تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : علي بن الحسيب بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم



أبو حفص القلموني
16-01-2011, 03:16 PM
قال المعافى بن زكريا: حدثني أبو النضر العقيلي قال، حدثنا محمد بن زكريا قال، حدثنا عبد الله بن محمد بن عائشة قال: حدثني أبي أن هشام بن عبد الملك حجَّ في خلافة عبد الملك أو الوليد، فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه، وأطاف به أهل الشام، فبينا هو كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين بن علي عليهم السلام عليه إزار ورداء، أحسن الناس وجهاً، وأطيبهم رائحةً، بين عينيه سجَّادة :أنها ركبة عير، فجعل يطوف بالبيت، فإذا بلغ الحجر تنحَّى الناس حتى يستلمه هيبةً له وإجلالاً. فغاظ ذلك هشاماً، فقال رجل من أهل الشام لهشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة وأفرجوا له عن الحجر؟ قال هشام: لا أعرفه، لئلا يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق وكان حاضراً: لكني أعرفه، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟ فقال الفرزدق:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلُّ والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلّهم ... هذا النقيّ التيُّ الطاهر العلم
إذا رأته قريشٌ قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمي إلى ذروة العزِّ التي قصرت ... عن نيلها عرب الإسلام والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياءً ويغضى من مهابته ... ولا يكلَّم إلا حين يبتسم
بكفّه خيزرانٌ ريحه عبقٌ ... من كفِّ أروع في عرنينه شمم
مشتقةٌ من رسول الله نبعته ... طابت عناصره والخيم والشِّيم
ينجاب نور الهدى عن نور غرته ... كالشمس ينجاب عن إشراقها الظُّلم
حمَّال أثقال أقوامٍ إذا قدحوا ... حلو الشمائل تحلو عنده نعم
هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهله ... بجدِّه أنبياء اللَّه قد ختموا
اللَّه فضّله قدماً وشرّفه ... جرى بذاك له في لوحه القلم
من جدُّه دان فضل الأنبياء له ... وفضل أمته دانت له الأمم
عمَّ البرية بالإحسان فانقشعت ... عنها الغياية والإملاق والظلم
كلتا يديه غياثٌ عمَّ نفعهما ... يستوكفان ولا يعروهما العدم
سهل الخليقة لا تخشى بوادره ... يزينه اثنتان الحلم والكرم
لا يخلف الوعد ميمونٌ نقيبته ... رحب الفناء أريبٌ حين يعتزم
من معشرٍ حبُّهم دينٌ وبغضهم ... كفرٌ وقربهم منجىً ومعتصم
يستدفع السوء والبلوى بحبهم ... ويسترقُّ به الإحسان والنعم
مقدَّمٌ بعد ذكر الله ذكرهم ... في كلِّ يومٍ ومختومٌ به الكلم
إن عدَّ أهل التقى كانوا أئمتهم ... أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جوادٌ بعد غايتهم ... ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أمةٌ أزمت ... والأسد أسد الشّرى والبأس محتدم
يأبى لهم أن يحلَّ الذمُّ ساحتهم ... خيمٌ كريمٌ وأيدٍ بالنَّدى هضم
لاينقص العسر بسطاً من أكفهم ... سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا
أيّ الخلائق ليست في رقابهم لأولية هذا أو له نعم
من يعرف الله يعرف أوّلّية ذا ... فالدّين من بيت هذا ناله الأمم
قال: فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق، فحبس بعسفان بين مكة والمدينة. فبلغ ذلك عليّ بن الحسين عليهم السلام، فبعث إلى الفرزدق اثني عشر ألف درهم وقال: اعذر أبا فراس، ولو كان عندنا أكثر منها لوصلناك بها.
فردَّها وقال: يا ابن رسول الله. ما قلت الذي قلت إلا غضباً لله ولرسوله، ما كنت لأرزأ عليه شيئاً. فردَّها إليه وقال: بحقّى عليك لما قبلتها، فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك، فقبلها، فجعل يهجو هشاماً، فكان مما هجاه به:
أيحسبني بين المدينة والتي ... إليها قلوب الناس يهوي منيبها
يقلِّب رأساً لم يكن سيد ... وعينين حولاوين بادٍ عيوبها
فبعث وأخرجه.
الجليس الصالح والأنيس الناصح - (ج 1 / ص 444-445)