المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاستعداد للموت



الشيخ علي الظنط
04-08-2010, 05:11 AM
قال تعالى { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون }
ليس المهم فقط أن نعلم أننا سنرجع إلى الله تعالى وستنشر أمامنا صحائف أعمالنا بقدر ما هو مهم أن نتهيأ ونستعد لهذا اللقاء .

ولصعوبة هذا الأمر نجد النبي (صلى الله عليه وسلم) يحذر أمته قبل فوات الأوان ولات ساعة مندم " أنذرتكم النار " " أنقذوا أنفسكم من النار " " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبيكتم كثيرا ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله "

فلنقف وقفات تأمل مع الذي لا مفر منه هادم اللذات ومفرق الجماعات ذلك الهم المخيف الذي أعيا الأطباء


قل للطبيب بطبه ودوائه يا شافي الناس من أرداك



الموت الذي لا يستأذن على شريف دون وضيع . ولا يخاف من قوي أو شديد ولا ينجو منه غني ولا زعيم والذي يدرك الإنسان أينما كان { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة } وهو لا يؤخر الإنسان لحظة { فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون}

إنه الخطر الداهم .. والكابوس المرعب .. أعظم مصيبة..

هذا اللقاء الذي خاف منه الصالحون. وإذا تأملنا حال سلفنا الصالح عند الموت نلحظ خطورة الأمر وهم من هم تقى وورعا وإيمانا ... فها هو عمر عند الموت يقول : ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي .

وأحد الصالحين يبكي عند الموت فيقال له ما يبكيك وأنت من أنت فيقول تذكرت قوله تعالى { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون }. وآخر يتذكر قوله تعالى { وحيل بينهم وبين ما يشتهون }

فلنقف اخوتي الكرام مع الموت طالما أنه كأس وكل الناس شاربه { كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} ماذا أعددنا لسكراته ؟؟ ماذا أعددنا لكرباته ؟؟ ماذا أعددنا لفظائعه؟؟ كيف نزحزح عن النار ؟ وكيف ننجو من أول منازل الآخرة ؟؟

بيَّن لنا ذلك المولى عز وجل بقوله { ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} .

فكيف نموت اخوتي الكرام مسلمين ؟؟ { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب} نلتزم تقوى ونوطن أنفسنا أن نبقى على طاعة الله تعالى ونجتنب المعاصي .

وصدق الشاعر إذ يقول :


وتزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جن ليل هل تحيا إلى الفجر



فكم من صغير مات من غير علة وكم من عليل عاش حينا من الدهر



وكم من صغير يرتجى طول عمره وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري



وكم من عروس زينوها لزوجها وقد قبضت روحهما ليلة القدر


ولا بد لنا من تعجيل التوبة قبل فوات الأوان لأن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر . و لئلا نكون من الذين عناهم الله تعالى بقوله { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت } فيقال له { كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه }

وعلينا أن نحذر أشد الحذر من الغفلة التي تلهي وتنسي { اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون * ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون * لاهية قلوبهم ..} { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون * إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون}

جاء في الصحيح أنَّه"يؤتى بالموت كأنه كبش أملح حتى يوقف على السور بين الجنة و النار فيقال : يا أهل الجنة ! فيشرئبون و يقال : يا أهل النار ! فيشرئبون فيقال : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم هذا الموت فيضجع و يذبح فلولا أن الله قضى لأهل الجنة الحياة و البقاء لماتوا فرحا و لولا أن الله قضى لأهل النار الحياة فيها لماتوا ترحا .

والمنجي من الغفلة هو النظر إلى الدنيا من منظار الوحي وعدم الركون إليها. ولتصوير الدنيا على حقيقتها يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) :" ما لي وللدنيا ؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل شجرة ثم راح وتركها".

ولنستمع إلى وصية النبي (صلى الله عليه وسلم) لابن عمر (رضي الله عنه):" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".

وكان ابن عمر يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك.ولنأخذ بوصية علي (رضي الله عنه): اعمل لدنياك كانك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.

عن سلمان(رضي الله عنه) قال: ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني: مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس يغفل عنه، وضاحك ملء فيه لا يدري أساخط رب العالمين عليه أم راض عنه؟. وثلاث أحزنتني حتى أبكتني : فراق الأحبة – محمد وحزبه – وهول المطلع، والوقوف بين يدي الله ولا أدري أين يؤمر بي، إلى الجنة أم إلى النار.


( وللكلام بقية)