محمد أحمد الفلو
14-07-2010, 10:39 PM
سمير عطا الله (http://www.alarabiya.net/writers/warchive.php?writer=702)
تعوّدنا ان نقرأ في مجلات العالم وصحفه عن اخبار الآخرين واحوالهم. منذ ثلاثة عقود، على الاقل، أقرأ "جون افريك" كل اسبوع. انها نافذتي على افريقيا وامور المغرب العربي. الاسبوع الماضي قرأت فيها عن لبنان. وفقا للمجلة(1)، نحن بلد تعود منه الخادمات الى مدغشقر بالتوابيت. الاكثر حظا منهن يعدن بحروق على اجسادهن. او باضلاع مكسرة. وجميعهن بذكريات مريرة: يبدأ عمل الخادمة في السادسة صباحا، ويستمر الى منتصف الليل. عليها ان تفعل كل شيء، الغسيل والطبخ والعناية بالاولاد، واحيانا العناية بالزوج في سريره. دون "اوفرتايم"، بالتأكيد.
ثمة افادة في هذا الباب لوزيرة الشؤون في البلاد، نادين رامورسون، تقول ان عدد العاملات ارتفع من الف في العام 2006 الى سبعة آلاف الآن. الراتب 150 دولارا في الشهر. اوقفت الحكومة اذون السفر لهن، لكن مافيات مكاتب التأجير لا تزال تتولى تهريبهن، بالغات وقاصرات.
كيف يجب ان نتصرف حيال هذا التقرير، شبه الرسمي: نطلب من سفيرنا في باريس مقاضاة "جون افريك"؟ الاحتجاج لدى حكومة مدغشقر؟ القيام بحملة دعائية توضيحية؟ انا الموقع ادناه، على استعداد تام، تكرارا، لان اشهد امام اي هيئة انسانية دولية، على اننا بلد بلا ضمير وبلا اخلاق. ونفتقر الى ابسط الحدود الدنيا في اصول معاملة البشر.
أليس من الظلم التعميم؟
أليست هناك بيوت تعامل العاملات كالبشر؟ بقدر ما اعرف، لا. واذا حصل حقا وكان هناك من يعامل الخادمة وفقا للمستويات البشرية المقبولة، فان العدد لا يمكن ان يشكل اطلاقا نسبة اعتراضية على هذا التعميم. ان قوافل الآسيويات والافريقيات العاملات في بيوت اللبنانيين مخلوقات معذبة ومضطهدة وتجسد، بالتأكيد، الكلاب والقطط في تلك البيوت. وكان يمكن ان يكتب عن هذه المسألة بهدوء اكثر، او بتحفظ اكثر، ومن دون هذا الاصرار على التعميم واتهام شعب بأكمله وبلد بأكمله. لكنني مصرّ، دون اعتذار من احد، وانني في هذا الركن اضع نفسي في تصرف اي هيئة قانونية، محلية او دولية، مهما تطلّب ذلك من وقت. سوف اشهد، انا، على انني رأيت الخادمات يعملن من السادسة صباحا الى منتصف الليل. واقفات يعملن. واقفات مثل الاشجار الافريقية الصغيرة في بلاد القحط والمجاعات. بلا حبة قمح.
قال الدكتور وليد الخالدي في خطاب قبول الدكتوراه الفخرية في الجامعة الاميركية الشهر الماضي، ان لبنان ليس مجرد بلد عربي آخر. ويقصد بذلك انه بلد صروح العلم العريقة، والجامعات القائمة منذ القرن التاسع عشر. بلد الاديرة العلمية، والموسوعات، وريادات الرسم والفنون.
تلك صورة الماضي! يجب عدم التغطية على مظاهر التوحش والبربرية التي تسود فوضى الحياة ومستويات الانحطاط: البربرية في السير، وظاهرة القتل العمد على ايدي السكارى والحشاشين ومجرمي المقود والدواسة. ثم معاملة الغرباء من سياح او ضيوف، عربا او اجانب، سواء من الناس والتجار او من رجال الوظيفة. ثم تلك العنصرية الفاجرة التي تمثلت في هجوم على حفل للسودانيين، خاطب خلاله مأمور مأخوذ ببياضه، السوداني المحتفل، قائلا: "تعال يا فحمة!".
كم هو عدد اقرباء هذا الابيض، المرصع مثل اسنان مارلين مونرو، الذين يعملون في البلدان الفاحمة في افريقيا؟ كم من عشرات الآلاف من اللبنانيين بنوا بيوتهم وجدرانهم وقرميدهم من العمل في بلاد البشرة الفاحمة؟
يعبر صاحب الجملة الخالدة "تعال يا فحمة" عن حالة عامة وليس عن حالة فردية. البربرية الاجتماعية لا تنمو على المقاعد بل في الساحات. وفي جمع الظواهر نبدو في نهاية المطاف بلدا فالتا: الفظائع في سجن رومية. المريع مما يحدث في سجن النساء في طرابلس. الوحوش التي تقود السيارات برخصة رسمية. نسبة الانتحار في صفوف الخادمات البائسات. لغة رجال السياسة في مخاطبة خصومهم. واداء رجال الوظيفة انفسهم، في جميع الاطر المذكورة آنفا.
ثمة اجماع وطني على مدى رقي زياد بارود وحيويته. ولكن كيف لرجل واحد ان يعمل في بلد اعتاد البربرية ومخالفة القانون ورفض الاخلاق، على انها الشرعة الواجبة؟ مررت قبل ايام بثلاث تقاطعات طرق (ومر بها الوف غيري) فوجدت رجل السير يدخن جانبا، بينما السواقون يمارسون صراع الديوك المكسيكية. في الحالات الثلاث لم يكترث ولم يتحرك ولم يتوقف عن تبادل المسرات مع رجل آخر. لقد تساوت في الشارع السلوكيات الهمجية وتساوى التوافق على احتقار المسؤوليات والاصول. فثمة شعور عام بأن لا مكان للاوادم، وان القانون اضاعة للوقت واضاعة للفرص، بالاضافة الى ان من يطبقه يثير سخرية الآخرين.
يتساءل كمال ديب في "بيروت والحداثة"(2): كيف يمكن لبلد جبران خليل جبران والرحابنة ومدينة الاربعين جامعة ومنارة العرب وعاصمتهم الثقافية ومطلهم على الحضارات الغربية ونموذجهم في التنوع الديني، ان يغرق في حرب مدمرة استغرقت 16 عاما... ثم كيف لبلد زرع حديقة لجبران في وسط المدينة ان يستعمل هذه الحديقة ساحة للقتال المتجدد؟".
يرى الجواب في ان اللبنانيين مصابون بمرض عصابي. ليس فقط انهم لم يحاكموا الذين اخذوهم الى الحرب، وتركوا لهم 150 الف قتيل، بل ساروا خلفهم وتعشقوا نزعاتهم العنفية، وتحزبوا لكراهياتهم الشخصية والعامة. ويقف اللبناني متفرجا او مصفقا وهو يصغي الى بعض هؤلاء يقول، وعينه مفتوحة على بياضها، ان لا دماء على يديه، كأنما الالوف الذين قضوا بسببه كانوا بلا دماء. لا دماء لهم ولا اسماء.
وذلك لكثرة الذين قضوا من ذوي الاسماء. كل يوم في لبنان له شهيد. وغالبا شهيد له صفة العداوة في القاطع الآخر، حيث توزع "النقولات" على الطرق في يوم اغتياله، وتوزع الحلوى في ما بعد في ذكرى ذلك اليوم. يعدد كمال ديب نحو 50 فقيدا سياسيا يتذكرهم اللبنانيون بالذكر الحكيم والقداديس ثم يضيفون الى ذلك ذكرى 13 نيسان على طريقة كل قديس بمفرده ثم جميع القديسين معا. كل شيء جمعي هنا. وخصوصا موت الضمير.
تخصص "الآداب" عددها الحالي لتكريم زياد الرحباني. لقد كان لا يزال يافعا عندما ابلغنا، ايضا بالموسيقى والمسرح، ان الوطن الذي بناه عاصي ومنصور قد مات. متعوا انفسكم ما شئتم بخدر الجماليات، لكن الوطن الذي بناه لنا الرحبانيان، من عرزال ونقاء ومصالحات غنائية، قد هوى. في مسرح زياد، صار اللبناني قوادا على زوجته، يقبل جميع العملات الصعبة، لكنه يهب هبة واحدة عندما يكتشف ان لها ضعفا خاصا على "البيزيتا" الاسبانية. عندها يقرر ان "ينطح" بخل الاسبان، صارخا ملعلعا: "الاسبان ولي؟ ما لقيتي غير الاسبان؟".
كانت عبقرية زياد استباقية لكنها خربت علينا الخيمة الجميلة التي جعلنا الاخوان رحباني نعيش تحتها فانتازيا مملكة "كاميلوت" بعد الحرب الحارة، استمرت حجارة الحلم في السقوط. لكننا لا نزال لاجئين في خيمة عاصي ومنصور. لا مكان آخر نفزع اليه ولا بديل الا الكارثة. ساعة يطلع لنا من ينادي على سوداني "تعال يا فحمة"، او ساعة تغادر مطار بيروت جثة اسيوية بائسة جاءت من اجل 150 دولارا ثم فضلت الانتحار على عبوديات لبنان وسياطه.
كثير علينا هذا الانحطاط. اصبحنا مجرد تقرير سنوي في اصدارات "حقوق الانسان". عندما عدنا الى هذا البلد، تعاهدنا، زوجتي وانا، على انه اذا كان لا بد من عاملة آسيوية في البيت، فلا يمكن ان تنام ليلة واحدة تحت سقفنا. لا يمكن تحويل هذا البيت سجنا، حتى لليلة واحدة. لا يمكن ان يخيل الى اي مخلوقة اننا مجرد بيت لبناني آخر. حتى بالمخيلة. وابنتي وابني يقولان ان في اجمل مما حدث لحياتنا، هذه السيدة السري لانكية التي لا نعرف متى تأتي ومتى تذهب، لكننا نعرف ان من دونها حياتنا اقل نوعية بكثير.
*نقلاً عن "النهار" اللبنانية
تعوّدنا ان نقرأ في مجلات العالم وصحفه عن اخبار الآخرين واحوالهم. منذ ثلاثة عقود، على الاقل، أقرأ "جون افريك" كل اسبوع. انها نافذتي على افريقيا وامور المغرب العربي. الاسبوع الماضي قرأت فيها عن لبنان. وفقا للمجلة(1)، نحن بلد تعود منه الخادمات الى مدغشقر بالتوابيت. الاكثر حظا منهن يعدن بحروق على اجسادهن. او باضلاع مكسرة. وجميعهن بذكريات مريرة: يبدأ عمل الخادمة في السادسة صباحا، ويستمر الى منتصف الليل. عليها ان تفعل كل شيء، الغسيل والطبخ والعناية بالاولاد، واحيانا العناية بالزوج في سريره. دون "اوفرتايم"، بالتأكيد.
ثمة افادة في هذا الباب لوزيرة الشؤون في البلاد، نادين رامورسون، تقول ان عدد العاملات ارتفع من الف في العام 2006 الى سبعة آلاف الآن. الراتب 150 دولارا في الشهر. اوقفت الحكومة اذون السفر لهن، لكن مافيات مكاتب التأجير لا تزال تتولى تهريبهن، بالغات وقاصرات.
كيف يجب ان نتصرف حيال هذا التقرير، شبه الرسمي: نطلب من سفيرنا في باريس مقاضاة "جون افريك"؟ الاحتجاج لدى حكومة مدغشقر؟ القيام بحملة دعائية توضيحية؟ انا الموقع ادناه، على استعداد تام، تكرارا، لان اشهد امام اي هيئة انسانية دولية، على اننا بلد بلا ضمير وبلا اخلاق. ونفتقر الى ابسط الحدود الدنيا في اصول معاملة البشر.
أليس من الظلم التعميم؟
أليست هناك بيوت تعامل العاملات كالبشر؟ بقدر ما اعرف، لا. واذا حصل حقا وكان هناك من يعامل الخادمة وفقا للمستويات البشرية المقبولة، فان العدد لا يمكن ان يشكل اطلاقا نسبة اعتراضية على هذا التعميم. ان قوافل الآسيويات والافريقيات العاملات في بيوت اللبنانيين مخلوقات معذبة ومضطهدة وتجسد، بالتأكيد، الكلاب والقطط في تلك البيوت. وكان يمكن ان يكتب عن هذه المسألة بهدوء اكثر، او بتحفظ اكثر، ومن دون هذا الاصرار على التعميم واتهام شعب بأكمله وبلد بأكمله. لكنني مصرّ، دون اعتذار من احد، وانني في هذا الركن اضع نفسي في تصرف اي هيئة قانونية، محلية او دولية، مهما تطلّب ذلك من وقت. سوف اشهد، انا، على انني رأيت الخادمات يعملن من السادسة صباحا الى منتصف الليل. واقفات يعملن. واقفات مثل الاشجار الافريقية الصغيرة في بلاد القحط والمجاعات. بلا حبة قمح.
قال الدكتور وليد الخالدي في خطاب قبول الدكتوراه الفخرية في الجامعة الاميركية الشهر الماضي، ان لبنان ليس مجرد بلد عربي آخر. ويقصد بذلك انه بلد صروح العلم العريقة، والجامعات القائمة منذ القرن التاسع عشر. بلد الاديرة العلمية، والموسوعات، وريادات الرسم والفنون.
تلك صورة الماضي! يجب عدم التغطية على مظاهر التوحش والبربرية التي تسود فوضى الحياة ومستويات الانحطاط: البربرية في السير، وظاهرة القتل العمد على ايدي السكارى والحشاشين ومجرمي المقود والدواسة. ثم معاملة الغرباء من سياح او ضيوف، عربا او اجانب، سواء من الناس والتجار او من رجال الوظيفة. ثم تلك العنصرية الفاجرة التي تمثلت في هجوم على حفل للسودانيين، خاطب خلاله مأمور مأخوذ ببياضه، السوداني المحتفل، قائلا: "تعال يا فحمة!".
كم هو عدد اقرباء هذا الابيض، المرصع مثل اسنان مارلين مونرو، الذين يعملون في البلدان الفاحمة في افريقيا؟ كم من عشرات الآلاف من اللبنانيين بنوا بيوتهم وجدرانهم وقرميدهم من العمل في بلاد البشرة الفاحمة؟
يعبر صاحب الجملة الخالدة "تعال يا فحمة" عن حالة عامة وليس عن حالة فردية. البربرية الاجتماعية لا تنمو على المقاعد بل في الساحات. وفي جمع الظواهر نبدو في نهاية المطاف بلدا فالتا: الفظائع في سجن رومية. المريع مما يحدث في سجن النساء في طرابلس. الوحوش التي تقود السيارات برخصة رسمية. نسبة الانتحار في صفوف الخادمات البائسات. لغة رجال السياسة في مخاطبة خصومهم. واداء رجال الوظيفة انفسهم، في جميع الاطر المذكورة آنفا.
ثمة اجماع وطني على مدى رقي زياد بارود وحيويته. ولكن كيف لرجل واحد ان يعمل في بلد اعتاد البربرية ومخالفة القانون ورفض الاخلاق، على انها الشرعة الواجبة؟ مررت قبل ايام بثلاث تقاطعات طرق (ومر بها الوف غيري) فوجدت رجل السير يدخن جانبا، بينما السواقون يمارسون صراع الديوك المكسيكية. في الحالات الثلاث لم يكترث ولم يتحرك ولم يتوقف عن تبادل المسرات مع رجل آخر. لقد تساوت في الشارع السلوكيات الهمجية وتساوى التوافق على احتقار المسؤوليات والاصول. فثمة شعور عام بأن لا مكان للاوادم، وان القانون اضاعة للوقت واضاعة للفرص، بالاضافة الى ان من يطبقه يثير سخرية الآخرين.
يتساءل كمال ديب في "بيروت والحداثة"(2): كيف يمكن لبلد جبران خليل جبران والرحابنة ومدينة الاربعين جامعة ومنارة العرب وعاصمتهم الثقافية ومطلهم على الحضارات الغربية ونموذجهم في التنوع الديني، ان يغرق في حرب مدمرة استغرقت 16 عاما... ثم كيف لبلد زرع حديقة لجبران في وسط المدينة ان يستعمل هذه الحديقة ساحة للقتال المتجدد؟".
يرى الجواب في ان اللبنانيين مصابون بمرض عصابي. ليس فقط انهم لم يحاكموا الذين اخذوهم الى الحرب، وتركوا لهم 150 الف قتيل، بل ساروا خلفهم وتعشقوا نزعاتهم العنفية، وتحزبوا لكراهياتهم الشخصية والعامة. ويقف اللبناني متفرجا او مصفقا وهو يصغي الى بعض هؤلاء يقول، وعينه مفتوحة على بياضها، ان لا دماء على يديه، كأنما الالوف الذين قضوا بسببه كانوا بلا دماء. لا دماء لهم ولا اسماء.
وذلك لكثرة الذين قضوا من ذوي الاسماء. كل يوم في لبنان له شهيد. وغالبا شهيد له صفة العداوة في القاطع الآخر، حيث توزع "النقولات" على الطرق في يوم اغتياله، وتوزع الحلوى في ما بعد في ذكرى ذلك اليوم. يعدد كمال ديب نحو 50 فقيدا سياسيا يتذكرهم اللبنانيون بالذكر الحكيم والقداديس ثم يضيفون الى ذلك ذكرى 13 نيسان على طريقة كل قديس بمفرده ثم جميع القديسين معا. كل شيء جمعي هنا. وخصوصا موت الضمير.
تخصص "الآداب" عددها الحالي لتكريم زياد الرحباني. لقد كان لا يزال يافعا عندما ابلغنا، ايضا بالموسيقى والمسرح، ان الوطن الذي بناه عاصي ومنصور قد مات. متعوا انفسكم ما شئتم بخدر الجماليات، لكن الوطن الذي بناه لنا الرحبانيان، من عرزال ونقاء ومصالحات غنائية، قد هوى. في مسرح زياد، صار اللبناني قوادا على زوجته، يقبل جميع العملات الصعبة، لكنه يهب هبة واحدة عندما يكتشف ان لها ضعفا خاصا على "البيزيتا" الاسبانية. عندها يقرر ان "ينطح" بخل الاسبان، صارخا ملعلعا: "الاسبان ولي؟ ما لقيتي غير الاسبان؟".
كانت عبقرية زياد استباقية لكنها خربت علينا الخيمة الجميلة التي جعلنا الاخوان رحباني نعيش تحتها فانتازيا مملكة "كاميلوت" بعد الحرب الحارة، استمرت حجارة الحلم في السقوط. لكننا لا نزال لاجئين في خيمة عاصي ومنصور. لا مكان آخر نفزع اليه ولا بديل الا الكارثة. ساعة يطلع لنا من ينادي على سوداني "تعال يا فحمة"، او ساعة تغادر مطار بيروت جثة اسيوية بائسة جاءت من اجل 150 دولارا ثم فضلت الانتحار على عبوديات لبنان وسياطه.
كثير علينا هذا الانحطاط. اصبحنا مجرد تقرير سنوي في اصدارات "حقوق الانسان". عندما عدنا الى هذا البلد، تعاهدنا، زوجتي وانا، على انه اذا كان لا بد من عاملة آسيوية في البيت، فلا يمكن ان تنام ليلة واحدة تحت سقفنا. لا يمكن تحويل هذا البيت سجنا، حتى لليلة واحدة. لا يمكن ان يخيل الى اي مخلوقة اننا مجرد بيت لبناني آخر. حتى بالمخيلة. وابنتي وابني يقولان ان في اجمل مما حدث لحياتنا، هذه السيدة السري لانكية التي لا نعرف متى تأتي ومتى تذهب، لكننا نعرف ان من دونها حياتنا اقل نوعية بكثير.
*نقلاً عن "النهار" اللبنانية