تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نصيحة للمًعالِج والمًعالَج بالرقية الشرعية



غولمار
22-08-2010, 02:15 AM
نصيحة للمًعالِج والمًعالَج بالرقية


بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
الإخوة الأفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل ذي بدء أدعو الله وإياكم بهذا الدعاء عسى أن يلهمنا سبل الرشاد بعد صلاح النيات
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم .

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه .
______________________________

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات اعمالنا ، من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ،
وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله ، وصفيه من خلقه وخليله ، بلّغ الرسالة ، وأدّى الأمانة ونصح الأمة , وكشف الغمة ، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .
أما بعد : فإن أصدق الكلام، كتاب الله واحسن الهدي هدي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
فقد قال نبيكم عليه الصلاة والسلام ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )
فصلوات ربي على معلم الهدى محمد معلم لا إله إلا الله حتى الخراء ولم يكتم عنا حديثا ولم يستأثر بعلمه لنفسه بل أبان كل ما يهمنا في ديننا ودنيانا ونهانا عن السؤال عمن لا يعنينا بقوله تعالى
( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم )

وبعد :
اخوتي في الله

إن هذه الرسالة أرسلها كنصيحة للراقي والمسترقي لا ابتغي من وراءها سوى مرضات الله والنصح لاخواني عسى الله أن يلمهنا سبل الرشاد حتى يسعنا ما وسع النبي وصحابته والتابعين الكرام
ما أنا بصدده يتكلم حول عدة مسائل مرتبكة في أذهان الناس عامة والمرضى خاصة إذ يلبث المريض بمرضه أعواما متهما السحر والسحرة والجن والعفاريت في كل ما يحدث له من غم أو نصب وألم وضيق صدر وما إلى هنالك من أمور قد تحدث مع البعض دون البعض الآخر..
إن الخوض بالرقية يجب أن يكون مؤصلا من كتاب وسنة وفهم سلف الأمة حتى لا يوقعنا الشيطان بحبائله ويلبّس علينا الأمور في جعل مرجعيتنا تجاربنا الشخصية وكأنها كتابا منزلا !
فمن جعل القرآن والسنة جُنة له فلن يضل أبدا .

إن مسألة الخوض بالرقية أخذت أبعادا كثيرة مما حدى بالبعض أن تمسك بخبراته وعلومه حول مدة مكوث المريض بمرضه بعد الرقية فمنهم من قال سنينا ومنهم من قال أشهرا ومنهم من قال أياما وما إلى هنالك كل حسب خبرته واستنتاجاته،
ولو استقرأنا الآثار والأحاديث لعلمنا يقينا كم يلبث المريض بمرضه بعد الرقية إن انتفت الموانع واستحصلت دواعي الاستجابة بإذن الله .ولعل البعض لم ينتبه بأن طول المدة التي يلبث فيها المريض بمرضه قد تحدث له معتقدا بان الرقية ليست ذا شفاء وهو يعرف نفسه بأنه امتثل واتبع التعليمات الجالبة للشفاء بإذن الله مما يجعله يذهب إلى الدجالين والمشعوذين وهناك تحدث الطامات.

ولعل بعض الرقاة لم يتنبهوا أن استنتاجاتهم لا يمكن الجزم بها إلى درجة اليقين بل مكانها بين الظن والخطأ والتخريف فقول البعض الشفاء عادة يطول وأن الرقية الشرعية قد تنفع مع فلان ولا تنفع مع الآخر هو من التألي على الله والقول بغير علم أو أثر صحيح إنما هي تجاربهم وخبراتهم مع بعض الآثار الخرافية أو الأحاديث الموضوعة
فلو استقرأنا الآثار والأحاديث بتدبر وتجرد لتبين لنا بشكل واضح وصريح بأن المريض لا يلبث بمرضه كثيرا طالما اتبع التعليمات الصحيحة وكيف لا والله قد أخبر بنجاعتها بإذنه
فمن أصدق من الله قيلا ،،ومن أصدق من الله حديثا ،،،قل صدق الله .

أقول من الممتنع شرعا وعقلا ونقلا أن من التجأ إلى الله جل في علاه أن يضيعه إن انتفعت الموانع وتحققت شروط الاستجابة إلا باستثناءات نادرة جدا لحكمة يعلمها الله العليم الحكيم وبما أننا لا نتكلم عن الاستثناء بل عن جوهر الموضوع ألا وهو هل يخلف الله وعده بعد أن بين لنا
( ادعوني أستجب لكم ) .
وأما من السنة ما ثبت بالصحاح وغيرها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان له حرز من الشيطان … الحديث
ولا داع لذكر الكثير من الأدلة لعدم التكرار ففي الدليل الواحد كفاية إن شاء الله .

فلعلنا نجد أيها الاخوة أن أكثر من يقول أنهم أصيبوا بالمس والعين والسحر هم مواظبون على أذكارهم ومنهم من هو على تقى وورع وعفاف وعلم فهل نقول أن الأذكار لغو لسان لا تفيد التحصن وبناء على ذلك ننسف عشر السنة التي حضت وحثت على الأذكار بأوقاتها ومنافعها الجمة ؟!
هذا إذا قلنا أن سبب المس أو العين الغفلة نكون قد اتفقنا عند النقطة الأولى ألا إن الله ليس مع الغافلين ومن كان كذلك فلا يلومن إلا نفسه وأنه استثناء من أصل ومن قال غير ذلك فهو مطالب بالدليل من قول أو أثر من صحيح السنة ولن يجد على الإتيان بدليل واحد فقط . .

إن الناس قد عقدوا العزم والنية على أن ما أصابهم من مرض أو هم أو غم فهو من مس أو سحر أو عين و يتناسون المرض العضوي الذي مكانه عند الأطباء وإن خفي على بعضهم ففوق كل ذي علم عليم
( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )
كما أن البشر معرضون للخطأ والأمثلة تكاد لا تحصى حول أخطاء الأطباء مما يحدو بالناس الذهاب إلى الرقية فيجدون إلا من رحم الله قد انبرى وتصدر تلك المهنة إما عن جهل مركب أو علم مسبق بحوادث مشابه لحالتهم فيوصف لهم العلاج على أنه مسا أو سحرا مما يزيد من حالة المريض عضويا مرض نفسيا (إيحائيا )وكأنه يقول للمريض مبروك أنت مصاب بالسرطان فيتصرف المريض وفق ما أملى عليه الراقي فمثل هذا الذي يلبث في مرضه لسنوات وإن شفي من الحالة المرضية يبقى في نفسه الخوف والذهول من الجن أو السحر كما أخبره الراقي من قبل والله المستعان .
وقد ذكر الله جل في علاه الضيق النفسي وعلاجه في القرآن إذ قال لنبيه :
(ولقد نعلم أنه ليضيق صدرك بما يقولون ، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين) .
فبالتسبيح والسجود بقين على الله يذهب ما في الصدور من هم وغم وحزن…
لكن أين يقيننا بكلام الله وكلام رسوله ؟؟؟
وهنا مكمن الخلل !
كما أن المريض ينسى أو يتناسى أن ما أصابه فبإذن الله لقلة تحصنه ويقينه وإيمانه بالله جلت قدرته
( مع عدم نسيان الابتلاء الذي يمحص الله به المؤمنين وهذا استثناء عن أصل الأمراض التي تلم بالإنسان من جراء الغفلة )
فمثل هذا الصنف لا يلومن إلا نفسه فإن الله بين لهم ما يتقون .
فمن هذا الباب يدخل الشيطان ويقوى على المريض بالإيحاء والوسوسة لقلة بضاعة المريض بالتحصين واليقين لأنه وإن تم لبس الإنسان حين الغفلة فسيجد أن كلام الله جل وعلا طاردا مزلزلا له وقد كرمه الله على سائر المخلوقات فكيف ينحدر لمستواهم ويخشاهم والله أحق بالخشية والتصديق و حسن التوكل عليه .
وكيف لا وهو قد التجأ إلى صاحب الداء والدواء العليم الخبير فاطر السموات والأرض الذي يحيي ويميت الذي بيده مقاليد كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه وهو علام الغيوب وأمره كن فيكون . . :

أولا:إن أكثر الناس يشفون من حالات المس أو السحر ( ما لم يكن مشروبا أو مأكولا ) أو العين بسرعة إلا قليلا ولحكمة يعلمها الله ونحن لا نعلمها هذا استثناء

ثانيا : قسم من الناس قد التبس عليهم المرض العضوي من الروحي فالتجئوا إلى الروحي وتناسوا العضوي وقد قال صلى الله عليه وسلم
( عباد الله تداووا ما انزل الله من داء إلا وأنزل له دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله )

ثالثا : المرض النفسي وهذا واقع به قسم كبير من الناس إلا من رحم الله وأسبابه الخوف من المجهول وقد كفانا الله ذاك المجهول بالاستعاذة فقط ، ولو كنا مصدقين بقرارة أنفسنا بنجاعتها لكفتنا وحدها فما بالكم بالأدعية والتحصينات الكثيرة والتي لا مرد لها من الله إلا إياه
سئل الإمام ابن القيم رحمه الله ( يا إمام نحن نستعذ بالله من الشيطان الرجيم ولا نجد الاستعاذة بأنفسنا ؟؟
فكان رده رحمه الله (لأنكم تقولونها بألسنتكم ولم توقنها قلوبكم ) أو بهذا المعنى
فيا عباد الله تحصنوا بكلام الله وانتم موقنون بالإجابة
(ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا .)

لذا .. فإذا أردنا معرفة الحالة التي ألمت بالشخص يجب أن يعرض المريض على الراقي المتمرس التقي فإن ثبت وجود مسا أو سحرا يكمل معه وسينجح بإذن الله ( إن انتفت الموانع ) وإلا فلا من داع أن نحمل المريض مرضا فوق مرضه وهو إيهامه أن الجن والسحر والعين هم السبب بشقاءه مما يجعله يترك التعاطي بالأسباب المادية ويبقى على ما هو عليه في مصابه متنقلا بين الراقي فلان والمشعوذ علاّن عسى يجد الفائدة عنده متناسيا أن من التجأ إلى الله بإخلاص ومحبة وتضرع وخفية فسيجد الله عند حسن ظنه به

( توضيحا لكلمة مأكولا أو مشروبا وحتى لا يلتبس الأمر على القرّاء :
إن السحر المأكول أو المشروب غالبا ما يكون بفعل فاعل من دس بعض المواد الضارة في الطعام أو الشراب من أعشاب ومواد لا يعلمها إلا الله ، والسحر كما هو معلوم كل ما خفي عن العين مما يحدث حالات تسمم وإعاقة بالدماغ يجعل الإنسان يهلوس أو يصاب بمرض عضوي لا يعرف الطب له علاجا إلا صاحب السحر أو فاعل فعلته ولذلك يقال أفضل طريقة لفك السحر فمن خلال الساحر نفسه لمعرفته بالمضاد لتلك العشبة التي أكلت أو سقيت أما بقية الأسحار فهي التي كنا نتكلم حولها) وليس معنى كلامي حث المرضى إلى الذهاب عند أهل السحر والدجل بل ما عنيته من يضع السم يعرف المادة التي تبطلها .
رابعا :مسألة أخرى قد التبس حولها بعض المفاهيم دون معرفة خطرها على مشروع الرقية برمتها وعن نجاعة الأذكار بصفة خاصة ألا وهو القول أن الجني الطيار يدخل ويخرج ساعة يشاء وكأن المتحصن بالحصن الحصين والملتجىء لرب العالمين لم يكفه ذلك إذ تلاعب ذاك الطيار بكل التحصينات وخرقها والراقي الغافل يقول لا قِبل لي معه طالما احتال على التحصينات فهو قوي وعفريت بجد !! متناسيا بأن كلام الله أقوى من كل شيطان مارد أكان طبارا أو غواصا !
ثم أقول : سبحان الله كيف ننزل أحاديث لا تمت بصلة لمسألة اللبس أو المس وهذا الحديث يدل عن إخبار يفيد وجود أصناف من الجن بتلك الصفات فينزل الحديث على أنه يهرب حين الرقية ويعود بعدها فلماذا لم نقل ربما يكون من الصنف الذي يغوص في الاعماق فنقول قد غاص بالاحشاء فلما لم نتهم هذا الصنف أيضا ؟!ولماذا لم نذكر الذين يظعنون كما ورد بالحديث؟!
وكأن الأذكار والتحصينات التي علمنا إياها رسولنا الكريم مجرد لغو لسان وليست على الحقيقة !
إن من الممتنع عقلا ونقلا أن يستطيع ذاك الطيار الدخول من جديد طالما تحصن المريض بكلام الله إما من قبل الراقي أو من قبل المريض نفسه فهو كالذي أخرج اللص من داره ثم أحكم إغلاق الأبواب والنوافذ فكيف يدخل رحمكم الله بنفس الجلسة وبعد التحصن المتين ؟؟؟!
يمكننا القول أنه تلاعب بالراقي ولم يخرج بالأصل وإلا فمن الممتنع شرعا وعقلا معاودة رجوعه ولو بعد حين إلا كما أسلفت أن يكون المسترقي قد أخل بأذكاره بارتكابه معصي أو من قلة إيمان أو من قلبه الغافل اللاهي لأن الأذكار مانعة بإذن الله والسيف بضاربه
خامسا : التفصيل حول بعض الآيات هذه للعين وتلك للسحر و أخرى للمس ووو إلى آخره
أقول طالما لم يأت دليل من كتاب وسنة بذكر تلك الآيات أنها لكذا أو كذا فنتوقف عندها ولا نزيد ويكفينا قراءة القرآن والدعاء للمريض وتحصينه بالأذكار التي ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بأس إن دعا أحدنا للمريض أن يشفيه من سقمه بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا أو التصدق عن المريض و مؤانسته بالكلمة الطيبة وتقوية معنوياته بحثه على التوكل الصحيح على الله جل في علاه مع الأخذ بالاعتبار أن المريض ربما يكون مصابا بالوهم أو المرض العضوي والذي تتشابه بها الأعراض كثيرا ..
فيكفى الراقي أن يقرأ على المريض كلام الله ويعوذه بما ثبت من السنة ويدعو له فإن كاشف الضر هو الله وحده وليس الراقي بقوته بل بطاعته لله وحسن توجهه إلى بارئه ورجاء الشفاء بإذن ربه فما على الراقي إلا التعاطي بالأسباب التي بينها شرعنا الحنيف والشافي هو الله وحده .
فحين قراءتك على المريض يا عبد الله أحسن التوكل على الله وكن مستيقنا بالإستجابة مع حرصك على انتفاء موانعها أكان من قبلك او قبل المسترقي فلا تزيد عن قراءة آي القرآن والدعاء للمريض مع رقية بعض الماء والاستحمام به ،من جملة المباح ما لم يكن شركا فإن حضر الجني فلا أعتقد أنك ملزم شرعا بدعوته إلى الله وهو بالأصل معتد ويكفينا قوله صلى الله عليه وسلم أخرج عدو الله مع بعض التهديد والوعيد وذلك خشية التلاعب بك يا عبد الله فنحن لم نقم بالدعوة لبني جلدتنا كما يجب فتركناهم وتحولنا إلى دعوة عالم آخر ! بل أكتف بنهره وتهديده بالله جبار السموات والأرض والله يكفيك إياهم كيفما شاء .
وعلى هذا المبدأ فلن تطول معاناتك مع المريض وتنتهي مهمتك إما بذهاب ( العارض ) !!!!! وإما بتحول مريضك إلى الطب العضوي فتكون مهمتك انتهت و قمت بواجبك الشرعي والنتيجة قطعا ليس بيدك بل بيد الله وحده ولله الحكمة والحجة البالغة

و كم أستغرب متابعة الراقي لبعض المرضى سنوات ولا يتم الشفاء دون الرجوع لسبب ذلك من موانع من قبل الراقي أو المسترقي فالراقي الحاذق ( ولا أقول بحذاقتي فأنا فريخ متطفل ولست براق متمرس ) عليه معرفة مواطن الخلل وأن لا يضيع الكثير من وقته بأمور غالبا ما يكون سببها الوهم أو المرض العضوي أو الإصرار على المعاصي.

اعيد وأكرر

أولاً : أن الأصل في القرآن وفي أدعية الشفاء ، الشفاء التام وهذا يلزمنا أن نوقن به كما نوقن بأننا نمشى على ظهر الأرض ، وهذا محل اتفاق .

إن هذا الأصل العظيم الذي لا يختلف عليه المسلم الموقن بأن كلام الله جل في علاه فيه الشفاء العضوي والنفسي ولا خلاف في ذلك أبدا لقوله تعالى
(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا )
ففي هذه الآية يتبين بأن القرآن ( كل القرآن )فيه الشفاء التام بإذن الله أكان مرضا عضويا أم نفسيا أم شيطانيا فقد قال تعالى
( قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو ، فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا )
والضنك كما هو معلوم يتأتى من ضيق الصدر وتسلط الوساوس وقلة الرزق والأمراض وما إلى هنالك من أمور قد تحدث للإنسان لبعده عن دين الله كما بين ابن عباس رضي الله عنهما ( الذكر هو القرآن ) فهذه سنة شرعية تقابلها سنة إلهية ألا وهو الضنك والمرض وضيق الصدر، والعقاب من جنس العمل إذ قال تعالى ( ونحشره يوم القيامة أعمى ، قال رب لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى )
وكما بين ربنا جل في علاه بآية أخرى
( ألا بذكر الله تطمئن القلوب )
أي الطمأنينة وانشراح الصدر يتأتى بذكر الله عز وجل واتباع أوامره والانتهاء عن نواهيه .
فإن الذي نراه هذه الأيام والله المستعان أن أكثر الناس قد أعرضوا عن ذكر الله واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب منهم .
فإذ ألمت به فاقة أو مرض هرع إلى الله بعد أن يكون قد مرّ على كثير من أطباء النفس وأخذ من العقاقير المهدئة ما الله به عليم وهو يقول في قرارة نفسه لنجرب عسى نجد الراحة والشفاء فلن نخسر شيئا !!
ولم يكن القلب متعلقا بالله بل من أجل التجربة (عسى ولعل) فإذا أُُمر بالتزام الأوراد الثابتة عن رسول الله أو الآيات التي تعين على الشفاء بإذن الله يكون بقرارة نفسه مشككا وهذا الصنف من الناس لن يتقبل الله منه دعاء ولا علاجا فإن قلبه تعلق بالماديات ولم يتعلق برب الأسباب ورب الكون الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم احسن عملا وقد قال صلى الله عليه وسلم
(إن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه )
فبقوة ويقين الراقي المتوكل على الله حق توكله ويقين المسترقي سوف يحصل الشفاء بإذن الله.
وإن تأخر الشفاء فلا يلومنّ أحدا إلا نفسه لوجود خلل ما بأحدهما أو كلاهما وليس بغيرهما فإن الله بين للمؤمنين أن من يتوكل عليه بعد الأخذ بالأسباب المادية من طبابة ورقية فلن يضيعه وكيف لا وهو القائل :
(وكان حقا علينا نصر المؤمنين )
(إن الله يدافع عن الذين آمنوا )
(ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)
(أليس الله بكاف عبده )
(الله ولي الذين آمنوا )
وغيرها الكثير من الآيات الدالة على عظمة الله ودفاعه عن المؤمنين الصادقين القانتين مع عدم نسيان الابتلاء الذي يمحص الصادقين من غيرهم وهذا كله ليس محل خلاف بين المسلمين والحمد لله رب العالمين .

وعليه كما تبين بالأعلى أن الناس قد انقسموا إلى أقسام متعددة
منهم من لم ينجح معه العلاج بالقرآن وقد ذكرنا أسبابه أو بعضه فإن ارتكاب المعاصي والذنوب وعدم اليقين كلها من الموانع التي تؤخر الشفاء أو تمنعه لحكمة رب العالمين فهذا الصنف وإن لم يشفه الله فتنتهي مهمة الراقي حتى يزيل الأسباب المريض المانعة للاستجابة .

ومنهم من أصيب بمرض عضوي وعجز الطب عن معرفة أسبابه وقد أمرنا الله تبارك وتعالى بالتعاطي بالأسباب المادية من طبابة حسية قال تعالى
( فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور )
ولقوله صلى الله عليه وسلم
( عباد الله تداووا ، ما انزل الله من داء إلا وأنزل له دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله )
فإنه من تمام الأخذ بالأسباب العمل بين الرقية والطبابة المادية
فإن المرضى بالأصل يتعلقون بكل خيط أو قول ربما يزيل عنهم الهم والغم والمريض كالغريق الذي يتعلق بقشة في البحر الهائج
فقلة باع الراقي وبناء على خلفية سيكولوجية من كثرة ما مر معه أو قرأ يعول الأمر على الجن والعفاريت والسحر ويجعلهم الشماعة التي يتعلق عليها كل شيء دون الأخذ والبحث الدقيق عن الأسباب الكامنة وراء مرض هذا الشخص أو ذاك فالقول لا أعلم( لأنه حقيقة لا يعلم ) لهو أصدق الحديث ،، لكن الكبر والتعنت قد منعه من هذا القول فنجده وضع لكل سؤال جواب ولكل حالة مخرج حتى لا يظهر بمظهر الذي لا يعي ما يقول فإذا سأل عن الحالة التي لم يشفها القرآن رد قائلا وبلا تردد : هذا مرده إلى الجني الطيار فحين الرقية طار وبعد انتهاءها عاد
أقول : وهذا من المحال إذ أن الذي يوصد الأبواب بإحكام بعد خروج اللص فكيف يعوده .
وإذا سألته لقد مر زمن طويل ولم يبن بصيص أمل ولا أشعر بالعوارض التي ذكرتها ؟!
أيضا دون تردد قد يجيبك قائلا :المتلبس جني مؤمن وقد سر بالقراءة !!!.
أقول : كيف يحدث أن الأول وهو مؤمن وقد أذاه تلاوة القرآن فخرج مدحور مذموما والآخر قد انشرحت أساريره وبقي ملازما لهذا المسكين !!
وإذا سألته لماذا لم يشفه القرآن وهو يتخبط أمامك من الصرع !!
يقول أيضا دون تردد : هذا الذي فيه ماردا ويحتاج إلى كثير من الوقت !
أقول : وهذا التقول مما يصيب المريض بمرض جديد فوق مرضه إذ أوهمه أنه بداخله ماردا لا يتأثر بكلام الله وحاشا وكلا فإنه من لم يشفه القرءان فلا شفاء له إنما هو تقول بغير علم
وإن تم الشفاء لمريض " ما " قيل إنها عين بسيطة وجنيها ضعيف وها قد هرب من أول رقية له ..!
وإذا سأل عن حالة المريض يشعر بأعراض معينة قيل إذا ألم بك كذا تكون الحالة من جراء العين وإذا كذا يكون تلبس وإذا كان غير هذا أو ذاك كان سحرا وما إلى هنالك من امور غيبية ظنية لا تفيد الحقيقة وإن أقسم صاحبها بأغلبية ظن يكون مجانبا للصواب لأنها من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله وحده وما على الراقي سوى القيام بالأسباب الحسية من رقية وتداوي بالمباح ويكل الأمر إلى رب الأرباب .

ومنهم من يكون مصابا بمرض نفسي أو عصبي كاختلال بعض المواد في جسده من نقص بالكالسيوم أو تلاعب الغدة بإفرازاتها مما يحدث عنده حالات هلوسة وعدم تركيز فيلتجئ المريض مباشرة إلى الراقي قبل ذهابه إلى الطبيب العضوي وكما أسلفت فإن الراقي وبناء على خلفية مجربة لديه ومن قلة باعه يتهم الجن والسحر والشياطين فيمكث المريض في دوامته السنين وهو مقتنع أن ما يحصل له من الجن أو السحر فيصبح الإيحاء المتلقى من الراق هو الأساس عنده ويبدأ بالتجارب والتكهنات ويهلوس بأشياء من عقله الباطني بمساعدة الوسواس الخناس مما يزيد من حالته سوء فوق سوء .

وأذكر منذ مدة قريبة فقط طلب مني رقية امرأة شابة وكل العوارض التي لديها تدل على أنها ملبوسة
فهي ترى أشخاصا طوالا يمرون من أمامها وتسمع أصواتا غريبة مبهمة في أذنيها وتكون بحالة طبيعية فجأة تعصب وتضرب وتزبد وترعد ولا تدع لزوجها مجالا للإقتراب
ذهبت عند شيخة قرأت عليها وقالت أنك ملبوسة ويجب أن لا يبقى ولدك الصغير بجانبك خشية أن تقتليه وأنت لا تشعرين مما زاد من حالة المرأة سوءا على سوء وبعد أن عاينت حالتها بعد أن أُخبرت بذلك ولم أباشر الرقية قلت ضعي يديك أمامي نظرت إلى أظافرها قلت هل تعانين من نقص كالسيوم قالت نعم شرحت لها ولزوجها أن نقص الكالسيوم يجعل الانسان يهلوس لنقص هذه المادة في الدم والدماغ مما يجعلها تاهد أشياء على غير حقيقتها
ثم اكملت وقلت ومثلها الغدة فاندهشت قائلة نعم وعندي غدة أعالجها فأكملت وضعف البنية من فقر الدم يساعد كثيرا بكل ما يحدث مع الإنسان من تلكم العوارض فقالت ومعي فقر دم !!!!!

سبحان الله ثلاث أمور مجتمعة تفيد المرض يجب علاجه عند الأطباء وإذ أرى أن السحر والجن هما الشماعة التي يعلق عليها كل ما يحدث للإنسان طلبت منها وهي الان بخير ولله الحمد وقد زال عنها قسم كبير من العوارض بعد أن باشرت بالعلاج وأذكر كم كانت دهشتها وسرورها وهي تقول يعني لست مسحورة أو ملبوسة أليس كذلك وأنا أجيبها بنعم ..... لست ملبوسة أو مسحورة .
سألني شقيقها عن زوجته التي تسقط الحمل في بدايته ويعتقد أن الجن هم من يفعل ذلك نظرت لزوجته فوجدتها دقيقة نحيلة سألتها أتجدين ألم وثقل بصلبك أي أسفل الظهر قالت نعم
قلت أجلب لها بعض المقويات ليساعدها على حمل الجنين فهي لهزالتها وضعفها تسقط الحمل والله أعلم .
وبعد أن ذكرت هذه الحادثة ومثلها الكثير
أقول :إن الراقي إذا أصاب الحالة وكانت من جراء الجن فمن خلال الرقية سوف يبرأ المريض بإذن الله إن انتفت الموانع من كلا الطرفين الراقي والمسترقي وبحالات نادرة جدا ربما يتأخر الشفاء لحكمة يعلمها الله .
ومثله إن أصاب الراقي بتشخيص مرض المسترقي وأحاله لمكانه الطبيعي من طبابة عضوية يكون قد أنهى مهمته ولم يلبث المريض معه سوى جلسات قليلة أو جلسة واحدة ربما …
ومثله إن شخّص الراقي حالة مرض نفسي أو عصبي وأحاله لمكانه الطبيعي عند أهل الأختصاص يكون قد أنهى مهمته بوقت قصير كما تبين آنفا ولا يحتاج لمتابعة
والفرق بين المرض العصبي والنفسي يفترقان بأن يكون المريض قد نقص من جسده من بعض المواد العصبية أو تلف البعض من حوادث شتى ربما تعتري الإنسان حين ممارسته للحياة … ويجتمعان بضيق النفس والكآبة وربما تكون القاتلة أحيانا ويساعد على ذلك وسوسة الجن للمريض وتخيل ما لا يحدث ليتعب ابن آدم ولا يصاب بالحالة النفسية عادة إلا ضعاف النفوس قليلي الإيمان أما العصبية فهي خارجة عن مفهوم الإيمان وقلته وكما تعلمون بأن الإيمان يختلف من شخص لآخر حسب معرفته بالله وكما يروى ( الفقيه الواحد أقوى على الشيطان من ألف عابد )بخلاف المرض العصبي والذي مرده لنقص بالمادة العصبية .
فالإيمان بالله والعلم والمعرفة وحسن التوكل و اليقين على الباري جل في علاه من ركائز الطمأنينة والرواح عن النفس بإذن الله فما أصابك ما كان ليخطئك وما أخطأك ما كان ليصيبك رفعت الأقلام وجفت الصحف .
هذا والله أعلم
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

والله من وراء القصد