أيمن غ القلموني
17-08-2010, 04:36 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد قمت بطلب فتوى من موقع الإسلام سؤال وجواب تعليقا على الموضوع الذي كتبه الأخ إبن حارة العين بعنوان [الـ 15 المبشرون بالبلدية] (http://forum.qalamoun.com/showthread.php?13432) .
وإليكم نص السؤال :
أحد الإخوة قام بنقل حدث عام ( كالإنتخابات البلدية التي تجري في لبنان ) من خلال تقليد مشاهد وأحداث جرت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وتطويع تلك الأحداث لما يناسب سياق المشهد الذي أراد نقل أحداثه ، ولأجل أن تتوضح الصورة لديكم أكثر فأكثر : أحيلكم على مقتطفات مما كتبه الأخ :
- في الليلة التي سبقت . أصاب شيء من الأرق عيون الناس فاليوم هو اليوم المشهود . اليوم هو يوم الامتحانات . اليوم يقدم الطلاب ما سعوا لبلوغه طوال سنوات . سنوات تداولت بينهم كأنها لحظات . اليوم يطبقون قوله تعالى ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) .
- وفيما الناس محتشدون ومتربصون أمام المدرسة كأنهم جيش مقدم على فتح القسطنطنية لاح في الأفق رجل أمن يفتح البوابة . لم ينتبه الكل لما حدث فقد تآخذتهم الأحاديث عن أمجاد هذا اليوم . وإذا برجل بينهم يصيح بلهجة عامية " هلموا ، أقبلوا إلى مبتغاكم ، فتحت الأبواب ، سارعوا قبل أن يسبقكم الآخرون " ، فلبَّى الكل النداء وطفقوا يهرولون نحو الباب ، الأقلام في أيديهم واللوائح في صدورهم . بعضهم لبس " القبوعة " للوقاية وآخرون " الجيلي " للحماية.
- غزا هذا الجيش العارم المركز في ثواني فلم يترك زاوية إلا استقر فيها ولا غرفة إلا أثخن رحاله قربها . هكذا كانت أوامر قائدهم المحنك .
استقبله رؤساء الأقلام ببشاشة . سألوهم عن أسمائهم فأجابوا . وأمروهم بالإمضاء فاستجابوا . كتب على ورقته بضعة أسماء ثم غرس يده في حبر به تكتب أمجاد الأمة . حبر كالتوحيد لا يزول إلا كما تزول الجبال .
ثم ترك الغرفة مختالا فخوراً يمشي يهز الأرض من تحته ولا عجب في ذلك فتلك مشية حرمها الله إلا في مواقف هكذا. وعندما وصل إلى بوابة المركز سأله القائد " هل كتبت ما أمرتك به ؟ " فأجاب المسلم " ما بايعتك يا قائدي إلا على هذا !! "
ء وبينما كان المسلمون يغزون المركز ويغنمون من الغنائم والحسنات ما يزن جبل أحد ، ضاقت نفوس المرابطين خارج المركز وبدأوا يتساءلون " كيف نفوِّت هذا الأجر العظيم . أينتخب القائد ونحن ههنا واقفون ؟ أيسبقنا إخواننا ونحن أولى بالحصون ؟ والله قد أصابنا شيء من الجنون ! .
وكان في يد أحدهم زجاجة مياه " تنورين " فرماها وقال " و الله إني لأشم رائحة الفوز دون المركز ، والله لأنتخبن نكاية بالأعداء " ثم هرول بين الصفوف وصعد درج المركز وابتعد حتى حالت بينه وبين مرأى العيون حشود المسلمين الكثيفة . هنئيا له ما سعى إليه فهو أسعد الناس اليوم .
أحس المسلمون بشيء من الضيق وشاع بينهم أنهم قد خسروا وأن قائدهم قد أغمي عليه ، وأخذ الأعداء يتخطفونهم من كل زاوية ، فبلغت القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنون . تراجعوا رويدا رويدا من الحصن إلى أن أطبق الأعداء عليه مرة أخرى ولم يبق إلا القائد وحوله ثلة مؤمنة " .
أكتفي بهذا القدر من الأمثلة لكي لا نطيل عليكم .
فهل يجوز استعمال أسلوب كهذا في تصوير الأحداث اليومية التي يعيشها الناس ؟
واستطراداً ، هل يأثم الإنسان على استعماله شعارات دينية في سبيل إيصال فكرة معينة ؟ وهل لنية الشخص الكاتب علاقة في تفسير كلامه فلربما كانت نيته النصح من خلال استعمال أحداث معروفه للقراء ولم تكن نيته الاستهزاء ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما كُتب أعلاه يعود في حقيقته إلى الاستهزاء والسخرية بالألفاظ والمعاني الشرعية ، وابتذالها في غير ما وضعها له الشرع ، وعظمها فيه ؛ فلا يحل كتابته ولا نشره ، وكل مسلم يعظم النصوص الشرعية ويعظم أحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم ويعظم الصحابة رضي الله عنهم ليرفض هذا الأسلوب السمج في الكتابة والذي فيه تنزيل نصوص الوحي في غير محلها ، وفيه تشبيه أحداث سخيفة بأحداث عظيمة جليلة .
ولو أن الأخ السائل ذكر عنوان تلك المقالة السمجة لكان كافيا لتنفر منه قلوب أهل السنَّة ، فقد عنون صاحب المقالة لمقالته بقوله " ال 15 المبشرون بالبلدية " !! فهل ثمة استهزاء بنصوص الوحي وبالصحابة الكرام أعظم من هذا ، وقال في مقاله التافه " و عند الساعة العاشرة ليلا اعتلى رئيس القلم درج المركز و أخذ يتلو :
1. وسيم في البلدية .
2. باسم في البلدية .
3. طلال في البلدية .
4. وجدي في البلدية .
... حتى عدَّ خمسة عشر شخصاً ! .
فهل يجوِّز مثل هذه الكتابة أحدٌ ذاق طعم الإيمان وفي قلبه تعظيم لنصوص الوحي ونبي الإسلام وصحابته الكرام ؟! .
ولنتأمل ما في المقال من مخالفات شرعية بشيء من التفصيل :
1. قوله عن يوم الانتخابات " فاليوم هو اليوم المشهود " ! .
وهذا كذب ، وهذه الكلمة تصلح لوصف أيام الدنيا العظيمة كيوم الجمعة ويوم النحر ويوم عرفة ، أو أنها في وصف يوم القيامة ، وهكذا قيل في تفسير قوله تعالى ( وشَاهِدٍ وَمَشْهُود ) ، وأما أن يوصف به يوم انتخابات بلدية في بلد صغير فلا يخرج عن كونه كذباً واستعمال لفظ شرعي لتعظيم ما لا يستحق من أيام .
2. قوله " اليوم يطبقون قوله تعالى ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) " .
وهذا كلام فاسد ، واستدلال كاسد ، وقوله تعالى ( ذلك ) المراد به ثواب الآخرة والأجور يوم القيامة ، والتنافس المشجَّع عليه هو للحصول على ذلك الثواب وذلك الأجر .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله ء :
( وَفِي ذَلِكَ ) النعيم المقيم الذي لا يعلم حسنه ومقداره إلا الله .
( فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ) أي : يتسابقوا في المبادرة إليه بالأعمال الموصلة إليه ، فهذا أولى ما بُذلت فيه نفائس الأنفاس ، وأحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال .
" تفسير السعدي " ( ص 916 ) .
فأين هذا المعنى للآية من الاستدلال به على المشاركة في انتخابات بلدية ؟! .
2. قوله " حبر كالتوحيد لا يزول إلا كما تزول الجبال " .
وهذا تشبيه سخيف ، والحبر يزوال بقليل من الماء وقليل من المنظفات ، فكيف يشبَّه التوحيد الذي يرسخ بالجبال بحبر هذا حاله ؟! .
3. قوله " ثم ترك الغرفة مختالا فخوراً يمشي يهز الأرض من تحته ولا عجب في ذلك فتلك مشية حرمها الله إلا في هكذا مواقف " .
وهذا كذب على الشريعة ، بل مشية الاختيال لا تجوز إلا في الجهاد أمام أعداء الإسلام ، وإلحاق مشية الانتخابات مما لا يجوز وهو داخل في الاستهزاء بالشرع .
عن جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَالِاخْتِيَالُ الَّذِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَعِنْدَ الصَّدَقَةِ وَالِاخْتِيَالُ الَّذِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخُيَلَاءُ فِي الْبَاطِلِ ) .
رواه النسائي ( 2558 ) وأبو داود ( 2659 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح النسائي " .
قال المناوي – رحمه الله ء :
التبختر مشية يبغضها الله إلا بين الصفين فإذا علمت أن للمَواطن أحكاما فافعل بمقتضاها تكن حكيماً .
" فيض القدير " ( 4 / 366 ) .
4. قوله " وعندما وصل إلى بوابة المركز سأله القائد " هل كتبت ما أمرتك به ؟ " فأجاب المسلم " ما بايعتك يا قائدي إلا على هذا !! " .
وانظر إليهم كيف جعلوا البيعة على التصويت ! وكيف جعلوا المصوِّتين لا إرادة عندهم بل هم يأتمرون بأمر قائدهم ويرشحون ما تختارهم قيادتهم ! وهو تضييع للأمانة واتباع لأهواء الأحزاب .
5. قوله " وبينما كان المسلمون يغزون المركز ويغنمون من الغنائم والحسنات ما يزن جبل أحد " .
وهذا سخف ظاهر ، فأين هي الغنائم ؟ وأين هي الحسنات ؟ وانظر إليه كيف جعلها بما يزن جبل أحد ! وكأنه في دخل معركة يجاهد فيها أعداء الله ، أو كأنه يدافع عن أعراض المسلمات ضد من أراد النيل منهن ، وكل ذلك غير كائن ، بل هي أوراق تافهة كتبوا اسم مرشحهم عليها ليفوز بالإشراف على تنظيم سيارات القمامة ! وغيرها من أعمال البلديات ! .
6. وكان في يد أحدهم زجاجة مياه " تنورين " فرماها وقال " و الله إني لأشم رائحة الفوز دون المركز ، والله لأنتخبن نكاية بالأعداء " .
وهذا سخف واستهزاء بالشرع ظاهر ، ولا ينبغي لمسلم يغار على دينه أن يقبله ، وإننا لنأسف أن تصل حال أولئك لهذا من السخرية والاستهزاء بذروة سنام الإسلام وهو الجهاد ، ويتم العبث بكلام المجاهدين من الصحابة الذين قدَّموا أرواحهم دفعاً عن بيضة الإسلام ، وانظر لهؤلاء كيف جعلوا وضع ورقة في صندوق الانتخابات كأنه الجهاد الأعظم وكأنه النصر للإسلام والفوز المبين ! .
7. قوله " وأخذ الأعداء يتخطفونهم من كل زاوية ، فبلغت القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنون" .
ومن هم الأعداء ؟! هل هم الكفار الباطنية باعتبار دينهم ، أم باعتبار مخالفتهم لكم في الحزبية ؟! وأليس معكم في حزبكم أعداء لله ورسوله ودينه ؟! وما هو الظن بالله الذي ظننتموه ؟! أنه سينصركم ويؤيدكم ؟! وعلى ماذا ؟! .
من حيث العموم لا يجوز استعمال عبارات دينية في سبيل إيصال فكرة معينة للناس ، ولا تنفع حسن النية مع مثل هذه الأعمال ، وقد سبق منَّا التنبيه على فساد كثير من النشرات احتوت على كلمات دينية وأراد أصحابها إيصال معانٍ سامية كالتوبة من الذنوب ، والاستعداد ليوم الرحيل ، ولكنهم ضلوا الطريق فأصدروا نشرات هي في الواقع نشرات استهزاء بالشرع وألفاظه وأحكامه ، فهذه نشرة بعنوان " مكياج يدخل صاحبته الجنة إن شاء الله " ! ، و " نشرة البطاقة الشخصية وشروط الرحلة " ، ونشرة بعنوان " " بندول ، علاج الذنوب ، دواء فعَّال لعلاج جميع الذنوب ، والهموم ، والآلام والأحزان " ! ، ونشرة بعنوان " كريم الأذكار ، يحفظك من الشر ويُبعد عنك كل ما ضر ! " ، وأُخرجت نشرة بعنوان : " مضاد للخطايا ، فعّال يحط جميع خطاياك ، ولو كانت مثل زبد البحر " ، ونشرة بعنوان " بيت للتمليك ، لا يفوتك ، يطل على ثلاث واجهات " ! ، وأقبحها : نشرة بعنوان " الرقم الخاص بالملِك " أي : الله جلَّ جلاله ، وقد كتبوا فيها :
اتصل على هذا الرقم فهذا الرقم الخاص بالملِك ء ( أي : الله ! ) ء الرقم هو : 222 فقط وبدون مفتاح للدولة وبدون مفتاح للمدينة ، هل تريد معرفة كيفية الاتصال ؟ إذاً تفضل معي لنبدأ الاتصال معاً ! الرقم الأول ( 2 ) يعني الساعة ( 2 ) بعد منتصف الليل ، الرقم الثاني ( 2 ) يعني ركعتين ، الرقم الثالث ( 2 ) يعني دمعتين ومعناها ركعتين الساعة ( 2 ) في آخر الليل مع دمعتين .
انتهى
وقد تكلمنا عن بعض هذه النشرات من حيث حكمها ، فانظر – مثلاً – جوابي السؤالين ( 120061 ) و ( 128555 ) .
والله أعلم
لقد قمت بطلب فتوى من موقع الإسلام سؤال وجواب تعليقا على الموضوع الذي كتبه الأخ إبن حارة العين بعنوان [الـ 15 المبشرون بالبلدية] (http://forum.qalamoun.com/showthread.php?13432) .
وإليكم نص السؤال :
أحد الإخوة قام بنقل حدث عام ( كالإنتخابات البلدية التي تجري في لبنان ) من خلال تقليد مشاهد وأحداث جرت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وتطويع تلك الأحداث لما يناسب سياق المشهد الذي أراد نقل أحداثه ، ولأجل أن تتوضح الصورة لديكم أكثر فأكثر : أحيلكم على مقتطفات مما كتبه الأخ :
- في الليلة التي سبقت . أصاب شيء من الأرق عيون الناس فاليوم هو اليوم المشهود . اليوم هو يوم الامتحانات . اليوم يقدم الطلاب ما سعوا لبلوغه طوال سنوات . سنوات تداولت بينهم كأنها لحظات . اليوم يطبقون قوله تعالى ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) .
- وفيما الناس محتشدون ومتربصون أمام المدرسة كأنهم جيش مقدم على فتح القسطنطنية لاح في الأفق رجل أمن يفتح البوابة . لم ينتبه الكل لما حدث فقد تآخذتهم الأحاديث عن أمجاد هذا اليوم . وإذا برجل بينهم يصيح بلهجة عامية " هلموا ، أقبلوا إلى مبتغاكم ، فتحت الأبواب ، سارعوا قبل أن يسبقكم الآخرون " ، فلبَّى الكل النداء وطفقوا يهرولون نحو الباب ، الأقلام في أيديهم واللوائح في صدورهم . بعضهم لبس " القبوعة " للوقاية وآخرون " الجيلي " للحماية.
- غزا هذا الجيش العارم المركز في ثواني فلم يترك زاوية إلا استقر فيها ولا غرفة إلا أثخن رحاله قربها . هكذا كانت أوامر قائدهم المحنك .
استقبله رؤساء الأقلام ببشاشة . سألوهم عن أسمائهم فأجابوا . وأمروهم بالإمضاء فاستجابوا . كتب على ورقته بضعة أسماء ثم غرس يده في حبر به تكتب أمجاد الأمة . حبر كالتوحيد لا يزول إلا كما تزول الجبال .
ثم ترك الغرفة مختالا فخوراً يمشي يهز الأرض من تحته ولا عجب في ذلك فتلك مشية حرمها الله إلا في مواقف هكذا. وعندما وصل إلى بوابة المركز سأله القائد " هل كتبت ما أمرتك به ؟ " فأجاب المسلم " ما بايعتك يا قائدي إلا على هذا !! "
ء وبينما كان المسلمون يغزون المركز ويغنمون من الغنائم والحسنات ما يزن جبل أحد ، ضاقت نفوس المرابطين خارج المركز وبدأوا يتساءلون " كيف نفوِّت هذا الأجر العظيم . أينتخب القائد ونحن ههنا واقفون ؟ أيسبقنا إخواننا ونحن أولى بالحصون ؟ والله قد أصابنا شيء من الجنون ! .
وكان في يد أحدهم زجاجة مياه " تنورين " فرماها وقال " و الله إني لأشم رائحة الفوز دون المركز ، والله لأنتخبن نكاية بالأعداء " ثم هرول بين الصفوف وصعد درج المركز وابتعد حتى حالت بينه وبين مرأى العيون حشود المسلمين الكثيفة . هنئيا له ما سعى إليه فهو أسعد الناس اليوم .
أحس المسلمون بشيء من الضيق وشاع بينهم أنهم قد خسروا وأن قائدهم قد أغمي عليه ، وأخذ الأعداء يتخطفونهم من كل زاوية ، فبلغت القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنون . تراجعوا رويدا رويدا من الحصن إلى أن أطبق الأعداء عليه مرة أخرى ولم يبق إلا القائد وحوله ثلة مؤمنة " .
أكتفي بهذا القدر من الأمثلة لكي لا نطيل عليكم .
فهل يجوز استعمال أسلوب كهذا في تصوير الأحداث اليومية التي يعيشها الناس ؟
واستطراداً ، هل يأثم الإنسان على استعماله شعارات دينية في سبيل إيصال فكرة معينة ؟ وهل لنية الشخص الكاتب علاقة في تفسير كلامه فلربما كانت نيته النصح من خلال استعمال أحداث معروفه للقراء ولم تكن نيته الاستهزاء ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما كُتب أعلاه يعود في حقيقته إلى الاستهزاء والسخرية بالألفاظ والمعاني الشرعية ، وابتذالها في غير ما وضعها له الشرع ، وعظمها فيه ؛ فلا يحل كتابته ولا نشره ، وكل مسلم يعظم النصوص الشرعية ويعظم أحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم ويعظم الصحابة رضي الله عنهم ليرفض هذا الأسلوب السمج في الكتابة والذي فيه تنزيل نصوص الوحي في غير محلها ، وفيه تشبيه أحداث سخيفة بأحداث عظيمة جليلة .
ولو أن الأخ السائل ذكر عنوان تلك المقالة السمجة لكان كافيا لتنفر منه قلوب أهل السنَّة ، فقد عنون صاحب المقالة لمقالته بقوله " ال 15 المبشرون بالبلدية " !! فهل ثمة استهزاء بنصوص الوحي وبالصحابة الكرام أعظم من هذا ، وقال في مقاله التافه " و عند الساعة العاشرة ليلا اعتلى رئيس القلم درج المركز و أخذ يتلو :
1. وسيم في البلدية .
2. باسم في البلدية .
3. طلال في البلدية .
4. وجدي في البلدية .
... حتى عدَّ خمسة عشر شخصاً ! .
فهل يجوِّز مثل هذه الكتابة أحدٌ ذاق طعم الإيمان وفي قلبه تعظيم لنصوص الوحي ونبي الإسلام وصحابته الكرام ؟! .
ولنتأمل ما في المقال من مخالفات شرعية بشيء من التفصيل :
1. قوله عن يوم الانتخابات " فاليوم هو اليوم المشهود " ! .
وهذا كذب ، وهذه الكلمة تصلح لوصف أيام الدنيا العظيمة كيوم الجمعة ويوم النحر ويوم عرفة ، أو أنها في وصف يوم القيامة ، وهكذا قيل في تفسير قوله تعالى ( وشَاهِدٍ وَمَشْهُود ) ، وأما أن يوصف به يوم انتخابات بلدية في بلد صغير فلا يخرج عن كونه كذباً واستعمال لفظ شرعي لتعظيم ما لا يستحق من أيام .
2. قوله " اليوم يطبقون قوله تعالى ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) " .
وهذا كلام فاسد ، واستدلال كاسد ، وقوله تعالى ( ذلك ) المراد به ثواب الآخرة والأجور يوم القيامة ، والتنافس المشجَّع عليه هو للحصول على ذلك الثواب وذلك الأجر .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله ء :
( وَفِي ذَلِكَ ) النعيم المقيم الذي لا يعلم حسنه ومقداره إلا الله .
( فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ) أي : يتسابقوا في المبادرة إليه بالأعمال الموصلة إليه ، فهذا أولى ما بُذلت فيه نفائس الأنفاس ، وأحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال .
" تفسير السعدي " ( ص 916 ) .
فأين هذا المعنى للآية من الاستدلال به على المشاركة في انتخابات بلدية ؟! .
2. قوله " حبر كالتوحيد لا يزول إلا كما تزول الجبال " .
وهذا تشبيه سخيف ، والحبر يزوال بقليل من الماء وقليل من المنظفات ، فكيف يشبَّه التوحيد الذي يرسخ بالجبال بحبر هذا حاله ؟! .
3. قوله " ثم ترك الغرفة مختالا فخوراً يمشي يهز الأرض من تحته ولا عجب في ذلك فتلك مشية حرمها الله إلا في هكذا مواقف " .
وهذا كذب على الشريعة ، بل مشية الاختيال لا تجوز إلا في الجهاد أمام أعداء الإسلام ، وإلحاق مشية الانتخابات مما لا يجوز وهو داخل في الاستهزاء بالشرع .
عن جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَالِاخْتِيَالُ الَّذِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَعِنْدَ الصَّدَقَةِ وَالِاخْتِيَالُ الَّذِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخُيَلَاءُ فِي الْبَاطِلِ ) .
رواه النسائي ( 2558 ) وأبو داود ( 2659 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح النسائي " .
قال المناوي – رحمه الله ء :
التبختر مشية يبغضها الله إلا بين الصفين فإذا علمت أن للمَواطن أحكاما فافعل بمقتضاها تكن حكيماً .
" فيض القدير " ( 4 / 366 ) .
4. قوله " وعندما وصل إلى بوابة المركز سأله القائد " هل كتبت ما أمرتك به ؟ " فأجاب المسلم " ما بايعتك يا قائدي إلا على هذا !! " .
وانظر إليهم كيف جعلوا البيعة على التصويت ! وكيف جعلوا المصوِّتين لا إرادة عندهم بل هم يأتمرون بأمر قائدهم ويرشحون ما تختارهم قيادتهم ! وهو تضييع للأمانة واتباع لأهواء الأحزاب .
5. قوله " وبينما كان المسلمون يغزون المركز ويغنمون من الغنائم والحسنات ما يزن جبل أحد " .
وهذا سخف ظاهر ، فأين هي الغنائم ؟ وأين هي الحسنات ؟ وانظر إليه كيف جعلها بما يزن جبل أحد ! وكأنه في دخل معركة يجاهد فيها أعداء الله ، أو كأنه يدافع عن أعراض المسلمات ضد من أراد النيل منهن ، وكل ذلك غير كائن ، بل هي أوراق تافهة كتبوا اسم مرشحهم عليها ليفوز بالإشراف على تنظيم سيارات القمامة ! وغيرها من أعمال البلديات ! .
6. وكان في يد أحدهم زجاجة مياه " تنورين " فرماها وقال " و الله إني لأشم رائحة الفوز دون المركز ، والله لأنتخبن نكاية بالأعداء " .
وهذا سخف واستهزاء بالشرع ظاهر ، ولا ينبغي لمسلم يغار على دينه أن يقبله ، وإننا لنأسف أن تصل حال أولئك لهذا من السخرية والاستهزاء بذروة سنام الإسلام وهو الجهاد ، ويتم العبث بكلام المجاهدين من الصحابة الذين قدَّموا أرواحهم دفعاً عن بيضة الإسلام ، وانظر لهؤلاء كيف جعلوا وضع ورقة في صندوق الانتخابات كأنه الجهاد الأعظم وكأنه النصر للإسلام والفوز المبين ! .
7. قوله " وأخذ الأعداء يتخطفونهم من كل زاوية ، فبلغت القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنون" .
ومن هم الأعداء ؟! هل هم الكفار الباطنية باعتبار دينهم ، أم باعتبار مخالفتهم لكم في الحزبية ؟! وأليس معكم في حزبكم أعداء لله ورسوله ودينه ؟! وما هو الظن بالله الذي ظننتموه ؟! أنه سينصركم ويؤيدكم ؟! وعلى ماذا ؟! .
من حيث العموم لا يجوز استعمال عبارات دينية في سبيل إيصال فكرة معينة للناس ، ولا تنفع حسن النية مع مثل هذه الأعمال ، وقد سبق منَّا التنبيه على فساد كثير من النشرات احتوت على كلمات دينية وأراد أصحابها إيصال معانٍ سامية كالتوبة من الذنوب ، والاستعداد ليوم الرحيل ، ولكنهم ضلوا الطريق فأصدروا نشرات هي في الواقع نشرات استهزاء بالشرع وألفاظه وأحكامه ، فهذه نشرة بعنوان " مكياج يدخل صاحبته الجنة إن شاء الله " ! ، و " نشرة البطاقة الشخصية وشروط الرحلة " ، ونشرة بعنوان " " بندول ، علاج الذنوب ، دواء فعَّال لعلاج جميع الذنوب ، والهموم ، والآلام والأحزان " ! ، ونشرة بعنوان " كريم الأذكار ، يحفظك من الشر ويُبعد عنك كل ما ضر ! " ، وأُخرجت نشرة بعنوان : " مضاد للخطايا ، فعّال يحط جميع خطاياك ، ولو كانت مثل زبد البحر " ، ونشرة بعنوان " بيت للتمليك ، لا يفوتك ، يطل على ثلاث واجهات " ! ، وأقبحها : نشرة بعنوان " الرقم الخاص بالملِك " أي : الله جلَّ جلاله ، وقد كتبوا فيها :
اتصل على هذا الرقم فهذا الرقم الخاص بالملِك ء ( أي : الله ! ) ء الرقم هو : 222 فقط وبدون مفتاح للدولة وبدون مفتاح للمدينة ، هل تريد معرفة كيفية الاتصال ؟ إذاً تفضل معي لنبدأ الاتصال معاً ! الرقم الأول ( 2 ) يعني الساعة ( 2 ) بعد منتصف الليل ، الرقم الثاني ( 2 ) يعني ركعتين ، الرقم الثالث ( 2 ) يعني دمعتين ومعناها ركعتين الساعة ( 2 ) في آخر الليل مع دمعتين .
انتهى
وقد تكلمنا عن بعض هذه النشرات من حيث حكمها ، فانظر – مثلاً – جوابي السؤالين ( 120061 ) و ( 128555 ) .
والله أعلم