مشاهدة النسخة كاملة : الإنسان بين إله العلم وإله الدين والخوف من المجهول
وسيم أحمد الفلو
09-11-2010, 09:53 PM
جواد بشارة
تربع إله الأديان ، بمختلف مسمياته، عبر آلاف السنين، على عرش الاعتقاد وهيمن على الأرض ومن عليها وما فوقها من الأجرام المنظورة، المسخرة لترويج فكرة الهيمنة المطلقة للخالق، وتفشي الخشية من بطشه وعقابه الآخروي، من خلال فكرة العقاب والثواب، والجنة والنار، أو الفردوس وجهنم، وهو المصير الذي ينتظر البشر منذ أول إنسان خلقه الخالق، وأسماه آدم، إلى آخر كائن بشري سيموت قبل يوم القيامة ويوم البعث والحساب، وهي اللوحة التي روجتها وبشرت بها كافة الأديان السماوية. واتسمت مفردات الخطاب الديني في هذا المجال، بالرغم من تنوع الأديان والأطروحات، باحتقار الحياة الفانية وتمجيد الموت باعتباره المدخل للحياة الأبدية التي ستفرز وتقرر مصير الكائن البشري الذي سيعيش، إما في جحيم أبدي أو نعيم ابدي. كما تميزت الأطروحة الدينية بضرورة الخضوع والطاعة والإذعان وتقديس النصوص والأشخاص والاعتقاد أو الإيمان بالغيبيات بلا أدنى مجال للمناقشة أو الجدل، وتقبلها كمسلمات لا تقبل الدحض أو الشك. من هنا طرح الوعي الإنساني على نفسه عدداً من الأسئلة الجوهرية والوجودية المتعلقة بماهية هذا الإله المتناقض الصفات، المنتقم الجبار، والرحمن الرحيم، ذو القدرة الكلية اللامتناهية، والعاجز عن منع الشر ورمزه الشيطان من التأثير وإغواء أحب مخلوقات الله اي الإنسان، والذي لا يمكن للبشر معارضته أو عصيانه. ثم تحولت هذه العملية إلى مشكلة حساسة تتعلق بوجود أو عدم وجود هذا الإله الخالق، وتعذر القيام بمقاربة هذا الموضوع على نحو عقلاني ، لا سيما في القرون الوسطى وما قبلها حيث كان بوسع الفلاسفة فقط مناقشة هذه القضية وبصورة سرية جداً خوفاً من سطوة وغضب وبطش المؤسسات الدينية ومحاكم التفتيش لأنها تمس صميم الإيمان والاعتقاد وتهدد بتقويض دعائم الصرح الديني برمته. البعض اعتبر المسألة محض إيمان والآخر اعتبرها من لوازم الذكاء والمعرفة والتأمل وقابلة للمناقشة. تطرق لهذا الموضوع في القرون الوسطى علماء الدين والفقهاء والثيولوجيين théogogiens فيما تخصص بمناقشته الفلاسفة في القرن السابع عشر وما بعده إلى أن وصل إلى يد العلماء في القرن التاسع عشر والقرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، والسبب في ذلك هو تغير مفاهيمنا ومعلوماتنا عن الكون وتجددها المستمر مما أثر بشكل جوهري على طريقة تناول هذا الموضوع وإعادة النظر في كثير من مسلماته الدينية والغيبية. وبعد أن أعلن نيتشه موت الله المعنوي في نفوس أغلبية الماديين والعلمانيين والعقلانيين هاهو الله اليوم يعود بقوة بعد الصحو الدينية الملحوظة في العالم اليوم، لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة العالم الحر والدولة الأعظم في مجال القوة العسكرية والتكنولوجيا والتقدم العلمي، حيث بات الإيمان بالله يمثل ضمانة ورمزاً للوطنية ونموذجاً للامتثالية والتقيد بالأعراف الدينية وشرطاً للنجاح الاجتماعي، مما جعل بعض العلماء يخلطون بين البحث العلمي والبحث عن الذات الإلهية. واعتبر هؤلاء أن هناك يداً إلهية تقف خلف كافة الظواهر التي عجز العلم حتى اليوم عن تقديم إجابات ناجعة عنها والتي وصفت بالمعارف الخفية. فعلى سبيل المثال لا الحصر: هل الانفجار العظيم Le Big Bang حدث بفعل قوانين طبيعية كما قال ستيفن هوكينغ وغيره أم بفعل أثر إلهي ونتيجة عملية خلق منظمة على يد خالق، وهل هناك حقاً بيغ بانغ أو إنفجار عظيم أم هو مجرد فرضية وهمية؟ وهل هناك انفجارات عظيمة أخرى سبقته وأخرى ستليه في سلسلة لا متناهية ليس لها بداية ولا نهاية كما تقول بعض النظريات؟ وهل كوننا المرئي واقع حقيقي ملموس أم مجرد وهم كما تقول نظريات أخرى؟ وهل يمكن أن يكون الكون المرئي مجرد حاسوب أو كومبيوتر عملاق؟ إن هذا الحدث ذو الفرادة الكونية بدأ من نقطة لا متناهية في الصغر infiniment petit حيث اللامكان واللازمان بل مجرد معلومة information رياضية ـ حاسوبية، ووقع الحدث بفعل جاذبية هائلة في قوتها وتسبب في خلق الزمان والمكان والمادة في آن واحد انطلاقاً من طاقة جبارة مركزة ومكثفة في حيز لا متناهي في الصغر، ثم انتشرت تلك المادة ومازالت تتمدد وتتوسع وتنتشر، وهي التي شكلت المجرات بما فيها من نجوم وكواكب وغازات كونية ومحتويات أخرى مجهولة الماهية. ومهما بدت هذه الفرضية غير قابلة للتخيل والإدراك البشري إلا أنها باتت اليوم من القوة والمتانة بمكان أنها فرضت نفسها على مجمل الوسط العلمي لشرح الكون ومعضلاته إلى حين ظهور نظرية أخرى أقوى منها وأكمل، تزيحها عن عرشها وتحل مكانها، مما يعني بالتالي تراجع حدود معارفنا ومعلوماتنا الحالية عن الكون. بعض الأذكياء من منظري عملية الخلق الإلهي المباشر قالوا أن يداً ربانية هي التي تقف وراء الانفجار العظيم لتعضيد مواقف أديانهم المرتبك تجاه هذه النظرية العلمية التي فرضت نفسها و بشروا بتدخل الإله أمكن لهذا الحدث أن يقع ويكون الشرارة الأولى لولادة الكون المرئي. والحال أنه لو ثبت وقوع الانفجار العظيم ووجود نقطة الصفر كبداية لانبثاق الكون فإن ذلك لن يشكل بأي حال من الأحوال دليلاً على الله كما يقول مناوئيهم من الماديين والعلمانيين والعقلانيين ممن تبنى جانب العلم وحده. كما استغل المتدينون بعض الحقائق العلمية الجزئية السائدة اليوم والتي تقول إن بعض الثوابت الكونية في الكون المرئي constantes cosmiques والثوابت الفيزيائية constantes physiques لا يمكن أن تختلف عما كانت عليه منذ لحظة البدء إلى يوم الناس هذا، وإلى مستقبل غير منظور. فلو كانت قوة الجاذبية أو الثقالة La Force de Gavitation أكثر كثافة حتى ولو بمقدار لا تدركه أية أجهزة قياس لانهار الكون على نفسه بعد حدث الانفجار العظيم مباشرة، ولو كانت أضعف بقليل ولو بجزء من مليار المليار المليار لما أمكن تكون النجوم والمجرات والكواكب. وكذلك لو كانت الخصائص الفيزيائية لعنصر الكاربون، الأساسي والجوهري للكيمياء العضوية مختلفة ولو على مستوى دون الذري، لما أمكن نشوء الحياة، مما يعني، برأي هؤلاء، أن هناك قوة عاقلة وذكية وذات قدرة مطلقة تقف وراء مثل هذا التنظيم والتقدير الدقيق في كوننا المرئي وبالتالي لابد من وجود معجزة إلهية أو عقل يمتلك نية مسبقة وليس الصدفة العبثية لأن إحتمالية أن يخلق العالم نفسه بنفسه من العدم معدومة كلياً من وجهة نظرهم، لذلك فإن العقل الإلهي هو الذي حدد تلك القيم والثوابت الكونية التي يستند إليها الوجود المادي اليوم. ويرد عليهم أنصار عملية الخلق الذاتي أو التلقائي بأن الإنسان وبسبب خوفه من المجهول يحب دائماً أن يدهن جدار جهله بالألوان الإلهية وإن العلم قادر على الولوج إلى كنه الوجود وبمقدوره مع تطور التكنولوجيا، اكتشاف القوانين الثابتة في الكون بقراءة كتاب الطبيعة وكشف أسرارها من خلال الأدوات الرياضية.ويمكنه الفرز بين الخطأ والصواب استناداً إلى التجارب المختبرية الدقيقة في جميع المجالات والاختصاصات العلمية التي تمس كافة أوجه النشاط البشري، وإن المعلومة الحاسوبية ـ الرياضية ، السابقة لثلاثية المادة والزمن والمكان، قادرة في لحظة ما، عند توفر الطاقة اللازمة، للتحول إلى كون فيزيائي. فالعلم يتقدم وقد اقترح العالم الفيزيائي أندريه ليند Andrei Linde من جامعة ستانفور في كاليفورنيا نظرية تعدد الأكوان La théorie des Multivers - Univers multiples حيث هناك مليارات من الانفجارات العظيمة تقوم بدورها بخلق مليارات من الأكوان في أبعاد لايمكننا إدراكها أو اكتشافها في مستوانا العلمي البدائي اليوم، والكثير منها يجهض لحظة ولادته بسبب ثوابت فيزيائية عشوائية أو صدفوية، غير مناسبة أو غير ملائمة constantes physiques aléatoires inappropriées ، فيما البعض الآخر يثابر ويتطور ذاتياً بفعل توفر تناسق في الثوابت كما هو حال كوننا المرئي، مثلما يحصل في لعبة اللوتوloto حيث هناك واحد فقط من بين ملايين اللاعبين من يصدف أن تأتي أرقامه مطابقة لما يخرج من قارورة الكرات المرقمة. كما انظم العالم البريطاني الفذ ستيفن هاوكينغ stephen Hawking إلى جوقة المتشككين بعد أن أصدر مؤخراً كتابه الجديد والمثير للجدل "التصميم الكبير"the grand design ، والذي يعتقد أنه قدم فيه إجابات جديدة حول القضايا القصوى في الحياة والمقصود بها التساؤلات الميتافيزيقية التي تؤرق البشر عن وجود أو عدم وجود الله. والذي قال في خاتمته: طالما وجدت قوانين مثل الجاذبية فإن بوسع الكون أن يخلق نفسه إنطلاقاً من لاشيء، ولم يقل العدم، أي أن الخلق التلقائي هو السبب في وجود الشيء وليس العدم، وذلك إجابة على سؤال قديم يقول لماذا يوجد شيء ما بدلاً من لاشيء، وبالتالي يعتقد هاوكينغ أنه ليس من الضروري أن يكون هناك إله لكي يضغط على زناد لإطلاق الشرارة الأولى والشروع في عملية انبثاق الكون وقد استند هاوكينغ إلى النظرية الفيزيائية الجديدة المعروفة بـ "نظرية م M théorie أو نظرية العوالم المتعددة لتعزيز رأيه، رغم أنها لا تزال فرضية غير مثبتة مختبرياً بعد. ولم يشرح هاوكينغ في كتابه الجديد ماهية المفارق الذي أوجد الجاذبية وباقي القوانين الفيزيائية، هل هو إله متعالي لا يريد هاوكينغ الاعتراف بوجوده؟ أم هو الكون المطلق ذاته باعتباره " كان حي أزلي وأبدي لابداية له ولا نهاية ، لم يلد ولم يولد، ولا حدود له لا في الزمان ولا في المكان، سواء أكان الزمن والمكان النسبي في كوننا المرئي، أو الزمان والمكان المطلقين في الكون المطلق، وهو الوجود المكون من عدد لا متناهي من المليارات من الأكوان على غرار كوننا المرئي، وبذلك سنسقط مرة أخرى في هوة الميتافيزيقيا. وهذا يعني في رأي أتباع عملية الخلق الرباني Les créationnistes أن مباحث النشأة والأصل ليست من اختصاص العلوم التجريبية الوضعية التي تبحث في الظواهر الطبيعية وليس في أسباب وجودها. هناك نظرية أخرى هي الفيزياء الرقميةLa théorie de la physique numérique التي تقترح فكرة أن كل ما يكون العالم الواقعي الذي نعيشه ونلمسه مادياً إن هو إلا موجات كهرو ـ مغناطيسية ذات معلومات مبرمجة للحمض النووي الكونيséquences d’ADN cosmiques مروراً بالذرات ومكوناتها حيث البرمجة على غرار برمجة الحاسوب من صفر وواحد 0 et 1 مما يوحي بأن الكون ليس سوى حاسوب أو كومبيوتر عملاق L’Univers est un ordinateur géant ووجودنا ليس سوى برنامج حاسوبي programme informatique . وتستند هذه الفرضية الفنطازية fantastique إلى ثلاث مسلمات تقول إن الحسابات والمعادلات الرياضية يمكن أن تصف كل شيء نظرياً وإن كل الأشياء يمكن حسابها رياضياً وكل ما هو قابل للحساب يشكل حداً واحداً. وهي الفكرة التي بنيت عليها ثيمة التحفة السينمائية بأجزائها الثلاثة ماتريكس Matrix حيث العالم الذي يعيش فيه الأبطال افتراضي virtuel وليس واقعي réel . عندما نتحدث عن " برنامج" فإننا حتماً نفكر بحاسوب أو كومبيوتر لتنفيذ هذا البرنامج والإجابة تكمن في هذا " الآخر" الذي أوجد الكومبيوتر قد يكون، كون أو أكوان أخرى ، أو بعد أو أبعاد أخرى غير مرئية، وها نحن ننزلق مرة أخرى إلى متاهات الميتافيزيقيا. واختزل البعض هذه الفكرة عندما اعتبر كوننا المرئي هو الكومبيوتر العملاق وسيحتاج حتماً إلى من يصنعه على المستوى الكوني بالطبع وليس المستوى البشري. ومن هنا أعتبر أن الله هو الكود أو الشيفرة الأصلية أو المصدر Dieu est le code source والمبرمج le programmeur . أي أن الكون هو الكائن المطلق الأول L’univers est l’Etre Suprême
وسيم أحمد الفلو
09-11-2010, 09:54 PM
الإنسان بين إله العلم وإله الدين والخوف من المجهول2
هل يمكن لإنسان، مهما بلغ ذكائه وعبقريته، أن يقدم وصفاً علمياً دقيقاً لمفهوم الكائن المطلق الأول وماهيته وغايته وضرورته وأصله ومصيره وموقع تواجده؟ الجواب قطعاً سيكون بالنفي لأن ذلك ضرب من المستحيل. من هنا لا يمكن أن نعتبر كوننا المرئي، الذي لا نعرف غيره في الوقت الحاضر، هو الكائن المطلق الأول كما نوه بعض العلماء، بل هو مجرد إطار جامع لكل ما هو موجود وملحوظ وقابل للرصد والمشاهدة والمراقبة والحساب أو القياس. والحال أننا لو منحناه صفة " الكائن" فسوف نكون مرغمين على اعتباره عاقلاً ويمتلك وعياً ويفكر ويتصرف بنوايا مسبقة ومدروسة ومبرمجة وإرادة في القيادة والتوجيه، والحال أنه لا يوجد ما يجعلنا نفترض ذلك فضلاً عن تأكيده، إلا إذا آمنا بمقولة الكون هو الله والله هو الكون التي قال بها البعض للخروج من معضلة علة الصدور الأولى للموجودات. إلى ذلك، يتفق العلماء والنخب المثقفة في العالم، على أن العلم لا يقدم، حتى يومنا هذا، سوى كم ضعيف من المعلومات والمعرفة العلمية الدقيقة عن الكون المرئي وأسراره الغامضة، رغم التقدم التكنولوجي المذهل المنجز بالنسبة لعقولنا ومستوى إدراكنا القاصر اليوم، لذلك نحن لا نتجرأ في تجاوز الواقع الممكن إدراكه بحواسنا المحدودة، كما يتعذر على العلم حالياً أن يعرض ما يتجاوز المعرفة اليقينية الملموسة، أو الولوج إلى الكم العلمي اللامرئي المعروف بإسم المعارف الخفية، والذي يفلت منا ولا يمكننا تصوره أو استيعابه، حتى لو دمغناه بالرؤية الميتافيزيقية. وفي نفس الوقت لا يجوز لنا وضع فرضيات ونظريات فنتطازية لن يكون بوسعنا إثبات صحتها مختبرياً ، لا الآن ولا في المستقبل المنظور. فهناك من يترصد لاستغلال الفرضيات ذات الظاهر الميتافيزيقي للتبشير بمعتقدات جديدة أو للتدليل على صحة معتقدات قديمة قابلة للتأويل. وحتى لو اعتمدنا مفهوم إن " الكون المرئي هو الكائن المطلق الأول" وأعتبرناه صحيحاً من الناحية الفكرية والنظرية الافتراضية، إلا أنه سوف يبدو مفهوماً تجريدياً يكون بمثابة البديل للمؤمنين الذين خاب أملهم من الأديان الكلاسيكية أو التقليدية لا سيما الأديان السماوية، كما كان بعض الفلاسفة الإلهيين يعتقدون من أمثال هيبرت فون شيربوري Herbert Von Cherbur y وتولاند Toland وفولتير Voltaire ،على سبيل المثال لا الحصر، في القرنين السابع عشر والثامن عشر، عندما كانت الفكرة مغرية إلا أنها لم تلق صدى كبيراً بين الأتباع. لذلك اختار البعض الانحياز نحو صيغة الإلحاد الوضعي أو الإيجابي L’athéisme positif أي عدم التفكير بالكائن ألأعلى دون إنكاره بالضرورة، والالتفات للإنسان والمجتمع الإنساني أي الإنسانية الأكثر قرباً للإدراك العقلي والقادرة على تقديم بعض الإجابات عما ينتظره البشر وما يطرحونه على أنفسهم من تساؤلات. وقد لخص المفكر ماكس نوردوMax Nordeau هذه الحالة بجملته الشهيرة التي تقول:" إن الله هو الإسم الذي أطلقه البشر على جهلهم منذ البداية وإلى يوم الناس هذا". وقال بعضهم متندراً بشأن وصف الإله :" أنه مخالف لكل ما يخطر على بال بشر". وبما أن الإنسان يخاف من المجهول فقد اقنع نفسه بأفضلية الإيمان بشيء ما بدلاً من عدم الإيمان بشيء وفق مقولة المنفعة الذاتية التي تقول:" إذا كان الله موجوداً فإن إيماني به سينفعني وإذا لم يكن موجوداً فإن إيماني به لن يضرني". أما من يمتلك ذهنية عقلانية أو علمية فإن لديه مقاربة مختلفة لموضوع الإلوهية لأنه لا يعتقد ولا يصدق بما تقوله الأديان عن الله والآخرة والحلال والحرام وغير ذلك من الخزعبلات والتناقضات، فالصورة التي لديه عن المهندس أو العقل الأول متسامية وأرقى بكثير من صورة الله الدينية التقليدية، ووسيلته لمعالجة هذه المسألة الوجودية هي العلم وأدواته ونظرياته وقوانينه، وكان العالم الفرنسي لوي باستور Louis Pasteur يقول : " إن القليل من العلم يبعدك عن الله والكثير منه يقربك منه" . والمقصود هنا بالعلم باعتباره مجموعة المعارف النظرية والعملية في كل مجال من مجالات النشاط الإنساني وكذلك بشأن جميع الظواهر والأشياء. وإن هذه المعارف مبنية على عدد من المبادئ البديهية التي يمكن إثبات صحتها وصلاحيتها، إما من خلال طرق تفكير وتأمل قابلة للتدقيق عبر التجارب المختبرية وغيرها، أو من خلال التأمل والتفكير والتدبر النظري والفلسفي. فيوجد هناك من العلوم والعلماء والمتخصصون العلميون بقدر ما يوجد من مجالات خاضعة للدراسة، حيث أن المناهج والوسائل والطرق العامة المستخدمة للحصول على تلك المعارف متماثلة. فالمعرفة الموصوفة بالعلمية تكون غالباً خاضعة للتدقيق من خلال الوقائع والحقائق والمشاهدات والتجارب بحيث تكون النتائج دائماً موضوعية. فالعلم يعارض دائماً الرأي الذي يعكس تأكيداً كيفياً واعتباطياً أو تعسفياً وذاتياً لأي حدث أو ظاهرة، لأن مثل هذا الرأي غالباً ما يكون مبنياً على شعور غمامي، عام وغامض، عن الواقع بدون معرفة علمية مثبتة، سواء أكانت تجريدية، كالرياضيات والمنطق، أو تجريبية كالفيزياء والكيمياء والأحياء أو البيولوجيا والطبيعة. والحال أن الأديان بمجملها تقدم إجابات قطعية لاتقبل الشك أو الطعن حول الطبيعة وأصل الحياة ومصير الإنسان ونشوء الكون ، وتعطي إجابات ميتافيزيقية وغيبية مستمدة من نصوص يدعى أنها مقدسة وأزلية تنقل كلام الله ومنزلة من السماء، وبالتالي فهي إجابات تستلهم مقولة المصدر الأول اللامتناهي القدرة والمجهول الماهية والذي لا نعرف عنه سوى الصورة الممسوخة التي ترسمها عنه الأديان وتدمغه بصفات متناقضة. إن اللجوء إلى التفكير العقلاني والتحرر التدريجي من هيمنة الفكر الديني، الذي استغرق قرون عديدة، أتاح إمكانية تقهقر الرؤية الميتافيزيقية أمام النظريات التفسيرية المستندة إلى برهنة و طرق تفكير واستدلالات وحجج وملاحظات منطقية، والتوصل إلى عملية استقراء واستنتاج منطقي وعقلي مقبولة وإن كانت في بعض الأحيان تصطبغ بصيغة نظرية محض، وتفكرّية غير قابلة باستمرار للتجريب . ثم دخلت العلوم المعاصرة في قرون التنوير في مرحلة الحداثة، ووعت ما كان يعتبر آنذاك مستحيلاً بسبب وعي العلماء بمحدودية القدرة الإنسانية في اختراق المجهول نتيجة للظروف المحيطة بها في ذلك الوقت، والتي تمنعها من اكتساب المعارف المتطورة والمتقدمة فيما يتعدى التجربة، والوقوع في حالة من الخيلاء والغرور بشأن قدرتها على البحث عن المطلق. وفي خضم الصراع والتنافس بين الدين والعلم، تمكن هذا الأخير، بفضل صرامته وطرقه ومناهجه وتواضع من كسب الجولة، لأنه لم يدع آنذاك بتقديم إجابات قاطعة وناجعة لكل ما هو مطروح في الساحة الفكرية ـ وفي نفس الوقت نجح العلم في تقديم نتائج ملموسة وقابلة للتدقيق تجريبياً ومختبرياً، ونجم عن ذلك قبول واسع للعديد من تلك الإجابات رغم الحرب الشعواء التي شنها دعاة الخلق الإلهي المباشر Les créationnistes ضد المحاولات العلمية لدحض المسلمات الدينية الغيبية غير المعقولة وغير المقبولة منطقياً، مما أرغم المؤسسات الدينية على التراجع والتقوقع في مختلف مراحل الصراع، وإعادة النظر في تأويلاتها للنصوص المقدسة التي استندت إليها واعتبرت أن الباطل لا يمكن أن يمسها لا من فوق ولا من تحت، فهي الحق بذاته والحقيقة بعينها بالنسبة لهم، في محاولة يائسة للتوفيق بينها وبين النتائج العلمية. ففضول البشر ورغبتهم وسعيهم لمعرفة ما يدور حولهم ، خاصة تلك المساءل التي لم يتمكن العلم لحد الآن من تقديم إجابات ناجعة عنها، ازدادت وتزدادا وتتسع كل يوم، مما شكل أرضية خصبة للأديان والميتافيزيقيا الدينية ، التي تتغذى عادة من جهل الإنسان وتستغل عجزه الفكري، لاستعادة بعض مواقعها التي خسرتها في حربها مع العلم والمنطق العلمي. من هنا تعايشت رؤيتان: الأولى دينية، إلهية المصدر، مليئة بالخرافات والأعاجيب والأساطير والمعجزات الخارقة لقوانين الطبيعة، والثانية علمية، لكنها شبه تجريدية في العديد من جوانبها، لأنها تستند إلى مفهوم الصدفة، وقد علق الكاتب الوجودي الفرنسي البير كامو Albert Camus في رواية السقوط La chute :" إن الإلوهية المنطقية الوحيدة هي الصدفة" ، وقد سبقه بقرون الفيلسوف الإغريقي ديموقريطس Démocrite 460-370 قبل الميلاد بالقول:" إن كل ما يوجد في الكون هو ثمرة للصدفة والضرورة". بينما علق العالم الفيزيائي العبقري ألبرت آينشتين Albert Einstein في منتصف القرن الماضي قائلاً :" إن الصدفة هي الله وهو يتجول متخفياً". بينما ذكر الكاتب الفرنسي أناتول فرانس Anatole France 1844-1924في كتابه " حديقة أبيقورLe Jardin d’Epicure الصادر سنة 1894 :" ينبغي علينا في هذه الحياة التمييز بوضوح بين الأشياء ومنح الصدفة حقها ، فالصدفة في نهاية المطاف هي الله ذاته ، و هي أيضاً الإسم السري لله عندما لا يريد هذا الأخيرة التوقيع باسمه الصريح". واختتم الكاتب الفرنسي البيرت جاكار Albert Jacquard في كتابه " العلم لغير المتخصصين La science à l’usage des non scientifiques الصادر سنة 2003 : إن حساب إحتمالية حدث ما لا معنى لها طالما وقع هذا الحدث. فظهور الحياة ، والديناصورات، والإنسان، وغيرها من الكائنات الحية، جاء نتيجة لعدد كبير من التفرعات والتشعبات أو التحولات في سياق الصيرورة التي حدثت على كوكبنا الأرض، وكل واحدة من هذه التفرعات والتحولات حدثت نتيجة أو ثمرة لعدد مماثل من الممكنات والاحتمالات، ولكل واحدة من الممكنات إحتمالية سواء أكانت ضعيفة أو قوية، وتطلب الأمر في نهاية المطاف أن تتحقق إحدى تلك الممكنات ، البعض يقول أنها حدثت بفضل الصدفة والبعض الآخر يقول بفضل تدخل اليد الإلهية". وأخيراً نذكر رأي الفيلسوف الألماني فردريك نيتشة 1844-1900 Friedrich Nietzsche في كتابه"المسيح الدجال" L’Antéchrist :" حتى يكون لدينا أقل حس من التقوى والورع أو التدين بإله يشفينا من مرض أو وعكة صحية في الوقت اللازم، أو يخبرنا بضرورة الركوب في عربة في لحظة هطول وابل من الأمطار ووقوع الطوفان، سيبدو لنا كأنه إله عبثي يجب تحطيمه حتى لو كان موجوداً بالفعل، فهو في هذه الحالة ليس سوى ساعي بريد ومروج للتنجيمات ولكشف الطالع حسب بروج السماء، وهي في واقع الأمر ليس سوى كلمة تصف أغبى الصدف، وقد مات مثل هذا الإله في رؤوس وأذهان العقلاء ". وبهذا الصدد كان أحد أتباع الفيلسوف ديموقريطس في القرن الخامس قبل الميلاد، وهو لوسيب دوميليه Leucippe de milet يقول :" لا شيء يحدث بالصدفة إنما يحصل كل شيء بسبب ما أو لضرورة ما" وهي المقولة التي دفعت العالم الفرنسي جاك مونود Jacques Monod لوضع كتابه الشهير " الصدفة والضرورة Le Hasard et La Nécessité " الذي بحث فيه أساسات التطور البيولوجي وفق ما طرحته نظرية التطور والانتخاب الطبيعي لتشارلس داروين Charles Darwin في كتابه " أصل الأنواع " L’ Origine des Espèces " ، الذي أثار ضجة مازالت تداعياتها قائمة إلى اليوم في الجدل الدائر بين المؤمنين والملحدين، في حين أن البيولوجيا ـ علم الأحياء ـ يؤكد مسلمة قانون فيزيائي يقول : أن النظام يجب أن ينبثق دائماً من نظام سابق له وليس من فوضى أو من العدم كما يدعي الماديون، وعكس ما يدعيه جاك مونود. فالمتدينون يحرصون، ويبذلون كل ما في وسعهم، لإثبات وجود الله لأنه سبب وجودهم وهدفهم الأسمى، فلو ثبت علمياً وبالبرهان العلمي القاطع عدم وجود الله فهذا سيعني نهاية الأديان والمؤسسات الدينية ونسف التاريخ الديني من جذوره، بينما يسعى الماديون وبكل ما لديهم من قوة للاستغناء عن فرضية الله وما يترتب عليها من أنظمية ثيوقراطية .
وسيم أحمد الفلو
09-11-2010, 09:55 PM
الإنسان بين إله العلم وإله الدين والخوف من المجهول3
هنالك قول شائع بين المثقفين يدعي أن الفلسفة ولدت من رحم الدين وأدت بدورها إلى ولادة العلم، ومن ثم تمرد العلم على الفلسفة والدين معاً مثلما تمردت الفلسفة قبله على الدين وحاولت التخلص من تبعات التنزيل الذي هو بمثابة العمود الفقري للأديان السماوية واستعاضت عنه بالمنطق العقلي لبناء نماذج بديلة للعالم من دون الحاجة إلى استبعاد أو إلغاء ما اقترحته الأديان السماوية من أصل غيبي ومصير طوباوي. فيما حاول بعض الثيولوجيين ومفكري المؤسسات الدينية المزاوجة بين النصوص المقدسة المنزلة والتنظيرات الفلسفية الوضعية في محاولة يائسة للتكيف والتأقلم مع النظريات المعاصرة عن العالم والوجود والحياة والموت. يقول القديس أوغسطين Augustin d’Hippone، أحد أهم العقول الدينية في الأكليروس المسيحي التي أثرت في تأريخنا الديني، أنه عثر في أعماقه على إله ذو بعد روحاني حيث لم يستطع العلم العثور عليه أو إثبات وجوده. وهو نفس الأله الذي تحدث عنه سفر التكوين وباقي أسفار العهد القديم والمعروفة بنصوص التوراة والتي تروي أصل الزمان ومصدر الوجود المخلوق من العدم على يد الخالق الذي خلق كل الأشياء، وكان إلهاً طيباً، وهو الذي خلق الإنسان على صورته وأمره أن يسكن الأرض ويعمرها ويملأها بنسله وإخضاعها لإرادته مقابل خضوعه غير المشروط لخالقه. وكلنا يعرف انهيار هذه الصورة الرومانتيكية بسبب فعل الخطيئة الأولى وباقي الأسطورة معروف لأتباع الديانات السماوية الثلاثة بشأن طرد آدم وحواء من الجنة لأكلهما ثمرة شجرة المعرفة، ومأساة هابيل وقابيل ولدي آدم وحواء وقصة نوح والطوفان وإبراهيم والذبيحة أو القربان، وملحمة موسى وشعب الله المختار، ومعجزات عيسى المسيح حامل خطايا البشر في أناجيل العهد الجديد وأخيراً رسالة محمد المنقذ الأخير للإنسان من الظلال. تتحدث النصوص المقدسة عن البداية، والمقصود بها بداية الزمان والمكان، هذا الزمان الذي يسير باتجاه واحد مستقيم، من الماضي مروراً بالحاضر باتجاه المستقبل إلى نقطة محددة في عمر الزمن حيث ستكون معلماً لنهايته. والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعي أنه سيموت حتماً وهو الوحيد الذي يعشش في ذاكرته ومخيلته الجمعية، على مر الزمن، خوف كبير من نهاية الزمن وإن كل لحظة تمر به تقربه من تلك النهاية المحتومة، وبالرغم من ذلك يظل يبحث عن البداية والأصل، التي تحولت إلى معضلة ينبغي الهروب منها أو تجنبها وتلافيها L’esquive de l’origine. ومن ناحية أخرى فإن الميتافيزيقيا والعلم يعيشان حالة طلاق بائن وانفصال تام في أيامنا هذه. فمنذ عام 1826 ساهمت الفلسفة الوضعية la philosophie positiviste لأوغست كونت August Compte بشكل واسع في تنظيف الفكر وإجلاء الغشاوة عن الأنظار إزاء المساءل التي تتعلق بمبدأ الغائية la finalité والسببية أو العلية la causalité، مانعة على نحو منتظم أي تساؤل بشأن وجود كائن علوي يكون هو أصل ومصدر العالم، في حين كان الفيلسوف الشهير لايبنز Leibinz في نهاية القرن السابع عشر، يرى في العلم هدفاً مزدوجاً يتمثل بالتدبر والتأمل والانبهار والإعجاب admirer بحكمة الله الخفية وفي نفس الوقت معرفة الأشياء. والحال أن العلماء يضحون اليوم بالشطر الأول من مقولة لايبنز لصالح الشطر الثاني فقط. وباتت مهمة العلماء في أيامنا هذه، الاهتمام بكل شيء ما عدا مسألة الإلوهية فهذه من شأن الثيولوجيين والللاهوتيين والسحرة والمشعوذين، لذا يتعين على العلماء الماديين والعقلانيين التخلي عن الجوانب والمواضيع الميتافيزيقية والغيبية التي تؤرق ذهن البشر. ترتيباً على ذلك يصح القول أن النظريات العلمية في ميادين التجربة والمشاهدة تتوقف بصورة عامة على مبدأ العلية La causalité وقوانينها على نحو أساسي، وإذا أسقط هذه المبدأ من الحسابات الكونية فسوف يغدو من المتعذر صياغة نظرية علمية في أي حقل من حقول المعرفة كما يعتقد بعض الفلاسفة الإلهيين. فالمادة بنظرهم ليست سوى قناع للحقيقة المطلقة غير المرئية التي ينطوي عليها وجود العالم، ويبنون على ذلك أن الكشف العلمي لا يمكنه أن يبرهن على وجود الواقع الموضوعي المستقل عن وعينا بينما يمكنه أن يدلل في نفس الوقت على عدم لزوم الصفة المادية له. والحال أن مبدأ العلية يقول أن لكل حادث سبباً، وقانون الحتمية يقول أن كل علة أو سبب يولد النتيجة الطبيعية له بالضرورة، بمعنى أنه لا يمكن فصل النتائج عن أسبابها كما يقول مبدأ التناسب بين الأسباب والنتائج، أي أن كل مجموعة متفقة في حقيقتها ينبغي أن تتفق في العلل والآثار كما في الأسباب والنتائج. ومرد ذلك أن مبدأ العلية هو الركيزة التي تستند إليها كافة محاولات الاستدلال. وعلى الصعيد المعرفي، عندما تصطدم بعض العلوم بعقبات تعجز عن تذليلها و لا تحبذ اللجوء إلى الغيبيات والماوراءيات، فإنها تلجأ أو تتوسل بطرق ومناهج ومبادئ أخرى كالصدفة Le Hasard كما نلاحظ غالباً في علم الأحياء أو البيولوجيا La biologie الذي كثيراً ما يستنجد بالصدفة حيال الظواهر التي يرصدها ويراقبها، مما جعل البعض يعقب بالقول أن الكون لا يحتوي على الصدف بل على مستويات مختلفة من الأنظمة التي يتوجب علينا الكشف عن مراتبيتها، وإن ما ندعوه بالصدفة ليس سوى عجزنا نحن البشر عن فهم وإدراك درجة قصوى من النظام الكوني. وقد يفلت منا ويغيب عن استيعابنا سبب ما أو علة ما مهما كانت صغيرة في حين قد تكون تلك العلة هي السبب الذي يحسم ويحدد نتيجة جوهرية مهمة لم يكن بمقدورنا إدراكها أو التنبؤ بها أو استشعارها pressentir وذلك بسبب أن الكائن البشري غير قادر على معرفة كل شيء يحيط به، لذلك تراه يرمي على عاتق الصدفة مسؤولية جهله. فعلم الهندسة الوراثية، على سبيل المثال، يستشهد بالفيزياء الكمية أو الكوانتية physique quantique ليبرر وجود الصدفة في الطبيعة بالاستناد إلى مبدأ اللايقين أو اللاحتمية principe de l’incertitude. فعلماء الخلايا الحيوية biologistes moléculaires يقولون إنه إذا كانت المادة مدموغة باللاحتمية indéterminisme فإن البنى والتركيبات البيولوجية مدموغة بذلك أيضاً a fortiori لأنها مادية matérielles. وهكذا، ويالها من مفارقة، تنبثق مرة أخرى فكرة الفوضى chaos في قلب علم يدرس حتمية déterminisme برنامج غاية في الدقة. والجدير بالذكر أن العالم الفيزيائي ويرنر هايزنبيرغ Werner Heisenberg كان أعلن سنة 1925 عن مبدأ اللايقين أو اللاحتمية وأظهر أنه في المستوى مادون الميكروسكوبي ومادون الذري، ليس بوسع العالم الفيزيائي أن يحدد في آن واحد موقع وسرعة الجسيمات الذرية كالالكترونات. فمعرفة إحدى المعطيين في لحظة ما يحكمنا بالضرورة بجهل المعطى الآخر، بعبارة أخرى يستحيل علينا أن نقيس بصورة دقيقة كمية الحركة التي يقوم بها جسيم بسيط أو أولي كالفوتون وأن نحدد ونقيس في الوقت عينه موقعه في الموجة المرتبطة به حسب الميكانيكا الموجية التي تحدث بها العالم الفرنسي لوي دي بورجلي louis de Broglie. وكلما كان قياس موضع الالكترون دقيقاً يغدو هذا الأخير عاملاً في تعديل كمية الحركة، أي تغيير في سرعة الجسيم بصورة لا يمكن التنبؤ بها، والعكس صحيح، دون أن يحدث ذلك اضطراباً غير قابل للقياس، بعبارة أخرى، لا يمكن الفصل بين الجسيم الملاحظ أو المرصود وأداة الرصد أو جهاز المراقبة الذي يؤثر فيه، كما لا يمكن فصله عن الشخص أو العالم الذي يلاحظ ويراقب ويرصد الجسيم. أي لو استخدم شخصان أو مراقبان نفس أداة الرصد لنفس الجسيم وعلى موضع واحد، فسوف يصلان إلى نتائج ومقاييس مختلفة. من هنا نشأ مبدأ اللاحتمية الذي يناقض بشكل مطلق مبدأ العلية والقواعد الأساسية والجوهرية التي سارت عليها الفيزياء الكلاسيكية أو التقليدية.
ومن خلال مبدأ اللاحتمية دمغت الفيزياء الحديثة على جبينها معرفتها المتواضعة بجهلنا أو يقيننا المتواضع عن عدم اليقين. فبالنسبة للعالم هايزنبرغ والمفكرين الوضعيين، لا يوجد واقع غير الظواهري أو الظاهراتي phénoménale والحال أن الظواهر les phénomènes لا تقبل سوى القوانين الاحتمالية probabilistes التي تنطوي على الـلاحتمية indéterminisme. وبالمقابل بالنسبة للواقعيين من أمثال آينشتين Einstein فإن نظرية هايزنبرغ غير مكتملة بقدر ما هي حسابية statistique فهايزنبرغ يصر على أنه لا توجد آلية mécanisme تختفي أو تقف وراء علاقات اللاحتمية. وعندما سئل آينشتين لما لا يتفق مع مبدأ اللاحتمية indéterminisme أجاب:" النكتة الجيدة لا يجب أن تكرر دوماً" والمعروف أن آينشتين قال أن الله لا يلعب بالنرد أو الزهر وهو يعتقد بالصرامة الجوهرية rigueur fondamentale للعلية la causalité والحتمية déterminisme ويعارض من يعتقدون بمبدأ الاختيار الحر وتقرير المصير من قبل الالكترونات، وأعلن العديد من العلماء عجزهم عن إدراك مبدأ تداخل الحالات la superposition d’états الذي سنتحدث عنه باسهاب في حلقات قادمه.
يستغل بعض المنظرين الإلهيين في مختلف الأديان السماوية هذه المبادئ والفرضيات التي يحتويها العالم الغريب للفيزياء الكمية أو الكوانتية physique quantique والتي يستحيل إدراكها بالحواس البشرية الستة لتعزيز رؤاهم الغيبية أو ما وراء المادية خاصة مبدأ تداخل الحالات، المقصور حالياً على مستوى اللامتناهي في الصغر ويعتقدون أن هناك ما يقابله في مستوى اللامتناهي في الكبر. لقد حاول العلماء على مر العصور وعبر قرون عديدة، تقليص الهوة بين ما نعرفه وما ندركه بحواسنا، بين فهمنا وتقبلنا للعالم الممتد من اللامتناهي في الصغر infiniment petit وما دونه واللامتناهي في الكبر infiniment grand وما يتعداه، وما ينكشف أمام أنظارنا ومسامعنا وما يخفي عليها. فالأرض تبدو للإنسان الذي يعيش فوقها مسطحة وساكنة غير متحركة نظرا للفرق الكبير بين حجم الإنسان وحجم الأرض لكنها تظهر كروية متحركة تدور حول نفسها وحول الشمس عندما ينظر إليها الإنسان من خارج مدار الكرة الأرضية كما تظهر انعكاسات وتبعات وتأثيرات غريبة كلما اقتربنا من سرعة الضوء، الى درجه ان الجسم المادي يختفي كليا عندما تبلغ سرعته سرعه الضوء، لذلك فإن أغلب النماذج الفيزيائية تمتلك سلسلة من الخواص تفصل بين رؤيتين أو كونين أحدهما مألوف لدينا والآخر يخضع لقوانين تتنافى مع حدسنا أو مداركنا. وهناك إدراك بشري على مستوى ماكروسكوبي macroscopique ومعلومة علمية يصعب، إن لم نقل يستحيل، إدراكها من قبل الإنسان العادي على المستوى الميكروسكوبي microscopique والمقصود بهذا الأخير عالم الذرة ومكوناتها من الالكترونات électrons وفوتونات photons وكواركات Quarks وربما جسيمات أو جزيئات أصغر من ذلك بكثير لم تستطع أجهزة القياس التي نمتلكها حالياً اكتشافها حيث تنتشر فرضيات خيالية فنتازية تتحدث عن أكوان بأكملها توجد على مستوى ما دون الذري مثلما يشاع عن وجود أكوان لا متناهية في عددها ولا يمكن للبشر إحصائها وما كوننا المرئي، بما يحتويه من مئات المليارات من الحشود والسدوم المجريه والغازات الكونيه ومئات المليارات من المجرات وما تحتويه من مئات المليارات من النجوم والكوكب التي تفصل بينها ملايين المليارات المليارات من السنين الضوئيه، سوى جسيم في ذرة كوزمولوجية في جسد كون مطلق لامتناهي الأبعاد ليس له بداية ولا نهاية، عاقل وحي ودائم الخلق والتطور، كما أشارت إلى ذلك نصوص ووثائق تعود لحضارات فضائية متقدمة ومتطورة تتقدم علينا بعشرات الملايين من السنين، استطاعت السيطرة على مختلف أنواع الطاقة والمادة الكونيتين، سواء المرئية والملموسة منها أو الخفية واللامرئية، وبمقدورها التنقل بين المجرات في كوننا المرئي بلمح البصر. فهناك عدد لامتناهي من المكونات الجوهرية المنتشرة في ثنايا الكون المطلق لا تخطر على بال بشر حتى بعد مليارات السنين ومهما تقدم الإنسان في العلم والتكنولوجيا ووصل بعلمه إلى مصاف الآلهة.
وسيم أحمد الفلو
09-11-2010, 09:56 PM
الإنسان بين إله العلم وإله الدين والخوف من المجهول 4
عندما يبحر الإنسان في رحلة محفوفة بالمخاطر في عمق المجهول، بين اللامتناهي في الصغر L’infiniment petit واللامتناهي في الكبر L’infiniment grand ، بين علوم الحياة Les sciences de la vie وعلوم الوعي Les sciences de la conscience، سيصل حتماً إلى استنتاج بأن رؤيته الكلاسيكية أو التقليدية عن نفسه وعن العالم المحيط به وأسباب وجودهما، غير دقيقة وإن لم تكن رؤية لاهوتية ـ دينية كما كانت عليه نظرته لهما في القرون الوسطى وما سبقها، خاصة عن الكون، حيث كانت صورة الكون في تلك العصور القديمة لا تتعدى الأرض باعتبارها مركزاً للكون والشمس تدور حولها ومسخرة لها وفوقها قبة السماء المرصعة ببعض النجوم الموجودة للزينة ولإضاءة ظلمة الليل إلى جانب القمر التابع الأمين والمخلص للأرض، مع ما ترتب على تلك النظرة ولحقها من أساطير وخرافات رسختها وغذتها النصوص الدينية المقدسة والمنزلة من السماء حسب ادعاء أصاحبها والمروجين لها. لم يخطر على بال أحد في تلك الأوقات المبكرة من عمر الوعي الإنساني أن هناك عدة مستويات للواقع، منها منظور ومنها ماهو خفي على الحواس البشرية الخمسة ويتعذر استشعارها أو التكهن بوجودها، ولم يفكر أحد بأن الوعي البشري أعمق وأعقد بكثير من مجرد جملة من الوظائف والأنشطة العصبية activités de neurones وإن الحياة مدرجة على صيغة شيفرة جينية ـ وراثية code génétique ضمن قوانين الكون الجوهرية وجزء أساسي من الشيفرة الكونية code cosmologique السابقة للوجود المادي. فمبدأ اللايقين أو اللاحتمية incertitude لهيسنبيرغ Heisenberg أحد أعمدة نظرية الكم أو الكوانتا théorie quantique، يقول لنا أن هناك لاحتمية جوهرية توجد في الكون لا سيما على مستوى الجسيمات الأولية المكونة للكون المادي المرئي وإن الحتمية déterminisme ليست شمولية أو كونية. وإن تجربة شقي يونغ fentes de young ، التي سنتطرق لها بتفصيل أوسع لأهميتها في مقال لاحق، أظهرت لنا أن جوهر المادة وماهيتها الحقيقية ليست فقط جسيمات مادية فحسب بل هناك مكونات أخرى غير مرئية فضلاً عن أنواع أخرى غير معروفة من المادة والطاقة التي تملأ الكون ولا نعرف عنها شيئاً. كما تم إثبات وجود بعد غير محلي dimension non locale صوري أو شبحي holistique في الكون عبر تجارب مختبرية. بمعنى آخر، أن أية نظرية مستقبلية تتعلق بالواقع عليها أن تأخذ بالحسبان بأنه في بعض الحالات يتوجب علينا اعتبار جسيمين كأنهما جسم أو شيء واحد unique objet مهما كانت المسافة الفاصلة بينهما حتى لو كانت على طرفي الكون المرئي، أي بينهما مليارات المليارات من السنين الضوئية. وقد تبين لنا مؤخراً، من خلال التجارب العلمية، بأن مفاهيمنا التقليدية بخصوص الزمن والمكان والأشياء والاتجاهات والمسارات Les trajectoires والعلية أو السببية La causalité لا يمكن تطبيقها على الميكروـ فيزياء microphysique . وإن العالم المحيط بنا، أي عالم الظواهر، لا يمكن وصفه بدقة علمية دون أن نأخذ بالاعتبار الطريقة التي نقيس بها وأدوات القياس وشخص المراقب الذي يقوم بالقياس. هذا ملخص ما سبق طرحه في حلقات سابقة من هذه الدراسة، التي هي تبسيط التبسيط لبحث معمق وطويل بعنوان إله الأديان وإله الأكوان استمر عامين وبلغ أكثر من ثلاثمائة صفحة. واليوم تمكن الإنسان المعاصر، بفضل مسرعات الجزئيات العملاقة أو مصادمات الجسيمات ما دون الذرية، من الحصول على مستويات قصوى من الطاقة ودرجات حرارة تقرب من تلك التي كانت سائدة في اللحظات الأولى من عمر كوننا المرئي. واكتشف الإنسان القوى الجوهرية الأربعة المسيرة للكون المرئي، وهي الجاذبية أو الثقالة، La gravitation, والقوة الكهرومغناطيسية La force électromagnétique, ـ المكونة بدورها من قوتين هما الكهرباء والمغناطيس ـ والقوة النووية الشديدة force nucléaire forte la والقوة النووية الضعيفة، La force nucléaire faible حيث لكل قوة وظيفة جوهرية في تناغم وتماسك وتجانس وبقاء الكون بانتظام مدهش وحياة دائمة. والجدير ذكره أن هذه القوى الأربعة كانت موحدة في لحظة النشوء الأولى كما يعتقد الكثير من العلماء، وحلمهم الكبير اليوم، كما كانت أمنية آينشتين وحلمه الأخير ، هو التوصل إلى توحيدها مرة أخرى بفضل نظرية موحدة وجامعة وحيدة. بعد أن اكتشف اسحق نيوتن الثقالة أو الجاذبية، اهتمت نظرية نسبية آينشتين بها ونظرت لها في حين تكفلت نظرية ميكانيك الكم أو الكوانتا mécanique quantique بالقوى الثلاثة الباقية، والحال أن هاتين النظريتين ترفضان التزاوج والاتحاد فيما بينهما أمام حيرة واضطراب العلماء حيث يسعى العلماء اليوم للعثور على نظرية واحدة تضمهما تعرف باسم الثقالة الكوانتية gravitation quantique والتي كرس لها آينشتين آخر عشرين سنة من عمره بلا طائل وتوفي دون أن يحقق حلمه الأخير هذا. هنالك معضلة أخرى في كوننا المرئي تتمثل في أنه لا يوجد زمن أقصر من 10-43 و لا يوجد مكان أصغر من 10-35 من السنتمتر حسب ماكس بلانك Max Planck وهي الحدود الدنيا أو المستويات الأدنى المعروفة بمستويات بلانك والتي لا يمكن تجاوزها للمادة، فبتجاوزهما يتوقف الزمان والمكان لأن قوانين الفيزياء الحالية، بما فيها النسبية العامة تنهار هناك، مما يعني أن كوننا المرئي محجوب أو مخفيvoilée بأبعاد وأكوان أخرى، ويمكننا تلخيص تاريخ الكون المرئي الحالي بأنه عند ولادته وهو بعمر 10-43 من الثانية كان قطر الكون لا يتجاوز 10-33 من السنتمتر وحرارته بلغت 1032 درجة وإن كل الطاقة المرئية والملموسة المعروفة اليوم كانت موجودة ولم يضف لها شيء فهي لا تفنى و لا تستحدث من العدم. وكلما زاد اتساع وتمدد الكون زادة برودته حيث يتكثف جزء من الطاقة ويتحول إلى مادة ومن هذه الأخيرة تتكون الغازات الكونية والمجرات والنجوم والكواكب الغازية والصلدة telluriques إلى جانب العناصر الخفيفة والثقيلة ومن بينها عنصر الكربون الذي هو أصل نشوء الحياة.
بقيت هناك مسألتان جوهريتان ترتب عليهما تداعيات خطيرة وحساسة على المستوى الفكري والمعنوي والفلسفي والأخلاقي ناهيك عن المستوى العلمي وهما أولاً: لماذا كان الكون متناسقاً ومتجانساً homogène ومتناظراً symétrique ؟ فالأفق الكوني horizon cosmique شكل مجالاً يحدد رؤيتنا لكل ما نشاهده ونراه ونرصده ونراقبه اليوم. أي أن نجم ما يبعد عنا مليار سنة ضوئية يبدو أمام أعينا اليوم كما كان عليه حاله قبل مليار سنة لأن الضوء القادم منه استغرق مليار سنة ضوئية لكي يصل إلينا، أي أننا ننظر إلى ماضي ذلك النجم وليس حاضره، وليس كما هو عليه الآن، فقد يكون النجم قد انفجر ومات واختفى منذ بضعة ملايين من السنوات. وبالرغم من تباعد المسافات بين مناطق الكون المرئي ومجراته بسبب التمدد والتوسع expansion المثبت علمياً، فإن الإشارات القادمة من مختلف مناطق الكون المرئي تبدو متناظرة ومتجانسة ومتناسقة homogène بالرغم من انعدام التبادل الطاقوي بينها. ولحل الإشكالية، طور العالم الفيزيائي آلان غوث Alan Guth في سنة 1980 نظرية التضخم الكوني théorie de l’inflation ويمكننا الإطلاع على تفاصيل هذه النظرية في كتاب العالم الفيزيائي بريان غرين Brian Greene المعنون " الكون الأنيق L’Univers élégant الصادر سنة 2005 . ثانياً: لماذا لم يكن كوننا المرئي مثالياً وتاماً في تماثله وتجانسه totalement homogène ؟ إذا وجدنا جميع الخصائص propriétés للكون المرئي متماثلة ومتناظرة ومتساوية في جميع الاتجاهات isotropie ، وإذا كان الشعاع المتحجر أو الضوء القادم من أعماق الكون rayonnement de fond متجانساً homogène ، فكيف نفسر عدم تماثل وتجانس الكون المرئي بشكل تام ومتكامل complet et totale كما ظهر في الصورة التي أخذتها الأقمار والتلسكوبات الفضائية مثل كوب Cobe و WMAP و بلانك Planck خلال العقدين الماضيين، خاصة الضوء أو الإشعاع المتحجر القادم من فترة حدوث الانفجار العظيم أو الكبير Big Bang قبل 13،7 مليار سنة؟ وهو الضوء أو الإشعاع الغني والمليء بالمعلومات، من هنا بات من المؤكد أن كوننا المرئي جاء من نقطة مادية بالغة الصغر وهائلة الكثافة ومرتفعة الحرارة جداً، والتي انفجرت على مرحلتين قبل ما يقارب 14 مليار سنة . ينبهنا العلماء إلى أننا لا ينبغي أن نتصور أن هذا الإنفجار حدث في فراغ سابق له، إذ أن المكان والزمان بدءا معاً وتطورا مع نشأة وتطور الكون المرئي ذاته في نفس الوقت. وبذلك أقر العلماء بوجود بداية لهذا الكون المرئي تؤرخ بالانفجار العظيم أو الكبير مما أعتبره البعض من أتباع أو أنصار الخلق الإلهي المباشر دليلاً على وجود عملية خلق مقصودة ومبرمجة من قبل كائن عاقل كلي القدرة قادر أن يقول للشيء كن فيكون إسمه الله كما فعل البابا بيندكت الثاني عشر Pie XII سنة 1951. وهو الأمر الذي رفضه مؤخراً عالم فيزيائي فذ هو ستيفن هوكينغ Stephen Hawking في كتابه الأخير المعنون التصميم العظيم في محاول للإجابة على تساؤل وجودي حول طريقة نشوء الكون حيث اعتبر عملية انبثاق الكون المرئي نتيجة طبيعية ومنطقية معقولة لوجود الجاذبية أو الثقالة كإجابة عن تساؤل لماذا يوجد شيء بدلاً من لا شيء، وهو يعتقد أن وجود الكون المرئي حدث مستقلاً عن إرادة إلهية مسبقة، وحتى في حالة وجود إله فإنه لا يتدخل في قوانين الطبيعة والكون، بالضد مما يعتقد المؤمنون بوجود يد إلهية في كل شيء. بعبارة أخرى يرفض هوكينغ شخصنة الإله متتبعاً خطى آينشتين الذي رفض هو الآخر الإيمان بإله الأديان والمؤسسات الدينية إلا أنه عجز عن الإجابة عن سبب وهدف نشأة الكون، حتى لو لم يكن هذا الكون بحاجة للرب لوجوده، ولم يقدم إجابة ناجعة عن علة وجود الثقالة أو الجاذبية. فبوسع العلم الإجابة عن كيفية نشوء الكون ولكن ليس عن أسباب نشوئه.
وهكذا يعود الله بقوة ليفرض نفسه باعتباره العلة الأولى للكون المرئي كما يعتقد العالم الفيزيائي الفرنسي من أصل فيتنامي تران كسوان توان Trinh Xuan Thuan في كتابه الممتع المعنون " اللحن السري La Mélodie secrète " وكما ذكر في كتابه الرائع الثاني عن الكون المعنون " الفوضى والاتساق أو الهرمونية Le Chaos et L’harmonie" :" إذا قبلنا فكرة وجود كون واحد، هو كوننا المرئي فقط، فلا بد من قبول مسلمة وجود مصدر أو علة أولى cause première تضبط وتدير وتسير قوانين الفيزياء والشروط التأسيسية الأولية لعملية النشوء والتطور" وقد رد عليه متهكماً الكاتب بول إردوس Paul Erdos :" إرتكب الله حماقتين، الأولى هي أنه خلق الكون بطرقة البيغ بانغ الانفجار العظيم، والثانية أنه كان مهملاً إلى درجة أنه لم يترك وراءه أي أثر أو دليل قاطع على عمله " . ويبقى السؤال الجوهري يبحث عن إجابة:" هل الإنسان الأرضي والحياة على الأرض هما من الأسباب الجوهرية في وجود الكون المرئي ، أي أنه خلق من أجلهما، أم أنهما عبارة عن حدث وقع بصورة عرضية وبالصدفة و لا قيمة لهما في سيرورة الوجود الكوني الشاسع الاتساع واللانهائي المسافات حيث يبعد أفقه حوالي 14 مليار سنة ضوئية وربما أكثر من ذلك بكثير بما يحتويه من مليارات المليارات من المجرات وأكثر منها من النجوم والكواكب المأهولة وغير المأهولة حسب فرضية أو مفارقة فيرمي Le Paradoxe de Fermi ؟؟ العالم الفلكي والفيزيائي الشهير هيوبير ريفيز Hubert Reeves أجاب على ذلك بشاعرية في كتابه الرائع المعنون " أغبرة النجوم poussières d’étoiles " حين قال أننا جميعاً من هذه الأغبرة النجمية وأبناء النجوم وهو محق في قوله. فأول العناصر الخفيفة التي نجمت عن الانفجار الكبير أو العظيم هما غازي الهيدروجين والهليوم Hydrogène et Hélium، أما تكون العناصر الأثقل كالكاربون والمعادن الأخرى إلى حد الحديد، فيمكن أنها خلقت في قلب النجوم العادية في حين أن العناصر الأثقل من الحديد فهي نتاج انفجارات لنجوم عملاقة المعروفة بالسوبر نوفا supernovas والتي بلغت درجات حرارة مهولة تتجاوز بملايين المرات درجة حرارة الجحيم الذي تحدثت عنه الكتب السماوية كعقاب ينتظر الكافرين والملحدين والماديين. فإلى جانب ذرات الهيدروجين الداخلة في تركيبة الماء الموجود في أجسادنا، فإن أغلب الذرات الأخرى أعدت داخل نجمة كانت موجودة قبل أكثر من 5 مليار سنة في منطقة من الكون المرئي ستصبح فيما بعد مجموعتنا الشمسية الحالية، وإن تكاثف الغيوم والسحب الكونية التي تحتوي على المواد الناجمة عن انفجار ذلك النجم، هو الذي أدى إلى تكوين نظامنا الشمسي المعروف اليوم. فشمسنا هي نجم من الجيل الثالث بعد الانفجار العظيم ، حيث أن الجيل الأول من النجوم حديثة التكوين لا يحتوي على كواكب سيارة صلدة كالأرضLa Terre والمريخMars وفينوس Vénus . ونظراً للوقت المطلوب للتطور بغية إنتاج كائنات معقدة التركيب بما فيه الكفاية لكي تكون عاقلة وذكية وتمتلك وعياً، فمن المستحيل نظرياً أن يغدو بإمكان كائنات واعية أن تراقب وترصد كوناً يتجاوز قطره بضعة عشرات من المليارات من السنوات الضوئية ككوننا المرئي ،مهما بلغت درجة تطورها. والحال أن الزمن والمكان متلازمان ومتداخلان ومرتبطان ببعضهما البعض، وكلما مضى مليار سنة ضوئية فإن قطر الكون المرئي يزداد بمقدار مليار سنة ضوئية وبالتالي بما أن الكائنات العاقلة لم تظهر في المليار الأول أو الثاني من عمر الكون المرئي بل بعد ذلك بكثير لذلك، فإنه يتعذر وجود كائن عاقل وذكي، مهما كان عمره، بإمكانه أن يرى ويراقب أبعاد الكون المرئي ويقطع مسافاته اللانهائية كلها على نحو حقيقي بل بإمكانه أن يقوم بذلك من خلال الحسابات والمعادلات الرياضية والقياسات النسبية فحسب كما يقول العلماء الكلاسيكيون، بينما يعتقد علماء منفتحون على جميع الفرضيات والممكنات والتصورات الخلاقة والخيالية، أن هناك كائنات متطورة تمكنت من السيطرة على الطاقة الكونية ، الظاهر منها والخفي، وطوعتها لخدمتها مما أتاح لها الترحال في أرجاء الكون كافة . وأود أن أشير هنا بهذه الصدد إلى أنني لا أكتب من وحي الخيال العلمي كما اتهمني البعض بل انطلاقاً من معطيات علمية صرفة واستناداً إلى منطق علمي تجريبي بحت تقبله واعترف به علماء كبار مرموقين ومشهود لهم بالجدية والصرامة العلمية ولم يترددوا في نشر معلوماتهم في كتب ودراسات وأبحاث نشرتها مجلات متخصصة رصينة . وأزيد على ذلك أن ما كان يعتبر خيالاً علمياً أقرب للخرافة منه للواقع ، في القرون الوسطى وما قبلها بات اليوم حقائق علمية وحقيقة واقعية يومية عادية ومبتذلة لا يفكر مستخدموها بمستواها الإعجازي بنظر سكان تلك القرون الغابرة والأمثلة على ذلك كثيرة لا تعد و لا تحصى ويكفي أن نتأمل بوسائل النقل البري والبحري والجوي ووسائل الاتصال الحديثة والأقمار الصناعية والمركبات الفضائية والطائرات العسكرية والمدنية والصواريخ والسيارات والبواخر وحاملات الطائرات والأجهزة والمعدات التكنولوجية المذهلة والسينما والتلفزيون والانترنيت والقنوات الفضائية والكومبيوتر المنزلي والمحمول والهواتف المحمولة والذكية ذات الشاشات التي تعمل باللمس والكومبيوترات العملاقة ومختبرات مسرعات الجسيمات إلخ وغير ذلك كثير من المنجزات العلمية التي يستحيل على العقل البدائي تصديقها وهذا غيض من فيض ونحن ما نزال في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين ويكفي إلقاء نظرة على مؤلفات كتاب علم المستقبليات الذين يتكهنون بما سيقدمه العلم من تطبيقات هي من الخيال العلمي حقاً اليوم كالتخاطر وتحيك الأشياء من خلال التفكير والتركيز العقلي والانتقال الآني من موقع لآخر téléportations والمحرك دائم التحرك، وتجديد وترميم الخلايا البشرية لإطالعة عمر الإنسان وربما بلوغ قهر الموت الخ .. والتي ستصبح من بديهيات واقع المستقبل المنظور
عمار الفلو
17-11-2010, 09:01 PM
الإنسان بين إله العلم وإله الدين والخوف من المجهول 5
من الذي سيكتشف أصل وجودنا الحقيقي ويقنع البشرية به مرة وإلى الأبد، العلم أم الدين، كل بأدواته ووسائله بالطبع؟؟ فكل واحد من هذين الحقلين يروي لنا قصة الوجود ومولد الحياة والعالم والكون عبر مجموعة من الأبطال والشخصيات، الأسطورية أو الحقيقية، من الذين دمغوا هذا التاريخ بأسماءهم. فتاريخ الأديان، السماوية والوضعية، يروي لنا سيرة مجموعة من الأنبياء والرسل والمصلحين والحكماء ممن يزعم البعض منهم اتصاله بالسماء عن طريق الوحي واستمدادهم للحقيقة الإلهية المطلقة منها بواسطة الملائكة المرسلين من الله الخالق لكل شيء والقابع خارج الزمان والمكان. وفي تاريخ العلم هناك مجموعة من الأسماء والشخصيات، ممن حاول بقدر ما يستطيع، الإتيان بشيء مختلف عما سبقه في هذا المجال بفضل مجموعة من الفرضيات والنظريات العلمية أو من خلال التجارب المختبرية والمشاهدات العلمية التي تمت بواسطة التلسكوبات الأرضية والفضائية والأقمار الصناعية والكومبيوترات الحديثة، وما يزال التنافس جارياً بين الجانبين منذ فجر البشرية وإلى يوم الناس هذا. فهناك أسماء لا يمكن أن تمحى من ذاكرة العلم كجيوردانو برونو Giordano Bruno وغاليلو غاليله Galilée وهانس كبلر Kepler و إسحق نيوتن Newton وألبرت آينشتين Einstein وماكس بلانكPlanck من الرواد، و الكسندر فريدمان Alexander Friedmann وإدوين هبل Edwin Hubble وفريد هويلFred Hoyel وجورج غاموف George Gamov وروبير ديك Robert Dick وجيم بيبل JimPeeble وجون ماثر John Mather وروبير ويلسون Robert Wilsonوجورج سموت George Smoot وستيفن هاوكينغ Stephen Hawking و آرنو بينزياس Arno Penzias ومئات غيرهم. وفي سجلات النصوص المقدسة والمنزلة أو الوضعية هناك آلاف الأنبياء والحكماء ممن حملوا الأطروحة السماوية أو الميتافيزيقية وبشروا بها وأقنعوا آلاف البشر بتصديقها أو أرغموهم على اعتناقها طوعاً أو كرهاً، وفي أحيان كثيرة بحد السيف وبالعنف والتعذيب والتهديد بالقتل، منذ نوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف وموسى وسليمان وداود وأشعيا ويوشع ومروراً ببوذا ومانو وزرادشت وكونفوشيوس وانتهاءاً بيوحنا المعمدان وعيسى المسيح ومحمد، وكلهم يشتركون بمصدر غيبي أو ما ورائي، سواء أكان سماوي أو أرضي، كأصل للكون والكائنات. وبالرغم من كل تلك الجهود العلمية والدينية يظل السر قائماً واللغز عصي عن الحل بدون التوصل إلى نتيجة حاسمة وقاطعة لا تقبل الدحض. وفي نفس الوقت تحطمت كل النظريات العلمية على صخرة جدار بلانك Mur de Planck الذي يمثل عقبة كأداء أو حد لا يمكن تجاوزه إذ هو أصغر بعد مادي يمكن تصوره في المكان والزمان حيث لا يتجاوز الـ 10-35 من السنتمتر مكانياً و الـ 10-43 من الثانية زمنياً كما ورد في المقال السابق والحال أن هذه العقبة غير موجودة في الأطروحة الدينية حيث لا حدود ولا عوائق أمام قدرة الله اللامحدودة.
من الممكن تناول أو مقاربة الكون باعتباره رسالة معبر عنها بشفرة سرية Code Secret أو نوع من الهيروغليفية الكونية Hiéroglyphe cosmique على حد قول الكاتب والفيلسوف الفرنسي جون غيتون jean Guitton في كتابه "الله والعلم" Dieu et la Science، ويبدو أن هذه الرسالة السرية أدرجت في صلب النسيج الكوني البدئي أو الأولي Trame de l’Univers primordial حيث يبدو كذلك أنه في تلك الفترة المتجذرة في القدم، بمقدار جزء من مليار المليارات من الثانية الأولى بعد الانفجار العظيم أو الكبير، تم ترميز أوتشفير Crypté مستقبل كل ما وجد وسيوجد في الشعاع الكوني الأول المنبثق من الانفجار العظيم أو الكبير، وقد يعني هذا أن الأصل للنسيج الكوني trame cosmologique يمكن أن يتواجد situer في مكان آخر غير العالم الفيزيائي monde physique. ولو أمعنا النظر بالدرس والتحليل المعمق للشعاع الكوني الأول أو الضوء الأولي المتحجر rayonnement fossile، فسوف ترتسم أمام أعيننا ملامح البضة الكونية المدهشة ونتفهم قول العالم الفيزيائي روبرت ويلسون Robert Wilson بهذا الصدد:" إن ما يلفت الانتباه هو الإنتظام التام و والتناسق والإنسجام شبه الإعجازي régularité التي نلمسها في هذا الضوء القادم من بداية الزمن. فدرجة الحرارة فيه، على سبيل المثال، لاتحيد و لا حتى بنسبة واحد من مائة ألف من الدرجة، وهي كمية ضئيلة بمكان يمكننا مقارنتها بدرجة حرارة تمس جسد إنسان على الأرض من جراء إشعال عود كبريت فوق سطح القمر، فما هو سر هذا التنظيم والضبط والإحكام الدقيق واللامتناهي تقريباً؟ يتعين علينا ألا ننسى، ونحن نعالج هذا الموضوع، القوى الجوهرية الأربعة التي تسير الكون المرئي. إثنان منها يؤثران في كل مكان، من الأرض إلى تخوم الكون المرئي اللامتناهية في البعد، من المتر المربع الذي تقف عليه قدماي، إلى أبعد مجرة تتواجد داخل هذا الكون المادي والمرئي، وهما قوة الثقالة أو الجاذبية La Gravitation، التي تمنعنا من الطيران في الجو ومغادرة الأرض التي نمشي فوقها، والقوة الكهرومغناطيسية électromagnétique، التي تدخل في إضاءة بيوتنا وتمنع الكراسي من الانهيار على نفسها والتحلل إلى أغبرة من الجسيمات الأولية المكونة لها. أما القوتان الأخيرتان فهما تؤثران في مستوى اللامتناهي في الصغر infiniment petit، وهما القوة النووية الضعيفة والتي بدونا لن يمكن للنشاط الإشعاعي radioactivité للشمس حتى تضيء و تكون مشرقة وزاهية ومتلأليئة، والقوة النووية الشديدة والتي تعمل على تلاحم وتلاصق الجسيمات الأولية التكوينية داخل نواة الذرة particules élémentaires. وفي هذا المجال ينبغي التمعن ببعض أرقام هذا الضبط والتنظيم التي تفوق التصور. فإذا كانت القوة النووية الشديدة تمثل رقم واحد 1 فإن القوة الكهرومغناطيسية تقل عنها أو اصغر منها بـ 137 مرة وليس 135 أو 138 في حين أن القوة النووية الضعيفة تقل عنها بمليون مرة، أما الثقالة أو الجاذبية فهي أصغر من القوة النووية الشديدة بألف مليار المليار المليار المليار مرة، فكيف نفسر هذا التفاوت المذهل والدقيق جداً بين القوى الجوهرية الأربعة؟ فهذا الضبط والإحكام ajustemet يثير الدهشة وهو نفس الضبط والإحكام الموجود في حوالي 30 ثابت من الثوابت الرياضية التي يبنى على أساسها واقعنا المادي. ولولا تلك القيم الدقيقة جداً في الثوابت الفيزيائية لما توفرت أدنى فرصة لوجودنا ولا للكون المرئي برمته. وهذه الظاهرة، أو بالأحرى الحقيقة، هي التي دفعت العالم البريطاني المبدع ستيفن هوكينغ Stephen Hawking أن يقول في كتابه السابق " تاريخ مختصر للزمن" الذي صدر في أواخر ثمانينا القرن العشرين:" إن قوانين العالم كما نعرفها حالياً تحتوي على كمية من الأعداد الجوهرية، مثل الشحنة الكهربائية للإلكترون، أو علاقات الكتل بين البروتون والإلكترون. والملفت للنظر أن قيمة هذه الأرقامتبدو مرتبة ومضبوطة ومحكمة بدقة finement ajustée إلى درجة تجعل من الممكن نشوء الحياة وتطورها" فمن الذي يقف وراء هذا التنظيم والإحكام الرائع والدقيق للكون المرئي؟ هذا هو التحدي والرهان الذي سيجابهه العلماء في القرن الواحد والعشرين للإجابة على هذه الساؤلات. وقد يقودنا البحث العلمي في هذا المجال إلى شيء عجيب وغريب ومجهول أو غير معروف لنا اليوم ربما سيساعدنا في العثور على السبب أو العلة الأولى cause primordiale، أو السبب الأصلي والأساسي أو الجوهري للظهور المادي للكون المرئي والذي ربما لا يقع داخل كوننا المرئي حسب قول عالم الفيزياء الحائز على جائزة نوبل للفيزياء آرنو بونزياس Arno Penzias:" إن ما اكتشفناه هو شعاع لا يوجد له أي مصدر معروف في كوننا المرئي" والتساؤل المنطقي الذي يطرح نفسه يقول:" إذا كان هذا الأثر الكوني غير موجود داخل الكون المادي المرئي الذي نعرفه فاين إذاً يمكن أن نبحث عنه؟ والجواب المطقي هو إنه موجود ماقبل الوجود المادي، أي ما قبل الانفجار العظيم أو الكبير Big Bang، حيث لم تظهر بعد لا المادة ولا الطاقة، وهذا هو ما عناه بونزياس Penzias بالضبط عندما قال:" إنها عملية خلق تمت من لاشيء De rien مادي ملموس، أي أن طوننا المرئي انبثق من نقطة هي نفسها كانت مسبقاً غير مادية، وانتقلت من الطور اللامادي إلى الطور المادي إثر تدخل مجهول، وما أن أصبحت مادية انفجرت وخلقت بدورها الطاقة والمادة، وبالتالي يتعين علينا أن نبحث عن العلة الأولى هناك أي في ما قبل المادة. وكان العالم اللماني العظيم ماكس بلانك Max Planck، مؤسس علم اللامتناهي في الصغر وميكانيك الكوانتا mécanique quantique أو الكم،، قد توصل قبل أكثر من قرن إلى أن:" كل المادة تجد أصلها ووجودها بفضل قوة ما وعلينا أن نفترض أن خلف هذه القوة توجد روح واعية وعاقلة أو ذكية ésprit conscient et intelligent " أو كما قال العالم الفذ ستيفن هوكينغ Stephen Hawking:" توجد حتماً ماهية أو كائن مسؤول عن وجود قوانين الفيزياء حتى قبل الانفجار العظيم " وبعد التقدم العامي والتكنولوجي ووسائل الاتصال والرصد والمراقبة أو المشاهدة والتحليل بواسطة الحواسيب أو الكومبيوترات العملاقة ظهر علم جديد يمكن أن نسميه " علم المعلومة الرقمية والحاسوبية Science de L’information وبدأ هذا العلم يقول لنا أن عالم الطاقة والمادة يستند إلى عالم آخر غير مادي وغير طاقوي، خفي وغير مرئي invisible لكنه مؤثر وحاسم déterminant ألا وهو عالم المعلومة information، الذي قد يتكون من مادة وطاقة غير معروفة لدينا نحن البشر. ومثلما يخضع عالم الأحياء للمعلومة المعروفة باسم الشفرة الجينية code génétique، فإن هذا الكون المادي والمرئي يخضع هو الآخر للمعلومة التي يمكن أن نسميها الشيفرة الكونية code cosmique وهو الأمر الذي أكده العالم الفيزيائي جورج سموت George Smoot، بشأن كوننا المرئي عندما قال:" إن تطور كوننا المرئي سبق أن كان مسجلاً منذ بداياته وما قبلها في ما يشبه الحامض النووي الكوني ADN Cosmique، الذي يمكننا أن نفترض أنه السبب الأول أو العلة الأولى وراء التحول الجوهري والانتقال من العالم الافتراضي التجريدي الرياضي إلى العالم المادي والطاقوي الذي يميز كوننا المرئي". والآن بات من المتوافق عليه أن الكون يرتكز إلى مجموعة من القوانين الفيزيائية إلا أن الأصل يتواجد située خارج واقعنا الملموس في وقت سابق على الانفجار العظيم، وهو الأمر الذي لاحظه أيضاً العالم الفيزيائي الأمريكي بول دافيز Paul Davies سنة 2001 وقال بهذا الصدد:" أن القوانين الفيزيائية غير موجودة إطلاقاً لا في المكان و لا في الزمان على غرار الرياضيات أي أن لها وجود تجريدي abstraite فهي تصف العالم لكنها لا توجد داخله مما يعني حسب هذا الرأي أن قوانين الفيزياء لم تولد مع ولادة الكون المرئي الفيزيائي والمادي L’Univers physique visible. ولكن تبرز هنا مفارقة وهي، إذا كان الكون المرئي وقوانينه قد تحدرت من لا شيء issus de rien عند ذلك لن يمكننا اللجوء إلى تلك القوانين لتفسير أصل الكون. من هنا يتعين علينا تقبل فكرة أن لدى القوانين الفيزيائية خاصية تجريدية caractère abstrait لا زمنية intemporel و أزلية éternel كما جاء في كتاب العالم بول دافيز Paul Davies المعنون " عقل الله The Mind of God" الصادر سنة 1992. وقد علق العالم جورج سموت George Smoot على ذلك قائلاً:" أعتقد أن علم الكون La cosmologie يتمحور عند تلاقي confluent الفيزياء والميتافيزيقيا والفلسفة، وكلما اقترب البحث من المسألة الجوهرية المتعلقة بالأصل والمصدر الأول تذوب الحدود الفاصلة بين هذه المجالات الثلاثة وتغدو غامضة ومشوشة floues وهنا يطرح تساؤلين هما أولاً: لماذا يوجد شيء ما بدلاً من لا شيء؟ وهو التساؤل الذي تصدى له بجرأة مؤخراً العالم البريطاني الفذ والمقعد ستيفن هوكينغ Stephen Hawking في كتابه الأخير " التصميم العظيم" وتأكيده على أن الجاذبية أو الثقالة، وهي إحدى القوانين الجوهرية الأربعة المسيرة للكون، كافية للإجابة على التساؤل. فيما تصور غيره من العلماء أن السر يكمن في الفرادة التأسيسية Singularité initiale حيث جرى تشفير السيناريو الكوني في قلب الزمن الخيالي أو المتخيل Le Temps imaginaire السابق للزمن الفعلي الذي بدأ من نقطة الصفر. و ثانياً: هل الكون هو الذي خلق من أجل الإنسان أم العكس؟ الأديان السماوية تؤمن بأن الإنسان هو أسمى الكائنات التي خلقها الله وكان خلقه فكرة سامية وكامنة في ذهن الله قبل خلق الكون المادي والمرئي لكي يحتويه حين يخلقه الله باعتباره مركز الكون وكل شيء مسخر له بإرادة الله، وهناك حديث ديني على لسان الإله يقول: قال الله كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق أي البشر و ربما غيره من الكائنات لكي يعرفوني أو يعبدوني" والسؤال الذي يفرض نفسه هو: إذا كان الإنسان بهذه الأهمية فلماذا جاء صغيراً وضعيفاً ويفتقد للقدرات الإعجازية التي تمتلكها كائنات أخرى كالملائكة والشياطين، ثم وضعه في كوكب عادي بسيط يدور حول نجم متوسط الأهمية في أطراف إحدى المجرات من بين أكثر من 200 مليار مجرة تحتوي على مئات المليارات من النجوم المتفاوتة الحجم والأهمية أوجدت قبل عشرات المليارات من السنين قبل ظهور الإنسان وهل وجود هذا الكون المرئي الهائل عبثي لا وظيفة له سوى أن يكون في خدمة هذا الإنسان؟ أما إذا كان العكس وإن وجود الإنسان حدث عرضي وقع بالصدفة كما تقول بعض النظريات العلمية فمن المنطقي أن نفكر أن هناك أهداف أخرى لخلق الكون المرئي ليضم مليارات من الكائنات الأخرى التي تقطن في مختلف مناطق الكون المرئي وتصبح المفاهيم الدينية عن يوم الحساب والقصاص والثواب والعقاب والخير والشر والخطيئة الأولى عديمة الجدوى وفاقدة المعنى وإلا ماهو مصير تلك الكائنات التي لم تحظ برسالة سماوية ولا بأنبياء على غرار أنبياء الجنس البشري، وبالتالي فإن الأفكار الدينية ما هي إلا أيديولوجيات محلية أرضية بحتة تهدف للسيطرة على البشر. فالكائنات الفضائية الذكية والعاقلة تملأ أرجاء الكون المرئي كما يعتقد الكثير من العلماء لكنهم لا يعرفون ماهو أصلهم ومن أي جوهر أو ماهية تتكون أجسادهم أو كينونتهم وماهي الأشكال الأخرى للحياة خارج كوكبنا الأرضي المتواضع وهل بالضرورة تكون التركيبة الكيميائية لهم مبنية على عنصر الكاربون مثلنا، فبعض العلماء يعتقد أن من الممكن نشوء حياة استناداً إلى عنصر السليسيوم SILICIUM على سبيل المثال وقد تكون الحياة خارج الأرض طاقة محض وليس مادة صلدة. وبوسع مثل تلك الكائنات الترحال بين المجرات بفضل طرق مختصرة تعرف علمياً بالثقوب الدودية Trous de Ver وهي غير الثقوب السوداء les trous noirs. والبحث مستمر اليوم عن كواكب صخرية ذات أرضية صلدة قابلة لاحتضان الحياة على غرار كوكب الأرض خارج مجموعتنا الشمسية ولكن داخل مجرتنا درب التبانة، وفيما بعد سيجري البحث عن حضارات كونية متطور في مجرات أخرى، وقد تم العثور على مايقارب الـ 500 كوكب من هذا النوع في مجرة درب التبانة وحدها، وقد علق العالم الفلكي والفيزيائي هيوبرت ريفيز Hubert Reeves قائلاً:" لدي حدس بوجود عوالم أخرى مسكونة، لكننا سنكون حتماً تحت رحمتها ورهن نواياها لأنها تفوقنا في تطورها بكثير" وقد عقب ستيفن هوكينغ Stephen Hawking قائلاً:" إنه لأمر عقلاني أو معقول التفكير بان الكائنات الفضائية موجودة وبكثرة في مجرتنا لكني لا أنصح بالاتصال بها ".
يتبع
أبو عائشة
18-12-2010, 09:23 PM
ظهَر في العقدَيْنِ الأَخيرَيْنِ دعاوَى جديدة ذات أصولٍ قديمة ومُتكرِّرة، تحمل اسم: (مشروع أسْلمة وتأصيل العلوم)، والتكامُل بين العلوم الشرعيَّة والعلوم الاجتماعيَّة والإنسانيَّة، أو التكامل بين معطيات الوحي والخِبرة البشريَّة، وأُنشِئت لهذا الغرَض جامعاتٌ ومعاهدُ وكليَّات، تُخرِّج أجيالاً تحمِل هذا الفِكر وتُروِّج له.
اتِّجاهات ثلاثة تُؤصِّل المشروع:
وهناك اتِّجاهات ثلاثةٌ داخلَ هذا المشروع، أحسب أنَّها تتَّسِم جميعًا بسِمة الاستِعلاء على الكتاب والسُّنَّة، وما انبثق منهما مِن شريعة وفِقه، يلبس الاتِّجاه الأوَّل ثوبَ الاعتدال، وهو أخطرُها، فيدعو أصحابُه إلى الاستعانةِ بالقواعد الفقهيَّة والمنهجيَّة الأصوليَّة، وتطبيقها في العلوم الاجتماعيَّة، وعرْض نَتائج العلوم الاجتماعيَّة على عُلَماء الدِّين، وإقامة جسْر بينهما، ويغلب على الاتِّجاه الثاني صِفةُ السطحيَّة والوصوليَّة، أمَّا الاتجاه الثالِث فقد تطرَّف إلى الحدِّ الذي دعا فيه إلى نقْدِ التراث، ومراجعة الدِّراسات التي بُنِيت على القرآنِ والسُّنة، وتجديدها، مع استِبعاد مفاهيمِ الحقِّ والباطل، والإيمان والكُفر... إلخ[1] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftn1).
وأيًّا كانتِ الاتِّجاهات داخلَ هذا المشروع بما فيها الاتِّجاه المعتدل، فإنَّ جميعَها تعتقد أنَّ مستجداتِ العصر قد أحدثَتْ خللاً في الأبنية الاجتماعيَّة، ومشكلاتٍ لم تكن قائمةً في الصدر الأول، ممَّا يستوجب مواجهتَها بالعلوم الاجتماعية العصرية الحديثة، مع مُراعاةِ اتِّساق ما يُؤخَذ منها مع الكتاب والسُّنَّة، فالمسألة إذًا ليستْ مواجهةَ تغيُّرات العصر بحلولٍ مستنبطة من الخطوط العريضة للشريعة، أو إقامة مصالِح الدنيا بالرُّجوع إلى التعاليمِ المتضمَّنة في القواعِد الكليَّة للشريعة، وإنزال الوقائع المتجدِّدة التي تَعرِض للأفراد والجماعات عليها، وفحْص ما يترتَّب عليها مِن المصالِح والمفاسد، وإنَّما الاستعانةُ بنظريَّات وتحليلات العلومِ الاجتماعيَّة، والخبرة البشريَّة التي لا يُبدو لهم أنَّها تَتعارَض مع معطياتِ الوحي في مواجهةِ هذه التغيُّرات، فيُصبح لدَيْنا مصدرانِ للتعامُل مع الحياةِ الإنسانية، هما: العقل والشَّرْع.
وهذا اتِّجاه قديم ترجِع جذورُه في اليهوديَّة عندَ فيلون السكندري، وفي النصرانيَّة عند كليمونتس، وتلميذه أوريجنس، وفي الإسلامِ عندَ أبي يوسف الكندي، وإخوان الصَّفا، والفارابي، وابن سينا، وابن رشد، وغيرهم؛ ولأنَّ أكثرَ الناس لا يَجمعون بين معرفةٍ حقيقيَّةٍ بما جاء به الأنبياءُ والرسل، وحقيقة الأفكار التي تَحمِلها هذه الدَّعاوى، سادتِ البلبلةُ والفوضى الفكريَّة، مما أتاح الفرصةَ لانتشار مثل هذا الفِكر[2] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftn2).
ويُمكِن القول - حسبما نرى - بأنَّ المشروعَ برُمَّته - بما فيه الاتِّجاه المعتدل - يقع في خطأٍ أساس، وهو عدمُ اعتقاد كمالِ الشريعة وتمامها، وعدم كفايتها في مواجهةِ تغيُّرات العصْر، وكأنَّما الله - تعالى الله عمَّا يتصوَّرون - لا يَعلم بأنَّ هذه التغيراتِ ستحدُث، فلم يحسب حسابها، فجاءَ هذا المشروع ليستدركَ ويستكملَ على الله، فسلَب صفاتِ الكمال عن الله - تعالى- وعلوَّه على خلقِه، وكماله وقدرته، وزاد في الدِّين وأفسدَه وخلطه بما لم يأمرِ الله به، ولبس الحقَّ بالباطلِ، وأعطى مشروعيَّةً لهذا الباطل، ولا يخرُج هذا المشروع برُمَّته عن كونِه هوًى متَّبَعًا، وتبدُّعًا وتنطُّعًا، وخروجًا على الصراط المستقيم بنصِّ مصطلحاتِ العلماء لا مصطلحاتنا؛ وذلك لأنَّ الطرائقَ في الدين تنقسِم إلى ما له أصلٌ في الشريعة، وما ليس له أصلٌ فيها، والأخير هو القسم المخترع، أي: إنه طريقة ابتدعت على غير مثال تقدمها في الشرع، ومن خواصِّ البدعة أنها خارجة عمَّا رسَمه الشارع، ومن ثم يدخل هذا المشروع تحت هذا المسمى، فالشريعة جاءت كاملةً لا تحتمل الزيادة والنقصان، كما أنَّ الله - تعالى - قد أكملَ للرسولِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولأمَّته دِينَهم، وأتمَّ عليهم نِعمته، ولم يحوجْه - لا هو ولا أمَّته - إلى عقلِ أو نقلِ سواه، وأنْكر الله - تعالى - على مَن لم يكتفِ بالوحي فقال: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴾ [العنكبوت: 51]، وقال - تعالى -: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النحل: 89]، وقد تُوفِّي رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وما من طائرٍ يُقلِّب جناحيه في السماء إلاَّ ذَكَر منه لأمَّته عِلمًا.
هدف المشروع:
حدَّد دُعاةُ المشروع أهدافَه في إعادة صِياغة العلومِ في ضوْء الإسلام؛ ممَّا يؤدِّي إلى أسلمةِ العلوم بثلاث طُرق بريئة المظهَر، وأحسبها فاسدةَ المَخْبَر، وهي:
1- فَهْم العلوم الحديثة واستِيعابها في أرْقى حالات تطوُّرها والتمكُّن منها، وتحليل واقعِها بطريقة نقديَّة لتقدير جوانبِ القوة والضَّعْف فيها مِن وجهة نظَر الإسلام.
2- فَهْم واستِيعاب إسهاماتِ التراث المنطلِق من فَهْم المسلمين للكتاب والسُّنَّة، في مختلف العصور، وتقدير جوانبِ الضعْف والقوَّة في ذلك التراث في ضوءِ حاجة المسلمين في الوقتِ الحاضر، وفي ضوء ما كشَفتْ عنه المعارفُ الحديثة.
3- القيام بتلك القَفْزَة الابتكاريَّة الرائدة اللازمة لإيجادِ تركيبة تجمَع بين معطياتِ التراث الإسلامي وبيْن نتائج العلومِ العصريَّة؛ ممَّا يساعد في تحقيقِ غايات الإسلام العُليا[3] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftn3).
أمَّا الأهداف الحقيقيَّة لهذا المشروع، فتتلخَّص في الآتي:
1- إضفاء الشرعيَّة على علومٍ أوروبية الصُّنع، ليستْ حِيادية كالعلوم الطبيعيَّة، وإنَّما ذات موقفٍ خاص من الدِّين؛ فهي قد نشَأت أصلاً لتُزيح الدِّين، وتحل محلَّه، وتجعل الإنسانَ محورَ الكون بدلاً مِن الله، وترى أنَّ الدين من صنع الإنسان، وأنَّ التجرِبة الدِّينيَّة الآن مواجهةٌ مع الله وتحدٍّ له، ومِن ثَمَّ فهي فاسدةُ الأصل، وفساد الأصل لا بدَّ أن يمتدَّ إلى كلِّ فروعه.
2- إفساد المقصِد مِن الشريعة وضَرْب الفقه الأوَّل، وذلك بتلقيحِ الشريعة بمعطيات هذه العلومِ، مع تحميلِ هذا الفِقه أوزارَ تخلُّفِ المسلمين، وما يُسمُّونه بتشويه شخصياتهم، ومِن ثَمَّ إزالة هيمنتِهما على العقل المسلِم.
3- استبعاد مفاهيمِ الحقِّ والباطل، والإيمان والكُفْر، والفِرقة الناجية الفرق الهالكة، وغير ذلك مِنَ المفاهيم المحوريَّة في الإسلام، بحيث تكون آخِرَ ما يُرجَع إليه.
4- تحويل المقولة القديمة لزكي مبارك إلى واقعٍ ملموس، وهي التي يقول فيها: "قدْ نزعْنا راية الإسلام مِن أيدي الجهلة - ويقصد بهم علماءَ الدين - وصار إلى أقلامِنا المرجعُ الأوَّل في شرْح أصولِ الدِّين".
وقد وصَف الشيخ مصطفى صبْري هذه الأقلامَ بأنَّها أقلامٌ تنتقص خَزائن الإسلام الفِقهيَّة، التي ورثْناها من السَّلَفِ بأصولها وفروعها، وتفتح حصونَ العلوم بأسلحة مطليَّة بالذهبِ بدلَ الفولاذ المحض[4] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftn4).
مكمن الخطورة في المشروع:
وتكمن خُطورة هذه الدَّعاوى في الآتي:
أولاً: الإيحاء بأنَّ الشريعة لم تتم:
تُعطي هذه الدعاوى الإيحاءَ بأنَّ الشريعة لم تتمَّ، وأنَّه بقي منها أشياءُ يجب أو يُستحب استدراكُها، ولو كان أصحاب هذه الدَّعاوى معتقدين كمالَها وتمامَها من كلِّ وجه لمَا فكَّروا في الاستدراكِ عليها، قال مالك في هذا: "مَنِ ابتدعَ في الإسلام بدعة يَراها حسنةً، فقد زَعَم أنَّ محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - خان الرِّسالة؛ لأنَّ الله - تعالى- يقول: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3]، فما لم يكن يومئذ دِينًا، فلا يكون اليوم دينًا.
ثانيًا: مُعاندة الشَّرع ومُضاهاة الشارع:
عيَّن الشارع لمطالِب الناس طُرقًا خاصَّة على وجهٍ خاص، وقصرَهم عليها بالأمر والنهي، والوعد والوعيد، وأخْبَر أنَّ الخيرَ فيها والشرَّ في تعدِّيها؛ لأنَّ الله - تعالى - يعلم ونحن لا نَعْلم، ولهذا فإنَّ مَن زعم بأنَّ هناك طُرقًا أخرى غير التي حصَرَها الشارعُ وعيَّنها، يعني أنَّ الشارع يعلم وهو يعلم أيضًا، بل يَفْهم أنَّه استدرك الطرق الجديدةَ على الشارع؛ أي: عَلِم ما لم يعلمْه الشارع.
يُضاف إلى هذا أنه أنْزَل نفسَه منزلةَ المضاهي للشارع؛ لأنَّ الشارع وضَع الشرائع وألْزم الخلْق بها وتفرَّد بذلك، فهو الذي حَكَم بين الخلْق، فيما كانوا فيه يختلِفون ودَعواه هذه تعني أنَّه صيَّر نفسَه بمنزلة النظيرِ والمضاهي الذي يَشْرَع مع الشارع، فيكون بذلك قد ردَّ قصْدَ الشارع في الانفِراد بالتشريع، وفتَح للاختلافِ بابًا.
ثالثًا: تلبيس الحق بالباطل:
لو كانتِ العلوم الإنسانية أو الخِبرة البشريَّة باطلاً محضًا لمَا قُبِلت، ولبادَر كلُّ أحد إلى ردِّها وإنكارها، ولو كانتْ حقًّا محضًا لكانتْ موافقةً للشريعة، لكنَّها تشتمل على الحقِّ والباطل، ويلتبس فيها الحقُّ والباطل.
وقد قال - تعالى -: ﴿ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 71]، فنهَى الله بذلك عن تلبيسِ الحقِّ بالباطل، ولبْسُه هو خلطُه حتى يلتَبِس أحدهما بالآخَر، والشريعة حقٌّ محضٌ، والعلوم الإنسانيَّة والخِبْرة البشريَّة فيها الحق والباطل، والجمْع بيْن ما هو حقٌّ محض، وما هو حقٌّ وباطِل، تلبيس أحدهما بالآخَر، والتلبيس هو التدليسُ والغِش الذي باطنُه خِلافُ ظاهره، فكذلك الحق إذا لبس بالباطل يكون قدْ أظْهر الباطل في صورةِ الحقِّ، وتَكلَّم بمقولة لها معنيان: معنًى صحيح، ومعنًى باطل، فيتوهَّم السامع أنَّه أراد المعنى الصحيح، ومُراد المتكلِّم هو الباطل.
رابعًا: اجتهادٌ في غير موضعه ومن غير أهله:
يَضَع أصحابُ هذه الدَّعاوى أنفسَهم موضعَ المجتهدين في الدِّين، والاجتهاد ضربان: أحدهما: الاجتهاد المعتبَر شرعًا، وهو الصادر من أهلِه الذين اضطلعوا بما يَفتقِر إليه الاجتهاد، والثاني: هو غيرُ المعتبَر، وهو الصادر عمَّن ليس بعارفٍ بما يَفتقِر الاجتهاد إليه، وحقيقتُه كما يرى العُلَماء: "أنه رأيٌ بمجرَّد التشهِّي والأغراض، وخبط في عماية، واتِّباع للهوى"، فكلُّ رأي صدَر على هذا الوجهِ لا شكَّ في عدمِ اعتباره؛ لأنَّه ضد الحقِّ الذي أنزله الله - تعالى - يقول - تعالى -: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [المائدة: 49].
إنَّ أصحابَ هذه الدَّعاوى ليسوا مِن أهل الاجتهاد، ولكنَّهم أدخَلوا أنفسَهم فيه خطأً ومغالطة، فالشروط الشرعيَّة المتطلِبة في المجتهد لا تتوفَّر فيهم، كما لم تتوفَّرْ فيهم كذلك شروطُ العالِم بالعلم الشرعي، التي منها: أن يكونَ عارفًا بأصولِه، وما يَنبني عليه، قادِرًا على التعبيرِ عن مقصودِه فيه، عارفًا بما يلزم عنه، قائمًا على دَفْع الشُّبَه الواردة عنه.
خامسًا: قياس للدِّين بالرأي:
خصَّ الله - تعالى - بالهِداية مَن علم فيه القَبول والإنصاف والأهليَّة؛ كما قال في إبراهيم - عليه السلام -: ﴿ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 51].
وقال معاذ: العِلم والإيمان مكانهما، مَن طلبَهما وجدَهما، فاطلبوا العِلمَ مِن حيثُ طلبُه إبراهيم؛ حيث قال: ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الصافات: 99]، فأصحاب هذه الدَّعاوى طلَبوا الدِّين من غيرِ طريق الأنبياء، وقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ستفترق أمَّتي على ثلاثٍ وسبعين فِرْقة، أشدُّهم فِتنةً الذين يَقيسون الأمورَ بآرائهم))[5] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftn5).
وسمَّاهم ابنُ المبارك بالأصاغِر؛ أي: الذين يَقيسون الدِّين بآرائهم وعلى غيرِ أصل، فيتكلَّمون فيه بالتخرُّصِ والظن، إنَّ عملَهم لا دليلَ عليه في الشَّرْع، وقد يدفعهم اجتهادُهم المزعوم إلى القوْل في القرآن برأيهم؛ في حين أنَّه لا بُدَّ عندَ القوْل بالقرآن من بيانِ معنًى، واستنباط حُكم، وتفسير لفظ، وفَهْم مراد، وهذا ما لم يتوفَّرْ فيهم، وقد نُقِل عن الصِّدِّيق - رضي الله عنه - أنَّه قال: "أيُّ سماء تُظلُّني، وأي أرضٍ تُقلُّني إنْ قلتُ في كتاب الله ما لا أعْلم، أو قلت في كِتاب الله بِرأيي"[6] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftn6)، وهذا هو ثاني اثنين إذْ هُما في الغار.
سادسًا: اتباع الهوى:
إذا لم يكن العقلُ مُتَّبِعًا للشرع لم يبقَ إلا الهوى والشَّهْوة، وقد أوْضَح العلماءُ أنَّه لو كانتِ الأهواء واحدًا لقالَ قائل: لعلَّ الحقَّ فيه، فلمَّا تشعَّبت وتفرَّقت عَرَف كلُّ ذي عقل أنَّ الحقَّ واحدٌ لا يتفرَّق.
الأمر إذًا محصورٌ بين الوحي وهو الشَّريعة، وبيْن الهوى ولا ثالثَ لهما، وهما متضادَّان؛ وحيث تعيَّن الحقُّ في الوحي توجَّه الهوى ضدَّه، واتِّباع الهوى مُضادٌّ للحق، وفي كلِّ موضع ذَكَر الله - تعالى - فيه الهوى جاء في معرِض الذمِّ له ولمتبعيه، ومعنى ذلك أنَّ الشريعةَ هي الوحي وهي الحق؛ وأنَّ العلوم الإنسانيَّة والخِبْرة البشريَّة (بحقها وباطلها) هي الهوى؛ لأنَّ الحقَّ واحدٌ لا يتفرق - كما ذكرنا.
سابعًا: الزيادة في الدين:
يقول العلماء: "إنَّ رفع المظنون في العقليات إلى مرتبةِ المعلوم زيادةٌ في الدِّين"؛ لأنَّ فيه تجويزَ خلوِّ كتاب الله - تعالى - وسُنة نبيِّه محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - من بَيان بعضِ مهمَّات الدِّين، وقد جاء الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالدِّين القَيِّم تامًّا كاملاً، ليس لأحدٍ أنْ يستدركَ عليه، وقد أكملَ الله له الدِّين ولأمَّته مْن بعده.
ويُعرَف العِلم الحق بأنَّه صِفةٌ تُوجِب تمييزًا لا يحتمل النقيض، وهو الذي يجمع ما بين الجَزْم والمطابَقة والتثبُّت عندَ التشكيك؛ ولهذا نقول: إنَّه لولا الفرقُ بين العلوم الشرعيَّة والعلوم الظنية، لمَا تميَّز إسلامٌ من كفر، ولا شركٌ من توحيد، ولا صحيحٌ من خاطئ، هذا الفرْق هو الذي يُسمِّيه أصحاب هذه الدعاوى بالفصْل التعسُّفي، ويَسْعَوْن إلى القضاء عليه، فإذا تَمَّ لهم ذلك التبسَتِ الظنون بالعلوم الشرعيَّة، ودخل فيها ما ليس منها.
ثامنًا: طلب للشريعة بما هو غير أداة لها:
إنَّ هذه العلومَ التي يَسْعَون إلى تأصيلها إسلاميًّا وجمْعها مع الشريعة علومٌ أوروبية الصُّنْع - كما ذكرْنا - صدَرَتْ بلسان عربي مُبين، والشريعة نزلَتْ بلُغة العرب لا دخْلَ فيها للألسن الأعجمية، والله - تعالى - يقول: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ [يوسف: 2]، ويقول أيضًا: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 195]؛ ولذا يلزم عندَ فَهْم الشريعة الاقتصارُ على كلِّ ما يُضاف عِلْمُه إلى العرَب خاصَّة، وليس إلى غيرهم، كما لا يستقيم للمتكلِّم في كتاب الله وسُنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يتكلَّم فوقَ ما يَسعُه لسانُ العرَب.
ويَنطلق أصحابُ هذه الدعاوى في سعيِهم إلى أسلمةِ العلوم من المفاهيم والمصطلحات الغربية، بالبحث عن أصولٍ لها في القرآن والسُّنة ولو تعسُّفًا، وقد حسَم العلماءُ هذه المسألةَ بقولهم: "إنَّ كلَّ معنًى مستنبطٍ من القرآن غيرِ جارٍ على اللِّسان العربي - فليس من علومِ القرآن في شيء، ولا ممَّا يُستفاد به، ومَن ادَّعى فيه ذلك فهو في دعواه مُبطِل".
تاسعًا: الخروج على مقتضى وضْع الشريعة التي جاءت للعموم:
تَتضمَّن العلومُ الإنسانية - التي يَسْعَى أصحابُ هذه الدعاوى إلى تأصيلها إسلاميًّا وجمْعها مع الشريعة - تَرْسانةً ضخمة من المصطلحات الغامِضة، والنظريَّات المتعدِّدة، التي تحتوي على تناقضاتٍ فِكرية، وتصوُّرات متباينة، ومع ذلك فإنَّ عالِم الاقتصاد الأمريكي (فرتز ماشلوب) يقول: "إنَّ معنى العِلم أمرٌ لا يستطيع رجلُ الشارع أن يفهمَه، والمعرفة لا تدنو منها إلا العقولُ العالية فقط"، وذلك في معرِض محاولته إضفاءَ الصِّبغة العِلميَّة على العلوم الإنسانيَّة.
والأمر نقيضُ ذلك في الشريعة، فقد خرَّج الترمذي وصحَّحه عن أُبيِّ بن كعْب قال: "لقِي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - جبريل، فقال: ((يا جبريلُ، إني بُعثتُ إلى أمَّة أُميَّة، فيهم العجوز والشيخ الكبير، والغلام والجارية، والرجل الذي لم يقرأْ كتابًا قطُّ، فقال: يا محمَّد، إنَّ القرآن أُنْزِل على سبعةِ أحرُف)) [7] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftn7).
ولهذا يقول العلماء: إنَّ طلب ما لا يشترك عامَّةُ الناس فيه مِنَ الشريعة خروجٌ على مقتضى الشريعة الأميَّة[8] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftn8) التي تسَع تكاليفُها الاعتقاديَّة والعمليَّة الأميَّ، فيتعقَّلها ويدخُل في حُكمها، كما أنَّها قريبةُ الفَهْم، سهلةٌٌ على العقل، بحيث يَفهمها مَن كان ثاقبَ الفَهْم، أو بليدًا، فلو كانتِ الشريعة ممَّا لا يُدركها إلا الخواصُّ والمثقَّفون لم تكن شريعةً عامَّة ولا أُمية.
عاشرًا: مُحدَثات ومُخالفات لم تكن على عهد الأولين:
إنَّ خيرَ القرون هو قرنُ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصحابته، ثم الذي يَليه، ولا يأتي آخِرُ هذه الأمَّة بأهْدى ممَّا كان عليه أولها، ولا هُم أعرف بالشريعة منهم، وأصحاب هذه الدعاوى في قرْنِنا هذا إمَّا أنهم أدرَكوا مِن فَهْم الشريعة ما لم يفهمْه الأوَّلون، أو أنهم حادوا عن فَهْمها، وهذا الأخيرُ هو الصواب، وقرن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والذي يليه من السَّلَف الصالِح كانوا على الصِّراط المستقيم، ولم يَفهموا من الشريعة إلا ما كانوا عليه، ولم تكن هذه المُحْدَثات فيهم ولا عَمِلوا بها، بالرغمِ مِن أنهم عاصروا أكبرَ حضارتين وقتَها، وظلَّتِ الشريعة على نقائها وصفائها فيهم.
وصحيح أنَّ هناك من العلماء مَن تجاوز الحدَّ في الدعوَى على القرآن؛ فأضاف إليه كلَّ عِلم يُذكَر للمتقدِّمين في علوم الطبيعة والمنطق وغيرهما، لكن هذا لم يَحدُث من السَّلَف الصالح الذين كانوا أعرفَ بالقرآن، ويعلمون ما أودعَ فيه، ولم يبلغْنا أنَّ أحدًا منهم تَكلَّم في شيءٍ من ذلك؛ ممَّا يدلُّ على أنه لا يجوز أن يُضافَ إلى الشريعة ما لا تقتضيه، أو أن ينكر منها ما تقتضيه.
وأخيرًا: فإنَّ العلمَ وسيلةٌ من الوسائل، وليس مقصودًا بذاته، وذلك حسبَ نظر الشَّرْع، وكل عِلم لا يُفيد عملاً ولا يترتَّب عليه ثمرةٌ تكليفيَّة ليس في الشَّرْع ما يدلُّ على استحسانِه، ولو كان له غايةٌ شرعيَّة، لكان مستحسنًا شرْعًا، ولهذا فإنَّ هذا المشروعَ لا يُفيد علمًا ولا عملاً، ولا يترتَّب عليه ثمرةٌ تكليفيَّة، وليستْ له غاية شرعيَّة، ومِن ثَمَّ فهو ليس بمستحسنٍ شرعًا.
إنَّ هذا المشروعَ يدخُل تحتَ مقولة البطريرك التي نصَح بها مَلِك الروم حينما عرَض عليه أمرَ طلبِ خليفة المسلمين بترجمةِ كتب الفلسفة وغيرها إلى العربية: "أيُّها الملِك، أرسلها إليهم، واللهِ ما دخلَتْ هذه الكتبُ على قوم عندَهم شريعةٌ سماوية إلا أفسدتْ شريعتَهم، وأوقعتِ الخصومةَ بَيْنهم"[9] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftn9).
[1] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftnref1) عشوى، مصطفى، نحو تكامل العلوم الاجتماعية والشرعية، التجديد، الجامعة الإسلامية، ماليزيا، العدد الثاني، يوليو 1997م، (ص: 55 - 81).
[2] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftnref2) ابن تيمية، شيخ الإسلام، بُغية المرتاد في الردِّ على المتفلسفة والقرامطة؛ تحقيق ودراسة: موسى الدويس، مكتبة العلوم والحِكم، (ص: 62 - 67).
[3] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftnref3) رجب، إبراهيم، المنهج الإسلامي وعلاج المشكلات الاجتماعية والنفسية، مجلة العلوم الاجتماعية، جامعة الكويت، مجلد 26، عدد4، (ص: 66).
[4] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftnref4) صبري، مصطفى، موقف العقل والعلم والعالَم مِن ربِّ العالمين وعباده المرسلين، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، (2/152).
[5] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftnref5) أخرجَه ابنُ عبدالبر في جامع بيان العم وفضله (1673)، وقال المحقِّق: لا يصح.
[6] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftnref6) كَنْز العُمَّال لعلاء الدين هندي، (2/327) رقم (4149).
[7] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftnref7) رواه االبخاري، ح (2241).
[8] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftnref8) الأميَّة: أي العامَّة التي هي لكافَّة الأمَّة.
[9] (http://www.alukah.net/Culture/0/28204/#_ftnref9) استنبطنا الرُّدودَ على أصحاب هذه الدعاوى من المصادر الآتية: الموافقات في أصول الأحكام، والاعتصام؛ للإمام الشاطبي، مختصر الصواعق المرسَلة؛ للإمام ابن القيم، شرْح وتعليق رضوان جامع رضوان، والفوائد؛ لابن القيم.
Powered by vBulletin® Version 4.1.11 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir