جامعاً، ثم جاء "ريمون دي سانجيل" بعد ذلك وبنى حصنه فوق حصن سُفيان، وحوّل الجامع الفاطميّ لإبن عمّار إلى كنيسة بعد أن ألغى محرابه، وقد كشفت عنه المديريّة العامّة للآثار سنة 1970 أثناء أعمال الترميم، ولا يزال الجامع شاهداً على إسلاميّة الحصن أساساً وموقعاً. ويُمكن العودة إلى كتاب الدكتور "حسّان سركيس" الذي نال عليه درجة الدكتوراه من جامعة السوربون، وفيه يعترف بوجود الجامع وكيف حوّله "ريمون" إلى كنيسة، عِلْماً بأنّ الدكتور "سركيس" عمل رئيساً لمكتب الآثار في طرابلس والشمال وقام بأعمال تنقيبات داخل القلعة وفي الميناء وغيرها، ثم أستاذاً بقسم الآثار في الجامعة اللبنانيّة (الفرع الثاني)، ويُضاف إلى هذا وذاك أنّه عضوٌ في حزب الكتائب!وفي العهد الأيوبيّ خرّب الملك العادل الأيوبيّ الحصن، ثم دمّره كليّاً الملك الظاهر بيبرس، ثم أعاد الأمير سيف الدين أسنْدمر الكرجي بناء الحصن من جديد عام 707 هــ. _ 1307 م. ووسّعه وحوّله قلعةً كبيرة، وزاد فيها سلاطين المماليك أبراجاً وجدّد بناء القلعة أيضاً السلطان العثماني "سُليمان بن سليم الأوّل" المعروف بالقانوني، وزاد عليها البرج الشمالي والباب الرئيس والخندق من حوله، وسجّل ذلك في لوحة رخاميّة ضخمة فوق الباب بتاريخ 927 هــــ. _ 1521 م. وقبل ذلك بثلاث سنوات فقط بنى والي طرابلس " مصطفى بن إسكندر باشا الخنجرلي" جامعاً في الجهة الجنوبيّة الغربيّة من القلعة، وكانت مئذنته ترتفع لعشرات الأمتار فوق أسوارها، وقد خلّدها الرّحالة الأوروبيّون في لوحاتهم. كذلك جدّد حاكم طرابلس "مصطفى آغا بربر" بناء أسوار القلعة وأبراجها أكثر من مرّة في النصف الأول من القرن 19 م. بحيث باتت قلعةً عربيّةً إسلاميّة بشهادة كل الآثاريّين الذين زاروها من أوروبيين، وبشهادة شيخ المؤرّخين والباحثين اللبنانيّين الدكتور "أسد رستم"، وهو زارها وكتب عنها وصفاً دقيقاً وأقرّ بأنّها "قلعةٌ عربيّةٌ خالصةٌ " في كتابه "آراء وأبحاث". أمّا الإصرار على تسمية القلعة بقلعة ريمون دو سنجيل فينطوي على نيّة سيّئة حول دور العرب والمسلمين في تأسيس قلعة طرابلس قبل الفرنج ( الصليبيّين) بأربعة قرون ونصف القرن. وهذه الحقيقة تنطبق أيضاً على كلّ من قلعتي جبيل وصيدا البحريّة، فهما قلعتان عربيّتان أساساً وموقعاً، وقد أثبتنا ذلك في مؤلّفاتنا إعتماداً على الوثائق.
أمّا جامع البرطاسيّ فلم يكن كنيسة في يوم من الأيام، ولم يذكر ذلك أيّ مؤرّخ أو باحثٍ أو آثاريّ من المؤرّخين أو الآثاريّين النصارى، ولم تزعم ذلك المديريّة العامّة للآثار، ولا وزارة السياحة في كلّ نشراتها السياحيّة. والجامع مملوكيّ من بناء الأمير "عيسى بن عمر البرطاسيّ"، وقد ذكره المؤرّخ "شهاب الدّين النويري" في كتابه " نهاية الأرب في فنون الأدب" وكان صديقاً للبرطاسيّ ورفيقاً له بطرابلس، وذلك في حوادث سنة 1310 م. وكان الجامع مدرسةً أيضاً يتلقّى فيه الطلبة العلوم الدينيّة على مذهب الإمام الشافعيّ كما هو منقوش فوق باب الجامع، فيما كان مهندس الجامع مغربيّاً، ولهذا جاءت المئذنة متأثّرةً بالعمارة الأندلسيّة، وقد أجمعت المصادر كلّها على هذا القول.
ولقد زعم صاحب "التقرير" أنّ الصّلبان لا تزال محفورةً على جدران الجامع الخارجيّة! ونحن نتحدّاه أن يُثبت ذلك _ ولن يستطيع.وهو قد نشر أربع صور للجامع من الخارج والدّاخل وليس فيها صورةٌ لصليب واحد. ومنها صورةٌ لنافذتين في الجدار الشرقيّ داخل الجامع، وزعم أنّ مذبح الكنيسة كان هنا. ومنها صورةٌ للقبّة فوق بركة الوضوء، ويتدلّى من فُتحة القبّة سلسلة معدنيّة تحمل الثريّا الزجاجيّة، وذهب به الخيال للإدّعاء بأنّها جرس الكنيسة! ومنها صورةٌ لمحراب الجامع، وكتب تحتها: " كرسيّ الإعتراف"! وزعم أنّ الأجران التي توضع فيها الماء المقدّسة لا تزال في مكانها من الجامع! ولا وجود لها إلاّ في مخيّلته.

نقله لكم طالب العلم فؤاد طرابلسي