تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : النفط، حكاية قديمة قِدَمَ الكون



الشيخ سموح
04-07-2010, 12:16 AM
النفط، حكاية قديمة قِدَمَ الكون




يكثر الحديث عن النـِّفط هذه الأيام و معظمنا لا يعلم عن تلك المادة الغامضة إلا النزر اليسير.

و أنا أكتب هنا مقالاً مبسـَّطاً عن النفط لعلي أزيل بعض الغموض عن الذهب الأسود و أسراره.

لا يهدف المقال إلى جعل القارئ خبيراً بل يأخذه في رحلة سريعة من "فكرة النِّفط" إلى "رؤية النفط" على سطح الأرض.



ما النفط؟

تقول آخر نظريات العلماء أن النفط تكون بعد أن طـُمرت بحار و محيطات و كذلك غابات ما قبل التاريخ مع ما فيها من حيوانات و نباتات تحت آلاف الأمتار من الأتربة. و تحت تأثير الضغط الهائل و الحرارة على مدى ملايين السنين تحولت المواد العضوية إلى نفط.



تكون النفط في ما يسميه العلماء " الصخرة الأم". و ما يزال العلماء يحاولون اكتشاف مكان تلك الصخور الأم، و لكن بدون جدوى حتى الآن.

فأين يجد الحفـّارون النفط إذاً؟

يجد الحفّارون النفط في "الصخور المُخـَّزنة" أو الخَـزّانات.



ما دور الحفّارين في استخراج النفط؟

يُعدُّ الحفارون آخر حلقة في سلسلة الخبراء اللازمين لاستخراج النفط. إذ يأتي قبلهم خبراء علم الزلازل ثم علماء الجيولوجيا. فإن فُقد الأول أو الثاني فلا حفر استكشاف و لا نفط.



أين يوجد النفط و في أية طبقة؟

قلتُ أن النفط تكوّن منذ ملايين السنين في الصخرة الأم. ثم على مر ملايين السنين الأخرى "تَسَرَّبَ" النفط ببطء من مكان تولده قاطعاً مسافات كبيرة حتى وصل إلى حيث لم يعد بإمكانه "التقدم" فوقف هناك. لماذا؟ لأنه "ارتطم" بطبقة جيولوجية لا تتصل مسامّها ببعض فشكّلت تلك الطبقة حاجزاً منيعاً أمام مسار النفط فحبسته عن إكمال مسيرته، فصار عندنا الآن "الصخرة الخزان". فالنفط إذن يكون في تربة جيولوجية تـَرَسُّبِيـَّة. و من أمثلة الحاجز الصلصال.



هل النفط أسودَ دائماً؟

يظن الكثيرون أن النفط يكون أسود دائماً و هذا خطأ فالنفط قد يكون أسود، و هذا لونه "العادي" و لكني رأيت نفطاً مشرباً بالحمرة، و آخر مشرباً بالخُضرة، و استخرجت نفطاً أصفر شاحباً، و آخر يكاد يكون لا لون له كالماء.



هل يطفو النفط دائماً؟

من الجيد أن نعلم أن الكثافة تحدد، مع ميزات أخرى، سعر النفط. فكلما خفّت كثافة النفط زاد ثمنه. و كذلك كلما قلت نسبة الكبريت في النفط زاد سعره.



كم من الحفّارات تعمل الآن؟

هناك مئات عديدة من الحفارات التي تعمل باستمرار على اليابسة، و في البحار هناك ٢۹۰ آلة حفر تتراوح بين المنصات العائمة و المنصات نصف العائمة، و المنصات الثابتة، و بواخر الحفر، الخ.



هل يخرج النفط دائماً كالنافورة؟

يعتمد النفط ليخرج من أعماق الأرض على الضغط الكامن في الصخرة الخزان، فإن كان ذلك الضغط كافياً خرج النفط من تلقاء نفسه و إلا لجأ الإنسان إلى حلول بديلة لاستخراجه.

و ليس هناك عمق محدد لوجود النفط، فبعض الحقول تكون قريبة من السطح كما في العراق و الشيشان و غيرها، و بعضها عميق جداً.



سموح توفيق محمد نور

كتب في "أبو ظبي" في ٢ تمـوز ٢۰١۰م


يتبع

وسيم أحمد الفلو
05-07-2010, 10:10 PM
شكراً على المقال الجميل

أبو حسن
05-07-2010, 10:11 PM
ليتك دكتور وسيم تقوم بنقله إلى موضوع مستقل

وسيم أحمد الفلو
05-07-2010, 10:16 PM
معك حق أخي أبو حسن، وسوف أنتظر الإذن من صاحب المقال

الشيخ سموح
06-07-2010, 05:09 PM
النفط، حكاية قديمة قِدَمَ الكون٢




قبل أن يبدأ الحفر، لا بد من دراسات عديدة، زلزالية و جيولوجية.


فإن كانت المنطقة عذراء فإن علماء الجيولوجيا يتركون الخطوة الأولى لمهندسي الدراسات الزلزالية لإنارة الطريق أمامهم. و هذا لا يعني أن مهندسي الجيولوجيا يقفون مكتوفي الأيدي بل يدرسون الظاهر من الطبقات الجيولوجية في المنطقة المعينة و في المناطق المجاورة.




الدراسات الزلزالية:


لجعل الأمر سهلاً على القارئ فسأشرح مراحل الدراسة لحفر استكشاف برّي.


ينصُبُ علماء الدراسات الزلزالية أو الجيوفيزياء، نقاط التفجير على مساحة مدروسة. فإذا انفجرت تلك العبوات اقتحمت الموجات الصوتية طبقات الأرض. و بما أن لكل طبقة جيولوجية تكوين خاص بها، فإن رَجْعَ الصوت (الصدى) إلى سطح الأرض يكون مختلفاً زمانه من طبقة إلى أخرى.


و هنا يأتي عمل المجسّات المسجلة التي يكون مهندسو الجيوفيزياء قد أقاموها في شاحنات خاصة في منطقة الإنفجارات. فالمجسات تسجّل صدى الانفجارات بدقة بالغة محولة بذلك الصدى إلى خطوط و أشكال. حتى إذا انتهت الأجهزة من التسجيل تكونت لدى مهندسي الجيوفيزياء خريطة لجوف الأرض.


فالخريطة الزلزالية لقلب الأرض مكونة من الوقت الذي أخذته الموجات الصوتية لكي تـنزل من سطح الأرض فتخترق طبقة معينة ثم تنعكس عائدة إلى السطح فيسجلها المجس.




ما فائدة الخريطة الجوفية:


ترسم لنا الخريطة الجوفية شكل كل طبقة اخترقها الصوت المتولد عن الانفجارات على سطح الأرض.و بناءً على تلك الخريطة الزلزالية لجوف الأرض يرسم مهندسو الجيولوجيا خريطة مقطعية جيولوجية لداخل الأرض.


ما هو الشكل الذي يثير اهتمام الجيوفيزيائيين؟


يهتم مهندسو الجيوفيزياء بالعديد من الأشكال و لكني أركز هنا على شكل القبة حتى يكون الشرح أسهل للفهم.


لقد قلتُ أن النفط تكون في الصخرة الأم ثم "تنقّل" خلال ملايين السنين شاقاً طريقه في طبقات ترسبية حتى ارتطم بتربة غير ذات مسام أو طبقة بركانية، الخ لا تسمح له بإكمال سيره فوقف عندها مكوناً بذلك خزان النفط.




كيف يقيـّم مهندو النفط خزان النفط؟


إن غالبية آبار الاستكشاف لا تأتي بنتيجة إيجابية. و إذا حفرنا بئراً و وجدنا نفطاً فهذا لا يعني شيئاً أبداً فحتى نقول أن عندنا نفط يجب التأكد مما يلي:


أ هل اخترقنا مسافة كافية من التربة المشبعة بالنفط؟


ب إن كان الجواب إيجابياً فما هي درجة الإشباع؟ لأن درجة إشبع قليلة قد تعني أن كلفة استخراج النفط ستفوق قيمة المادة الموجودة نفسها.


ج إن وجدنا نفطاً فهل يمكن استخراجه؟ لأن التربة الترسبية تتميز بالمساميّة و هي نسبة الثقوب فيها. فإن كانت النسبة عالية لم يكفنا ذلك فنحن بحاجة إلى نفاذية عالية و إلا لم يتمكن النفط من "التسرب" حتى يصل إلى البئر.


د و السؤال الأخير، هل مساحة الحقل كبيرة حتى نتمكن من حساب كمية النفط؟




و الملاحظة المهمة هي أنه مهما كانت كمية النفط كبيرة و مهما كانت خواص التربة فإنه لا يمكن استخراج "كل" كمية النفط الموجودة في الحقل.







سموح توفيق محمد نور


كتب في "تمنراست الجزائر" في ٥ تمـوز ٢۰١۰م




يتبع

الشيخ سموح
08-07-2010, 10:16 PM
النفط، حكاية قديمة قِدَمَ الكون ٣






لنفترض أننا حفر الاستكشاف كان أيجابياً. ولكن قبل أن نُكمل، يجب أن نعلم كيف وجدنا النـِّفط، و لماذا حفرنا حتى عمق معين و ليس أي عمق آخر؟



أ يلازم أخصائي الجيولوجيا حفر الاستكشاف بدون كلل منذ اللحظة الأولى.

إن على الحفارة أن تخترق طبقات عديدة من الأرض، و الإنسان الوحيد القادر على "رؤية" ما يتم تحي الأرض هو أخصائي الجيولوجيا. فهو يقتطع جزءاً يسيراً من التربة التي تصعد إلى السطح مع أوحال الثقب، فيحللها و يقرر ما هي المادة أو المواد التي تكون تلك التربة. و هو يفعل ذلك مراراً و تكراراً طوال مدة الحفر حتى يتمكن من تحديد عمق بداية طبقة ما و كذلك تحديد العمق النهائي لتلك الطبقة.

فهو بذلك "يرى" أو يتحسس باطن الأرض و يرسم لنا خريطة لا يتم بدونها أي عمل لاحق في علم النفط.



ب و هو الجيولوجي نفسه الذي يقول لنا لاحقاً أننا بدأنا نخترق الطبقة الجيولوجية المناسبة، و هو الذي سيقول لنا أننا اخترقنا "كل" مسافة المنطقة المُشبعة بالنفط، الخ.


ج يُقرر الجيولوجي احتياجنا أم لا إلى "جزرة" من باطن الأرض لمزيد من التحاليل. و نحصل على الجزرة بأن نستعمل فأس حفر خاص فارغ الوسط من الصلب المغطى بالألماس، فمتى دارت أنابيب الحفر أدارت فأس الحفر فبرش الصخور على مساحة الألماس و بقيت الصخرة في وسطه سليمة فتدخل تلك الصخرة مع كل مليمتر نحفره. ثم يقوم الحفّارون بكسر الجزرة داخل أنبوبها الخاص (تسعة أمتار أو ثمانية عشر) و يرفعونها إلى السطح حيث يجعلونها في صناديق خشبية و يرسلونها بسرعة إلى مختبرات


د إن تحليل أجزاء الجزرة يعطينا صورة حقيقية شديدة الدقة عن ميزات الصخرة. و لكن هناك عملية أخرى يمكن لخبير الجيولوجيا أن يأمر بها و هي الدراسة الذرية، و هي أن يُدَلـّى جهاز خاص به مادة ذرية مشعة إلى قعر البئر ثم يُرفع ببطء إلى السطح. في هذه الأثناء "تقصف" الموجات المشعة الصخرة بذراتها فيقيس جهاز آخر "الصدى" الذي يصله من تلك الصخور و يوصله إلى السطح عبر سلك كهربائي فيُسجل للدراسة.

و بما أن كل صخرة و كل مادة تتفاعل بطريقة مختلفة مع الإشعاع الذري فإن الصدى يكون مختلفاً من صخرة إلى أخرى.

و قد يحتوي الجهاز الذري على أكثر من نوع واحد من الإشعاع (بيتا، غاما،...) و كل نوع له تأثير خاص على التربة و بالتالي يُحدث صدى خاصاً.

فإذا درس العلماء تلك الانعكاسات من جوف الأرض على الرسوم البيانية أمكنهم أن يخبروك بمادة التربة و بما تحتويه إن كان ماء أو غازاً أو نفطا.





سموح توفيق محمد نور

كتب في "تمنراست الجزائر" في ٧ تمـوز ٢۰١۰م



يتبع