المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحمد الكاتب: الفكر السياسي الشيعي والسني ميتان ومنقرضان



وسيم أحمد الفلو
05-10-2010, 01:13 AM
في حواره مع إسلام أون لاين.نت
أحمد الكاتب: الفكر السياسي الشيعي والسني ميتان ومنقرضان
حوار - مصطفى عاشور
http://www.alkatib.co.uk/islamonline_files/image001.gifالمفكر الشيعي أحمد الكاتب المفكر العراقي الشيعي أحمد الكاتب المولود في كربلاء عام 1953م من العلامات المهمة في الدراسات المتعلقة بالفكر السياسي الإسلامي، له مجموعة من الكتب العميقة أبرزها كتاب "تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه"، وهو كتاب أثار الكثير من الجدل وصدر للرد عليه ما يقرب من مائة كتاب، نظرا لأن الكتاب رأى أن الإمام الثاني عشر "محمد بن الحسن العسكري" أو "الإمام المهدي" شخصية مخترعة لا وجود لها، وكتاب "تطور الفكر السياسي السني.. نحو خلافة ديمقراطية".
وفي هذا الحوار يتناول الكاتب مجموعة من القضايا تتعلق بالفكر السياسي السني والشيعي، حيث أشار إلى أن أهم تطور تعرضا له هو التأثر بالأفكار الديمقراطية؛ مؤكدا أن الفكر الإسلامي يتقدم حثيثا نحو الإيمان الكامل بالديمقراطية.
وفيما يتعلق بالتقارب السني- الشيعي دعا الكاتب أن يكون الصراع بين الجماهير من السنة والشيعة مع الطغاة والمستبدين وليس بين أتباع المذهبين، وأن كليهما يحتاج إلى تجاوز نظريات التاريخ الميتة وأن يخفت لديهم التعصب للتاريخ، حتى لا يكون محور انقسامهم وصراعهم على ما جرى في الماضي.
نص الحوار:
الأفكار والسياسة
* ترون في كتابكم "تطور الفكر السياسي الشيعي" أنه "لا توجد مصلحة للأمة المسلمة أكبر من حفظ دينها خالصا من كدر الخرافة، وحفظ عقلها بعيدا عن أوهام الأساطير، وحفظ حقيقتها حية".. فهل هناك خرافات وأساطير تسربت إلى الفكر السياسي الإسلامي (سني وشيعي) وأصبحت تصوغ أجندتهما تجاه عدد من القضايا، وهو ما يعيق التواصل والتقارب بين الجانبين؟
- بالتأكيد هناك أمور دخيلة في الإسلام وفي الفكر السياسي الإسلامي خصوصا، وليس بالضرورة نطلق عليها خرافات وأساطير، ولكن يمكن تسميتها بالأحاديث الموضوعة المنسوبة كذبا وزورا إلى الرسول الأعظم، والتي تؤسس لقواعد جديدة في التعامل السياسي بعيدا عن الإسلام والقرآن الكريم، ولكنها تحمل اسم الإسلام وتتلفع بغطاء الدين.
ومن هذا الباب يمكن أن نطلق عليها اسم الخرافة والأسطورة، ويتجلى الأمر في النظريات السياسية "السنية" و"الشيعية" المتعارضة التي يدعي كل منها الارتكاز على الدين، كنظرية الإمامة الإلهية القائمة على العصمة والنص والتوارث في السلالة العلوية، والنظرية العباسية التي تدعي الحق في السلطة والخلافة باسم القربى من الرسول الأعظم، أو تستعين ببعض الأحاديث التي تحصر الملك في بني العباس، ولعل موضوع ولادة ابن للإمام الحسن العسكري في أواسط القرن الثالث الهجري الذي بنيت عليه النظرية الإثنا عشرية للشيعة الإمامية يشكل أبرز مثل على دخول الأساطير في الفكر السياسي، وذلك لعدم وجود أي دليل أو مؤشر تاريخي على ولادة ذلك "الإمام" المختفي في الواقع.
* هل الأفكار المنتشرة في عدد من الكتب التراثية خاصة ما يتعلق منها بالجانب السياسي كانت عائقا أمام مشاركة الأمة الإسلامية في اختيار قادتها السياسيين، وفي إدارة أمر نفسها، وأن هذه الأفكار أدت إلى تنحية الأمة الإسلامية عن الشورى الحقيقية تحت دعوى ورؤى فقهية مثل نظرية "ولاية الفقيه" و"أن الشورى معلمة وليست ملزمة"، وهو ما أنتج انسحابا للأمة من المجال السياسي الشوري وهي تظن أنها تحسن صنعا؟
- نعم هذا صحيح جدا، فالفكر الإمامي الشيعي الذي حصر تعيين الأئمة بالتعيين من الله تعالى قام بإلغاء دور الأمة في انتخاب الإمام أو محاسبته أو نقده، وحرم على الشيعة القيام بأية ثورة أو حركة سياسية أو أي سعي لتشكيل حكومة وإدارة دولة في "عصر غيبة الإمام المعصوم"، وذلك قبل ظهور فكر ولاية الفقيه الذي يشكل ثورة على الفكر الإمامي وانتظار الإمام الغائب.
وأما الفكر السياسي السني فقد قام من جهته بحصر الخلافة في التوارث والتعيين من قبل الخليفة السابق، وأجاز القيام بانقلاب عسكري لاستلام السلطة، ولم يعط أي دور حقيقي لأهل الحل والعقد، ولم يسمح لهم بأي دور رقابي، وإنما أعطاهم دورا استشاريا غير ملزم فقط، وهو أساسا لم يحدد طبيعة أهل الحل والعقد، وكيف يأتون إلى مجلس الشورى، وترك للحكام أن يعينوا من يشاءون من أعوانهم وموظفيهم في ذلك المجلس كقائد الجيش ورئيس الوزراء وقاضي القضاة المعين، ولذلك فقد مجلس أهل الحل والعقد عبر التاريخ أي معنى، وكان من البديهي بعد ذلك أن يصادر دور الأمة في الرقابة والمشاركة والمسئولية، وفرض عليها التسليم والاستسلام والتبعية وانتظار القدر، وقد حرم بعض الفقهاء السنة حتى الدعاء على الحاكم الظالم، والاكتفاء بالدعاء بالهداية له.
الأمة والمشاركة السياسية
* برأيكم ما الآثار السياسية والمجتمعية التي أنتجتها هذه الرؤى الفقهية التي أسست لانسحاب الأمة من مجال المشاركة والفعل السياسي؟ هل الاستبداد فقط هو الثمرة المرة فقط أم هناك ما هو أكثر من الاستبداد؟
- الاستبداد كان أول النتائج، وقد أدى الاستبداد إلى نهب الثروة العامة من قبل الشلل الحاكمة، كما أدى إلى التحزب الطائفي، والعنف والتعصب، وفتح الباب واسعا أمام حركات التمرد المسلحة والتطرف والتكفير الذي يبرر الثورة والتمرد، وهذا ما قاد إلى سلسلة طويلة من الصراعات الدموية على السلطة وإهدار طاقات الأمة من الأموال والشباب وتخريب العمران، والهبوط نحو التخلف في كل المجالات الحضارية.
كما أدى بالبلاد الإسلامية إلى التفكك وتشجيع الحركات الانفصالية، والاستعانة بالأجانب والاستقواء بهم ضد الإخوة في الداخل، وأحيانا كان السلطان أو الخليفة يستعين بالكفار ليستقوي بهم ضد الثورات الداخلية، وهذا ما كان يجره إلى بيع البلاد وتقديم التسهيلات للأجانب وفقدان الاستقلال.
* ما تحليلكم الثقافي والسياسي لعدد من الآراء التي تصدر من بعض العلماء الدينيين وتضع حاجزا بين الأمة والمشاركة، من قبيل ما ظهر في بعض الدول العربية من أن الانتخابات ليست من الإسلام، وأن الحاكم يبقى في كرسيه حتى نهايته أجله؛ لأن ذلك من الإسلام؟
- لا يقتصر الأمر على بعض العلماء وإنما يشاركهم في هذا الموقف بعض الحركات الإسلامية التي تدعو إلى إعادة الخلافة، وهذا الموقف يبتنى على أساس شرعية الفقه السياسي "الإسلامي" ومطابقته تاريخيا مع الإسلام، وأن كل ما قام به "الخلفاء" عبر التاريخ هو نموذج "إسلامي" رائع وفريد وجيد وصحيح وقائم على الإسلام، وأن ما "أجمع" عليه المسلمون في زمن معين فهو يصبح تلقائيا موضوعا "إسلاميا" ومصدرا للتشريع في المستقبل، وذلك بناء على حجية "الإجماع" في أصول الفقه السنية، واعتباره مصدرا موازيا للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
ومن هنا فإن الكثير من العلماء والحركيين الإسلاميين يعتبرون الفقه السياسي والتجارب التاريخية للخلفاء والحكام والسلاطين شرعية وإسلامية، وبالتالي لا يجوز مخالفتها أو حتى تطويرها خوفا من الإبداع في الدين، علما بأن تلك التجارب هي تجارب إنسانية عرفية ولا تقوم على أساس من القرآن الكريم ولا السنة النبوية التي يعترف الجميع بأنهما لم يتحدثا بالتفصيل عن السياسة والنظام السياسي الدستوري، ولكنهم مع ذلك يؤمنون بأن ما حدث في التاريخ هو فكر أو فقه إسلامي، وبالتالي لا تجوز مخالفته ويجب الالتزام به، كما يجب رفض الفكر الديمقراطي الغربي الحديث؛ لأنه يتناقض مع الفكر الاستبدادي الذي يعتقدون أنه يمثل الإسلام.
ولذلك يأتي بعض الفقهاء اليوم بالقول بأن الانتخابات ليست من الإسلام أو أن التوريث في الحكم جائز، استنادا إلى ما فعله معاوية أو الخلفاء الأمويون والعباسيون، ولا يدرك هؤلاء أن الحقل السياسي متروك في الإسلام للعقل الإنساني وللتطور الحضاري، والعرف والظروف المحيطة بكل مجتمع حسب الزمان والمكان، وبالتالي فإن الإسلام يفتح الباب واسعا أمام الاقتباس من التجارب الإنسانية (كالديمقراطية) في هذا المجال.
التجديد السياسي
http://www.alkatib.co.uk/islamonline_files/image001.gif
غلاف كتاب الكاتب
* ما هي أهم الآراء التجديدية في الفكر السياسي الإسلامي (سني وشيعي) التي رصدتموها من خلال كتابيكم عن الفكر السياسي السني والشيعي في الآونة الأخيرة التي استرعت انتباهكم وترون أنها تحفر في مجرى التجديد السياسي في الفكر الإسلامي؟
- أهم تطور حدث في الفكرين السياسيين الشيعي والسني هو اتجاههما معا نحو الديمقراطية في القرن الأخير، فقد بدأت المسيرة في ظل الخلافة العثمانية مع بعض الصعوبات والتحديات، ولكنها شهدت انتخابات وسن دستور وتشريعًا لحرية الأحزاب والاعتراف بالتعددية السياسية والإيمان بتبادل السلطة بشكل سلمي عبر صناديق الاقتراع، بدلا من التآمر العسكري واللجوء إلى القوة والانقلابات، كما شهدت إيران القاجارية في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين إقرارا لدستور 1906 الذي سمح بتشكيل مجلس (برلمان) وتحديد لصلاحيات الملك المطلقة بالدستور، ولا يزال الفكر الإسلامي يتقدم حثيثا نحو الإيمان الكامل بالديمقراطية تحت ظل الإسلام ومع الالتزام بالقوانين والأخلاق الإسلامية.
* هل ترون أن إعادة مناقشة المسلّمات التي استقرت لدى البعض سواء على المستوى المذهبي أو الفكري أو الحركي حتى صارت كأنها حقائق دينية، وما يتعرض لدى الباحث الجاد مثلما حدث معكم في كتابكم "تطور الفكر السياسي الشيعي" يحجم حرية الفكر والرأي والاجتهاد العلمي المنهجي، ويضع قيودا من العزلة على مثل هذه المناقشات المنهجية الرصينة؟
- النظريات الخاطئة والباطلة قد تحتل بعض المواقع الفكرية ورفوف المكتبات، ولكنها لن تستطيع أن تقود الحياة التي تفرض قوانينها، وإذا كانت بعض المفاهيم قد أصبحت "مسلَّمة" ومحرمة على النقاش فإن الواقع يرفضها رفضا تاما، كما نشاهد ذلك في حدوث الفصل الكبير والتام بين الفكر السياسي الإمامي الذي تحول لدى البعض إلى "عقيدة لا تمس" وبين حركة الواقع التي ذهبت بعيدا في تبني الفكر الديمقراطي أو أي فكر آخر لا علاقة له بالفكر الإمامي أو انتظار الإمام الغائب.
وقد حاول بعض المفكرين الالتفاف على الفكر الإمامي وتفسيره تفسيرا جديدا، أو رفضه بصراحة رفضا كاملا، فلقد كان الفقهاء ومراجع الدين يرفضون الديمقراطية قبل خمسين عاما، ولكنهم اليوم يؤيدون بكل قوة العملية الديمقراطية في العراق مثلا، وهذا دليل على تخليهم عن الفكر الإمامي حتى إذا لم يعترفوا، أو ظلوا يدافعون عن الفكر القديم بأفواههم، أما واقعهم فإنه يشهد بالعكس من ذلك.
ورغم أن الكثير من الفقهاء الشيعة والكتاب حاولوا الرد على كتابي "تطور الفكر السياسي الشيعي" فإنهم لم يرفضوا النتائج التي توصلت إليها، وإنما طبقوها عمليا، وأنا أساسا لم آت بجديد بقدر ما سجلت التطورات الجذرية الحاصلة في الفكر السياسي الشيعي، وحاولت تصحيح بعض النقاط الملتبسة، وقد رأيت في تجربة الثورة الإيرانية تقدما إيجابيا نحو التحرر من فكر الانتظار السلبي للإمام الغائب، وقلت إن الثورة الإيرانية تشكل ثورة على الفكر الإمامي، ولذلك لا حاجة لها لأخذ الشرعية من فرضية النيابة العامة للفقهاء عن الإمام المهدي الغائب، وإنما يأخذ النظام السياسي شرعيته من انتخاب الأمة له، ورأيت أن من يحاول أن يدعي أخذ الشرعية من الإمام الغائب إنما يفتح الباب أمام انقلابه على الأمة، والاستهانة بها، ولذلك فإن الحل المنطقي السليم هو الارتكاز على الأمة وترك النظريات والفرضيات الوهمية كدعوى النيابة العامة عن الإمام المهدي، الذي لا وجود حقيقيا له.
ولا أعتقد أن كتابي واجه عزلة، بل إنه دخل في عمق الحركة الفكرية الشيعية، بدليل صدور أكثر من مائة كتاب للرد عليه خلال العشر السنوات الماضية، ولو كان كتابا معزولا ولا يمتلك قوة على الاختراق لأهملوه ولم يردوا عليه، كما حاولوا في البداية أن يفعلوا، وحسب علمي فان هناك تفاعلا كبيرا معه حتى في أوساط الحوزات الدينية والحركات الإسلامية.
الممانعة..والفتنة
* في سياق الواقع المتأزم بين السنة والشيعة في بعض المناطق من العالم الإسلامي، يلقي البعض باللوم على دور العامل الخارجي في إحداث الانشقاق بين كتلتي الأمة الأساسيتين، لكن في المقابل هناك من يرى أنه المبدأ القرآني "قل هو من عند أنفسكم".. والسؤال ما الذي يوجد فينا يسهل إشعال الفتنة والقطيعة وهذه اليقظة السريعة للخلاف والاقتتال؟ ما الوهن الثقافي الذي ترونه يغلب الفرقة على الوحدة بين السنة والشيعة؟
- هناك بلا شك عوامل خارجية تحاول العبث في الأمة وتمزيقها، وهناك الحكام المستبدون والأحزاب السياسية التي تحاول المحافظة على السلطة أو الوصول إليها عبر إثارة العصبيات الطائفية وتعبئة الجماهير لصالحها وتحريف وجهة الصراعات الاجتماعية الحقيقية من التركيز على الأعداء الخارجيين والمستبدين والمستكبرين، نحو قطاعات داخلية طائفية، ولكن أيضا لا يمكننا إهمال المسئولية الذاتية والأخطاء التي قد يقع بها حتى بعض الثوار والمصلحين، بسبب سوء الفهم لبعض القضايا التاريخية والمذهبية والطائفية.
وفي نظري أن الصراع بين الشيعة والسنة هو صراع وهمي لا حقيقة له، لأن الشيعة والسنة حزبان سياسيان منقرضان لا وجود لهما اليوم، فقد كان الشيعة يلتفون حول أهل البيت ولا وجود لأهل البيت اليوم، وكان السنة يلتفون حول الخلفاء، والخلفاء العباسيين بالخصوص ولا وجود لهم أيضا اليوم، وإن ما يسمى بالشيعة والسنة يحملون اليوم فكرا بديلا جديدا هو الفكر الديمقراطي، وتبحث جماهيرهما عن العدالة والمساواة والديمقراطية، كما أنها تعاني من الاستبداد والمستبدين والسُراق واللصوص والمحتلين، مما يؤكد اشتراك السنة والشيعة معا في معركة واحدة ضد أقليات مستبدة وعميلة.
هذه هي المعركة الحقيقية بعيدا عن الأسماء الطائفية، وأي إثارة للعنوانين الطائفية القديمة هي محاولة لتحريف وجهة المعركة الحقيقية.
* هل ترون أن نظرة بعضنا "التمجيدية" للتاريخ والتي قد ترتفع إلى كونه "تجربة مقدسة" أحد أسباب التنافر السني- الشيعي في بعض المناطق؟ فالجميع في الخلاف يستدعي التاريخ والخلافات ويحاول أن يبث فيه الروح من جديد لينهض بعنفوان غضبه، فالملاحظ أن كل تطور أيديولوجي كان يصاحبه إعادة قراءة للتاريخ.
- المشكلة الكبرى تكمن في أن المسلمين يعيشون في التاريخ بدلا من أن يكتفوا بأخذ العبر والدروس منه، والأسوأ من ذلك هو أنهم يغيبون المشتركات في الدين لحساب الخلافات في القضايا التاريخية، وهم يقدمون الصراع على مصالحهم السياسية الآنية فيستعينون بالتاريخ لضرب بعضهم ببعض، وقد يصنعون أساطير جديدة وينسبونها للتاريخ لكي يمعنوا في تشويه خصومهم وتحطيم معنوياتهم وشحن أتباعهم ومريديهم. وهذا ما يطلق عليه بإعادة قراءة وكتابة التاريخ بما يخدم المعارك الجديدة.
التقريب وإصلاح الأفكار
http://www.alkatib.co.uk/islamonline_files/image001.gif
المرجع الشيعي محمد حسين فضل
* هل إصلاح الأفكار هو مقدمة لإصلاح التوتر المتزايد بين السنة والشيعة؟ فمراجعة الثقافة يعد فرضا واجبا لرفع التوتر.. لكن كيف؟ وما أهم ما ترونه في هذا الجانب؟
- من المهم جدا للنجاة من الفتنة الطائفية، والخروج من الأزمة التاريخية، دراسة حقيقة الخلاف السني– الشيعي، وملاحظة القضايا التي كانت تشكل جوهر ذلك الخلاف، وما تبقى منها وما ذهب، ولقد قمت بدراسة سريعة لهذا الخلاف في كتابي "السنة والشيعة.. وحدة الدين، خلاف السياسة والتاريخ"، ووجدت أن جوهر الخلاف كان سياسيا ودستوريا حول مواصفات الحاكم وشروطه وطرق وصوله إلى السلطة، وهل هو بالانتخاب أو الوراثة والتعيين وما إلى ذلك، وأن الخلاف بين العوائل المختلفة التي كانت تتصارع فيما بينها على السلطة في القرون الأولى، ذهب مع التاريخ ولا وجود لتلك العوائل اليوم، وما يوجد هو بقايا وقشور ومخلفات ذلك الخلاف، وأن الخلاف الحقيقي الجوهري اليوم هو الصراع بين الجماهير من السنة والشيعة مع الطغاة والمستبدين، وليس بين هذه الطائفة وتلك، وذلك لأن الصراع نفسه موجود في داخل كل طائفة وفي البلدان التي لا توجد فيها طوائف مختلفة.
* تحدث مالك بن نبي عن الأفكار الميتة والمميتة في الإطار الحضاري.. هل هناك أفكار من هذين النوعين تقف عقبات أمام التقارب السني- الشيعي؟

- الفكران السياسي الشيعي والسياسي السني هما فكران ميتان ومنقرضان، ولأنهما ميتان فأي تفاعل معهما يؤدي إلى إثارة سلبيات مع الآخرين، وأما إذا تحررنا منهما معا والتزمنا بالفكر الحيوي الديمقراطي وبنظرة إلى المجتمع والذات والآخر نظرية عصرية واقعية فسوف تتكشف لنا حقيقة الصراعات الاجتماعية ونتخلص من الأقاويل السلبية الميتة، وفي الحقيقة نحن لا نحتاج إلى تقارب سني شيعي، وإنما نحتاج إلى تجاوز التاريخ بكل نظرياته الميتة، لنقترب من العصر ونظرياته السياسية الحية التي توحدنا.
* لكن أين تقفون من مسألة التقارب السني - الشيعي؟ خاصة بعد الهجوم الذي تتعرضون له لما تحمله كتبكم من آراء جريئة وجادة فيما يتعلق بفصيلي الأمة الكبيرين.
- في الواقع لم أتعرض لهجوم من قبل أحد، وإنما هو نقاش طبيعي ساخن، فعندما تأتي وتهز بعض الأفكار أو "العقائد" فلابد أن تتوقع ردود فعل مختلفة، وأحمد الله تعالى على أن الردود كانت حتى الآن ردودا فكرية وثقافية، وهذا أمر طبيعي جدا.
ولكن المؤسف أن البعض يحسب أنني عندما انتقد الفكر السياسي الشيعي فإنما أفعل ذلك لمصلحة السنة أو الوهابيين، وعندما انتقد الفكر السياسي السني أو الوهابي، فإنما أفعل ذلك لحساب الشيعة.والحقيقة هي أني أنتقد الفكر السياسي الشيعي لمصلحة الشيعة، وانتقد الفكر السياسي السني لمصلحة السنة، وكذلك الأمر عندما أنتقد الفكر السياسي الوهابي.
وليس غرضي الانحياز إلى أحد وإنما إزالة العقد والخرافات والأساطير التي تخدم المستبدين من الحكام أو رجال الدين، لصالح الجماهير المسلمة وإقامة العدالة والمساواة والشورى.
ولا أرى إمكانية للتقارب بين السنة والشيعة مع المحافظة على الفكر القديم والتعصب للتاريخ، فالوحدة الحقيقية في إقامة نظام سياسي عادل يتيح المشاركة السياسية للجميع ويحافظ على الحقوق والحريات العامة.
* البعض يرفض التقارب السني - الشيعي ويرى أن مؤسسات التقريب أشبه بالمحال التجارية، وأن دعاة التقريب عندما يرجعون إلى نظرائهم في المذهب يقولون لهم "إنا معكم" وبالتالي فالتقريب بعيد عن المقربين.
- لا ليس صحيحا ذلك، فإن الكثير من دعاة التقريب مخلصون للوحدة، وإنما هم يبحثون عنها في المكان الخاطئ، إن الوحدة الإسلامية لا تتحقق في ظل الاستبداد والديكتاتورية، والتقريب لا يمكن أن يحدث مع الجمود والتعصب للتاريخ، وإنما في توفير المزيد من الحرية في النقد والتصحيح والتفكير والمراجعة والنقاش، وهناك بصراحة من يخشى ومن يرفض التقريب ويخشى من الوحدة ويحاول أن يفرض آراءه على الآخرين بكل ديكتاتورية واستبداد.
* هناك طرح لمفهوم التعايش كبديل للتقارب السني - الشيعي، والتعايش يقوم على جذر مصلحي.. هل أصبحت المصلحة حاكمة لواقعنا بدرجة تعيق جهود العلماء والمصلحين؟
- إن الخلاف السني الشيعي لا يقوم على أساس الإسلام والدين، وإنما كان ولا يزال خلافا على المصالح، ولا مصلحة حقيقية اليوم فيه لأي من الطرفين، بينما تكمن المصلحة الحقيقية للطرفين في إقامة نظام سياسي عادل يتيح العيش بحرية وكرامة ومودة وإخاء وسلام.يجب أن ننبذ الهويات التاريخية الميتة ونبحث عن بدائل عصرية للتقدم والتعايش وتحقيق المصالح المشتركة