تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : طرابلس أهم مرافئ المتوسط الشرقي بشهادة وثائق الخارجية الفرنسية



فؤاد طرابلسي
19-01-2011, 07:21 PM
طرابلس أهم مرافئ المتوسط الشرقي بشهادة وثائق الخارجية الفرنسية

بقلم عبداللطيف كريم 1/2
ما تزال صفحات مشرقة من تاريخ طرابلس نائمة في أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية، وقد كشف عن بعضها المؤرخ اللبناني الأول المرحوم الدكتور عادل إسماعيل، بانتظار أن يكشف الباقي اختصاصيون في التاريخ السوسيو/إجتماعي ليعرف أهلُ طرابلس حقيقة الدور البارز الذي قامت به مدينتُهم على امتداد الساحل الشرقي للمتوسط بين العريش جنوباً وإزمير شمالاً، والذي ظل مجهولاً في معظمه لآسباب عديدة أهمها: إن المؤرخين المشرقيين الذين كتبوا عن طرابلس لم يكونوا دائماً من الطرابلسيين، ولا من الغيارى على إبراز دور المدينة الطليعي، ومعظمهم كَتب تاريخ طرابلس كجزء من تاريخ المنطقة أو من تاريخ لبنان، فلم يوفِ المدينة حقها، لأن تاريخ طرابلس الأهم هو ما كان قبل قيام لبنان.
أما المؤرخون الطرابلسيون المعاصرون الغيورون على المدينة وتاريخها كالصديق الدكتور عمر تدمري فقد اهتم مشكوراً اهتماما دقيقاً بالحجر والعمارة، فركّز على الآثار الهامة المنتشرة في المدينة، وعرّف بها تعريفاً كافياً وافياً، كما حاول أن يحيط بتاريخ المدينة لا سيما تاريخها بعد الفتح الإسلامي، فركّز على أمرائها وأعمالهم وإنجازاتهم وحروبهم والعلاقات فيما بينهم، مستنداً بالدرجة الأولى على مراجع عربية وإسلامية.
- وبقي التاريخ السياسي بانتظار اهتمام أكبر ضروري وجاد. وقد حاول ويحاول بعضُ الباحثين لا سيما المؤرخ الدكتور عبد الغني عماد الاهتمام بهذه الناحية، لا سيما في كتابه عن مجتمع طرابلس، وما استند إليه وحلّله وفهرسه من وثائق حفلت بها سجلات المحكمة الشرعية بطرابلس.
- وقد اهتم المستشرقون بنواحٍ من تاريخ هذه المدينة فكتبوا ما كتبوا، وكانت كتاباتُهم رصينة وذات مصداقية عموماً، وإن اقتصرت هي أيضا على كتابة تاريخ الحكام أكثر من تاريخ الشعوب ونهج حياتها.
- ولا شك عندي أن الوثائق الدبلوماسية وتقارير السفراء والقناصل ومراسلات المستشرقين وتآليفهم هي المراجع الأهم في الكشف عن التاريخ المعاصرلشموليتها ومصداقيتها واتصالها بالحدث فور حدوثه، بل لأنها تكون جزءاً منه في أحيان كثيرة. من هنا كان اهتمامي بما نشره المؤرخ الكبير الدكتورعادل اسماعيل رحمه الله، في مجموعة " الوثائق الدبلوماسية " لا سيما في عهد نابوليون بونابرت.
ففي العام 1806 م طلبت الحكومة الفرنسية من قنصلها العام بالمدينة، ألفونس دي غيس، معلومات شاملة ومفصلة عن أسكلة طرابلس، وجاء الطلب على صورة أسئلة محددة تستدعي أجوبة محددة، وقد رد القنصل على الطلب بأجوبة ضافية شكلت تقريراً وافياً بما تضمنته من معلومات شتى ديموغرافية وسياسية وتجارية وإجتماعية عن المدينة ومينائها وربضها وعلاقاتها بالمحيط. وقد رأينا أن نأخذ مقاطع من تقرير القنصل مترجَم بأقصى ما يمكن من الأمانة، على أمل أن نساهم في إطلاع الطرابلسيين على حقبة هامة من تاريخ بلدهم السياسي المشرّف والاقتصادي الرائع، والذي ما يزال الكثيرون يجهلونه.
تقرير ألفونس دو غيس
(مفوض العلاقات التجارية للأمبراطورية الفرنسية بطرابلس الشام)
طرابلس في الأول من أيلول سنة 1806
تمهيد: لم يكن في طرابلس قبل الحرب بين فرنسا والباب العالي ( ) أي مكتب تجاري سوى المكاتب الفرنسية، وقد نُهبت تلك المكاتب، كما يعرف الجميع، ونهبت أيضاً القنصلية نفسها. وفي غياب الوثائق، لجأ مفوض العلاقات التجارية، مُوَقِّع هذه الوثيقة إلى معلومات وذكريات جمَعَها من عدد قليل من الفرنسيين المقيمين بطرابلس، لأن المعلومات التي يمكن توفرُها من السكان المحليين غير كافية، فضلاً عن أنها غير موثوقة كل الثقة. فالمثقفون بطرابلس نادرون، والقادرون منهم على التعبير بدقة ومنهجية أندر. ولقد توفرت لدينا شذرات مما تيسر لنا جمعُه من هنا وهناك للقيام بالمهمة المطلوبة.
كانت طرابلس دائماً ميناء من الدرجة الثانية، وأهم تجاراتها كانت الحرير المصدَّر إلى مرسيليا وإلى مناسج ليون لصناعة المذهبات.
هذا الحرير مرغوب لصلابةخيوطه الملائمة خصوصاً للتذهيب وصنع شرائط الزينة.
وكما في كل الموانئ التركية، فقد كان لنا بطرابلس نوعان من النشاط البحري: الأول تجاري يُعنَى بالبضائع الصادرة والواردة، والثاني يتعاطى نقل الأشخاص من أبناء البلد بين ميناء وآخر وبين المرافئ وراء البحار، ويعرف بالقافلة ((caravane.
--------------------
س : ما عدد السفن الداخلة والخارجة في منطقتكم كل سنة بدءا من 1788 إلى 1801 ضمناً.
ج- لا نبعد عن الحقيقة إذا حددنا عدد المراكب التجارية بين 15 إلى 20 مركباً. أما المراكب القوافل فقد كانت تنقل التبغ من اللاذقية لدمياط وتعود بالرز والقماش الأزرق أو المانوف والجلود وأنواع العطارة لحساب طرابلس التي كانت المحطة الدائمة في الذهاب وفي الأياب، وكان القباطنة هم أنفسهم تقريباً، لا يتغيرون.
-----------------------
س :ما كانت حمولتها بالطن البحري من فئة 2000؟
ج- حمولة المراكب في التجارة الشتوية كانت بين 150 إلى 200 برميل بحري، وقد تزيد هذه الحمولة بالنسبة للمراكب التي تحمل الحبوب، أما مراكب المسافرين فكانت حمولتها خفيفة وتتراوح بين 60 إلى 90 برميلاً.
-------------------------
س : ما هي الراية التي يرفعونها؟
ج - المراكب الآوروبة كانت فرنسية في معظمها، وكانت الراية الفرنسية هي الغالبة، ويليها البنادقة ،ثم وبوتيرة متقطعة الراية الإنكليزية، وأقل منها النمساوية، وتأتي الروسية في آخر الترتيب.
---------------------------
س- : من أين تأتي وإلى أين تذهب؟
ج - بالنسبة لمرفأ طرابلس فقد كانت حركة المراكب الفرنسية من وإلى مرسيليا وبوتيرة أقل مع البندقية ونادراً مع ليفورنو وجنوى.
-----------------------
س- : ما حمولتها؟
ج - أصناف الصادرات من طرابلس إلى أوروبة كانت قليلة ومتواضعة باستثناءالحرير الذي تراجعت كمياته (بسبب الحرب بين تركيا وفرنسا /المترجم).
كانت الواردات الأوروبية من الجوخ الناعم ولا سيما الإنكليزي والأنسجة المذهَّبة والمفضضة ومن شرائط الزينة والساتان المطرز والمخمل والقبعات التونسية (الطرابيش/المترجم) والنيلة والفلفل والزنجبيل وغيره من مواد العطارة وأصناف البن والسكر الأسمر والأبيض، وقضبان الحديد والأقفال ومواسير البنادق والخردق والرصاص والقصدير والكبريت والشبّة والورق الأبيض والرمادي والخزفيات العادية والخردوات وشراب السكر ومختلف الحاجيات الصغيرة الأخرى.
وكانت الصادرات من طرابلس إلى أوروبة من الحرير والعفص المشهور والشمع الجيد والأسفنج الكث الناعم والمرغوب كثيراً، والقطنيات من غزل صيدا، وأحياناً القمح والزيوت الداخلة في صناعة الصابون.
-------------------------------
س- : كم كانت كلفة شحن الطن البحري( 2000)، من طرابلس إلى أهم المرافئ الأوروبية؟
ج- لايمكن تحديد كلفة الشحن البحري بدقة لأن تلك الكلفة كانت تُدفع في مرسيليا. ويمكن تقدير كلفة شحن الحرير بما فيه كل الرسوم لاسيما الرسم القنصلي بـ 3,75 % من قيمة البضاعة، والأمر نفسه ينطبق على بقية الشحنات.
سنة 1792 م خرجتْ من طرابلس إلى مرسيليا بعضُ شحنات القمح على مراكب نمساوية وفماغوستية من حمولة 300 برميل بحري، وكانت كلفة شحنها مساوية للشحن إلى ليفورنو أي من 30 إلى 36 ألف فرنك.
ومنذ القطيعة وانسحاب الفرنسيين لم يقم أي مركب من طرابلس باتجاه أوروبة.
--------------------------
س :مطلوب سعر العملات وأسعار البضائع بين عامي 1788 و1801
ج: لا يمكن إعطاء جواب دقيق على هذاالسؤال، والأسهل مراجعة كبار المسؤولين في مرسيليا عن التجارة مع طرابلس لأن لديهم دون شك الدفاتر والقيود.
------------------------------
س : إذا لم يتوفر لديكم خارطة للمرفأ وضِّحوا الريح الأصلح لدخول الميناء والخروج منه والعمق الأقصى الذي يسمح للمراكب بالدخول بأقص حمولتها.
ج : المجيء الأسلم يكون من الجنوب مع الريح الجنوبية/ الغربية ومن قبرص التي تتعامل مع معظم المراكب الأوروبية...
-------------------------------
س : ما هي أهم البيوتات التجارية؟ وهل يشرف عليها مدراء محليون أم غرباء؟ وماهي جنسيتهم؟
ج : ليس في طرابلس اليوم سوى كونتوار أوروبي واحد. وعندما كانت تجارة الحرير رائجة مع فرنسا كان التجار يدفعون بموجب تحويلات على القسطنطينية من مئة ألف إلى ستمئة ألف قرش.
(يتبع)

فؤاد طرابلسي
19-01-2011, 07:22 PM
طرابلس أهم مرافئ المتوسط الشرقي بشهادة وثائق الخارجية الفرنسية (2/2)
"في الحلقة السابقة ترجمنا قسماً من أجوبة ألفونس دو غيس مفوض العلاقات التجارية للأمبراطورية الفرنسية بطرابلس على أسئلة وزير الشؤون الخارجية الفرنسية، ونستكمل في هذه الحلقة ترجمة باقي الأجوبة".
طرابلس الأول من أيلول سنة 1806
س: هل في طرابلس بنوك؟ وهل فيها غرفة تجارة؟ وهل فيها شركة تأمين؟
ج :ليس في طرابلس بنوك ولا شركات تأمين. والتأمين غير معروف في طرابلس، الناس هنا يؤمنون بالعناية الإلهية. وإذا حدث محظور فإنهم يستسلمون للقدر ويطوون صفحة الحدث. ومثل هذا التدبير لايخرج في نظرهم عن كونه خسارة مجانية محققة.
ومع أن طرابلس ليس فيها أية مؤسسة تمثيلية تجارية، فإن الناس هنا يتكتلون لمواجهة التجار الأجانب لا سيما الأوروبيين. وهم يجتمعون طوعاً في الساحات العامة وفي الكنائس حيث تعقد الصفقات
-------------------------
س: هل من مؤسسات عامة تتعاطى شؤون التجارة أو الصناعة أو الصيد البحري؟
ج: في طرابلس ست مصابن على درجة مقبولة من الإتقان وإنتاجها مطلوب ورائج جداً في القسطنطينية لنوعية الزيت الجيدة.
وقد عمد تجار مرسيليا إلى إعادة طبخ الصابون الطرابلسي، وأضافوا إليه كمية من القلي مستفيدين من كمية الزيت الفائضة ونوعيته الجيدة، فحققوا أرباحاً إضافية صافية بلغت 25% من الرأسمال، وذلك منذ ما يقارب 15 إلى 16 عاماً.
إن تربية دودة الحرير هي أهم نشاط إقتصادي لدى الطرابلسيين. ويبدأ موسم الحرير في آخر آذار، وما إن تنشط الدودة حتى تفرش على حصر (جمع حصيرة) في أكواخ تقام في الحقول.
في هذه الفترة تفرغ المدينة من سكانها أو تكاد، وينتشرالناس في البساتين حيث يجمعون بين الفائدة والمتعة، لأن أصحاب البساتين يقيمون حفلات ترفيهية باستمرار، ويرحّبون فيها بالضيوف، وتقام في البساتين أكواخ متقاربة تستعمل للسكن، وليس في منطقة البساتين سوى (أوبرج) فندق واحد كان الفرنسيون ينزلون فيه لقربه من المرفأ.
حصة كل ورشة من ثلاث إلى ست أونصات (الأونصة= 59،30 غرام/المترجم) من بيوض الحرير والأونصة 13 دراخما وثلث الدراخما وتنتج من روت (rotes) ونصف إلى ثلاث روت (rotes) من الحرير.
تعرّض الشرانق أولاً للشمس حتى لا تدهمها الديدان لاسيما عندما يكون الموسم جيداً، ثم يفصل الغلاف عن الشرانق، ويؤخذ منه الحرير بواسطة دولاب كبير ذي مانيفال يقام قريباً من النهر ويدار بالتيار، وعلى ضفاف نهر قاديشا عدة طواحين بسرعة مقبولة.
وفي العديد من البساتين أفران ذات مراجل تُجمَع فيها الشرانق وتسلق.
ثم يجمع الحرير في رزم مخصصة للتسفير أو للاستعمال المحلي.
لقد اكتسب العمال منذ بضعة أعوام خبرات مفيدة في حياكة الحرير واستغنوا به عن حياكة الكتان.
حرير طرابلس صلب، لذلك فهو المفضل في تركيا لصناعة الزنانير، وفي المغرب لصناعة البراقع للنساء، وفي فرنسا لصناعة البروكار وشرائط الزينة.
وفي البلد مدابغ للجلود على درجة من الأهمية.
صناعة الفخار متخلفة وبدائية جداً.
والأسفنج الذي يجمع غير بعيد من سواحل طرابلس بين أيار وتشرين الأول هو من النوع المميز لأنه ناعم وطري ومطلوب في أوروبا. ويجمع الغطاسون بين ثلاثمئة إلى أربعمئة ألف اسفنجة في العام ويعمل في الغطس أكثر من 120 غطاساً كلهم من طرابلس.
قديماً كانت هذه التجارة حرة، ثم صارت محصورة بالحاكم.
س: تحديد الأوزان والقياسات المستعملة بطرابلس مقارنة بنظائرها أو بما يعادلها في فرنسا؟
الأوزان في طرابلس هي الرطل الذي يساوي 90 أونصة مارسيلية ويستعمل في جميع أصناف البضائع باستثناء الحرير حيث يساوي الرطل 112 أونصة والقنطار 750 ليبرة مارسيلية.
وفي المنسوجات يستعمل الذراع الأسطمبولي الذي يساوي(aune) أون إلا ربع. وتوزن الحبوب بالشنبل الذي يساوي كيلوين اسطمبولي، وينقسم إلى ثمانية أجزاء كل جزء من 235 ليبرة. وتستعمل الكيلة في السوائل وتساوي 14 روت وثلث الروت أو 1,290 أونصة مارسيلية من الزيت. ويوزن النبيذ اللبناني بالقنطار وينقل النبيذ بضروف الماعز كما في أيام الفينيقيين. كيف كانت حال التجارة الفرنسية في طرابلس؟
وفي السجل التجاري لمارسيليا المرفوع إلى الوزير عام 1782 عن الواردات من بلاد المشرق والذي يشمل بمعدل كل سنتين أربعمئة ألف ليرة، وتجدون مزيداً من التفاصيل في السجل المرفوع من قبلنا إلى الحكومة عام 10 والصادر من غرفة التجارة.
وفي المواسم الجيدة تصل وارداتُنا من هذا المرفأ، ويشكل الحرير أهم عناصرها، مليون ليرة، فيما لا تتعدى الصادرات إلى المرفأ نفسه مئة ألف ليرة مع الإشارة إلى أن التجارة في السنوات الأخيرة السابقة للثورة كانت في وضع أفضل.
وفي مذكرة قديمة وردت إلينا من مرسيليا، وهي في الأصل صادرة عن طرابلس سنة 1752 بأمر من حاكمها، وفيها أن الواردات إلى طرابلس من فرنسا لا تزيد على مئة وخمسين ألف ليرة، فيما الصادرات من الحرير تبلغ 13 مليوناً، وقد تصل إلى 15 مليوناً وأربعمئة ألف ليرة، مع أن سعر الحرير كان ذلك العام في أدنى معدلاته.
وتتحدث مذكرة أخرى خالية من التاريخ ومن التوقيع (وقد استنتجنا من النص أنها من العام 1778 أو من العام الذي يليه) عن تصدير سبعمئة بالة حرير بسعر ألفي ليرة للبالة، فكان سعرها الإجمالي مليون وخمسمئة ألف ليرة، ولم تزد الواردات على مئتين وخمسين ألف ليرة. ولا بد أن يكون في هذا الرقم الأخير بعض المغالاة.
ولكن وعلى ذمة لائحة التجارة العامة في مرسيليا المطبوعة سنة 1780 نجد في صفحة سوريا أربعمئة إلى خمسمئة بالة حرير من طرابلس، بيروت، صيدا مخصصة لـ lyon لصناعة شارات الزينة. وكان سعر البالة 12 ليرة وعشرة سول.
كان في طرابلس وفي العام 1777وعام 1778 خمس بيوتات تجارية.
وإذا حسبنا أن القرش=45 سول، فإن الواردات تبلغ 477،219 ليرة والصادرات 858،366 ليرة.
وقد نقص عدد البيوتات وأصبح ثلاثة فقط.
وفي سنة 1790 ورد إلى طرابلس معظم التجار الفرنسيين الهاربين من جحيم الجزار في عكا وصيدا.
(يتبع)

فؤاد طرابلسي
19-01-2011, 07:23 PM
طرابلس أهم مرافئ المتوسط الشرقي بشهادة وثائق الأمبراطورية الفرنسية مطلع القرن التاسع عشر/3
"في الحلقتين الأخيرتين ترجمنا رسالة السيد ألفونس دوغيس مفوض العلاقات التجارية في الأمبراطورية الفرنسية بطرابلس الشام رداً على أسئلة معالي وزير العلاقات الخارجية. ونستكمل في هذه الحلقة ترجمة الرسالة".
س : ما هي ميزات تجارة الفرنسيين بطرابلس؟
ج: منذ رحيل التجارالإنكليزعن طرابلس لم يعد من منافس للفرنسيين. ولم تكن تجارة الإنكليز مع طرابلس تجارة مهمة في أي وقت من الأوقات، كان أهل البلد يشترون منهم الأصناف الأوروبية والأميركية ثم يبيعونها بالمفرق. ولا يدفع الفرنسيون سوى 3% على الواردات وعلى الصادرات، ورسوم الجمرك ليست مرتفعة ولا هي متزمتة قط في تقدير ثمن البضاعة ولا في كميتها ويمكن التقسيط.
كان تجارنا في الماضي يتوحدون في شراء الحرير ويفرضون أسعارهم وشروطهم عوض أن يخضعوا لأسعار البائعين من أهل البلد وشروطهم، وكان الحرير يأتيهم من طرابلس ومن سفوح جبل لبنان وحتى من بيروت.
ولتجارنا في طرابلس امتياز تجارة الإسفنج، وهو امتياز مقبول عرفاً وثابت بالعادة والتقليد.
س: ما هي مشاكل تجارة الفرنسيين مع طرابلس؟
ج: أول تلك المشاكل هي الأتاوات في جميع مناطق الحكم التركي، والتي لا يمكن التنبؤ بها ولا إلغاؤها بفرمانات الإعفاء الخاص. وجرت العادة قديماً الاكتفاء بأن يؤدي التاجر ضريبة العشر على أرباحه للباشا وكبار ضباط الأقليم.
فيما يختص بالمواد الغذائية فقد كانت أسعارُها متدنية، وكان التعاطي بتجارتها يعود حصراً إلى الأتراك أوالرعايا، أما التجارات الأخرى فكانت حكراً لنا، وقد تغير الأمر الآن تماماً.
لقد صار التجار خاضعين لمدبري أعمالهم من السكان المحليين، فحقق عدد من الأفندية ثروات كبيرة، وأصبح هؤلاء ينافسون القناصل بما يبذلونه من إنفاق سخي. وحصل ذلك طبعاً على حساب الأرباح، ما أدى إلى انخفاض في عدد التجار، وتسبّب في علاقات تنافسية بين الفريقين وجو من التكاذب المتبادل.
كذلك فقد فُرض على تجارنا أن يساهموا في نفقات الجردة سنوياً أسوة بسكان المدينة. وهذا فرض مستجد وعشوائي لامبرر له.
ولا بد من العودة لبحث هذا التدبير.
تساهم مدينة طرابلس بقسط هام من نفقات ما يسمى الجردة، وهي مجمل مصاريف قافلة الحجيج والنفقات المتوجبة لباشا دمشق ليقدمها لزعماء العشائر من البدو حتى يسمحوا لقافلة الحجاج بالمرور إلى جدة التي هي على ثلاثة أيام من المدينة
والجردة هي عموماً مساهمات طرابلس ومساهمات اللاذقية وصيدا وقرية قريبة من دمشق. حصة طرابلس من المساهمات تبلغ 400 كيس، وحصة اللاذقية كانت 500 كيس يوم كان إقليم اللاذقية جزءاً من باشوية طرابلس.
ومع أن مختلف هذه المساهمات وأشباهها تدخل في حساب الباب العالي أو ما يسمى حساب الميري، فإن الإدارة المكلَّفة بالجباية تلجأ إلى القروض من الأفراد إذا تأخرت الجباية، أو تجعل من هذا التأخير مبرراً للأستدانة من الأفراد لقاء كتاب ضامن يتعهد بردِّ الدين في أجل معلوم، وغالباً ما يصبح ذلك الكتاب غير ذي نفع عندما ينقل الوالي أو يعزل أو تنتهي مدة ولايته. إذ يرفض الحاكم الجديد الاعتراف بما تعهدبه سلفه أيا ما كان منصب السلف.
وكان حاكم طرابلس، وفاءً بالتزاماته نحو الجردة ونحو حاجاته الخاصة، وضماناً لمتوجباته نحو الباب العالي، يحصل من طرابلس ومن إقليم اللاذقية على 1200 كيس ينفق منها أكثر قليلاً من 900 كيس، ويحتفظ بالباقي لنفسه.
وجرى العرف بأن يساهم التجار الفرنسيون في الجردة بكميات من الجوخ ومن الطرابيش والحديد وغير ذلك من التقديمات أسوة بأهل طرابلس ما يلحق بهم خسائركبيرة.
هذه المتوجبات التي كانت في البدء وفي المبدأ تبرعاً طوعياً صارت مع الوقت ألزاماً، إذ كيف لك أن تقاوم إلحاح باشا لا يكف عن الطلب.
ولنقلها بصراحة: فبعض التجار قد يسّروا على السلطات التركية تحصيل هذه المبالغ وجعلوها من حساب التخزين. كذلك فقد وردت إشارات وإيحاءات من الباب العالي سمحت باستمرار هذه الشكاوى.
وثمة تنازلات وامتيازات منحت لبعض التجار المحليين على حساب الفرنسيين وخصوصاً في حصر شراء القهوة ببعض التجار دون سواهم، وهذه الممارسات قد جرى منعُها من الباب العالي.

فؤاد طرابلسي
19-01-2011, 07:24 PM
طرابلس أهم مرافئ المتوسط الشرقي بشهادة وثائق الخارجية الفرنسية/4
"في الحلقات السابقة ترجمنا أجوبة ألفونس غيس مفوض العلاقات التجارية للأمبراطورية الفرنسية بطرابلس على أسئلة وزير الشؤون الخارجية الفرنسية. ونستكمل في هذه الحلقة باقي الأجوبة". س : ما هي محاذير ومساوئ تجارة الفرنسيين مع طرابلس؟
مشاكل أسكلة طرابلس هي نفسها مشاكل الأسكالات التركية الأخرى. فالتوقيع على السندات المختلفة يكتسب هنا مصداقيته من الشاهدين أكثر مما هو مدوَّن في الورق. وقد تختلف شهادة الشاهد وقد تتعرض للإلغاء بشهادة نفي معارضة، فتلتبس مصداقية السند نفسه، ومما يسيء إلى العدالة أنه في النزاعات ودعاوى الإفلاس تعتبر شهادة التركي وحتى شهادة أفراد الرعية مقبولة وأعلى مصداقية من شهادة الفرنسي.
ويعرف الدائن أن للشهود أفضلية على السند المكتوب فهو لايهتم باسترداد بعد تسديده، وهذه السندات المدفوعة قد تنتقل إلى أيدٍ أخرى وتتسبب بمطالبات تعسفية ودعاوى ظالمة. وقد كان منها الكثير في السفارات. وبصرف النظر عن أي سوء نية فإن نفور الأتراك من كل إحراج هو ما يعفيهم من الكتابة، ولكن ولما كان للضرورة أحكام فهم يتقنون تدارك إهمالهم وتجنب المزالق وكسب الوقت والجهد بما يؤهلهم بصورة خاصة لإتقان أساليب النزاع وحيله. إن الأكثر جهلاً بينهم ليسوا بالضرورة الأقل مهارة في هذا المضمار. ومردُّ هذا النجاح إلى ثقتهم بتفوقهم وقدرتهم وهي ثقة لا بد من وضع حد لها.
واليونانيون (المقصود الروم) وباقي الرعية بما فيه الكاتوليك (المقصود الموارنة) هم كمثل الأتراك صلفاً وإستعلاءً، وهو صلف واستعلاء يتربص بالعبء الجاسم على صدورهم بانتظار الفرصة للتحرر منه.
أما الأمة اليونانية بطرابلس فهي وافرة العدد والثراء ومعروفة بمجافاة الأوروبيين، ولاسيما الفرنسيين بداعي الحسد، بالإضافة إلى ما ترسف فيه من جهل جهول ومن تجنب الإنسان البدائي المتخلف للإنسان المتمدن وحرصه في الابتعاد عنه... إنهم يونانيون بالإسم من حيث الطقوس فقط، ولكنهم يجهلون حتى لغة آبائهم. ففي هذه البلاد التي ليس فيها روسي واحد نجدهم يتعصبون للروس كل التعصب.
إن مدراء أعمالنا الملحقين بمكاتبنا هم من الموارنة بغالبيتهم، وهم من الطينة عينها على وجه العموم. وهم يحلّون محل التجار أنفسهم في كل الأعمال بيعاً وشراءً بما فيه تجارة الحرير. إنهم أسيادٌ ما يملكون، وهم مخلصون للسلطات بدافع الخوف، ومخلصون للناس في بيئتهم بدافع الولاء للمحيط، ولا يتوانون عن الإنفاق تشاوفاً بأكثر مما يكسبون من عمل غير دائم، ولا يستمر لأكثر من بضعة أشهر في السنة. إنهم يضحّون دائماً بمصالح مستخدميهم لصالح أبناء البلد المحليين، وذلك بالموافقة على البيع بالدين أقساطاً، ومنح الهبات غير المبررة والتساهل في تاريخ الاستحقاق. وينحون بالتجار منحى البذخ والترف مبعدينهم عن سواد الناس ليظلوا في بيوتهم، ولتنمو في نفوسهم منازع الاستعلاء والتعاظم ما يجعل بينهم وبين العامة مسافة، بحيث يعتبرون أن مجرد النزول إلى الأسواق أمر لا يليق بمركزهم، وبذلك يحكمون عليهم بالعيش الوديع الرخي بين الأرائك، ناهيك عن دور النساء الذي لا يخفى خطره.
إن انتفاضة 1783 أعطتنا فكرة صحيحة تماماً عن الفرنسيين وأبناء الفرنسيين في ولائهم للوطن الذي كان وطن الآباء، وتعلقهم بتقاليده وبعواطفهم نحوه. فقد أكدت الوقائع على المبدأ القديم القائل بوجوب تجنب الإقامات الطويلة في بلاد المشرق ،لأن الفرنسيين معرّضون فيما يبدو أكثر من سواهم لاكتساب كل سلوك مريب.
وعليه فإن معظم الصفقات الفاشلة يمكن ردُّها لأخطاء مديري أعمال التجار الفرنسيين في طرابلس.
وقد أتيح لموقّع هذا التقرير أن يتأكد من أن العديد من البيوتات المرسيلية التي كان لها مكاتب بطرابلس قد انتهت بها الأمور إلى خسارات فاقعة.
إن الفرنسيين الذين صادف وجودُهم في طرابلس يوم إعلان الباب العالي الحرب على فرنسا قد عانوا من شراسة الأتراك مثل ما عانى غيرُهم في شتى أقاليم الأمبراطورية التركية. لقد طالهم من تعسف الجزار ما طال غيرهم من الفرنسيين في عكا.
ومع أن طرابلس كانت يومها في حالة عصيان على الباب العالي، فقد سارع أهلُها إلى الانصياع لأوامر "الباب". ولقد استغل الفرنسيون قربهم من جبل لبنان لينقذوا أرواحهم وما غلا وخفّ من مقتنياتهم، فنهبت بيوتهم وامتنع مدينوهم عن الدفع، وبلغت أرقام التعويضات في اللوائح المقدمة من ممثلي فرنسا في القسطنطينية مئتي ألف قرش.
ليس في طرابلس اليوم أي تمثيل تجاري لفرنسا.
س : ماهو الوضع الحالي للتجارة الفرنسية بطرابلس؟
ج : إن إنسحاب الفرنسيين وما رافق ذلك وتبعه حتى أيامنا الحاضرة من قلاقل قد أحدث ثورة حقيقية في تجارة هذه المدينة. فعلاقات طرابلس المباشرة مع أوروبا والتي كانت تتم عبر الفرنسيين قد توقفت مع توقفهم. والبضائع التي تصل إلى المدينة اليوم تصلها من مدينة حلب عبر قنوات عديدة، وعن طريق القوافل، والاستهلاك متدنٍّ إلى الحد الأقصى، بدليل أن ما يدخل المدينة لا يتعدى عشرين بالة من الجوخ الفرنسي.
لم تعد هذه المدينة مصدر تزويد لمدينتي حماه وحمص وجوارهما بالبضائع. في السابق وعندما كانت بيروت تحت سلطة الدروز كانت دمشق تتعامل مع طرابلس.
ولقد وصلت إلى المدينة أجواخ من تريستا ولايبزغ ونفق بعضها.
قبل الحرب الأخيرة كان الجوخ الإنكليزي يباع ¼2 ، ½2 الذراع وسعره اليوم 6/7. مع حسم ⅓% كفرق بأسعار العملات.
ندرة للأجواخ نشطت بعض الصناعات المحلية لما يسمى (العباية) وهي أجواخ كانت في الماضي مخصصة لعامة الشعب أو لسكان الأرياف وزاد عليها الطلب اليوم، ويضاف عليها تخاريج مذهَّبة، فيصل سعرها من100 الى 300 قرش. وإلى ذلك يوجد عباءات من وبر الماعز الأسود لبرد الشتاء يتراوح سعرها بين 28 و100 قرش.
وقد علمنا أن الفرنسيين قد أرسلوا حتى ثمانين بالة من الحرير في السنوات الأخيرة من تجارتهم بسعر يتراوح بين 15 إلى 17 قرشاً الليبرة ( تساوي الليبرة سنة 1806 بين 55 إلى 65 قرشاً).
ووفق سجل القبّان المعتمد، فقد خرج في السنوات الثلاث الأخيرة:
سنة 1803 35 كانتال بسعر يتراوح بن 45 و48 قرشاً الروت
سنة 1804 49 كانتال بسعر يتراوح بين 50 و55 قرشاً الروت
سنة 1805 40 كانتال بسعر يتراوح بين 55 و60 قرشاً الروت
(الروت = ½7 ليبرة مرسيلية).
وهذا الفرق لا علاقة له باختلاف المواسم بل لتدني سعر العملات التركية وارتفاع سعر الحبوب نتيجة ذلك ونتيجة للقلاقل التي تعاني منها المدينة منذ زمن طويل ولزيادة الطلب على الزنانير(الشملات) في السنوات الأخيرة والموضة النسائية في الإكثار من الجدايل الطويلة للشعر مع الحرير. وقد زاد الطلب من حلب ومن دمشق ودمياط، بالإضافة إلى المغاربة الذين كانوا يشترون الحرير من مارسيليا.
بصرف النظر عن الأسباب المنوَّه عنها آنفاً والتي أشملت السنوات العشر الأخيرة، فإن إنتاج الحرير قد تراجع بتراجع العناية بزراعة أشجار التوت التي أصبح الناس يفضلون عليها أشجار الحمضيات التي لا تحتاج لكبير عناء سوى السقاية صيفاً بين حين وآخر، وهذا سهل وغير مكلف. مياه جبل لبنان التي تصل المدينة بغزارة وبأقنية ضخمة يستفاد منها لسقاية البساتين.
ويستفاد من سجلات القبّان العام أن بيتاً تجارياً فرنسياً واحداً قد اشترى منذ 22 سنة 45 قنطاراً من الحرير أي ما يعادل ½337 قنطاراً مارسيلياً.
وقد حدد الباب العالي مؤخراً رسماً على الحرير 5% على الروت منها 30 بارة تعود إلى الجردة وأقل من ذلك ما يعود إلى طرابلس.

فؤاد طرابلسي
19-01-2011, 07:24 PM
طرابلس أهم مرافئ المتوسط الشرقي بشهادة وثائق الخارجية الفرنسية/5
في الحلقات السابقة ترجمنا أجوبة ألفونس دو غيس مفوض العلاقات التجارية للأمبراطورية الفرنسية بطرابلس على أسئلة وزير الشؤون الخارجية الفرنسية. ونستكمل في هذه الحلقة باقي الأجوبة.
س :موضع التجارة الفرنسية في طرابلس حالياً؟
في جونية وهي مرفأ صغير بين جبيل وبيروت يجرى تبادل بعض السلع لا سيما السلع الحريرية، وذلك على حساب مرفأي طرابلس وبيروت. ويجري في جونية أيضا تصريف عملات مزورة تركية أو بندقية على طول المناطق الساحلية.
وتبلغ عائدات الجمرك التي يدفعها الفرنسيون وحدهم بين 16000 و22000 قرش في العام على الأقل. ويؤكد أمين الجمرك الحالي، وهو رجل من الوجهاء المعروفين ممن تولوا أمانة الجمارك زمناً طويلاً أن هذه العائدات كانت تبلغ أحياناً 50000 قرش. ومعروف أن الشرقيين لاسيما العرب منهم يميلون للمبالغة.
كان بذخ الباشا وحاشيته وجنوده يوفر للأفندية من وجوه المجتمع، وعددهم في المدينة لا يستهان به، مبالغ ضافية من العملة التي يتهافت عليها المشترون الأجانب.
لقد كان الحكم شأناً من شؤون الباشا حصراً و،كان الباشا ينفق بسخاء، غير أن أحد الرعاع تولى الإدارة محل الباشا منذ سبع سنين وهو مكاري بغّال كان له دور في الأحداث التي شهدتها المدينة، وتوصل مستغلاً تلك الأحداث، بالحيلة والخيانة، إلى احتلال القلعة القديمة، فحصنها وجعل من نفسه حارساً وآمراً على حاميتها التركية على رأس نحو خمسين رجلاً، بعد أن اشترى لنفسه لقب آغا الأنكشارية من الصدر الأعظم عندما كان هذا في مصر، ونال لقب متسلم من الباشوات الذين توالوا على المدينة دون أن يكون لهم عليها أي نفوذ أو سلطة، إلا واحداً هوالجزار الذي كان في آخر أيامه يحاول أن يتخلص منه.
ومات الجزار، فتحررمصطفى بربر من الباشا الوحيد الذي كان يهابه. وبعد أن قاوم عبدالله باشا وصمد أمام حصاره لطرابلس قبل وصول موقّع هذا الكتاب بقليل حكم المدينة منكِراً كل سلطة للباشاوات الذين خلفوا الجزار في باشوية طرابلس مانعاً أياً منهم من دخول المدينة.
لقد رفض بربر بشدة رفضاً قاطعاً زيارة الكراندلي باشا للمدينة في الشتاء الماضي ما لم يعطه الباب العالي متسلمية اللاذقية أسوة بطرابلس.
ويمكن القول إنه منذ أن استولى على القلعة وحتى تاريخه لم يكن متوافقاً مع الأتراك. فلا هو من الخاضعين ولا هو من الخارجين على الباب. فهو ينفذ كل رغبات الباب التي توافق رغباته، وهو يؤدي كل ما يتوجب عليه نحو الجردة بدقة وفي موعده، ولكنه يهدد بحجب ذلك إذا عارضه في خططه معارض، وهو يبدي منذ بعض الوقت ميلاً واضحاً للتعاون مع سليمان باشا.
إنه يقلد الجزار تقليداً سخيفاً لاعتقاده بأنه خليفته، ويبدي استخفافاً برجال القانون فيما يؤكد باستمرار إجلاله المطلق لذوي السلطة. هو لا يوقر أحداً، ولكنه يراعي جانب السكان كل المراعاة، ولا يجرؤ على حشد جيش وافر العديد خوفاً وبخلاً. وفيما هو يعلن ولاءه للباب تراه لايتعب من التهجم على السلطان ووزرائه وحاشيته بأقذع العبارات. ولو قدر للسلطان أن يفرض عليه إنشاء جيش معقول لما تورّع عن تحميل الناس ما يحملهم الباشاوات عادة من أتاوات جائرة وبفظاظة من هم من طبقته وطينته.
لم يعرف طوال حياته إلا طرابلس وعشرين فرسخاً من محيطها، لذلك فهو خشن السجية، وعلى درجة من الغباء وبدائية الطباع في محيط متخلف من عشراء على شاكلته، ويعتقد أنه في مأمن داخل قلعته التي ما انفك يعلي أسوارها حجراً فوق حجر.
أما دول العالم فهو لا يعرف عنها سوى الاسم مع أن اسم فرنسا ما فتئ يطرق سمعه بكل مجد عظيم. وهو يخضع لتأثير كبير من حاشيته والمقربين الذين لا يفترون عن ذكر روسيا وتمجيدها بحيث لم يرسخ في وعيه سوى اسمها. وأغلب الظن أن رأيه فيها كان يمكن أن يتغير لو كان في طرابلس روسي واحد، أو لو أتيح له من يعلمه رغد العيش ورهافة السلوك.
من هنا فإن قنصل فرنسا لا يعدو أن يكون في رأي رجل بمثل هذه الطباع واحداً من عامة الناس لا أكثر ولا أقل.
إن الفرنسيين والإيطاليين الذين سيأتون إلى طرابلس لسوف يحصلون على الأمن كما بقية الناس، ولا شيء فوق ذلك، وما ينبغي لهم أن يستأمنوا أهل البلد إذا شاؤوا أن يستوفوا ديونهم.
كل شيء يمكن أن يتغير بين لحظة وأخرى، وما لم يسارع الباب ليستعيد طرابلس ويدك القلعة فمن الممكن أن يحل محل بربر حاكم آخر أسوا منه، ولا بد هنا من أن نعترف لبربر بإنجاز مهم على صعيد الأمن في طرابلس وفي الجوار، حيث يستطيع المسافر أن يتنقل بكل أمن واطمئنان.
تلكم حال طرابلس وهي رهن علاقة حاكم المدينة بالسلطة المركزية: علاقة سليمة وحقيقية حيناً وشكلية صورية أحياناً بما يحدثه تغيير الحاكم عشوائياً كل عام من قبل الباب، واختيار رجل من هنا أو من هناك من جيران طرابلس الأدنين أو من الأغراب الأبعدين.
هذه التعيينات تحدث في المدينة خضات مضرة بالتجارة ويزيد من ضررها روايات البحارة وربابنة المراكب وما ينشرونه من مبالغات في الخارج.
ويتحكم بالتجارة حاليا بعض الأتراك وعدد قليل من ذوي الامتيازات. وهناك مراكب مختصة بالتجارات الساحلية، وأهم هذه التجارات تجارة طرابلس مع دمياط التي تمد طرابلس بالرز والخضار وأنواع العطارة والعقاقير إلخ...
بيروت، التي هي بحكم موقعها ميناء دمشق، تقوم اليوم بتجارة طرابلس وصيدا البحرية، وتمد هذين المرفأين بالبضائع الأوروبية.
إن الثورات المتلاحقة في سوريا قد جعلت من لارنكا في قبرص مستودعاً مأموناً، وسيبقى كذلك ردحاً من الزمان.
أهل طرابلس قسمان: قسم وهو الأغلب يعيش بجوار القلعة، والقسم الأصغر على الشاطئ بحماية بعض الأبراج الصغيرة المهملة، وهم بين عشرة إلى اثني عشر ألف نسمة، ويستهلكون ما يناهز سبعين إلى ثمانين شنبلاً من القمح يومياً، عدا الذرة التي يتغذى بها الفقراء وبعض الميسورين أحيانا.
ويبلغ سكان المناطق المحيطة بطرابلس ستين إلى سبعين ألف نسمة، ومن قواعدها صافيتا بلاد النصيرية، وعكار بلاد الأتراك واليونانيين (المقصود الروم/المؤلف). وأهل صافيتا معروفون بأنهم أهل رخاء ورفاه، وهم يمدون طرابلس والجبل بأهم المواد الغذائية.
في مواسم الحرير الجيدة، وعندما تكون المدينة سوقاً للداخل يكون ميزان المدفوعات في صالح المدينة، وهو اليوم في صالح قلة معدودة ويكون في صالح الجميع لو رفعت الأتاوات.

فؤاد طرابلسي
19-01-2011, 07:25 PM
طرابلس أهم مرافئ شرقي المتوسط بشهادة وثائق الخارجية الفرنسية/6
"في الحلقات السابقة ترجمنا أجوبة ألفونس دو غيس، مفوض العلاقات التجارية للأمبراطورية الفرنسية بطرابلس على أسئلة وزير لشؤون الخارجية الفرنسية. ونستكمل باقي الأجوبة في هذه الحلقة":
س: هل ستلقى الملبوسات الحريرية الباهظة الثمن ما كانت تلقاه في الماضي من رواج؟
ج: لسوف تستعيد منسوجاتُنا حصرية تفردها في سوق طرابلس كما في كل سوريا ما في ذلك شك مع عودة الإنتاج في فرنسا إلى سابق عهده. وقد بدأ الناس يسألون عن الجوخ الناعم، وبدأ الجوخ الرخيص من الدرجة الثانية ينافس ويحل محل الشيلان (جمع شال) الإنكليزية التي عرفت بعض الإقبال في الماضي. أما النخبة من الطبقة الغنية فهم يفضلون الشيلان من الأنغورا.
والمأمول أن تقترب صناعة الطرابيش الشرقية من صناعة الطرابيش التونسية إن لم تعادلها.
وإذا تمكنا من تخفيض أسعار البن والسكر فقد نستطيع المنافسة، وهذه الأصناف يتم استيرادها لسوريا من مصر.
وسوف نورّد حاصلات المستعمرات وكل المنتوجات المصنّعة.
ويمكن أن نجد سوقاً لأسلحتنا، ويكفي أن نذّكر بما حققته هذه الأسلحة من إنجازات وسمعة.
هذه المراكب الأوروبية التي تحمل البضائع حالياً لطرابلس سوف تتوقف لتحل محلها بسرعة البضائع الفرنسية، ولسوف تستعيد التجارة الفرنسية مجدها الأول، ولسوف تزداد الحركة التجارية دون شك مع دول الأمبراطورية ومع بلاد صاحب الجلالة.
ولكن، وفي البدء، وبالرغم من مساهمة الجنويين النشطة، فإن القليل فقط من البيوتات التجارية الفرنسية والإيطالية ستجد فرصتها في العمل بانتظار أن يعود المروجون التجاريون إلى طرابلس، ولكن ليس على حساب البائعين.
ومع أن المراكب التركية قد كثرت حتى غيّبت بقية الرايات، فمن المنتظر أن يعود التجار إلى المراكب الفرنسية لما تتمع به من ثقة وانتظام، ولا سيما في فصل الشتاء، حين تتوقف مراكب المشارقة الصغيرة عن العمل لعجزها عن تحمل العواصف وضياع الكثير منها بسبب النقص في كفاءة الربابنة. ولسوف يكون للجنويين دورهم في عملية النهوض بعد أن أصبحوا فرنسيين.
منذ أحداث طرابلس تهدّم الكثير من البيوت الفرنسية، وزادت الأمور سوءاً مع الوقت ومنها المقر القديم للقنصلية.
لم يشهد موقِّع هذا الكتاب طوال ثلاث سنوات من وجوده هنا بناء أي من البيوت. ولسوف يجد الفرنسيون صعوبة في الحصول على مسكن، وسوف يضطرون لتحمل نفقات الترميم، لأن المالكين لن يقوموا بذلك طوعا. ومن الفطنة أن يختاروا الميناء سكناً حيث سيكونون قرب مراكبهم وأعمالهم بعيدين عن أناس ذوي قناعات مسبقة، وبمنأى عن مناخ موبوء في الفصول السيئة.
والفصول السيئة هي الصيف الحار الذي هو أيضا فصل النشاط في شراء الحرير وشحنه، ويمكن أيضا أن نأخذ في الحساب قضية التوفير في النفقات، إذ أن المسافة بين المدينة والميناء تزيد على نصف ساعة، ونفقات نقل البضاعة المستوردة من الميناء إلى المدينة تكلف كل بيت من البيوتات مايزيد على 1000 قرش، أضف إلى ذلك ما يتطلبه إيجاد مسكن في المدينة من وساطات وجهود مكلفة أحياناً ما يعطي الأفضلية للإقامة في الميناء.
أحد الباشاوات من آل العظم، وهي سلالة لها أملاك واسعة بطرابلس، وأعطت سوريا الكثير من الحكام وما تزال، عرض منذ بضع سنوات على القنصل الفرنسي أن يبني للجالية الفرنسية خاناً في الميناء أسوة بخان الفرنج في صيدا، ولكن الغالبية رفضت هذا العرض لمصالح وأسباب خاصة، وكان الأجدر بها تغليب المصلحة العامة. تعرف حكومتنا كل ما يجب عمله مع الباب لتصحيح الأمور، وما علينا سوى الإنتظار بصبر وثقة لما سوف تقره في هذا الموضوع لجعل الفرمانات أجدى نفعاً، ولتنأى بها عن بعض الرجال الذين لا مبدأ لهم ولا رادع، والذين يعتقدون أنهم أحرار مطلقو الحرية، وهم كذلك بالفعل أحياناً. والأوامر والفرمانات ليس لها بوجه عام من القيمة إلا بمقدار ما يتابع المصدر السهر على تنفيذها، وإن الباب لا يكلف نفسه متابعة قراراته إلا قليلاً في كل ما يتعلق بالفرنسيين.
إن تواجد بعض قطعنا الحربية في مياه المشرق مفيد دائما للتجارة وفرض هيبة مندوبي جلالته الأمبراطورية في بلاد كثر فيها المارقون المستبدون الذين اغتصبوا السلطة بعضها أو كلها من العثمانيين والذين يظنون أن في التجاوزات والمبالغات تحقيقا لسطوتهم.
هل من رجاء وأمل أكبر من رجائنا وأملنا في عظمتكم التي تكبر مع الأيام، والتي شاء حظنا السعيد أن نعمل في كنفها؟ ونحن نهنّئ أنفسنا بتنفيذ أوامر صاحب السيادة وزير العلاقات الخارجية وبلفتته الكريمة التي وضعتنا تحت حمايته.
التوقيع: الفونس غيس