المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سجلات المحكمة الشرعية وأهميتها في تاريخ طرابلس العثمانية



فؤاد طرابلسي
03-03-2011, 06:32 PM
سجلات المحكمة الشرعية وأهميتها في تاريخ طرابلس العثمانية (1)
دكتور عمر تدمري

تحتفظ المحكمة الشرعية في طرابلس بكمية ضخمة من السجلات الرسمية ذات القيمة التاريخية والتراثية والوثائقية التي لا تقدَّر بثمن، لكثافة المواد والمعارف الإنسانية والمعلومات والقضايا التي تشتمل عليها، والتي يمكن أن تقدّم مَعيناً ثرّاً من المعطيات التاريخية، والسياسية، والعسكرية والعمرانية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية والثقافية والدينية والرياضية... ،الموثّقة والرسمية، خلال حقبة طويلة من العصر العثماني، ليس عن مدينة طرابلس فحسب، بل عن معظم ساحل بلاد الشام، باعتبار أن طرابلس هي عاصمة الولاية العثمانية على هذا الساحل، والتي تمتد حدودُها الساحلية من الجبل الأقرع بنواحي أنطاكية شمالاً، حتى جسر المعاملتين عند جونية جنوباً. وتمتد حدودها الداخلية لتشمل اللاذقية، وجبلة وحماة وحمص وطرطوس وقلاع الدعوة العلوية، ونواحي صافيتا شمالاً، حتى جبال الجرد والعاقورة جنوباً، مروراً بالبُقَيعة والشَعرا والهرمل وعكار والضنية والزاوية والكورة وجبّة بشري وجرود البترون وجبيل. ولا يَخْفى ما لهذه السجلات من قيمة علمية في توضيح المسار الحضاري لتاريخ طرابلس وإيالتها في العصر العثماني.
وتغطي السجلات حقبة زمنية تمتد من بُعيْد النصف الثاني من القرن السابع عشر بقليل، وبالتحديد من سنة 1077هـ/1666م. حتى الآن. ويزيد عدد السجلات على المئة، بحيث أن السجل الواحد لا يقتصر على قضايا سنة واحدة فقط، بل قد يحتوي على وقائع سنتين أو أكثر. كما أن كل سجل يتألف في المتوسط من نحو 300 ثلاث مئة صفحة من القطع الكبير (طول الورقة بمعدل 40 سم) والسجل بدوره يشتمل على نحو 500 (خمس مئة) قضية في المعدَّل. وهذه القضايا تختلف وتتنوع، وتطول وتقصر بحسب موضوعها، وهي تندرج تحت أكثر من مئة عنوان، مثل:
قضية بيع وشراء، قضية دعوى، قضية التزام مقاطعة، قضية احتكار، إجارة، مقاسَمَة، فرمان (مرسوم سلطاني شريف) بيورَلْدي (مكاتبة ديوانية رسمية)، فراغ وظيفة، تقرير في وظيفة، تنصيب مشيخة، إقرار أصناف الحِرَف، نفقة، وصية، عتق، بناء، ترميم، بناء، وقف، تولية، إثبات نسب، كشف على مبنى، وكالة، صُلْح، إبراء، حجر، إخبار، تنفيذ وصية، رواتب أنفار القلعة والأبراج، خسائر فيضانات النهر، تحرير تركة، دفتر متروكات، أثمان الكتب، إحصاء الحارات، بوابات البلد، الأفران، الخانات، الحمامات، الجوامع، القناقات (الفنادق)، المصابن، مطابخ الطعام، أسعار الخبز واللحم والخُضْروات والبقول، مرسوم المحلات...
وهذه العناوين العامة يتفرع عنها مئات العناوين الأخرى، وهذه المجموعة الهائلة من عناوين الموضوعات والقضايا بحاجة ماسة إلى فهرستها وتصنيفها فهرسةً وتصنيفاً علمياً وأميناً. وحتى يستقيم هذا العمل ويؤدي المحصلة المرجوّة منه، والتي تيسّر للباحثين سُبُل البحث والدراسة، يقتضي وضع فهارس تفصيلية إضافة إلى الفهرس العام، منها: فهرس خاص بالأعلام، وفهرس بالأسر والأنساب، وفهرس بالأماكن والبلدان والمواقع، وفهرس بالمفردات والمصطلحات والألقاب، وإلى جانب هذا وذاك، ترجمة الفَرَمانات والأوامر والمراسلات التركية العثمانية التي تحفل بها السجلات، فضلاً عن ترقيم الصفحات، وترقيم القضايا، وترقيم الأسطر في كل صفحة.
(يتبع)

فؤاد طرابلسي
03-03-2011, 06:32 PM
سجلات المحكمة الشرعية وأهميتها في تاريخ طرابلس العثمانية 2
يظن الكثير من الناس، بل يعتقدون، أن سجلات المحكمة الشرعية تقتصر على قضايا الزواج والطلاق وما يتبعهما. ومن يتصفّح السجلات سيفاجأ بأنها لا تتناول أية قضية لعقد زواج على الإطلاق، إذ أن عقود الزواج والمُهور كانت تقيَّد في أوراق خاصة يحتفظ بها صاحب العلاقة دون أن تُحفظ صورتُها في ديوان المحكمة. وهذا الأمر يؤكّده ابن محاسن الدمشقي (ت 1052) وقد قام برحلة إلى طرابلس في أوائل سنة 1048هـ/1637م. واطّلع على سير العمل في المحكمة بشكل مباشر، وكتب عن ذلك بما نصُّه: "... وقد رأيت لهم في محكمتهم اختراعات عجيبة وأحوالاً غريبة منها، أن الرجل إذا أراد أن يتزوج فيأتي إليهم، فيكتبوا في صدر ورقة بياض: أذِن مولانا -بعد أوصاف تحضرهم باردة، وقيود غير لازمة زائدة- القاضي بمدينة طرابلوس، لفلان الفلاني، ويسمّون رجلاً يعقد العقد، إما من العلماء أو من الجهلاء- بأن يعقد عقد فلانة على فلان من غير مانع شرعي. ويجعل القاضي إمضاءه في أعلا(!) الورقة، ويدفعونها لمن يريد أن يعقد العقد. ويقبض القاضي على ذلك ما صدر عليه الوعد من غير تسجيل لذلك، ولا العِلم بتفصيل ما هنالك. ومنها أن غالب ما يصدر عندهم يكتبونه من غير تسجيل، فيُفضي ذلك إلى ضياع حقوق الناس، فحسْبُنا الله ونعم الوكيل". (المنازل المحاسنية في الرحلة الطربلسية- يحيى بن أبي الصفا المعروف بابن محاسن الدمشقي -تحقيق د. محمد عدنان البخيت -طبعة دار الآفاق الجديدة، بيروت 1401هـ/1981م -ص80).
ومن قضايا السجلات اخترنا ما يلي:
صوة كشف
"كشف بالالتماس من طرف الشرع القويم، بأمر سعادة مصطفى بيك مير اللوا، على أودة صرّاف خزينة طرابلس الشام الكاينة في خان الصاغة، بحضور جناب السيد محمد أفندي عادلي زاده وكيل لسعادة المدير المعظم، وجناب عثمان آغا سرجي بكباشي بلطيجية، ومحمد أفندي باش محاسبجي عشرجي آلاي بياده، ودرويش أفندي مسرجي صقول أغاسي عشرجي بياده، ومباشر آلاي المذكور، وحضور جناب الحاج صالح أفندي ناظر الشون الذخاير، والحاج عمر التدمري وحضور معاون صرّاف اللاذقية الحاضر بالخزنة، الخواجة حنا فاتول، فدخلوا المذكورين (كذا) جملة.
غبّ فتح باب الأوده المذكورة، فإذا هي فارغة ليس بها سوى أربع فردات تحت الحِزَم وبأعلاهم(!) ورقة بخط الصرّاف تتضمن أصناف العملة التي داخل الفردات المذكورة، وهي:
ريال مصري عـ21، أُكْلُك عـ764,5، قرش حميدي قديم عـ200، زهراوي عـ154، بكُشْلُك قُنْداق عـ3895، بشلك طُرَّه عـ2114، ناقشلي عـ20210,5، قرش مصري عـ707,5، بارة عـ1.
فهذا ما حوتْه القايمة المذكورة لدى حضرات المذكورين أعلاه، وقد وضعت بالقلعة صحبة الدراهم المحضَرَة مع معاون صراف اللاذقية. وقد خُتِمت الصور المذكورة بالشمع الأحمر بختم كاتبه الفقير اليه سبحانه، كرامه زاده السيد عمر النايب بمدينة طرابلس الشام حالاً.
حُرِّر في 14 شعبان سنة 1256 (1840م).
شهود الأسماء المرقومين أعلاه
جناب عثمان آغا سرجي بكباشي بلطجية مع الختم، جناب الحاج صالح أفندي ناظر شون مع الختم، جناب محمد أفندي باش محاسبجي مع الختم، الحاج عمر آغا التدمري مع الختم، جناب درويش أفندي سرجي صقول آغاسي مع الختم، الشيخ محمد أفندي مباشر عشرجي آلاي، الخواجة حنا فاتول معاون صراف اللاذقية مع الختم. وغيرهم.
(يتبع)