تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فولتير المسلمين: محمد رشيد رضا



أبو حسن
18-10-2010, 10:25 PM
فولتير المسلمين: محمد رشيد رضا
مجدي إبراهيم علي


كان لا بُدَّ لدراسة الإمام "محمد رشيد رضا" من معرفة ظُروف عصره، خلال السَّنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر الميلادي، والسنوات الأولى من القرن العشرين؛ إذْ إنَّ تلك الفترة هي من أشَدِّ سنوات الأُمَّة العربية قسوة على النَّفْس والمصير، التَقى فيها الاستبداد العثماني بالاستعمار الأوربي المُتحالف مع الصِّهيونية المتغطْرسة، حتى صار عبء الإصلاح ثقيلاً ينوء بحمله أولو العَزْم من القادة.


المشايخ، عبادة وعلم:

كانت ولادة "محمد رشيد رضا" في السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة 1282 هـ / 1865 م في قرية القَلَمُون بجبال لُبْنان، وهو سليل بيت عربى عريق، ينحدر من نَسْل الحُسَين بن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- اشتُهِر بيت آله بهذا النَّسَب الكريم الذي يَنتمي إلى العِتْرة النبويَّة الشريفة، فصاروا يُعرَفون باسم "المشايخ"؛ تمييزًا وتكريمًا لهم، فضَرَبوا أعظم مثَلٍ لمواطنيهم في الانقطاع للعبادة وتكريم العلماء، فنشأ بينهم يَنْهَل من علومهم دُون تمَلُّق أو رياء لأحد، وتأثَّر بأبيه تأثُّرًا كبيرًا، وورث عنه خصالاً كريمة، وأحبَّ عنه حِفْظَ الشِّعر وأخبار الأوائل، والغَيْرة على الإسلام والنِّضال عنه.

وفي سنة 1299 هـ / 1882 م الْتَحَق بالمدرسة الوطنيَّة الإسلامية بطرابلس، ونال على يدَيِ الشيخ الإجازةَ في العلوم العربية والشرعية والعقلية سنة 1314هـ / 1897م ثم أخذ الإجازة في الحديث عن الشيخ محمود نشابة العالم الأزهري، فسمَّوْه "فولتير المسلمين"؛ لِقُدرته على هدم كلِّ ما لا يصحُّ دليله من كتُب الدِّين، وأفاد "رشيد رضا" من كثيرين؛ من أمثال الشيخ عبدالغني الرافعي، ومحمد القاوجي، ومحمد الحسيني، ومحمد كامل الرافعي.

والمعروف أنه نَجا من أيِّ انحراف؛ لمطالعته الدائبة في كتاب "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي، وتأثُّرِه بالفصول الخاصَّة بالغرور ومحاسبة النَّفْس، وموضوع النية والإخلاص، فصار مثلاً أعلى لمواطنيه في الطُّهْر والتُّقى والعلم، فكان يقرأ لهم الدُّروس في المسجد، ويحاول أن يجعل من خُطَب الجمعة سبيلاً لِحَمْل الناس على التمسُّك بشعائر دينهم، وأطلق على خطبته الأُولى اسم "الحديثيَّة"، وضمَّنها آراءه أيضًا في ضرورة صلاح حال المسلمين، وتوجيه أنظارهم إلى ما يجب عليهم القيام به باعتبارهم خير أُمَّة أخرجت للناس، وجاء في تلك الخطبة قوله:
"إننا- معشَرَ المسلمين- نَفتخر دائمًا بأننا أمَّة محمَّد خاتم النبيِّين- صلَّى الله عليه وسلَّم- فأما أُمَّة دعوته فهُم جميع البشر، وإنما يَحِقُّ الفخر لأمَّة الإجابة منهم، هل تدَّعي إجابة دعوته يا تارِكَ الصلاة، وقد لعنَ تارِكها مِرارًا"؟!

وقال: "مَنْ ترك الصَّلاة فقد كفر جهارًا"، ثم عدَّد المعاصي التي يرتكبها المسلمون بترك الفرائض الأخرى، مثل أداء الزكاة والصَّوم، وعَمدَ "رشيد رضا" أن يكون أسلوبه خاليًا من السَّجع المتكلَّف، حيث كَرِه ذَوْقُه الفطري هذا الأسلوب النابي، ولِيَجعل كلامه أكثر قُرْبًا لقلوب السامعين.

وبدأ "رشيد رضا" يُطبِّق اجتهاده في الفقه في حمل الناس على التخلُّص من البِدَع التي تمسَّكوا بها، ومنها التبرُّك بأصحاب القبور، وغير ذلك من الأعمال التي لا يقرُّها الشرع، تابع جهاده في محاربة البدع دون وَهن- وما أكثرها في قريته- لافْتقار أهلها إلى الفقهاء المثقَّفين أو المُصْلِحين الشجعان.


الجهاد والاجتهاد:

عالجَ "رشيد رضا" المسألة الشرقية ومظاهرها قبل الحرب العظمي الأولى في أسلوب حماسي وقوَّة رائعة، وراح من خلال مقالاته يُعالج هذه الحيرة التي أصابت الناس بسبب عدوان إيطاليا على طرابلس الغرب دون سابق إنذار أو سبب مباشر، وشرح للنَّاس أن السِّرَّ يَكْمُن في المخطَّط الاستعماري الأوربي الذي عمد إلى تقسيم الدَّولة العثمانية وممتلكاتها، والعمل على توزيع تلك الأسلاب بالاتِّفاق الوُدِّي على قاعدة تبادُل المصالح.

وهاجم سلطات الاحتلال في مصر؛ لِمَا لمَسه من غدرها وسوء نِيَّتها بالأمَّة العربية، شأنها في ذلك شأن جماعة الاتِّحاد والترقِّي العثماني، وقام بتأسيس جريدة "المنار" بالتَّشاور مع الإمام "محمَّد عبده"، وصدر العدد الأول في الثاني والعشرين من شوال سنة 1315 هـ / 17 مارس سنة 1898م، وحدَّدت مقدِّمةُ العدد أغراض إنشاء الجريدة والتي تتمثَّل في نشْرِ الإصلاحات الاجتماعية والدِّينية والاقتصادية، وأقام الحُجَّة على أن الإسلام باعتباره نظامًا دينيًّا لا يتنافر مع الظروف الحاضرة، ومواصلَةِ السَّير على نهج العُرْوة الوُثْقى، وخاصَّة في سَعْيها للقضاء على الخرافات والاعتقادات الداخلية في الإسلام، ومَحْو الأفكار الشائعة عن القضاء والقدر، وما دخل على العقائد من بدع الاعتقاد في الأولياء، وما تأتيه طرُق المتصوِّفة من بِدع وضلالات، ثم الحضِّ على ترقية التعليم العامِّ، وإصلاحِ كتب التدريس وطرائق التعليم، ودفْعِ الأُمَم الإسلامية إلى مباراة الأمم الأخرى في جميع الأمور الضرورية لتقدُّم الأمم.


هذا، وقد خلَّف الشيخ الإمام "محمد رشيد رضا" آثارًا قيِّمة، منها:
• الحكمة الشرعية في محاكمة القادرية والرِّفاعية.
• مجلَّة المنار.
• تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ "محمد رضا" وما جرى بمصر في عصره.
• نداء للجنس اللَّطيف.
• الوحي المحمدي.
• الوهابيون والحجاز.
• السُنَّة والشِّيعة.
• مناسك الحج.. أحكامه وحِكَمه.
• تفسير القرآن الكريم، المعروف بتفسير المنار.

ولقي الشيخ "رشيد رضا" ربَّه في الثالث والعشرين من جمادى الأولي / 22 أغسطس 1935م.