عمار الفلو
05-07-2010, 06:29 PM
مذكرات زوج مغترب
غريب الصادق*
لعلها فرصة نادرة أن يبتعد الزوج عن زوجته، رفيقة دربه وشريكة مسيرته منذ بداياتها الأولى، في رحلة عمل أو سفر دراسة ليختبر فيها مشاعره، ويمتحن فيها بصدق حقيقة حبه لها، بعد أن تعمل العشرة عملها ويصبح الأبناء حقيقة راسخة في حياتهما، بحيث يبدو لهما أن الحب والعشق والهيام الحقيقي الذي جمعهما قد تبخر في التفاصيل، فهل يستطيع الزوج اختبار صدق هذه المشاعر؟ وكيف له أن يعمل على تنميتها ومنحها مزيد من الدفء بحيث تصمد أمام الرياح العاتية التي لابد أنها ستنتظره في أي غربة متوقعة له؟.
التحدي والرهان
ربما يشعر أي زوج بمشاعر الغربة بعد مرور أيام على غربته وابتعاده عن بيته وزوجته، لاسيما إذا كان الالتصاق بينهما شديدًا، وأنهما يعيشان بالفعل قصة حب حقيقية بالرغم من مرور الزمن عليها، فشعور الحرمان سرعان ما يغزوه ويبدأ في مراودته، عندها يبدأ التحدي.
أن تعتاد عيون زوج مغترب "ملتزم" على رؤية أجساد ممشوقة صباح مساء، وعطور باريسية تخترق الأنفاس، ثم يلوذ بذكريات تعود به إلى بيت الزوجية، يرى في كل غيداء من جميلات الغربة صورة زوجته، ورائحة عطرها، وكحلة عينها، فهو التحدي بعينه.
أن يسمع هذا الزوج "المسكين" كلمة إعجاب هنا، ونظرة استلطاف هناك، ومصافحة تتجاوز مدلولها المادي هنالك، ثم لا يجد استجابة لذلك إلا اللجوء إلى صورة فوتوغرافية لزوجته يزين بها محفظته الشخصية، ويدمن على تقبيلها قبل النوم وعند اليقظة، ويناجيها "أنقذيني مما أنا فيه"، فهو الرهان بعينه.
أن يرقب هذا المغترب -جسدًاً وروحًا- بعيون قلبه كيف يسير العشاق في الشوارع الباردة وهم في دفء عجيب؟ وما يلبث أن يكتفي بتذكر الأيام الخوالي، معزيًا نفسه بذكرى فسحة هنا، ونزهة هناك، وجلسة على شاطئ البحر، فهذا والله هو الصمود بعينه!.
كثير من الأزواج أعرفهم عاشوا أجواء الغربة هذه، لكن قليلا منهم من تأسى بسلوكي الذي تحدثت عنه في السطور الماضية، ليس لأنهم هم والرومانسية غير أصدقاء، أو لأن أشغالهم قد لا تسمح لهم بتذكر مثل هذه المواقف في الأيام الخالية، أو لأنهم لا يحملون لزوجاتهم معاني الوفاء والإخلاص، أو لأنهم يرون أنفسهم طلقاء أحرارًا يفكرون أنى شاءوا.
لكن ربما يكون الواحد منهم لا يجد نفسه ملزمًا بالتقيد بذكريات تفصله عنها آلاف الأميال مادام لم يخترق الإشارة الحمراء بترجمة هذا الميل لهذه أو تلك إلى سلوك عملي باقتران، أو قصة حب حقيقية جادة، فلا بأس من مواصلة هذا الإعجاب! أو كما قال لي أحدهم إنه يلجأ إلى ما وصفه بـ"فصل الحواس"، بأن يعيش قصة حب بل قصص حب في وقتها ومكانها، دون أن يعتبر ذلك في قرارة نفسه خدشًا للوحة الحب الزجاجية الرائعة التي تجمعه مع شريكة دربه، وهذه لعمري طريقة فريدة عجيبة مدهشة! على الأقل أثارت استغراب "ورفض" كاتب هذه السطور حين نصحه صاحبها بأن يمارسها ويستمتع بها، في غربة لا يعرف الواحد كم ستستمر، بدلا من أن يقضي أيامه ولياليه مسترجعًا ذكرياته، ولا يجد سلوى له سوى الدموع الحارة الساخنة، مناديًا على رفيقة دربه، حبه الأول وربما الأخير، لعلها تسمعه بقلبها.
قصة الأمس
كأني وجدت نفسي منساقًا في غربتي المؤلمة هذه أتابع بشغف عجيب رائعة المخرجة "إنعام محمد علي"، في مسلسلها "قصة الأمس" الذي تابعته أكثر من مرة سابقا، لكن متابعته في أجواء الغربة أكسبته مزيدًا من الروعة، فالزوج المغترب "مصطفى فهمي" منحته المخرجة العديد من الأعذار في أن يقترن بمهندسة تعمل في شركته، وهو الذي اغترب وبعد عن زوجته "إلهام شاهين" وولديه ليحصد لهم المال، ويرفع من مستوى معيشتهم عبر شراء السيارة والفيلا والشاليه!.
لكن السؤال الأكبر: أين كان العقل الذي بإمكانه أن يقوم بـ"فرملة" أي مشاعر قلبية جارفة؟ أين كانت حسابات المنطق التي يجب عليها في مثل هذه المنعطفات الحرجة في الحياة الزوجية أن تظهر وتبرز ويعلو صوتها؟.
أدرك أن هذا الأمر لا يقوى عليه إلا القليلون، آملا أن أكون منهم وأنا كذلك، لأن ما بعد نظرة الإعجاب وكلمة الاستلطاف والمصافحة العابرة أمور وأمور بإمكانها أن تقلب حياة الواحد منا رأسا على عقب، وهو ما أظهرته صاحبة "قصة الأمس" بجدارة رائعة وفائقة، حين تحولت حياة أجمل عائلة إلى جحيم لا يطاق.
صحيح أن التحدي صعب، والرهان مغامرة مكلفة، بحاجة إلى عقول متزنة تكبح جماح القلوب التي ينفلت عقالها، لكنها تجربة على كل الأحوال قاسية، أنصح من لا يمتلكون ذلك الميزان الذهبي على وزن الأمور ألا يخوضوها، فالنتائج والله غير مضمونة.
البدائل قائمة
هي مهمة صعبة وتجربة مريرة، لكن أي رجل منا معرض لأن يخوضها مضطرا كان أم مختارا، سواء سعى إليها بنفسه باحثا عمن يمكن أن تؤنس وحشته وتهدهد عليه ويرمي نفسه في أحضانها آخر النهار من يوم عمل شاق يبث إليها هموم غربته، أو سعت هي إليه، ومهما تمنع ورفض وعاند وكابر لكنه من الممكن أن يضعف أمام رغبتها فيه، وربما الغربة القاسية هي التي تضعفه.
ما العمل في كلتا الحالتين؟.. من خلال واقع تجربتي في الغربة خلال السنوات الماضية أستطيع أن أؤكد أن هناك عبئا أمام الرجل للخروج من دائرة الحرمان، ذلك الحرمان المعنوي والعاطفي والرومانسي، وتلك الأشياء غير المحسوسة المادية التي لا يراها إلا كبار النفوس والقلوب.
فالآن يعيش العالم عصر التكنولوجيا الذي حول الكون إلى قرية كونية صغيرة، وجعل غرب العالم يتصل بشرقه، وجنوبه بشماله، فماذا يمنع الزوج من أن يصر؟ نعم يصر على أن تنقذه رفيقة دربه من "جيش الراغبات" اللواتي يردن اقتناصه في غربته هذه، وهو الوحيد هنا المفتقد لأية مناعة، من خلال الإكثار من مكالماته يوميا، وإدمان إرسال الرسائل العاطفية التي يهواها، وإشباع بريده الإلكتروني بالرسائل القصيرة السريعة.
صدقوني.. أن هذه الأمور على صغرها، تقع في القلب موقعا كبيرا، فكيف لو كانت المكالمة اليومية في ذات توقيت الاستيقاظ من النوم المعتاد عليه؟ وكيف لو فصل بينه وبينها آلاف الأميال؟ لكن صوتها المخملي المشبع بنوم هانئ اخترق المسافات، وأشعره حقا أنه إلى جانبها في هذا التوقيت الساحر، وهي تبادره بنغمة هادئة وصوت منخفض "صباح الخير حبيبي"؟ وكيف لو جاءت مكالمة آخر النهار قبيل الخلود إلى النوم؟ وكلمة "تصبح على خير حبيبي"، وهكذا ، وطبعا التوقيت لا يقل أهمية عن المضمون والمحتوى.
ولأنه بالمثال يتضح المقال أذكر هذه الواقعة عندما وصلتني في غربتي رسالة عبر الموبايل من رفيقة دربي الرائعة في إحدى المناسبات الخاصة، أظنه عيد زواج، وكانت روعتها في أنها نقلتني فعلا "من حيث أنا إلى حيث هي" نقلا جسديا حسيا، فضلا عن النقلة العاطفية المعنوية التي كنت بحاجة ماسة لها.
طبعا هنا لا يمكن أن أغفل ذكر تهنئتي لها بعيد ميلادها، بعد أن بحثت مليا عن مكالمة هاتفية بعيدة، ولكم أن تتصوروا فرحتها وهي تتيقن أن الاتصال لم يكن إلا لتهنئتها بهذه المناسبة!.
ثمن الغربة
ماذا لو قرر الزوج المغترب أن يجري مع زوجته المنهمكة مع الأولاد والوحدة حوارا عاطفيا إلكترونيا؟ أو كما يسمى "حبا ماسنجريا"، بصورة دورية، على أن تكون محادثة طويلة تمتد إلى ما بعد الفجر، وحتى شروق الشمس! نعم لا تظنوني مبالغا، فأنا شخصيا أدمن هذه العادة من سنوات.
أخيراً.. أبدو واثقا من تحميل الزوجين مسئولية أن يبقى الحب مشتعلا حتى في ظل الغربة، فالحرمان قاس والبعاد مؤلم، لا أتمناه لأحد، الأمر الذي لا يجعل القدرة ممكنة على تجاوز تكلفته وضريبته وغرامته، إلا من هيأ نفسه للحرمان مسبقا، وأعد العدة عاطفيا ومعنويا، لأنه فعلا مقدم على معركة ضارية برغم حلاوتها، لا يضمن أحد أن يخرج منها بدون إصابات أو جروح، حتى كاتب هذه السطور.
--------------
كاتب فلسطيني
غريب الصادق*
لعلها فرصة نادرة أن يبتعد الزوج عن زوجته، رفيقة دربه وشريكة مسيرته منذ بداياتها الأولى، في رحلة عمل أو سفر دراسة ليختبر فيها مشاعره، ويمتحن فيها بصدق حقيقة حبه لها، بعد أن تعمل العشرة عملها ويصبح الأبناء حقيقة راسخة في حياتهما، بحيث يبدو لهما أن الحب والعشق والهيام الحقيقي الذي جمعهما قد تبخر في التفاصيل، فهل يستطيع الزوج اختبار صدق هذه المشاعر؟ وكيف له أن يعمل على تنميتها ومنحها مزيد من الدفء بحيث تصمد أمام الرياح العاتية التي لابد أنها ستنتظره في أي غربة متوقعة له؟.
التحدي والرهان
ربما يشعر أي زوج بمشاعر الغربة بعد مرور أيام على غربته وابتعاده عن بيته وزوجته، لاسيما إذا كان الالتصاق بينهما شديدًا، وأنهما يعيشان بالفعل قصة حب حقيقية بالرغم من مرور الزمن عليها، فشعور الحرمان سرعان ما يغزوه ويبدأ في مراودته، عندها يبدأ التحدي.
أن تعتاد عيون زوج مغترب "ملتزم" على رؤية أجساد ممشوقة صباح مساء، وعطور باريسية تخترق الأنفاس، ثم يلوذ بذكريات تعود به إلى بيت الزوجية، يرى في كل غيداء من جميلات الغربة صورة زوجته، ورائحة عطرها، وكحلة عينها، فهو التحدي بعينه.
أن يسمع هذا الزوج "المسكين" كلمة إعجاب هنا، ونظرة استلطاف هناك، ومصافحة تتجاوز مدلولها المادي هنالك، ثم لا يجد استجابة لذلك إلا اللجوء إلى صورة فوتوغرافية لزوجته يزين بها محفظته الشخصية، ويدمن على تقبيلها قبل النوم وعند اليقظة، ويناجيها "أنقذيني مما أنا فيه"، فهو الرهان بعينه.
أن يرقب هذا المغترب -جسدًاً وروحًا- بعيون قلبه كيف يسير العشاق في الشوارع الباردة وهم في دفء عجيب؟ وما يلبث أن يكتفي بتذكر الأيام الخوالي، معزيًا نفسه بذكرى فسحة هنا، ونزهة هناك، وجلسة على شاطئ البحر، فهذا والله هو الصمود بعينه!.
كثير من الأزواج أعرفهم عاشوا أجواء الغربة هذه، لكن قليلا منهم من تأسى بسلوكي الذي تحدثت عنه في السطور الماضية، ليس لأنهم هم والرومانسية غير أصدقاء، أو لأن أشغالهم قد لا تسمح لهم بتذكر مثل هذه المواقف في الأيام الخالية، أو لأنهم لا يحملون لزوجاتهم معاني الوفاء والإخلاص، أو لأنهم يرون أنفسهم طلقاء أحرارًا يفكرون أنى شاءوا.
لكن ربما يكون الواحد منهم لا يجد نفسه ملزمًا بالتقيد بذكريات تفصله عنها آلاف الأميال مادام لم يخترق الإشارة الحمراء بترجمة هذا الميل لهذه أو تلك إلى سلوك عملي باقتران، أو قصة حب حقيقية جادة، فلا بأس من مواصلة هذا الإعجاب! أو كما قال لي أحدهم إنه يلجأ إلى ما وصفه بـ"فصل الحواس"، بأن يعيش قصة حب بل قصص حب في وقتها ومكانها، دون أن يعتبر ذلك في قرارة نفسه خدشًا للوحة الحب الزجاجية الرائعة التي تجمعه مع شريكة دربه، وهذه لعمري طريقة فريدة عجيبة مدهشة! على الأقل أثارت استغراب "ورفض" كاتب هذه السطور حين نصحه صاحبها بأن يمارسها ويستمتع بها، في غربة لا يعرف الواحد كم ستستمر، بدلا من أن يقضي أيامه ولياليه مسترجعًا ذكرياته، ولا يجد سلوى له سوى الدموع الحارة الساخنة، مناديًا على رفيقة دربه، حبه الأول وربما الأخير، لعلها تسمعه بقلبها.
قصة الأمس
كأني وجدت نفسي منساقًا في غربتي المؤلمة هذه أتابع بشغف عجيب رائعة المخرجة "إنعام محمد علي"، في مسلسلها "قصة الأمس" الذي تابعته أكثر من مرة سابقا، لكن متابعته في أجواء الغربة أكسبته مزيدًا من الروعة، فالزوج المغترب "مصطفى فهمي" منحته المخرجة العديد من الأعذار في أن يقترن بمهندسة تعمل في شركته، وهو الذي اغترب وبعد عن زوجته "إلهام شاهين" وولديه ليحصد لهم المال، ويرفع من مستوى معيشتهم عبر شراء السيارة والفيلا والشاليه!.
لكن السؤال الأكبر: أين كان العقل الذي بإمكانه أن يقوم بـ"فرملة" أي مشاعر قلبية جارفة؟ أين كانت حسابات المنطق التي يجب عليها في مثل هذه المنعطفات الحرجة في الحياة الزوجية أن تظهر وتبرز ويعلو صوتها؟.
أدرك أن هذا الأمر لا يقوى عليه إلا القليلون، آملا أن أكون منهم وأنا كذلك، لأن ما بعد نظرة الإعجاب وكلمة الاستلطاف والمصافحة العابرة أمور وأمور بإمكانها أن تقلب حياة الواحد منا رأسا على عقب، وهو ما أظهرته صاحبة "قصة الأمس" بجدارة رائعة وفائقة، حين تحولت حياة أجمل عائلة إلى جحيم لا يطاق.
صحيح أن التحدي صعب، والرهان مغامرة مكلفة، بحاجة إلى عقول متزنة تكبح جماح القلوب التي ينفلت عقالها، لكنها تجربة على كل الأحوال قاسية، أنصح من لا يمتلكون ذلك الميزان الذهبي على وزن الأمور ألا يخوضوها، فالنتائج والله غير مضمونة.
البدائل قائمة
هي مهمة صعبة وتجربة مريرة، لكن أي رجل منا معرض لأن يخوضها مضطرا كان أم مختارا، سواء سعى إليها بنفسه باحثا عمن يمكن أن تؤنس وحشته وتهدهد عليه ويرمي نفسه في أحضانها آخر النهار من يوم عمل شاق يبث إليها هموم غربته، أو سعت هي إليه، ومهما تمنع ورفض وعاند وكابر لكنه من الممكن أن يضعف أمام رغبتها فيه، وربما الغربة القاسية هي التي تضعفه.
ما العمل في كلتا الحالتين؟.. من خلال واقع تجربتي في الغربة خلال السنوات الماضية أستطيع أن أؤكد أن هناك عبئا أمام الرجل للخروج من دائرة الحرمان، ذلك الحرمان المعنوي والعاطفي والرومانسي، وتلك الأشياء غير المحسوسة المادية التي لا يراها إلا كبار النفوس والقلوب.
فالآن يعيش العالم عصر التكنولوجيا الذي حول الكون إلى قرية كونية صغيرة، وجعل غرب العالم يتصل بشرقه، وجنوبه بشماله، فماذا يمنع الزوج من أن يصر؟ نعم يصر على أن تنقذه رفيقة دربه من "جيش الراغبات" اللواتي يردن اقتناصه في غربته هذه، وهو الوحيد هنا المفتقد لأية مناعة، من خلال الإكثار من مكالماته يوميا، وإدمان إرسال الرسائل العاطفية التي يهواها، وإشباع بريده الإلكتروني بالرسائل القصيرة السريعة.
صدقوني.. أن هذه الأمور على صغرها، تقع في القلب موقعا كبيرا، فكيف لو كانت المكالمة اليومية في ذات توقيت الاستيقاظ من النوم المعتاد عليه؟ وكيف لو فصل بينه وبينها آلاف الأميال؟ لكن صوتها المخملي المشبع بنوم هانئ اخترق المسافات، وأشعره حقا أنه إلى جانبها في هذا التوقيت الساحر، وهي تبادره بنغمة هادئة وصوت منخفض "صباح الخير حبيبي"؟ وكيف لو جاءت مكالمة آخر النهار قبيل الخلود إلى النوم؟ وكلمة "تصبح على خير حبيبي"، وهكذا ، وطبعا التوقيت لا يقل أهمية عن المضمون والمحتوى.
ولأنه بالمثال يتضح المقال أذكر هذه الواقعة عندما وصلتني في غربتي رسالة عبر الموبايل من رفيقة دربي الرائعة في إحدى المناسبات الخاصة، أظنه عيد زواج، وكانت روعتها في أنها نقلتني فعلا "من حيث أنا إلى حيث هي" نقلا جسديا حسيا، فضلا عن النقلة العاطفية المعنوية التي كنت بحاجة ماسة لها.
طبعا هنا لا يمكن أن أغفل ذكر تهنئتي لها بعيد ميلادها، بعد أن بحثت مليا عن مكالمة هاتفية بعيدة، ولكم أن تتصوروا فرحتها وهي تتيقن أن الاتصال لم يكن إلا لتهنئتها بهذه المناسبة!.
ثمن الغربة
ماذا لو قرر الزوج المغترب أن يجري مع زوجته المنهمكة مع الأولاد والوحدة حوارا عاطفيا إلكترونيا؟ أو كما يسمى "حبا ماسنجريا"، بصورة دورية، على أن تكون محادثة طويلة تمتد إلى ما بعد الفجر، وحتى شروق الشمس! نعم لا تظنوني مبالغا، فأنا شخصيا أدمن هذه العادة من سنوات.
أخيراً.. أبدو واثقا من تحميل الزوجين مسئولية أن يبقى الحب مشتعلا حتى في ظل الغربة، فالحرمان قاس والبعاد مؤلم، لا أتمناه لأحد، الأمر الذي لا يجعل القدرة ممكنة على تجاوز تكلفته وضريبته وغرامته، إلا من هيأ نفسه للحرمان مسبقا، وأعد العدة عاطفيا ومعنويا، لأنه فعلا مقدم على معركة ضارية برغم حلاوتها، لا يضمن أحد أن يخرج منها بدون إصابات أو جروح، حتى كاتب هذه السطور.
--------------
كاتب فلسطيني