تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الإسلام هو الحلّ.. فما الإسلام؟ وكيف يكون الحل؟ بقلم المرشد العام للإخوان المسلمين



وسيم أحمد الفلو
28-12-2010, 09:51 PM
بقلم: الدكتور محمد بديع
المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين


شعارٌ وفَّقنا الله لحمل أمانته، وهي ثقيلة كرمز جامع مانع أثناء الحملة الانتخابية، وهو يعبِّر عن مشروعنا أدق تعبير, ولكنه يحتاج إلى تفصيل لما أجمله وشروح لما تضمنه..

وابتداءً.. يجب تحرير المصطلح كما يقول العلماء, فما الإسلام الذي هو الحل؟

سؤال قد يبدو غريباً حتى على المسلمين أنفسهم، ولكن اعذرونا، فقد هُوجمنا بأسئلة أبسط ما يُقال عنها أنها عدم فهم لهذا الدين الرباني الشامل, لذلك احتاج النهار إلى دليل.

الإسلام: ليس منهجاً بشريّاً، ولكنه منهج رباني أنزله مَنْ خلق النفس البشرية، ويعلم ما يصلح لها وما يصلحها {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الملك 14.. وأستدرك فأقول: إن المقدّس فيه هو العقيدة وأصول الشريعة والأخلاق والمعاملات.. أما الفروع فهي تسمح بتعدد الآراء والاجتهادات، بل والنيات حسب الظروف والأحوال الخاصة والعامة، وترحب بالصالح النافع من كل مصدر إسلامي أو غير إسلامي «الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها» كما قال صلى الله عليه وسلم، كذلك لا توجد قداسة أو عصمة لبشر مهما بلغت درجته في المسؤولية الدينية أو الحكومية.

وقد أوجزها وأجملها وما أجملها كلمة قالها الصحابي الجليل الحباب بن المنذر رضي الله عنه لمن هو خير مني ومنك ومن كل الرؤساء والزعماء والقادة (أهو منزل أنزلكه الله؟!) أي ثابت من الثوابت ليس مجالاً للرأي؟ (أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟) أي متغيّر من المتغيرات يسمح فيه بالاجتهاد والاقتراح حسب ضوابط الأصول, فقال صلى الله عليه وسلم: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة»، أي شجعه على إبداء الرأي الذي هو فعلاً قد جهَّزه وجاء به، وهذه إيجابية ذاتية رائعة، وأذن ووافق على التعديل والتغيير ليكتمل التشريع بالتطبيق، وأمر بتنفيذه فوراً، وكان بفضل الله أحد أسباب النصر في غزوة بدر الكبرى.

والذين يدَّعون أن حكمَ الإسلام هو حكمُ حكومة دينية، كلام وزرائها مقدس، لا يقبلون نصيحة، ويرفعون في وجه كل مخالف لهم في الرأي سيفاً معنويّاً بأن كلامنا بالآية والحديث، أي لا نقبل نصيحة ولا توجيهاً.. هؤلاء مخطئون أو متعمدون لا يخوِّفون غير المسلمين بل المسلمين أنفسهم, عن التحاكم لشرع الله الذي قال عنه رب العزة: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنونَ حَتَّى يُحَكِّموكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّموا تَسْلِيماً} النساء 65.

القضية الثانية : زاوية عدم الفهم عن الإسلام، هي أنه كلما ذكر الحكم بالإسلام كمنهاج حياة يشمل مظاهر الحياة جميعاً, تبادر إلى الذهن من كثرة التشويه المتعمد والتطبيق الخاطئ أنه دين الحدود وقطع يد السارق ورجم الزاني.. أليس هذا هو فهم الشريعة الإسلامية؟! ويعلم الله إنه لفهم قاصر ظالم لدين أنزله الله رحمة للعالمين، فإن الشريعة الغراء السمحة هي التي تقضي أول ما تقضي بتربية الإنسان على قيم وفضائل ثابتة، لا تخضع للأهواء ولا للأزمنة ولا للأمكنة.. وعندما يوجد الإنسان الصالح توجد معه كل أسباب النجاح، وأولى قيم بناء الإنسان عبوديته لله (ولله وحده)، وتحريره من كل عبودية لغير الله، فلا يخاف إلا الله فينطلق في الكون يعمِّره ولا يخرّبه، يصلحه ولا يفسده.

ويكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سياجَ المجتمع كله, لحماية هذا الإنسان من نفسه وشيطانه، ومن هنا يبدأ الانتماء للمجتمع الذي يحرص على أبنائه ويحرص أبناؤه عليه.

اسمع قول الله عز وجل: {وَاللَّـهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً. يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفاً} النساء 27-28.
أليست هي الشرعية التي خاطبت الأسرى من الكفار {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَى إن يَعْلَمِ اللَّـهُ في قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} الأنفال 70.

أليست هي الشريعة التي قرّرت حرمة النفس البشرية وحرمة المال وحرمة العقل وحرمة العرض، وانظروا إلى أهمية الحرمة، أي إن هذا تحريم إلهي، ليس قراراً بشريّاً بحماية أو بصيانة هذه الحقوق للغير، وهذا المناخ الإسلامي الطاهر سيعيش فيه، ويتمتع به كل من يستظل بظله، كما حدث بشهادة حتى غير المسلمين.

لقد عاش المسلمون والنصارى بل واليهود (الذين نعاني ويعاني إخواننا المسلمون منهم)، في كنف عدل ورحمة الإسلام، وما زالت إحدى عشرة آية في القرآن تبرِّئ يهوديّاً مظلوماً، وتتهم مسلماً ظالماً, نتعبد بها إلى يوم القيامة.
وبعد ذلك تأتي الحدود التي وضعها تشريع الله لنا لعلاج حالات الانحراف الفردية, لأن البشر ليسوا ملائكة، ولقد حدث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه ما يستوجب إقامة الحدود، ولكن من نفوس لوامة رجاعة إذا أخطأت اعترفت، فما احتاجت لكل هذه الرقابة الأمنية التي لا تجدي، بل إلى رقابة الضمير وتأنيبه, فجاءت هي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتطلب التطهير.

وقضية ثالثة: أَعْتبرُها أمَّ المشكلات التي يعاني منها المجتمع وحلها هو الحل الجذري الناجع بإذن الله, ألا وهي اختيار القيادات، فهي ليست عملاً سياسيّاً ولا سياديّاً، ولكنها عبادة نتدرب عليها في المسجد عندما نتعلم صلاة الجماعة لاختيار الإمام وأولي الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا تدريب المجتمع كله على اختيار القيادات الصالحة, لأننا باختيارنا لها نستجلب رحمات الله علينا وعليها ونضيف صلاحها إلى صلاحنا.. أما إذا حدث العكس كما حدث ويحدث فستجلب هذه العناصر الفاسدة من هم على شاكلتها، فالطيور على أشكالها تقع، ويصبح الفساد ليس ظاهرة أخلاقية فردية، بل عملاً منظماً تقوم به هياكل من أصحاب المصالح تحرص على بقاء الفساد, لأنها منتفعة به، وتحرص على انتشاره ورواجه {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} النور 19, حتى لا يكونوا هم وحدهم الشواذ الغريبين في المجتمع، وهذا أسوأ صور الفساد من لوبي الفساد المنظم من أصحاب المصالح، وفي هذا الصدد حديث جامع شديد التحذير من رسول الله صلى الله عليه وسلم «من استعمل على قوم رجلاً وهو يعلم أن فيهم من هو أرضى لله منه, فقد خان الله ورسوله وأمانة المسلمين»، وهذه تعتبر خيانة عظمى بمفهوم العصر الحديث.

وقد قال الخليفة الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أرأيتم لو أني عمدت إلى خيركم فوليته عليكم أكنت قد أديت ما عليّ؟ قالوا نعم يا أمير المؤمنين.. قال لا والله حتى أنظر ماذا يصنع...»!!

ويكفي أن نعلم أن واحداً فقط من هؤلاء المفسدين المحميين بلوبي الفساد هرب بعد أن سرق ملياراً من الجنيهات بضمانات شفهية، وتمَّ التستر عليه بعد هروبه، فكم يعالج هذا المليار من المشكلات ويحل من الأزمات؟ ألم يكن الأولى والأجدى أن نمنع وصول هذا المفسد الذي تولى وسعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث؟! لأن درهم وقاية خير من قنطار علاج، وهذا الدرس المؤلم يجعلنا ننتبه ونقف صفّاً واحداً لإبعاد باقي الفاسدين المفسدين «فنحن وهم في سفينة واحدة يريدون أن يغرقوها»، وإلا فسنظل ننفق المليارات على علاج آثار فسادهم وإفسادهم بلا جدوى.
ألم تُصادر مشروعات اجتماعية واقتصادية كانت تساهم في حل الكثير من مشكلات البطالة وأمراض المجتمع بجهود ذاتية تطوعية ابتغاء مرضاة الله، بحجة أن أصحابها من الإخوان المسلمين, ما دفع الكثيرين من أهل الخير والصلاح أن يحجموا عن إنشاء مثل هذه المشروعات فتفاقمت المشاكل..

بقيت نقطة أخيرة تساءل بها الكثيرون بحسن نيّة أو بغيرها، وهي نقطة الخلافات الفقهية وأي إسلام تريدون تطبيقه، وقد تعددت الأشكال والفتاوى، واختار الناس أين الصواب وأين الخطأ، بل أين الحق وأين الباطل؟!

والحل سهل إذا خلصت النيات، ولزم كل واحد حدوده، وسألنا أهل الذكر إن كنا لا نعلم. إن عودة أوقاف الأزهر بل والأوقاف الإسلامية عامة حلٌّ جذريٌّ لتحرير الأزهر وعلمائه، وعدم تبديل وصية المسلمين الذين أوقفوا هذه الأوقاف {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} البقرة 181، يتحرر علماء الأزهر، خاصة المسؤولين منهم, من سلطان الدولة والوظيفة والراتب، وتُختار قيادته بالانتخاب من أهل العلم والورع والتقوى، وهم بفضل الله في مصر كثيرون، ويضم إليهم لجنة من إخوانهم المشهود لهم في باقي الدول الإسلامية، تُعرض عليهم القضايا الخلافية والمستجدات التي تحتاج إلى اجتهاد، ويجعلون أمرهم وأمر أمتهم شورى بينهم، ويتفقون على الاختيار الفقهي الأصوب، أو يفتحون باب الاختيار لتعدد الصواب, عندها نسمع قول الله عز وجل ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تلاوة الآية يتردَّد في أسماع الدنيا {قُلِ اللَّـهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} الزمر 46، (اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)...

أما قضية عالمية الإسلام، وكونها حلاًّ لهوان الأمة العربية والإسلامية، فكما أعزها الله به قديماً فلن يعزها حديثاً إلا به ولهذا لقاء آخر.. جعلنا الله وإياكم هداة مهديين، وولَّى أمورنا خيارنا، وفتح بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين... آمين