تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : .. وإنا على فراقك يا رمضان لمحزونون



الشيخ علي الظنط
11-09-2010, 08:16 AM
بسم الله الرحمن الرحيم



إنَّ القلب ليحزن ، وإنَّ العين لتدمع،
وإنَّا على فراقك يا رمضان لمحزونون


إنَّ القلب ليملي على البنان عبارات الأسى واللوعة، فتكتب بمداد المدامع لحن الخلود، فلقد دار الدهر دورته، ومضت الأيام تلو الأيام، وإذا بشهرنا تغيض أنواره، وتبلى أستاره، ويأفل نجمه بعد أن سطع، ويظلم ليله بعد أن لمع، ويخيم السكون على الكون ..

وها هي الأمة الإسلامية تودع شهرا عظيما ، وموسما كريما ، وضيفا عزيزا ، تحزن لفراقه القلوب المؤمنة . ألا وهو شهر رمضان المبارك . فقد قوضت خيامه، وتصرمت أيامه.

وقد كنا بالأمس القريب نتلقى التهاني بقدومه ونسأل الله تعالى بلوغه، واليوم نتلقى التعازي برحيله ونسأل الله قبوله. بالأمس كنا نترقبه بالفرح والسرور، واليوم نودعه بالأسى والدموع ... تلك سنة الله في خلقه أيام تنقضي وأعوام تنتهي حتى يرث الله الأرض ومن عليها { والله خير الوارثين }

وأنا لا أدري وأنا أرقم هذه الجمل أأهنئكم بحلول عيد الفطر المبارك ؟؟ أم أعزيكم بفراق شهر العتق والغفران ؟؟

فسلام الله تعالى على شهر الصيام القيام والقرآن فقد مرّ كلمحة برق أو غمضة عين، مرّ بنا هذا الشهر الكريم كطيف خيال، مرّ بنا بخيراته وبركاته، مرّ بأعمارنا وهو شاهد لنا أو علينا بما أودعناه فيه. شاهد للمشمر بصيامه وقيامه . وشاهد على المقصر بغفلته وعصيانه .


إنّ السؤال المطروح الآن بإلحاح : هل أخذنا بأسباب القبول بعد رمضان ؟ وعزمنا على مواصلة الأعمال الصالحة ؟ أم أنَّ واقع كثير من المسلمين على خلاف ذلك ؟ هل تأسينا بالسلف الصالح رحمهم الله تعالى الذين كانت توجل قلوبهم ، وتحزن نفوسهم عندما ينتهي رمضان لأنهم يخافون ألا يتقبل منهم عملهم . فقد كانوا يكثرون الدعاء بعد رمضان بالقبول ؟؟؟
روى الحافظ إبن رجب رحمه الله تعالى عن معلى بن الفضل رحمه الله أنهم كانوا يدعون ستة أشهر أن يتقبل الله منهم .


قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل ، ألم تسمعوا قول الله تعالى { إنما يتقبل الله من المتقين }


وعن فضالة بن عبيد رحمه الله قال: لو أني أعلم أنَّ الله تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها لأنَّ الله يقول { إنما يتقبل الله من المتقين }



ماذا بعد رمضان ؟؟؟!!


إخوة الإيمان ، ماذا بعد شهر رمضان ؟؟؟

ماذا عن آثار الصيام التي عملها في نفوس الصائمين ؟؟ لننظر في حالنا ، ولنتأمل واقعنا ومجتمعاتنا ، ولنقارن بين حالنا قبل رمضان وفيه وبعده !!! هل امتلأت بالتقوى قلوبنا ؟ هل صلحت أحوالنا ؟ هل تحسنت أخلاقنا ؟ هل استقام سلوكنا ؟ هل اجتمعت كلمتنا ؟ هل توحدت صفوفنا ؟ هل زالت الأحقاد من نفوسنا ؟ هل تلاشت المنكرات من مجتمعاتنا وبيوتنا ؟


أيها المسلمون : يا من استجبتم لربكم في رمضان استجيبوا له في سائر الشهور والأيام { استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله }فلقد جاءت النصوص الشرعية بالأمر بعبادة الله والاستقامة على شرعه عامة في كل زمان ومكان ، ومطلقة في كل وقت وآن .


فعبادة الله هي الغاية التي خلقنا من أجلها لقوله تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } وعباد الله ليست مخصصة بمرحلة من العمر ، ولا مقيدة بفترة من الدهر ، بل ليس لها غاية إلا الموت . قال الحسن البصري : لا يكون لعمل المسلم غاية إلا الموت وقرأ قول الله تعالى { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين }
ولما سئل بشير الحافي رحمه الله عن أناس يتعبدون الله في رمضان ويجتهدون،فإذا انسلخ رمضان تركوا قال : بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان .


إنَّ من شكر نعمة الله تعالى على توفيقه لنعمة الصيام والقيام الاستمرار على طاعة الله تعالى في الحياة كلها . فالإله الذي يصام له ويعبد في رمضان هو الإله الحق في جميع الأزمان .ومن علامات قبول الحسنة الحسنة بعدها . ومن علامات كفر النعمة وإمارات رد العمل العودة إلى المعصية بعد الطاعة .


واعلموا أن الأمة إذا استقامت على العبادة ، ولم تهدم ما بنته في مواسم الخير ، ولم يستسلم أبناؤها لنزوات الشيطان وأعوانه . ولم يبطلوا ما عملوه في رمضان .. فإنّ الأمة – بإذن الله – تمسك بصمام الأمان ،وحبل النجاة ، لتصل بالسفينة إلى شاطىء الأمان وبر السلام .


فلنعلنها عباد الله توبة لا رجعة بعدها إلى الذنوب والمعاصي فهذا والله هو الشكر الحقيقي لنعمة الصيام . فإننا لا ندري – عباد الله – هل سندرك رمضان مرة أخرى ؟ أم يحول بيننا وبينه هادم اللذات ومفرق الجماعات .!؟ فالموت يأتي بغتة . أما تخشون أن ينزل بساحتكم الموت بساعة من ليل أو نهار وأنتم على حال لا ترضي العزيز الجبار ؟ ولا تنفعكم يوم العرض على الواحد القهار ؟ وما مرور الأعوام بعد الأعوام ، وتكرار الليالي والأيام إلا مذكر بتصرم الأعمال وانتهاء الآجال . والقدوم على الكبير المتعال .


ونداء أخير ملؤه الحب والحنان لك يا من أعتقه الله تعالى من النار إياك إياك أن تعود بعد أن صرت حرا إلى رق الأوزار . أيبعدك الله عن النار وأنت تقترب منها ؟ وينقذك وأنت توقع نفسك فيها ؟ فيا أيها المقبولون هنيئا لكم . ويا أيها المردودون المطرودون المحرومون جبر الله مصيبتكم .



تقبل الله تعالى منّا ومنكم